[ 16 ]
(والحب ذو
العصف
والريحان *
فبأيّ آلاء
ربّما
تكذّبان) (سورة
الرحمن،
الآيات:12 ـ13).
استحباب
التطيّب
بماء الورد:
وخلاصة
معنى هذه
الآية
الكريمة هو،
أن الله تعالى
جعل الأرض
مصدراً
للحبوب
بمختلف
أنواعها
وضروبها،
هذا الحب (ذو
العصف) الذي
تتيبس
أوراقه،
فيخلص حباً
غذاءً
للإنسان
ويستحيل
العصف إلى
طعام
للحيوان،
وقد جعل الله
تعالى الأرض
مصدراً
للريحان
أيضاً، من كل
نبات طيب
الرائحة،
يدخل على
النفس
الارتياح
ويعمّها
بالهناء. وقد
جاء في الشرع
المقدس
باستحباب
التعطّر،
خصوصاً بعطر
ماء الورد
الذي يتم
استخراجه
بواسطة
عملية
التقطير
المعروفة من
الورود،
ويتأكد
الاستحباب
في تعطير
الرأس
والوجه بشكل
خاص في اليوم
الأول من شهر
رمضان
المبارك،
وعند الخروج
من المنزل،
ولعل أحد علل
استحباب
التعطر بماء
الورد هو
انتفاء
الفقر
والبلاء
والمرض عن
المتعطر، بل
دفع المرض
العضال عن
بدن الإنسان.
ولو
قايسنا ما
نجده اليوم
من عطور
خلابة مع ما
هو موجود في
عالم الغيب
لألفيناها
من أردأ عطور
عالم
الوجود، حتى
ان عطور
الدنيا
جميعاً ما هي
إلاّ قطرة
واحدة من
بحار وعطور
عالم الغيب،
بل هي نسمة
من نسمات ريح
الجنة
العبقة
الشذّية،
هذه الريح
التي يشمها
الرجل
المؤمن من
على مسيرة
خمسمائة
عام، بل وفي
إحدى الروايات
المنقولة عن
الإمام
الصادق (ع) من
على مسيرة
ألفي عام،
وبالتأكيد
ان اختلاف
المسافة في
الروايتين
انما حصل
باعتبار
اختلاف
منازل
ودرجات
الأفراد
المؤمنين من
حيث درجة
الإيمان،
ففيهم من يشم
ريح الجنة من
مسافة
خمسمائة عام
وفيهم من
يشمها من
مسافة ألفي
عام.
عرق
جبين النبي (ص)
عطر فوّاح:
بل
ان الروح
المحمدية (ص)
المطهرة في
ارتباطها
ببدنها لم
تكن تظهر
واقعية
التجلّي
المحمدي
بأكثر من جزء
من أجزاء
المليون من
التجلّي
الكامل الذي
سيتحقق في
عالمي
البرزخ
والقيامة،
لأن الدنيا
صغيرة جداً
ازاء عظمة
تجلّي الروح
المحمدية،
ورغم ذلك كان
عطر محمد (ص)
أطيب وافضل وأعبق
كل العطور
والروائح
الطيبة في
هذه الدنيا
بأسرها، إذ
يروى أنه في
ليلة زفاف
السيدة
الزهراء
فاطمة(س)
حضرت زوجات
النبي (ص) وقد
حملن معهن
عطوراً تفوح
منها روائح
طيبة، وجاءت
(أم سلمة)
زوجة النبي (ص)
بقارورة عطر
مغلقة فغطّ
أريجه وشذاه
على جميع
العطور
قاطبة فجلب
انتباه جميع
من حضر
آنذاك،
فسألوها: من
أين لك هذا
العطر؟
فأجابتهم:
إنه عرق جبين
النبي (ص) قد
جمعته في هذه
القارورة
يوم كان
النبي (ص)
نائماً في
حجرتي في
نهار يوم
قائظ. وبقي
شذى هذا
العطر
المحمدي
يفوح في أزقة
المدينة
لحين من
الزمن فيشمه
كل رائح
وغادٍ. ولا
يفوتني
هنا أن
أعلمكم
بالمحرومين
من شم عطر
محمد (ص) انهم
اولئك الذين
يسمعون ذكر
اسمه الشريف
ثم لا يصلّون
عليه شحاً
وبخلاً.
فبأيّ آلاء
ربّكما
تكذّبان؟!
وبعد
ان تذكر
السورة
نتفاً من
النعم
والآلاء
الظاهرية
والمعنوية
تتوجه وتقول (فبأيّ
آلاء ربكما
تكذبّان)؟
خطاباً
موجهاً للجن
والأنس
يتكرر واحداً وثلاثين مرة
في هذه
السورة
الكريمة.
فبعد ان تذكر
السورة نعمة
خلق الأرض في
قوله تعالى (والأرض
وضعها
للأنام)
تصوّر كيف أن
الباري
تعالى مهد
الأرض
لعمارها من
الجن والانس
والعقلاء
وهم الأنام،
يأتي السؤال
الإلهي
التقريري في
نص قوله (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان) ثم
تأتي الآيات
تترى (يا
معشر الجن
والانس...) و(سنفرغ
لكم أيها
الثقلان)
لتوضح
المقصود من
قوله تعالى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان)
وهو خطاب
موجه للجن
والانس إذ
هما الثقلان
كما سيأتي الاشارة
إلى
ذلك في حينه،
فالجن
مكلفون كما
أن الناس
مكلفون، وهم
يخضعون
لثواب
الأعمال
والأقوال
والنيات
وعقابها كما
عند الإنسان
أيضاً،
وفيهم
الكافرون
والمشركون
والمسلمون
وفيهم أيضاً
المحسنون
والمسيئون
كما نألف ذلك
في بني البشر
تماماً.
التكذيب،
كفران النعم:
والآلاء
هي النعم،
ومعنى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان) هو
بأي نعمة من
نعم ربكما يا
معشر الجن
والانس
تكذبان،
والتكذيب هو
الكفران
والجحود هنا
في هذه
الآية،
فيكون معنى (تكذبان)
هو تكفران
وتجحدان ولا
تؤمنان، إذ
انه من
البديهي عدم
وجود من يكذب
وجود الشمس
والقمر
والأرض
والنبات
والحبوب
إذاً تعبير (تكذبّان)
الوارد هنا
هو تعبير
أدبي لا بد
وأن يحتمل
وجهاً ما،
وهذا الوجه
هو وضوح ورود
كلمة
التكذيب هنا
بديلاً عن
كلمة
الكفران. فكل
موجود يشهد
بلسان حاله
ان صانعه
عالم قادر،
وكل حبة قمح
أو رز أو
عدس، وكل غصن
ريحان، وكل
زهرة ووردة،
كل ذلك يشهد
بحكمة
الخالق
العظيم،
ويأتي
الإنسان
البائس
الكافر
ليكذب
شهادات جميع
تلك
الموجودات،
ويفوق ذلك
جهلاً في انكار
حتى شهادات
أعضائه
وجوارحه.
ومع
ان كافة
الموجودات
تشهد لله
تعالى
بالوحدانية
والعلم
والقدرة
والحكمة،
تبقى
الأهمية
الكبرى في
وجود هذه
الشهادات
تكمن في قبول
وتصديق الجن
والانس بها.
فأنت
أيها
الإنسان،
عندما تقع
عيناك على
وردة، تجدها
تخاطبك
بلسان حالها
قائلة لك إن
لي صانعٌ
ومبدعٌ قد
أفاض عليّ
بالنزر
اليسير من
معدن عطوره
الفواحة،
وهو ذات
الصانع
المبدع الذي
خصّك
بالقدرة على
الشم التي
أودعت في
أنفك.
إذاً
من يكفر بهذه
النعم
وينكرها
ويكذّب بها
سوى المرء
الكافر؟
لأنه لا يقبل
شهادة الورد
هذه، بل ولا
يصدق بحاسة
الشم التي
لديه، وعلى
ذلك كان
ملكوت جميع
الموجودات
عدواً
للكافرين.
إذا معنى
قوله تعالى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان) هو
فبأي شهادة
من شهادات
الموجودات
لا تصدقان؟!
الاستفهام
التقريري من
الكفّار
والجاحدين:
وأما
عن (أيّ)
الواردة في
هذه الآية،
فهي أداة
استفهام
تفيد
الاستفهام
التقريري
هنا،
والمقصود من
الاستفهام
التقريري هو
ما يريده
المتكلّم من
إقرار يصرّح
به المخاطب
بشأن موضوع
ما يحصل على
ما أراد
إقراراً من
المخاطب.
وهذه
الآية
الكريمة هي
في الواقع
استفهام
الهي تقريري
يريد به
الباري عز
وجل ان يحصل
به على إقرار
المنكرين
والجاحدين،
فقوله تعالى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان)
تعني هل ترون
(أيها
الجاحدون) إن
خلق الأرض
واعمارها
بالكائنات
والزروع
والفواكه
والحبوب
والرياحين
موطناً
مناسباً
للرفض
والتكذيب؟!
لأن هذا
التك |