.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

العدل في خلق الأرض

فناء الأرض

 

[ 12 ]

(والأرض وضعها للأنام) (سورة الرحمن، الآية: 10).

العدل في خلق الأرض:

بعد أن أشارت السورة إلى خلق السماء ورفعها، والتطرّق إلى النظام والعدل السائدين في حركة الشمس ومدار القمر، قرّر الباري تعالى العدل قانوناً ثابتاً للناس وشدد أوامره بمراعاة الميزان كما تحدثنا في ذلك من قبل، وقد ساق لنا الله عز وجل أمثلة على العدل الإلهي لكي نحكّم العدل في جميع شؤوننا مختارين طائعين تأسياً بخالقنا تعالى، ثم جاء الحديث الآن إلى ذكر خلق الأرض وتأكيده على ضرورة التزام العدل في الأرض كيما ينظم الناس شؤون حياتهم وفق ذلك بعد استحكام شيوع العدل في السماء والأرض تكويناً.

صلاحية الأرض للحياة:

(والأرض وضعها للأنام) ومعناها إن الله (جل وعلا) جعل الأرض صالحة لحياة المخلوقات التي أوجدها لتعيش على تلك الأرض، و(الانام) جمع لا مفرد له ويعني الخلائق. وقد أزاح المولى تعالى جميع الحوائل والموانع التي تعيق حياة الموجودات في كوكب الأرض بجعلها ممهدة لسكانّها وعمّارها كما يؤكده قوله تعالى (ألم نجعل الأرض مهاداً) (سورة النبأ، الآية: 6). فكوكب الأرض هو أحد الكواكب والأجرام التي لا تحصى عدداً في هذا الكون الرحب الفسيح ويؤّلف الماء ثلاثة أرباع سطحها حسب رأي العلماء قديماً وحديثاً، وقد كتب صاحب كتاب أنيس الأعلام المرحوم فخر الاسلام عن مساحات البحار قائلاً، إن مساحة المياه التي تغطي سطح الأرض تصل على أربعة وأربعين مليون وسبعمائة وخمسين ألف ميل مربع، في حين تتفاوت أعماق المحيطات بحيث يبلغ أبعدها عمقاً ستة آلاف قامة (أي ما يعادل عشرة آلاف متر تقريباً).

تأثير المد والجزر على الظروف الحياتية:

إن المراقب لحركة كوكب الأرض المذهلة ليعجب كيف أن المياه الموجودة على سطحه لا تغرق سطح الأرض، ومن يراقب حالة المد والجزر البحري كيف تنتظم حركته بنظم معين فيدفع البحر الرمال والحصى على سواحل البحار وشطآنه فيصنع منها تلالاً وسدوداً وجدراناً، ليدرك بلا ادنى شك ان ما يصنعه البحر لم يكن بوازع من وعي وحس وشعور أبداً، وانما يتم ذلك من خلال الوحي التكويني الإلهي المستودع في البحر المنشأ لحالة المد والجزر، إذاً أحد أهم المهام التي تصدى لها المد والجزر البحري هو صنع الحواجز وانشاء السدود المحيطة بسواحل البحار لكي تتمكن مخلوقات اليابسة من العيش بهدوء وهناء مضافاً إلى أن حالة المد والجزر تحول دون تعفّن ونتن ماء البحار في حالة سكونه وركوده مع كون وجود الأملاح في مياه البحار يعد عاملاً أساسياً آخر في عدم السماح للبحر بتعفّن مياهه، وبذلك سلمت الحياة على اليابسة من الزوال والعدم.

الحركة المذهلة غير المحسوسة للكرة الأرضيّة:

جاء في كتاب دائرة المعارف من الحركة المحورية للأرض حول نفسها، ان بعض المكتشفين يعتقدون بان الأرض تتحرك بسرعة ثلاثين كيلومتراً في الثانية الواحدة، أي ما يعادل ألفاً وثمانمائة كيلومتراً في الدقيقة (وهي المسافة الممتدة من مدينة مشهد في أقصى الشمال الشرقي من إيران إلى مدينة شيراز في الجنوب الغربي مروراً بمدينة طهران العاصمة، حيث تقطع الأرض في حركتها المحورية هذه تلك المسافة الشاسعة بدقيقة واحدة من الزمن!)، وبذلك تكون المسافة التي تقطعها الأرض في هذه الحركة حوالي خمسمائة ألف فرسخ في اليوم الواحد ـ وطبقاً لهذه الحركة المذهلة، ووفقاً للمألوف فإن المخلوفات الأرضية يفترض بها والحال تلك التزلزل والفناء، ولكن الواقع يحكي باللمس والاحساس ان أي مخلوق لم يشعر بهذه الحركة مطلقاً، ومثل هذا الحال، لربما وجد الكثيرون منا ما يشابهه (مع الفارق) في ركوب البواخر العملاقة وشاهد بنفسه كيف ان الباخرة تمخر عباب البحر في حركتها السريعة نسبياً دون أن يشعر المسافرون وهم على متنها بحركتها، فهم ينعمون بالهدوء والسكينة، ويتحركون على ظهرها وبين أقبيتها ويأكلون وينامون بشكل عادي للغاية (باستثناء الحالات التي يهيج فيها البحر وتنشأ فيها الزوابع البحرية عندما تتلاطم أمواجه بعنف).

إذاً معنى قوله تعالى (والأرض وضعها للأنام) هو أن الله (عز وجل) جعل في الأرض من مستلزمات الراحة والاستقرار ما يمكن المخلوقات من العيش بهناء وهدوء على سطحها، مع تزيين هذا الكوكب بالثمار والاشجار وغير ذلك من الأشياء التي ستأتي الآيات اللاحقة لتحدثنا به، لكي يلفت المولى (جل جلاله) نظر عباده إلى عظمة هذه الآيات الأرضية.

الجبال أوتاد الأرض، وخزائن نفائس الله فيها:

وفي جملة تركيبات الأرض الديمغرافية وجود الجبال التي تعتبر الباعث الهام على ثبات الأرض وتماسك وحدتها، فرسوخ الجبال الرواسي فيها بشكل متين جعلها وكأنها ملتحمة بالأرض من حيث إنها قد مدت عروقها إلى داخل عمق القشرة الأرضية، وفي أعماق البحار والمحيطات لكي تعطي لسطح الأرض وجوداً رصيناً متماسكاً يحول دون تمزق الأرض عند تفجر البراكين الناشئة عن الانفجارات الهائلة في باطن الأرض. وفوق ذلك تكمن أهمية الجبال في كونها خزائن لثروات الأرض ونفائسها، فكما أن المرء يبحث عن اكثر المواضع استحكاماً ليودع فيها كنوزه وثرواته، جعل الله تعالى الجبال خزائن ثروات الأرض ومعادنها (كالذهب والفضة والنحاس والعقيق والفيروزج والمرمر وسائر المعادن والفلزات)، كما يؤكد ذلك النص الوارد في دعاء الجوشن الكبير (يا من في الجبال خزائنه)، مضافاً إلى كل ما سبق فان الجبال تعد منازل آمنة ومساكن طبيعية محكمة لكثير من الحيوانات.

سطح الأرض، ليس بالرخو اللّين ولا بالصلد الشديد:

وقد جعل الله سطح الأرض على نحو يمكن فيه اعمار الأرض وزراعتها والعيش عليها، فلا هي بالرخوة اللينة التي تغور بواطئيها، ولا هي بالصلبة الصلدة بحيث يتعذّر شقها وزراعتها أو بناء المساكن عليها، وهنا ألفت نظركم إلى هذه العبارة (تعرف الأشياء بأضدادها) أي ان انعدام وجود الليل يؤدي إلى عدم معرفة نور النهار وضيائه، ولولا المرض والسقم لم تعرف نعمة العافية والصحة (كما في الريح التي تضرب ظهر الإنسان فتسلبه القدرة على الجلوس والقيام)، وهكذا أيضاً في سطح الأرض فهو يشتمل على وجود الأضداد لو التفتنا إليها لعرفنا واستيقنّا عظمة نعمة إمكانية الحياة على وجه الأرض المألوف، ففي الأرض توجد مناطق البحيرات الملحية، والصحاري الرملية، وأراضي الرمال المتحركة (وتلك المناطق لا تصلح للحياة تماماً) وكذلك توجد في الأرض مناطق الاهوار والمستنقعات، والمناطق الجبلية البركانية المشتملة على البراكين النشطة، ومناطق الغابات، ومناطق الوديات السحيقة، وغيرها من المناطق كما يذهب إلى تأكيد ذلك قوله تعالى (وفي الأرض قطع متجاورات) (سورة الرعد، الآية: 4). فلو نظرنا إلى تلك المناطق ثم نظرنا ثانية إلى سطح الأرض المألوف من حيث استوائه وسهولته حفراً وشقاً واعماراً واستثماراً وزراعة لوجدنا كيف ان الله عز وجل جعل الأرض مهاداً للأنام يمكنهم الاقامة عليها والحياة فيها، إذاً التوجه إلى الاضداد يؤدي إلى تيسير إدراك عظم النعم.
وما لم يصلح في الأرض للحياة، يصلح للعبرة والموعظة:

ففي الأرض مناطق تشبه إلى حد كبير (كورة الحداد)، في شدة حراراتها كما في صحراء برهوت إذ إن فصولها الأربعة صيف قائظ يشتعل ناراً، حتى أن الطيور لا تستطيع من اجتياز هذه المنطقة طيراناً، وهناك مناطق أخرى تشبه البرادات الضخمة من حيث درجة الحرارة المنخفضة وشدة البرودة بحيث لو مر بها حيوان ما لانشّلت حركته وتجمدت دماؤه ولنفق ميتاً، كما في مناطق القطب الجنوبي من الأرض.

(نسأله تعالى أن يجعلنا ممن عرف آلائه فشكر، ونظر إلى آياته فاعتبر).

[ 13 ]

(والأرض وضعها للأنام * فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام * والحب ذو العصف والريحان * فبأي آلاء ربّكما تكذّبان) (سورة الرحمن، الآيات: 10 ـ 13).

فناء الأرض:

قلنا إن الله (عز وجل) جعل الأرض مكاناً ملائماً لحياة المخلوقات من حيث إمكانية العيش والراحة فليست هي بالصلبة القاسية التي يستحيل معها العمران والزراع، ولا هي بالرخوة اللينة التي يستحيل بها الثبات والاستقرار، بل كانت الأرض بين بين تلائم طبيعة حياة المخلوقات. ولما كان (كل حادث فانٍ)، فنستفيد من كلمة (وضع) الواردة في آية (والأرض وضعها للأنام) أن الأرض حادثة ومخلوقة، وأن مصيرها إلى الزوال والفناء كما تشير إلى هذه الحقيقة سورة الفجر في قوله تعالى (كلاّ إذا دكّت الأرض دكّاً دكّاً) (سورة الفجر، الآية: 21). وقد ذكر علماء الهيئة (الفلك) ان للأرض أجل محدود إذا ما حل بها يحل حينذاك الموت والفناء. وقد أورد اولئك العلماء عدة احتمالات لكيفية وشكل الفناء للأرض نستعرض أهمها:ـ

1 ـ الانخفاض الحاد في درجة الحرارة، أو اصطدامها بجرم آخر، أو تلاشي جاذبية الشمس بالنسبة لأبدان الحيوانات عندما يدركها الموت، فالحرارة الكامنة في باطن الأرض والتي تصهر المعان في جوفها سيأتي عليها يوم تنتهي فاعليتها وقابليتها على الاذابة والصهر لبرودتها، ولعل ذلك سيتزامن مع قيام الساعة وحصول الانفجارات الداخلية الرهيبة في باطن الأرض واشتعال البحار والميحطات[1]، مما يبعث ذلك إلى انجماد الأرض وموتها[2].

2 ـ الاحتمال الثاني:ـ اصطدام الأرض بجرم سماوي آخر يهيّئ أسباب فنائها.

3 ـ الاحتمال الثالث:ـ انتقال الشمس إلى مرحلة الشيخوخة والهرم بحيث تصل إلى اليوم الذي تتلاشى فيه حراراتها العالية، وينعدم ضياؤها، مما يؤدي ذلك إلى تلاشي جاذبيتها، فتتلاشى الأرض وسائر أجرام المجموعة الشمسية لارتباطهن الوثيق بنظام المجموعة.

تلك الاحتمالات أوردها علماء الفلك إلى جانب احتمالات أخر عزفنا عن التطرق إليها، وما يهمّنا هو ما تطرق إلى ذكره القرآن الكريم عن موضوع تبدّل الأرض في قوله تعالى (يوم تبدّل الأرض غير الأرض) (سورة إبراهيم (ع)، الآية: 48). وهو ما أشار إليه مولى الموحدين الإمام علي (ع) في قوله (إنّ الله يبّدل هذه الأرض بأخرى غيرها لم يعص الله فيها)[3]. فكما أن بدن الإنسان يفنى ولا يبقى، فان محل استقراره ومكان نشأته وترعرعه الذي شغل فيه حيّزاً من وجوده وتعلّق به قلبه، سيفنى ويزول هو الآخر أيضاً.

ما الدّنيا؟ وما لّذاتها؟!

يقول أحد علماء الأخلاق، شاهدت في إحدى المقابر عالماً يرقب القبور بعين الدهشة والحيرة وينقّل نظره بين تلك القبور ومحل يقوم فيه بعض الأفراد بتنظيف المرافق الصحيّة ونقل الفضلات والأوساخ والنجاسات إلى مزبلة على مقربة منها، فتقدمت إليه وسألته: بماذا تفكر؟ قال لي: أفكر في الدنيا ونعمها، فتلك القبور قد ضمّت أبدان من قد تنعّموا بنعم الدنيا ثم صاروا إلى الرقاد تحت التراب، وهذه هي نعمهم التي خلفّوها وراءهم قد استحالت إلى نفايات ونجاسات وألبسة بالية ممزّقة!!

وذلك ما تؤكده الروايات الشريفة بالفعل: (الدنيا جيفة، وطلاّبها الكلاب، وعمّارها هدّامها)، وهنالك ملك ينادي في كل يوم (يا بني آدم لِدوا للموت، وأجمعوا للزوال، وأبنوا للخراب). ونؤكد هنا لكي لا يلتبس الأمر على البعض فيفهموا من ذلك كراهية بناء الدور مثلاً، كلا، إنّما الكراهية والنهي جاءت في من يعمر دنياه، ظنّاً منه بالخلود فيغفل عن العمل لآخرته فيكون قد أخربها.
متى يشرع ركب الموتى بالرحيل؟

جاء في كشكول الشيخ البهائي (قدس سره)، أن أحد وزراء هارون الرشيد رأى بهلولاً في إحدى المقابر فقال له: كيف تهجر يا بهلول المدينة وأهلها وتقيم في المقابر؟ فأجابه بهلول: لقد قدمت على قوم إذا حدثتهم لا يؤذونني، وان حدثوني لم يغتابوا ولم يكذبوا ولم يرموا أحداً ببهتان. فردّ عليه الوزير قائلاً: أو يحدّثوك؟! قال بهلول: بلى، ولقد سألتهم: أيها الركب الذي قد حط رحاله، حتى مَ تقيمون، ومتى ترحلون؟ فأجابوني: إننا ها هنا قد حططنا رحالنا وننتظر لحوقكم بنا لنرحل سوية!!.

بلى والله (قل ان الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلوم) (سورة الواقعة، الآية: 49 ـ 50). فمرحى لمن أعدّ لرحيله وسفره الطويل كثير الزاد، (اللّهم اجعلنا ممن قد أعدّ الزاد لرحيله وإن تأخرت قوافلنا عن اللحوق بمواعيد نبتغيها فان موعدها معك، اللّهم فأخرج حب الدنيا من قلوبنا، واجعل أفئدتنا معلقة بالآخرة).

من نعم الله فاكهة الأرض:

(فيها فاكهة) ثم يعقّب المولى (تعالى) ذكر نعمة خلق الأرض وجعلها صالحة للعيش بذكر جانب من نعمه المنبثقة عن رحمته الرحمانية لأهل الأرض كيما يزدادوا بصيرة وليعتبر بها أولوا الالباب. وأول تلك النعم هي (الفواكه)، وقد تناولت هذه السورة ذكرها لكي نتدبّر كيفية صيرورتها من حيث أنواعها وألوانها وصورها، مع أن أشجارها قد سقيت من ماء واحد ونبتت في تربة واحدة كما في قوله(عز وجل) (يسقى بماء واحد) (سورة الرعد، الآية: 4). بل أننا نجد لكل ثمرة مذاقاً خاصاً يختلف عما سواه في باقي الثمار، ففيها ما طعمها حلو، وما طعمها حامض، أو طعمها مرّ المذاق، أو ما تشتمل على ما بين الطعمين من المذاق، بل وفي الثمار ما يأكل لُبّها دون قشرها كما في الرمّان، ومنها ما يأكل كلّها ظاهرها وباطنها كما في التمر والتفاح، نعم لقد خلق الله تعالى كل تلك الضروب من الفواكه (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير) (سورة الطلاق، الآية: 12).

بين حموضة الحصرم وحلاوة العنب:

والآن تعالوا إلى شجرة العنب، هذه الفاكهة اللطيفة، فثمرتها تبدأ بالحصرم حامض المذاق ثم تتدرج في زيادة الحلاوة حتى تصل إلى مرحلة النضج فتصير عنباً لذيذ الطعم حلو المذاق، فمن أين جاءت هذه الطعوم؟، الطعم الحامض أولاً يظهر ثم يختفي، فكيف اختفى هذا الطعم؟ وكيف استحال إلى طعم حلو؟ ألا يستدعي هذا الأمر أن يقدم ذواقوا العنب الشكر لصانع العنب المبدع؟

وعن نزول الفاكهة الحديثة النضج في أول أوانها، يروى عن النبي (ص) انه كان يقبلّها ثم يضعها على عينه ويقول: (اللهم فكما أريتنا أوله في عافية، أرنا آخره في عافية)، وواقع الحال يؤكد ان عدم مصاحبة العافية لهذه النعم يُعدم لذّتها للآكل ويسلبه هناها. لذلك كان الأجدر بالمرء المؤمن عندما يأكل فاكهة ما (كالرمان أو العنب مثلاً) أن يأكلها حبة حبة مستحضراً قلبه بذكر الله (عز وجل) وبكل سكينة لكي يشعر بلذة هذه النعمة الإلهية وبالخصوص في ثمرة الرمان، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: إن الإمام أمير المؤمنين (ع) كان يفترش شيئاً من القماش عندما يتناول الرمان لكي لا تتناثر حباتها، ثم يعود إلى ما انفرط منها حبة حبة فلا يبقى عليها[4] ولقد جاء في الروايات ان الرمان ينير القلب أربعين يوماً لمن تناولها في صبيحة الجمعة[5]، ومن أكل اثنتين تنوّر قلبه إلى ثمانين يوماً وهكذا.

وبديهي ان حضور قلب الآكل في تناول الرمان له اكبر الاثر في تنوّر قلبه، اما في الكافر أو المنافق فهما لم يتركا لنفسيهما قلباً كيما يشع النور في داخله. وعن التفاح ورد في الأثر انه والسفرجل من ثمار الجنة (أي ان اصل هذه الفاكهة من الجنة وفي الجنة، أما ما هو موجود منها في دار الدنيا ما هو إلاّ انموذج لما في الجنة) وأنه لا ضرر فيهما، سيما في ثمرة السفرجل والكّمثرى.

الغسل ثم البسملة ثم الأكل:

ولقد جاءت الوصايا بضرورة التزام غسل الفواكه عامة قبل تناولها، وان لا يدع المرء قول بسم الله الرحمن الرحيم عليها عند الاكل، ولقد وردت بعض الروايات والأخبار التي تؤكّد ان من تناول بعض الفواكه على حب رسول الله (ص) لأنه كان يشتهيها لم يصله ضررها ان اشتملت عليه كما في هذه الرواية (من أكل التمر على شهوة رسول الله (ص) لم يضره)[6] ولقد كان الإمام أمير المؤمنين (ع) يحب التمر هو أيضاً، ولقد جاء ذكر الباري تعالى لفاكهة التمر بعد ذكر اطلاق الفاكهة تعبيراً عن شأنها الكبير.
التمر، خبز وحساء وفاكهة ودواء:

(والنخل ذات الأكمام) والنخل هو شجرة التمر وهو من فواكه الأرض، وصفة (ذو الاكمام) هي جمع لكم وهو الغلاف أو الغطاء، لأن التمر قبل أوان نضجه يبقى محفوظاً تحت ستائر معيّنة تدعى (الأكمام)، فانظروا إلى يد القدرة الإلهية كيف تجعل نواة تمر زُرعت فاستحالت إلى شجرة نخل عظيمة!!، ثم لو جئنا إلى نفس الشجرة لوجدنا ان جذوعها وسعفها ذو نفع وفائدة جمة كمصدر من مصادر الطاقة الحرارية، وثمر هذه الشجرة الحلو المذاق يعوّض عن الخبز وعن الحساء لما فيه من مواد غذائية تنعدم وفرتها فيما سواه من الثمار، فالتمر مفيد في رفع رطوبة البدن وقطع البلغم، ولقد جاء في الشرع المقدس استحباب تناول سبع تمرات قبل النوم لقتل الديدان المعوّية وقطع البلغم كما في هذه الرواية (ومن أكل سبع تمرات من (العجوة)[7]. قتلن الديدان في بطنه) وفي رواية أخرى (يذهبن بالبلغم)[8].

 

[1] (وإذا البحار سجّرت) سورة التكوير، الآية: 6).

[2] لمزيد من المعلومات، يمكن الرجوع إلى كتاب المعاد من مؤلفات سماحة السيد المؤلف(رض).

[3] بحار الأنوار/ المجلد الثالث.

[4] سفينة البحار (ج1 ص525).

[5] سفينة البحار (ج1 ص525).

[6] سفينة البحار، (ج1، ص125).

[7] العجوة: نوع من افضل أنواع النخل.

[8] سفينة البحار (ج1، ص125).

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست