|
||||||||||||||||||
عن القمح ينفلق القمح وعن الشعير الشعير |
||||||||||||||||||
[ 8 ] (والنجم
والشجر
يسجدان،
والسماء
رفعها ووضع
الميزان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 6 ـ7). عن
القمح ينفلق
القمح، وعن
الشعير
الشعير: يقال
إن السجود هو
أعلى درجات
الانقياد
والتذلل،
وتعد عملية
وضع الجباه
على التراب
صورة من صور
السجود،
وهذا لا يعني
بالضرورة
انحصار
عملية
السجود بتلك
العملية،
فنحن طيلة
أعمارنا لم
نشعر مثلاً
بأن مرت
هنيهة سكنت
فيها حركة
الارض أو
الشمس، بل ان
الأشياء
جميعاً تبذل
طاعتها
للأمر
الإلهي
التكويني مع
العلم به أو
بدونه،
فالأشجار
والنباتات
بافتراشها
الأرض او
قيامها
عليها نجدها
في سجود
انقياد
وطاعة للأمر
الإلهي
التكويني
وفقاً لما
عيّنه الله
عز وجل من
حيث نوع
الأوراق
واشكالها
ونوع الثمار
واشكالها
مثلاً. فهل
صادف ان
أثمرت شجرة
الأجاص
تفاحاً؟ يقول
الله تعالى
في كتابه
المجيد (ألم
تر أن الله
يسجد له من
في السماوات
ومن في الأرض
والشمس
والقمر
والنجوم
والجبال
والشجر
والدواب
وكثير من
الناس) (سورة
الحج، الآية:
18).
ولوج
الجذر في
أعماق
التربة،
صورة من صور
السجود: ومن
جملة معاني
السجدة هنا،
هو ما تعرّض
إلى ذكره
الفخر
الرازي من أن
سجدة النبات
والشجر
شبيهة بسجدة
الإنسان،
فكما ان
الإنسان يضع
رأسه في
التراب
تعبيراً عن
تعظيمه لله (تعالى)،
فان
النباتات هي
الأخرى تضع
في الواقع
رأسها
وأساسها في
التراب
فتولجه
الأرض،
وواقع الأمر
أن الجزء
العلوي من
النباتات لا
يعد رأساً
لها، وقد
اخطأ من ظن
ذلك، لأن
أساس النبات
الذي يتغذّى
بواسطته ومن
خلاله يحصل
له النمو
والنضج هو
الجذر والذي
هو بمنزلة
الرأس لدى
الإنسان،
فكما ان
الإنسان
يتغذّى عن
طريق الفم،
ثم ينتقل منه
إلى بطنه
ليتوزع على
سائر البدن
فهكذا الأمر
لدى الزروع
والنباتات
فهي تتغذى عن
طريق
الجذور،
ومنزلة
الجذر من
النبات
كمنزلة
الرأس من
الإنسان،
لذلك صح أن
النباتات
جميعاً هي في
حال سجود
تكويني دائم. سجود
الزرع شهادة
على عظمة
المبدع: والوجه
الآخر الذي
يذهب إليه
عدد غفير من
المفسرين
وأحدهم
الطبرسي أن
معنى سجدة
الزرع هو في
واقعه شهادة
على عظمة
الصانع (تعالى).
وانها
لجديرة حقاً
بالمشاهدة
والملاحظة
تلك القدرة
المودعة في
هذا الكائن
الحي، فمن
خواص الماء
انه ينحدر من
أعلى إلى
اسفل،
ويتطلب رفع
الماء إلى
الاعالي
وجود واسطة
تأمن صعوده،
فلو صببنا
الماء على
اصول النبات
نجد ان لدى
النبات قوة
تجعل الماء
ينفذ صعوداً
فيه حتى يبلغ
عروق الورق
منتقلاً إلى
ارتفاعات
عدة أمتار
أحياناً ثم
يتم توزيع
الماء على
مئات الآلاف
من الأروق
دون ان
تستثنى ورقة
واحدة من
الماء ويصل
الماء إلى
جميع الثمار
أيضاً فتأمل
كيف ان كل
جزء في
النبات يشهد
على عظمة
الصانع؟! ونعود
الآن إلى
الآية
الكريمة (والنجم
والشجر
يسجدان)
وتكون خلاصة
معناها ان
هذين
الصنفين من
النبات
يشهدان
بالربوبية
لله عز وجل،
فقد ورد عن
أئمة الهدى (ع)
في دعاء
القنوت كما
نقل السيد
ابن طاووس (رحمه
الله) في
كتاب العروة
الوثقى ما
فيه اشارة
إلى هذا
المضمون (سبحان
من دانت له
السماوات
والأرض
بالعبودية،
وأقرتا له
بالوحدانية،
وشهدتا له
بالربوبية،
لا إله إلاّ
الله الحليم
الكريم). السجود
الملكوتي
والتسبيح
الملكوتي: والمعنى
الآخر الذي
ذكره
العلامة
الطبرسي
وغيره من
المفسري هو
ان السجود
هنا الذي
أوردته
الآية إنما
هو على النحو
الملكوتي،
فكما ان
الشجر يسبح
باللسان
الملكوتي
كسائر
الأشياء لا
باللسان
الملكي،
فالمقصود
بالسجود هنا
هو السجود
الملكوتي
الذي تؤويه
الأشياء كما
في قوله
تعالى (وإن
من شيء إلاّ
يسبح بحمده
ولكن لا
تفقهون
تسبيحهم) (سورة
الإسراء،
الآية: 44).
وبذلك نخلص
إلى أن لجميع
الأشياء
ظاهراً
وباطناً،
وباطنها هو
عالم
الملكوت كما
أن ظاهرها هو
عالم الملك،
وان جميع
الأشياء في
تسبيح وسجود
دائمين من
حيث جهتها
الملكوتية
ولكننا لا
نستطيع درك
هذه الحقيقة
طالما نحن في
عالم الملك
ولكننا
سندرك ذلك
حتماً عندما
نرد عالم
الملكوت
فتصبح
الحقائق
حينئذ واضحة
جلية بعد أن
نخلّف
وراءنا
الماء
والتراب كما
يؤكد ذلك
قوله تعالى (ولكن
لا تفقهون
تسبيحهم)
باعتبارنا
نجهل ما يجري
في العالم
العلوي. والسماء
رفعها: ومن
آيات الرحمة
الرحمانية
الإلهية
الأخرى هي (رفع
السماء)
علاوة على
خلقها، فهي
رفيعة في الجانب
الحسي،
ورفيعة
أيضاً من حيث
المنزلة
والدرجة. فعندما
نقول إنها
رفيعة حساً
أو مكاناً
فنعني ان
الله تعالى
قد وضعها في
مكان
عالٍ ورفيع،
اما عندما
نقول إنها
رفيعة من حيث
المنزلة
والدرجة
فنقصد أنها
قد شرفت على
الأرض
فارتفعت من
موارد عدة
سنتناول ذلك
بالتوضيح
لاحقاً. وفي
السماء
رزقكم: يعد
نزول الرزق
أحد خصائص
السماء كما
يشير إلى ذلك
قوله عز وجل (وفي
السماء
رزقكم وما
توعدون) (سورة
الذاريات،
الآية: 22). فقد
كتب المفسر
الطنطاوي (وهو
عالم مصري
ضالع في العلوم
الحديثة،
وله تحقيقات
مفصلة
ومسهبة بهذا
الشأن) ان
العلم
الحديث توصل
إلى أن
الفضاء
المحيط
بالأرض
امتداداً من
سطحها وحتى
قطر 16 فرسخاً
يشتمل على
وجود المواد
الغذائية،
وأن الجزء
الذي تنتجه
التربة من
الغذاء انما
حصل بفضل
وجود
الهواء، ولا
زالت
التحقيقات
جارية من أجل
التوصل إلى
امكانية
الحصول على
الغذاء من
الهواء
مباشرة[1]. وبداهة
أنا لا اريد هنا القول
إن ما
يتبادر إلى
الذهن عن
معنى السماء
في آية (وفي
السماء
رزقكم وما
توعدون)
هو السحاب
لانه مرتفع
في الفضاء
باعتبار
وجود الفضل
والبركة
فيه، وأن كان
هذا المعنى
غير بعيد. نزول
البركات من
السماوات: وفوق
نزول
الارزاق فأن
ألوان
البركة
وأشكال
الرحمة
الإلهية
تنزل من
السماء حيث
محل وجود
الملائكة،
إذ ان
الملائكة
بأصنافهم
العديدة
وعظمة خلقهم
وخامة
هيئاتهم
نجدهم قد
عمروا
السماوات،
ومن الأمور
الاخرى التي
أعطت للسماء
رفعتها درجة
ومنزلة، هو
ان جعل الله
تعالى العرش
فوقها ووضع
الجنة
عليها، فقد
جاء من سأل
الإمام كشاف
الحقائق
جعفر بن محمد
الصادق (ع)
قائلاً: يقول
الله تعالى
عن الجنة (وجنة
عرضها السماوات
والأرض) (سورة
آل عمران،
الآية: 133). فأين
هي الآن؟ (قاصداً
أين يكون
مقرها إن كان
عرضها لوحده
يعدل
السماوات
والأرض
مجتمعات،
فما بالك
بطولها؟)
فأجابه
الإمام (ع):
الجنة فوق
السماوات
والعرش من
فوقهن[2]. عروج
صحائف
الأعمال
وأرواح
المؤمنين
إلى السماء: ومن
الأمور
الأخرى التي
تدلل على
رفعة السماء
هو ان الله
تعالى يأمر
الملائكة
المكلفة
بحمل صحائف
أعمال
المؤمنين
بالعروج بها
إلى السماء
تكريماً
لمقام
المؤمنين،
وقد أشار
القرآن
الكريم إلى
هذا المعنى
في قوله
تعالى (ان
كتاب
الأبرار لفي
عليين) (سورة
المطففين،
الآية: 18).
فضلاً عن ان
أرواح
المؤمنين
يُصعد بها
إلى السماء. وقد
اثار البعض
شبهة مفادها
ان لا شرف
للسماء على
الأرض، إذ ان
الأرض هي محل
هبوط الوحي
الإلهي،
ويكفي الارض
فخراً
وشرفاً أنها
ضمّت أجساد
أشرف
الكائنات
سيدنا محمد (ص)
وعترته
الطاهرة (ع)،
والرد على
هذه الشبهة
نقول فيه:ـ السماء
محل صدور
الوحي وقرار
أرواح أهل
البيت (ع): نعم
إن الأرض
كانت محلاً
لنزول الوحي
الإلهي،
ولكن السماء
كانت محل
صدور ذلك
الوحي، ومن
البديهي ان
يكون محل
الصدور أعظم
شرفاً من محل
الهبوط، ثم
ان الارض
تحتضن
الابدان
الطاهرة
للنبي وآله (ص)
ولكن السماء
محل قرار
أرواحهم (ع)
وللتدليل
على صحة ما
ذهبنا إليه
نستشهد بهذه
الرواية
الشريفة
المروية عن
الإمام
الصادق (ع)
حيث يقول (ان
جدي الحسين (ع)
لعلى يمين
العرش وهو
ينظر إلى
زوار قبره)[3]
إذاً ـ
والسماء
رفعها ـ تعني
ان الله عز
وجل شرفها
برفعتها
فأين منها
الأرض وسائر
الأفلاك؟. لماذا
نرفع أيدينا
بالدعاء نحو
السماء؟ جاء
رجل إلى أمير
المؤمنين (ع)
وسأله: أليس
الله موجود
في كل مكان (فأينما
تولوا فثم
وجه الله) (سورة
البقرة،
الآية: 115). وهو
معنا جميعاً (وهو
معكم أين ما
كنتم) (سورة
الحديد،
الآية: 4). إذاً
لماذا
تأمروننا
برفع أيدينا
نحو السماء
في الدعاء؟
فأجابه
الإمام (ع)
بما مفاده:
ذلك لأن
السماء محل
صدرو
البركات[4]. نعم
إن أية بركة
من قضاء حاجة
أو قبول طاعة
وعبادة أو
نزول رزق
انما يصدر عن
السماء. (والسماء
رفعها ووضع
الميزان *
ألاّ تطغوا
في الميزان *
وأقيموا
الوزن
بالقسط ولا
تخسروا
الميزان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 7ـ9). إقامة
القسط
والعدل: بعد
أن ذكرنا
رفعة السماء
الظاهرية
والمعنوية
على ما مضى
من شرحنا،
نأتي إلى
موضوع (الميزان)
لنجد أن الله
تعالى قد وسم
ثلاث آيات
بسمة
الميزان في
حين أن
مفادهن
واحد، ولعل
التكرار
الحاصل هنا
هو بمثابة
التأكيد على
موضوع
امتثال
الأمر
الإلهي في
تطبيق
الميزان على
السلوك
الإنساني
كما سنأتي
إليه بشرحنا. (ووضع
الميزان)
تعني وأقر
الميزان، (ألاّ
تطغوا في
الميزان)
أي أن لا
تتجاوزوا
الميزان (وأقيموا
الوزن
بالقسط)
تعني الأمر
الإلهي
باقامة
العدل، (ولا
تخسروا
الميزان)
أي اعدلوا في
الوزن ولا
تعطوه
ناقصاً. وهنا
يثار هذا
التساؤل: ما
المراد من
الميزان
الذي تكرر
ذكره في هذه
الآيات
الكريمات
وجاءت
الاوامر
الإلهية
لتؤكد ضرورة
مراعاته
والنهي عن
تجاوزه؟ لقد
أورد
المفسرون
معنيين
للميزان،
أحدهما:
بمعنى
العدل،
فيكون على
هذا المعنى (وضع
الميزان)
يعني تشريع
العدل، كما
أشار القرآن
الكريم في
مواضع
متعددة منه
على تأكيد
حقيقة تشريع
العدل (اعدلوا
هو اقرب
للتقوى) (سورة
المائدة،
الآية: 8). ولقد
جاء التشريع
الإلهي
للعدل لكي
يراعي الناس
العدالة في
أفعالهم
الاختيارية
كما حكّم
الله (عز وجل)
العدل في
مملكته على
سائر
مخلوقاته. العدل في
الخلق: في
بداية هذه
السورة ذكر
المولى عز
وجل حركة
الشمس
والقمر، وقد
وضع الباري
تلك الحركة
على أساس
العدل، فلو لم
تتحرك الشمس
في مدارها
الحالي لما
كان الحال هو
ما عليه الآن، فعلى
فرض بقاء حال
الغروب
وديمومته
لن يكون
بمدور
النباتات
والزروع
مواصلة
النمو
والنضج
باعتبار
حاجتها
الملحة إلى
نور الشمس،
بل وان وجود
المسافات
والأبعاد بين
النجوم
والأفلاك
على هذا
النحو
السائد هو
لون من ألوان
العدل
الإلهي. فالمسافة
الفاصلة بين
الشمس
والأرض هي 90
مليون ميل،
وشرارة
واحدة من
الشمس
بامكانها أن
تحرق الأرض وما
عليها، ولكن
هذه المسافة
الهائلة
بينهما
والتي تقدّر
بثلاثين
مليون فرسخ
هي التي جعلت
الحرارة تصل
إلى الأرض
بالمقدار
المألوف. فلو
حصل (لا سمح
الله) ان
قصرت
المسافة بين الشمس
والأرض
لاشتدت
الحرارة
واحترق كل حي
على
البسيطة،
ولو بعدت
المسافة
بينهما لا
نخفضت
الحرارة
وتجمدت
الحياة
وانعدمت.
إذاً من
يراقب نظم
الأفلاك
ومداراتها
يدرك ان نظام
حركة كل فلك
انما قد جعله
الله تعالى
في حد معين
يوافق العدل
والقسط (شهد
الله انه لا
إله إلا هو
والملائكة
وأولوا
العلم
قائماً
بالقسط) (سورة
آل عمران،
الآية: 18).
فبالعدل
قامت
السماوات
والأرض، أي
ان الله
تعالى قد وضع
كيفية خلق
الأرض
والموجودات
التي عليها
على نحو من
الدقة بحيث
يصدق القول
إن ميزان
العدل قد عمّ
كل شيء
بالسعة
والاستعداد
الذي يحتاجه
ذلك الشيء (الذي
أعطى كل شيء
خلقه ثم هدى) (سورة
طه، الآية: 50).
فلم يعط
الباري عز وجل
للشيء ما هو
فائض عن
حاجته بحيث
انه يضر به
اضراراً
واضحاً،
ولعل هذه
الأبيات
المترجمة عن
الاصل
الفارسي
فيها خير
دليل على ما
ذهبنا إليه:
العدل
في أقوال
الإنسان
وأفعاله: لقد
جعل الله
الإنسان
مختاراً في
أقواله
وأفعاله،
وقد تفضل عليه
بالاختيار
كيما يقتدي
العبد بربه
في حركاته
وسكناته
وسائر
شؤونه، لكي
يقيم العدل
ويلتحق
بعالم
الأنوار،
ويجنب نفسه
ظلمات الظلم
والردى،
لذلك وجب على
الإنسان أن
يكون عادلاً
مع ربه وسائر
المخلوقات
مع ما في هذا
الأمر من
صعوبات
بالغة،
وتطبيقه
للعدل ينبغي
أن يسود
الكبير والصغير،
والصاحب
والغريب على
حد سواء، بل
ينبغي له
أيضاً أن
يعدل مع
نفسه، ولعل
الوصف
الجميل
للصراط من
أنه (أدق من
الشعرة
وأحدّ من نصل
السيف) تعبير
يصدق على
العدل
وصفاً،
فالعدل دقيق
دقة الشعرة
من حيث
التشخيص
والتحديد،
وهو حديّ من
حيث التطبيق
والعمل به
كحدة نصل
السيف لمن
أراد السير
على منهجه. ظلمت
نفسي: وفي
دعاء كميل
نقرأ عبارة (ظلمت
نفسي)،
والظلم خلاف
العدل، فقد
يحصل ان نسأل
الله تعالى
حاجة لم
يقدرها لنا
بلطفه، فتضج
نفوسنا
بالأسى
والحزن لعدم
الاستجابة
مع أننا نغفل
أو نتغافل عن
مئات الالوف
من الآلاء الإلهية
التي غمرنا
بها المولى
جل شأنه،
وتنسى كل ذلك
الإحسان
القديم والمن
الجسيم
وتبقى
أبصارنا
معلقة برجاء
تلك الحاجة
التي تقدر
لنا الإجابة
فيها، ونبقى
نصر على ما
نريد ولا
نلتفت إلى ما
يُراد منها،
يقول تعالى (حافظوا
على الصلوات
والصلاة
الوسطى) (سورة
البقرة،
الآية: 238). فندع
ما يريده
الله تعالى
منا في أداء
الصلاة
لوقتها، فأي
ظلم هذا
الظلم الذي
نمارسه نحن؟
ثم ننتظر من
الله ان ينظر
إلينا نظرة
رحيمة، ولقد
عبّر الله عز
وجل عن هذا
الموقف
الظالم
بقوله تعالى (الذين
إذا اكتالوا
على الناس
يستوفون
وإذا كالوهم
أو وزنوهم
يخسرون) (سورة
المطففين،
الآية: 2 ـ3). فلم
نشترِ
استيفاءً
ونبيع
بخساً؟ أليس
هذا هو
الظلم؟
عندما يتوقع
المرء ان
يحقق له
مولاه
حاجاته
ورغائبه
ويفيض عليه
بالاحسان
وضروب النعم
وهو في مقابل
ذلك لا يلبي
أوامر مولاه
ويتقاعس
عنها، وصدق
الله العظيم (انه
كان ظلوماً
جهولاً) (سورة
الأحزاب،
الآية: 72). اجعل
من نفسك
ميزاناً
فيما بينك
وبين غيرك[5] وقد
أوجز أمير
المؤمنين (ع)
معنى العدل
مع الناس في
عبارة واحدة
يقول فيها (اجعل
نفسك
ميزاناً
فيما بينك
وبين غيرك)،
فلو كنت لا
تحب أن يتقدم
إليك أحد ما
باساءة، فلا
تسيء
للآخرين،
فاحجز لسانك
عن بذاءة
القول لكي
تجنب نفسك
بذاءة أقوال
الآخرين،
وصن لسانك عن
رمي
الافتراء
على الناس
لتجنب نفسك
فريّة
الآخرين وكن
مصداق
الحديث
الشريف
القائل (حب
لأخيك ما تحب
لنفسك،
واكره له ما
تكره لها). العدل،
هو الحد
الأوسط بين
الإفراط
والتفريط: (ووضع
الميزان) أي
ان الله
تعالى وضع
بعدله ميزان
العدل. (ألاّ
تطغوا في
الميزان)
ألاّ ـ في
الأصل هي
لئلاّ والـ(لا)
ناهية،
فيكون معنى
الآية (ان
الله وضع
ميزان العدل
لكي لا تعتدوا)
فالميزان
عدل،
والطغيان
ظلم، وعلى
هذا
الاعتبار
يكون العدل
هو الحد
الأوسط بين
إفراط
الطغيان
وتفريط
الانقاص
والتخسير،
والظلم خلاف
العدل. (ولا
تخسروا
الميزان) أي
ولا تنقصوا
الميزان لأن
ذلك تفريط
كما هو
الطغيان
إفراط وهو
أمر لا يساير
العدل
أيضاً،
وكثيراً ما
يحصل مثل هذا
الأمر في
المسائل
الاعتيادية
الحياتية،
لذلك جاء
الحديث
النبوي
الشريف
ليصحح
المنهج
الحياتي
للإنسان،
يقول (ص) (خير
الامور
أوسطها)،
ويدلل على
هذه الحقيقة
قول الشاعر
الإيراني في
ترجمة بيته
الشعري على
ما في معناه:
ولقد
جاء القرآن
الكريم بمنهج
وسط بين
الافراط
والتفريط
كما في قوله
تعالى (وكلوا
واشربوا ولا
تسرفوا) (سورة
الأعراف ـ
الآية: 31). وقوله عز
وجل (ولا
تجعل يدك
مغلولة إلى
عنقك ولا
تبسطها كل
البسط فتقعد
ملوماً
محسوراً) (سورة
الإسراء،
الآية: 29).
وعليه يكون
الحد الأوسط
هو الحد
الأمثل
والأفضل في
تنظيم
وتدبير
الحياة
الإنسانية،
ولو عرجنا
على موضوع
النوم عند
الإنسان،
لوجدنا ان
فترة النوم
الممتدة من
أول الليل
حتى طلوع
الشمس يعد
تفريطاً،
وإحياء
الليل كله
حتى الصباح
دون نوم يعد
إفراطاً،
فلا يرمي
المرء نفسه
كالجثة
الهامدة ولا
أن يتحامل
على ثقل
أجفانه
فيمنع سلطان
النوم عن
عيونه، بل
يفترض ان يعد
لنفسه ساعات
يريح بها
بدنه ويهيئه
لما بعد
النوم من سعي
وعبادات،
وما يصدق على
النوم يصدق
أيضاً على
المعاشرة
الزوجية
والوضع
العائلي،
فلا يصح ان
تترك الحرية
الكاملة
للزوجة
والاطفال
بالذهاب حيث
شاؤوا (مع
افتراض وجود
أماكن
مشبوهة) ولا
ان يضيق
المرء على
عياله
فيجعلهم
نزلاء داره
فيكون
خروجهم منه
كخروج اللص،
وعن الشراء
وتأمين
احتياجات
الإنسان
الضرورية
يفترض
الاقلاع عن
الاسراف
والتبذير
لكي لا يمر
المرء في الأيام
الكؤود
عندما يجور
عليه
الزمان ولا
يجد ما يجلبه
لعياله،
مشاجرة
العيال معه
وضجرهم من
مغايرة
الحال عن
سابق
الأحوال،
ويصح أيضاً
ان يقلع
المرء عن
التقتير
والبخل
وحرمان
العيال بحيث
انه يمهد لهم
بفعلته هذه
طريق
الاختلاس
والسرقة من
جيبه أو جيوب
الآخرين.
لذلك ينبغي
ان يكون
المرء
عادلاً في
صلاته مع ربه
ومع مخلوقات
ربه، مع
القريب ومع
البعيد لكي
لا ينكب عن
صراط
القيامة
فيما لو نكب
عن صراط
العدل في
دنياه كما في
قوله تعالى (ان
الذين لا
يؤمنون
بالآخرة عن
الصراط
لناكبون) لأن
سعة الصراط
في
القيامة
تكون وفقاً
لاوضاع
المرء في دار
الدنيا،
وعلى هذا
الأساس نرى
القرآن
الكريم
والاحاديث
الشريفة
يؤكدان
ويوصيان
ويحذران في
نص الإنسان
من السقوط النهائي
ويدعونه
إلى
المسارعة في
طلب المغفرة
ونيل العفو
والتوبة من
الله عز وجل
كما في
نص
الانقاذ
الآتي:ـ (استغفر
الله ذا
الجلال
والاكرام من
جميع الذنوب
والآثام)،
وإلى هنا نصل
إلى تمام
حديثنا عن المعنى
الأول للميزان
وهو
العدل. الميزان،
آلة الوزن: اما
المعنى
الثاني
للميزان: فهو
المعنى
اللغوي
والاصطلاحي
المعروف
لآلة الوزن.
والميزان
على وزن (مفعال)
وهو يوزن به
الشيء ويتم
تحديد
مقداره
ومعرفة
وزنه،
فالأشياء
المادية
التي يمكن
وزنها يتم
حساب
أوزانها من
خلال آلتي
الميزان
والقّبال
ويروى ان أول
من صنع
الميزان هو
نبي الله
شعيب (ع)، وفي
رواية أخرى
أن أول من
صنع الميزان
هو نبي الله
نوح (ع)، ولعل
أول من صنعه
هو نوح (ع)
ولكن نتيجة
حصول
الطوفان
انتهى رواج
الميزان
حينذاك فجاء
النبي شعيب (ع)
فصنعه ثانية
وكثر إقبال
الناس عليه. لماذا
يعد الميزان
نعمة؟ قلنا
في بداية
شرحنا لهذه
السورة
الكريمة
أنها قد استعرضت
النعم
والآلاء
الظاهرية
والباطنية
وآية (ووضع
الميزان)
تعد الميزان
نعمة الهية (من
حيث المعنى
الثاني
للكلمة
ميزان)، وهنا
نتسائل: كيف
يعد وضع
الميزان
نعمة؟. يقول
الفخر
الرازي، إن
الباعث على
اعتبار
الميزان
نعمة هو
فرضنا
انعدام
الميزان
الذي سيؤدي
إلى حصول
العداءات
الكثيرة بين
الافراد
التي يصعب ان
لم يستحيل
فضها
باعتبار
تولد سوء
الظن من عدم
يقين الناس
من أن ما
قدموه من
أموال لشراء
احتياجاتهم (كالدقيق
والحنطة
وغير ذلك)
يعادل
المقدار
الذي يقدمه
لهم الباعة
من السلعة
المطلوبة،
فتحصل حالات
الغش
والخيانة. لذلك
جاءت
التعاليم في الشرع
المقدس
باعتماد
الكيل
والميزان،
بل وببطلان
التعامل
والتبادل
والبيع والشراء دون
الرجوع إلى
الميزان
والكيل،
ولعلنا ندرك
بوضوح كيف ان
المرء الذي
يرى بناظريه
سلعته التي
يروم
اقتنائها قد
وزنت قد بدت
عليه علائم
الارتياح
والرضا،
لأنه بغير
ذلك لا يمكنه
تصديق ان
المقدار
الذي قدّم له
لقاء الثمن
الذي دفعه هو
حقه دون غبن
أو اجحاف
مسه، وحتى لو
ادعى البائع
ان المقدار
المعطى له قد
استوفى
السعر وزاد
عليه. لذلك
كان الميزان
نعمة عظيمة
جنّبت
الكثير من
الحيرة
والشك
والمفاسد.
وقد أورد
الرازي
وجوهاً اُخر
يعد فيها
الميزان
نعمة قد
عزفنا عن
ذكرها
والتطّرق
إليها
لاعتقادنا بكفاية ما تم ذكره. تنوع
صور الميزان
بتنوع أجناس
الأشياء: ولا
يخفى عليكم
أيها
الاعزاء إن
بعض الأشياء
يتم حساب
مقاديرها
بالأحجام
كالسوائل
مثلاً (من
قبيل الحليب
والبنزين
وغيرهما) حيث
يتم الحساب
بواسطة
مكاييل خاصة
كاللتر أو
الغالون
مثلاً،
والبعض
الآخر يحسب
مقداره
بوعاء خاص (كالحنطة
والملح)،
وبعض آخر
يحسب مقداره
وفق معايير
الطول (كالاقمشة
والأراضي)
وحتى عملية
البناء
فهي تستدعي
وجود آلة
حساب ونظم
خاصة تدعى (الشاقول)
يتم خلالها
موازنة
هندسية
البناء وعدم
وجود
الانحرافات
المحتملة
فيه، كل تلك
الاشكال
هي في واقع
أمرها آلات
ميزان يتم
قياس مقادير
الأشياء
بواسطتها
وحساب
كمياتها، بل
ان الساعة في
حقيقتها ما
هي إلاّ آلة
لوزن الزمن
الصحيح، من
كل ذلك ندرك
الاسباب
الكامنة
وراء الهام
الله عز وجل
الإنسان في
صناعة
الميزان
وتشديده على
ضرورة
استعماله في
المعاملات.
ولقد عدّ
الباري
تعالى مسألة
رعاية
الميزان من
المسائل
المهمة
والخطيرة في
الأمور
المادية،
فقد انزل
قرآناً يتلى
بشأن
المطففين في
السورة التي
تحمل عنوان
التطفيف
كدليل على
خطورة هذه
الحالة وعظم
دور الميزان
في علاج هذه
الظاهرة
الخطيرة،
كما انزل
الله آية
كريمة تؤكد
على الانزال
الإلهي
للميزان مع
الكتاب كما
نقرأ في سورة
الحديد (لقد
أرسلنا
رسلنا بالبينات،
وأنزلنا
معهم الكتاب
والميزان
ليقوم الناس
بالقسط) (سورة
الحديد،
الآية: 25). وفي
قصة النبي
شعيب (ع) التي
حدثنا بها
الكتاب
المجيد حيث
جاءت مسألة
مراعاة
الميزان
كأحد
التعاليم
الأولى في
دعوته
الشريفة إلى
الله تعالى،
وحتى انه
يروى ان أول
موضوع شُرّع
بعد مجيء
النبي (ص) إلى
المدينة
المنورة هو
موضوع اتخاذ
الكيل
والميزان في
التعامل
الاجتماعي. العذاب
بين جبلي نار: في
قصة مالك بن
دينار، ورد
أنه كان له
صاحباً،
فجاءه الخبر
أن الحق
بصاحبك فأنه
في النزع
الأخير،
فجاءه مالك
ووقف عند
رأسه وإذا به
يراه يرتعش
مضطرباً كمن
أخذته النار
اليها وهو
يصرخ بين
الفينة (و)
الأخرى
احترقت..
احترقت
فسأله مالك:
كيف حالك؟
فرد عليه:
اني بين
جبلين من نار
وقد جاءني
الأمر
بصعودهما،
فالتفت
حينذاك مالك
إلى زوجة
الرجل
وسألها عن
حاله باحثاً
عن دواعي
وضعه السيء،
فأخبرته
قائلة: إنه
كان لزوجها
مكيالين،
أحدهما ينقص
به الكيل لما
يريد بيع
بضاعة،
والآخر يزيد
به الكيل
عندما يريد
ان يبتاع
بضاعة، فهو
يسرق في بيعه
وشراءه،
فأصابته
النار بسوء
عمله وقد
أشعل لنفسه
ناراً يحرق
به نفسه إلى
الأبد. لذلك
اصبح لزاماً
علينا
جميعاً ان
نلتفت إلى
حالنا، ولا
نقول (الحمد
لله الذي لم
يجعلنا ممن
يتكسب
بالميزان
والمكيال)
لأننا وان لم
تكن لدينا
آلة ميزان
ولم نكن
نمتهن البيع
والشراء،
فيفترض بنا
أن نجعل
أفعالنا
وأقوالنا
موزونة
وصحيحة، فمن
يدري فلعل
فينا من قد
أشعل
نيراناً
لنفسه بسوء
عمله وقوله.
فلقد ذكرت
إحدى
الروايات أنه (عندما
يحين وقت
الصلاة،
تنادي
الملائكة:
أيها الناس
قوموا إلى
نيرانكم
التي
أوقدتموها
على ظهوركم
فأطفئوها
بصلاتكم)[6]. وأنا أقول لكم هلموا واغسلوا ذنوبكم بقطرة دمع تذرفونها على الحسين المظلوم، فكلنا غرقى في بحار الذنوب وليس لنا إلاّ من حسين واحد(عليه الصلاة والسلام). [1]
(وان
من شيء إلاّ
عندنا
خزائنه وما
ننزله إلاّ
بقدر معلوم)
سورة
الحجر،
الآية: 21). [2]
بحار
الأنوار،
المجلد
الثالث. [3]
نفس
المهموم
للقمي. [4]
بحار
الأنوار،
المجلد
الرابع. [5]
نهج
البلاغة.
الكتاب 31 من
وصية له
عليه
السلام
كتبها
لولده
الحسن (ع) عند
انصرافه من
صفين. [6]
بحار
الأنوار/
كتاب
الصلاة.
|
||||||||||||||||||
|