.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

تهديد المخالفين بالحساب

الثقلان في ثقل التكليف

   

[ 35 ]

(سنفرغ لكم أيها الثقلان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان) (سورة الرحمن، الآيات: 31 ـ 32 ).

تهديد المخالفين بالحساب:

في أوائل السورة جاء بيان النعم والآلاء، وآيات القدرة والحكمة الإلهية، وبعد ذلك ذكّر الله (تعالى) بأن كل ما في دار الدنيا مصيره الفناء، ولا بقاء إلاّ لوجه الله والدار الآخرة. وقد جاء الدور هنا لهذه الآية الكريمة التي تهدد الكفار والفساق من الثقلين وتتوعدهم، ثم الانتقال بعد ذلك إلى بشارة المؤمنين والمتقين ووعدهم.

وتعد هذه الآية أول رسائل التهديد الوارد في السورة، (سنفرغ لكم أيها الثقلان) أي قريباً ما ستجزون على أعمالكم يا معشر الجن والانس. وكثيراً ما يستخدم في اللغة مثل هذا الاسلوب التهديدي، فقد يسيء البعض تصرفه مع سيده أو رب عمله بما لا يرتضيه منه السيد، فيبادر السيد إلى التهديد قائلاً: صبراً، سأفرغ لكم واحاسبكم على ما فعلتم. ويستخدم رب العالمين ذات الأسلوب المتداول في التحاور لتهديد أهل المعاصي ووعيدهم، فهو (تعالى) يقول، لا تظنوا أن لا حساب لما تفعلونه، فلكل شيء أن ليس بسابقه، ولكنكم اليوم في مهلة، (كل يوم هو في شأن) ولكن سيأتي يوم يكون شأن الله (عز وجل) فيه حسابكم.

الفراغ في هذه الآية يعني القصد:

يقول المحقق الطبرسي في تفسير مجمع البيان، ان للفراغ معنيان:ـ

الأول: يعني القصد، وعليه يكون معنى الآية (سنفرغ لكم) هو سنقصدكم دون إمهال لنجزيكم على أفعالكم أيها الثقلان.

والثاني: يعني التعطّل عن الفعل أو العمل، وهذا المعنى لا يناسب موضوع الآية بالتأكيد، فعندما نقول أن فلاناً لا فراغ لديه، فنعني أنه مشغول بأمر ما عطّله عن فعل أمور أخرى، وهذا المعنى كما نرى لا يمكن بأي حال أن نجد له انطباقاً على الذات الإلهية المقدسة لأن ذلك كفر وخطأ فاحش، فهو تعالى لا فراغ عنده، ولا يلهيه شيء عن شيء، بل ان هذه الحقيقة تصدق على الإنسان وشؤونه، فعندما يشتغل المرء بصنعة النجارة مثلاً، فهو حينئذ مشغول بها ولا يمكنه أن يكون منشغلاً بصنعة الخياطة في ذات الحال، إذاّ الباري تعالى لا يلهيه شيء عن شيء ويعجزه فعل عن فعل آخر، كما يؤكد هذه الحقيقة نص الدعاء الآتي (يا من لا يغلّطه سؤال عن سؤال، يا من لا يحجبه شيء عن شيء، يا من لا يبرمه إلحاح الملّحين)[1] وعلى ذلك لا يصح اعتماد المعنى الثاني في تفسير هذه الآية بتاتاً.

وبهذا الشأن سُئل الإمام أمير المؤمنين (ع): كيف يحاسب الله (تعالى) الخلائق من الأولين والآخرين في يوم القيامة؟ (ظنّاً منهم ان عالم الآخرة كعالم الدنيا وان المحاسب هو الإنسان!!) فأجاب الامام (ع): كما يرزقهم جميعاً، يحاسبهم جميعاً. أي كما أن الله عز وجل يقّدر الرزق لعباده، فلا يشغله ما قدره لعبد ما عن تقدير ما لسواه، فكذلك حسابهم فهو لا يتعطّل عن البعض لانشغال الآخرين بالحساب.

ومع ذلك فنحن جميعاً نذكر الله (تعالى) ونسأله مرددين (يا الله)، ونحن نعرف ان الله (عز وجل) لا يشغله سمع عن سمع، فهو سميع لدعوات الجميع، ومجيب لحاجات الطالبين، دون ان تختلط عليه الأصوات (لكل مسألة منك سمع حاضر وجواب عتيد)[2].

الحس المشترك وتعود الأفعال:

ولأجل أن ندرك هذه الحقيقة بشكل أفضل، ونستيقن من ان الله (تعالى لا يشغله أمر عن أمر آخر، فلنأتي إلى أنفسنا ونجيل النظر فهيا، خصوصاً في موضوع الحس المشترك الذي يسميه الطب اليوناني (البنطاسيا)، ومحل الحس المشترك يقع في مقدم الدماغ (في الإنسان والحيوان) ويتألف من خمسة جداول تصب فيه منطلقة من خمسة سبل هي (سبيل النظر في العينين، سبيل السمع في الاذنين، سبيل الذوق في اللسان، سبيل الشم في الأنف، وسبيل اللمس والحس في بشرة البدن) وهي ما تسمى بالحواس الخمس، وهذه الحواس تصب مجتمعة في محل الحس المشترك في مقدم الدماغ، بحيث يشعر الإنسان بهذه الحواس في آن واحد دون أن يتعطل الحس في واحدة عن الاحساس بالأخريات، فعندما يتناول الإنسان طعامه يشعر في آن واحد بلذّة الطعام وطعمه، وشكل رائحته من خلال حاستي الذوق والشم، ولو افترضنا وجود (شعرة) في الطعام لأحسّت حاسة اللمس في ذات الوقت بها دون أن يتعطل عمل باقي الحواس، مع اشتغال حاسة النظر بالأبصار إلى الطعام واشتغال حاسة السمع بالاصغاء إلى أحاديث الأهل والأصحاب، إذاً الحواس جميعاً تشتغل دون ان يتلكأ عمل أية واحدة منها مع اشتغال الأخريات، تماماً كالحوض الذي تصب فيه خمسة جداول وهذا ما نعبّر عنه بالحس المشترك الذي يقع محله كما قلنا في مقدم الدماغ.

تجرّد النفس يمكنّها من الآتيان بآلاف الأفعال في وقت واحد:

ولو انتقلنا إلى نقطة أخرى متقدمة، عند النفس الإنسانية الناطقة، لوجدناها مشغولة بآلاف الأفعال في آن واحد، دون أن يتعطّل عمل البعض عن البعض الآخر، فالمعدة في دورها المطلوب، والقلب في شأنه المعتاد، والكبد في عمله المحدد، وهكذا بالنسبة لسائل الأجهزة والأعضاء، بحيث أن مجموع الأعضاء والأجهزة والأنسجة في بدن الإنسان نجدها دائبة في أفعالها وأدوارها لا يعطلّها شيء عن شيء، فهي في حالها هذا وكأنّها أنموذج بسيط لأسماء الله وصفاته التي يصفها دعاء الجوشن الكبير في عبارة (يا من لا يمنعه فعل عن فعل)ن وعل هذا الأساس فان الفراغ يكون من شأن ممكن الوجود وهي المخلوقات، وليس من شأن واجب الوجود وهو الله (سبحانه وتعالى).

وتأسيساً على ما سبق فان الشغل والعمل والفعل في مقابل الفراغ والسبات والفترة ليس هو من شأن الله (عز وجل)، لأن الله لا يشغله ولا يقعده شيء، وما الدنيا والآخرة عنده إلاّ سيّان، إذاً ما معنى هذه الآية؟ إنه ذات المعنى الذي ذكرناه في بداية حديثنا عن الآية الكريمة، فمعنى (سنفرغ لكم) لا تعني على الاطلاق أن سنتفرّغ لكم بعد الانتهاء من أعمالنا، بل المعنى الواقعي هو ـ سنقصدكم بحسابنا لنجزيكم على ما فعلتم ـ، وهذا هو شأن الله (تعالى) في القيامة المشتملة على مواقف الحساب والجزاء والثواب والعقاب يا معشر الجن والانس.

إذاً هذه الآية في حقيقتها هي آية وعيد وتهديد خاص بالمجرمين.

سبب تسمية الجن والأنس بالثقلين:

وعن سبب تسمية الجن والأنس بالثقلين، ذكر العلماء عدة وجوه لذلك وسنستعرض أهمها:

الوجه الأول: الثقلان مثنى لكلمة ثقل وهو الأمر العظيم, إذ أن العرب اعتادت على تسمية كل شيء مهم (ثقيل من حيث الوزن والقيمة)، وتقف كلمة ثقيل في مقابل كلمة خفيف، وهو الشيء الذي لا وزن له ولا أهمية. وكما نعرف أن الموجودات كثيرة، ومن جملتها الجمادات، والحيوانات، والنباتات، ومخلوقات البر والبحر والسماء، ولكن الثقيل منها والمهم هو عقلاء هذه الموجودات، وهم الأنس والجن، اما سائر المخلوقات الأخرى فهي في الحقيقة مسخرة لخدمة هذين الثقلين، ولذلك كانت حركات وسكنات وأقوال وأفعال ونوايا وعقائد الانس والجن موضع ملاحظة ورقابة ومحاسبة الهية، ويترتب عليها الجزاء، بعكس الحيوانات التي لم يضعها الباري (عز وجل) في موضع التكليف.

الكتاب والعترة ثقلان أيضاً:

ولما كان معنى (الثقلان) على أساس هذا الوجه هو الأمران العظيمان، فقد نقل المسلمون (سنة وشيعة) ان النبي (ص) ارتقى المنبر في أيام عمره الأخيرة ونادى بالناس أن (أيها الناس، أنه يوشك أن أدعى فأجيب، إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)[3]. وقد ذكر عدد من علماء الحديث أن القدر المسلّم به (من دون ريب) في عترة النبي (ص) هم (علي وفاطمة والحسن والحسين وذرية الحسين (ع)).

فتلك هي العترة الطاهرة للنبي (ص) على ما اتفق عليه المسلمون، ونحن نرى بأم أعيننا كيف خُلّف الرسول (ص) في عترته وذكرياته الجميلة!!

 

[ 36 ]

(سنفرغ لكم أيها الثقلان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذبّان). (سورة الرحمن, الآيات: 31-32)

الثقلان في ثقل التكليف:

من البديهي، أن الدنيا هي دار العمل، والآخرة دار الجزاء، والآية المباركة (سنفرغ لكم أيها الثقلان) تعني ـ سنقصدكم أيها الثقلان لنجزيكم على أعمالكم ـ. والحال أن دارنا هذه هي ليست دار جزاء، بل هي دار عمل كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف (اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل).

وقد ذكرنا الوجه الأول في تسمية الأنس والجن بالثقلين، وقلنا ان الثقل يعني الشيء العظيم.

الوجه الثاني: وهو المروي عن الإمام كشاف الحقائق جعفر بن محمد الصادق (ع) (إنّما سُميّ الأنس والجن ثقلان لأنهما حملا ثقل التكليف)، إذاً حمل الانس والجن ثقيل، وهو بالطبع يختلف عن الاحمال الثقيلة التي تحملها الدواب، فثقل أحمالهم جاءت من ثقل ما كُلّفوا به باعتبارهم من العقلاء، لذلك وجب عليهما (الانس والجن) أن ينقلا الحمل الثقيل المكلّفين به إلى المحلّ المطلوب بكل أمانة، وهذا (الحمل الأمانة) الذي اشفقت من حمله السماوات والأرض والجبال كما في قوله تعالى (إنّا عرضنا لذلك وجب عليهما (الانس والجن) ان ينقلا الحمل الثقيل المكلّفين به إلى المحلّ المطلوب بكل أمانة، وهذا (الحمل الأمانة) الذي أشفقت من حمله السماوات والأرض والجبال كما في قوله تعالى (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً) (سورة الأحزاب، الآية: 72).

بينما ذا المجنون يسعى لها

 

تأبى السما حمل الأمانة مشفقة

إنه والله لحمل ثقيل، لأن كلمة تكليف مشتقة من التكلّف وهو حمل الإنسان على ما لا يرغب، لذا كان لزاماً على الإنسان ان يخاصم نفسه ويحاربها، فكم من رجلٍ ما أن يقع نظره على امرأة حتى يخسر نفسه ويفقد احساسه وشعوره؟ لذلك كان المطلوب من الرجل أن يكون على نحو يمكنّه من أن لا يجد أدنى فرق بين ان يصادف في طريقه جداراً قد صبغ بألوان زاهية أو أن يواجه امرأة قد تزينت بألوان برّاقة، لأن المهم عندنا هو أن نوصل حمل التكليف إلى المنزل الأخير، منزل الموت الذي تعد ساعته أفضل الساعات، وأولى علامات الفرج.

ثقل المعصية يقع على الأنس والجن:

الوجه الثالث: وقد ذكر بعض العلماء أن كلمة ثقل التي وسم بها الانس والجن في الآية الكريمة موضع بحثنا إنما جاءت باعتبار ثقل المعصية والإثم، فقد يتصور المرء الذنب خفيفاً من خلال ظاهره، ولكنه لو يدرك ان هذا الحمل الخفيف من المعاصي والذنوب لو تجمّع مع سواه، لجاء اليوم الذي تمثل فيه هذه الأحمال وكأنها الجبال العظيمة من المعاصي والآثام (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً). (سورة الإسراء، الآية: 13). وعليه يكون معنى (أيها الثقلان) هو ـ أيها الجمعان اللذان ثقلا من وطأة ثقل الذنوب والمعاصي.

الوجه الرابع: بينما قال البعض أن سورة الزلزال أشارت على معنى الثقل في قوله تعالى (وأخرجت الأرض أثقالها) (سورة الزلزلة, الآية: 2). وأحد موارد الثقل هنا هو خروج الأبدان من باطن الأرض في يوم القيامة، ولذلك قيل للبشر ثقل، وقد استخدم التغليب في آية (سنفرغ لكم أيها الثقلان) على الجن فَعُدّ هو الآخر ثقلاً وتأسيساً على كل ما سبق ذكره من وجوه ومعاني كلمة (ثقلان) أصبح من الواضح لدينا أن التسمية جاءت باعتبار ثقل هذين الجنسين من الخليقة وعظمتها قياساً بالمخلوقات الأخرى غير العاقلة، أو باعتبار ثقل التكليف الإلهي نسبة مع الموجودات الأخرى، أو من حيث ثقل الذنوب والآثام المقترفة من هذين المخلوقين.

(فبأي آلاء ربكما تكذبان) ـ فبأي نعمة الهية تجحدان؟ أبنعمة جزاء الأعمال لا تصدقان؟!

هل يُعدّ التعديد والوعيد نعمة؟

ومن هذه الآية، والآيات الكريمة السبع اللواحق، تشرع السورة بتهديد المجرمين، فهي تأخذ منحى وصف ألوان العذاب المعد لأهل المعاصي، وصفة النار المهولة، ولا تلبث السورة حتى تعقّب كل آية منهن بآية (فبأي آلاء ربكما تكذبان)، ولعل البعض يثير في هذا المجال شبهة يدعي فيها أن من الصعوبة بمكان أن يتم اعتبار جهنم نعمة من النعم التي يذكّر الله (عز وجل) بها عباده من الجن والانس.

وسنذكر هنا عدة ردود مناسبة لهذه الشبه، في البداية نقول ان من الطبيعي ظهور قسمات الارتياح على محيّا الإنسان عندما تأتيه بشارات السرور والأخبار السعيدة التي تنبئه بهلالك عدوّه أو اصابته بالنكبات والبلايا والشدائد، وعلى العكس من ذلك يصاب الإنسان بالهموم والغموم وتعكير المزاج عندما يبصر عدوّه وقد رفل في أحوال حسنة قد كُلّت بالسعادة والسرور.

فالمسلم المؤمن، عندما يرى يزيداً والشمر قد غلاً واُلقي بهما في نار جهنّم تتعلج في صدره نشوات الافراح وتنفرج أساريره، وهو مصداق قوله تعالى (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون* على الأرائك ينظرون) (سورة المطففين، الآيات: 34-35)، وما ضحكهم إلاّ لأن العذاب قد أطبق على الكافرين، هذا العذاب الذي حذرهم منه المؤمنون في دار الدنيا، فلم يزدهم ذلك إلا سخرية واستهزاءً وعتوّاً، نعم لقد ضحك الكفار على المؤمنين بنصحهم واشفاقهم عليهم، فكانت عاقبتهم أن هم في العذاب قد سقطوا ولات حين ندم.

سرور أهل البيت (ع) وقد حمل إليهم رأس ابن زياد:

وجاء في كتاب نفس المهموم، والعديد من كتب التواريخ والأخبار، أن الهاشميين لم توقد لهم نار للطبخ في منازلهم منذ فاجعة كربلاء، وقد لبسوا السواد، وطفقوا يقيمون مجالس العزاء والبكاء والنحيب مدة ثلاثة سنين، حتى جاء اليوم الذي أحضر فيه المختار بن أبي عبيدة الثقفي رأس اللعين ابن زياد، ورماه في حضرة الإمام السجاد (ع)، اذّاك تبدلت أحزان أهل البيت أفراحاً، وخفف هذا الأمر شيئاً من لو عتهم وأساهم، فسجد الإمام زين العابدين (ع) لله شكر وبدا ضاحكاً مستبشراً ونزع بنو هاشم ألبسة السواد ومسوح الحزن.

النار تهدأ من غيظ قلوب المؤمنين:

فالإنسان يصيبه الغم ويأخذ قلبه الكمد عندما يبصر عدوه، وقد رفل بالنعم وهنيء بالسعادة وعلى العكس، يصيبه الفرح والسرور عندما يرى عدوّه في العذاب محضراً، وعلى هذا الأساس كانت النار وأهوالها وصنوف عذابها مبعث سرور وفرح للمؤمنين، لأن الله (تعالى) جعلها مقراً ومقاماً لاعدائهم في الله (هذه جهنم التي يكذّب بها المجرمون) (سورة الرحمن، الآية: 43). فالحمد لله الذي جعل من جهنم سبباً تقر بها عيون المؤمنين، فلو لم تكن النار، لتسائل المؤمنون، في أي مكان سيلقى المجرمون يزيد والشمر وسائر أعداء الله وأعداء نبيه وأهل بيته (ع) جزاء أعمالهم؟

إذاً آية (سنفرغ لكم أيها الثقلان) هي في حقيقتها بشارة للمؤمنين، ووعيد للمشركين والمعاندين والمنافقين، فهي تحذّر من مجيء يوم يحاسب الناس فيه على ما فعلوه، ولا يُستثنى منه شيئاً وإن كان مقدار خردلة أو هو دونها.

الاهتمام بشأن المؤمن وأعماله:

وعن اهتمام المولى (عز وجل) بشأن المؤمن وعمله، قال السيد ابن طاووس عبارة رائعة هي: ان الحكمة الكامنة في تكليف الله (تعالى) الكرام الكاتبين بتسجيل أقوال وأعمال العباد، إنما هي محض اهتمام بشأن المؤمن والتثمين لأعماله، وهذه الأعمال تعرض في كل يوم اثنين وخميس على امام الزمان (ع)، فان أبصر فيها حسنة أسرّته وسأل الله (تعالى) التوفيق لصاحبها، وأن أبصر فهيا سيئة سأل الله العفو والمغفرة لمقترفها.

وقد يبدو للمرء أن قطرة دمع واحدة لا قيمة لها، ولكن نقول له ليستيقن، ان لو انفجرت من عينه هذه القطرة خوفا، من الله (جل جلاله)، أو حزناً وكمداً على ما أصاب الإمام الحسين (ع) فحينئذ تكمن قيمتها الحقيقة في اطفائها لبحار من النار، وهنا يسارع الملكان الكاتبان إلى درج هذه الذرفة من الدمع في صحيفة عمل المرء.


[1] دعاء الجوشن الكبير

[2] دعاء شهر رجب.

[3] تفسير نور الثقلين، (ج5، ص192) عن تفسير علي بن ابراهيم القمي.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست