[ 31 ]
(يسأله من في
السماوات
والأرض كل
يوم هو في
شأن * فبأي
آلاء ربكما
تكذبان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 29 ـ 30).
آلة
العوم لدى
الحيوانات
البحريّة:
قلنا
إن الله (تعالى)
هو الغني
المطلق وما
سواه محتاج
له، ابتداءً
من الصادر
الأول محمد (ص)
ومروراً
بعالم
العقول
والنفوس
الكليّة
والمجردّات،
وانتهاءً
بالماديات.
فجميع تلك
الأشياء
والموجودات
مفتقرة
ومحتاجة،
وهي تسعى إلى
تلبية
احتياجاتها
من خلال
تقديم
السؤال إلى
الله الغني (تعالى)،
وسؤالها هو
في موضع
الإجابة
والقبول
الإلهي ما
دام هو في
حال التكوين
والاقتضاء
كما ذكرنا من
قبل،
فالحيوان
البحري (على
سبيل الفرض)
يحتاج إلى
وسيلة
تمكنّه من
العوم
والسباحة،
وهذه الحاجة
إنمّا
يرفعها
الحيوان ذاك
إلى بارئه (عز
وجل) سؤالاً
بلسان الحال
والتكوين،
فيؤمّنها
الله له
بلطفه، كما
هو حال
الحيوانات
البريّة
التي تحتاج
لأجل تأمين
غذائها إلى
عامل السرعة
في الجري
والحركة
مثلاً
فيهبها الله
ما تقضي به
حاجتها، أو
تلك
الحيوانات
التي تعتاش
على أكل
الأعشاب
والعلوف فهي
تحتاج على
وجود أسنان
قواطع قوية،
أو
الحيوانات
المفترسة من
آكلة اللحوم
التي تحتاج
إلى امتلاك
أنياب حادة
لتسهل عليهم
عملية قطع
الاعشاب
للأولى،
وتمزيق
الفرائس في
الثانية،
فيهبها الله
تعالى ما
ترفع به
حاجتها، وهو
مصداق قوله
عز وجل (الذي
أعطى كل شيء
خلقه ثم هدى) (سورة
طه، الآية: 50).
بما يعطيه
المولى (تعالى)
للمخلوقات
من وسائل
تؤمن له
الاستفادة
المناسبة في
معيشته.
لو
تعلّقت
الإجابة
بالمصالح،
إذاً لم
السؤال؟!
ونحن
الآن بصدد
السؤال
بلسان
المقال الذي
ينفرد به
الإنسان،
وأهل
الإيمان
بالخصوص ممن
وحّد الله
وعرفه، فقد
يحصل أن
يتوجه مسلم
ما إلى الله
تعالى
ويسأله (الهي
هب لي مالاً)
أو (هب لي
شفاءً)ن وهنا
تثار شبهة (واجهها
أهل البيت (ع)
من قبل)
ومفاد
الشبهة هو،
إن هذا النوع
من السؤال
وطلب
الحاجات
يفترض
احتمالين:
الأول:
أن تتطابق
الحاجة في
اجابتها مع
المصلحة
والنظام
السائد.
والثاني:
أن تتعارض
الإجابة مع
المصلحة
والنظام،
ولما كانت
الحاجات
المطلوبة
بلسان الحال
تحصل على
الاجابات
المؤكدة دون
اشتراط
مصاحبة
الطلب
التكويني
بالدعاء
اللفظي
والسؤال
بلسان
المقال
عندما
تتطابق
والمصلحة
العامة
فحينئذ يكون
وجود الدعاء
اللفظي مجرد
لقلقة لسان،
بل لا يعدو
أن يكون مجرد
لغو أو هراء!!
وقد
جاءت الكثير
من الروايات
الرادّة على
هذه الشبهة
لأجل دفعها
وتصحيح فهم
الأذهان
للموضوع على
ما سنرى في
الرد على هذه
الشبهة:ـ
المقدرّات
الحتميّة،
والمقدرّات
الالزاميّة:
وللاجابة
على تلك
الشبهة نرجع
إلى ما ذكره
العلاّمة
المجلسي في
شرحه لأصول
الكافي حيث
قسّم الأمور
والمقدرّات
إلى ثلاثة
أقسام هي:ـ
1
ـ المقدرّات
والأمور
حتميّة
الوقوع (كالغنى
والفقر،
الصحة
والسقم، طول
العمر
وقصره،
ونظير هذه
الأمور)
وتأتي
حتميّة هذه
الأمور لما
تتطلبه
المصلحة
الإلهية
بضرورة
وقوعها
باعتبار
ارتباطها (تلك
الأمور)
بالقضاء
والقدر
الإلهي
الحتمي،
سواء طلبها
الإنسان، أم
لم يطلبها من
ربه (عز وجل).
2
ـ المقدرّات
والأمور
حتميّة
الانتفاء،
وهي الأمور
التي تتطلب
المصلحة
الإلهية عدم
حصولها أو
تركها، سواء
سال العبد
ربه بعدم
وقوعهان أو
لم يسأل.
3
ـ المقدرّات
والأمور
الإلزامية،
ونقصد
بالالزاميّة
هو وقوف
وقوعها أو
عدم وقوعها
على السؤال
والطلب، فلا
تتحقق
الاستجابة
الإلهية على
الأسئلة
والحاجات
المطلوبة
بدون وجود
السؤال
والطلب، فلو
سال العبد
ربه حاجة
لحقق الله
تعالى
مراده، ولو
لم يسأله لما
تحققت
الإجابة.
الرزق
من
المقدرّات
الحتمية
لأهميته:
فالرزق
(مثلاً)
يتعلق
بالقسم
الأول من
المقدرّات
لضرورته
ولكونه
يشتمل على
المصلحة
الحتميّة
على امتداد
العمر
وبالمقدار
اللازم
لاقامة أود
البدن
وتحصينه من
التلف، وهو
ما يعبّر عنه
بحد الكفاف،
فالمولى (عز
وجل) يعطيه
للإنسان حتى
وان لم يطلبه
لنفسه، أو
يسأل الله (عز
وجل) بردّه
ومنعه.
أمّا
القسم
الثاني،
فيرتبط تركه
وعدم تحققه
بالمصلحة
الإلهية
الحتمية
أيضاً، حتى
وإن أصرّ
العبد (فرضاً)
وألحّ في
طلبه قائلاً
(اللّهم هب
لي من لدنك
ذريّة)، فأنّ
الله (تعالى)
لن يعطيه ما
أراد وسأل
لأن في تحقق
هذا الأمر (بالفرض)
ضياع لدنيا
هذا العبد أو
آخرته.
والحال
(مع الفارق)
هو كمن يسأل
الرجل
الحصيف
الكريم أن
يجيبه على
إعطائه جرعة
من السم
الزعاف لأنه
يرى فيه
راحته،
فيمتنع
الكريم عن
تحقيق مراد
ذلك المرء
لأن فيه ضرره
واذاه. أو
كالطفل الذي
تقع عيناه
على إفعىً
زاهية
اللّون
فيتوسّل إلى
أبيه أن
يعطيها له،
فيمتنع
الوالد
المشفق على
ولده عن
اجابته إلى
ما أراد.
وهنا
تتضح لنا
صورة الكرم
والشفقة في
عدم الإجابة
إلى تأمين
الحاجة
الضارة أو
المؤذية.
وعليه وجب
علينا
التلفّح
بوشاح
الحياء
والخجل من
ربنا (تعالى)
على كثرة
إصرارنا
الجهول لأنه
لم يجب
سؤالنا ويرد
حاجاتنا
المرفوعة
إليه لأننا
نريد منه
الإجابة
إمعاناً في
ضرر أنفسنا
جهلاً
وسفهاً، وهو
تعالى لا
يجيبنا إلى
ما سألناه
رأفة بنا
ورحمة، وبعد
كل ذلك نمتعض
من تأخر
الإجابة
ونعرب عن عدم
رضانا من
التأخير!!
عسى
أن تكون
زيادة المال
وبالاً:
ويصادف
أحياناً أن
يسأل البعض
ربه قائلاً (الهي
فكما أثريت
الأثرياء)
وأغنيت
الأغنياء،
فاغنني من
فضلك، ولو
بمليون واحد
فقط!) فلا
يجيبه إلى ما
أراد، لأن
الله تعالى
لو يجيبه
فسيكون قد
أجّج أوار
النار في
فؤاده، لأن
بعض النفوس
تكمن
سعادتها في
الفقر
وبساطة
الحال
ولكنهم لا
يدركون
حقيقة هذا
الأمر،
لأنهم لو
حصلوا على
العطاء
لقالوا في كل
يوم جديد (هل
من مزيد)
دون أن
يستشعروا
ليومهم وهو
يمر عليهم
دون رجعة من
طعم، لذلك لا
ينجح الله
تعالى
طلبتهم رحمة
منه ورأفة
لأن في تحقق
مرادهم ما
يعارض
مصلحتهم،
ولعلكم قد
سمعتم بقصة (ثعلبة
الأنصاري)
أحد أصحاب
رسول الله (ص)،
هذا الرجل
كان من أكثر
أصحاب النبي
(ص) عبادة
واجتهاداً،
حتى أنه كان
أول من يرد
المسجد وآخر
من يغادره.
وكان ذو فاقة
واملاق، وفي
بعض الأحيان
كان رسول
الله (ص) يدفع
إلى ثعلبة
هذا بضع
تمرات ليسد
بها رمقة.
وفي
يوم طلب
ثعلبة من
النبي (ص) أن
يدعو له بيسر
الحال، وكان
النبي لا
يجيبه إلى
ذلك حتى اكثر
من الحاحه
على النبي (ص)،
فدفع النبي
إليه بضعة
دراهم لينفق
منها على
نفسه فأخذها
ثعلبة وخرج
مسرعاً إلى
السوق
واشترى له
شاة بتلك
الدراهم،
وصار يبيع من
لبن الشاة
وصوفها
ويجمع
الأموال إلى
الأموال، ثم
اشترى شاة
أخرى،
واستمر به
الحال على
تلك الصورة
يجمع المال
ويشتري
الشياه حتى
صار عنده
قطيعاً من
الأغنام،
فتشاغل
بقطيعه عن
عبادته حتى
صار آخر من
يرد المسجد
وأول من يخرج
منه، ولما
تيسرت حاله
كثرت لديه
القطعان
وضاقت بها
الأرض، خرج
بها إلى ظاهر
المدينة
وصار لا يصل
المسجد إلاّ
في الجمعات،
وحتى هذه
الأخيرة لم
يواظب عليها
فتخلف عنها
هي الأخرى
واشتغل
برعاية
أمواله
وأغنامه،
فتفقده
النبي (ص) في
المسجد بين
الحاضرين في
يوم من
الأيام فلم
يجده، فسأل
أصحابه عنه،
فقالوا له:
أنه مشغول
بثروته التي
حالت دون
مجيئه إلى
المدينة،
عندها قال
النبي (ص): (الويل
لثعلبة)
يرددها
ثلاثاً. ولما
نزلت آية
الزكاة، بعث
رسول الله (ص)
رجلاً على
ثعلبة ليأخذ
منه زكاة
ماله،
فأمتنع
ثعلبة عن دفع
الزكاة،
وعاد الرجل
إلى النبي
بيدين
خاويتين،
فما لبثوا
حتى أنزل
الله (تعالى)
في ثعلبة
ثلاث آيات في
سورة التوبة
ينعته فيها
بالكفر
والنفاق
وخلفه الوعد
في قوله
تعالى (ومنهم
من عاهد الله
لئن آتانا من
فضله لنصدقن
ولنكونن من
الصالحين *
فلمّا آتاهم
من فضله
بخلوا به
وتولوا وهم
معرضون *
فأعقبهم
نفاقاً في
قلوبهم إلى
يوم يلقونه
بما أخلفوا
الله ما
وعدوه وبما
كانوا
يكذبون). (سورة
التوبة،
الآيات: 75 ـ 77)
ولمّا
رحل النبي (ص)
عن دار
الفناء رجع
ثعلبة إلى
المدينة،
ولكن الناس
أهملوه
وتركوه
وحيداً
منبوذاً حتى
مات حتف أنفه.
هذه الحقيقة
تجسد ما
ذهبنا إليه
من أن بعض
الحاجات قد
تكون عاملاً
لهلاك
الإنسان
وتردّيه
فيما لو
تحققت
إجابتها بعد
الالحاح من
العبد، ولكن
العبد
الجاهل نراه
يولّي بوجهه
عن ربه ويعرض
عنه لأن الله
تعالى لم
يجبه في
تحقيق
طلبته،
ولكنه لو
أدرك ان هناك
مصالح في عدم
تحققها وأحد
تلك المصالح
مصلحته
الذاتية
لسجد لله
شكراً لأن
الله عز وجل
أرفق به ولم
يجبه إلى
هلاكه. ومع
ذلك فان الله
تعالى لا يرد
عبده خائباً
(بأي حال من
الأحوال)
لأنه كريم
ورؤوف، فهو
حينئذ سيهبه
عوضاً بمثل
أو أكثر مما
طلبه مما فيه
الخير
والصلاح كما
قلنا من قبل.
اللّهم
هب لي ما فيه
صلاحي:
أما
القسم
الثالث من
المقدرّات،
فهو ما
يتعلّق
بالأمور
المربوطة
بالدعاء
والسؤال، من
غير تلك
المتعلّقة
بالمصلحة
الحتميّة في
فعلها أو
تركها.
فلو
سال الإنسان
ربّه لأجابه
المولى
حينئذ
تفضلاً منه
وكرماً، ولو
لم يبادر
بالسؤال في
طلبها لما
حققه الله (عزّ
وجل). ولمّا
كانت الأمور
مجهولة
الحال علنيا
ولا ندري أهي
من القسم
الأول أم
القسم
الثاني أم
الثالث، وجب
علينا
الدعاء
والمسألة
على كل حال،
فالدعاء خير
لا ضرر فيه،
وخير ما فيه
أن تترتب
عليه
المنفعة
المسلّمة،
وفيما لو
كانت الحاجة
المطلوبة من
ضمن القسم
الثالث فأن
الله تعالى
سيمّن على
عبده
بالإجابة
وإلاّ فأنه
سيتفضل عليه
بلطفه وكرمه
بما يعوّضه
عما سأل، أو
أن يذخره له
إلى آخرته،
والدعاء في
حد ذاته
عبادة،
ولذلك وجب
على المرء
المسلم أن
يجعل من
سؤاله
وطلبته على
هيئة الدعاء
والتوسّل لا
على هيئة
الحكم
والأمر كما
يحصل لدى بعض
الأفراد
الذين يرون
في أنفسهم
القدرة (بظّنهم)
على تشخيص
المصلحة
وكأنهم (والعياذ
بالله) اعلم
بذلك من الله
(عز وجل) كأن
يقولون في
دعائهم
مثلاً (اللّهم
هب لنا الشيء
الفلاني
لأنه فيه
الأثر
الفلاني)!! في
حين أن
الدعاء في
ذاته يحتمل
صورة عجز
الداعي
وضعفه
ومسكنته،
لذلك يجدر
بالإنسان
الداعي أن
يقول (اللهم
إن كان الأمر
الفلاني فيه
خيري
وصلاحي، فهب
لي منه ما
فيه رضاك)
كما يشير إلى
هذا المعنى
النص الوارد
في دعاء
تعقيبات
صلاة الظهر (...
ولا حاجة من
حوائج
الدنيا
والآخرة، لك
فيها رضىً
ولي فيها
صلاح إلاّ
قضيتها).
وهنا تتضح
صورة الدعاء
وأسلوبه،
فان تحققت
الإجابة به
فأعلم أنه
كان دعاءً
وسؤالاًن
وان لم تتحقق
فهو لم يكن
إلاّ حكماً
وأمراً,
تعالى الله
عن ذلك علواً
كبيراً.
بصائر
القلوب
تختار
الآخرة:
يقول
أبو بصير (وهو
أحد أصحاب
الامام جعفر
بن محمد
الصادق (ع)،
ومن الرواة
الثقاة، وهو
رجل ضرير
العينين
بصير القلب)
سالت مولاي
الإمام
الصادق (ع):
إني لعلى
يقين من أنك
تستطيع أن
تفعل كل شيء،
فهلاّ مننت
عليّ برد
البصر عليّ
عساني أرى
فيه بهائك؟
فتفضل
الإمام (ع)
ومسح بيده
الشريفة على
عينيه،
فأرتد إليه
بصره،
فتملكّت
السعادة أبا
بصير وعمّه
السرور,
حينئذ خاطبه
الإمام (ع)
بالقول (إن
شئت أن تكون
كسائر الناس
حساباً
وسؤالاً في
الآخرة فأبق
على حالتك
هذه، وان شئت
ان تبعث من
قبرك يوم
القيامة ثم
ترد الجنة
دون حساب
فتصير معنا،
وجب عليك
الرجوع إلى
حالك الأول)
عندئذ قال
أبو بصير:
والله إني قد
اخترت آخرتي
على هذه
الدنيا،
فعاد إلى
حاله الأول
ضريراً.
وهذا
هو ما نعبّر
عنه بالدعاء
المشتمل على
الطلب
والسؤال لا
الحكم
والأمر، بل
وأنه يحمل
معه (عادة)
صورة
الرجاء،وحالة
العجز
والانكسار
والفاقة إلى
الله، فأن
أجاب الله
دعوته فيها،
وان لم يستجب
له فلا
اعتراض على
مشيئته
وارادته.
إجابة
الدعاء، وعد
إلهي حتمي:
ثم
يجب على
الداعي أن
يدرك ان الله
(عز وجل) أعلم
بمصلحته
منه، لذلك
كان الشرط
الأول في
الدعاء وطلب
الحاجات هو
أن يتناسبا
والمصلحة
العامة (كما
قلنا)، يعني
ان يقول
الداعي (على
سبيل الفرض) (اللّهم
هب لي ما فيه
صلاحي). بعد
ذلك يجب على
الداعي أن
يستيقن
الإجابة
الإلهية
فيما لو كان
دعاؤه
سؤالاً
وطلباً وليس
حكماً
وأمراً، مع
وجود
الانسجام مع
المصلحة،
وإلاّ فان
الله (عز وجل)
اكرم من أن
يرد الدعاء،
فيعوّض
الداعي
بمثيل ما سأل
أو أفضل منه،
إن في
الدنيا، أو
في الآخرة.
وعلى
ذلك كان
الدعاء
مفيداً لا
ضرر فيه
البتة، وهو
مستجاب بشكل
قطعي، لأن
المجيب (تعالى)
قد آل على
نفسه أن يضمن
الإجابة لمن
دعاه وسأله
كما في قوله
تعالى (ادعوني
استجب لكم) (سورة
غافر، الآية:
60). ثم أكّد
التزامه
بالوفاء
بوعده في
قوله تعالى (ولن
يخلف الله
وعده) (سورة
الحج، الآية:
47). إن عاجلاً
أو آجلاً.
إبراهيم
والعابد في
لقاء بعد
ثلاث سنين:
فقد
ورد في كتاب
حياة القلوب
للمجلسي، أن
أحد العبّاد
خرج من
صومعته إلى
القفر فشاهد
صبياً كأنّ
وجهه فلقة
قمر وهو يرعى
أغناماً،
فأنبهر
العابد
لبهاء الصبي
وتوجّه إليه
بالسؤال: من
أنت؟ فأجابه
الصبي: أنا
ابن خليل
الرحمن (ع)
وهذا القطيع
قطيعه،
عندها ابتهل
العابد على
ربه رافعاً
يديه
بالدعاء وهو
يقول: (اللهم
أرني خليلك)،
ولما مضت
ثلاث سنين
صادف أن خرج
العابد من
صومعته لبعض
شؤونه
فالتقى
رجلاً عليه
سيماء
الصالحين
فبادره
الرجل: هل لي
أن أكون ضيفك
في هذه
الليلة؟
فردّ عليه
العابد: أنّى
يكون لك ذلك
ومنزلي يقع
في الجانب
الآخر
من
البحيرة ولا
يستطيع أحد
أن يمر عليها
مشياً
بالاقدام
سواي، فقال
له الرجل: إن
من مكّنك من
ذلك لقادر
على أن
يمكنني
بمثله، هنا
خطر في بال
العابد أن
مُحاوره ليس
رجالاً
عادياً
ولكنه لم
يعرفه من
يكون، فصحبه
ولما قربا من
الماء وضعا
اقدامهما
على صفحة
الماء وسارا
حتى عبراه ثم
وصلا إلى
منزل العابد
في صومعته،
فجلسا سوية
وشرع الرجل
يحدث العابد
عن القيامة
وأهوالها
وشدائدها
ففزعت
قلوبهما من
ذكر
القيامة،
عندها قال
الرجل
للعابد: هلّم
بنا ندعو
الله أن
يعيذنا من
النار
وأهوال
القيامة،
فلم يجبه
العابد على
ما أراد وقال
له: ادع
وحدك، فان
دعائي لا
يستجاب،
فبادره
الرجل
بالقول: كيف؟
قال: لقد
مررت بصبي
يرى أغناماً
لابراهيم
الخليل (ع)
منذ ثلاث
سنين وسألت
الله (تعالى)
حينها أن
يريني خليله
فلم يجبني
الله إلى ما
دعوته، هنا
تبسم الرجل
وقال له: لقد
قضى الله
حاجتك، فلا
تيأس أنا
إبراهيم
الخليل، فما
ان سمع
العابد ذلك
القول من
ابراهيم (ع)
حتى رمى عليه
نفسه يحتضنه
وهو باكٍ من
شدة الشوق
إليه، قد
انهمرت
الدموع على
وجنتيه.
[ 32 ]
(يسأله من في
السماوات
والأرض كل
يوم هو في
شأن * فبأي
آلاء ربكما
تكذبّان). (سورة الرحمن,
الآيات: 29ـ30).
ما
يعبأ بكم ربّ
لولا دعاؤكم:
تقول
الآية
الكريمة
الآنفة
الذكر، ان من
في السماء
والأرض يسأل
الله (تعالى)
بلسان الحال
والتكوين،
أو بلسان
المقال
والتعبير،
فلو لم يأذن
الله (تعالى)
بالسؤال
والطلب، فمن
ذا الذي كان
يتجرّأ أن
يفصح عن
حاجته ويعرض
سؤاله في
مقابل ارادة
الله
ومشيئته؟،
ولكنه عز
شأنه يقول (قل
ما يعبأ بكم
ربي لولا
دعاؤكم) (سورة
الفرقان،
الآية: 77). أي أن
قيمتكم أيها
الناس تكمن
في مسائلكم
وحوائجكم
المطلوبة.
وهذا ما ذهب
إليه الحديث
الشريف
الوارد في
كتاب أصول
الكافي (أحب
العباد إلى
الله (تعالى)
اكثرهم
دعاءً له،
وابغضهم
إليه من لا
يدعوه
بالمرّة.
أهل
البيت (ع)
أكثر الناس
دعاءً:
فمن
هو اكثر
دعاءً،
وأعظم
سؤالاً لله (تعالى)
من أهل بيت
النبوة (ع)؟
فهذا دعاء
أبي حمزة
الثمالي
الذي علّمه
إياه الإمام
علي زين
العابدين (ع)،
نجد فيه كيف
أن الإمام (ع)
يدعو ربه
لساعات،
ويكثر من طلب
الحاجات
وعرض
المسائل، بل
وكم يظهر
الإمام
السّجاد (ع)
من مظاهر
العجز
والفاقة إلى
الله (جل
جلاله) في
أدعيته
المعروفة
بالصحيفة
السجاديّة،
ولو جلنا
النظر في
الصحيفة
العلويّة (على
مشرّفها
السلام)
لتجلّى لنا
بكل وضوح
كيفية
ابتهال
الإمام أمير
المؤمنين (ع)
إلى ربه،
وكيف يعرض له
مسائله، ففي
دعاء كميل
يعرب الإمام
علي (ع) عن
عجزه وفاقته
وحاجته إلى
الله حتى
يقول (ارحم
من لا يملك
إلاّ الدعاء)
التي يتوّج
بها أمير
المؤمنين
حقيقة عجزه
وتواضعه
وفاقته إلى
الله (عز وجل).
إذاً
طالب
الحاجات من
الله (تعالى)
لا يعدم
الإجابة، إن
كانت وفق
مقتضيات
المصلحة،
وإلاّ فأنها
لا تستجاب
حين تعارضها
مع تلك
المصلحة،
ولكن الله
تعالى لا يرد
عبده خائباً
بل يعطيه من
افضاله
وآلاء
احسانه ما
فيه العوض
مثلاً أو
اكثر منه.
وقد
تتطلب
المصلحة
فورية
الإجابة على
السؤال، كما
قد تتطلب في
بعض الأحيان
الأبطاء
والتأخير،
ويبقى الشيء
الثابت
والمؤكّد أن
لا خائب يُرد
عن باب الله
أبداً.
الأرباح
المضاعفة
لمن سأل ربّه:
وجاء
في كتاب
الفرج بعد
الشّدة، أن
انقطع المطر
في بعض
السنين
ففسدت
الزروع،
وكانت بلدة
هناك يعتاش
أهلها على
ريع زراعة
الأرض، في
تلك البلدة
امرأة عجوز
تعيل عائلة
كبيرة
بزراعة أرض
صغيرة تقع في
خارج بلدتها
فتعود عليهم
بما يسد
رمقهم ويقيم
أودهم. ولمّا
أجدبت الأرض
بامتناع
السماء عن
المطر غلب
الأسى
والحزن قلوب
أهل البلدة،
واغتموا
كثيراً،
باستثناء
تلك العجوز
التي خرجت
إلى ظاهر
البلدة ومدت
أياديها إلى
السماء
وشرعت
بالدعاء
والابتهال
إلى الله
تعالى قائلة
(يا ذا العرش
المجيد، يا
فعّالاً لما
يريد، يا
باسط الرزق
لمن يشاء
ويقدرن
اللهم إن شئت
أمطرتنا،
وان لم تشأ
لم يكن،
فأصلح حالنا
يا أرحم
الراحمين)
فما أن أنهت
دعاءها حتى
مرّ بها أحد
الأشراف،
فوقع في قلبه
أن يسألها عن
حاجتها،
فسألها: كم
كان الزرع
يعود عليكم
بالنفع؟
فأجابته:
مائتان
وخمسون
ديناراً. قل
الرجل: فهل
في ضعف هذا
المقدار
كفاية لك؟
فأجابته،
نعم،
فأعطاها على
الفور
خمسمائة
دينار ثم
تركها وذهب
لشأنه.
نعم
إنها
الإجابة
الإلهية
النورية
للدعاء
المنسجم مع
المصلحة
التي لا تلبث
حتى تعقّب
السؤال دون
أي تأخير.
الجوهرة
التي يعشقها
السلطان:
وفي
كتاب عدة
الداعي،
نقلت هذه
القصة
الشيّقة عن
الخازن
السلطاني،
تقول القصة (كانت
هناك جوهرة
ثمينة لا
مثيل لها لدى
سلطاناً من
السلاطين،
وكان من فرط
تعلق
السلطان
بتلك
الجوهرة أن
وكلّ بحفظها
خازنه
ووضعها في
صندوق خاص،
وألزم
الخازن
بحفظها في
داره خشية
تلفها أو
سرقتها أو
فقدانها. وفي
أحد الأيام
غفل الخازن
عن اغلاق باب
الحجرة
الخاصة بحفظ
الجوهرة بعد
أن جاء
ليتفقدها. ثم
غادر بيته
وانصرف لبعض
الشؤون فجاء
صبي له ودخل
الحجرة ثم
تناول
الجوهرة من
صندوقها
وطفق يلعب
بها ويدّقها
بالحجر حتى
تحطمت. ولما
عاد الخازن
إلى بيته وقع
بصره على
الجوهرة
السلطانية
المحطمة
تسمّر في
مكانه وشخص
بصره
وتملكّه
الرعب
والخوف
وأيقن
بالموت الذي
أحاط به من
كل جانب،
فخرج إلى
الزقاق لا
يلوي على شيء
وهو يولول
كالمجنون
ويصيح بلا
هدىً، حتى
استوقفه أحد
أصحابه (من
المؤمنين)
وسأله: ما
الذي دهاك؟
فأجابه
والرعب قد
تملكه: إنّي
ميت لا
محالة،
فسكّن روعه
وسأله أن
يعلمه بما
حصل له فقال
لصاحبه جميع
ما حصل ولما
انتهى من
كلامه، رد
عليه صاحبه
المؤمن
قائلاً: هوّن
عليكم، لم لا
تنشد أشعار
الإمام علي (ع)
في ظرفك
العصيب هذا؟
أنشد هذا
البيت وانظر
الفرج:
يدّق
خفاه عن
فهم الذكي
|
|
وكم لله
من لطف خفي
|
فشرع
الخازن
بترديد هذا
البيت، وإذا
به يسمع أن
السلطان قد
وقع فريسة
مرض القلب
العضال،
وكان أن حضر
الأطباء
والحكماء
عند السلطان
ليداووه مما
هو فيه،
فتشاوروا
فيما بينهم
على علاجه
حتى خلصوا
على ان شفاءه
مرهون بصنع
مركّب من
الدواء
يشتمل على
جملة مواد
بضمنها
جوهرة
بالأوصاف
الفلانية
يُأخذ ربعها
ويطحن ثم
يضاف إلى تلك
المواد على
هيئة
الخليط،
وهنا سارع
الحاشية
باستدعاء
الخازن
وطلبوا منه
أن يحطم تلك
الجوهرة
السلطانية
ويأتيهم
بربعها على
جناح السرعة!!
بلى، لو أخلص
المرء
بالدعاء
وأصدره من
صميم قلبه،
ثم لم تكن
حاجته
معترضةً
للمصلحة
الالهية
لتحققت
الإجابة
الإلهية على
الفور، ودون
أدنى شك أو
ترديد.
نعمة
طلب الحاجة
تكمن في
تأخير
الإجابة:
إن
إقبال القلب
على الله (عز
وجل) له أبلغ
الأثر وأعظم
النوال في
الاقتراب
منه (تعالى)،
خصوصاً
عندما يولي
الإنسان
وجهه شطر
البيت
الحرام ثم
يرفع كفيّه
بالتضرّع
والسؤال
بقلب كسير،
حينئذ يغنم
المرء القرب
من الله (تعالى)
ببركة
السؤال وطلب
الحاجات،
وهذه الحالة
في الدعاء
لها شأن
رفيع، إذ لو
قضى الله
حاجة عبده
بسرعة لما
وقف الناس
على دكّة
الرب الجليل
مراراً،
وعليه اقتضت
حكمة الباري
(عز وجل)
ولطفه أن
يجيب داعيه
ويعطي مؤمله
بوسائله
ولكن بعد أن
يمضي شيء من
الوقت، لكي
يكثر العبد
من تردده على
باب مولاه،
ويلّح في عرض
مسألته
عليه، ويكثر
من التشكّي
والبكاء
لديه ليحصل
له القرب من
الله (عز وجل).
يقول
المجلسي (رحمة
الله) في
كتابه مرآة
العقول: يقول
البعض ان من
قال (يا الله)
قضيت حاجته
على الفور،
حتى وان لم
يدرك ذلك
بنفسه، لأنه
بقوله ذاك قد
حصّل القرب
الربّاني
الذي وهبه
الله إياه
لأنه سعى إلى
العتبة
الإلهية
المقدسة يجر
وراءه أذيال
حاجته، فجرّ
(بتك الحاجة
دون أن يشعر)
معه القرب من
الله.
لذّة
المناجاة
ونسيان
الحاجة:
ويروى
أن الإمام
الصادق (ع)
قال: كانت
لدي عند الله
حاجة فرغبت
في طلبها
إليه فتوضأت
وتعبّأت
للقائه، ثم
جئته
مصليّاً
لاسأله
حاجتي،
فدخلت في حظي
من المناجاة
معه وبث
الأسرار
والحوائج
لكي أنال منه
التفاتته
الكريمة،
فتشاغلت
بذلك عن
حاجتي التي
رمت ان اسأله
اياها حتى
نسيتها.
نعم،
إن الله (تعالى)
عندما يريد
ان لا يعطي
لعبده حاجة
ما يسأله
اياها، إنما
يكون ذلك
لعلمه (عز
وجل)
بالمصلحة،
فيجعل الله
حاجة عبده
المنسيّة
ذخيرة له في
آخرته كما
تؤكد هذه
الحقيقة
الرواية
الآتية:ـ (ان
الله ليعتذر
إلى عبده
المؤمن في
يوم القيامة
عن عدم اعطاء
عبده حاجته
في دار
الدنيا, لأن
الدنيا لا
وزن لها ولا
قيمة، وليس
كما يُظّن
بأن الله لا
يهتم بعباده
ودعائهم،
فيعطيه
اليوم (القيامة)
من فضله ما
يشاء) وفي
جانب آخر من
هذه الرواية
تظهر صورة
المرء
المؤمن وهو
يتمنّى (في
يوم القيامة)
ان لم يحقق
الله (تعالى)
له شيئاً من
حاجاته
ومسائله،
لما يشاهده
من عظيم عطاء
الله في
الآخرة.
ويأتي
هذا في سياق
مقارنة
الدنيا
بالآخرة من
حيث الوزن
والأهمية
والبقاء.
فأين العطاء
الباقي من
العطاء
الفاني؟!
الافاقة
عن الحلم
المخيف:
فالدنيا
أشبه ما تكون
بمنزلة
الحلم
للنائم،
فكما ان
النائم يرى
في منامه
أحلاماً
هانئة لا
تلبث ان
تتبدد بمجرد
أن يفيق
فيفقد كل
هناء عاشه في
زمن الحلم
السعيد،
وأحياناً
يرى النائم
كابوساً
مخيفاً
يجعله يتصبب
عرقاً، فما
أن يفيق عنه
حتى يسارع
إلى رفع آيات
الشكر إلى
ربه على أنه
لم يكن اكثر
من حلم،
ولذلك يقول
الإمام علي (ع):
(الناس نيام،
فإذا ماتوا
انتبهوا)
ويعني بذلك
أن الإنسان
في حلم ما
دام هو في
دار الدنيا،
فان كان حلمه
كابوساً
مرعباً،
فانه يُسعد
كثيراً
عندما ينتبه
من نومته،
وعليه يحمد
المرء
المؤمن ربه (عز
وجل) عندما
يموت لأنه
بالموت
المكتوب قد
منّ عليه
بالعتق من
سجن المادة،
وبه أيقظه من
كابوس
الأحلام
المهولة في
عالم الدنيا.
لا
لليأس عند
تأخّر
الاجابة:
لقد
قلنا أن
الدعاء لا
يرد، حتى وان
تأخرت
الاجابة،
لأن التأخير
فيه ما
تتطلّبه
المصلحة
العليا
وتستدعيه
الحكمة
الإلهية،
لذلك ينبغي
على المؤمن
أن لا يستولي
عليه اليأس
والقنوط، بل
عليه ان يدرك
ان في هذا
التأخير
حكمة الهية
ومصلحة
استدعته، بل
ان أدرك ذلك
لتوسل إلى
الله (عز وجل)
وألّح عليه
أن يؤخر
الاجابة. ففي
كتاب اصول
الكافي
الشريف،
رواية يتحدث
فيها الراوي
عنه نفسه انه
جاء إلى
الإمام
الرضا (ع)
وقال له: لقد
سألت الله
تعالى ان
يقضي حاجة لي
عنده،
ولكنّها لم
تقض وقد
غامرني الشك
فيما يقولون
من ان الدعاء
مستجاب بعد
الصلاة،
بينما اولئك
الذين هجروا
اقامة
الصلاة قد
تهيّأ لكل
منهم ما أراد
من امور
الدنيا،
ونحن ندعو في
عقيب
صلواتنا فلا
تستجاب
دعواتنا،
فرد الإمام (ع)
عليه قائلاً
ما مضمونه:
اياك ان تدع
للشيطان
سبيلاً إلى
قلبك. فيعشعش
هذا الخيال
في فؤادك، ان
جدي الباقر (ع)
قال: المؤمن
يدعو الله
فيستجيب
دعاءه،
ولكنّه يؤخر
قضاء حاجتهن
لأنه يحب أن
يسمع ضجيجه
إليه وأنينه
وشكواه
ليقربه منه.
إذاً الله (تعالى)
لا يحرم
أحداً من
الاجابة،
فهل هناك من
هو أسوء من
الشيطان؟
الشيطان سأل
ربه (عز وجل)
ان يمهله
قائلاً (قال
رب فانظرني
إلى يوم
يبعثون) (سورة
الحجر،
الآية: 36).
فجاءه الرد
الإلهي (قال
فإنك من
المنظرين*
إلى يوم
الوقت
المعلوم) (سورة
الحجر،
الآية: 38).
|