|
||||||||
عموم الفناء وشموليته نعمة |
||||||||
(كل من عليها
فان * ويبقى
وجه ربك ذو
الجلال
والإكرام *
فبأي آلاء
ربكما
تكذبان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 26 ـ 28). عموم
الفناء
وشموليته
نعمة: الوجه
الثالث: ولقد
ذكرنا آنفاً
أن فناء
الدنيا
بذاته يعد
نعمة لأن
الدنيا هي في
واقعها سجن
للمؤمن
لأنها لا
تشتمل الاّ
على تكرار
الصور
والحالات
والظواهر مع
أنها في
حقيقتها لا
تمثل اكثر من
حجاب، لا
يلبث
الإنسان أن
يخرقه
بالموت في
الأوان
المناسب
فينطلق إلى
الفضاء
الأرحب في
عالم الحضور
والشهادة،
عالم
المعاني. يقول
المحقق
الطبرسي في
كتابه تفسير
مجمع
البيان، أن
شمول الفناء
للجميع هو
نعمة اضافية
لأنها تشمل
كي شيء فلا
يستثني بذلك
أحداً ما،
وتتبين عظمة
هذه النعمة
فيما لو
افترضنا أن
البقاء يختص
بطائفة
معينة دون
سواها
وعندها سيعم
الهم والغم
والأسى
الآخرين لأن
بقاء. ذلك
الجزء من
الخلق هو نوع
من أنواع
التمييز
والتبعيض،
بينما يكون
شمول الفناء
للجميع بأن
تذوق كل نفس
الموت دون
استثناء (الأنبياء
والصالحين،
الأمم
والأقوام،
الأفراد،
الكبار،
الصغار)
مبعثاً
للارتياح
وعدم الشعور
بالقلق
وزوال الهم
عن القلوب
كما يؤكد ذلك
قوله تعالى (كل
نفس ذائقة
الموت). (سورة
آل عمران,
الآية: 185) تزامن
موت الخصماء
والغرماء: ولعلّه
من العجيب
والمدهش ان
يتزامن موت
المتخاصمين
أو
المتنازعين
ممن يشب
بينهم
الصراع أو
العراك أو
القتال
فيتمنى
الواحد منهم
موت غريمه،
ويكون هذا
التزامن
غالباً في
فترة زمنية
واحدةً أو
بفاصلة
زمانية
يسيرة (كما
أثبتت ذلك
التجارب)ن
ولقد كتب أحد
معارفي
كتاباً
ضمنّه
مذاكراته،
وكان من جملة
ما كتبه هو
الموضوع
الآنف
الذكر، يقول
في كتابه: أن
مشير الملك
وقوام الملك
(وهما رجلان
من الحاشية
الملكية
كانا في
مدينة شيراز)
كانا كثيرا
النزاع
والخصام
فيما
بينهما، وقد
أدت بهم
الحال إلى أن
تنشب فيما
بينهما
الحروب
والمعارك،
ولما مات
قوام الملك،
لحقه مشير
الملك
بالموت بعد
ستة أشهر من
موت غريمه
ليس اكثر!! وأنا
أيضاً كان لي
أخوين قد
اندلعت فيما
بينهما
نيران
الخصام
والنزاع
والمساجلة،
حتى بات كل
منهما يترقب
موت الآخر
ويتمناه
تشفيّاً،
ولم يلبث أن
ماتا سوية في
يوم واحد قبل
سنتين أو
ثلاث!! وما
أريد أن
أوصله لكم من
خلال ذكري
لهذه الأمور
إنما هو أن
الله (عز وجل)
لم يجعل
للموت
سبيلاً إلى
أحد دون
الآخر، ولم
يميز بين
خلقه في هذه
الحقيقة
الواقعة كما
أنه لم يميز
بينهم في
سائر
الأمور، في
رحمته
وعطائه
ولطفه،
وعليه كان
الموت
الشامل
للجميع نعمة
بذاته، كما
يذهب إلى
تأكيد هذه
الحقيقة
لسان العرب
عندما تضرب
المثل بنعمة
عموم البلاء
حيث تقول (إذا
عمّت البلية
طابت) هذا
فيما لو
اتفقنا على
أن الموت
يدخل في جملة
البلايا
والنوازل
فرضاً. الالتزام
بالتعاليم
الصحية
والوقائية
لا يطيل
العمر: إن
رعاية
الامور
الصحية
والوقائية
في الحقيقة
لا تطيل
العمر كما
يدعي البعض
وإنمّا تبقي
على العمر،
أو بعبارة
ثانية تحول
دون تناقص
الأعمار،
فكثير هم من
نراهم
يلتزمون
برعاية
الوصايا
الصحية
والوقائية
ولكنهم لا
يجتازون
حدود
الثمانين من
العمر،
بينما نجد
سكّان
الأرياف
والقرى
يطعنون السن
ويعبرون
سدوج
الثمانين مع
أنهم لم
يشموا رائحة
التعاليم
الصحية أو
الوصايا
الوقائية
طيلة سني
عمرهم
المديدة،
وهذا يعني أن
التقديرات
الإلهية لا
يمكن درؤها
برعاية مثل
هذه الأمور
فيطلب
الإنسان طول
العمر الذي
لم يقدر له،
مع ضرورة
التنبّه إلى
ان ما نذهب
إليه هنا في
رأينا لا
نقول فيه
بانكار
أهمية الصحة
والوقاية في
بناء
الإنسان
السليم ودفع
المخاطر
والآفات عن
بدنه
وتركيبة
حياته
الاجتماعية،
فقد جاء
الشرع
المقدس
بالكثير من
التعاليم
والآداب
والسنن التي
أكدّت
وشدّدت على
التوجه
للرعاية
الصحية
والعمل بها
والاهتمام
باشاعتها في
المجتمع
الإنساني
ولكنني أردت
في عرضي هذا
أن أؤكد على
أن للموت
توقيت معين
يحل
بالإنسان ان
عاجلاً أو
آجلاً، ولا
يمكن دفعه
بالوسائل
مهما كانت
وعليه تكون
الدنيا غير
مؤهلة (تحت
كل الظروف
والشرائط)
للبقاء،
وهذا أيضاً
ينعكس بدوره
على سائر
المخلوقات
الموجودة في
هذا العالم
فهي أيضاً
تصير إلى
الزوال
والفناء،
وعليه ينبغي
على الإنسان
أن لا يدع في
قلبه مجالاً
للهموم
والأحزان
لأن هذا
المصير هو
مصير عام لا
يستثني
أحداً. العزاء
والموعظة: الوجه
الرابع: وهو
أن التذكير
بفناء
الدنيا هو
بذاته عزاء
لأهل البلاء
والشقاء،
وموعظة لأهل
الدعة
والراحة،
لان الناس في
واقعهم
ينقسمون إلى
القسمين
المذكورين،
فعندما ينزل
الموت بساحة
أهل الدلال
والدعة يكون
لهم واعطاً
بعدم
الاغترار أو
التكبّر،
لأنه سيقول
لهم أن رجال
المال
والأعمال
والسياسة
والدولة
كانوا
كثيرون
مثلكم ولكن
الموت دخل
عليهم
فرحّلهم إلى
حيث لا
تجدونهم
الآن،
فاياكم أن
تتكبروا على
فقرائكم
ومحروميكم،
فهل بلغت بكم
الأسباب ما
بلغت
بقارون؟ وها
هو ذا أيضاً
قد وقع فريسة
الموت الذي
يلاحقنا
جميعاً. وعندما
يحل الموت
بساحة أهل
البلاء
والشقاء
يكون حينئذ
لهم أحسن
العزاء، لأن
كل شيء قد
كتب عليه
الفناء
والزوال،
فكما خسر
الأثرياء
أموالهم،
وضاعت من
الملاّك
أملاكهم فقد
خسر آخرون
أرواحهم قبل
أن يخسروا
أموالهم
وأملاكهم،
بل وقد خسر
البعض
أموالهم قبل
أرواحهم،
وفي هذا
الأمر كثير
عزاء وسلوى
لأهل البلاء
والشقاء كما
نرى. التحرر
من ربقة
الشرك. الوجه
الخامس:
والوجه
الآخر في
نعمة
التذكير
بالفناء، هو
أن الإنسان
فيما لو
استيقن هذه
الحقيقة كما
يعلمها،
ووقرت في
قلبه، عندها
سيتحرر من
جميع ألوان
الشرك
وأنواعه،
سواء منها
الجلي
الظاهر أو
الخفي
الكامن، حتى
أنه يجد في
يقينه بحلول
الموت
بساحات
الجميع،
الدواء
الناجع
لعلاج أمراض
الشرك
العضال. فلو
التفت عابد
الأصنام، أو
عابد
النجوم، أو
عابد الشمس،
أو عابد
البقر إلى أن
هذه الأشياء
التي يعبدها
هي فانية
وزائلة ولا
سبيل لها
للبقاء
والخلود كما
هو حال سائر
الأشياء
الأخرى
لتيقن ضلالة
عقيدته في
أشياء أفنى
عليها العمر
عبادة
وسعياً، فهو
كمن يركض خلف
السراب
ليلحق به أو
يمسك به، فهي
زائلة
كزواله هو
الآخر، ولا
يبقى في هذا
الوجود
الكبير
الهائل إلاّ
الله وحده
خالق البقاء
والفناء،
واهب الحياة
ومسترجعها،
المحيي
المميت. ترى
هل سنراه بعد
ذلك سيعدو
خلق الفاني
ويدع الله (تعالى)
الباقي
وحده؟ وما
يصدق على
الشرك
الجلي، يصدق
هو الآخر على
الشرك
الخفي، لأن
الإنسان
الذي عمَّر
قلبه بحب
الدنيا
وزينتها
الخداعة،
وأموالها
ونسائها،
إنما هو في
واقع أمره قد
عبد الأموال
والنساء
والشهوات،
كما يذهب على
تأكيد هذه
الحقيقة وصف
النبي
الكريم (ص)
لأحوال أهل
آخر الزمان
عندما يقول (ص)
(دينهم
دنانيرهم)
فيتساءل
سلمان
المحمدي (رحمه
الله) قائلاً:
وهم يومذاك
على دين
الإسلام يا
رسول الله أم
انهم
مشركون؟
فيرد عليه
النبي (ع): بل
هم مشركون،
قد اتخذوا من
دنانيرهم
ودراهمهم
أصناماً).
فنرى هؤلاء
النفر
يخضعون
للمال
ويخشعون،
وليس لهم من
هم سوى المال
لأنه يزعمون
انه مفتاح
سعاداتهم
ونعيمهم، مع
ان الأموال
هو الآخر
تسري عليه
إرادة الله
تعالى
بالفناء
كسائر
الأشياء،
فهم لو عرفوا
حقيقة زوال
الأموال
وفنائها
واستيقنتها
أنفسهم
لخلعوا
مسارعين عن
رقابهم ربقة
الشرك هذا. التملّق
لأصحاب
النفوذ
والسلطة: ومن
مراتب
الشرك، أن
يخضع
الإنسان
لنظيره ممن
حصل على
النفوذ و
الرئاسة،
بحيث يصدق
عليه القول
أنه قد اتخذه
لنفسه إلها
أو ربّاً من
حيث لا يشعر
بحيث أن لو
ادركه الموت
وهو على
حالته هذه
لمات كافراً
بالله (عز
وجل)، لأنه
قد مات وهو
في حال لا
يرى من مؤثر
سوى ذلك
المرء الذي
يهابه ويخضع
لارادته،
ولكنه لو مات
وهو مؤمن
بالله (عز
وجل) مدّلاً
عليه ثم لم
يتوان عن
خضوعه لذلك
المرء
المتنفّذلمات
مشركاً. فيا
أيها
الإنسان
المتملّق
إلى من هو قد
تسوّد عليك
اعلم أنّ (كل
من عليها فان)،
فسيّدك
ورئيسك قد
كتب عليه
الفناء وكما
كتب عليك
وعلى من هو
سواك وهو
ضعيف كضعفك
ولا يجد
لنفسه ما
يدفع به
الموت،
فانظروا إلى
من ينبغي له
التملق
والثناء؟
أليس هو ربنا
الكريم وحده[1]؟! أهذه
العظام
النخرة
للملوك أم
للصعاليك؟! ورد
في كتاب لآلئ
الأخبار أن
سبب يقظة
الاسكندر عن
سبات غفلته
هو ما جرى له
عندما مر
يوماً
بمقبرة
فأبصر رجلاً
عليه هيئة
الصالحين قد
عكف جانباً
منها وهو
يقلّب
العظام
النخرة،
فتقدم منه
الاسكندر
وقال له: إني
أراك تفعل
فعل
المجانين مع
أنني لا أرى
على سيماء
هيئة
المجانين؟
مالك تقلب
بالعظام؟،
فرد الرجل
عليه قائلاً:
أنا هنا منذ
عشرين عاماً
أقلّب
العظام
والجماجم
لعلّي أعرف
الملوك من
الصعاليك،
أو أميّز بين
الأغنياء
والفقراء،
ولكني ما زلت
لا أحير
فرقاً بين
أكوام
العظام هذه!! فأطرق
الاسكندر
مليّاً يفكر
في قول
الرجل، وحدث
نفسه ان هذا
لم يكن يرد
بقوله هذا
إلاّ ان
يعظني
فأستيقظ عن
نومة غفلتي،
لأني ادري ان
لا فرق بيني
وبين
الآخرين،
لأن الملك
والسلطان هو
الآخر زائل. الاسكندر
والقبور
المحاذية
للمنازل: ونقل
المجلسي
أيضاً في
كتابه حياة
القلوب، أن
الاسكندر
دخل في بعض
أسفاره
مدينة لم
ينشأ أهلها
لهم مقبرة
يوارون فيها
أمواتهم،
ولكن دورهم
ومنازلهم
كانت تشتمل
على قبر أو
عدة قبور قد
رصفت عند
مدخلها،
فسأل أهلها:
ألا توجد
عندكم مقبرة
توارون فيها
أمواتكم
الثرى؟
فأجابوه
قائلين: نعم،
ولكننا
اعتدنا ان لا
نحمل نعوش
أمواتنا
بعيداً، بل
ندفن
أمواتنا عند
اعتاب
منازلنا لكي
لا ينسى أهل
الميت أنهم
على موعد
باللحوق به
إن عاجلاً أم
آجلاً فيكون
ذلك مبعثاً
لنا على عدم
ارتكاب
الخيانة!!
نعم لو وقر
معنى هذه
الآية في
القلوب
لارتاح
الإنسان،
وأمن
الآخرون
شروره. السعي
وراء الرزق: وهنا
ينبغي ان
الفت
انتباهكم
إلى ضرورة
عدم فهم ما
قلناه أننا
نحث الناس
على القعود
عن السعي
وراء الكسب
الحلال،
والكدّ على
النفس
والعيال، بل
العكس من ذلك
هو المطلوب،
لأنه يفترض
بالإنسان ان
يسعى ويكد
ويكسب من اجل
تأمين قوته
وقوت عياله
ولكن على نحو
يدرك فيه أن
سعيه ذاك
انما هو سعي
مؤقت وزائل
وليس له دوام
وبقاء لكي
يتجنب تعلق
القلب بذلك
السعي أو
بناتجه
المالي أو
بمظاهر
السلطة
والجاه
الناشئة عن
العمل، لأن
ذلك من شأنه
ان يلحق
المرء العجب
والرياء
والخيلاء
وحب الدنيا،
فتمام تلك
الأمور
زائلة كزوال
الإنسان
نفسه، لذلك
كان الأولى
بالإنسان ان
يعلق قلبه
بربه الباقي
بعد فناء كل
شيء. ولقد
أوردت رسالة
الإمام
الحسين (ع)
إلى أخيه
محمد بن
الحنفية
عبارة رائعة
يذكرّه فيها
بقوله (ع) (كأن
الدنيا لم
تكن، وأن
الآخرة لم
تزل)ن وقد
ذكّر الإمام
الحسين (ع) في
ليلة ويوم
العاشر من
المحرم
بفناء
الدنيا
وبقاء
الآخرة كيما
يقوي من
عزائمهم
حينما قال (ع) (فهل
بقي لما
وعدنا الله
من نعيم إلاّ
أن نمضي على
الموت ونعبر
إلى الآخرة؟!). (يسأله من في
السماوات
والأرض كل
يوم هو في
شأن * فبأي
آلاء ربكما
تكذبان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 29 ت 30). سؤال
الخلائق
الله في قضاء
حوائجهم: (يسأله
من في
السماوات
والأرض) هذه الآية
تعرب عن غنى
الله (سبحانه
وتعالى) عن
العالمين،
وحاجة
الموجودات
جميعاً إلى
الله (عز وجل)
ذاتاً وصفة
وفعلاً. فالأشياء
في ذاتها،
وأصل
وجودها،
ومواصلتها
البقاء
تحتاج إلى
الله (تعالى)،
كذلك تحتاج
الأشياء
والموجودات
على الله
وعونه ومدده
في صفاتها
وخصوصياتها
الوجودية،
وأفعالها،
وحركاتها.
وهذه الآية
تؤكد ان
الموجودات
المساوية
والأرضية
تسأل الله (عز
وجل) كل يوم
وهو تعالى في
شأن من
الشؤون
الإلهية. وهنا
يبرز السؤال
الآتي وهو
على شقين،
ويفترض كل شق
منه الإجابة
الشافية،
والشق الأول
هو، ان هذه
الآية
المباركة
تذكر بشكل
عام ان جميع
من في
السماوات
والأرض (من
ملائكة وجن
وبشر وغيرهم)
يسألون الله
تعالى، ونحن
نعلم أن في
الأرض من
الجن والأنس
من هو كافر
بالله ولا
شأن له به (كأن
يكون لا
يعتقد
بالباري عز
وجل) فهو
بذلك لا يطلب
من الله
شيئاً ولا
يسأله اجابة
حاجة ما، ولو
افترضنا أن
الآية تختص
بأهل
الإيمان
لوحدهم
لتعذّر
علينا قبول
ذلك باعتبار
الخطاب
العام للآية
الذي يأكد
على شمول
المؤمنين
والكافرين
جميعاً. اما
الشق الثاني
من السؤال
فهو، ان
الكثير من
المؤمنين
يسألون الله
(عز وجل)،
ولكنهم لم
يحصلوا على
اجابات منه
في كثير من
الحالات على
ما يبدو،
لماذا؟ السؤال
بلسان
الحال،
وبلسان
المقال: فبالنسبة
فيما يتعلق
بالشق الأول
من السؤال
والمتضمن
تعميم سؤال
أهل
السماوات
الأرض لله (عز
وجل) فنقول،
إن العلماء
ذكروا أن
الأسئلة في
الحقيقة على
نحوين: الأول:
هو السؤال
والطلب
بلسان الحال
والتكوين. والثاني:
هو السؤال
والطلب
بلسان
المقال
واللفظ،
ولكي يتجلى
لنا بوضوح
المقصود من
تينك
النحوين من
السؤال،
نسوق المثال
الآتي: لنفترض
ان عابر سبيل
قد أحرقته
الشمس
اللافحة وهو
يسير في
رمضاء من
الأرض في
ساعة هجير،
وقد أضرّ به
العطش،
فتعطلّ
لسانه عن
النطق لما من
حاله السيء
هذا وعندها
نجد هذا
الرجل ينطق
بلسان حاله
لمن يراه وهو
على تلك
الحالة أنه
يريد ماءً،
بل ان من
يراه لا يلبث
ان يجدّ
مسرعاً من
اجل أن يأتيه
بالماء لأنه
يقول بهيئته
المتداعية
أنه ظمآن رغم
انه لم يطلب
الماء
بلسانه،
وهذا ما نعبر
عنه بالنطق
والسؤال
بلسان
الحال، وقد
يحدث ان يطلب
بلسانه
أيضاً شربة
ماء علاوة
على ما يفصح
به حاله. وهكذا
الحال في
جميع
الكائنات
والموجودات،
فهي تسأل
الله تعالى
بلسان حالها
تكويناً،
سواء كانت
مؤمنة بالله
(عز وجل) أم
كافرة, جناً
أو إنساً أم
ملائكة أم
مخلوقات
أخرى من غير
العقلاء (كالنباتات
والحيوانات
والجمادات)
لأجل أن
يعطيها الله
ما سألت
ويؤمّن لها
حاجاتها،
وفي مقابل
ذلك، يقدم
الله (تعالى)
إجاباته على
تلك المسائل
والحاجات
التي طلبتها
الكائنات
بلسان الحال
والاستعداد
التكويني
دون إبطاء أو
رفض لها. السؤال
التكويني
للبذور
والنوى: فبذرة
القمح
مثلاً،
طالما كانت
لم تبذر في
التربة بعد،
فهي لا سؤال
عندها، ولكن
لمجرد أن
يبذرها
الإنسان في
الأرض
المعدّة لها
من حيث الخصب
والإرواء،
تكون إذاك قد
تعبّأت
واستعدت
للانبات،
فهي حينئذٍ
تسأل الله
بلسان حالها
أن ينبتها
وينضجها
ويثمرها،
وهذا النوع
من السؤال
يسمى أيضاً
بالسؤال
التكويني أو
الاقتضائي
أو
الاستعدادي
وهو ما نعبّر
عنه بالسؤال
بلسان الحال
الذي لا
يشتمل على
مانع معين
يحول دون
تحقق
الإجابة
الإلهية،
فتنفلق
البذرة إلى
نصفين، نصف
ينحدر في
أعماق
التربة
فتكون منه
الجذور،
ونصف آخر
ينطلق نحو
الأعلى
فتتشقق عنه
الأرض
ويلامس
الهواء
فتشكل منه
السيقان
والأوراق،
ثم لا تلبث
هذه النبتة
حتى تثمر
وتعطي
أُكلها حباً
كثيراً. ولو
التفتنا إلى
نواة التمر،
فهي طالما
كانت بعيدة
عن البذر في
الأرض فهي
الأخرى لا
تسأل الله
شيئاً، ولكن
وعند توفر
الشرط
اللازمة
للانبات،
وانتفاء
الموانع
والحوائل
الداعية إلى
عدم حصول
الانبات،
تتقدم تلك
النواة إلى
الله (عز وجل)
بسؤالها
التكويني (سؤال
الحال) كيما
ينبتها
ويخرج
شجرتها
ويثمرها،
فإذا بنا
نلحظ تلك
النواة
الصلبة
الممتنعة عن
السحق
والتهشم،
تنفلق بقدرة
الله
الباهرة إلى
نصفين ينبثق
عنهما
الجذور
والساق
والسعفان،
ثم لا تلبث
حتى تثمر
فتقدم
للطاعمين
آلاف
التمرات
الطيبات
ثماراً. للنطفة
والجنين في
مراحل خلقه
أسئلة
تكوينية: وعندما
نأتي إلى
الإنسان أو
الحيوان،
نجد ان
نطفتهما أو
بويضتهما لا
تعربان عن
سؤال ما
دامتا لم
تنفصلا عن
أبدان
الآباء
والامهات،
ولكن عند
انحدار
النطفة من
صلب الأب
واستقرارها
في رحم الأم
السالم من
العيوب
والنقائص،
تقدم النطفة
حينئذ طلبها
فتسألا الله
(تعالى)
بلسان حالها
أن ينّقلها
في مراحل
الكمال
الخلقي (الإنساني
أو الحيواني
حسب نوع
النطفة)، وأن
يجعلها
متحركة
سميعة بصيرة
ذات شعور و...
الخ، وهذه
الأسئلة
والطلبات ما
هي إلاّ
أسئلة
تكوينية
تصدر عن
الجميع دون
استثناء،
سواء كان في
هذا الجميع
مؤمن أو
كافر، مع
الأخذ بعين
الاعتبار
تدرج
المسائل
والطلبات
بتدرج مراحل
الخلق
الأولية،
فتأتي
الاجابات
الإلهية
متدرجة
أيضاً تبعاً
لما ينفعها
ووفقاً لما
طلبته،
فالنطفة
تنتقل إلى
صورة العلقة
بعد مضي
أربعين
يوماً في
داخل رحم
الأم، ثم
تتحول
العلقة إلى
صورة المضغة
بعد مضي
أربعين
يوماً أخرى،
ثم يخلق الله
العظام
ويكسوها
لحماً، ثم
ينفخ فيها من
روحه فتصبح
كائناً في
مرحلة
متقدمة من
مراحل الخلق
إذاً
النطفة،
طالما هي
نطفة، لا
تطلب من الله
تعالى أن
ينفخ فيها
الروح،
ولكنها تطلب
هذا الأمر
عندما
تتكامل هيئة
الخلقة كما
قلنا فيما
سبق أن
الإجابة على
السؤال تتم
حينما تتهيأ
العوامل
والظروف
بالشرئط
اللازمة،
وترتفع
الموانع
والحوائل
المعترضة
دون شك. حتمية
اجابة
السؤال
التكويني: وحرّي
بنا ان نلتفت
إلى ان سؤال
الحال
التكويني لا
يقبل الرد
والرفض وعدم
الإجابة
اطلاقاً،
ولكن بشرط
توفر
الشرائط
والمقتضيات
اللازمة،
وانتفاء
وارتفاع
الموانع
الحائلة
فإذا
بالإجابة
تنساب
انسياباً
بشكل دقيق
ومنتظم. فمن
جملة
الأسئلة
والطلبات
الاستعدادية
(التكوينية)
التي ينطق
بها لسان
الحال
ويوافقه بها
لسان المقال
أحياناً، ان
يتقدم المرء
بطلب
المقدار
اللازم
والضروري في
طي سنين
العمر
وصولاً إلى
التكامل
الأفضل له،
فتقول روحه
بلسان الحال
(اللهم حتى م
أبقى في سجن
البدن
المادي
هذا؟، الهي
فأسألك
لحوقاً
بوطني الذي
ما انفككت
اطلبه،
ووصولاً إلى
رفقة
أوليائك)، بل
ان اجزاء
البدن
المادي هي
الأخرى تقدم
لله طلباتها
الاستعدادية
قائلة بلسان
حالها (اللهم
فمنّ علينا
بالخلاص
والانعتاق
من ربقة هذا
العالم
المليء
بالاحن
والشقاء
والعناء). بل
ويتعدى
البدن
والروح
بسؤال الله
تعالى بلسان
الحال أن
يقدّم الموت
لها، أن تطلب
أرواح
الأجيال
التي لم تنزل
إلى ميدان
عالم الدنيا
بعد أن يعجّل
لها بموت (فلان)
لأن دوره
المطلوب قد
نفد، ليخلي
الدور لها.
الميرزا
الشيرازي(قدس
سره) في مرض
الموت: وينقل
عن كرامات
حجة الإسلام
الميرزا
محمد حسن
الشيرازي (أعلى
الله مقامه)
أنه عندما
كان مقيماً
في سامراء
مرض مرض
الموت،
فعودّه جمع
العلماء
وجلسوا عند
رأسه وحينها
بادره أحدهم
بالقول: يا
سماحة
الميرزا, نحن
على يقين من
أن الله
تعالى سيّمن
عليكم
بالعافية
وتقوم من
مرضك هذا،
لأن عدداً من
العلماء
والفضلاء من
أهل كربلاء
وأهل النجف
قد اعتكفوا
عند ضريحي
الامامين
أمير
المؤمنين (ع)
والحسين (ع)
وقد توسلّوا
إلى الله
بهما أن ينجح
طلبتهم في أن
يمن عليك
بالشفاء
والعافية،
ولا بد أن
يستجيب الله
عز وجل تلك
الدعوات. فلم
يزد الميرزا
في رده على
المتحدّث
باكثر من هذه
العبارة (يا
من لا تردّ
حكمته
الوسائل)!
نعم ان
الوسائل
والاسباب
كثيرة، وهي
معدّة، ولكن
لو لم تقتض
حكمة الله (عز
وجل) ان يحصل
الرد، لأن
الحكمة
الإلهية
تراعي
المقتضيات
والموانع
التكوينية
كما قلنا,
وعليه لا
تتحقق
الإجابة
إلاّ بما
يأتي وفق
السؤال
التكويني
الاقتضائي،
وما رد
الميرزا
بذاك القول
الاّ
تعبيراً عن
حكاية روحه
التي قالت
بلسان الحال
(بلى لقد
اجتمع
الكثيرون
وسألوا الله
ان لا
يتوفاني،
ولكنني سألت
الله وتوسلت
إليه قائلة ـ
إلى متى
يامولاي
ابقى رهينة
هذا القفص
الجسماني ـ)
نعم لقد كانت
روح الميرزا
اللطيفة
تسأل بارئها
الانعتاق
والحرية من
عالم الطبع
المادي كيما
تنتقل إلى
عالم
العلويات،
فكم من قائل
بلسان الحال
والمقال
عندما يؤول
إلى هذه
الحال (ليتني
لم اكن،
وليتني كنت
نسياً
منسيّاً). الدعاء
اللساني،
والاجابة: اما
عن النوع
الثاني من
السؤال، وهو
ما نعبّر عنه
بالسؤال
بلسان
المقال
اللفظي، نحو
أن يقول قائل
(اللهم هبني
مالاً، أو
هبني
ايماناً، أو
هبني عزةً،
أو عجل بموتي
راحة لي،
ونحو ذلك)،
وهذا النوع
من السؤال
يختلف عن
القسم الأول
الذي يحتمل
معه الإجابة
المؤكّدة،
لأن اللسان
عندما يتحرك
فانما يتحرك
وفق الميول
والأهواء
والرغبات،
أو نتيجة
العناء
والشدة
والهول،
فيطلب من
الله (تعالى)
أن ينجح
مسألته ويلي
حاجته،
وكثيراً ما
يكون هذا
السؤال
والطلب لا
ينسجم مع
الاستحقاق
أو النظام
والميزان،
بل قد يكون
مخالفاً
لاستحقاق
الفرد، أو
معارضاً
للنظام
الإلهي
السائد،
لأننا كما
نعرف أن
الإجابة
الإلهية
إنما تتحقق
وفق رعاية
الحكمة، لا
مجرد تلبية
رغبة لقلقة
لسان ما،
والحكمة
الإلهية
تعني مراعاة
الشرائط
والعوامل
والظروف
التي تؤمّن
حصول
المصلحة
العليا،
وتواكب
النظام
الأكمل في
عامل
الدنيا، فلو
افترضنا ان
الطلب
والسؤال
اللساني
ينسجم مع
المصلحة
الشخصية
للداعي
والمصلحة
العامة
فحينئذ سوف
لن تتخلف
الاستجابة،
ولكن
افترضنا
العكس من ذلك
بحيث يحصل من
جرّاء
الاستجابة
المحتملة
ضرر بأحد
المصلحتين
لتوقفت
الاستجابة
عن الصدور
ولعوضّ
الباري
تعالى
السائل
بآلائه
واحسانه بما
يجعله
نائلاً
مفلحاً، لا
خائباً ولا
محروماً من
سني مواهب رب
العالمين
لأن النظام
الإلهي هذا
لا جنبة بخل
فيه ولا منع،
فيقدم
الباري (عز
وجل) للسائل
عوضاً عن
اجابة حاجته
بالمثل إن لم
يكن العطاء
بأفضل مما
طلب. رواية
جميلة عن
أستجابة
الدعوات: وقد
نقل أبو
الفتوح
الرازي في
تفسيره أن
موسى (ع) سأل
الله تعالى
قائلاًك (إلهي
أرني سرّاً
من أسرارك)
فجاءه الوحي
وأبلغه
باتخاذ
طريقه في
السبيل
الفلاني
وقاله له:
إذا ما سرت
في هذا
السبيل
فستصل إلى
قرية،
فأدخلها
وستجد في وسط
هذه القرية
أربعة دور
أوصافها كذا
وكذا، فعرّج
على أصحابها
واسألهم عن
حاجاتهم عند
الله (عز وجل).
فانطلق موسى
(ع) وفق
العلامات
التي قدمّت
له حتى وصل
إلى الدار
الأولى في
تلك القرية،
فسأل صاحبها
عن حاجته عند
الله، فقال
له: أنا رجل
مزارع
وحاجتي إلى
الله أن
يمطرنا
مطراً
وفيراً
يكفينا إلى
حين ويلبي
حاجتنا إليه
ويغنينا عن
تكلّف ماء
الآبار،
ويبارك لنا
في زرعنا
كثرة وعطاءً.
بعد ذلك عرّج
موسى إلى
الدار
الثانية
وسأل صاحبها
ألديه حاجة
عند الله (تعالى)؟
فأجابه صاحب
الدار: نعم،
فأنا رجل
فخّار أصنع
الأواني
الفخارية،
وحاجتي إلى
الله ان يحجب
المطر عنّا
لكي أستطيع
ان أصنع
الأواني
واتركها تحت
حرارة الشمس
كيما تجف
يتماسك
طينها فأكثر
البيع منها. بعد
ذلك انطلق
موسى (ع) إلى
الدار
الثالثة
وسأل صاحبها
قائلاً:
ألديك حاجة
عند الله؟
فأجابه نعم،
فأنا صاحب
بيدر قمح،
واسأل الله (عز
وجل) أن يرسل
ريحاً قويّة
تعينني على
عزل التبن من
حبات القمح
فيسهل بذلك
عليّ عملي. ثم
انطلق موسى (ع)
إلى الدار
الرابعة،
وسال صاحبها
ألك حاجة عند
الله تريد
قضاءها؟
فأجابه نعم،
فأنا صاحب
بستان،
والريح
القوية
كثيراً ما
تهبّ على
بستاني
فتنتزع
الثمار منه،
وحاجتي إلى
الله أن يمنع
هبوب الرياح! فغمرت
موسى الحيرة
والدهشة من
هذه الحاجات
المتناقضة
المتضادّة
التي سأل
أولئك النفر
الأربعة
الله عز وجل
في قضائها،
فدعى ربّه
قائلاً:
اللّهم أنت
أعلم بحاجات
عبادك،
فهبهم ما
يصلح حالهم). إذاً
لو أعطى الله
حاجة أهدهم (كما
رأينا)
فحينئذ
ستؤدي
الإجابة إلى
الأضرار
بمصالح
الآخرين،
ولو حرّم
أحدهم من
قضاء حاجته
لأضرّ الحال
به وانتفع
الآخرون
وهكذا. وعليه
فان الباري (عز
وجل) يجيب
المسائل
ويقضي
الحوائج
المطلوبة
بلسان
المقال
اللفظي فيما
لو ترتب على
الإجابة
الأثر
المفيد
المنسجم مع
المصلحة
العامة
والمتناغم
مع النظام
الكوني
السائد الذي
يقبله
الجميع، وإن
لم يلتفتوا
إلى ذلك غفلة
أو جهلاً. الإجابة
الفوريّة،
مع وقف
التنفيذ: وقد
تستلزم
المصلحة في
أحايين
كثيرة
التأخير في
تنفيذ الطلب
أو اجابة
السؤال،
وبعبارة
أخرى، قد
يدعو المرء
الله لأجل أن
يقضي له حاجة
ما، فيستجيب
الله له،
ولكن يتوقف
التنفيذ
وتحقيق
الإجابة إلى
إشعار آخر
وزمن مناسب،
كما حصل
لموسى
وهارون (ع)
عندما سألا
الله تعالى (ربّنا
اطمس على
أموالهم...) (سورة
يونس، الآية:
88). فجاءهما
النداء
الإلهي (قال
قد اجيبت
دعوتكما) (سورة
يونس، الآية:
89). ولكن زمان
التحقق
والتنفيذ
حصل (كما
تؤكده إحدى
الروايات)
بعد مرور
أربعين
عاماً على
استجابة
الدعوة[2]. ويتأكد
قولنا هذا
فيما روي عن
الإمام
الصادق (ع)
بقوله بما
مضمونه: قد
يسأل الله في
قضاء حاجة
فتتحقق
الإجابة بعد
عشرين عاماً. وقد يعوّض الله عبده السائل بدل اجابة مسألته بمثيل ما طلب أو أفضل منه، حتى لا يُرد من عنده خائباً، لكي لا يحصل الأضرار بمقتضيات المصلحة والنظام العام.
|
||||||||
|