:الموضوع |
|||
العبادة
حاجة ثابتة
للإنسان بشكل
عام ينبغي أن
يكون لكل
إنسان فكر
نقاد. والنقد
لا يعني
إظهار
العيوب فقط.
بل نقد شيء
معين، يعني
وضعه على
المحك،
وتشخيص
السليم
والسقيم منه.
فإذا أردت أن
تنقد كتاباً
معيناً، لا
يعني أنك تضع
جدولاً
بعيوبه، بل
أن تظهر
عيوبه
ومحاسنه. والإنسان
عليه أن يمحص
ما يسمعه من
آخرين ـ أي
أن يضعه موضع
النقد،
فالإنسان لا
ينبغي له أن
يقبل الكلام
لمجرد أنه
مشهور بين
الناس، حتى
لو كان قد
صيغ بلغة
مشبعة
بالبيان
والفصاحة.
وبالأخص إذا
كان الكلام
خاص بمسألة
دينية. حينئذ
يجب أن يعرض
للنقد. لقد
ذكرنا في
بحوث إحدى
الليالي
السابقة قول
رسول الله (ص) "ما
جاءكم عني
اعرضوه على
القرآن، فإن
وافقه،
فخذوا به،
وإن خالفه،
فاضربوا به
عرض الجدار". وهذا
هو نوع من
النقد. وهناك
حديث آخر
نقله أئمتنا
عن المسيح (ع)
لم يحضرني نص
عبارته ولكن
معناه هو: "إن
ما تكسبوه من
العلم
اعرضوه
للنقد، ولا
تستسلموا له
صماً
وعمياناً،
فقد يكون
صالحاً، وقد
لا يكون" وفي
ضمن هذا
الحديث "كونوا
نقاداً". وهناك
حديث آخر،
أذكره
إجمالاً،
وهو يختص
بأصحاب
الكهف الذين
تحدث عنهم
القرآن
الكريم
بقوله: (إنهم
فتية آمنوا
بربهم
وزدناهم هدى
وربطنا على
قلوبهم). (الكهف:
13 ـ 14) فمن
المعروف
أنهم كانوا
صيارفة، وقد
فسرت هذه
الكلمة على
أن عملهم كان
تصريف الذهب
والفضة،
بينما ورد عن
الأئمة (ع) أن
هذا التفسير
كان
اشتباهاً،
بل إنهم
كانوا (صيارفة
الكلام) لا
صرافي الذهب
والفضة.
كانوا علماء
وحكماء،
ولذلك، فإن
ما يعرض
عليهم من
كلام يعرضوه
للنقد
والفحص، كما
أن التفقه
والتحليل. إن
الجملة التي
نقلتها في
الليلة
الماضية،
وذكرت
بأنهانسبت
أخيراً إلى
أمير
المؤمنين (ع)،
وهي "لا
تؤدبوا
أولادكم..."
فإنها من جهة
اللفظ جميلة
ومقبولة
جداً، لذا
فإنها لاقت
رواجاً
وقبولاً بين
الناس بحيث
أصبحت تردد
من قبل
الجميع. تحضرني
الآن هذه
الحكاية. يوم
كان عمري
يتراوح بين
الأربعة عشر
والخمسة عشر
سنة، ولم أكن
أدرس بعد إلا
بعض
المقدمات في
العربية،
بعد أحداث
خراسان،
وانهدام
الحوزة
العلمية في
مشهد، بحيث
أن كل من شهد
تلك الأحداث
كان يقول: لن
يبق أثر
لعلماء
الدين. وقد
وقع ما يحتاج
إلى كاتب
لكتابة مقال.
وقد دعيت أنا
لهذه المهمة
وكتبت
المقالة،
كان في ذلك
المكان شخص
له منصب مهم.
فعندما قرأ
تلك
المقالة،
نظر إلي نظرة
فاحصةً،
وأبدى أسفه
لكوني مازلت
ضمن مسلك
طلبة العلوم
الدينية. بدأ
الحديث معي
ناصحاً إياي
بأن: ذهب ذلك
الزمان الذي
كان يذهب به
الناس إلى قم
أو النجف
ليصلوا إلى
الدرجات
العلمية
العالية،
قال علي (ع) "لا
تؤدبوا
أولادكم
بأخلاقكم.."
ثم أضاف: هل
إن الأشخاص
الذين
يتربعون على
هذه
الكراسي،
ويشغلون هذه
المناصب
يملكون ست
أصابع.. وقال
أشياء أخرى
كي يحرف
تفكيري عما
كنت أعتقد
به، ولكني لم
أعطه أذناً
صاغيةً. ثم
ذهبت إلى قم،
وقد طالت مدة
إقامتي بها
ستة عشر
عاماً
تقريباً. بعد
مجيئي إلى
طهران، كتبت
أول آثاري
العلمية،
وهو كتاب (أصول
الفلسفة) وقد
وصل ذلك
الشخص إلى
عضوية
المجلس
الوطني،
وكان ذكياً،
وقد تحسنت
أحواله في
تلك الأيام
عما كان عليه
أيام الشباب
كثيراً. بعد
مضي ثمانية
عشر عاماً
تقريباً على
تلك الحادثة. نشر
كتاب أصول
الفلسفة،
وحصل هو على
نسخة منه،
وبعد
مطالعته له،
كان أينما
يجلس يبالغ
بالثناء
عليّ، حتى
أنه مرة
وبحضوري
امتدحني
كثيراً، بعد
أن نسي أنه
كان قد نصحني
بأن أترك تلك
الاهتمامات.
في تلك
اللحظة خطر
ببالي: إنك
نفس الشخص
الذي نصحتني
قبل ثمانية
عشر عاماً أن
لا تكون
إهتماماتي
هكذا. ولو
أني كنت قد
أخذت
بنصيحتك لما
كنت أكثر من
موظف، يجلس
خلف منضدة في
إحدى
الدوائر، في
حين أنك الآن
تثني عليّ
هذا الثناء. نعم
إن جملة
معينة قد
تتلقف
باستحسان
كبير،
وتنتشر
بسرعة البرق
تماماً، كما
يحدث لبعض
الأشخاص من
مستقبل
زاهر، نتيجة
بعض
الأسباب،
بينما قد
يكون
الآخرون على
العكس من ذلك.
فهل لاحظت
ذلك؟ إن
الجمل قد
تصادف حظاً
جيداً دون ان
يكون لها
قيمة،
ولكنها
تنتشر بين
الناس
كالبرق
الخاطف.
وهناك جمل
أفضل منها
مئة مرة،
ولكنها لا
تلاقي ذلك
الاستحسان،
وتلك الشهرة. إن
جملة (لا
تؤدبوا
أولادكم...) من
تلك الجمل
والعبارات
التي كسبت
حظاً سعيداً
جزافاً. وقد
ذكرت في
الليلة
الماضية
بخصوصها: إن
من الاشتباه
استعمالها
بالمعنى
المعروف لها
الآن، في حين
يمكن أن يكون
هلا معنى
ومفهوماً
آخر، لا
يقصده احد في
الوقت
الحاضر، وقد
بينت الفرق
بين الآداب
والأخلاق،
وأن الأول
غير الثاني ـ
حينئذ سيكون
للآداب ـ
وكما ذكرنا
معنيين: من
الممكن أن
يقصد منها ما
يسمى في
الوقت
الحاضر
بالفنون.
إضافة إلى
الأخلاق
والصفات
الروحية
الخاصة.
إضافة إلى
عملية
التنظيم
التي يفعلها
الإنسان
لقواه
الروحية،
والتي تسمى
الأخلاق.
إضافةإلى
أنه يجب على
الشخص أن
يتعلم
الفنون.
إضافة إلى كل
ما سبق. ومن
الطبيعي أن
يكون وفق
ضوابط
معينة،
بمعنى أن
يكون الفن
الذي يتعلمه
الإنسان من
الفنون التي
تترك أثراً
إيجابياً
على نهضة
البشرية،
وضمناً يدير
حياته بها. فمن
الصحيح
حينئذ أن
يقال عن
الفنون
باعتبارها
تابعة
لمتطلبات
العصر (لا
تؤدبوا...) أو
نقول: (لا
تؤدبوا
أولادكم
بفنونكم) لأن
الحياة
متغيرة،
والإنسان لا
ينبغي أن
يكون
جامداً،
ويصر أن لا
يعلم أولاده
إلا الفن
الذي تعلمه
هو، في الوقت
الذي قد يكون
نفس ذلك قد
ظهر بشكل
أفضل وأكمل. المسألة
الأخرى التي
تعرضت لها،
وتبين لي من
خلال أسئلة
السادة أنها
تحتاج إلى
توضيح أكثر،
هي مسألة
الآداب
والأعراف. إن
الآداب
والأعراف
على قسمين: القسم
الأول منها ـ
هو ما اصطلح
عليه
التشريع
بالسنن ـ أي
إن الشارع
الأقدس أبدى
رأياً
حولها، مثل
ما أسماه
بالمستحبات،
وبما أن
الإسلام لا
يصدر أمراً
جزافاً، لذا
فإن ما أسماه
بالسنة يجب
أن نعترف به
باعتباره
أصلاً من
الأصول
مثلاً ـ في
الليلة
الماضية كنت
قد ذكرت
جواباً على
سؤال أحد
السادة بأن
الإسلام ذكر
آداباً لأكل
الطعام.
والإسلام
ليس دين رتوش
ومظاهر، بل
إن ما ذكره
ملاكه
المصلحة،
فهو عندنا
يقول
باستحباب
إطالة
الجلوس عند
المائدة،
واستحباب
مضغ الطعام،
وقول بسم
الله الرحمن
الرحيم،
وقول الحمد
لله، وغسل
اليدين قبل
وبعد
الطعام، فإن
هذه الأمور
ليست رتوشاً
ومظاهر، بل
هي حقيقة. فالإسلام
يهتم بسلامة
الإنسان،
ويريد له أن
تبقى أسنانه
ومعدته
وأعصابه
سالمة. إنه
لا يهتم
بالأمور
الروحية فقط. إن
أكل الطعام
بسرعة يكون
سبباً
للمرض، وهذا
ملاك لا يختص
بعصر معين،
بل يسري في
كل الأزمنة،
لذا
فالإسلام
يقول
باستحباب أن
تكون اللقمة
صغيرة،
وزيادة
مضغها، وغسل
اليد قبل
الأكل، فقد
نقل (ابن
نيزر) أن
علياً (ع) جاء
يوماً إلى
المزرعة
وأخذ
المعول،
ونزل في
البئر، وبعد
فترة من
الحفر الجاد
والسريع في
تلك البئر
خرج منها
والعرق
يتصبب من
رأسه ووجهه،
ثم قال ما
معناه: "هل من
طعام جاهز؟
قلت: نعم
يوجد قرع،
سآتيك به.
قال: حسناً
إئتني به. ثم
نهض وذهب إلى
نهر يجري،
فغسل يديه
بالرمل
والماء.
فعندما
تنظفتا
جيداً،
وأراد أن
يشرب بكفيه
الماء، قال:
إن كفي أنظف
آنية" ثم شرب
الماء بكفيه.
هذه هي رعاية
النظافة. كما
يستحب تخليل
الأسنان،
واستخدام
المسواك،
وهذه أمور
أيضاً ـ لا
تختص بعصر
معين ومكان
معين. أما
ما ذكرته
سابقاً،
فيحتاج إلى
زمان ومكان
خاصين. إن
ما ينبغي
الالتفات
إليه أن
البعض ـ
نتيجة
للجمود الذي
هم عليه ـ
يتخيلون أن
الإسلام
مادام هو دين
شامل، إذن
يجب أن يتدخل
حتى في
الأمور
الجزئية. إن
الإسلام ليس
كذلك، وله
وجهة نظر
أخرى. إن
شمولية
الإسلام
تكون
إيجابية،
لأنها تأمر
بشيء في بعض
المسائل لا
بمعنى لا رأي
له مطلقاً،
بل إن رأيه
هو أن يكون
الناس
أحراراً. وبعبارة
أخرى لا
تكليف له في
تلك
المسائل،
فقد جاء في
الحديث
الشريف "إن
الله يحب أن
يؤخذ برخصه،
كما يحب أن
يؤخذ
بعزائمه" الذي
هو ذو مضمون
عجيب. كما
قال (ع): "إن
الله حدد
حدوداً، فلا
تعتدوها،
وفرض فرائض
فلا
تتركوها،
وسكت لكم عن
أشياء، ولم
يدعها
نسياناً فلا
تتكلفوها". [
نهج البلاغة
الحكمة 105]. إن
ما تعرضت له
سابقاً إنما
هو سلسلة
الآداب
والأعراف
الموجودة
بين الناس.
فإذا أداها
الإنسان
بصورة
صحيحة، فإنه
لن يكون قد
عمر شيئاً أو
خرب آخر،
وكذلك إذا
تركها، إنها
مسائل سكت
الله عنها. إن
الإنسان له
حالة تلازمه
دائماً، وهي
تعلقه ببعض
التشريفات. إذن:
هناك سر في
هذه
المسائل،
ولا ينبغي أن
نقول له لابد
أن تفعل هذا
العمل، هذه
هي المسألة
التي رأيت من
الضروري
بيانها في
هذه الليلة. كما
أريد أن أخصص
قسماً من
حديثي
لواحدة من
الأخلاق
العامة
الثابتة
الغير قابلة
للنسخ،
والتي لا
يؤثر عليها
الزمان، وهي
(العبادة)
التي هي
واحدة من
حاجات
الإنسان. أما
ماذا تعني
العبادة؟
إنها تلك
الحالة التي
تدعو
الإنسان،
ومن داخل
نفسه إلى
الحقيقة
التي خلقته،
وهم في قبضة
قدرتها،
ويرى نفسه
محتاجاً لها.
إنها سير
الإنسان من
الخلق إلى
الخالق، بغض
النظر عن أي
فائدة أو
أثر، لأنها
واحدة من
حاجات
الإنسان
الروحية
والتي يؤدي
تركها إلى
حالة عدم
التوازن
الروحي.
ولتوضيح هذا
الأمر نذكر
مثالاً
بسيطاً: إذا
كان لنا هودج
أو خرج،
وأردنا أن
نضعه على أحد
الحيوانات
بشكل
متعادل، فلا
يصح أن نملأ
أحد طرفيه
ونترك الطرف
الآخر
خالياً.
فالإنسان في
وجوده يوجد
كثير من
الفراغات.
وفي قلبه
مكان واسع
لكثير من
الأشياء.
فإذا لم يحقق
مطالبه، فإن
روحه ستضطرب
ويشعر بحالة
عدم التوازن. وكما
ذكرنا في
الليلة
الماضية إذا
أراد
الإنسان أن
يقضي كل عمره
بالعبادة
ويحرم نفسه
من حاجاتها
الأخرى، فإن
تلك الحاجات
سوف تسبب له
عدم الراحة
والعكس صحيح. كان
نهرو ـ في
أيام شبابه
رجلاً بلا
عقيدة، وفي
أواخر عمره
حدث تغير في
وضعه، كان
يقول: إني
أشعر أن هناك
مكاناً في
روحي. وفي
العالم
خالياً لا
يمكن أن
يملؤه شيء
سوى الشيء
المعنوي. وإن
سبب
الإضطراب في
العالم أن
قواه
المعنوية قد
ضعفت. وهذا
هو سبب عدم
التعادل فيه. ثم
يقول إن هذا
الضنك يتجلى
في الإتحاد
السوفياتي
بشكل صارخ
إلى الوقت
الذي كانوا
فيه جياعاً،
لم يدعهم
الجوع أن
يفكروا بشيء
آخر. ولكنهم
دفعة واحدة
أصبحوا
يفكرون
بلقمة
العيش،
وبالنضال في
آن واحد. ثم
لما أصبحت
حياتهم
عادية ظهر
بينهم مزعج
آخر، وهو
أنهم عندما
ينهون ساعات
العمل تبدأ
مصيبتهم،
وهي بماذا
يملؤون
ساعات
الفراغ تلك؟ ثم
يضيف قائلاً:
أنا لا أظن
أنهم يمكن أن
يملؤوها
بشيء غير
معنوي، وهذا
هو الفراغ
الذي أعانيه
أنا. يتضح
لنا إذنك إن
الإنسان
بحاجة ماسة
إلى
العبادة،
وإن زيادة
الأمراض
النفسية في
هذه الأيام،
إنما هو بسبب
عدم التفات
الناس إلى
العبادة.
إننا لم نحسب
حساباً
كافياً لهذه
المسألة ـ
رغم وجودها ـ
وهي أن
الصلاة ـ بغض
النظر عن أي
شيء ـ هي
طبيب حاضر في
المنزل. فإذا
كانت
الرياضة
مفيدةً
لسلامة
البدن، وكان
الماء
الصافي
لازماً لكل
بيت، وكان
الهواء
النقي ضروري
لأي شخص،
وكذلك
الغذاء
الكامل، فإن
الصلاة ـ
أيضاً ـ
ضرورية جداً
من أجل سلامة
الإنسان. إنك
قد لا تعلم
كم ستتطهر
روح الإنسان
إذا أعطى من
وقته ساعة من
الليل
والنهار،
ليبوح فيها
بأسراره إلى
الله
الخالق، فكل
العناصر
المؤذية
للروح ستطرد
بواسطة صلاة
واحدة. لقد
تعرضت
للعبادة في
أحد
الاجتماعات،
فقلت: لا
تقولوا: إن
الإسلام دين
إجتماعي، أو
دين أخلاقي..
أما كيف؟ لأن
الإسلام أعم
وأشمل من أن
يكون كذلك.
إنه قال أرفع
وأسمى
الأقوال
والمفاهيم
في النظام
الاجتماعي (لقد
أرسلنا
رسلنا
بالبينات
وأنزلنا
معهم الكتاب
والميزان
ليقوم الناس
بالقسط) (الحديد:
25) كما أنه
قال أرفع
وأسمى
المفاهيم في
مجال
الأخلاق (هو
الذي بعث في
الأميين
رسولاً منهم
يتلو عليهم
آياته
ويزكيهم
ويعلمهم
الكتاب
والحكمة). (الجمعة:2) ولكن
هل أن
الإسلام
الذي أعطى
هذه الأهمية
للنظام
الاجتماعي
أنقص من قيمة
العبادة؟
أبداً لم
ينقص ذرة
واحدةً، بل
إنه احتفظ
بها فوق
الجميع. إن
أولى وأهم
المسائل في
نظر الإسلام
هي العبادة،
فإن قبلت قبل
ما سواها،
وإن ردت رد
ما سواها.
فإذا لم تكن
عبادة، لا
يتحقق أي من
النظامين
الأخلاقي أو
الاجتماعي.
فلا تتوقع أن
تجد إنساناً
في الدنيا
ملتزم
بتعليمات
الإسلام
الأخلاقية
والاجتماعية.
ولكنه غير
ملتزم
بالأمور
العبادية. فنحن
لا نقر بشيءٍ
من إسلامية
من لم يؤد
الصلاة. قال
أمير
المؤمنين (ع)
ما معناه: "لا
شيء كالصلاة
بعد الإيمان
بالله". كما
مثل الرسول (ص)
في حديث له:
الصلاة مثل "نهر
على باب أحد
يغتسل منه
خمس مرات في
اليوم" مثل
من يمثلك في
بيته عيناً
للماء يغتسل
بها خمس مرات
يومياً. وقال
أيضاً عليّ (ع):
"تعاهدوا
أمر الصلاة
وحافظوا
عليها". [نهج
البلاغة
الخطبة 197]. كما
أن الله
سبحانه خاطب
نبيه (ص)
بقوله: (وامر
أهلك بالصلاة
واصطبر
عليها) (طه: 132) و(إن
ربك يعلم أنك
تقوم أدنى من
ثلثي الليل
ونصفه وثلثه
وطائفة من
اللذين معك) (المزمل:
20) و(ومن
الليل فتهجد
به نافلة لك
عسى أن يبعثك
ربك مقاماً
محموداً). (الإسراء:
79) فلا
يمكن أن يصل
الإنسان إلى
درجة الكمال
بدون
العبادة،
فالرسول ـ
رغم كونه
رسولاً ـ كان
على تلك
الحال من
العبادة
والاستغفار،
فقد ورد عن
الإمام
الصادق (ع): إن
الرسول (ص) ما
كان يجلس في
مكان إلا
ويستغفر
خمساً
وعشرين مرة،
أي يقول:
أستغفر الله
وأتوب إليه. أمير
المؤمنين
علي بن أبي
طالب (ع) كان
شخصيةً
مثاليةً،
كان حاكماً
عادلاً كما
كان يحيي
الليل
بالعبادة،
وقد أعطته
تلك العبادة
قوة إضافية
مثل تلك
الدرجة من
حياة
الضمير؛ لذا
يجب أن لا
ننسى قيمة
العبادة. جاء
عدي بن حاتم
إلى معاوية
بعد مضي
سنوات على
شهادة
الإمام علي (ع).
وكان معاوية
يعرف أن عدي
هو أحد اصحاب
علي (ع)
القدماء،
فحاول أن
يحصل منه،
ولو على كلمة
ضد علي (ع)،
فقال له: يا
عدي أين
الطرفات؟ (وهم
أولاد عدي
الثلاثة
استشهدوا
ضمن جيش علي (ع)
في معركة
صفين) وأراد
معاوية بهذا
السؤال أن
يثير
أحزانه،
لعله يظهر
عدم الرضا عن
علي (ع). فأجابه
عدي: إنهم
قتلوا في
ركاب مولاهم
علي (ع) عندما
قاتلك، وأنت
تحمل راية
الكفر. قال:
يا عدي: إن
علياً ما
أنصفك. قال:
وكيف ذلك؟ قال:
لأنه أخر
بنيه وقدم
بنيك للموت. فقال
عدي: يا
معاوية، بل
أنا ما أنصفت
علياً إذ قتل
وبقيت، يا
ليتني مت
وبقي هو. فلما
رأى معاوية
أن سهمه لم
يصب الهدف،
وطبقاً
لطبيعة
سلوكه حيث
أنه عندما
يرى أن الشدة
لا تنفع
يستخدم
اللين. فقال:
يا عدي صف لي
علياً.
فاستعذره
عدي. فلم
يعذره. فقال
له عدي: إذن
سأقول الذين
أعلمه عن
الرجل، لا ما
تريده أنت. فقال
له معاوية:
قل. فقال
عدي: كان
والله بعيد
المدى شديد
القوى، يقول
عدلاً ويحكم
فصلاً،
تتفجر
الحكمة من
جوانبه،
والعلم من
نواحيه،
يستوحش من
الدنيا
وزخرفها،
ويستأنس
بالليل
ووحشته،
وكان والله
غزير الدمعة
طويل الفكرة
يحاسب نفسه
إذا خلان
ويقلب كفيه
على ما مضى،
وكان فينا
كأحدنا لا
نكلمه
لهيبته، ولا
نرفع أعيننا
إليه
لعظمته،
فإذا تبسم
فعن مثل
اللؤلؤ
المنظوم،
يعظم أهل
الدين،
ويتحبب إلى
المساكين،
لا يخاف
القوي ظلمه
ولا ييأس
الضعيف من
عدله، فاقسم
لقد رأيته
ليلة وقد مثل
في محرابه،
وارخى الليل
سرباله،
ودموعه
تتحادر على
لحيته، وهو
يتململ
تململ
السليم
ويبكي بكاء
الحزين
فكأني الآن
أسمعه، وهو
يقول: (يا
دنيا إلي
تعرضت أم إلي
أقبلت، يا
دنيا غري
غيري). وهكذا
وصف عدي
علياً (ع)،
حتى أن
معاوية ذا
القلب
القاسي دمعت
عيناه، وجعل
ينشفهما
بكمه، ثم قال:
عقمت الدنيا
أن تلد مثل
علي. ومناقب
شهد العدو
بفضلها
والفضل
ما شهدت به
الأعداء (لقد
أرسلنا
رسلنا
بالبينات
وأنزلنا
معهم الكتاب
والميزان
ليقوم الناس
بالقسط) (الحديد:25) بحثنا
لهذه الليلة
سيكون حول
العدالة، هل
أنها نسبية
أم مطلقة؟ في
البداية،
وقبل أن ندخل
في صلب
الموضوع
لابد أن نبين
وحدة
الموضوع بين
ما تحدثنا
عنه في
الليالي
السابقةن
وبين هذا
البحث. ذكرنا
في
المحاضرات
السابقة أن
بعض الأمور
تتغير حسب
مقتضيات
العصر.
والبعض
الآخر ثابت
لا يتغير
مهما تغير
الزمن، بل
إنها مقياس
فساد
وانحراف
الزمان. وبعبارة
أخرى: إن
احتياجات
الإنسان
الفردية
والاجتماعية
على قسمين: قسم
ثابت. وقسم
متغير. ونحن
هنا لابد لنا
أن نخوض
الصراع على
جبهتين: المجموعة
الأولى ـ هم
الأشخاص
الذين لا
يعتقدون
بتغير
احتياجات
الإنسان،
ويفترضون
الثبات في كل
هذه الحاجات
في كل
الأزمنة،
وهؤلاء
نسميهم
الجامدين. أما
المجموعة
الأخرى، فهم
الأشخاص
الذين
يسميهم
الجهلة.
وهؤلاء
يعتقدون بأن
كل شيء قابل
للتغيير. فطبقاً
لرأي
المجموعة
الأولى لا
يوجد شيء
يتغير وفقاً
لمتطلبات
العصر.
وطبقاً
لتصور
المجموعة
الثانية لا
يوجد شيء
ثابت على مر
الزمان. هذا
هو أصل ما
كنا بصدد
بحثه في
الليالي
الماضية. إن
مجموعة
الجهلة لهم
فرضيتين نصف
فلسفيتين ـ
إن صح
التعبير ـ
لأنه يوجد
بين العلماء
من يقول بمثل
هذا الكلام،
وهذا ما
سنبينه
شيئاً
فشيئاً. هناك
فرضيتان إذا
اعتقد بهما
الإنسان،
فإنه يعني قد
اعتقد بما
يعتقد به أهل
الجهل، وهو
أنه لا ثبات
لأصل من
الأصول،
وهاتان
الفرضيتان
هما: 1
ـ نسبية
الأخلاق. 2
ـ نسبية
العدالة. فالأخلاق
مرتبطة
بحالة
الإنسان
والنظام
الذي يضعه
لغرائزه
الشخصية،
والعدالة
مرتبطة
بالنظام
الاجتماعي.
إن فرضية
نسبية
الأخلاق
تدعي بأنه لا
وجود لأخلاق
ثابتة؛ لذا
لا يمكن أن
يستقر ـ وإلى
الأبد ـ بين
بين البشر
مذهب أخلاقي
معين، لذا لا
يمكن أن
يتبنى مذهب
معين ثابت
للعدالة. والآن
يجب أن نوضح
معنى
الفرضيتين: نسبية
العدالة:
ينبغي أولاً
أن نعرف ماذا
تعني
النسبية. إننا
نقول عن بعض
الأمور
بأنها نسبية
كالصفة
والحالة
عندما
نقيسها بشيء
آخر، ونصفها
نسبة لذلك
الشيء ـ
مثلاً ـ
الصغر
والكبر،
تعتبر من
الأمور
النسبية.
فإذا سئلت:
ما هو حدهما؟
فهل تستطيع
تعيينه؟ إنك
قد تقول في
بعض الأحيان:
إني رأيت هذا
اليوم
خروفاً
كبيراً. ثم
تبالغ في
كبره فتقول:
كأنه عجل. مع
أن متوسط حجم
الخروف إذا
كان بحجم عجل
عمره سنة
واحدة يعتبر
كبيراً جداً.
أما إذا رأيت
بعيراً بحجم
البقرة، فمع
أن متوسط حجم
الخروف إذا
كان بحجم عجل
عمره سنة
واحدة يعتبر
كبيراً جداً.
أما إذا رأيت
بعيراً بحجم
البقرة،
فإنك ستتعجب
من صغر حجمه.
فنكون قد
اعتبرنا
الخروف الذي
هو بحجم
العجل
كبيراً،
واعتبرنا
البعير الذي
هو بحجم
البقرة
صغيراً. فكيف
أصبح الشيء
الذي هو بحجم
العجل
كبيراً
والشيء الذي
هو بحجم
البقرة
صغيراً، مع
أن البقرة
أكبر حجماً
من العجل. والقرب
والبعد
يعتبران من
الأمور
النسبية ـ
أيضاً ـ
فعندما يكون
منزلك ـ
مثلاً ـ قرب
معسكر القوة
الجوية تقول
لشخص آخر ـ
رغم أن منزله
في طهران ـ:
إن منزلك
بعيد جداً.
وقد تقول عن (قم)
بأنها قريبة
من طهران
عندما تأخذ
بنظر
الاعتبار
بعد المدن
الأخرى عن
طهران،
كمقياس
للقرب
والبعد. أما
إذا أخذنا
المسافة بين
دار، ودارٍ،
فستكون
المسافة من
هنا إلى
القوة
الجوية
بعيدةً. لذا،
فإنا نقول:
إن القرب
والبعد أمر
نسبي، حيث لا
يمكننا أن
نقول: إن
البعض، يعني
كذا مسافة.
وإن القرب
يعني كذا
مسافة، بل
لابد أن نعرف
ـ إذا أردنا
أن نحدد
القرب
والبعد ـ ما
هي أداة
القياس
والشيء الذي
ننسب إليه
القرب
والبعد. فالأمور
التي تتغير
حسب ما تنسب
إليه نسميها
أموراً
نسبيةً، ولا
يصح منا
إطلاق حكم
معين عليها
دون أن
نقيسها بشيء
آخر، ودون أن
نحدد أداة
القياس التي
نقيس بها؛
فلا يمكن
إصدار حكم
على مثل هذه
المفاهيم.
على عكس
الأمور
المطلقة. وعلى
كل حال،
فهناك أمور
مطلقة، مثلا
الأعداد،
والمقادير.
فهل أن العدد
عشرين تختلف
باختلاف
المعدود؟ أي
هنا يوجد فرق
بالعدد بين
أن نقول:
عشرين جوزة،
أو نقول
عشرين نجم؟
كلا، فكلا
العددين
واحد. أي لا
فرق من حيث
الكم بينهما. كذلك
المقادير لا
تختلف
باختلاف
الزمان حيث
أنها مطلقة ـ
مثلاً ـ بما
أن القماش
يقاس
بالأمتار،
فإن قلنا بأن
طول هذا
القماش 1.80
متراً في كل
مكان، ولكل
شخص، لن
تتبدل،
بينما
اريناكم
الأمر غير
ثابت ومتغير
في مفهوم
الكبر
والصغر. إلى
هنا يكون قد
اتضح لنا أن
هناك أموراً
نسبية، كما
أن هناك
أموراً
مطلقة. وإننا
يمكن أن
نستفيد من
تطبيق هذا
البحث على
أمور كثيرة،
ومعرفة
كونها مطلقة
أو نسبية:
منها
الحقيقة. هل
أنها نسبية
أم مطلقة؟
والعلم كذلك.
هل إنه نسبي
أو مطلق.
ولكننا لا
نريد أن ندخل
في هذا البحث. ولكن
الشيء الذي
أريد أن
نعرفه هو هل
أن العدالة
نسبية أم
مطلقة؟ فإذا
كانت نسبية
آنذاك ستكون
القيمة
لكلام أهل
الجهل، حيث
ستكون في كل
مجتمع، وفي
كل زمان بشكل
مختلف عنها
في زمن،
ومجتمع آخر. فالعدالة
لا يمكن أن
يكون لها
قانون مطلق. وبناء
على ذلك لا
يمكن لأي
مبدأ أن يشرع
قانوناً.
ويدعي أن ذلك
من العدل،
ويطالب
بتطبيقه في
كل زمان
ومكان. فإنه
في أفضل
الأحوال
يمكن أن يشرع
ذلك القانون
الذي تدعى له
العدالة
لزمانه
ومكانه فقط؛
حيث أنه ـ
ومن وجهة
النظر هذه ـ
لا يمكن أن
تكون
العدالة لكل
زمان ومكان
على نسق واحد.
كما أنه لا
يمكن أن يكون
الكبر
والصغر لكل
الأشياء
بشكل واحد. فإن
كان هذا
الإدعاء ـ أي
كون العدالة
نسبية ـ
صحيحاً؛ فإن
كلام هؤلاء
صحيح ـ أيضاً
ـ وإلا فإن
الصحة
لكلامنا. نحن
يجب أن نعرف
ما معنى
العدالة كي
نستطيع
بواسطة هذه
المعرفة أن
نشخص، هل أن
العدالة هي
من الأمور
النسبية أم
مطلقة؟ وفقاً
لما توصلت
إليه توجد
هناك ثلاثة
معان
للعدالة: الأول
ـ هو
المساواة،
لأن مادة (عدل)
تعني
الموازنة
والمساواة.
وقد استعملت
لهذا المعنى
في بعض آيات
القرآن
الكريم (ثم
الذين كفروا
بربهم
يعدلون) (الأنعام:
1) فانهم قد
ساووا بين
الله وبين
غيره. إننا
قد نعرف
العدالة
بالمساواة،
فما هو مدى
صحة هذا
التعريف؟ إن
الجواب
يتوقف على
معرفة ماذا
يقصد
بالمساواة؟
في أي شيء
تكون هذه
المساواة؟ إن
البعض يفسر
العدالة
بالمساواة،
ويفهمون
منالمساواة
أن يكون جميع
أبناء البشر
يستفيدون
بشكل متساوٍ
من كل ما
أنعم به
عليهم. أي أن
المساواة
عندهم تعني
أن الجميع
يأكلون بشكل
متساوٍ،
ويمتلكون من
الثروة بشكل
متساوٍ،
ويتساوون في
السكن، كما
يتساوون في
المركب. أي
إنهم
يتساوون في
الاستفادة
من كل موجبات
السعادة،
وهي المال
والثروة
والمسكن
وغيرها. فإن
كان هذا هو
معنى
العدالة،
فذلك ليس
بالأمر
الصحيح،
لأنها لن
تكون عدالة
بل ظلم؟ أما
لماذا؟ أولاً
ـ إن هذا
النوع من
العدالة غير
مقبول، لأن
بعض موجبات
السعادة هي
تحت سلطة
الإنسان
واختياره.
والبعض
الآخر ليس
كذلك. ولا
يمكن
تقسيمها
بالتساوي،
لأن موجبات
السعادة
ليست هي
الثروة
والمركب،
والأكل، وما
شابه ذلك فقط.
بل إنها جزء
من موجبات
السعادة. فقط
قال أرسطو:
إن موجبات
السعادة
تتسع أو تزيد:
ثلاثة منها
في البدن.
وثلاثة منها
في الروح،
وثلاثة خارج
وجود
الإنسان، لا
في بدنه ولا
في روحه. أما
الثلاثة
التي في
البدن فهي:
السلامة،
والقوة،
والجمال
وبالأخص
المرأة. وأما
الثلاثة
التي في
الروح فهي:
الأولى
العدالة.
والثانية
الحكمة
والمعرفة؛
لأن العالم
والجاهل لا
يكونان في
مستوى واحد
من السعادة.
والثالثة
الشجاعة
وتعني قوة
القلب. وأما
الثلاثة
التي هي خارج
وجود
الإنسان،
فهي: الأولى
ـ المال
والثروة.
والثانية ـ
الجاه
والمنصب.
والثالثة
العائلة
والعشيرة. إن
قيمة هذه
الموجبات
غير متساوية.
فإذا أردنا
العدل ـ أي
تقسيم هذه
الموجبات
بين الناس
بالتساوي،
فإننا سوف
نجد أنفسنا
غير قادرين
في بعضها على
الأقل، فإذا
كان
بالإمكان
تقسيم المال
فهل
بالإمكان
تقسيم الجاه
والمنصب
بالتساوي
بين الناس.
حتى في الدول
الإشتراكية
مثل الإتحاد
السوفياتي
والصين؛ فإن
المناصب
متفاوتة،
فهناك شخص
واحد مثل (ماوتسي
تونك) و(شوان
لاي) استفاد
من نعمة
الشهرة في
العالم. فلا
يمكن أن
تتساوى كل
الناس في
المناصب،
ولا يمكن أن
يقسم
الاحترام
بينهم
بالسوية.
وكذلك الحب. وهل
يمكن تقسيم
الأبناء
بالسوية؟ ربما
يرد أحدهم
على هذا
الإشكال
بالقول: إذا
كان الأمر
كذلك، فلا
اقل أن نجعل
المساواة في
الأمور التي
هي تحت
اختيار
الإنسان
وإرادته. ـ
أي في الأمور
الإقتصادية،
وفي كل
الأمور التي
لها علاقة
بالجانب
الاقتصادي. والجواب
على هذا: إن
هذا عين عدم
العدل... فهل
أن كل الناس
من حيث
الاستعدادات
والإمكانات
قد خلقوا
متساوون؟
وهل أن
استعداداتهم
الفكرية
والعقلية
متشابهة؟ هل
أن
استعداداتهم
الفنية
واحدة؟ فكما
أننا لا
نستطيع أن
نجد شخصين
متشابهين
تماماً، من
حيث الشكل
الظاهري حتى
التؤمين، لا
يمكن أن يقال:
إنها
متشابهان
تماماً
فكذلك لا
نستطيع أن
نجد شخصين
متشابهين
تماماً في
استعداداتهما
الفكرية
والعقلية في
أنواع
العلوم. وهكذا
الأمر من حيث
الحالات
الروحية حتى
التؤمين لا
يتشابهان
تماماً. ثم
هل إن الناس
قد خلقوا
متساوين في
القدرة
البدنية؟ هل
أن أذواقهم
واحدة؟ إن
أحدهم
يتذوق،
ويميل إلى
التجارة،
بينما الآخر
يفضل
القضاء،
والثالث
ذوقه
السياسة،
والرابع
ذوقه طلب
العلم. فالناس
قد خلقوا غير
متساوين،
إذن: لن تكون
نتيجة
أعمالهم
واحدة أي
إننا قد نجد
شخصاً جاداً
وفعالاً
جداً، في حين
نجد شخصاً
جاداً
وفعالاً
جداً، في حين
نجد الآخر
كسولاً. في
الاتحاد
السوفياتي
لا يمتلك كل
أبناء الشعب
نبوغ خروشوف. ولما
كان الناس
غير متساوين
من حيث
النبوغ
والقدرة على
العمل،
والإبتكار،
فهل من
الصحيح أن
تكون أجورهم
واحدة، مع كل
ما بينهم من
فوارق؟ أي
إننا ـ مثلاً
ـ لو أرسلنا
طفلين إلى
المدرسة،
وكان أحدهما
فعالاً
ونشطاً
والآخر
خاملاً،
وكلاً، فهلا
يجوز أن
نعطيهما في
نهاية العام
الدراسي
درجة واحدة
ونقول: إن
بلدنا بلد
المساواة،
ولا نعترف
بهذه
الفروق؟ وإذا
وجدنا في
نهاية العام
أن التلميذ
النشيط حصل
على درجة
عشرين على
عشرين،
والتلميذ
الآخر حصل
على درجة
خمسة على
عشرين، فهل
يصح أن نأخذ
معدل
الدرجتين
وهو إثنا عشر
ونصف،
ونعطيه لكل
منهما، كي
يتساويين؟ إن
هذا خلاف
العدل، بل هو
عين الظلم. إننا
حينما نسرق
جهد الإنسان
الفعال،
ونعطيه
للإنسان
الخامل ـ
فضلاً عن أنه
خلاف العدل ـ
إنه خلاف
المصلحة
الاجتماعية،
لأن مع هذا
النوع من
التعامل،
والتقويم لن
يكون
الإنسان
الخامل
نشطاً، بل
سيكون
الإنسان
الفعال
النشط
خاملاً
وكلاً؛ لأني
عندما أعمل
ويعطى نتيجة
جهدي
للآخرين ـ أي
إن عملت، وإن
لم أعمل،
فإني سأساوى
بالآخرين
حينئذ لست
مجنوناً كي
أعمل. إن
بعضهم له
قدرة على
الإبتكار
أكثر من
غيره،
والبعض
الآخر لا
يمتلك أصلاً
هذه القدرة،
فإن رأى صاحب
القدرة على
الاختراع أن
سهمه مثل سهم
الآخرين ـ أي
إن راتبه مثل
مماثل لراتب
الآخرين،
ومن حيث
الشهرة
والسمعة ـ
والتي هي
مكافأة من
نوع آخر ـ لم
يأخذ حظه
منها أيضاً.
أي لا أحد
يذكر إسمه،
بل يقال: إن
المجتمع هو
الذي فعل هذا
الفعل فإننا
سنجد في
نهاية
الأمر، أن
هذا الشخص لن
يحصل له أي
إندفاع
باتجاه
الاختراع.
فالإنسان
يتجه ويتحمس
للإبتكار
والإبداع،
حيث أنه
سيثبت إسمه
في التاريخ. لهذا
فإن البشرية
لم تتجرأ على
العمل بمثل
هذا النوع من
المساواة. بناء
على ما تقدم:
إن فسرنا
العدالة
بمعنى
المساواة،
والمساواة
بمعنى
التوازن
والتماثل
بالأجور
والعطاء فإن
هذا: أولاً
ـ غير عملي. ثانياً
ـ إنه ظلم
وليس بعدل. ثالثاً
ـ إنه عامل
من عوامل
تخريب
المجتمع؛
لأن الأشخاص
مختلفون في
طبيعتهم. إلى
هنا قد يسأل
سائل: لماذا
لم يخلق
الناس
متساوين في
الخلقة؟ لماذا
لم يَخلق
الله الناس
متساوين في
كل الجهات؟
أي لماذا لم
يعمل الله
العدالة ـ
والعياذ
بالله ـ في
الأصل؟ أي أن
يتساوى
الناس
بالشكل
وبالطول
وباللون
وبالاستعدادات
والذوق
تماماً
كالأشياء
الصناعية؟ إن
الكمال هو من
نتائج
الأختلاف. إن
اختلاف
المستوى هو
الذي يوجد
الحركة. فإذا
كنا أنا وأنت
متشابهين
شكلاً
وفكراً،
واستعداداً
وذوقاً... أنا
أتوجه للعمل
الذي توجهت
إليه أنت
وبالعكس.
وإذا كان حجم
جسمي وطولي
كحجم وطول
جسمك... كل ما
تملكه أنت
أملكه أنا،
وكل ما أملكه
أنا تملكه
أنت، فماذا
سأفعل أنا
هنا؟ وماذا
تفعل أنت
هنا؟ لماذا
عملت أنت في
التجارة
وأنا توجهت
لطلب العلم؟
فكلانا
انطلق من
منطلق واحد،
وهو
الاختلاف
والتفاوت،
وإن هذا
الاختلاف
والتفاوت
ليس نقصاً أو
كمالاً، فلا
يصح أن نقولك
إن أحدنا
ناقص والآخر
كامل فكل منا
في طريقه
كامل، ولكن
الجميع
ناقصون،
والمجتمع هو
الكامل، فقد
قيل ـ مثل
فارسي يعني ـ
يجب أن يكون
للإنسان أنف
وحاجب، ولكن
الأنف يجب أن
يكون
مستقيما
والحاجب
منحني، فليس
من الحسن أن
يكون الأنف
منحنياً أو
الحاجب
مستقيماً.
فالمطلوب هو
استقامة
الأنف
وانحناء
الحاجب. إن
العالم يجب
أن يكون
منظماً،
ومرتباً،
كتنظيم
العين
والخال
والخط،
والحاجب،
حيث كل في
مكانه جميل. نعم،
من خلال
الحركة
يتبين طبيعة
الأشياء
ومستواها،
فإن عملية
التعلم
والتعليم لن
تتم إذا لم
يكن هناك شخص
يجهل شيئاً،
وشخص آخر لا
يفتقد ذلك
الشيء. وهذا
هو علة عدم
النفرة،
وانشداد
الناس بعضهم
إلى بعض. فلو
كانوا
متساوين فمن
غير الممكن
أن ينشد
بعضهم إلى
البعض
الآخر، كما
أن الأحجار
لا تنشد، ولا
تنجذب إلى
بعضهان كذلك
بني البشر لو
كان كل واحد
لا يفتقد إلى
شيء يمتلكه
الآخرون. إن
الفوارق
الموجودة
بين الرجل
والمرأة،
وعدم وجودها
بين أنفسهن
أو بين
الرجال
أنفسهم كانت
سبباً
عظيماً على
طريق تشكيل
الأسرة بأن
ينتخب الرجل
إمرأة زوجة
له، وتنتخب
المرأة
رجلاً زوجاً
لها طبقاً
لقوانين
تشكيل
العائلة. إن
التجاذب
يكون
بينهما، لأن
كل منهما
يمتلك ما
يفتقده
الآخر. في
حين لا نرى
المرأة
تجتذب
المرأة
الأخرى، ولا
الرجل يجتذب
الرجل الآخر.
فلا تظن إذن
أن كلا من
الرجل
والمرأة
متساويان في
الخلقة. إن
القرآن
الكريم يذكر
هذا
الاختلاف
باعتباره
واحدة من
آيات قدرة
الله سبحانه (ومن
آياته خلق
السماوات
والأرض
واختلاف
ألسنتكم
وألوانكم) (الروم:
22) وكذلك
المجتمعات (كان
الناس أمة
واحدة فبعث
الله
النبيين
مبشرين
ومنذرين) (البقرة:
213) كما أن
هناك حديث
يقول: "اختلاف
أمتي رحمة". وقد
ورد هذا
الحديث في
بعض
الروايات،
ولا يقصد به
الصراع
والحرب،
وإنما يقصد
به التفاوت،
حيث أن ما
بينهم من
تفاوت هو
بنفسه رحمة. فإذا
أردنا أن
نعرف
العدالة
بمعنى
المساواة،
وافترضنا أن
المساواة
تكون في
المواهب
الاجتماعية،
فإن ذلك
اشتباه منا،
بل يمكن أن
يكون معنى
العدالة
معنى آخر.
بحيث يمكن أن
يقال عنه إنه
مساواة ـ
أيضاً ـ ولكن
مساواة بشكل
آخر. إن
المعنى الذي
يذكره
القدماء
للعدالة هو
إعطاء كل ذي
حق حقه ـ أي
إن كل شخص،
وكل شيء في
متن الخلقة
جاء إلى
الدنيا بنحو
استحقاق خاص.
ومن هنا ظهرت
الحقوق ـ أي
من ذات
الأشياء.
ونحن ينبغي
أن نتفحص ذات
كل شيء، ثم
نرى ماذا
يستحق؟ وما
هي
الاستعدادات
التي
يمتلكها في
وجوده ـ أي
إن طبيعة
ماذا تريد؟
ففي جسم
الإنسان
العين لها
حق، واليد
لها حق آخر.
فإن أعطينا
حق العيد
لليد، فلن
تكون فقط لم
نفد اليد، بل
نكون قد
أقعدناها عن
العمل، كل
شيء له
استحقاق
معين، ومنشأ
ذلك هو نفس
الخلقة. إن
الطفلين
اللذين
يذهبان إلى
المدرسة،
ويكون
استحقاق
أحدهم درجة
عشرين،
والآخر درجة
خمسة. فإن
أعطينا
لصاحب درجة
عشرين أقل من
ذلك فقد
ظلمناه، وإن
أعطينا
للثاني أكثر
من خمسة
درجات فقد
كنا ظالمين
أيضاً. ومن
باب المثال:
لو سألت
هؤلاء الذين
يطلبون
ويُطَلِّبون
للمساواة
لماذا كان
زيد من بين
ملايين
الناس
رئيساً
للوزراء؟
سيقولون: هذا
هو
استحقاقه،
كان في
البداية
عاملاً
بسيطاً، ثم
اشترك في
الانتخابات،
وفاز، فأصبح
في هيئة
عليا، ثم
تدرج إلى
هيئة أعلى.
وبهذا الشكل
طوى سلسلة من
المراتب،
ولأنه أبدى
لياقة
واستحقاقاً
كافياً،
أصبح رئيساً
للوزراء،
هذه هي
العدالة. وقد
اتضح لدينا
أن الأساس هي
اللياقة،
ومن الطبيعي
إذا كان
لدينا
شخصان،
أحدهما ذو
لياقة،
والآخر
يفتقدها،
وأعطينا ما
كان ينبغي أن
نعطيه لصاحب
اللياقة لمن
لا لياقة له،
فقد جانبنا
العدل. إن
مَن خلق
الأقاليم
السبعة أعطى
لكل شخص ما
يليق به. كما
أن سعدي يقول:
إن
معنى
العدالة هو
المساواة
أمام
القانون. أي
القانون يجب
أن ينظر إلى
الجميع نظرة
واحدة ـ أي
أن لا يفرق
بين الناس،
بل يراعي
الاستحقاق. وبعبارة
أخرى: الناس
المتساوون
بالخلقة،
فالقانون
يجب أن
يتعامل معهم
بالتساوي. أما
الناس الذين
ليسوا في
شروط
متساوية،
فلا يجب أن
يساوي بينهم
القانون، بل
يتعامل معهم
كل وفق وضعه
الخاص. وهذا
هو المعنى
الثاني
للعدالة. أما المعنى الثالث ـ فهو ما سأتعرض إليه مساء غد ـ إن شاء الله ـ |
|||