:الموضوع |
بسم
الله الرحمن
الرحيم إن
حديثنا لهذا
اليوم سيكون
حول موضوع
نسبية
الأخلاق. والسؤال
الذي يبرز
إلى الذهن ـ
وينبغي
الإجابة
عليه ـ هو: هل
إن الأخلاق
نسبية أم
مطلقة؟ أي
عندما يوصى
بخصلة أو
فعلٍ
أخلاقي، فهل
يعني أن هذا
أمر مطلق؟ أم
لا؟ أي إن
الخصلة
الأخلاقية
تبقى تحتفظ
بطابعها
الأخلاقي،
في كل زمان،
ولكل إنسان،
وفي كل
الظروف؟ كما
لو قلنا: إن
العدد ـ 4 ـ هو
ضعف العدد ـ 2
ـ؟ أو أن
الأمر ليس
كذلك، بل هو
نسبي، حيث لا
يمكن
التوصية
بشكل مطلق ـ
في كل زمان،
ومع كل فرد ـ
بخصلة أو فعل
أخلاقي؟ إن
طرح هذه
المسألة
ضروري جداً،
وعلى الأخص
بالنسبة لنا
بحكم
ارتباطنا
بالدين
الإسلامي
المقدس؛ لأن
الدين
الإسلامي ـ
كما قال
علماؤنا
القدماء ـ
يتكون من
ثلاثة أقسام
أساسية: القسم
الأول ـ وهو
ما يتناول
المسائل
العقلية
والفكرية،
ويعبر عنه بـ(أصول
العقائد). القسم
الثاني ـ وهو
ما يتناول
الأمور
النفسية،
ويعبر عنه بـ(الأخلاق). القسم
الثالث ـ وهو
ما يتعلق
بالبدن
والأفعال،
ويعبر عنه بـ(الأحكام). فالقسم
الأخلاقي
يعتبر قسماً
مهماً جداً.
فقد ورد ـ في
القرآن
الكريم ـ
سلسلة
أوامر،
وتوصيات
أخلاقية.
وبما أن
الإسلام
يتميز
بخصوصية (الختم
والخلود) كان
لابد لنا أن
نعتقد بأن
الأخلاق
مطلقة أو على
الأقل أن
نطرح على
أنفسنا هذا
السؤال: هل
قوانين
الإسلام في
هذا الجانب
تحمل ـ أيضاً
ـ صفة
الخلود،
فيلزمنا
القول بأن
الأخلاق
مطلقة؟ أو إن
هذا الأمر
يمكن
التوفيق
بينه وبين
القول بنسبة
الأخلاق؟ في
البدء لابد
لنا أن نعرف
أولاً، هل إن
الأخلاق
مطلقة؟ أم
نسبية؟
لنتحول بعد
ذلك إلى
موضوع
قوانين
الإسلام،
لنرى ماذا
تقول حول
إطلاق
الأخلاق أو
نسبية
الأخلاق. إن
هذا الموضوع
يعتمد بشكل
كبير على
الماضي، في
مسألة معيار
الفعل
الأخلاقي،
حيث يوجد ـ
في البين ـ
نظرية تقول
بأن الأخلاق
نسبية، في
حين توجد
نظرية أخرى
تقول بأن
الأخلاق
مطلقة. فلابد
لنا أولاً من
ذكر هاتين
النظريتين،
لنعود إلى
موضوع بحثنا. يعتقد
البعض بعدم
وجود أي
معيار
لأخلاقية
فعل معين
خارج نفس
الإنسان، أي
بعيداً عن
انتخاب
الإنسان
واختياره. ولابد
أنك قد سمعت
بالعلماء
القدماء ـ
منذ عصر
اليونان ـ
الذين كانوا
يقولون بأن
مقياس كل شيء
هو الإنسان،
وقد شمل هذا
المقياس
العلم
والفلسفة
والحقيقة،
حيث قيل بأن
معيار
الحقيقة هو
تشخيص
الإنسان لها
ـ أي لا يوجد
حق واقعي،
فالحق
الواقعي هو
ما يشخصه
الإنسان،
فإن قال: هذا
حق فهو حق.
وإن قال: هذا
باطل فهو
باطل. وهذا
الرأي يشابه
اعتقاد بعض
المتكلمين
المسلمين،
وهم (المعتزلة)
في باب
الاجتهاد،
حيث أنهم
يرون أن
الحقيقة هي
ما يراه
المجتهد في
اجتهاده،
فالاجتهاد
لا يحتمل
الخطأ. فلو
افترضنا
وجود عشرة
مجتهدين،
وكان لكل
منهم إجتهاد
يختلف به عن
الآخرين،
فإن الحق هو
هذه
الاجتهادات
العشر. كما
يوجد قبال
أهل هذا
الرأي (المخطئة)
الذين
يقولون: إن
الحق شيء
واحد فقط،
والإجتهاد،
قد يكون
مطابقاً
للواقع
ومفيداً،
وقد لا يكون
كذلك. فاليونانيون
أبدوا رأيهم
في خصوص
الحقيقة،
وقالوا: إن
معيار
الحقيقة هو
الإنسان،
وليس معيار
الإنسان هو
الحقيقة. لقد
كان بحث
اليونانيين
يتعلق
بالحقيقة
والواقعية،
وبالعلوم
النظرية، أي
إنه يتعلق
بالحقيقة
والواقعية،
وبالعلوم
النظرية، أي
إنه يتعلق
بما هو موجود. فلو
قال قائل: إن
الله موجود،
لقالوا: بما
أن هذا
القائل يقول
بوجود الله،
فهو إذن
موجود. وإن
قال آخر بعدم
وجود الله،
لقالوا: بما
إن هذا
القائل يقول
بعدم وجود
الله، فإذن
هو غير موجود.
وهذا بحث
نظري. ولكن
في العصور
المتأخرة
ظهرت نظرية
في باب
الأخلاق أي
لا تتحدث عن
الحقيقة، بل
عن الأخلاق ـ
حيث يوجد فرق
بين
الإثنين،
فالحقيقة
تتعلق بما هو
موجود،
بينما تتعلق
الأخلاق بما
يجب أن يكون
ـ فقد قال
أصحاب هذه
النظرية
بعدم وجود
معيار غير
إختيار
الإنسان
بخصوص ما
ينبغي أن
يكون. أو
بعبارة أخرى
بخصوص حسن
الأخلاق
وقبحها،
وأضافوا: إن
مرادنا من
الأخلاق
الحسنة هو
الأخلاق
المحمودة.
فكل خلق يحمد
فهو جيد،
ولكن هذا (الحمد)
يتغير على
امتداد
الزمان، لذا
فإن (الأخلاق
الحسنة)
تتغير أيضاً.
فبما أن
الخلق
الفلاني هو
محمود
ومقبول من
قبل العموم ـ
في زمن معين
ـ إذن هو
حسن، وإذا
أصبح نفس هذا
الخلق في زمن
آخر غير
محمود، وحمد
خلق آخر مضاد
له، فيكون
الأول
قبيحاً،
والثاني
حسناً، كما
أن هذا
التغير من
تقييم خلق
معين في
الأزمنة
المختلفة،
إنما يكون
على اساس
التكامل،
ومنشؤه روح
العصر.
وبعبارة
أخرى: روح
المجتمع. يوجد
(لهيكل) كلام
حول روح
العصر، حيث
أنه يعتقد أن
عملية
التكامل هي
ناموس هذا
العالم، فإن
روح العصر
تدفع
المجتمع
دائماً إلى
الأمام، وإن
هذه الروح
التي تعتبر
بمنزلة روح
المجتمع؛
لأنها تدفع
به إلى
الأمام،
تترك آثارها
على الأفكار
والإختيارات
ـ أيضاً ـ أي
إن روح العصر
المتوافقة
مع التكامل
هي التي تلهم
الخلق
المعين
وتجعله
محلاً لقبول
والإختيار،
وهي التي
تجعل خلقاً
آخر، وتبطأ
بظروف سابقة
منسوخاً،
كما نسخت
الظروف
السابقة. فهو
في الواقع
يعطي روح
العصر، أو
روح المجتمع
الحالة التي
يقولها
الآخرون
بالنسبة،
إلى الله
سبحانه،
بقولهم: إنه
سبحانه هو
الذي يلهم
الإنسان
الأخلاق
الحسنة، فهو
يقول بإله،
ولكن يعبر
عنه بروح
العصر، وروح
المجتمع
الذي يلهم
الخلق الجيد. وعلى
كل حال، يوجد
بين رأيه
ورأي
الإلهيين
فرقان: 1
ـ إنه يعتقد
بأن
المُلهِم هو
روح العصر،
أو روح
المجتمع.
بينما
يعتقدون هم
بأن الملهم
هو الله، وما
وراء
الطبيعة. 2
ـ إنهم
يعتقدون أن
المُلهٍم
مطلق وثابت،
بينما يعتقد
هو أن الملهم
أمر متغير
ونسبي،
وتابع
للظروف
الزمانية،
فهو يتغير
بتغيرات
الزمان
فينسخ
إلهاماته
السابقة. إن
هذا النمط
الفكري هو من
الأفكار
التي تركتب
آثاراً
كبيرة على
المجتمع
الأوربي
وبالتالي
على العالم،
أي إنها
زلزلت قوائم
المعيار
الثابت عند
الناس. حدثني
أحد
الأصدقاء
أنه عندما
دعي إلى
مؤتمر في
الخارج هاجم
هذا النمط،
وقال: لقد
كنتم أيها
الأوروبيون
تعتقدون
بروح القدس،
وتستلهمون
منه، ثم
انتقلتم إلى
الاستلهام
من روح
العصر،
فبدأت
مأساتكم منذ
اليوم الأول
الذي
اعتقدتم فيه
بروح العصر،
وأعطيتموه
الأهمية
التي كنتم
تعطونها
لروح القدس،
ففقدتم كل
الأصول
والمعايير
الثابتة،
ولم تحترموا
غير متطلبات
العصر. ماذا
تعني روح
العصر؟ من هو
الذي اكتشف
هذه الروح
التي تسوق
المجتمع
بشكل حتمي
نحو التكامل. وعلى
كل، كان هذا
النحو
الفكري
موجوداً في
أوروبا،
ونحن إذا
قلنا به فمن
البديهي
أننا سنقول
بنسبية
الأخلاق. كما
توجد مسألة
أخرى ـ أعتقد
أنهم
يقصدونها،
رغم أني لم
ألاحظها في
كتاباتهم،
وهي تساوي
روح العصر؟
أي هل تتغير
الأفكار
دفعة واحدة
عند انقضاء
قرن من
الزمان
مثلاً، أو
أنها تتغير
تدريجاً؟ وعلى
الفرض
الثاني: هل
يستلهم
أولاً
الطليعة، ثم
يستلهم
الآخرون
منهم؟ وهل
توجد دائماً
طبقة
الطليعة
المجددة،
التي لهم حكم
الأنبياء؟
غاية ما في
الأمر أنها
تستلهم من
روح العصر،
لا من الله؟ إنهم
يقولون: إنها
الطبقة
الكادحة
التي تلهم
أول الأمر،
ثم يأخذ
الآخرون
عنهم. فهم في
واقع الأمر،
يقولون لهذه
الطبقة:
ينبوع عمل
ينوى. ونحن
إذا قلنا
بهذا الرأي
سنفقد أي أصل
أخلاقي
ثابت، لأن
المعيار
سيكون هو
الاستحسان.
ونحن نقبل أن
يكون
المعيار هو
الاستحسان،
وأن هذا
الاستحسان
عرضة
للتغير،
ولكننا
نعتقد أن
تغير
الاستحسان
هو من نوع
تغير
الأمزجة،
فالمزاج
تكون له حالة
تعادل،
وتكون له
حالات
انحراف.
والمجتمع ـ
أيضاً ـ قد
يكون في حالة
تقدم أو في
حالة
إنحطاط، ولا
يمكن اعتبار
كل متغيرات
المجتمع
تكاملاً. وهكذا
في التصورات
التي يطرحها
القرآن
الكريم
قائمة على
هذا الأساس.
فقد يتقدم
مجتمع معين،
ثم يهبط نحو
الفساد ـ
الذي يعتبره
القرآن
فساداً
أخلاقياً ـ
والذي يقود
المجتمع نحو
الهلاك، كما
أن التاريخ
يؤكد لنا
وجود
مجتمعات، قد
تقدمت
ولكنها
انحطت
أحياناً،
وكان هذا
الإنحطاط
سبباً. نعم
ربما يقبل أن
العالم
بمجموعة
يتكامل. وهذا
يختلف عن
القول
بتكامل كل
مجتمع،
فالاستحسان
يرتبط بكل
مجتمع على
حدةٍ. فنحن
إذا أخذنا
ألف سنة في
الاعتبار،
أمكننا
القول تسعين
بالمئة: إن
البشرية
بمجموعها قد
تقدمت خلال
هذه الفترة،
ولكن يوجد
إشكال في
القول: إن
الإنسان قد
تقدم في كافة
المجالات. وعلى
كل حال، يقال:
إن المجتمع
ينمو بشكل (أوتماتيكي)
كما تنمو
الشجرة ولكي
يثمر هذا
النمو تتغير
اختياراته
واستحساناته،
فإن هذه
الاختيارات
تتناسق مع
نموه
وتكامله
بشكل دائم.
فعندما
يتبنى إنسان
هذه النظرية
تصبح عنده
الأخلاق
نسبية مئة
بالمئة، كما
أن (سارتر)
الذي يزن كل
شيء وفق محور
الانتخاب
الشخصي،
يقول: إن
معيار
أخلاقية
الفعل لا
يخرج عن وجود
الإنسان في
العمل. ولكنه
يقول ـ أيضاً
ـ: إن الشخص
عندما ينتخب
عملاً
معيناً، فإن
انتخابه
يعني أن هذا
العمل جيد،
ومن البديهي
أن أي شخص لا
يختار عملاً
باعتباره
رديئاً، بل
إنه يختاره
باعتباره
عملاً جيداً. ويضيف
ـ أيضاً ـ إن
الإنسان في
واقع الأمر
إنما يعتقد
بقيمة العمل
الذي
اختاره، فهو
إذن يكون قد
اختار هذا
العمل
للآخرين
أيضاً. وهذا
هو ما نقوله
نحن: من أن
الإنسان
بأدائه لعمل
معين إنما
يكون قد روج
لهذا العمل؛
فإن كان عمله
حسناً، فقد
روج لعمل حسن.
وإن كان عمله
قبيحاً، فقد
روج لعمل
قبيح؛ فإن
العمل الذي
يختاره
الإنسان
إنما يضفي
عليه صبغة
العموم في
نفس الوقت
الذي يكون
فيه جزئياً. إنك
ـ مثلاً ـ
عندما تختار
مسلكاً
تتبعه، فإن
عملك هذا
يعتبر
جزئياً ـ أي
إنه يرتبط
بفرد وزمان
ومكان معين،
ولكنه في
واقع الأمر
يحمل صفة
عمومية
أيضاً؛ فإنك
تعطيه صفة
كلية، لأن
اختيارك
لهذا العمل
المعين أنه
عمل جيد بشكل
عام للجميع. وحسب
قوله: إن
معيار
أخلاقية فعل
معين هو
أخلاق الشخص
الفاعل. إذن:
تكون
الأخلاق
أمراً
نسبياً،
لأنها تنبع
من إنتخاب
الشخص. ونحن
هنا لا يهمنا
كون هذا
الكلام غير
صحيح بشكل
كامل. إن
معيار
الأخلاقية
في هذه
النظرية هو
اختيار
الشخص. ومن
البديهي أن
ما انتخبه
أنا، قد لا
تنتخبه أنت؛
فيكون إذن ما
اختاره أنا ـ
ومن وجهة
نظري ـ فعل
أخلاقي،
ويكون ـ من
وجهة نظرك ـ
ما اخترته
أنت من فعل
هو فعل
أخلاقي. وهذا
ما يختلف حسب
الزمان. ولكن
إن غضضنا
الطرف عن
وجهة النظر
هذه، وأخذنا
بنظر
الاعتبار
النظريات
التي
ذكرناها
سابقاً،
لأمكننا
القول بأن
الأخلاق
ليست نسبية،
بل هي مطلقة
وفق ما
بيناه، أما
الفعل
الأخلاقي،
فلا مانع من
القول بأنه
نسبي. عندما
تحدثنا عن
النظريات في
هذا المجال
ذكرنا أن
بعضها يرى أن
المعيار في
كون فعل ما،
أخلاقياً،
هو الحب ـ أي
أن يكون
الهدف
غيرياً. وهنا
يوجد لدينا
مسألتان: الأولى
ـ هي نفس
الأخلاق ـ أي
الخلق
والخصلة
الروحية
الإنسانية،
والتي هب حب
الغير، حب
الإنسان
والإرتباط
بمصير الناس.
هذا ما يجب
القول عنه
بأنه مطلق،
ولا يمكن ان
يكون نسبياً.
فلا يصح أن
يكون
مطلقاً،
بالنسبة
لشخص آخر. إن
حب الآخرين
والأرتباط
معهم في
المصير إنما
هي منشأ
الخدمة
للناس، وهي
أمر مطلق
يصدق على كل
إنسان في أي
ظرف زماني
ومكاني. وربما
يقول: إن هذا
الأمر لا
يحمل صفة
العمومية،
لأن الإنسان
ربما يكون
إنساناً
مؤذياً،
ولربما يكون
جانياً، أو
قاتلاً، أو
مفسداً. وإن
مثل هذا
الإنسان
تجتمع كل
المبادئ على
الصراع ضده؛
وحذفه من
البين. فهو
إذن: لا يحمل
صفة
العمومية. الجواب
هو: كلا. بل هو
أمر يحمل صفة
العمومية،
فحب
الإنسانية
لا ينافي
الصراع ضد
الإنسان
المفسد، حيث
إن عدم
الصراع ضد
الإنسان
المفسد ليس
أمراً
لازماً لحب
الإنسانية.
فنحن أولاً
قلنا: (الإنسانية)
ولم نقل
إنسان
بالخصوص، فل
كان شخص مضر
للمجتمع
البشري، فإن
حب المجتمع
البشري يحكم
بضرورة حذف
ذلك الإنسان. وثانياً
ـ عندما يقال:
العلاقة
بالإنسان. لا
يعنى به
الإنسان
الحيوان
المستوي
القامة،
والذي له رأس
وأذنان،
ويمشي على
قدمين. بل
يُعنى
بالإنسان
الإنسانية ـ
أي الفضائل
الإنسانية،
وليس هذا
الجسد
المتكون من
لحم وجلد ـ
وإن أراد أن
يكون هذا
الجسد
المادي فقط،
لم يبق فرق
بينه وبين
الحيوان،
لأن الحيوان
هو أيضاً
كائن حي يأكل
ويشرب وينام
ويمارس
أعماله
الشهوانية.
فالإنسان
الذي يرتضي
لنفسه هذا
المستوى لا
يبقى له أية
قيمة، فهو
يمسى
إنساناً
باعتبار
الكمالات
والاعتبارات
الإنسانية.
أما عندما
يكون ضد
الإنسانية ـ
أي إنسان
بالقوة،
وليس بالفعل
ـ فلا يمكن
اعتباره
إنساناً. وعلى
كل حالٍ، إذا
اعتبرنا حب
الناس
أساساً
للأخلاق،
فستكون
الأخلاق ـ
حينئذ ـ خصلة
ثابتة. ـ
أما الفعل
الأخلاقي
فسنأتي إليه
فيما بعد ـ. وكذلك
إذا اعتبرنا
الأخلاق
سلسلة
إلهامات
وجدانية ـ
كما ذكر ذلك (گانتُ)
في فسلفته ـ
عندما طرح
سلسلة أصول
باعتبارها
إلهامات
الإنسان من
وجدانه ـ ومن
البديهي أن
هذه
الإلهامات
تعتبر
إلهامات
كلية،
ودائمة،
وتصدق في كل
زمان، لأنه
اعتبر هذا
المطلق
أمراً كلياً
ثابتاً في كل
زمان. إن
(راسل) وغيره
ـ كما ذكرناـ
عرفوا
الأخلاق
بشكل آخر،
حيث قالوا:
إن المعيار
في الأخلاق
هو التناسق
بين مصالح
الفرد
والمجتمع،
لأن الإنسان
موجود نفعي
مئة بالمئة،
وأنه لا
يندفع إلا
بباعث
المصلحة
الشخصية وفي
أحسن
الأحوال،
إذا أردنا
منه عملاً
أخلاقياً
تكون منفعته
لغيره، فيجب
علينا أن
نرفع مستوى
عقله بحيث
يمكننا أن
نفهمه أن
مصالحه
متناسقة مع
مصالح
المجتمع. فالأخلاق
ف هذه
النظرية
تطرح
باعتبارها
خصلة ذكية
تنسق وتؤلف
بين مصالح
الفرد،
ومصالح
المجتمع.
ووفقاً لهذه
النظرية
تعتبر
الأخلاق
خصلة وأمراً
ثابتاً وليس
نسبياً. ذكرنا
أن هناك
مذهباً آخر
في باب
الأخلاق،
وهو مذهب
القدماء،
الذين وجهة
نظرهم قائمة
على أصل
العدل، على
أساس الروح
المجردة،
فهم يقولون:
إن الخلق
الحسن هو
عبارة عن نوع
توازن
وتعادل بين
جميع القوى
تحت سلطة
الحكومة
المطلقة
للقوى
العاقلة،
بحيث يكون
حكم كل القوى
والغرائز
حكم الرعية
المطيعة
لهذا الحاكم.
وطبقاً لهذه
النظرية
تعتبر
الأخلاق
أمراً
مطلقاً لا
يختلف فيه من
زمان عن زمان
آخر. فالطاعة
طاعة في كل
وقت. وكذلك
رأي
أفلاطون،
القائم على
أساس
الجمال، حيث
يقول: إن
جذور
الأخلاق هي
جمال الروح،
وهو يرى أن
جذور هذا
الجمال هي
التعادل.
والأخلاق
هنا ـ أيضاً
ـ هي أمر
ثابت. هناك
أمر آخر،
ينبغي ذكره،
وهو أنه لا
ينبغي لنا أن
نخلط بين
إطلاق
الأخلاق،
وإطلاق
الفعل
الأخلاقي ـ
أي لا يمكن
اعتبار فعل
معين
أخلاقياً
على الدوام،
كما لا يمكن
القول بأنه
غير أخلاقي
على الدوام.
وغالباً ما
يكون سبب
اشتباه
البعض أنهم
توهموا أن
ملازمة
الأخلاق
المطلقة
والثابتة هي
أن نصنف
الأفعال
ابتداءً إلى
صنفين، صنف
نعتبره
أخلاقياً،
والصنف
الآخر
نعتبره لا
أخلاقياً. في
حين أن الأمر
ليس كذلك، بل
كما يقول
القدماء: إن
الأفعال
تختلف
باعتبارات
ووجوه ـ أي
من الممكن أن
يكون فعل
معين وفق
اعتبار معين
أخلاقياً،
ووفق اعتبار
آخر لا
أخلاقياً،
بل ضد
الأخلاق. فهل
أن هذا
السلوك مطلق
أم نسبي؟
وهذا غير كون
الأخلاق
مطلقة أو
نسبية. مثل:
إن ضرب
اليتيم هل هو
فعل أخلاقي
وجيد أم سيئ
وضد
الأخلاق؟ الجواب:
لا يمكن
الحكم على
مطلق ضرب
اليتيم
بالحسن أو
القبح. ففي
بعض الأحيان
قد يضرب
اليتيم من
أجل سلب شيء
منه، وفي
أحيان أخرى
قد يضرب من
أجل تأديبه،
لأن التأديب
قد يقتضي
ضربه؛
فالضرب إذن:
ليس له حكم
مطلق بالحسن
والقبح. بل
عندما
يستعمل من
أجل التأديب
يكون حسناً،
وعندما
يستعمل من
أجل سرقة
ماله أو
ابعاده أو
قهره، يكون
قبيحاً. (فأما
اليتيم فلا
تقهر وأما
السائل فلا
تنهر). (الضحى:
9) أو
مثلاً: عندما
ينحني شخص
أمام شخص
آخر، فإن هذا
العمل يختلف
باختلاف
موارده،
فربما ينحني
هذا الشخص
أمام الشخص
الآخر بقصد
احترامه،
وهو إنسان
يستحق
الاحترام،
ففي هذا
المورد،
يكون هذا
العمل
أخلاقياً،
وفي نفس
الوقت عندما
يكون هذا
الإنحناء
بقصد
الاستهزاء،
ففي هذه
الحالة
سيؤخذ هذا
العمل
عنواناً آخر.
فإذن: نفس
هذا الفعل
يكون له
أحكام
مختلفة في
المناسبات
المختلفة،
ففي مناسبة
معينة يكون
فعل
أخلاقياً،
وفي مناسبة
أخرى يكون
فعلاً غير
أخلاقي، بل
ضد الأخلاق.
وحسب إصطلاح
طلبة العلوم
الدينية:
يختلف حكمه
باختلاف
العناوين
الثانوية. إن
علماءنا
لديهم
اصطلاح
رائع، وهو (العناوين
الأولية) و(العناوين
الثانوية).
وهم يعنون
بهذا: إن كل
شيء له عنوان
بذاته، أي أن
هناك صفة
تصدق عليه،
ولكن ربما
يعرض له
عنوان آخر.
مثلاً: زيد
بذاته
إنسان، ولكن
ربما يعرض له
عنوان ثانوي
أن يحصل على
صفة أخرى،
غير صفته
الأولية،
مثلاً: زيد
الإنسان
إنسان عالم،
أو إنسان
ظالم. أي
أضيف له
عنوان آخر
ثانوي. وقد
يكون له
عنوان ثالث
ورابع وخامس..
تماماً، كما
يكون له عدة
أعمال،
فبالاعتبار
الأولي زيد
بن عمرو،
ولكنه أستاذ
جامعي،
ورئيس مجلس.
وفي نفس
الوقت رئيس
أحد
الشركات،
فيكون له
عناوين
مختلفة في
هذه الحالة،
يقال: إن كل
شيء يكون له
حكم معين حسب
العنوان
الذي يعرض له. فلو
سئلنا: هل إن
لحم الضأن
جائز الأكل
أم لا؟ سنقول:
جائز الأكل. ثم
لو سئلنا: هل
إن لحم
الخنزير
جائز الأكل
أم لا؟ سنجيب
بحرمة أكله. فالعنوان
الأولي
للضأن أنه
جائز الأكل.
والعنوان
الأولي
للخنزير أنه
غير جائز
الأكل. لكن
نفس (جائز
الأكل) هذا
يكون بعنوان
ثانوي غير
جائز الأكل،
إذا كان ـ
مثلاً ـ
ملكاً
للغير، وقد
سرق منه.
فالضأن هذا
يجوز أكل
لحمه من جهة
الحلية،
ولكن لا يجوز
أكل لحمه من
جهة حرمة أكل
لحم للغير
بلا رضاه،
وكذلك لحم
الخنزير،
الذي يحرم
أكله، وفي
وقت آخر يكون
حلالاً
أكله، عندما
يضطر إليه
الإنسان،
بحيث تتوقف
حياته على
أكله. ففي
هذه الحالة
لا يكون أكل
لحمه جائز
فقط، بل يكون
واجباً؛
فإذا لم يأكل
منه ومات
إنما يكون قد
ارتكب
حراماً.
وهناك أمثلة
أخرى كثيرة
لدينا. إننا
قد نتحدث عن
الفعل
أحياناً،
وقد نتحدث عن
الخصلة
أحياناً
أخرى. فوفق
رأي (هيگل) أو (سارتر)
أو غيرهما من
القائلين
بعدم وجود
معيار
للأخلاق غير
انتخاب
الإنسان
تكون
الأخلاق غير
انتخاب
الإنسان
تكون
الأخلاق
أمراً
نسبياً،
ولكن إذا
تركنا هذه
المناهج،
فإن الأخلاق
باعتبارها
خصلة، يمكن
اعتبارها
أمراً
ثابتاً. أما
الفعل
الأخلاقي
فليس كذلك. |