:الموضوع |
الشجاعة
والدفاع عن
الحق في
الإسلام
يوجد نوعان
من الدفاع: أحدهما
ـ دفاع عن
الحق
باعتباره
حقيقةً. وثانيهما
ـ دفاع عن
الحق
باعتباره
حقوقاً
إجتماعية. فعندما
تضاع تلك
الحقوق،
يأتي دور
الأمر
بالمعروف
والنهي عن
المنكر.
ومحاربة
المنكرات،
وإشاعة ما
يراه
الإسلام من
أمور حسنة. إن
أحد الأدلة
على كون
الشجاعة
باعتبارها
خلق لا يختص
بالرجل فقط،
هو هل: إن
الدفاع عن
الحق
باعتباره
حقيقة أو هل
إن الأمر
بالمعروف
والنهي عن
المنكر
يعتبر من
مختصات
الرجل؟ أم
إنها مما
يشترك فيه
الرجل
والمرأة؟ إن
أحد شروط
الأمر
بالمعروف
والنهي عن
المنكر هو
الشجاعة
والقدرة،
فإن الشخص
الجبان؛ لا
يمكنه أن
يقوم بهذه
المهمة.
والقرآن
الكريم لا
يخصص هذه
المهمة
بالرجل فقط (المؤمنون
والمؤمنات
بعضهم
أولياء بعض
يأمرون
بالمعروف
وينهون عن
المنكر) (التوبة:
71) فبعض
أولياء الله
أولياء بعض،
بعضهم يحمي
الآخر،
ولكنها
حماية على
أساس أصول
الإسلام لا
على أساس
الرغبات
الشخصية،
وبعضهم
مسؤول عن
البعض
الآخر، وهو
نفس المعنى
الوارد في
الحديث
الشريف "كلكم
راع وكل
مسؤول عن
رعيته". (1)
وقد قلنا
مراراً ـ كما
ذكرنا في
مقالة (الولاية
والتوالي) ـ:
إن الولي لا
يعني
الصديق، بل
الحامي
والمسؤول. إن
كلمة (ولي) قد
يستعمل
بصيغة إسم
الفاعل ـ أي
المسؤول،
وقد تستعمل
بصغية إسم
المفعول. وقد
تأتي على وزن
فعيل، وهي
بمعنى فاعل
أو مفعول (المؤمنون
والمؤمنات
بعضهم
أولياء بعض) وكل
ما جاء في
القرآن (بعض
وبعض) فيعني
عدم وجود فرق
بين
الطرفين،
وهي
كثيراًما
وردت في
القرآن
الكريم مثل (الرجال
قوامون على
النساء بما
فضل الله
بعضهم على
بعض) (النساء:
34) لقد رأيت
في المقال
الذي كتبه
السيد
الموسوي
الزنجاي
مسألة جيدة
جداً، حيث
قال: إن
القرآن
الكريم
عندما قال: (الرجال
قوامون على
النساء بما
فضل الله
بعضهم على
بعض) لم يقل
بما فضل الله
الرجال على
النساء، بل
إنه أراد
القول بما
يمتلكه
البعض من
مجموع
الفضائل،
التي يتميز
بها على
البعض الآخر
ـ أي الرجل
من جهة على
المرأة،
والمرأة من
جهة على
الرجل. فإن
كون الرجال
قوامون على
النساء أمر
كامل الصحة،
وربما يحتاج
إلى بيان
أكثر.
فالمؤمنون
والمؤمنات
بعضهم
أولياء بعض
يأمرون
بالمعروف
وينهون عن
المنكر. ففي
مجال الدفاع
عن الحقيقة
إذن لا يوجد
فرق بين
الرجل
والمرأة،
وأن كل دفاع
يشترط فيه
الشجاعة
والقدرة. الشجاعة
والدفاع عن
الحقوق
الاجتماعية في
الدفاع عن
الحق، بمعنى
الدفاع عن
الحقوق
الاجتماعية
التي من
الأصول
المسلمة في
الإسلام
وحسب قول
فقهائنا في
العمومات لا
يوجد إختصاص
بالرجل أو
المرأة (لا
يحب الله
الجهر
بالسوء من
القول إلا من
ظلم) (النساء:
148) فإن كلمة (مَنْ)
لا تختص
بالرجل أو
المرأة. أو
الآية
الكريمة
الأخرى
بخصوص الشعر
والشعراء
التي تقول: (والشعراء
يتبعهم
الغاوون ألم
تر أنهم في
كل واد
يهيمون
وأنهم
يقولون ما لا
يفعلون إلا
الذين آمنوا
وعملوا
الصالحات
وذكروا الله
كثيراً
وانتصروا من
بعد ما ظلموا).
(الشعراء:
224 ـ 227) فالقرآن لا يرضى بالشعر الذي هو مجرد نسج خيال. ووسيلة تخدير ولو لبني الإنسان، وإفساد لهم. والرسول (ص) يقول: "إن من الشعر لحكمة". (2) فالإسلام
لا يعارض
الكلام
المنظوم. فقد
تكون فيه
حكمة،
وعندها لا
يكون شعراً
بالمعنى
السابق. إن
القرآن
الكريم يذم
الشعراء
الذين كانوا
في ذلك
الزمان.
ويوجد في كل
العصور من
أمثالهم ـ
كما يوجد
بينهم عدد
قليل من مثل
إقبال
اللاهوري
شاعر ملتزم،
يوظف الشعر
لخدمة
أهدافه، ولا
يجعله فناً.
يستفيد منه
أينما شاء. إن
القرآن
الكريم يقول:
(ألم
تر أنهم في
كل واد
يهيمون) فيوماً
تراهم
يمدحون هذا،
وغداً
يهجونه،
ويتكلمون
هذا اليوم عن
هذا الموضوع
ويتكلمون
غداً عن ذلك
الموضوع.
يذمون هذا
الأمر مرة،
ويمدحونه
أخرى.
فيكونون
مظهراً
تاماً لعدم
الإلتزام (إلا
الذين آمنوا)
المؤمنون
الهادفون
الذين
يجعلون
شعرهم في
خدمة
أهدافهم
وكما يصطلح
عليه اليوم
الأدب
الملتزم،
والشعر
الملتزم،
وكذلك هو
القرآن
يعارض الشعر
إلا الملتزم
منه (إلا
الذين آمنوا
وعملوا
الصالحات
وانتصروا من
بعد ما ظلموا)
إلا الذين
ظلموا، وهم
مؤمنون،
ويريدون أن
ينصروا
بشعرهم أي
يحركون
الأمة ضد
الظالم
بشعرهم. فهنا
تعبير
القرآن
تعبير مطلق
عام لا يختص
بالرجل أو
المرأة،
وكذلك هي
عبارة أمير
المؤمنين (ع)
في قوله: "لا
يمنع الضيم
الذليل، ولا
يدرك الحق
إلا بالجد". (3)
إنها
حسب تعبير
الأصوليين
عموميات لا
تخصيص لها.
إنهم يقولون
كلاماً
جيداً
وجميلاً،
وهو: إن
كثيراً من
العمومات ـ
أي الكليات
قابلة
للاستثناء،
فيذكروا
قاعدة
معينةً، ثم
يأتوا
باستثناء
لها، ولكن
بعض
العمومات لا
استثناء لها
ـ أي إن
لهجتها
ومنطقها
وطريقة
بيانها تنطق
بأني لا أقبل
الاستثناء. إن
العمومات
التي وردت
هنا عمومات
لا تقبل
الاستثناء،
ولا تخصيص
لها. وأفضل
واسلم دليل
هو الحوادث
التاريخية
للزهراء (ع)
وزينب (ع) إن
قضية
الزهراء في
أحد جوانبها
ـ واقعاً ـ
عجيبة جداً،
فالزهراء مع
علي (ع) من جهة
نراهما
زوجين لا
يعيران أي
إهتمام
للثروة، بل
للدنيا وما
فيها، قال: "وما
أصنع بفدك
وغير فدك؟
والنفس
مظانها في غد
جدث". (4)
ماذا
يفعل بفدك من
انتصر على كل
بهارج
الدنيا؟
وماذا يصنع
بفدك من هو
كأنه يعيش
خارج هذا
العالم، إنه
رجل متحرر من
أبعاد
العالم، مثل
الثروة
والمال؟
وهذا يشير
إلى أنهما ـ
فعلاً ـ لم
يكونا
يعيران
إهتماماً
لفدك. ومن
جهة أخرى،
إننا نجد أن
مسلمات
التاريخ
الرواية
المعروفة
والتي
يرويها أهل
السنة أكثر
مما يرويها
أهل الشيعة،
وهي أن
الرسول (ص)
عندما مرض
مرض الوفاة،
كانت
الزهراء
تبكي بكثرة.
فدنت منه (ص)
فناجاها
فزاد
بكاؤها،
وناجاها
ثانية،
فتبسمت. وقد
سئلت بعد ذلك
عن هاتين
النجوتين،
فقالت ما
مفاده: إن
أبي أخبرني
في النجوى
الأولى أنه
راحل لا
محالة عن
الدنيا،
فبكيت
لفراقه. وفي
النجوى
الثانية قال
لي: ما أسرع
لحاقك بي
فتبسمت لذلك. إضافة
على ذلك أنها
كانت مريضة
راقدة على
الدوام على
فراش المرض،
وكان
واضحاًعندها
أن عمرها لن
يطول،
ولكنها رغم
ذلك كانت
تؤكد على
فدك، لا
باعتبارها
ثروة، لأنها
وفق هذا
الاعتبار لا
قيمة لها،
ولكن
باعتبارها
حق مغصوب يجب
أن يعاد إلى
أهله، ولهذا
قدمت إلى
المسجد مسجد
المدينة على
حشد من
نسائها،
وبحضور
الخليفة،
وخطبت تلك
الخطبة
الغراء
دفاعاً عن
حقها. فلماذا
لم تخف؟ هل
كان هذا
خلافاً
للتربية
الإسلامية؟
هل إن هذا
العمل لا
يناسب
المرأة؟ هل
من القبيح أن
تدخل المسجد
أمرأة بحضور
الآلاف من
الناس
وتدافع عن
حقها؟ كلا.
ليس هناك أي
قبح في هذا
العمل، بل هو
دفاع عن الحق
من قبل
الزهراء
التي لم تكن
تعير للدنيا
بما فهيا
أهمية
باعتبارها
مالاً وثروة
مادية
وشخصية
ووسيلة
للتلذذ
الفردي،
وبالأخص
عندما نعرف
أنها كانت
على يقين من
أن عمرها
مشرف على
الإنقضاء.
والإنسان
عندما يعرف
هذا الأمر
تنقطع كلياً
مطامعه
المادية من
الدنيا،
ولكنها
باعتبارها
حارسة للحق
ولا ينبغي
لها أن تضحي
بهذا الحق،
وتسحق
السنة،
أرادت أن
تبعث بهذا
الحق الروح
من جديد،
فجاءت بكل
شجاعة
تدافع، كما
كانت تذهب
إلى دار
الخليفة،
فتأخذ منه
الوقت،
والأمر بقوة.
ومرة أخرى
تحاول بطريق
ثانية مع
أمير
المؤمنين (ع)
في مسجد
المدينة.
وهكذا كانت
سبباً
لحوادث
عجيبة. وهكذا
الأمر
بالنسبة إلى
زينب (ع)،
فإذا كان
الجبن
للمرأة يعد
خلقاً
حسناً، كان
ينبغي أن
تكون زينب
أجبن من كل
النساء،
فتقبع في
زاوية
بيتها، ولا
تحرك ساكناً.
فهل أن أحداً
أرغمها على
الخطبة في
مدخل
الكوفة؟ وهل
تكون الخطبة
بالإكراه؟
ثم هل إن
أحداً
أكرهها
إكراهاً أن
تقف ذلك
الموقف في
مجلس ابن
زياد،
فتهينه، رغم
ما في هذا
العمل من
خطورة على
حياتها وعلى
حياة
أتباعها. وأكثر
من ذلك ما
فعلته في
مجلس يزيد
نفسه. ورغم
ما فيه من
أبهة، فإنه
يختلف عن
مجلس ابن
زياد. أولاً
ـ لأن يزيد
كان خليفة،
بينما ابن
زياد أحد
ولاته. وثانياً
ـ إن ابن
زياد كان في
الكوفة،
بينما يزيد
كان في الشام.
والشام لها
وضع خاص
باعتبارها
مجاورة
للقسطنطينية
آنذاك بحيث
أن معاوية،
ولهذا
العذر،
ولظهور شوكة
الإسلام
بمظهر مناسب
أمام
الأعداء،
فقد جعل
جهازه في
الشام
جهازاً
قيصرياً
وكسروياً،
وملكياً. (وهذا
ما ذكر من
قِبَلِ
المؤرخين) من
خلال ما بناه
من قصور
فخمة، ووضع
فيها من
الخدم
والحشم
والحرس، وما
وضع فيها من
تشريفات
للدخول،
وأثاث فخم
ونادر،
وأجلس فيها
السفراء
والأمراء،
فكان مجلساً
ذا أبهة
فخمة، ولكن
هذه المرأة
عندما دخلت
هذا القصر،
لم تؤثر
عليها كل هذه
المظاهر.
وخاطبت يزيد
بقولها: "وإن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك، واستكثير توبيخك، ولكن العيون عبرى والصدور حرى...". (5) فهل
تستطيع أن
تفعل هذا
إمرأة
خائفة، فعلى
الأقل كانت
بهذا العمل
قد عرضت
حياتها
للخطر،
ولكنها لم
تخف من هذا
الأمر،
فزادت بهذا
على عزتها
عزةً وعلى
شرفها شرفاً
بتلك
الشجاعة. إذن،
فالاختلاف
الذي يحصل،
إنما هو بسبب
الوضع الخاص
للمرأة، وفي
العمل لا في
الأخلاق
والشخصية،
فمن وجهة نظر
الشخصية
الأخلاقية
لا يوجد أ ي
فرق بين
المرأة
والرجل،
ونحن نعرف أن
الرجل أيضاً
إذا وضع في
ظرف معين
أميناً
للمجتمع،
وأراد أن
يحفظ هذه
الأمانة لا
يكون المقام
مقام عفو
وشجاعة أو
مقام عمل
بتواضع، بل
هو مقام أمين
وعمل بتكبر
واحتياط
وإمساك. وصلى
الله على
محمد وآله
الطاهرين. (فلولا
نفر من كل
فرقة منهم
طائفة
ليتفقهوا في
الدين). (التبوبة:
122) يوجد
كلام نسب
أخيراً
لمولى
المتقين،
وهو "لا
تؤدبوا
أولادكم
بأخلاقكم
لأنهم خلقوا
لزمان غير
زمانكم" أي
إنكم خلقتم
لزمان،
بينما خلق
أبناؤكم
لعصر آخر،
والأخلاق
التي
تتبعونها
تعتبر حسنة
بالنسبة إلى
عصركم، أما
أبناؤكم،
فيجب أن يكون
لهم حسن نسبة
إلى زمانهم. هنا
توجد نقطتان
ينبغي
بحثهما: الأولى
ـ هي هل أن
هذه العبارة
هي كلام علي (ع)
حقاً ـ أي ما
هو مصدرها؟
وما هو
سندها؟ أما
الثانية ـ
فهي هل أن
مفهومها
صحيح أم لا؟
بغض النظر
عمن هو
قائلها. أما
بالنسبة إلى
النقطة
الأولى ـ لحد
الآن لم يعثر
على هذه
الجملة
باعتبارها
من أقوال
عليّ (ع) ـ في
أي من كتب
الحديث،
التي هي محل
إعتماد، أو
هي غير محل
للإعتماد. أي
إنها ليست
موجودة في
نهج
البلاغة،
ولا في الكتب
الأربعة، بل
لا توجد حتى
في الكتب
التي كتبت
أخيرا،
وتروى، حتى
الأحاديث
الضعيفة مثل
بحار
الأنوار. إنها
جملة أشيعت
أخيراً ـ أي
قبل خمسين أو
ستين عاماً
باعتبارها
من كلام علي (ع)،
وإني قبل عدة
سنوات قد
رأيت في أحد
الكتب
التاريخية
القديمة،
وهو (ناسخ
التواريخ)
أثناء ذكره
لأحوال
أفلاطون
قوله: "لا
تؤدبوا
أولادكم
بأخلاقكم،
لأنهم خلقوا
لزمان غير
زمانكم". ومن
هنا عرفت أو
أول شخص نسب
هذا القول
لعلي (ع): إما
أن يكون
مشتبهاً، أو
يكون قد
قالها لغرض
معين، فلكي
يعطي ما أراد
قوله أهمية
أيده بهذه
الجملة،
ونسبها على
علي (ع) ـ رغم
علمه بأنها
ليست له،
لعلمه بأن
الكلام
المنسوب
لغير
المعصومين
لا أثر له
ككلامهم (ع). بناء
على هذا يبدو
لنا ان هذه
الجملة لم
تصدر عن علي (ع).
ولكني مع ذلك
لا أنفيها
بشكل قاطع،
لا،ه كما
يقول طلبة
العلوم
الدينية (عدم
الوجدان لا
يدل على عدم
الوجود) فما
يمكننا قوله:
إننا لا نملك
أي دليل يثبت
لنا أنها
صادرة عن علي
(ع). وبما
أننا لا نريد
أن نستغرق في
هذا المبحث،
لذا ننتقل
إلى المبحث
الآخر. وهو
هل أن مفهوم
هذه الجملة
بحدّ ذاته
صحيح أم لا؟ هناك
مسألة كانت
منذ القدم
مورداً
للبحث بين
الفلاسفة،
ولا زالت لحد
الآن، وهي
مسألة 0نسبية
الأخلاق) أي
إن الأخلاق
من الأمور
النسبية
بمعنى عدم
وجود خلق حسن
بشكل مطلق في
كل زمان
ومكان، كما
أنه لا يوجد
خلق رديء
بشكل مطلق في
كل زمان
ومكان. وإنما
يكون الخلق
حسناً ضمن
ظروفه
الزمانية
والمكانية
المعينة،
ويكون
رديئاً في
ظروف أخرى. هذا
هو ما يقصد
بنسبية
الأخلاق،
التي يوجد
الكثير ممن
يؤيدها. كما
أن هناك
موضوع آخر
يطرح في باب
العدالة
يسمى (نسبية
العدالة)
فالعدالة
الشيء الذي
يستحسنه كل
الناس، هل هي
مفهوم مطلق
أم نسبي؟ والمفهوم
المطلق يعني
أنه على
الدوام
عدالة وحسنة. ولعل
قصد قائل
جملة (لا
تؤدبوا
أولادكم
بأخلاقكم) هو
مفهوم نسبية
الأخلاق
فيكون
المعنى إن
خلقكم قد
يكون جيداً
ولكنه غير
صالح
لأبنائكم. إن
بحث نسبية
الأخلاق،
ونسبية
العدالة هو
ما سنتناوله
فيما بعد.
وما نريد
ذكره الآن هو
أن إدعاء
نسبية
الأخلاق
كذب، أي إنه
ليس كل ما
إسمه أخلاق
هو نسبي. وإن
هذه الجملة
يمكن أن يكون
لها معنى آخر.
وهو (لا
تؤدبوا) حيث
أننا نمتلك
سلسلة أمور
تسمى (آداباً)
كما نمتلك
سلسلة أمور
أخرى تسمى (أخلاقاً). فالأخلاق
شيء آخر غير
الآداب. فإذا
كان قصد
القائل (لا
تخلقوا
أولادكم
بأخلاقكم)
فقد أخطأ، بل
ربما يكون
معنى الجملة
هو (لا
تؤدبوا
أولادكم
بآدابكم). فإذن:
ينبغي أولاً
أن نعرف ما
هو الفرق بين
الأخلاق
والآداب؟ الأخلاق
مرتبطة بنفس
الإنسان، أي
مرتبطة
بالنظام
الذي يقوله
الإنسان
لغرائزه أي
لطبيعته؛
كيف يصنع
نفسه؟
فالنظام
الذي يوضع
للغرائز
يسمى
أخلاقاً. إن
الإنسان له
غرائز
مختلفة، وقد
ذكرها
العلماء منذ
القدم. إن
للإنسان
ثلاث قوى
رئيسة.
وأحياناً
أربع. 1
ـ القوة
العاقلة. 2
ـ القوة
الشهوية،
ولا يقصد بها
الشهوة
الجنسية فقط. 3
ـ القو
الغضبية. وهكذا
جدولوا هذه
القوى،
وقالوا: بأن
القوة
الشهوية
عملها جلب
المنفعة أي
تدفع
الإنسان
للسعي
باتجاه
تحقيق
منافعه. والقوى
الثانية هي
الغضبية،
ولا يعني به
الغضب
بالمعنى
الخاص. وهي
قوة دفع، حيث
تدفع
الإنسان
بشكل
أوتماتيكي ـ
تلقائي ـ لأن
يدفع عنه ما
يرى أنه مضر
له. وهكذا،
فكما أنه
يوجد في
الجسم قوة
دفع، فكذلك
يوجد فيه روح.
فالإنسان
عندما يأكل
الطعام
يمضغه في
فمه، ثم يصل
إلى المعدة،
وبعد هضمه
هناك يصل إلى
الأمعاء، ثم
يمتص هناك،
فيبقى بعض
الفضلات
التي لا تفيد
البدن، حيث
تدفع إلى
الخارج
بواسطة قوى
أخرى. وهكذا
الأمر
بالنسبة إلى
الروح. كما
أن هناك قوة
أخرى تسمى
القوة
العاقلة،
وهي قوة
منظمة، لأن
كل قوة من
القوى
السابقة لا
تهتم إلا
بعملها،
فشهوة الأكل
التي توجد
لدى الإنسان
لا يكون
عملها إلا
الأكل لا غير. فهي
تحس باللذة
فقط، تقول:
يجب أن آكل
فقط. والقوة
الجنسية لا
تفكر بشيء
غير أداء
العمل
الجنسي. وهكذا
الأمر
بالنسبة إلى
القوة
الغضبية. فهذه
القوى إذن
تحتاج إلى
مقنن،
وتحتاج إلى
من ينظم
عملها لأنك
إاذ أطلقت
العنان
لواحدة من
تلك القوىن
فإنها لا تجر
عليك غير
الخراب
والفساد ـ
مثلاً ـ
العين تستلذ
برؤية بعض
الأشياء. ولا
تفكر بشيء
آخر. اللسان
يقولك أنا
أستلذ بأكل
الطعام
الفلاني،
دعني أستلذ
به، بينما
هناك شيء آخر
يجب أن يؤخذ
بنظر
الاعتبار.
وهو لا ينبغي
لنا أن نحسب
حساب اللذة
فقط. وإنما
لابد أن نرى
ماذا ستعقب
هذه اللذة
على مجتمع
البدن
وشخصية
الإنسان،
فلابد من
منظم. والعقل
لابد أن
يمارس سلطته
في الحكم على
هذا البدن
وعلى شخصية
الإنسان،
ليعطي كل ذي
حقه حقه،
وهذا هو معنى
تنظيم
الغرائز. نعم
إن تنظيم
الغرائز،
يعني إعطاء
كل واحدة من
الغرائز
حقها تحت
سلطة العقل،
فلكل منها حق. وهكذا
ورد في
الأخبار: إن
لعينيك عليك
حق، وإن
لبدنك عليك
حق وإن لبطنك
عليك حق.
ولكل غرائزك
عليك حق. وهذه
هي واحدة من
مهمات
الدين،
فالعقل لا
يستطيع وحده
أن يحقق
أهدافها،
فالدين
بأحكامه
يعين لكل
واحدة حقها. هذا
ما نسميه نحن
بالأخلاق.
ولكن سوء
الخلق لا
ينحصر بحالة
إعطاء هذه
الغريزة
أكثر من حقها
أو إعطاء تلك
أقل من حقها،
بل إن إعطاء
أحدها أكثر
من استحقاقه
أو اقل منه
يوجد
مشكلات، كما
هو الحال
بالنسبة
للمجتمع
الذي هو مثال
للبدن، فإذا
ارتكب
اشتباه في
المجتمع،
بحيث أدى إلى
تمليك
مجموعة من
الناس كل
شيء، وحرمان
الأخرى من أي
شيء. فإن كلا
المجموعتين
ستفسد،
وستجران على
المجتمع
سلسلة من
المفاسد. فالضرر
الأول سيأتي
من أولئك
الذين أخذوا
أكثر من
حقهم، حيث
سيرون
أنفسهم
يشكلون
وجوداًَ
عاطلاً،
باطلاً. وإن
لم يكونوا هم
كذلك،
فسيكون
أبناؤهم
كذلك. إن مثل
هؤلاء
الأفراد، لا
يمكن أن
يستمروا
لأكثر من
ثلاث أو أربع
أجيال. أما
المشكلات
التي
سيوجدها
المحرومون،
فستنشأ من
رؤيتهم
لأنفسهم
أنهم يكدحون
ويكون نتيجة
كدحهم
لمصلحة
غيرهم. كيف
هو العداء
الذي سيحصل
نتيجة ذلك؟ ستتولد
الجرائم
وسيرتكب
القتل،
وسيتحد
هؤلاء
الأفرادن
ويثورون
وستسيل
الدماء،
سترى الخادم
في المنزل
يقتل عدة
أفراد. ومعلوم
لماذا؟ لأنه
يرى أن كل
أفراد
العائلة
يرفلون في
ترفٍ ودلال،
وضعوا يداً
بيد، وغرقوا
في شهواتهم. إنه
لاشك كان
ينزعج،
وكانت
الآلام
تتراكم في
نفسه إلى أن
تصل حالة
الإنفجار
كعلبة
بارود،
عندها
ستقرأون في
الصحف أن
خادماً يدعى
فلان قتل رب
العائلة
وزوجته، قتل
البنين
والبنات.
إنهم لم يخطر
ببالهم أن لا
يبطروا
معيشتهم
أمام عينيه. نفس
هذه القضية
تحدث لقوى
نفس الإنسان
أي إن
الإنسان إذا
أشبع بعض
القوى،
وأجاع البعض
الآخر، فإن
القوى
الجائعة
ستثور وتخرب
وجود ذلك
الإنسان. ولهذا،
فإن الإسلام
يأمر بأداء
حقوق كل
القوى،
ويخاطب
الإنسان،
ويقول له:
إنك عندما
تقول: إن لي
روحاص، ولي
جسماً، فإن
لكل منهما حق
عليك، إنك
تدعي بأن لك
غريزة
دينية، وحس
عبادي، ولك
شهوة أيضاً.
فالإسلام
يأمرك بأداء
حق كل منها،
لا أن تضحي
بواحدة من
أجل الأخرى. ولا
ينبغي أن
يخطر ببالك
أنك إذا
انقصت من حظ
الشهوات
النفسية
والجسمية
واتجهت
للعبادة فقط.
ستترك لك
القوى
مستقراً، بل
إنها ستتمرد.
إن البابوات
الرهبان
الذين قيدوا
أنفسهم،
ومنعوها من
الزواج، قد
حرموا بذلك
واحدة من
طبقات مجتمع
البدن من
حقها، بعد
ذلك أنظر ما
يسجل
التاريخ لهم
من جرائم في
هذا المجال،
فقد قيل عن (تزار)
(6)
بأنه ابن
غير شرعي
لأحد
البابوات،
فلا يصح
القول بأن
ذلك البابا
طالح، بل إن
طريقته كانت
خاطئة كتب في
إحدى الصحف
أنه لأسباب
سياسية فتشت
دار أحد
البابوات،
فوجد في
قبوها أحد
عشرة إمرأة،
في الوقت
الذي يفترض
بالقس أن
يكون حارماً
نفسه من
الزواج وفق
قانون
الكنيسة. نفس
هذا الحدث
يجري في بدن
الإنسان.
والأخلاق هي
تقسيم
الحقوق
وفقاً
لغرائز
الإنسان.
والآن نريد
أن نرى: هل أن
هذا التقسيم
يختلف
باختلاف
الزمان ـ أي
إن سهم العين
أو سهم البطن
أو سهم حب
الجاه
للإنسان غير
ثابت؟ وهل أن
هذا التوزيع
للسهام،
وتقسيم
العمل الذي
ينبغي أن
يكون في
البدن
قابلاً
للتغييرن
لكي نقول: (لا
تؤدبوا
أولادكم)؟ أي
إن جدول سهام
أبنائك يجب
أن يختلف عن
جدول سهامك؟ كلا،
إنها حصص
ثابتة في كل
زمان، لأن
الإنسان لم
يتغير، فلو
كان الإنسان
قبل مئة عام
يختلف عن
إنسان اليوم
من ناحية من
نواحي القوى
والغرائز،
فإن جدول
الحصص يجب أن
يختلف، ولكن
الإنسان من
هذه الناحية
ثابت لا
يتغير في كل
الأزمنة. ولكن
تبقى لدينا
مسألة أخرى،
وهي
مسألةالآداب،
والتي لا
ارتباط لها
بموضوع تقسم
سهام
الغرائز، بل
إنها مرتبطة
بحاجة اخرى
للإنسان،
غير المسألة
الأخلاقية.
وهي امور
إكتسابية
نسميها
الفنون ـ أي
إن الإنسان
محتاج إلى
سلسلة من
الفنون
والصنائع
عليه أن
يتعلمها ـ
مثلاً ـ
الإنسان
محتاج لأن
يتعلم الخط
والكتابة، (فالخط
جزء من
الآداب) أي
أن يقرأ
ويكتب، فقد
قال الرسول (ص):
"من
حقوق الولد
على الوالد
أن يحسن إسمه
ويعلمه
الكتابة
ويزوجه إذا
بلغ" فالكتابة
فن، وبعبارة
أخرى: واحدة
من الآداب
والفنون،
وكذلك
الخياطة
وركوب الخلل
والسباحة،
إن هذه
الآداب
تختلف
باختلاف
الزمان،
فالإنسان لا
ينبغي له أن
يؤدب أبناءه
بآدابه. فإذا
كان في زمانك
من مقتضيات
الآداب تعلم
الكتابة،
أما بعد ذلك،
فقد وجدت آلة
الطابعة
وآلة
الاستنساخ
إنك نفسك كنت
تعرف
الكتابة،
ولكنها في
الزمن
الآخر، لم
تعد كافية
لوحدها، بل
يجب تعلم
الضرب على
الآلة
الطابعة. في
زمانك كانت
الخيل وسيلة
الحمل
والنقل،
وكان عليك أن
تتعلم ركوب
الخيل، أما
الآن، فقد
طرحت مسألة
السياقة
للسيارات. في
زمانك لم يكن
لهذه الفنون
وجود، أما في
عصر أبنائك،
فلم يبق معنى
لركوب
الخيل،
وعليك أن
تعلمه
السياقة،
فلا ينبغي لك
العناد
والإصرار
على أن تعلم
ابناءك ما
كنت تعرفه
أنت. كلا (لا
تؤدبوا
أولادكم
بأخلاقكم،
لأنهم خلقوا
لزمان غير
زمانكم). فلربما
يقول شخص
مثلاً ـ
ونتيجة
للجهل
والجمود
الذي يخيم
عليه ـ: بما
أن عملي بيع
البقاليات
والبهارات،
فإن ابني ـ
أيضاً ـ يجب
أن يكون عمله
كذلك، لأني
لا أعتقد أنه
يمكن أن يجد
عملاً آخر
مثل هذا
العمل، فهو
خير من غيره
مئة مرة
لدينه
ودنياه. هذا
هو الجمود.
إن ذلك يعد
من الآداب. ولكن
هل أن
الأخلاق
تتبدل حسب
مقتضيات
العصر؟ كلا. وهل
أن مقتضيات
العصر تبدل
الآداب؟ نعم. إن
من جملة
الآداب
العادات
والأعراف
السائدة بين
الناس،
والتي لا يصح
أن نقول عنها
جيدة أو
رديئة، فكل
قوم لهم
عادات
وأعراف خاصة
بمناسبات
الأعراس ـ
مثلاً ـ وفي
مجالس
الضيافة
كذلك. هناك
جملة أخرى
جاءت في
الديوان
الذي ينسب
لأمير
المؤمنين (ع)،
وهي: (بني إذا
كنت في بلدة
غريبة فعاشر
بآدابها). فالحديث
هنا عن
الآداب،
فإذا ذهبت
مثلاً إلى
إحدى
الأماكن
فوجدتهم
يأكلون
الطعام
وقوفاً،
ينبغي لك أنت
أن تأكل
الطعام
وقوفاً
أيضاً. هنا
إذا أراد
أحدنا أن
يصنع وليمة،
فعليه أن
يأخذ بنظر
الاعتبار
مكان
الاستضافة
بحيث يتناسب
مع عدد
المدعوين. أما
عند العرب
فيختلف
الأمر، فقد
يدعو أحدهم
عدداً
كبيراً من
الناس وفي
بيت صغير،
فتأتي
مجموعة من
الناس تأكل
طعامها
وتنصرف، ثم
تأتي مجموعة
أخرى. وهكذا. أما في إيران فيجب أن يتجمع الضيوف، ويعطى لهم الطعام دفعة واحدةً. فنحن إذا ذهبنا إلى هناك يجب أن نعمل وفق آدابهم تلك، ولا ينبغي أن يكون أحدنا ضيق الأفق، ويقول: يجب أن أعمل وفق آدابنا التي تعارفنا عليها فقط. الهوامش: (1) الجامع الصغير: ص 95. (2) الغدير، ج2 ص9. (3) نهج البلاغة الخطبة 29. (4) نهج البلاغة الرسالة 45. (5) مقتل الحسين للمقرم: ص463. (6)
أحد أباطرة
الروس
الظلمة. |