الكلمة
الخامسة حقائق
مهمة للشباب
عن عالم
الغيب
وقضايا
الروح يستأثر
التفكير في
القضايا
الروحية
والغيبية
اهتمام
الكثير من
الناس، بل
يمكن القول
أنه ما من
أحد من الناس
إلا وجال
فكره وخاطره
في ما وراء
عالمنا
المادي هذا
من حقائق
وموجودات،
غاية الأمر
أن اشتغال
الإنسان
بتدبير أمور
حياته
ومعاشه
اليومي
يصرفه عن
إدامة النظر
وإطالة
التفكير في
ما هو غائب
عن حواسه
الخمس، ولكن
مع ذلك، فإن
هذا
الاشتغال
والتعلق
بالعالم
المادي
الدنيوي لم
يمنع كثيراً
من الناس من
محاولة
التعرف على
ما وراء
الغيب،
وربما يدفع
الإنسان إلى
هذه
المحاولة
الرغبة في
استكشاف
المجهول،
وهي رغبة تظل
تلح على
الإنسان
وتؤرقه
مادام
المجهول
مجهولاً
بالنسبة
إليه. وإذا
ما أردنا أن
نستكشف
العوامل
التي تحفز
الإنسان
المؤمن
بالغيب
والمعتقد
بوجود عالم
آخر وراء هذا
العالم
المادي
المحسوس
للاهتمام
بكل القضايا
الغيبية
والوجودات
الماوراء
طبيعية،
فإننا لن
نحتاج إلى
مزيد عناء
وتعب في
التعرف على
هذه العوامل
ووضع اليد
عليها، وذلك
لأننا سنعثر
بالإضافة
إلى العوامل
المشتركة
بين عموم
الناس على
عوامل خاصة
ينميها
ويأصلها نفس
المعتقد
الديني
للشخص
المؤمن
بعالم الغيب
وما وراء
الحس
والطبيعة،
إذ من
الملاحظ أن
كل الأديان
حتى التي
كانت من صنع
البشر
وابتداعهم ـ
باستثناء
المعتقدات
الإلحادية
التي كانت
تنكر وجود
الخالق
ووجود عالم
آخر غير
عالمنا
المادي هذا
وهي نادرة
تمثل حالات
استثنائية
من الشذوذ
العقلي
والفطري لا
يمكن
التعويل
عليها
والالتفات
إليها ـ كان
الإيمان
بالغيب
والغيبيات
يحتل مجالاً
واسعاً من
أفقها
الفكري
والعقيدي. إذن
الاهتمام
بالعنصر
الغيبي ـ
ونعني به ما
لا يدرك
بالحواس
الخمس ـ سواء
كان هو الله
جل جلاله، أم
الجن، أم
الملائكة
والأرواح،
أم الجنة
والنار، أم
غير ذلك من
الموجودات
الغيبية، لم
يكن وليد
فترة زمنية
معينة من
حياة
الإنسان
وتاريخه،
ولاسيما إذا
أضفنا إلى ما
تقدم الكثير
من الظواهر
الغيبية
التي كان
يشاهدها
الإنسان أو
يستشعر
تأثيراتها
من دون أن
يستطيع
العثور على
أسبابها
وعللها
الحقيقة،
كالسحر
والمعجزات
والحسد
والعين
والتخاطر من
بعد وخوارق
العادات،
وغيرها من
الظواهر
التي قد
ينكرها بعض
الناس ولا
يؤمنون بها،
ولكن كثيراً
من الناس ـ
إن لم يكن
أكثرهم ـ
يؤمنون بها
وبوقوعها،
أو على أقل
تقدير لا
يستبعد
إمكانية
وقوعها
وتحققها. فهذه
الظواهر
وتلك
الغيبيات
كانت دائماً
تشغل بال
الإنسان
وتسترعي
انتباهه،
وتدفعه
لمحاولة
التعرف
عليها من قرب
والتوصل إلى
مجاهيلها
وأسرارها
بطريق أو
آخر، وهذا
كان يدفع
عدداً غير
يسير من
الناس
للدخول في
ممارسات
عملية قد لا
تكون
مستقيمة
ومتزنة
تلبية
للرغبة
الجامحة
التي تثيرها
عند الإنسان
فكرة
الاتصال
بالمجهول
والارتباط
بالعالم
الغيبي. وفي
كلمتنا هذه
نحاول أن
نقدم
لشبابنا
المسلم بعض
الحقائق
والتصورات
المهمة عن
عالم الغيب
وقضايا
الروح،
مستهدفين من
ذلك رفع بعض
الغموض الذي
يلف القضايا
الغيبية
ويحولها إلى
قضايا
يتعامل معها
الكثير من
الناس من
موقع التخبط
والاهتزاز
الفكريين
والسلوكيين. وسنحاول
تقديم هذه
الحقائق
وتلك
التصورات من
خلال النقاط
الأربع
التالية: النقطة
الأولى:
ضرورة
الإيمان
بالغيب: من
السمات
البارزة
التي يذكرها
القرآن
الكريم
للمؤمنين هي
إيمانهم
الراسخ
بعالم الغيب
فيقول تعالى:
(الم
ذلك الكتاب
لا ريب فيه
هدى للمتقين
الذين
يؤمنون
بالغيب...). (البقرة:
1 ـ 3) ويقول
عز شأنه: (إنما
تنذر من اتبع
الذكر وخشى
الرحمن
بالغيب
فبشره
بمغفرة وأجر
كريم). (يس:
11) ويقول
سبحانه: (إن
الذين يخشون
ربهم بالغيب
لهم مغفرة
وأجر كبير). (الملك:
12) وتذكيرنا
بهذه
الحقيقة
يأتي من أجل
لفت النظر
والتنبيه
على أن
الإنسان
مادام في هذه
الدنيا فإنه
تبقى كثير من
الأمور
بالنسبة
إليه في نطاق
الغيب
ومجاله،
ومهما أوتي
الإنسان من
سعة علم
ومعرفة فإن
معرفته في
أكثر
الأحيان لا
تتعدى حدود
المعرفة
الظاهرية
والسطحية
للأشياء،
وهذا يستلزم
من الإنسان
أن لا يعجب
بما وصل إليه
من علوم
ومعارف، وأن
يعي كل الوعي
أن فوق كل ذي
علم عليم،
وهذه الأمور
هي التي
يذكرنا بها
القرآن
حينما يقول: (والله
يعلم وأنتم
لا تعلمون). (البقرة:
216) وحينما
يقول: (وفوق
كل ذي علم
عليم) (يوسف:
76)،
وحينما يقول (يعلمون
ظاهراً من
الحياة
الدنيا) (الروم:
7)،
وحينما يقول:
(وما
أوتيتم من
العلم إلا
قليلاً)
(الإسراء:
85)،
وحينما كرر
أكثر من مرة
قوله تعالى: (ولكن
أكثر الناس
لا يعلمون). (يوسف:
21) وهذه
الآيات
وغيرها
تدفعنا
لتفويض أمر
الغيب
والعلم به
بكل تفاصيله
إلى الله
لأنه (...
لا يعلم من
في السماوات
والأرض
والغيب إلا
الله) (النمل:
65)،
وقد أخبرنا
جل شأنه بأنه
لا يطلع أحدا
على الغيب
إلا من شاء
من رسول أو
نبي فقال: (وما
كان الله
ليطلعكم على
الغيب ولكن
الله يجتبي
من رسله من
يشاء). (آل
عمران: 179) ولذا
فإن عباد
الله
الصالحين
يرجعون
العلم
بالغيب إلى
الله، وهذا
ما يحكيه
القرآن
حينما يقول: (يوم
يجمع الله
الرسل فيقول
ماذا أجبتم
قالوا لا علم
لنا إنك أنت
علام الغيوب).
(المائدة:
109) وما
نريده من
إثارة هذه
الأمور
المتقدمة
والتي ربما
تكون معلومة
عند الكثير
منا هو تنبيه
شبابنا
المسلم على
ضرورة
التطلع إلى
الغيب وما
وراء عالم
المادة
والطبيعة
ولكن من موقع
الرغبة في
توثيق
العلاقة بين
العبد وربه،
لا من موقع
التفكير في
الاستئثار
بمعلومات
ومعارف
غيبية يشكل
العلم بها
امتيازاً
نفسياً
للإنسان
وذلك لأن
الإسلام لا
يعطي للعلم
قيمة مجردة
عن العمل،
وإنما العلم
يراد له أن
يكون مقدمة
للعمل
ووسيلة
لتحقق
الإنسان
بحقيقة
العبودية،
وكثيرون
أولئك الذين
حجبهم علمهم
عن الله
لأنهم لم
يعوا أن
العلم إنما
هو المنزل
الأول من
منازل
السلوك إلى
الله، وانه
لا ينبغي
للسالك إلى
الله التوقف
عنده
والاكتفاء
به بل يلزمه
تجاوزه إلى
منازل القرب
الأخر وفي
ذلك يقول
الإمام
الخميني (قده):
"فسالك طريق
الحقيقة
ومسافر سبيل
العبودية
إذا قطع هذا
المنزل
بالسلوك
العلمي وركب
مركب السير
الفكري يقع
في حجاب
العلم ويصل
إلى المقام
الأول
للإنسانية،
ولكن هذا
الحجاب من
الحجب
الغليظة وقد
قالوا: العلم
هو الحجاب
الأكبر،
ولابد
للسالك أن لا
يبقى في هذا
الحجاب وأن
يخرقه ولعله
إذا اقتنع
بهذا المقام
وسجن قلبه في
هذا القيد
يقع في
الاستدراج،
والاستدراج
في هذا
المقام هو
أني يشتغل
بالتفريعات
الكثيرة
العلمية
ويجول فكره
في هذا
الميدان،
فيقيم لهذا
المقصد
براهين
كثيرة فيحرم
من المنازل
الأخر
ويتعلق قلبه
بهذا المقام
ويغفل عن
النتيجة
المطلوبة
وهي الوصول
إلى الفناء
في الله
ويصرف عمره
في حجاب
البرهان
وشعبه وكلما
كثرت الفروع
يصير الحجاب
والاحتجاب
عن الحقيقة
أكثر. فللسالك
أن لا يغتر
بمكايد
الشيطان في
هذا المقام
ولا يحتجب
بكثرة العلم
وغزارته،
ولا بقوة
البرهان عن
الحق
والحقيقة
ويتأخر عن
السير في
الطلب وله أن
يشمر الذيل
بهمته، ولا
يغفل عن الجد
في طلب
المطلوب
الحقيقي حتى
ينال المقام
الثاني. وهو
أن كل ما
أدركه عقله
بقوة
البرهان
والسلوك
العلمي
يكتبه بقلم
العقل على
صحيفة قلبه
كي يوصل ذل
العبودية
وعز
الربوبية
إلى القلب
ويفرغ من
القيود
والحجب
العلمية". النقطة
الثانية:
حقيقة
العالم
الغيبي: أكثر
الناس تؤمن
بوجود عالم
غيبي يختلف
في خصائصه
ومميزاته عن
عالمنا
المادي الذي
نعيش فيه
ونشعر به
بالفعل،
ومنذ أن خلق
الله تعالى
الإنس0ان
خلقه بجنبة
روحية يتطلع
من خلالها
إلى
العالمين
الغيبي
والروحي،
وقد أشار
تعالى إلى
البعد
الروحي الذي
يتمتع به
الإنسان
حينما قال: (وبدأ
خلق الإنسان
من طين. ثم
جعل نسله من
سلالة من ماء
مهين. ثم
سواه ونفخ
فيه من روحه).
(السجدة:
7 ـ 9) ومن
خلال الجنبة
الروحية كان
الإنسان على
الدوام يسعى
للتعرف على
حقيقة
العالم
الغيبي الذي
يشعر
الإنسان بأن
روحه ونفسه
تنتميان
إليه
وتشتاقان
للارتباط
به، وقد كانت
مهمة
الأديان
السماوية هي
ربط الإنسان
بهذا العالم
وتوثيق
علاقته به من
خلال
الافصاح عن
بعض حقائق
هذا العالم
وموجوداته،
وربما وفق
البعض من
الناس
كالفلاسفة
والحكماء
الإلهيين من
خلال
قدراتهم
العقلية
المتميزة من
الوصول إلى
بعض الأمور
الغيبية
والتعرف على
حقيقتها،
ولكن مع ذلك
ظلت حاجة
الإنسان
شديدة إلى
الأديان
والرسالات
السماوية من
أجل وعي
وإدراك
حقيقة
العالم
الغيبي ولو
بنحو
الإجمال،
لأن الوعي
التفصيلي
بكل حقائق
عالم الغيب
ربما لا
يتيسر
للإنسان
مادام في هذه
الدنيا. ولئن
أكثر الناس
تعجز عن
إدارك حقيقة
العالم
الغيبي فإن
الشرائع قد
أمرتهم أن
يؤمنوا
إيماناً
إجمالياً
بالغيب، وأن
لا يسعوا
لتكلف
التعرف
والإحاطة
بما لا يمكن
لعقولهم
الإحاطة به
وإدراك
حقيقته،
ولذا حينما
سئل أمير
المؤمنين (ع)
عن القدر قال:
"طريق
مظلم فلا
تسلكوه،
وبحر عميق
فلا تلجوه،
وسر الله فلا
تتكلفوه". (نهج
البلاغة:
قصار الحكم،
رقم 278). ومما
ينبغي
الالتفات
إليه بصورة
أساسية أن
حقيقة
الحقائق وهو
الله سبحانه
وتعالى الذي
هو المقصد
الأصلي
للإنسان في
سيره
التكاملي
والروحي
مهما اقترب
الإنسان منه
وارتبط به
فإنه يظل
غيباً
بالنسبة
إليه، وليس
بإمكان أي
إنسان أن
يحيط بحقيقة
الذات
المقدسة،
وهذا المطلب
مقرر بصورة
واضحة وجلية
في نصوص
الشريعة
وكلمات
العرفاء وكم
هي جميلة
كلمة الإمام
السجاد (ع)
حينما يناجي
ربه قائلاً: "إلهي
قصرت الألسن
عن بلوغ
ثنائك كما
يليق
بجلالك،
وعجزت
العقول عن
إدراك كنه
جمالك،
وانحسرت
الأبصار دون
النظر إلى
سبحات وجهك،
ولم تجعل
للخلق طريقا
إلى معرفتك
إلا بالعجز
عن معرفتك". (الصحيفة
الكاملة
السجادية،
مناجات
العارفين). يوصينا
أمير
المؤمنين (ع)
بأن نرجع إلى
القرآن في
التعرف على
صفات الباري
سبحانه
وتعالى وأن
لا نتكلف ما
وراء ذلك، لا
لأنه لا يراد
لنا أن نعلم
بما وراء
ذلك، بلا
لأنه لا يوجد
شيء وراء ذلك
يمكن
لعقولنا أن
تصل إليه
وتطلع عليه،
فيقول (ع): "فأنظر
أيها السائل:
فما دلك
القرآن عليه
من صفته
فائتم به
واستضئ بنور
هدايته، وما
كلفك
الشيطان
علمه مما ليس
في الكتاب
عليك فرضه،
ولا في سنة
النبي (ص)
وائمة الهدى
أثره، فكل
علمه إلى
الله
سبحانه، فإن
ذلك منتهى حق
الله عليك،
واعلم ان
الراسخين في
العلم هم
الذين
أغناهم عن
اقتحام
السدد
المضروبة
دون الغيوب،
إلاقرار
بجملة ما
جهلوا
تفسيره من
الغيب
المحجوب،
فمدح الله
تعالى
اعترافهم
بالعجز عن
تناول ما لم
يحيطوا به
علماً، وسمى
تركهم
التعمق فيما
لم يكلفهم
البحث عن
كنهه
رسوخاً،
فاقتصر على
ذلك، ولا
تقدر عظمة
الله سبحانه
على قدر عقلك
فتكون من
الهالكين. هو
القادر الذي
إذا ارتمت
الأوهام
لتدرك منقطع
قدرته،
وحاول الفكر
المبرء من
خطرات
الوساوس أن
يقع عليه في
عميقات غيوب
ملكوته،
وتولهت
القلوب
إليه، لتجري
في كيفية
صفاته،
وغمضت مداخل
العقول في
حيث لا تبلغه
الصفات
لتناول علم
ذاته، ردعها
وهي تجوب
مهاوي سدف
الغيوب،
متخلصة إليه
ـ سبحانه ـ
فرجعت إذ
جبهت معترفة
بأنه لا ينال
بجور
الاعتساف
كنه معرفته،
ولا تخطر
ببال أولى
الرويات
خاطرةمن
تقدير جلاله
عزته". (نهج
البلاغة،
الخطبة 91). وبعد
أن وعينا هذه
الحقيقة
نريد أن نقدم
لشبابنا
المسلم بعض
الحقائق
الأساسية عن
عالم الغيب
بالمقدار
الذي يتناسب
والمستوى
الفكري
العام
لهؤلاء
الشباب، ولم
يكن
بإمكاننا أن
نتوسع
كثيراً في
بيان حقائق
عالم الغيب
لأن الكثير
من هذه
الحقائق
يتوقف فهمها
واستيعابها
على توفر
مقدمات
علمية
وعملية
للإنسان لا
يمكن
تحصيلها من
دون كثير
عناء وتعب،
ولذا فإن ما
سنقدمه لن
يتجاوز أن
يكون صورة
إجمالية عن
العالم
الغيبي،
نريد من
خلالها رفع
حالة الغموض
والارتباط
التي يعيشها
الشاب
المسلم في
تصوراته عن
عالم الغيب
وما وراء
الطبيعة. فنقول:
مما لا شك
فيه أن هناك
تقسيماً
أولياً
للوجود
يدركه كل
الناس
بعقولهم
البسيطة
والساذجة،
وهو تقسيم
الوجود أو
الموجودات
بالأحرى إلى
وجودات
مادية
نستشعرها
ونحسها
بحواسنا
الخمس،
ووجودات غير
مادية نؤمن
بها ولكننا
لا نحسها،
وأكثر الناس
تعتقد أن
العالم
الغيبي هو
وجود واحد
يقابل
العالم
المادي،
ولكن
الحقيقة
التي يهدينا
إليها الشرع
والدين
وتوصل إلهيا
العرفاء
الالهيون من
خلال
اتباعهم
للشرع
ومجاهدتهم
لأنفسهم هي
غير ذلك،
وذلك لأن
العالم
الغيبي هو
عالم ذو
مراتب تخفى
جميعها
علينا، وقد
اصطلح
العرفاء
الإسلاميون
ممن عنوا
بالجانب
الروحي في
الإسلام
واستطاعوأ
إدراك
الكثير من
حقائق عالم
الغيب على
التسميات
التالية
التي تبين
جميع مراتب
الوجود
وتنزلاته،
فقالوا: "فأول
العوالم في
الوجود
الخارجي هو
عالم العقول
والنفوس
المجردة
المسماة
بعالم
الجبروت، ثم
عالم المثال
المطلق الذي
لكل من
الموجودات
المجردة
وغير
المجردة فيه
صور مثالية
مدركة
بالحواس
الباطنة،
ويسمى بعالم
الملكوت، ثم
عالم الملك
الذي هو
العرش
والكرسي
والسماوات
والعناصر،
وما يتركب
منها.؟ وهذه
العوالم
الثالث صور
ما في العلم
الإلهي من
الأعيان
الثابتة
المسماة
بالماهيات
الممكنة،
والحقائق
وأمثالها،
وهي عالم
الغيب
المطلق
لاشتماله
على غيوب كل
ما في العالم. والإنسان
وإن كان من
حيث صورته
الظاهرة من
عالم الملك
لكن
لجامعيته
وكونه
مشتملاً على
كل ما في
العالم
الخارجي فهو
عالم آخر
برأسه،
فصارت
العوالم
الكلية
والحضرات
الأصلية
خمساً: عالم
الأعيان
الثابتة وهي
عالم الغيب
المطلق. عالم
الجبروت. عالم
الملكوت. عالم
الملك. عالم
الإنسان
الكامل". (رسائل
قيصري،
رسالة في
التوحيد
والنبوة
والولاية: 14 ـ
15). ولابد
من التنبيه
في هذا
المقام على
أن معرفة
الأمور
والأشياء
تارة تكون
بحدودها
وتارة
بإدراكها
على ما هي
عليه من خلال
انكشاف
حقيقتها
للإنسان
بصورة
مباشرة،
وحينما نريد
أن نوضح ذلك
بمثال فإنه
سيمكننا
تشبيه النوع
الأول من
المعرفة بمن
يستطيع ان
يحد الحلاوة
فيقول هي كذا
وكذا، وهذا
نوع معرفة
بالشيء،
والنوع
الثاني من
المعرفة
يمكن تشبيهه
بمن يعرف
الحلاوة
بتذوقها،
والنوع
الأول من
المعرفة
يسمى
بالمعرفة
العقلية
لأنها تستند
في معرفة
حقيقة
الأشياء إلى
العقل
والبرهان،
والنوع
الثاني من
المعرفة
يسمى
بالمعرفة
القلبية
لأنها تستند
في معرفة
حقيقة
الأشياء إلى
القلب
والعرفان،
ولكل نوع من
أنواع
المعرفتين
مناصرون
ومؤيدون،
واصطلح على
تسمية
مناصري
المعرفة
القلبية
والذوقية
بالاشراقيين
أو العرفاء. وفي
هذا المجال
توجد بحوث
معرفية
وفلسفية
مطولة في
ترجيح
المعرفة
العقلية
البرهانية
على المعرفة
القلبية
العرفانية
أو بالعكس،
وفي
الاشكالات
المعرفية
التي ترد على
كل نوع من
أنواع
المعرفتين،
والبحث في
هذه المسئلة
يعد من
البحوث
الفلسفية
المهمة التي
شغلت تفكير
الكثير من
الفلاسفة
والعرفاء،
ومازالت
المسئلة إلى
يومناهذا
محل أخذ ورد،
وقد بحثت
بعضاً مما
يرتبط
بالمسألة
مورد البحث
في كتابي "القيمة
المعرفية
للكشف
والشهود". وما
أردته من ذكر
هذا التنبيه
هو فقط
الإشارة إلى
أن معرفة
الحقائق
الغيبية على
وجهها
الصحيح
والتام قد لا
تتيسر
للإنسان
بمجرد البحث
العلمي
والتتبع
الفكري، بل
ربما يفتقر
إدراكها إلى
مجاهدات
نفسية
عملية، وذلك
لأن الإسلام
قد دلنا على
أن العلم
والعمل
يرتبط كل
منهما
بالآخرة
ويؤثر فيه
فالعلم يهدي
إلى العمل،
والعمل
بالعلم يفتح
للإنسان
أبواباً أخر
من العلم،
وهذا ما أكده
القرآن
حينما قال: (يا
أيها الذين
امنوا أن
تنفقوا الله
يجعل لكم
فرقانا) (الأنفال:
29) وحينما
قال: (يا
أيها الذين
آمنوا اتقوا
الله وامنوا
برسوله
يؤتكم كفلين
من رحمته
ويجعل لكم
نوراً تمشون
به ويغفر لكم
والله غفور
رحيم) (الحديد:
28)،
وحينما قال: (والذين
جاهدوا فينا
لنهدينهم
سبلنا وإن
الله لمع
المحسنين). (العنكبوت:
69) ومن
هنا نريد
التأكيد على
أن ما
استعرضناه
من حقائق عن
عالم الغيب
في هذه
النقطة وما
سنقوم
باستعراضه
في النقطة
القادمة من
حقائق
وتصورات
ترتبط بهذا
العالم
أيضاً قد لا
تتضح كل
الوضوح
للقارئ، وكل
ما نرجوه من
القارئ أن
يعي أن هناك
حقائق كثيرة
عن عالم
الغيب قد
يكون جاهلاً
بها ولم يسمع
عنها أبداً
مما يستدعي
منه أن يكون
دقيقاً في
رفض أو قبول
هذه الحقائق
أو
التصورات،
وأن يكون
اكثر دقة في
التعامل مع
القضايا
والأمور
الغيبية
التي لم يسمح
له الوقت
بتكوين تصور
معقول
وواقعي عن
حقيقتها
وكنهها،
لأننا نعي
تمام الوعي
أن التعامل
مع القضايا
الغيبية
والروحية من
دون استعداد
علمي وعملي
مسبقين عمل
له خطورته
الكبيرة على
ذات الشخص
وعلى
الآخرين ممن
يرتبطون به،
وهذا ما
سنقوم
ببيانه في
النقطة
الرابعة من
هذه الكلمة. وما
قدمناه من
تصوير عن
عالم الغيب
وتعدد
وجوداته
وتنزلاته
فيما مر وسبق
هو نتاج
أفكار
العرفاء
الإسلاميين،
وهناك تصوير
آخر حاول
العلماء
الطبيعيون
من خلاله
تقديم بعض
الحقائق عن
العالم
الغيبي،
وأكثر هذه
الحقائق
ينسجم ولا
يتعارض مع
الحقائق
التي استطاع
عرفاء
الإسلام
التوصل
إليها
واكتشافها
في هذا
المجال،
ومنذ بدايات
القرن
العشرين
الميلادي
توجهت أنظار
الكثير من
العلماء في
أوربا
وأمريكا
والاتحاد
السوفيتي
السابق إلى
البحث في
القضايا
الروحية
والغيبية،
وتوصلوا من
خلال بحوثهم
التجريبية
والمختبرية
إلى نتائج
مهمة في
المجالين
الروحي
والغيبي
يمكننا
اعتبارها
أوليات
البحوث
الروحية
والغيبية
التي أهتم
بها أشد
الاهتمام في
الوسط
الإسلام علم
العرفان. ويقوم
التصوير
الذي يقدمه
العلماء
المحدثون عن
العوالم
الغيبية على
الاعتقاد
بانقسام
العالم إلى
عالمين: عالم
فيزيقي وهو
العالم
المادي الذي
نحسه ونشعر
به وندرك
موجوداته،
وعالم أثيري
هو بمثابة
العالم
الغيبي الذي
لا نحسه ولا
نشعر به ولا
ندرك
موجوداته
إلا من خلال
تأثيراته
التي تنعكس
في بعض
الأحيان على
عالمنا
المادي
الفيزيقي. وفي
مقام بيان
وشرح بعض
حقائق
الإنسان
الغيبية
يقول جيمس
آرثر فند لاي
ـ وهو ممن
توصلوا إلى
نتائج مهمة
وجيدة في
البحث
الروحي ـ في
كتابه "على
حافة العالم
الأثيري": "إن
الإنسان
مكون من جسم
ونفس وروح،
فالجسم ما
نراه،
والنفس هي
العقل،
والروح هي
الجسم
الأثيري
الذي يطابق
في الشكل
الجسم
الفيزيقي
وهي التي
تجعل هذا
الجسم
الفيزيقي
يتماسك، وما
الموت إلا
انفصال
الجسم
الأثيري عن
الجسم
المادي،
ويحمل هذا
الجسم
الأثيري معه
العقل او
النفس،
وعندئذ ننظر
إلى الكون من
وجهة النظر
الأثيرية لا
وجية النظر
المادية،
ويصبح
العالم
المادي
أمراً
تافهاً لا
يعتد به. أما
الأثيري ـ
وهو ما نسميه
نحن الفضاء ـ
فليس إلا
مادة حقيقية
في صيغة أكثر
تخلخلاً،
وهو العالم
الحقيقي
الذي يعتد
به، وهو ما
عرفنا عن
تكوينه كون
مستقر ثابت،
في حين أن
الكون
المادي دائب
التغير سائر
إلى
الانحلال،
ولا يوجد في
الكون
الأثيري أي
أثر
للانحلال،
بل إن كل شيء
فيه ثابت
منتظم. أما
عقل الإنسان
فشيء فوق
الأثيري،
ولا يستطيع
أي إنسان وهو
في جسمه
الفيزيقي أن
يشرح العقل
ويفسره،
ولكنه لابد
أن يكون
شيئاً فوق
الأثيري
لأنه يعمل
بعد الموت،
فهو الذي
يرشد الجسم
الأثيري
ويضبطه". (على
حافة العالم
الأثيري:
فندلاي 25 ـ 26). وعن
الجسم
الأثيري
يقول فندلاي:
"والجسم
الأثيري هو
الذي يحفظ
كيان الجسم
المادي فوق
الأرض، ومن
الجائز أن
يكون لكل شيء
في الوجود
جسم أثيري،
ولن يتغير
العقل
بالموت
ولكنه يؤدي
وظائفه في
أوساط أخرى
مغايرة". (على
حافة العالم
الأثيري:
فندلاي 25 ـ 26). ورغم
ما توصل إليه
فندلاي من
حقائق عن
عالم الغيب
والروح فإنه
كان يقول عن
الحياة: "والحياة
شيء آخر غير
المادة
الفيزيقية،
وهي من خصائص
العالم
الأثيري،
أما لماذا أو
متى امتزجت
بالمادة
الفيزيقية
فأمر لا
نعرفه". (على
حافة العالم
الأثيري:
فندلاي25 ـ 26). وهذه
هي بعض ملامح
العالم
الغيبي وهي
لا تعدو أن
تكون مجرد
تصورات
أولية عن
حقيقة
العالم
الغيبي
وموجوداته،
وإلا فإن
حقائق هذا
العالم لا
تنفذ ولا
تتناهى ولا
يمكن
الاحاطة بها
واستعراضها
في كتاب بل
ولا في كتب
كثيرة، ولقد
صدق تبارك
وتعالى
حينما قال: (ويسئلونك
عن الروح قل
الروح من أمر
ربي وما
أوتيتم من
العلم إلا
قليلاً). (الإسراء:
85) النقطة
الثالثة:
حقيقة
الاتصال
بالعالم
الغيبي
وصوره: بعد
ان تبين لنا
في النقطة
السابقة
وجود العالم
الغيبي وبعض
حقائقه
الأولية
فإنه يهمنا
في هذه
النقطة
الحديث
بصورة
إجمالية
أيضاً عن
حقيقة
الاتصال
بالعالم
الغيبي
وموجوداته
وصور هذا
الاتصال
وأشكاله.
والحديث عن
هذا الأمر
حديث له
أهمية خاصة
لأننا نشعر
أن الكثير من
الناس
يحملون
تصورات
مشوهة
ومغلوطة عن
كيفية
الاتصال
بالعالم
الغيبي وقبل
ذلك عن حقيقة
الارتباط
بهذا العالم
وإمكانية
ذلك وعدمه. وقبل
بيان صور
وأشكال
اتصال
الإنسان
بالعالم
الغيبي
وموجوداته
نريد أن نقدم
المقدمة
التالية وهي:
أن كل إنسان
موحد يؤمن
بالله
ورسالاته
لابد وأن
يعتقد
بإمكانية
ارتباط
الإنسان
بالغيب ولو
في حالات
مخصوصة وعند
أفراد
مخصوصة من
الناس، وعلى
هذا الأساس
يؤمن هذا
الإنسان
بدعوات
الأنبياء
والرسل (ع)
لأنها لا
تتأتى
للأنبياء
والرسل (ع)
إلا من خلال
ارتباطهم
بالله
سبحانه
وتعالى
ونزول الوحي
عليهم
بواسطة
الملائكة أو
القذف في
القلب أو بأي
واسطة أخرى،
ومن خلال
هؤلاء الرسل
والأنبياء (ع)
يوصل الله عز
شأنه أوامره
ونواهيه إلى
عامة الناس،
وليس من
الممكن ولا
بمقدور أي
إنسان ان
يكلمه الله
بصورة
مباشرة
ويوحي إليه
ما يشاء، لأن
الارتباط
بالله
وتبليغ
أحكامه إلى
الناس مهمة
ثقيلة لا
يتوفر على
شرائطها إلا
القليل من
الناس،
ولذلك فإن
الله سبحانه
يقول: (وما
كان لبشر أن
يكلمه الله
إلا وحياً أو
من وراء حجاب
أو يرسل
رسولاً
فيوحي بإذنه
ما يشاء إنه
علي حكيم). (الشورى:
51) والاتصال
بالله
سبحانه
وتعالى
وبعالم
الغيب عن
طريق النبوة
والرسالة هو
الطريق
الوحيد الذي
يطمئن
الإنسان من
خلاله إلى
صحة وواقعية
ما يصل إليه
من عالم
الغيب وما
وراء
المادة،
وذلك لأن
الحفظ
والصيانة من
الخطأ
والاشتباه
أمران
مضمونان في
هذا النوع من
الارتباط
بالعالم
الغيبي،
وهذا ما
نلمحه من
خلال تأكيد
القرآن
الكريم على
مقتضيات
العصمة
والحفظ في
مبدء ومنتهى
وواسطة هذا
الارتباط
الغيبي بين
الله تعالى
وأنبيائه
ورسله (ع).
فالوحي ينزل
من الله جل
جلاله والله
لا يقول إلا
الحق ولا
يهدي إلا إلى
الصراط
المستقيم (قل
الله يهدي
للحق) (يونس:
35)، (ذلك
بأن الله هو
الحق)
(الحج:
6)، (والله
يقول الحق
وهو يهدي
السبيل). (الأحزاب:
4) وواسطة
هذا الاتصال
هو الملك
الذين ينزل
على الرسل
والأنبياء (ع)
بالوحي من
السماء، وقد
وصف الله
تعالى
ملائكته
بأنهم (لا
يعصون الله
ما أمرهم
ويفعلون ما
يؤمرون) (التحريم:
6) ووصف الملك
الذي ينزل
على خاتم
الأنبياء
والرسل (ص)
بالوحي
والقرآن
بالأمين
فقال: (وإنه
لتنزيل رب
العالمين *
نزل به الروح
الأمين). (الشعراء:
192 ـ 193) ومنتهى
هذا الاتصال
الغيبي هو
النبي أو
الرسول الذي
يتلقى الوحي
من الله
بواسطة
الملائكة،
ومن يتلقى
الوحي من
الله ويبعثه
الله
بالنبوة
والرسالة لا
يمكن أن يكذب
أو أن يحرف
الكلام، وهو
ما يثيره
القرآن
الكريم في
العديد من
آياته كقوله
تعالى: (ما
ضل صاحبكم
وما غوى وما
ينطق عن
الهوى إن هو
إلا وحي يوحى)
(النجم:
2 ـ 4)،
وقوله
سبحانه: (إنه
لقول رسول
كريم وما هو
بقول شاعر
قليلاً ما
تؤمنون ولا
بقول كاهن
قليلاً ما
تذكرون
تنزيل من رب
العالمين
ولو تقول
علينا بعض
الأقاويل
لأخذنا منه
باليمين ثم
لقطعنا منه
الوتين فما
منكم من أحد
عنه حاجزين) (الحاقة:
40 ـ 47) وكقوله
تعالى على
لسان نبيه
موسى (ع): (إني
رسول من رب
العالمين
حقيق على أن
لا اقول على
الله إلا
الحق). (الأعراف:
104 ـ 105) وعلى
هذا الأساس
فإن جميع
تنزلات
الوحي على
الأنبياء
والرسل (ع)
تكون بالحق،
قال تعالى: (وبالحق
أنزلناه
وبالحق نزل) (الإسراء:
105)
وقال
سبحانه: (ذلك
بأن الله نزل
الكتاب
بالحق ) (البقرة:
176)،
وقال عز شأنه
في شأن كل
الأنبياء
الذين أوحى
إليهم: (كان
الناس أمة
واحدة فبعث
الله
النبيين
مبشرين
ومنذرين
وأنزل معهم
الكتاب
بالحق ليحكم
بين الناس
فيما
اختلفوا فيه).
(البقرة:
213) ومن
المهم أن
نشير في ختام
حديثنا عن
الوحي إلى أن
الوحي في
المصطلح
القرآني لا
يختص
بالأنبياء
والرسل (ع)،
بل هو على
أنواع
وأشكال
ومراتب وما
يختص
بالأنبياء
والرسل (ع) هو
المرتبة
العالية من
الوحي التي
تستلزم حمل
رسالة إلهية
أو دعوة
ربانية إلى
الناس، وعدم
اختصاص
الوحي
بالأنبياء
والرسل (ع)
دلت عليه
الكثير من
آيات القرآن
الكريم
كقوله تعالى:
(وأوحى
ربك إلى
النحل أن
اتخذي من
الجبال
بيوتاً ومن
الشجر ومما
يعرشون) (النحل:
68)، وقوله
تعالى: (وأوحينا
إلى أم موسى
أن ارضعيه). (القصص:
7) هذا
ما أردنا
بيانه
بالنسبة إلى
الطريق
الأول من
طريق
الاتصال
بالغيب وأما
الطرق
الأخرى
للاتصال
بعالم الغيب
والارتباط
بما وراء
الطبيعة فإن
الحديث عنها
يطول
وسنحاول
تقديم بعض
الحقائق
والتصورات
عنها ضمن
الخلاصة
التالية: يعتقد
جل الفلاسفة
والعرفاء من
الإسلاميين
وغيرهم
بوجود عوالم
غيبية يمكن
للإنسان
الارتقاء
إليها
والتوصل إلى
اكتشاف
حقائقها
بطريق أو
آخر، وأهم
تلك العوالم
هو عالم
المثال، وهو
عالم بين
عالم
الأجسام
وعالم
الأرواح
المجردة "فهو
من حيث أنه
غير مادي
شبيه بعالم
الأرواح،
ومن حيث أنه
ذو صورة وشكل
ومقدار شبيه
بعالم
الأجسام". (رسائل
قيصري،
رسالة
التوحيد
والنبوة
والولاية 17). وهذا
العالم توجد
فيه حقائق
الأشياء
والموجودات
وصورها
المثالية
ويمكن
للإنسان من
خلال تجريد
نفسه أن يتصل
بهذا العالم
وأن يتعرف
على ما فيه
من حقائق
وصور، "وجميع
أرباب
المكاشفة
أكثر ما
يكاشفون
الأمور
الغيبية
يكون في هذا
العالم وفيه
يتجسد
الأعمال
والافعال
الإنسانية
الحسنة
والقبيحة كل
بما يناسبها.
ولكل إنسان
فيه نصيب وهو
القوة
الخيالية
التي فيها
يرى
المنامات". (رسائل
قيصري،
رسالة
التوحيد
والنبوة
والولاية 18). وسنتحدث
بعد قليل عن
حقيقة
المكاشفة
التي يدعي
أهل العرفان
أنها طريق من
طرق تحصيل
المعارف
الغيبية
والإلهية.
وما يلزم
التنبيه
عليه إن
الإنسان
حينما يتجرد
وتسمو نفسه
إلى الاتصال
بالعالم
العلوي فإن
أول ما يتعرف
عليه من
عوالم الغيب
هو هذا
العالم
المثالي،
وفي ذلك يقول
القيصري أحد
أبرز علماء
العرفان: "وأول
ما ينفتح
للإنسان عند
غيبته من هذا
العالم
الجسماني
هذا العالم
المثالي،
وفيه يشاهد
أحوال
العباد بحسن
صفاء
الباطن،
وقوة
الاستعداد.
فإن من يشاهد
أمراً يقع
بعد سنة أقوى
استعداداً
ممن يشاهد ما
يقع دون تلك
المدة. وكل
ما يشاهد في
الخيال
المقيد قد لا
يكون
محتاجاً إلى
التعبير وهو
القليل
والأكثر ما
يحتاج إليه،
وذلك لأن
المعاني إذا
ظهرت بالصور
إنما يظهر
فيها بحكم
المناسبة
بينها وبين
ما يظهر فيها
من الصور،
فلابد أن
يعبر الرائي
أو من يعبر
له من تلك
الصور إلى
المعنى
الظاهر فيها.
وقد يكون
أضغاث أحلام
لا يلتفت
إليه لسوء
مزاج
الدماغ،
لذلك يصيب
بعض
المنامات
ويخطأ بعضها".
(رسائل
قيصري،
رسالة
التوحيد
والنبوة
والولاية 18). وبعد
أن أدركنا
وجود هذا
العالم
وحقيقته
فإنه سيتضح
لنا ان اتصال
الإنسان
بعالم الغيب
يعني قدرته
على الاطلاع
على ما في
العوالم
الغيبية
وبالأخص
عالم الثال
من صور
ومعلومات،
ولا ينبغي
الاعتقاد
بأن اطلاع
الإنسان على
ما في عالم
المثال من
صور وحقائق
ينحصر في
طريقة واحدة
وأسلوب
معين، بل من
المقرر بين
علماء
العرفان ـ
وهم أكثر من
اهتم وعنى
بمثل هذه
المسائل ـ ان
تحصيل
القدرة على
الاطلاع على
عالم الغيب
يمكن من خلال
عدة طرق،
والبعض من
هذه الطرق
ربما لا يكون
مكتسباً
أصلاً،
وإنما تتدخل
بعض العوامل
الوراثية
والبيئية في
وجوده
وحصوله عند
البعض من
الناس، وعلى
هذا الأساس
فقد قسم
العرفاء
الكشف والذي
يعني اطلاع
الإنسان على
ما وراء هذا
العالم
المادي من
حقائق
ومعلومات
وصور إلى
قسمين: الأول:
الكشف
الحقيقي
المعنوي،
وهو يعني
ظهور
المعاني
العينية
والحقائق
الغيبية،
وهو يحصل
بسبب تزكية
النفس
ومجاهدتها
بالمجاهدات
الشرعية. الثاني:
الكشف
الصوري غير
الحقيقي،
وهو يعني
اطلاع
الإنسان على
المغيبات
المختصة
بالخلق،
بالإضافة
إلى اطلاعه
على ما في
عالم المثال
عن طريق
الحواس
الخمس. وهذا
النوع من
الكشف يحصل
بعوامل
ثلاثة: الأول:
المجاهدات
الشرعية
والتي تعني
تهذيب
الإنسان
نفسه
وتطهيرها من
أوساخ
التعلق
بالمادة
وانقطاعه
إلى الحق جل
وعلا. الثاني:
المجاهدات
غير الشرعية
كما يفعله
بعض أصحاب
الرياضات
النفسية
والبدنية من
أتباع
الأديان
والمذاهب
الباطلة من
كثرة الجوع
وقلة النوم،
فإن لهذه
المجاهدات
تأثيراً على
نفسية
الإنسان ولو
كانت من غير
طريق شرعي.
وفي ذلك يقول
بعض العرفاء:
"وأما فراسة
أهل الرياضة
بالجوع
والخلوة
وتصفية
البواطن من
غير وصلة إلى
جانب الحق،
فلهم فراسة
كشف الصور
والأخبار
بالمغيبات
المختصة
بالخلق، فهم
لا يخبرون
الا عن
الخلق،
لأنهم
محجوبون عن
الحق". (حيدر
الآملي: جامع
الأسرار
ومنبع
الأنوار 468). الثالث:
ما يحصل بسبب
خاصية معينة
تكون في
النفس ترجع
إما لعامل
وراثي أو
لوقت
الولادة
ومكانها أو
لوضع البلد
والبيئة
الجغرافية.
وقد اهتم علك
"الباراسيكولوجيا"
في عصرنا
الحديث
باكتشاف هذه
الخاصية
التي تتمتع
بها بعض
النفوس
البشرية
ودراسة
الظواهر
الخارقة
للعادة التي
تتولد من
وجود هذه
الخاصية عند
البعض من
الناس. ويهمنا
قبل الدخول
في بيان صور
الكشفين
الصوري
والمعنوي ان
ننبه شبابنا
المسلم على
أمر مهم
للغاية وهو
ان حصول
الكشف
لإنسان ما لا
يعني في تمام
الأحوال
استقامة هذا
الإنسان
واتباعه
للشرع،
لأننا قد
بينا أن
الكشف
الصوري
والذي يعني
في بعض
جوانبه
اطلاع
الإنسان على
أسرار الناس
وقضاياهم
الخاصة قد
يحصل في بعض
الأحيان من
خلال طرق غير
شرعية،
والمشكلة
الكبرى
هاهنا أن
المخادعين
وقطاع
الطريق إلى
الله ممن
تحصل لهم هذه
المكاشفات
الصورية،
يستغلون هذه
المكاشفات
لأغراضهم
الدنيوية
الخبيثة
ويخدعون
عامة الناس
بأنهم أصحاب
مقامات وقرب
من الله،
والناس
لجهلها بهذه
الأمور
والحقائق
تحسن الظن
بهم وتعتقد
أنهم في
الواقع
كذلك، وربما
أعرضوا عن
أصحاب الكشف
المعنوي من
العلماء
والعرفاء
الذين لا
يرجون إلا
الله ولا
يخشون أحداً
سواه لأنهم
لا يخبرونهم
عن مغيباتهم
واسرارهم
الخاصة، ولم
يعلموا أن
العرفاء
الحقيقيين
الذين لا
يبتغون من
وراء سعيهم
ومجاهدتهم
لأنفسهم على
الوصول إلى
الحق جل
جلاله
يعتبرون
التفات
الإنسان إلى
الكشف
الصوري
واشتغاله
بالاطلاع
على أسرار
الخلق من
الحجب التي
تحجب
الإنسان عن
الوصول إلى
الحق. وهذا
ما يذكرنا به
بعض العرفاء
حينما يقول: "ولما
كان العالم ـ
أي عامة
الناس ـ
أكثرهم أهل
انقطاع عن
الله
واشتغال
بالدنيا،
مالت قلوبهم
إلى أهل
الكشف
الصوري
والأخبار
عما غاب من
أحوال
المخلوقات
فعظموهم
واعتقدوا
أنهم هم أهل
الله
وخاصته،
وأعرضوا عن
أهل الكشف
الحقيقي،
واتهموهم
فيما يخبرون
به عن الله،
وقالوا: لو
كان هؤلاء
أهل الحق،
كما يزعمون،
لاخبرونا عن
أحوالنا
وأحوال
المخلوقات،
وإذا كانوا
لا يقدرون
على كشف
أحوال
المخلوقات،
فكيف يقدرون
على كشف أمور
أعلى من هذه،
فكذبوهم
بهذا القياس
الفاسد،
وعميت عليهم
الأنباء
الصحيحة. ولم
يعلموا أن
الله تعالى
قد حمي هؤلاء
عن ملاحظة
أهل الخلق
وخصهم به،
وشغلهم عما
سواه، حماية
لهم وغيرة
عليهم. ولو
كانوا ممن
يتعرضون إلى
أحوال
الخلق، لما
صلحوا للحق،
فأهل الحق لا
يصلحون
للخلق، كما
أن أهل الخلق
لا يصلحون
للحق". (حيدر
الآملي: جامع
الأسرار
ومنبع
الأنوار 469). وأما
بالنسبة إلى
صور الكشفين
الصوري
والمعنوي
فإنها
كالتالي: أولاً:
صور الكشف
الصوري: يذكر
العارف
الكبير
السيد حيدر
الآملي في
كتابه "جامع
الأسرار
ومنبع
الأنوار"
صور الكشف
الصوري
فيقول بعد
تقسيمه
الكشف إلى
معنوي وصوري:
"وأعني
بالصوري ما
يحصل في عالم
المثال من
طريق الحواس
الخمس، وذلك
أما أن يكون
على طريق
المشاهدة،
كرؤية
المكاشفة
صور الأرواح
المتجسدة
والأرواح
الروحانية
وأما أن يكون
على طريق
السماع،
كسماع النبي
الوحي
النازل
منظوماً أو
مثل صلصلة
الجرس أو دوي
النحل كما
جاء في
الحديث
الشريف. فإنه
(ع) كان يسمع
ذلك ويفهم
المراد منه.
أو يكون
الكشف على
سبيل
الاستنشاق
وهو التنسم
بالنفحات
الالهية
والتنشق
بفوحات
الربوبية.
قال (ع): إن لله
تعالى في
أيام دهركم
نفحات: ألا
فتعرضوا لها.
وقال: إني
لأجد نفس
الرحمن من
جانب اليمن. أو
يكون الكشف
عن سبيل
الملامسة،
وهي الاتصال
بين النورين
أو بين
الجسدين
المثاليين". (حيدر
الآملي: جامع
الأسرار
ومنبع
الأنوار 462). وبعد
أن يستعرض
الآملي صور
الكشف
الصوري هذه
يوجه
أنظارنا إلى
أنواع الكشف
الصوري من
حيث تعلقها
أو عدم
تعلقها
بالحوادث
الدنيوية
وكيف تصير
هذه
المكاشفات
حجاباً لبعض
الناس
يحجبهم عن
رؤية جمال
الحق
والاخلاص في
الارتباط
بالله
سبحانه
وتعالى،
فيقول: "وأنواع
الكشف
الصوري إما
أن تتعلق
بالحوادث
الدنيوية
أولاً. فإن
كانت متعلقة
بها سميت
رهبانية
لاطلاعهم ـ
أي أصحابها ـ
على
المغيبات
الدنيوية
بحسب
رياضتهم.
وأهل
السلوك،
لعدم توقف
همهم
العالية في
الأمور
الدنيوية،
لا يلتفتون
إلى هذا
القسم من
الكشف
لصرفها عن
الأمور
الأخورية
وأحوالها،
ويعدونه من
قبيل
الاستدراج
والمكر
بالعبد، بل
كثير منهم لا
يلتفتون إلى
القسم
الأخروي
أيضاً، وهم
الذين جعلوا
مقاصدهم
الفناء في
الله
والبقاء به.
والعارف
المحقق
لعلمه بالله
ومراتبه
وظهوره في
مظاهر
الدنيا
والآخرة،
واقف معه
أبداً ولا
يرى غيره،
ويرى جميع
ذلك تجليات
إلهية،
فينزل كلاً
منها
منزلته، فلا
يكون ذلك
النوع أيضاً
من الكشف
استدراجاً
في حقه، لأنه
حال
المبعدين
الذين
يقنعون من
الحق بذلك،
ويجعلون ذلك
سبب حصول
الجاه
والمنصب في
الدنيا. وهو
تعالى منزه
في الحقيقة
من القرب
والبعد
المثبتين
للغيرية
مطلقاً. وإن
لم تكن أنواع
الكشف
الصوري
متعلقة بها ـ
أي بالحوادث
الدنيوية ـ،
بأن كانت
المكاشفات
في الأمور
الحقيقية
الأخروية
والحقايق
الروحانية
من الأرواح
العالية
والملائكة
السماوية
والأرضية،
فهي مطلوبة
معتبرة". (حيدر
الآملي: جامع
الأسرار
ومنبع
الأنوار 465 ـ 466). ثانياً:
صور الكشف
المعنوي: بعد
أن يعرف
الآملي
الكشف
المعنوي
بأنه "ظهور
المعاني
العينية
والحقايق
الغيبية" (حيدر
الآملي: جامع
الأسرار
ومنبع
الأنوار 469). يشرع في
بيان صوره
ومراتبه
فيقول: "وله
أيضاً مراتب.
أولها ظهور
المعاني في
القوة
المفكرة من
غير استعمال
المقدمات
وترتيب
القياسات،
بل بأن ينتقل
الذهن من
المطالب إلى
مباديها،
ويسمى
بالحدس. ثم
ظهور
المعاني في
القوة
العاقلة
المستعملة
للمفكرة،
وهي قوة
روحانية غير
حالة في
الجسم،
ويسمى
بالنور
القدس،
والحدس من
لوامع
أنوارها،
وذلك لأن
القوة
المفكرة
جسمانية،
فتصير
حجاباً
للنور
الكاشف عن
المعاني
الغيبية،
فهي أدنى
مراتب
الكشف،
ولذلك قيل:
الفتح على
قسمين فتح في
النفس، وهي
يعطي العلم
التام نقلاً
وعقلاً. وفتح
في الروح،
وهو يعطي
المعرفة
وجوداً، لا
عقلاً ولا
نقلاً. ثم
ظهور
المعاني في
مرتبة
القلب، وقد
يسمى ظهورها
بالالهام في
هذا المقام،
إن كان
الظاهر معنى
من المعاني
الغيبية، لا
حقيقة من
الحقايق، أو
روحاً من
الأوراح
المجردة، أو
عيناً من
الأعيان
الثابتة لأن
تجلي هذه
الأشياء في
هذا الموطن
يسمى مشاهدة
قلبية. ثم
ظهور
المعاني في
مرتبة
الروح،
وينعت
ظهورها
بالشهود
الروحي، وهو
بمثابة
الشمس
المنورة
لسماوات
مراتب الروح
وأراضي
مراتب الجسد.
فهو ـ أي
المكاشف في
مرتبة الروح
ـ بذاته آخذ
من الله
العليم
المعاني
الغيبية من
غير واسطة
على قدر
استعداده
الأصلي،
ويفيض على ما
تحته من
القلب وقواه
الروحانية
والجسمانية،
إن كان من
الكمل
والأقطاب،
وإن لم يكن
منهم، فهو
آخذ من الله
بواسطة
القطب على
قدر
استعداده
وقربه منه،
أو بواسطة
الأرواح
التي هي تحت
حكمه من
عالمي
الجبروت
والملكوت. ثم
ظهور
المعاني في
مرتبة السر،
ثم ظهورها في
مرتبة الخفى
بحسب
مقاميهما،
وظهور
المعاني في
هذه المرتبة
لا يمكن إليه
الإشارة ولا
تقدر على
إعرابه
العبارة،
كما قيل:
الحقيقة كشف
سبحات
الجلال من
غير إشارة،
وإذا صار هذا
لمعنى
مقاماً أو
ملكة
للسالك،
أتصل علمه
بعلم الحق
اتصال الفرع
بالأصل،
فحصل له أعلى
المقامات من
الكشف". (حيدر
الآملي: جامع
الأسرار
ومنبع
الأنوار 469 ـ 471). وهذه
المعاني
التي يذكرها
العرفاء في
بيان وإيضاح
حقيقة الكشف
ذكر ما
يماثلها
ويشابهها في
الكثير من
التفاصيل
والجزئيات
بعض من
اهتموا
بدراسة
وتتبع
الظواهر
الروحية
والغيبية،
ولاسيما تلك
الحالات
التي حدثت
لبعض من
أصيبوا
بالغيبوبة
والموت
المؤقت ثم
عادوا إلى
الحياة
ليقصوا على
الناس ما
شاهدوه في
أثناء
غيبوبتهم أو
موتهم
المؤقت، ومن
العجيب أن
تتفق تلك
المشاهدات
التي شاهدها
هؤلاء البعض
مع تصورات
العرفاء عن
عالم الغيب
وما يتمتع به
من خصائص
ومميزات،
ويحكي
الدكتور
ريمون مودي
في كتابه: "أضواء
حول الحياة
بعد الحياة"
بعض هذه
التجارب
فيقول: "لقد
أكد لي
العديد من
الأشخاص
أنهم في لحظة
معينة من
تجربتهم،
كانوا
يشعرون بأن
لديهم نظراً
بعيد المدى
يرون به
واقعاً
مختلفاً
تماماً، حيث
فيه كل
المعارف ـ
المتعلقة
بالماضي
والحاضر
والمستقبل ـ
تجتمع كلها
في حالة لا
زمنية (حالة
انعدام
الزمن).
فبالنسبة
لبعض
الأشخاص،
كان يتجلى
ذلك في لحظة
ضياء، كانوا
يبلغون
خلالها، كما
يبدو لهم،
المعرفة
الشاملة،
وإذا ما
حاولوا وصف
هذا الجانب
من حادثتهم،
كانوا
يجتمعون على
وصفه بأنه لا
يمكن
التعبير عنه.
وقد اعترف
الجميع،
كذلك، بأن
هذه المعرفة
المطلقة
كانت تتلاشى
في لحظة
عودتهم إلى
الحياة
الدنيوية،
ولا يبقى
لديهم من هذا
العلم بكل
شيء، أي شعور".
(ريمون
مودي: أضواء
حول الحياة
بعد الحياة 29). وحينما
يسأل
الدكتور
مودي أمرأة
أصيبت بحالة
موت مؤقت عن
مشاهداتها
في هذه
الحالة عبر
السؤال
التالي: بأي
شكل تمثلت لك
تلك
المعرفة؟ هل
بشكلها
العملي أو
بالصور؟ فإنها
كانت تجيب
قائلة: "بكل
الاشكال
الممكنة: من
صور،
واصوات،
وأفكار. لقد
كانت أي شيء،
وكل شيء، كما
أنه لم يبق
شيء غير
معروف. كل
المعرفة
كانت هناك،
ليست فقط في
هذه أوجهها،
بل كلها". (ريمون
مودي: أضواء
حول الحياة
بعد الحياة 31). ويحكي
عن رجل شاب
ما رآه في
ذلك العالم
الغيبي
فيقول: "والمرء
في ذلك
العالم
يتنسم
المعرفة... (مثلما
يشم النسمات
لتدخل إلى
جسمه) فيعرف
بها على حين
غرة (فجأة) كل
الأجوبة...
وهذا يحدث
كما لو أن
المرء يركز
انتباهه على
ناحية ما من
هذا العلم،
وفي لمحة،
تتدفق
المعرفة من
تلك الناحية
بصورة
ذاتية،
وكأنه يستمع
إلى عشرة
دروس معاً
ذات قراءة
سريعة". (ريمون
مودي: أضواء
حول الحياة
بعد الحياة 33). ويحدثه
رجل في
الأربعين من
عمره أصيب
بتوقف في
القلب
قائلاً: "ثم
رأيت نفسي
وسط منظر
ريفي تمر به
الجداول،
وفيه
الأشجار
والجال
العالة. ولكن
عند ما نظرت
حولي ـ إن صح
القول ـ لم
تكن أشجاراً
حقاً، حتى
ولا شيء مما
أعرفه بل إن
الذي بدا لي
كان أكثر
غرابة كان
يوجدا أناس،
ليسوا
بمظهرهم
المادي
والجسدي:
الناس كانوا
موجودين،
وهذا كل ما
هنالك". (ريمون
مودي: أضواء
حول الحياة
بعد الحياة 34). وفي
ختام هذه
النقطة لابد
من الإشارة
إلى أنه توجد
طرق أخرى
عروفة
للاتصال
بالعالم
الغيبي
والاطلاع
على بعض
المغيبات
كاستحضار
الأرواح
والجان
والكهانة
وغيرها،
وللإسلام
موقف صريح
تجاه
التعامل معه
هذه الطرق لا
يمكننا
التغافل عنه
في علاقتنا
مع الغيب
والمغيبات،
وهذا الموقف
يهدينا إلى
أن الاتصال
بالغيب
والاطلاع
على الأسرار
والمغيبات
لا ينبغي أن
يجعل غاية
يتجاوز من
خلالها على
حدود
الشريعة
ومقررات
الدين،
ويشعر الفرد
من خلالها
بالتعالي
والامتياز
على
الآخرين،
بالإضافة
إلى كون هذه
الطرق كطريق
الكشف قد
تخطأ في بعض
مطياتها
ونتائجها
مما لا يبرر
الاعتماد
المطلق
علهيا في
التوصل إلى
الحقيقة
التي ينبغي
للإنسان أن
ينشدها في
علاقته
وارتباطه
بعالم الغيب.
وهذا ما
سنقوم
ببيانه في
النقطة
التالية. النقطة
الرابعة:
مخاطر
الاتصال
بالعالم
الغيبي: قد
يتصور
الكثير من
الناس أن
مسألة
الارتباط
بالعالم
الغيبي
وقدرة البعض
على التعرف
على أسراره
واكتشافها
ولو كان هذا
البعض نبياً
أو رسولاً،
مجرد مسألة
تفضيل
واختصاص من
قبل الله
سبحانه
وتعالى، من
دون أن تكون
هناك مبررات
أخرى جعلت
الله جل وعلا
يختص هذا
البعض من
الناس دون
غيرهم
بإطلاعهم
على الغيب
وتعريفهم
بحقائق
العالم
الآخر. ولكن
الصحيح إن
المسألة
خلاف ذلك
تماماً، لأن
الله سبحانه
وتعالى وإن
كان له الحق
المطلق في
اختيار من
يشاء من
عباده لجعله
نبياً أو
رسولاً أو
ولياً
صالحاً يخبر
الناس عما
غاب وخفى
عنهم من
أسرار
وحقائق عالم
الغيب، إلا
أن الله إنما
يختار من
عباده لهذه
المهمة من
علم منه
الأمانة
والصدق
والإخلاص في
تأدية
رسالته عنه
إلى الناس،
وهذا ما
نلمحه من
اطلاق
تأكيده
تعالى على أن
يؤتيه الله
الكتاب
والحكم
والنبوة
يمتنع عليه
أن يسير
الناس في
اتجاه مغاير
لإرادة الله
ومشيئته،
وفي ذلك يقول
تعالى: (ما
كان لبشر أن
يؤتيه الله
الكتاب
والحكم
والنبوة ثم
يقول للناس
كونوا
عباداً لي من
دون الله
ولكن كونوا
ربانيين بما
كنتم تعلمون
الكتاب وبما
كنتم تدرسون).
(آل
عمران: 79). ونفس
هذا المعنى
نلحظه في
قوله تعالى
لنبيه عيسى (ع):
(وإذ
قال الله يا
عيسى بن مريم
أأنت قلت
للناس
اتخذوني
وأمي إلهين
من دون الله
قال سبحانك
ما يكون لي
أن أقول ما
ليس لي بحق
إن كنت قلته
فقد علمته
تعلم ما في
نفسي ولا
أعلم ما في
نفسك إنك أنت
علام الغيوب).
(المائدة:
116) ويؤكد
عيسى (ع) على
أنه لم يقل
للناس إلا ما
أمره الله به
حينما يقول: (ما
قلت لهم إلا
ما أمرتني به
أن اعبدوا
الله ربي
وربكم وكنت
عليهم
شهيداً
مادمت فيهم
فلما
توفيتني كنت
أنت الرقيب
عليهم وأنت
على كل شيء
شهيد). (المائدة:
117) وعلى
هذا الأساس
نعي أن مسألة
الارتباط
بالغيب
مسألة لها
خطورتها
الكبيرة
التي تجعل
منها مهمة
ثقيلة لا
ينهض بحمل
أعبائها
وتحمل
مسؤوليتها
إلا القليل
من الناس ممن
توفرت فيهم
مؤهلات خاصة
جعلت منهم
أناساً
قادرين على
القيام
بدورهم
المطلوب في
ربط الإنسان
بخالقه
وبعالم
الغيب من دون
أدنى تقصير
أو إخلال
بالواجب. ولقد
سعى علماء
العرفان إلى
بيان
المخاطر
التي يمكن أن
تقع للإنسان
في اتصاله
بعالم الغيب
عبر طريق
الكشف
والمشاهدة،
مع تأكيدهم
المسبق
بإمكانية
اتصال
الإنسان
بعالم الغيب
من خلال هذا
الطريق الذي
يتأتى
للإنسان من
خلال تزكية
النفس
ومجاهدتها
بآداب
الشريعة
ورسومها،
بخلاف من
أنكر
إمكانية هذا
الأمر ورأى
في مكاشفات
العرفاء
ومشاهداتهم
جنوحاً إلى
الخيال
وضرباً من
الوهم،
وسيأتينا
الحديث
مفصلاً عن
العرفان
وطريقة
العرفاء في
تحصيل
المعرفة في
بعض الكلمات
القادمة. وعلى
كل حال فقد
أدرك
العرفاء
إمكانية
الاشتباه
والخطأ في ما
يتوصل إليه
أصحاب
المكاشفات
من نتائج
معرفية عبر
اتصالهم
الروحي
بعالم
الغيب، ومن
هنا بدأ
العرفاء
يؤكدون على
قيود معينة
لا يمكن
لمكاشفة
العارف أن
تتجاوزها أو
أن تحاول
اسقاطها،
وأهم تلك
القيود أن لا
تخالف
المكاشفة
الشريعة في
مقرراتها
وأحكامها،
ومن هنا قال
العرفاء: "إن
الشريعة
مقدمة على
الحقيقة".
وأكدوا في
عدة مقامات
على ضرورة
اتباع
الأنبياء
والرسل (ع)
فيما جاءوا
به عن الله
تعالى، وفي
ذلك يقول
القيصري: "فالاهتداء
إليه تعالى
اما باخباره
تعالى عن
ذاته وصفاته
وأسمائه، أو
بتجليه
لعباده
واشهاده
نفسه لهم "وجل
جناب الحق عن
أن يكون
شريعة لكل
وارد، أو
يطلع عليه
إلا واحد بعد
واحد" فهم
الأنبياء (ع)
الذين هم
خلاصة خاصة
أهل الوجود
والشهود،
فواجب لطالب
الحق
اتباعهم
والاهتداء
به. قال
تعالى: (قل
إن كنتم
تحبون الله
فاتبعوني
يحببكم الله)
وبقدر
متابعته
للأنبياء
والأولياء ـ
(ع) ـ يظهر له
الأنوار
الإلهية
والأسرار
الربانية". (رسالة
التوحيد
والنبوة
والولاية 21). وبعد
أني فرق
الآملي في "جامع
الأسرار
ومنبع
الأنوار"
بين الإلهام
الخاص
والإلهام
العام، وما
يكون منه
بسبب وما لا
يكون بسبب،
يصرح بضرورة
الحاجة إلى
النبي
المرسل
والإمام
المعصوم (ع)
في التمييز
بين الإلهام
الحقيقي
وغير
الحقيقي
فيقول: "والتمييز
بين هذين
الإلهامين
محتاج إلى
ميزان كلمة
ومحك رباني،
وهو نظر
الكامل
المحقق
والإمام
المعصوم
والنبي
المرسل،
المطلع على
بواطن
الأشياء على
ما هي عليه،
واستعدادات
الموجودات
وحقايقها. ولهذا
احتجنا بعد
الأنبياء
والرسل (ع)
إلى الإمام
المرشد،
لقوله تعالى:
(فسئلوا
أهل الذكر أن
كنتم لا
تعلمون) لأن
كل واحد ليس
له قوة
التمييز بين
الإلهاميين
الحقيقي
وغير
الحقيقي،
وبين الخاطر
الإلهي
والخاطر
الشيطاني،
وغير ذلك". (جامع
الاسراء
ومنبع
الانوار 455 ـ 456). أضف
إلى ذلك أن
العرفاء طال
ما نبهوا على
ضرورة
وأهمية كون
الإنسان في
بداية سلوكه
إلى الله تحت
نظر المرشد
الخبير الذي
يكشف له عما
يمكن أن
يلتبس عليه
في أثناء
مجاهدته
لنفسه. وخلاصة
ما نريد قوله
في ختام هذه
النقطة وهده
الكلمة
أيضاً أن على
شبابنا
المسلم أن
يكون دقيقاً
في إرتباطه
بعالم الغيب
وتعامله مع
مسائل
الروح، وأن
يعي تمام
الوعي انه
مهما بالغ في
العبادة
والتقرب من
الله فإن
هناك
الشيطان
اللعين الذي
يسعى لصده عن
سبيل الله
بكل وسيلة
وألف حيلة
وأن عليه أن
يستعين كل
الاستعانة
بالله
سبحانه
وتعالى في
جميع مراحل
جهاده مع
النفس
الأمارة
بالسوء، وإن
يسأل الله عز
شأنه أن
يبصره ما
يكايد به
الشيطان
ويلهمه ما
يعدو له، كما
يقول زين
العابدين
وسيد
الساجدين (ع)
في دعائه عند
ذكر الشيطان
والاستعاذة
منه: "اللهم
وما سول لنا
من باطل
فعرفناه،
وإاذ
عرفتناه
فقناه،
وبصرنا ما
نكايده به،
وألهمنا ما
نعده له،
وأيقظنا عن
سنة الغفلة
بالركون
إليه، وأحسن
بتوفيقك
عوننا عليه،
الله واشرب
قلوبنا
انكار عمله،
والطف لنا في
نقض حيله". (الصحيفة
الكاملة
السجادية،
الدعاء
السابع عشر). |
|