الكلمة
الأولى تحليل دوافع النزوع الروحي عند الشباب وبيان
حد
الاعتدالالذي
لا يصح للشاب
تجاوزه مما
لا ينبغي
التأكيد
عليه هو
القول بأن
الإنسان منذ
اللحظة
الأولى التي
يعي فيها
عالم الحياة
ويبدأ
بالتفاعل مع
ما يحيط به
من أشياء
وموجودات
يستثيره كل
الاستثارة
التعرف على
عالم الغيب،
وبعبارة
أخرى: التعرف
على غير ما
يبصره
ويسمعه
ويدركه
بصورة
مباشرة. وهذا
النزوع
لمعرفة ما
وراء عالم
الطبيعة
والحس يتعمق
بصورة أكبر
وشكل أوسع في
نفسية الفرد
الذي ينشأ
وينمو في
بيئة دينية
متمسكة
بمفاهيم
الدين
وأعرافه،
وإن كان
الواقع يثبت
ان النزوع
الروحي يولد
مع كل إنسان
وهو مغروس في
فطرته، غاية
الامر أن
هناك عوامل
ذاتية
وموضوعية
تؤثر في
تنميته
وتوجيهه، أو
تؤثر في
تخفيف حدته
وحرفه عن
وجهته. وهناك
بعض النفوس
التي تمتاز
بدرجة عالية
من الرغبة في
التعرف على
ما وراء
الطبيعة
والظواهر
والارتباط
بعالم الغيب
بصورة
مباشرة، ولا
يهمنا البحث
في الدوافع
الخاصة التي
تدفع بعض
النفوس
البشرية
للتفاعل
والتعامل مع
القضايا
الغيبية
بمستوى يفوق
المستوى
المتعارف
بين عامة
الناس في
الإهتمام
بالقضايا
الغيبية،
ولكن ما نريد
قوله هو أن
الإنسان
كلما إزداد
تمسكه
بالدين
وتعلقه به
كلما ازداد
تعلقه بعالم
الغيب وما
وراء الحسن،
وربما أثرت
بعض الأمور
والأحداث
التي يمرد
بها الفرد
ولاسيما
الشاب في رفع
حدة التفاعل
بينه وبين
عالم الغيب،
ولاسيما
حينما تترك
الأحداث
آثاراً
نفسية قوية
في شخصية
الفرد
وقرارة
نفسه، وربما
يقدر لهذه
الآثار أن
تتحول في
الكثير من
الأحيان إلى
أزمات نفسية
تترك
اختلالات
واهتزازات
واسعة في
تفكير الفرد
وشعوره
وسلوكه،
وهذه
الأزمات
النفسية
تولد عند
الإنسان
ولاسيما
المتدين
إحساساً
مضاعفاً
بضرورة
الإلتجاء
إلى عالم
الغيب
والاستنجاد
به في حل هذه
الأزمات
النفسية
والروحية أو
على أقل
تقدير
التخفيف من
حدتها،
ولجوء
الإنسان إلى
الله في
أوقات
الأزمات
والصعاب أمر
مشاهد حتى في
سلوك من لا
يعتقد بالله
ولايؤمن به،
وهذا ما
يؤكده
القرآن
الكريم في
العديد من
آياته،
كقوله تعالى: (وإذا
مس الإنسان
الضر دعانا
لجنبه أو
قاعداً أو
قائماً) (يونس:
12). وقوله
تعالى: (وإذا
مس الناس ضر
دعوا ربهم
منيبين إليه)
(الروم:
33). إلى
غيرها من
الآيات التي
تشير إلى هذه
الحقيقة،
والتي
تعطينا
انطباعاً
عاماً بأن
الإنسان من
شأنه حينما
يبتلى
بالمشاكل
والتعقيدات
اللجوء إلى
خالقه وربه،
يبث إليه
همومه
وآلامه،
ويستعين به
على الثبات
في وجه تلك
المشاكل
والتعقيدات. ومن
المؤكد أن
هذا الشعور
بالرغبة في
الارتباط
بالمطلق جل
شأنه
والالتصاق
بعالم الغيب
يقوى عند
الإنسان
المتدين
الذي يجد في
نفس الدين
حثاً أكيداً
على تأصيل
هذا
الارتباط
بين الخالق
والمخلوق
وبين العبد
وربه، وليس
من الضروري
أن يعكس هذا
الشعور رغبة
خفيفة في
الفرار من
عالم الواقع
إلى عالم
الخيال، كما
يحلو للبعض
أن يفسر
الأمر بهذه
الطريقة،
لأن عالم
الغيب وما
وراء الحس
والطبيعة
غيب بالنسبة
لنا وخيار
ووهم للذين
في قلوبهم
مرض وزيغ،
وأما
بالنسبة إلى
الواقع
والحقيقة
المطلقة لا
النسبية هو
عالم واقعي
وجودي بتمام
معنى
الواقعية
والموجودية
وحينما نريد
البحث في
الدوافع
والبواعث
التي تأصل
النزعة
الروحية عند
الشاب
المسلم
فإننا سنجد
أمامنا
دوافع
وبواعث عامة
تؤسس لها
حضوراً
فعالاً في
كيان أكثر
الشباب
المتدين،
وسنجد أيضاً
دوافع
وبواعث خاصة
توجدها
وتنميها
الظروف
والملابسات
الخاصة التي
تتكتنف
الشاب
المسلم في
بعض مقاطع
حياته
ومسيرته. والخطوة
تنشأ في واقع
الأمر في
النوع
الثاني من
الدوافع
والبواعث
التي يراد من
خلالها
تأكيد
وترسيخ حالة
النزوع
الروحي عند
الشاب
المسلم،
لأننا نرى
غالبية
الشباب
المسلم
المتدين
والملتزم
يزاولون
العديد من
مظاهر
الارتباط
الروحي في كل
يوم وليلة
وربما
بمستوى يفوق
المستوى
المطلوب كحد
واجب لا يجوز
الاخلال به
والتخلف
عنه، ولكننا
مع ذلك لا
نرى أن هذا
المستوى
الواجب أو
المستحب من
الارتباط
الروحي يفرز
مظاهر مرضية
أو سليبة في
تفكير الفرد
العقلي، أو
في مشاعره
وأحاسيسه
النفسية، أو
في سلوكه
العملي
الفردي
والاجتماعي. إذن
الخطورة لا
تكمن في
النوع الأول
من الدوافع
والبواعث
العامة التي
تربط
الإنسان
بخالقه
وربه، وإنما
الخطر كل
الخطر يكمن
في النوع
الآخر من
الدوافع
والبواعث
الخاصة التي
غالباً ما
ينقص الشاب
المسلم
التعامل
معها بوعي
وثبات،
وربما كانت
هناك أسباب
عديدة تقف
وراء
التعامل
المشوه مع
القضايا
الروحية من
قبل الشباب
المسلم الذي
يعاني مشاكل
حياتية خاصة: أولها:
الطبيعة
النفسية
والذاتية
للشباب فهو
في أكثر
الأحيان
يتعامل مع
القضايا
والإثارات
التي تواجهه
في حياته
الشخصية
والإجتماعية
بصورة
انفعالية
تضخم بعداً
معيناً في
القضية أو
المشكلة
وتتناسى أو
تتغافل
الأبعاد
الأخرى على
مستوى
التفكير أو
العمل،
وربما كان
الأمر في
مواجهة
القضية أو
المشكلة
يستدعى
اهتماماً
معكوساً أي
ما يضخمه
الشباب
ينبغي أن لا
يولى
اهتماماً
متزايداً،
وما يتغافله
ويتناساه
يلزمه أو
يوليه أهمية
أكبر
واعتناءً
أكثر. ثانيها:
أن الشباب
غالباً ما
يفتقد
الواقعية في
التعامل مع
قضايا
الحياة،
ويجنح إلى
الخيال
فيسعى للبحث
عن حلول غير
واقعية
وربما غير
ممكنة أصلاً
لحلحلة
مشاكله
الذاتية
والموضوعية. وهذا
الجنوح
الخيالي
واللاواقعي
يجعل الشاب
ييأس من عالم
الواقع لأنه
لا يجد فيه
الحل
المستعجل
والجاهز لكل
أزمة
يعانيها،
ويدفعه إلى
أن يسافر إلى
عالم الخيال
يستنزل منه
حلولاً
جاهزة
ولكنها
خيالية
لمشاكل
وإثارات
واقعه
الحياتي. ومن
المعلوم أن
الإنسان ـ أي
إنسان كان ـ
كلما أسرف في
التعامل مع
الخيال فإن
الخيال
ينقلب عنده
في نهاية
المطاف إلى
واقع، كما
أنه كلما
أسرف في
تجاهل
الواقع فإن
الواقع
يتبدل عنده
في نهاية
المطاف إلى
خيال، وهنا
تبرز مشكلة
الإنسان في
تأسيس الحد
الفاصل بين
الواقع
والخيال،
وهي مشكلة
الناس فيها
بين إفراط
وتفريط، إلا
القليل ممن
وفق لاكتشاف
ووعي الحد
الفاصل بين
العالمين:
عالم الواقع
وعالم
الخيال. ثالثها:
الأحكام
والتصورات
المسبقة
التي يكونها
الشباب
لنفسه عن
حقائق عالم
الغيب، ومما
لا يخفى أن
هذه
التصورات
مملؤة
بالكثير من
الأخطاء
والاشتباهات
التي ربما
ساعد في
تأسيسها نفس
معطيات
الدين
الغيبية
ولكن لذاتها
وإنما بسبب
التصور
المغلوط
الذي يكونه
الشاب لنفسه
تجاه تفسير
وتحليل هذه
المعطيات
والظواهر
الغيبية
والروحية. وفي
الحقيقة
والواقع
إننا نجد في
نفس الدين
الإشارة إلى
عدد كبير من
الظواهر
التي ترتبط
بشكل أو بآخر
بعالم
الغيب، وهو
ما اصطلح على
تسميته بـ"المعجزة"
أو "الكرامة"
أو غير ذلك
من التسميات
التي تشير
إلى نوع من
الفعل
الخارق
للعادة
والذي
يتجاوز فيه
الإنسان
المستوى
العادي
لقدرة
البشر،
ويؤكد من
خلاله
إتصاله
وإرتباطه
بعالم آخر
غير هذا
العالم
المحسوس،
وقد حكى لنا
القرآن
الكريم
المصدر
الأساس
لمعارفنا
الدينية
العديد من
قصص
الأنبياء
والصالحين
التي تبين
قدراتهم على
القيام بعدد
من
الممارسات
الخارقة
للعادة،
ويكفينا في
هذا المقام
التذكير
بقصص موسى
وعيسى
وسليمان (ع)
التي أوردها
القرآن في
أكثر من موقع. أضف
إلى هذا
العديد من
القصص
والحكايات
الغيبية
التي نجد لها
حضوراً
مؤثراً في
الجو الديني
العام، ومما
يؤسف له أن
فكرنا
الديني
الإسلامي ـ
أعني نتاجات
علماء الدين
والمفكرين
الإسلاميين
والخطباء
والوعاظ ـ
كان يتعامل
في الكثير من
الأحيان مع
هذه القصص
الدينية
بأسلوب
يستثير
السامع أو
القارئ من
دون أن يلحظ
التأثيرات
المتوقعة من
وراء هذه
الاستثارة،
وهذا ما
سنشير إلى
خطورته على
تفكير
الشباب
ونفسيته في
بعض الكلمات
القادمة. ومن
الطبيعي أن
يوجد مجموعة
هذه العوامل
الثلاثة
وغيرها مما
لم نستطيع
اكتشافه
حالة نفسية
عند الشاب
تقوى وتنمى
توجهه
ونزوعه
الروحي
ورغبته في
الاتصال
بالغيب
والمغيبات
ولو بأدنى
مستويات
الاتصال. ومن
هنا تبدأ
المشاكل
الروحية
تبرز وتظهر
في حياة
الشاب عبر
تصعيده
لمستوى
التفكير في
القضايا
الروحية
وزيادة
وتيرة
الارتباط
العبادي
بالله
سبحانه
وتعالى،
وهذان
الأمران
يرهقان
الشاب
فكرياً
وجسدياً،
ويجتمع
الارهاق
الفكري
والارهاق
الجسدي
لينتجان
حالة معقدة
من الارهاق
النفسي، لا
يستطيع
الشاب في
كثير من
الأحيان
تحمل
ضغوطاتها
واسقاطاتها،
وهذا الأمر
كفيل بأن
يحول
الإتصال
الروحي الذي
كان ينشده
الشاب إلى
انفصام عقلي
ونفسي
واجتماعي
يقضي على
استعداد
الشاب
وحيوتيه
وحركته
ويحيله إلى
حطام جسدي
يفتقد الروح
والحياة. ولقد
أدرك البعض
من العلماء
خطورة إرهاق
الإنسان
نفسه
بالعبادات
في مرحلة
الشباب،
فقال بعد أن
أورد عدداً
من الأحاديث
المشيرة إلى
هذا الأمر: "ويستفاد
من هذه
الأحاديث
وأحاديث
أخرى أدب آخر
وهو أيضاً من
المهمات في
باب الرياضة
وهو أدب
الرعاية. وكيفيته
أن يراعي
السالك في أي
مرتبة هو
فيها في
الأعم من
الرياضات
والمجاهدات
العلمية أو
النفسانية
أو العملية
حاله
ويتعامل مع
نفسه بالرفق
والمدارات
ولا يحملها
أزيد من
طاقته
وحاله،
ورعاية هذا
الأدب
بالنسبة إلى
الشباب
وحديثي
العهد من
المهمات
فإنه إذا لم
يعامل
الشباب
أنفسهم
بالرفق
والمداراة
ولم يؤدوا
الحظوظ
الطبيعية
إلى أنفسهم
بمقدار
حاجتها من
الطرق
المحللة
يوشك أن
يوقعوا في
خطر عظيم لا
يتيسر لهم
جبره، وهو أن
النفس ربما
تصير بسبب
الضغط عليها
وكفها عن
مشتهياتها
بأكثر من
العادة
مطلقة
للعنان في
شهواتها
ويخرج زمام
الاختيار من
يد صاحبها،
واقتضاءات
الطبيعة إذا
تراكمت ونار
الشهوة
الحارة إاذ
وقعت تحت ضغط
الرياضة
خارجة عن
الحد
لاشتعلت لا
محالة
واحرقت
المملكة،
وإذا صار
سالك مطلق
العنان أو
زاهد بلا
اختيار فإنه
يقع في مهلكة
لا يرى وجه
النجاة
أبداً ولا
يعود إلى
طريق
السعادة
والفلاح
وقتاً ما،
فعلى السالك
أن يتملك
نفسه في أيام
سلوكه كطبيب
حاذق
ويعاملها
على حسب
اقتضاءات
الاحوال
وأيام
السلوك ولا
يمنع نفسه
الطبيعية في
أيام اشتعال
نار الشهوة
وغرور
الشباب من
حظوظها
بالكلية.
وعليه أن
يخمد نار
الشهوة
بالطرق
المشروعة
فإن في اطفاء
الشهوة
بطريق الأمر
الإلهي
إعانة كاملة
على سلوك
طريق الحق
فلينكح
وليتزوج
فإنه من
السنن
الكبيرة
الإلهية
ومضافاً إلى
أنه مبدأ
البقاء
للنوع
الإنساني
فإن له دوراً
واسعاً
أيضاً في
سلوك طريق
الآخرة". (الإمام
الخميني:
الآداب
المعنوية
للصلاة 58 ـ 59) وقال
نفس هذا
العالم
العارف
أيضاً: "وبالجملة
يلزم لسالك
طريق الآخرة
رعاية أحوال
إدبار النفس
وإقبالها،
فكما أنه لا
يجوز له الكف
عن الحظوظ
مطلقاً فإنه
منشأ لمفاسد
عظيمة لا
ينبغي له أن
يزعج نفسه في
العبادات
والرياضات
العملية
وألا يجعلها
تحت الضغط
خصوصاً في
أيام الشباب
وابتداء
السلوك فإنه
أيضاً يكون
منشأ
لانزعاج
النفس
ونفورها
وربما ينصرف
الإنسان به
عن ذكر الحق.
والإشارة
إلى هذا
المعنى في
أحاديث
كثيرة، ففي
الكافي
الشريف: عن
أبي عبد الله
(ع) قال:
اجتهدت في
العبادة
وأنا شاب
فقال لي أبي:
يا بني دون
ما أراك تصنع
فإن الله عز
وجل إذا أحب
عبداً رضى
منه باليسير. وعن
أبي جعفر قال:
قال رسول
الله: إن هذا
الدين متين
فأوغلوا فيه
برفق ولا
تكرهوا
عبادة الله
فتكونوا
كالراكب
المنبت الذي
لا سفراً قطع
ولا ظهراً
أبقى. وفي
حديث آخر: "ولا
تبغض إلى
نفسك عبادة
الله". (
الإمام
الخميني:
الآداب
المعنوية
للصلاة 58 ـ 59) وفي
الحديث
الثاني الذي
هو عن أبي
جعفر الباقر
(ع) نجد
بياناً
واعياً
لحالة
الإنسان
الذي يكلف
نفسه في
العبادة فوق
حدودها
وقدرتها،
فهو يشبه
بالراكب
الذي يسافر
فينقطع به
الطريق ويضل
مقصوده فيظل
يدور ويدور
باحثاً عن
الطريق إلى
مقاصده من
دون نتيجة،
وفي النهاية
يتعب نفسه
بكثرة
دورانه
وبحثه من دون
أن يصل إلى
مطلوبه،
وهذا ما اشار
إليه الإمام
(ع) بقوله: "لا
سفراً قطع
ولا ظهراً
أبقى". ولقد
شاهدت في
حياتي بعضاً
من شبابنا
المسلم الذي
انعكس هذا
التردي
والسقوط على
مساره
الحياتي
نتيجة تحميل
نفسه من
العبادات
والطاعات
فوق قدرته،
ولم يصل إلى
مطلوبه في
القرب من
الله،
والنتيجة
الوحيدة
التي استطاع
الحصول
عليها من
وراء سعيه
اللاواعي،
هذا هي
التأزم
النفسي في
علاقته مع
ذاته،
والتأزم
الروحي في
علاقته مع
ربه،
والتأزم
الاجتماعي
في علاقته مع
الآخرين. وعلى
هذا الأساس
تبقى مسألة
الارتباط
الروحي
بالله
سبحانه
وتعالى في
الوقت الذي
تكون أمراً
مطلوباً
ومراداً،
مسألة لها
خطورتها على
أكثر من
مستوى حينما
يراد لها أن
تتحرك في
مسارات
خاطئة لا
يلتفت إليها
من يقع فيها
إلا بعد فوات
الأوان. ونجد
في روايات
وأخبار أهل
بيت العصمة
والطهارة (ع)
ما يدل على
أن الإنسان
المتدين
كثيراً ما
تعترضه
حالات نفسية
معينة
يستشعر فيها
الرغبة
الجامحة في
تكثيف حالة
الارتباط
الروحي
بالله
سبحانه
وتعالى،
فيكثر من
العبادات
والطاعات،
ويقوم
بالعديد من
الممارسات
التي يعتقد
أنها تقربه
إلى الله،
ولكن الحال
لا يمكن أن
تدوم على هذا
المنوال إذ
سرعان ما
يشعر
الإنسان
بالتعب
والإرهاق
نتيجة الضغط
المتزايد
على نفسه
فيبدأ يسكن
ويقلل من حدة
توجهه
الروحي عبر
تقليلة
لممارساته
العبادية
والروحية،
وحينئذ
تتبين
النتيجة
الإيجابية
أو السلبة
التي خرج بها
الإنسان من
سعيه وجده
واجتهاده في
العبادة،
وليس من
المحتم أن
تكون نتيجة
هذا السعي
نتيجة
إيجابية
لأنه ـ وكما
ذكرنا
سابقاً ـ قد
يولد التوجه
الروحي
المكثف
والذي يرهق
النفس
والجسد
بالعبادات
والطاعات
نتائج سلبية
وخطيرة في
الوقت نفسه،
وهذا ما تفصح
عنه روايات
كثيرة عن
أئمة أهل
البيت (ع)
نذكر منها ما
يلي: قال
رسول الله (ص): "ألا
أن لكل عبادة
شرة، ثم تصير
إلى فترة،
فمن صارت شرة
عبادته إلى
سنتي فقد
اهتدى، ومن
خالف سنتي
فقد ضل وكان
عمله في تباب
أما أنى أصلي
وأنام وأصوم
وأفطر وأضحك
وأبكي، فمن
رغب عن
منهاجي
وسنتي فليس
مني". (المجلسي:
بحار
الأنوار71: 209،
حديث 1) والشرة
بمعنى
الرغبة، وهي
بكسر الشين
وتشديد
الراء،
والفتره
بمعنى
السكون
والتوقف. قال
الصادق (ع): "لكل
أحد شرة،
ولكل شرة
فترة، فطوبى
لمن كانت
فترته إلى
خير". (المجلسي:
بحار
الأنوار71: 209،
حديث 2) قال
العلامة
المجلسي في
شرح هذا
الخبر: "الحاصل
أن لكل أحد
شوقاً
ونشاطاً في
العبادة، في
أول الأمر،
ثم يعرض له
فترة وسكون
فمن كانت
فترته
بالاكتفا
بالسنن،
وترك البدع
أو ترك
التطوعات
الزائدة
فطوبى له،
ومن كانت
فترته بترك
السنن أيضاً
أو بترك
الطاعات
رأساً
وارتكاب
المعاصي أو
بالاقتصار
على البدع
فويل له". وتبرز
بعض الأخبار
الجانب
السلبي في
الضغط على
النفس
واكراهها
على العبادة
بالقول: "إن
للقلوب شهوة
وإقبالاً،
وإدباراً
فأتوها من
قبل شهواتها
وإقبالها،
فإن القلب
إذا أكره عمى".
(المجلسي:
بحار
الأنوار71: 209،
حديث 2)
وفي قبال هذا
المنحى
السلبي الذي
يكون هم
صاحبه
الإكثار من
الأعمال
والعبادات
نرى الإسلام
يؤكد على أن
العمل
القليل الذي
يستمر عليه
الإنسان خير
من العمل
الكثير الذي
يكون مآله
إلى
الانقطاع
والضجر
والملل، وفي
ذلك يقول
الإمام أبو
جعفر الباقر
(ع): "أحب
الأعمال إلى
الله عز وجل
ما داوم عليه
العبد وإن قل".
(المجلسي:
بحار
الأنوار71: 219،
حديث 25) وقال
علي (ع): "قليل
من عمل مدوم
عليه خير من
عمل كثير
مملول منه". (المجلسي:
بحار
الأنوار71: 219،
حديث 25) وقال
الباقر (ع): "ما
من شيء أحب
إلى الله عز
وجل من عمل
يداوم عليه
وإن قل" (المجلسي:
بحار
الأنوار71: 219،
حديث 25) والعلامة
المجلسي بعد
أن أورد
بعضاً من هذه
الأخبار قال:
"وكأن في
أكثر هذه
الأخبار
إشارة إلى أن
السعي في
زيادة كيفية
العمل أحسن
من السعي في
زيادة
كميته، وأن
السعي في
تصحيح
العقائد
والأخلاق
أهم من السعي
في كثرة
الأعمال". وسنتكلم
بتفصيل أكثر
عن دوافع
النزوع
الروحي عند
الإنسان
بصورة عامة،
وموقف
الإسلام
منها وكيفية
توجيهها في
المسارات
الصحيحة في
الكلمة
الثالثة من
كتابنا هذا
إن شاء الله
تعالى. |
|