نقد
وتوجيه
لمظاهر
النزوع
الروحي عند
الشباب في
الكلمة
السابقة
أكدنا على
ضرورة
التزام
الشاب
المسلم حد
الاعتدال في
تعامله مع
القضايا
الروحية
والغيبية
وفي هذه
الكلمة نريد
أن نبين
وننقد بعض
مظاهر
النزوع
الروحي التي
يمارسها في
مجال
الارتباط
الروحي
بالله
سبحانه
وتعالى بعض
شبابنا
المسلم. إذ
من الملاحظ
عند عدد كبير
ممن يسعون
لتوثيق
ارتباطه
بعالم الغيب
وبالله جل
شأنه، أنهم
يحولون قضية
الارتباط
الروحي بين
الخالق
والمخلوق
إلى قضية
مظاهر شكلية
ينمو ويبرز
فيها الشكل
والمظهر
ويخبو
ويتلاشى
المحتوى
والمضمون. وعلى
هذا الأساس
تصير مسألة
الارتباط
الروحي
مسألة تعلق
ساذج ومغفل
بالشكليات
والمظاهر،
بحيث يغيب
المقياس
الحقيقي
لدرجة
الارتباط
بالله وهو
الورع
والتقوى كما
ينبهنا إليه
قوله تعالى: (إن
أكرمكم عند
الله أتقيكم)
(الحجرات: 13)،
ويؤسس في
قبال هذا
المقياس
الواقعي
مقياس وهمي
هو حشو
السلوك
والحركات
بمظاهر
الخشوع
والخضوع
التي يراد من
خلالها
مخادعة
الآخرين
والإيحاء
إليهم بأن من
يتلبس بهذه
المظاهر
والشكليات
يمتلك
رصيداً
كبيراً من
القرب إلى
الله
والإرتباط
به. وفي
قبال هذا
التعامل
المشوه مع
قضايا
الارتباط
الروحي فإن
الإسلام
يؤكد على ما
يلي: أولاً:
أن المحل
الحقيقي
والأول
للخشوع
والخضوع
والخوف من
الله هو قلب
الإنسان
وباطنه لا
سلوكه
وظاهره،
وهذا ما
نلمحه في
قوله تعالى
حينما يصف
عباده
المؤمنين
والصالحين: (إنما
المؤمنون
الذين إذا
ذكر الله
وجلت قلوبهم
وإذا تليت
عليهم آياته
زادتهم
إيماناً
وعلى ربهم
يتوكلون). (الأنفال:
2) وهكذا
في قوله
تعالى: (وبشر
المخبتين
الذين إذا
ذكر الله
وجلت قلوبهم).
(الحج:
34 ـ 35) ومن
هنا فإن الله
يعاتب
المؤمنين
الذين
يريدون
لإيمانهم أن
يتوقف عند حد
المظاهر من
دون أن ينفذ
هذا الإيمان
في قلوبهم
فيصيرها
قلوباً
خاشعة خاضعة
لله، بقوله
جل شأنه: (ألم
يأن للذين
آمنوا أن
تخضع قلوبهم
لذكر الله
وما نزل من
الحق ولا
يكونوا
كالذين
أوتوا
الكتاب من
قبل فطال
عليهم الأمد
فقست قلوبهم
وكثير منهم
فاسقون). (الحديد:
16) ثانياً:
إن خشوع
الجوارح
ينبغي أن
يكون
انعكاساً
لخشوع القلب
والباطن،
وإلا فإن
المسئلة
تتحول إلى
حالة مرضية
لا يقرها ولا
يصححها
الإسلام،
وفي ذلك يقول
رسول الله (ص): "مازاد
خشوع الجسد
على ما في
القلب فهو
عندنا نفاق". (الكليني:
أصول الكافي
2:396، حديث 6). وربما
وقف الإسلام
معترضاً على
بعض مظاهر
الخشوع التي
يمارسها
البعض من
الناس،
والتي تسيئ
إلى الصورة
الحقيقية
التي يريد
الإسلام
رسمها
للإنسان في
علاقته
بخالقه
ومعبوده،
ففي الكافي
عن جابر عن
أبي جعفر (ع)،
قال: قلت: إن
قوماً إذا
ذكروا شيئاً
من القرآن أو
حدثوا به صعق
أحدهم حتى
يرى أن أحدهم
لو قطعت يداه
أو رجلاه لم
يشعر بذلك؟
فقال: سبحان
الله ذاك من
الشيطان ما
بهذا نعتوا
إنما هو
اللين
والرقة
والدمعة
والوجل". (الكليني:
أصول الكافي2:
616، حديث 1). ثالثاً:
إن الإسلام
لا يحصر
التقرب إلى
الله ونيل
رضوانه في
عدد من
الأعمال
والممارسات
العبادية،
بل هو يعطي
مفهوماً
وسيعاً
لأساليب
التقرب إلى
الله، وربما
كانت هناك
أمور يعطيها
الإسلام
أهمية أكبر
وتقديراً
أكثر من
العبادات
العملية،
ولا يخفى على
أحد الأهمية
التي يوليها
الإسلام
للتفكر
والتدبر
واستحصال
البصيرة في
أمور الدنيا
والدين،
وتوفر هذه
الأمور في
شخصية
الإنسان
المسلم هو
الذي يعطي
لعباداته
وأعماله
قيمة ووزناً
في نظر
الشارع
المقدس، ومن
هنا كان
الإمام
الصادق (ع)
يقول: "أفضل
العبادة
إدمان
التفكر في
الله وفي
قدرته". (الكليني:
أصول الكافي2:
55، حديث 3). وعن
الإمام
الرضا (ع) انه
قال: "ليس
العبادة كثر
الصلاة
والصوم،
إنما
العبادة
التفكر في
أمر الله عز
وجل". (الكليني:
أصول الكافي2:
55، حديث 4). وعلى
هذا الأساس
لم يكن
الإسلام
يحرص على أن
تكون
للإنسان
أعمال كثيرة
بقدر ما كان
يحرص على أن
يكون
للإنسان
يقين صادق
وعقل راجح،
ولذا قال
الصادق (ع): "العمل
الدائم
القليل على
اليقين أفضل
عند الله من
العمل
الكثير على
غير يقين". (بحار
الأنوار 71: 214،
حديث 10). وفي
بعض الأخبار
يعطى التفكر
قيمة لا تعطى
لأي عبادة
أخرى كما
يدلنا على
ذلك قول رسول
الله (ص): "فكرة
ساعة خير من
عبادة سنة
ولا ينال
منزلة
التفكر إلا
من قد خصه
الله بنور
المعرفة
والتوحيد". (بحار
الأنوار 71: 326،
حديث 10). ويبالغ
الإسلام في
تقييمه
للتفكر وما
ينتجه من علم
ومعرفة إلى
الحد الذي
يفضل فيه
العالم على
العابد
بمراتب من
الفضل،
فيقول
الباقر (ع): "عالم
ينتفع بعلمه
أفضل من
سبعين ألف
عابد". (اصول
الكافي 1: 33،
حديث 8). وعن
معاوية بن
عمار قال: "قلت
لأبي عبد
الله (ع): رجل
راوية
لحديثكم يبث
ذلك في الناس
ويشدده في
قلوبهم
وقلوب
شيعتكم ولعل
عابداً من
شيعتكم ليس
له هذه
الرواية
أيهما أفضل؟
قال: الراوية
لحديثنا يشد
به قلوب
شيعتنا افضل
من ألف عابد".
(أصول
الكافي 1: 33،
حديث 9). رابعاً:
إن الإسلام
يؤكد على
ضرورة تخليص
الإنسان
نيته من كل
ما سوى الله،
ويعتبر
تخليص النية
من الفساد
أكبر مهمة
تقع على عاتق
الإنسان
الذي يبغي
القرب من
الله، وفي
الوقت نفسه
أشق المهام
وأعسرها،
فقد قال
الصادق (ع) في
بيان قوله
تعالى: (ليبلوكم
أيكم أحسن
عملا) (الملك:
2) "ليس
يعني أكثر
عملاً ولكن
أصوبكم
عملاً وإنما
الإصابة
خشية الله
والنية
الصادق
والحسنة. ثم
قال: الابقاء
على العمل
حتى يخلص أشد
من العمل،
والعمل
الخالص الذي
لا تريد أن
يحمدك عليه
أحد إلا الله
عز وجل،
والنية أفضل
من العمل". (أصول
الكافي 2: 16،
حديث 4). وفي
تفسير قوله
تعالى: (إلا
من أتى الله
بقلب سليم) (الشعراء:
89) قال
(ع): "القلب
السليم الذي
يلقى ربه
وليس فيه أحد
سواه، قال:
وكل قلب فيه
شرك أو شك
فهو ساقط". (أصول
الكافي1: 33،
حديث 5). وفي
البحار روى
المجلسي عن "مصباح
الشريعة"
المنسوب
للإمام
الصادق (ع)
انه قال: "الاخلاص
يجمع حواصل
الأعمال،
وهو معنى
مفتاحه
القبول،
وتوقيعه
الرضا، فمن
تقبل الله
منه ورضى عنه
فهو المخلص
وإن قل عمله،
ومن لا يتقبل
الله منه
فليس بمخلص
وإن كثر
عمله،
اعتباراً
بآدم (ع)
وإبليس
وعلامة
القبول وجود
الاستقامة
ببذل كل
المحاب مع
إصابة علم كل
حركة وسكون. فالمخلص
ذائب وروحه
باذل مهجته،
في تقويم ما
به العلم
والأعمال،
والعامل
والمعمول
بالعمل،
لأنه إذا
أدرك ذلك فقد
أدرك الكل،
وإذا فاته
ذلك فاته
الكل وهو
تصفية معاني
التنزيه في
التوحيد كما
قال الأول:
هلك
العاملون
إلا
العابدون،
وهلك
العابدون
إلا
العالمون،
وهلك
العالمون
إلا
الصادقون،
وهلك
الصادقون
إلا
المخلصون،
وهلك
المخلصون
إلا
المتقون،
وهلك
المتقون إلا
الموقنون،
وإن
الموقنين
لعلى خطر
عظيم، قال
الله لنبيه (ص):
(واعبد ربك
حتى يأتيك
اليقين) (الحجر:
99) وأدنى
حد الاخلاص
بذل العبد
طاقته ثم لا
يجعل لعمله
عند الله
قدراً فيوجب
به على ربه
مكافاة
بعمله،
لعمله أنه لو
طالبه بوفاء
حق العبودية
لعجز، وأدنى
مقام المخلص
في الدنيا
السلامة من
جميع
الآثام، وفي
الآخرة
النجاة من
النار
والفوز
بالجنة".
(بحار
الأنوار 70: 254،
حديث 18). وروى
معاذ بن جبل (رض)
عن رسول الله
(ص) انه قال: "إن
الله خلق
سبعة أملاك
قبل أن يخلق
السموات،
فجعل في كل
سماء ملكاً
قد جللها
بعظمته،
وجعل على كل
باب منها
ملكاً
بوابا،
فتكتب
الحفظة عمل
العبد من حين
يصبح إلى حين
يمسي، ثم
يرتفع
الحفظة
بعمله، له
نور كنزر
الشمس حتى
إذا بلغ
السماء
الدنيا،
فيزكيه
ويكثره
فيقول له: قف
فاضرب بهذا
العمل وجه
صاحبه أنا
ملك الغيبة
فمن اغتاب لا
أدع عمله
يجاوزني إلى
غيري أمرني
بذلك ربي قال:
ثم يجيء من
الغد ومعه
عمل صالح
فيمر به
ويزكيه
ويكثره حتى
يبلغ السماء
الثانية
فيقول الملك
الذي في
السماء
الثانية: قف
فاضرب بهذا
العمل وجه
صاحبه، إنما
أراد بهذا
العمل غرض
الدنيا، أنا
صاحب الدنيا
لا أدع عمله
يتجاوزني
إلى غيري. قال:
ثم يصعد بعمل
العبد
مبتهجاً
بصدقة وصلاة
فتعجب
الحفظة
ويجاوزه إلى
السماء
الثالثة
فيقول الملك:
قف فاضرب
بهذا العمل
وجه صاحبه
وظهره، أنا
ملك صاحب
الكبر،
فيقول: إنه
عمل وتكبر
فيه على
الناس في
مجالسهم،
أمرني ربي أن
لا أدع عمله
يتجاوزني
إلى غير. قال:
وتصعد
الحفظة بعمل
العبد يزهر
كالكوب
الدري في
السماء له
دوي
بالتسبيح
والصوم
والحج فيمر
به إلى ملك
السماء
الرابعة
فيقول له: قف
فاضرب بهذا
العمل وجه
صاحبه
وبطنه، أنا
ملك العجب
فإنه كان
يعجب بنفسه
وإنه عمل
وأدخل نفسه
العجب أمرني
ربي لا أدع
عمله
يتجاوزني
إلى غيري
وأضرب به وجه
صاحبه. قال:
وتصعد
الحفظة بعمل
العبد
كالعروس
المزفوفة
إلى أهلها
فيمر به إلى
ملك السماء
الخامسة
بالجهاد
والصلاة ما
بين
الصلاتين،
ولذلك رنين
كرنين
الإبل، عليه
ضوء كضوء
الشمس،
فيقول الملك:
قف أنا ملك
الحسد،
فاضرب بهذا
العمل وجه
صاحبه
وتحمله على
عاتقه إنه
كان يحسد من
يتعلم ويعمل
لله بطاعته،
فإذا رأى
لأحد فضلاً
في العمل
والعبادة
حسده ووقع
فيه فيحمله
على عاتقه
ويلعنه عمله. قال:
وتصعد
الحفظة فيمر
بهم إلى ملك
السماء
السادسة
فيقول الملك:
قف أنا صاحب
الرحمة،
اضرب بهذا
العمل وجه
صاحبه،
واطمس عينيه
لأن صاحبه لم
يرحم شيئاً
إذا اصاب عبد
من عباد الله
ذنباً
للآخرة أو
ضراً في
الدنيا يشمت
به أمرني ربي
أن لا أدع
عمله
يجاوزني إلى
غيري. وقال:
وتصعد
الحفظة بعمل
العبد
أعمالاً
بفقه
واجتهاد
وورع، له صوت
كالرعد وضوء
كضوء البرق،
ومعه ثلاثة
آلاف ملك
فيمر بهم إلى
ملك السماء
السابعة
فيقول الملك:
قف واضرب
بهذا العمل
وجه صاحبة،
أنا ملك
الحجاب أحجب
كل عمل ليس
لله، إنه
أراد رفعة
عند القواد،
وذكراً في
المجالس
وصوتاً في
المدائن،
أمرني ربي أن
لا أدع عمله
يجاوزني إلى
غيري ما لم
يكن خالصاً. قال:
وتصعد
الحفظة بعمل
العبد
مبتهجاً به
من خلق حسن،
وصمت وذكر
كثير، تشيعه
ملائكة
السماوات
السبعة
بجماعتهم،
فيطؤون
الحجب كلها
حتى يقوموا
بين يديه
فيشهدوا له
بعمل صالح
ودعاء،
فيقول الله:
أنتم حفظة
عمل عبدي
وأنا رقيب
على ما نفسه
عليه، لم
يردني بهذا
العمل، عليه
لعنتي،
فيقول
الملائكة:
عليه لعنتك
ولعنتنا". (بحار
الأنوار 70" 246 ـ
248، حديث 20). وهذا
الحديث
الأخير
يجعلنا نعي
كل الوعي
مقولة أمير
المؤمنين (ع)
حينما قال: "تخليص
النية من
الفساد أشد
على
العاملين من
طول
الاجتهاد". (الآمدي:
تصنيف غرر
الحكم ودرر
الكلم، رقم 1617). وعلى
هذا الأساس
فإن مجاهدة
النفس
وتزكيتها
بالأعمال
والطاعات
إنما ينفع
حينما تكون
النفس واعية
تمام الوعي
ومدركة لكل
الاخطار
والمداخل
التي يمكن
للشيطان أن
يدخل منها
إلى مجاهدة
الإنسان
فيفسدها،
وهذا ما يفصح
عنه أمير
المؤمنين (ع)
حينما يقول: "لا
تنجع
الرياضة إلا
في نفس يقظة".
(الآمدي:
تصنيف غرر
الحكم ودرر
الكلم، رقم 4812). فاليقظة
والوعي
والعلم
والبصيرة
شروط أساسية
لأن تثمر
العبادة
وتنتج
إنساناً
صالحاً
متأدباً
بآداب الله
ومتخلقاً
بأخلاق رسول
الله (ص)،..
وإلا فإن
عبادة
الإنسان
حينما تخلو
من هذه
الأمور ربما
أبعدت
الإنسان عن
الله وصارت
بينه وبين
الله
حجاباً،
وهذه
الرواية
التي تروي عن
رسول الله (ص)
تبين لنا هذه
المسألة بكل
وضوح، إذ
يقول (ص): "قال
الله تعالى:
أنا أعلم بما
يصلح به أمر
عبادي وإن من
عبادي
المؤمنين
لمن يجتهد في
عبادته
فيقوم من
رقاده ولذيذ
وساده،
فيجتهد
ويتعب نفسه
في عبادتي،
فأضربه
بالنعاس
الليلة
والليلتين
نظراً مني
له، وإبقاء
عليه، فينام
حتى يصبح،
فيقوم
ماقتاً
لنفسه
زارياً
عليها، ولو
أخلى بينه
وبين ما يريد
من عبادتي
لدخله من ذلك
العجب
بأعماله
فيأتيه ما
فيه هلاكه
لعجبه
بأعماله،
ورضاه عن
نفسه، حتى
يظن أنه قد
فاق
العابدين،
وجاز في
عبادته حد
التقصير
فيتباعد منى
عند ذلك، وهو
يظن أنه تقرب
إلى". (بحار
الأنوار 72: 321،
حديث 37). وخلاصة
ما نريد قوله
في ختام هذه
الكلمة: إن
على الشباب
المسلم أن
يتبع الدين
في كل صغيرة
وكبيرة، وإن
يكون
اهتمامه
بتطهير
باطنه
باخلاص نيته
لله سبحانه
وتعالى
وتطهيرها
عما سواه
أكثر من
اهتمامه
بتجميل
ظاهره
بشكليات
الخضوع
والخشوع
والتهجد
والتعبد،
وليلعلم
شبابنا
المسلم: بأن
الإسلام دين
العلم
والعمل ودين
المعرفة
والعبادة
معاً. |
|