|
||||||||
الفناء الذاتي والفناء الوصفي |
||||||||
[ 27 ] (كل من عليها
فانٍ * ويبقى
وجه ربّك ذو
الجلال
والإكرام *
فبأيّ آلاء
ربّكما
تكذبّان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 26 ـ 28). الفناء
الذاتي
والفناء
الوصفي: (كل
من عليها *
ويبقى وجه
ربك ذو
الجلال
والإكرام *
فبأي آلاء
ربكما
تكذبان)
قلنا أن ما
على الأرض من
موجودات
سيكون
مصيرها
الفناء،
ولكن ينبغي
أن نتعرف على
المقصود من
كلمة
الفناء، هل
هو الفناء
الوصفي، أم
هو الفناء
الذاتي؟
وبعبارة
أخرى هل هو
تشتت أجزاء
الشيء
وتناثرها؟
أم هو انعدام
العالم
بأسره في هذه
الدنيا هم
عودته ثانية
في ويوم
القيامة؟ والموضوح
الآخر الذي
يهمنّا بحثه
أيضاً هو، هل
أن مسألة
الفناء تختص
بعالم
المادة
والجسم (كالأرض
والأفلاك)؟
أم انها تشمل
الأرواح
والملائكة
أيضاً؟ وسنحاول
هنا أن
نتناول
بالشرح هذين
الموضوعين
وبشيء من
الاختصار
المفيد:ـ تشتت
الأجزاء
وانعدام
الصورة
والهيئة: بخصوص
موضوع نوع
الفناء من
حيث الكلية
أو الصورية (التي
لا تحيق
الفناء
بأساس
الأشياء
والأجزاء) لو
اعتمدنا
العقل وحده
لما تيسّر
لنا الخروج
بقناعات
ثابتة
باعتبار
محدودية عقل
الإنسان
إزاء هذا
الموضوع
الكلّي،
ويبقى الحل
الوحيد هو
فيما نقله
الوحي
الإلهي في
القرآن
المجيد إذ
عبّر عنه
القرآن
بتعابير
الهلاك
والفناء
والصعقة،
وهو ما يحقق
القدر
المسلّم به
من تفرق
وتشتت
الأجزاء،
وانعدام
الصور
والهيئات
المركبة وهو
ما يصطلح
عليه
بالفناء. وفي
موضع آخر من
القرآن يصف
المولى
تعالى جميع
الأجسام
بأنها معرضة
للهلاك، وفي
موضع آخر من
القرآن
يعبّر الله (عز
وجل) عن هذه
الحقيقة
بنفخة الصور
التي تهلك من
في الأرض ومن
في السماء
جميعاً مع
وجود
استثناء
محدد كما في
قوله تعالى (ونفخ
في الصور
فصعق من في
السماوات
ومن في الأرض)
(سورة
الزمر،
الآية: 68). أو أن
يصف الأرض
باستحالتها
إلى قطع صغار
متناثرة كما
في قوله (كلاّ
إذا دكّت
الأرض دكاً
دكاً) (سورة
الفجر،
الآية: 21). أو أن
يعبر عن
الفناء
بقوله تعالى (ويسألونك
عن الجبال
فقل ينسفها
ربي نسفاً *
فيذرها
قاعاً
صفصفاً * لا
ترى فيها
عوجاً ولا
أمتاً) (سورة
طه، الآية:105 ـ
107). إذاً من ذا
الذي زلزل
الأرض وما
عليها
وتركها دون
الرواسي
الشامخات
صعيداً
جرزاً ملساء
لا طيّة فيها
ولا ربوة فلم
تعد كما كانت
في أمسها؟ طي
السماوات،
كطي السجّل
للكتب: وعن
السماوات
يتحدث
القرآن
الكريم
فيقول (إذا
السماء
انشقّت) (سورة
الانشقاق،
الآية: 1).
وقوله تعالى (يوم
نطوي السماء
كطي السجل
للكتب كما
بدأنا أول
خلق نعيده) (سورة
الأنبياء،
الآية: 104). ولعل
المقصود من
قوله تعالى (كما
بدأنا أول
خلق نعيده)
هو ان نعيدها
إلى هيئتها
الأولى
عندما لم تكن
شيئاً
موجوداً، ثم
خلق الله
تعالى
مادتها
الأولى، ومن
ذلك نستنتج
أن السماء
تعدم تماماً
كما كانت قبل
يومها الأول:
وهذا هو
الاحتمال
الأول. اما
الاحتمال
الثاني ان
تعدم فتصبح
كما كانت في
يومها
الأول، وهذا
يعني ان
أجزاءها
الأولية
تبقى
موجودة، وان
الذي يفنى هو
صورتها
وهيئتها دون
المادة
الأساسية.
والاحتمالان
المذكوران
آنفاً
واردان ولا
يمكن الحكم
والقطع
بأحدهما دون
الآخر، ولكن
المسلّم به
ان هيئة
السماء
الحالية
وتركيباتها
الجزئية هي
التي تفنى
وهذا مما لا
شك فيه قطعاً
ويذهب
العلامة
المجلسي
وكثير من
المحدثين
إلى عدم
القطع في هذا
الموضوع
والتوقف عند
الاحتمالين
بخصوص
الفناء
الذاتي أو
الفناء
الوصفي
للسماوات
والأرض
وسائر
الموجودات
الأخرى، أي
أنهم
يتوقفون في
القطع عند
الإجابة على
تساؤل هل
أنها ستعدم
تماماً ثم
يعاد خلقها
من جديد. أم
أنها تفنى من
حيث الصورة
والهيئة ثم
يصار إلى
جمعها من
جديد؟ ومهما
يكن
الاحتمال
فنحن لا نجد
نصاً يقطع
الأمر في هذا
الشأن بحيث
لا يبقى
هنالك أي
مجال
للترجيح،
والسبب يعود
إلى أن ذات
الآيات
الكريمة
التي
استعرضناها
سوية تحتمل
هي الأخرى
هذين
الوجهين من
الاحتمال
ويبقى
لزاماً
علينا ان
نعتقد بفناء
الدنيا وما
فيها، وهذا
المقدار من
الاعتقاد
فيه كفاية
الغاية. وهل
تفنى
الأرواح
والملائكة
هي الأخرى؟ وعن
موضوع فناء
الأرواح
والملائكة،
هل أنها
مشمولة
بالفناء أم
لا؟ يفترض
القول ان ما
يتعلق
بالأرواح
بالخصوص لا
نجد له
دليلاً
قاطعاً
يؤكّد
فنائها،
ولكن الظاهر
يبدو أنها
تبقى ولا
تفنى، ثم
تتعلق في يوم
القيامة
بالأبدان،
وهذا يخالف
ما يذهب إليه
البعض من
فنائها ثم
إعادة خلقها
من جديد
بنفخها في
الأبدان. اما
عن الملائكة
فهناك بعض
الروايات
والآيات
التي يستفاد
منها في شمول
الملائكة
بالفناء هي
الأخرى، كما
في قوله
تعالى (فصعق
من في
السماوات)،
ولكن تلك
الآيات
والروايات
لا تستوجب
القطع
المؤكد في
فناء
الملائكة
بنحو يشتمل
على اليقين
من أن
الملائكة
يموتون، نعم
هذا ممكن من
حيث
الاحتمال،
كما أن هذا
الاحتمال
وارد بشأن
الأرواح.
ولكن يجب في
هذا الحال
استثناء
أرواح
المعصومين
الأربعة عشر
(ع)، لأنهم
وجه الله عز
وجل بدون شك
أو ريب، وهذا
ما تؤكده هذه
الآية (موضوع
البحث)، وقد
أشار إلى ذلك
المولى عز
وجل في موضع
آخر من
القرآن كما
في قوله
تعالى (كل
شيء هالك
إلاّ وجهه) (سورة
القصص،
الآية: 88). المعاني
المتعددة
للوجه: (ويبقى
وجه ربّك)،
من معاني
الوجه: 1
ـ ذات الشيء
وعينه، وهو
معنىً يحتمل
أبعاد
الكناية،
لأن المعنى
الأصلي
للوجه هو
مقدم الرأس
المحدود ما
بين الاذنين
عرضاً، وما
بين قصاص
الشعر وطرف
الذقن
طولاً، ولما
كان وجه
الإنسان
مثلاً في
الرأس
موقعاً صح
إطلاق كلمة
الوجه على
جميع الذات. إذاً
من خلال
المعنى
الأولى
لكلمة وجه
يكون معنى
الآية هو ـ
وتبقى ذات
ربّك ذو
الجلال
والإكرام ـ
وان ما سواه
تعالى
فمصيره
الموت
والفناء. 2
ـ المعنى
الوصفي، وهو
ما يتوجّه
إليه. أي ان
كل واسطة
تلفت النظر
إلى أصل
الشيء تسمى
وجهاً،
والأمثلة
على ذلك
تستدعي
الوهم
والضلال،
ولكننا نضطر
إلى سوق
الأمثلة
للوصول إلى
الوضوح في
هذا الأمر. فلو
رام أحدنا أن
ينظر إلى قرص
الشمس في يوم
تكون فيه
السماء
صافية لما
استطاع ان
ينظر إليها
مباشرة لأنه
لا يتمالك ان
يغمض عينيه
لشدة
توهّجها،
ولكن لو نظر
على صفحة
الماء
الساكن
لتمكن من
مشاهدة صور
قرص الشمس
دون أن يضطر
إلى إغماض
عينيه، وهذا
ما نسمّيه
بالنظر إلى
الشيء من
خلال
الواسطة،
فقد أصبحت
صفحة الماء
وجهاً لقرص
الشمس. وعليه
يكون معنى
الوجه هو ما
يتوجه إلى
الشيء من
خلاله فيتم
التعرّف
عليه، (مع
الالتفات
إلى ان حصول
دعاوى الحول
والاتحاد
الباطلة
مفسدة وتؤدي
بالإنسان
إلى الكفر). ولأجل
تقريب فهم
هذا الموضوع
إلى الأذهان
نقول (مع
اعترافنا من
أن هذا
الموضوع سام
ولا ترقى
إليه
الأمثلة): رؤية
الله (سبحانه
وتعالى) في
مرآة أهل
البيت (ع): إن
العقول تبقى
عاجزة ودون
القدرة
والاستطاعة
على فهم
وادراك
حقيقة عظمة
الله (تعالى)
وأسمائه
وصفاته،
ولكننا نجد
أنفسنا
مضطرين لأجل
استحصال
الإيمان
واليقين
بالله (جل
جلاله) ان
نتمسك
بالأنوار
القدسية
للمعصومين
الأربعة (ع)
كما تشير إلى
هذه الحقيقة
الناصعة،
عبارة وردت
في الزيارة
الجامعة
نقول (من
أراد الله
بدأبكم)، وما
أكدّوه أهل
البيت (ع) في
قولهم (بنا
عُرف الله،
وبنا عُبد
الله)ن والنص
الوارد
أيضاً في
دعاء الندبة
الذي يشير
إلى هذه
الحقيقة
كذلك (أين
وجه الله
الذي يتوجّه
إليه
الأولياء). وقد
ورد عن
الإمام علي
بن الحسين
السجاد (ع) في
تفسير قوله
تعالى (ويبقى
وجه ربّك)،
أنه قال: نحن
الوجه الذي
يؤتى الله
منه)[1].
إذاً
مما لا شك
فيه أن أهل
بيت العصمة
والطهارة
لهم وجهة
إلهية، لأن
من أراد أن
يوّحد الله
ويؤمن به
وجبت عليه
معرفتهم،
ولأن من
أحبهم أحبّه
الله،
ولأنهم
أبواب الله
الذين أكدّت
على حقيقتهم
آية (وأتوا
البيوت من
أبوابها).
وأشارت إلى
ذلك العبارة
الواردة في
دعاء ندبة
والتي تقول (أين
باب الله
الذي منه
يؤتى)، وقد
أفرد صاحب
كتاب بحار
الأنوار
باباً
لموضوع وجه
الله اشتمل
على روايات
عديدة بهذا
الصدد. بقاء
الله وأهل
البيت وخواص
الشيعة: واستناداً
إلى المعنى
الثاني
لكلمة (وجه)
وهو ما يتوجه
إليه، فانه
ما لا شك فيه
أن المقصود
بوجه الله هم
محمد وآله (ص)،
وعلى هذا
الأساس يكون
معنى الآية
الكريمة (كل
ما على الأرض
فانٍ ويبقى
محمد وآله (ع)). والنقطة
المهمة
والجديرة
بالذكر هنا،
هو أن خواص
الشيعة الذي
قد نهجوا
منهج أهل
البيت
بحذافيره،
كما يتأكد
ذلك في نص
الرواية
الآتية (شيعتنا
خلقوا من
فاضل
طينتنا،
وعجنوا بماء
ولايتنا)،
لهم أيضاً هم
الآخرون
وجهة إلهية،
فهم باقون
عندما يحل
الفناء،
وتوجد شواهد
كثيرة تدلل
على حقيفة
هذا الأمر،
مع الأخذ
بنظر
الاعتبار ان
عدد اولئك
قليل جداً
جداً، فهم قد
يعدون على
الأصابع
لقلتهم،
ولذلك نرى
تحرق
المسلمين
شوقاً
وبكاءً على
أن يجعلهم
الله من خواص
الشيعة
الموالية
لعلي (ع)، بل
وكان بعض
علماء
وفضلاء
الشيعة لا
يرون في
أنفسهم أنهم
مؤهلون لحمل
لقب شيعة أهل
البيت عندما
يسمهم الناس
بذلك. الله
ذو الجلال
والإكرام: الجلال،
هو العظمة
والاستقلال
المطلق،
وحقيقة
الجلال
والعظمة
أنها مختصة
بالله وحده
وكل ما سوى
الله تعالى
حقير ووضيع
في ذاته. أما
الإكرام،
فيعني
الانعام،
ولمّا كان
الله (عز وجل)
صاحب
الافضال
العامة
والجود
والكرم على
خلقه، وان ما
عند الناس من
جود وكرم هو
في حقيقته من
عطاء الله (تعالى)،
كان اختصاص
هذين
الاسمين
محصورين
بالله عز وجل. وقد
ورد في تفسير
المنهج،
وسائر
التفاسير
الأخرى أن
رسول الله (ص)
أوصى قائلاً:
اكثروا من
غنيمة هذين
الاسمين
وتعاهدوهما. وورد
في حديث آخر
عن رسول الله
(ص) انه حنما
دخل المسجد
ورأى رجلاً
يصلي ويقول
في صلاته (يا
ذا الجلال
والإكرام)
قال (ص) ان
دعائه
مستجاب بفضل
ذكره بهذين
الاسمين
الشريفين (يا
ذا الجلال
والإكرام). (كل من عليها
فان * ويبقى
وجه ربك ذو
الجلال
والإكرام *
فبأي آلاء
ربكما
تكذبان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 26 ـ 28) استخدام
(من) موعظة
للإنسان: هذه
الآية
الكريمة
تشتمل على
معنى يقول ان
كل إنسان بل
وكل شيء مما
تحتضنه
الأرض سيكون
مصيره
الفناء، ولا
يبقى قائماً
سوى وجه الرب
العظيم
المنعم،
وقلنا في ما
سبق ان (من) هي
اسم موصول
وقد أوردته
الآية
المباركة
هنا على أنه
اسم موصول
مشترك رغم
انه مختص
بالعقلاء،
ولكن جاءت
الاستفادة
منه على أنه
للعقلاء
وغيرهم من
باب
التغليب،
وهو بالطبع
يختلف عن (ما)
الموصولية
المختصة
بغير
العاقل،
ولكنها مع
ذلك تستخدم
أحياناً
للعقلاء
أيضاً عندما
تستدعي
ضرورة
التغليب
لغير العاقل
على العاقل. إذاً
وجب علينا
الالتفات
إلى سبب
استخدام
الآية للاسم(من)
بدلاً من
الاسم(ما)
رغم أن
استخدام (ما)
سيؤكد حقيقة
فناء كل شيء
على الأرض من
بشر وجن
وحيوانات
ونباتات
وجمادات؟
ولعل أحد أهم
الوجوه
المحتملة في
كشف ذلك
السبب هو أن
استخدام (من)
الموصوليّة
قد حصل لكي
تحصل
الموعظة
للإنسان
والذكرى
بفناء
الدنيا،
فتكون صيغة
الآية هي
صيغة
تذكيريّة
نصحيّة
وواعظة
كأنها تقول
للإنسان (وأنت
أيضاً
سيشملك
الفناء كما
سيشمل غيرك،
ولن يبقى
إلاّ وجه ربك
ذو الجلال
والإكرام. الآية
تخاطب
المستمع في
عبارة (وجه
ربّك): (ويبقى
وجه ربّك)
صيغة الخطاب
في هذا
المقطع من
الآية
الكريمة له
احتمالان
هما: 1
ـ الاحتمال
المفيد من أن
خطاب الآية
موجه للنبي
الكريم (ص)،
وعليه يكون
معنى الآية ـ
ويبقى وجه
ربك يا محمد (ص)... ولقد
ذكرنا أن
كلمة (وجه)
لعلّه أريد
بها المعنى
الوصفي
للوجه (وجه
الله (عز وجل))،
وهو اشارة
إلى ذلك
الوجود
المقدس الذي
من أطاعهُ قد
أطاع الله،
ومن عصاه
فكأنّما عصى
الله،[2]
ومصداق
الوجه هو
محمد (ص) وآله (ع). اما
عن عبارة (ذو
الجلال
والإكرام)
فهي تعني ان
الله (سبحانه)
هو صاحب
العظمة
والجلال
المطلقين،
وهو صاحب
الانعام
والفضل
التامين: علاقة
الاسمين
الحسنيين
بالآية
السابقة: فمن
عظمة الله
وجلاله، أن
يفنى العالم
فلا يبقى
قائماً سواه
(عز وجل)، لأن
حقيقة
الجلال
تنطوي في ما
لو حصل تجلي
الجلال
الإلهي
جلاءً تاماً
للحق لفناء
والزوال بكل
الموجودات
والمخلوقات،
وعندما يظهر
اكرام الله (عز
وجل) بشكل
كامل تتدفق
دماء الحياة
في جميع
الكائنات
والموجودات
فتصير إلى
نعمة الوجود
بعد الفناء،
وهو وجود
أبدي خالد،
ومصداق هذه
الحقيقة
نجده شاخصاً
أمامنا في
خلود أهل
الحق
والصواب
عندما
يساقون إلى
الجنة، وهنا
يبرز
الإكرام
الإلهي
بأوضح وأوسع
صوره
وأشكاله. وعليه
نستخلص مما
سبق ان اسم (ذو
الجلال)
الشريف
يتعلق بما
سبقه من نص
الآية (كلّ
من عليها فان)،
بينما نجد أن
اسم (ذو
الإكرام)
يتعلق بنص
الآية (ويبقى
وجه ربك).
وبعبارة
أخرى، يكون
في ظهور جلال
الله (عز وجل)
فناء
الأشياء،
وفي ظهور
الإكرام
بقاؤها.
وتعّد اعادة
العالم
الفاني إلى
ساحة الوجود
ثانية أوضح
وأروع صور
الإكرام
الإلهي
حينما يدخل
المولى (جل
جلاله) عباده
الصالحين في
جنات عدن
التي وعدوا
بها. جنة
الجلال،
أسمى الجنان: ونقل
صاحب كتاب
منهج
الصادقين عن
رسول الله (ص)
رواية
مفادها أن
الجلال وهو
أحد أسماء
الله
الحسنى، هو
اسم لجنة
خاصة (غير
الجنان
الثمان التي
وعد بها
المؤمنون)
وهذه الجنة
تسمو فوق
جميع تلك
الجنان
رفعةً، وهي
محيطة
بالعرش، مع
أن المروي عن
العرش أنه
يقع فوق
الجنان
ويسمو
عليها، وهذا
يؤكّد رفعة
منزلة هذه
الجنة
وجلالها حيث
أنها احاطت
بالعرش،
ويشير جانب
آخر في
الرواية إلى
طول المسافة
الشاسعة بين
جنة الجلال
وسائر
الجنان
الاخرى، فهي
تصل إلى
مسيرة
سبعمائة عام!!
(فبأيّ
آلاء ربكمّا
تكذّبان)
أيها
الثقلان؟!! وهل
أن فناء
الدنيا
نعمة؟! ولعل
سؤال يراود
أذهان البعض
ويبتغى
لنفسه
الإجابة
الشافية،
والسؤال هو (كيف
يعّد فناء
الدنيا
نعمة؟ حيث
يقول الباري
بعد ذكر
مسألة
الفناء (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان) ولكي
تتضح حقيقة
وجه النعمة
في فناء عالم
الدنيا،
ينبغي أن
نلتفت إلى أن
التذكير
بهذه النعمة
هو نعمة بحد
ذاته. في
البداية
يفترض بنا أن
نعرف ان الله
تعالى وضع
أساس هذا
العالم
مبنياً على
تحقق
الفناء، كما
قد ثبت لدينا
من قبل ان
جميع
المركبّات
الموجودة في
عالمنا
مصيرها
التفكك
والتحلل،
وقلنا أن
عالم
الطبيعة هو
عالم أضداد،
أي انه عالم
لا يمكن
العثور فيه
على الخير
المحض، ففي
الورد كثير
من الأشواك،
وهذا العالم
يقوم على
أساس
ضروريات
ولوازم لا
تنفك عنه
بأية حال من
الأحوال،
ففي مقابل
السلامة تقف
الأمراض،
وبازاء
الثراء
ينتصب
الفقر،
وأمام
الحياء
تنبرى
الصفاقة،
ومع الشباب
تتلازم
الشيخوخة،
وهكذا في
عالم مليء
بالأضداد
حتى ننتهي
إلى تتويج
تلك الحالات
والصور إلى
وقوف الحياة
في مقابل
الموت. وباستعراض
سريع لأمثلة
الأضداد نجد
أن الإنسان
لا يجد له
مكاناً
مفعماً
بالسعادة
والسرور
والراحة
بشكل مطلق في
عالم
الدنيا،
وعليه كان
فناء الدنيا
منقذاً
كبيراً
للإنسان
المكبّل
بأغلال
الدنيا
والمسجون في
غياهب
زنزاناتها
المعمورة
بالآلام
والمحن
وضروب
الشقاء
والعناء،
خصوصاً
عندما يقف
المرء على
أعتاب مرحلة
الشيخوخة
حيث خوار
القوى
وانهيار
القدرات
وسهولة
إصابته
بالأمراض
والادواء
والتعود على
مقعد العجز
فلا يجد
حينئذ لنفسه
منقذاً
مخلصاً سوى
الموت،
والموت
وحدهُ. وفي
التكرار ضجر
وسأم: وعلاوة
على ذلك، فان
عالم الدنيا
مشحون
بالمكرّرات،
وكما هو
معروف ان
التكرار
يبعث على
حصول الضجر
والملل لدى
الإنسان،
ففصول السنة
الأربعة
تأتي
متعاقبة ثم
تعود في
السنة
التالية
متعاقبة
أيضاً وفي
السنة
الثالثة
هكذا
والرابعة و...،
والليل
والنهار
يتعاقبان
فيما
بينهما، ولا
يأتي
التعاقب
بشيء جديد
خلاف
للعادة، بل
ولو تفحصنا
ودققنا
النظر في
عموميات
الصور
والمظاهر
والحالات في
عالم الدنيا
لوجدناها
مكررة معادة
لا جديد فيها. اما
عن حظ
الإنسان من
دنياه فهو
الآخر لا
يزيد على
الآلام
والنكبات
وضروب
العناء، فهو
يسعى إلى
الطلب
والوصول
للسعادة
والراحة
والهناء
فيها، ولكن
هيهات هيهات
أن يدرك ما
طلب أو أن
يكسب ما رغب
فيه لكثرة ما
في الدنيا من
نكد وشقاء
ونصب،
فكثيراً ما
يتجرع
الإنسان
الغصص
والشرق في
سائغات
طعامه
وشرابه، حتى
أنه لا يجد
في لذة
الدنيا
طعماً سوى
المرارة،
وقد أجاد
المعصومون
في وصف
الدنيا
بأنها سجن
المؤمن[3]،
لأن الإنسان
في دار
الدنيا
تزداد
معاناته مع
ازدياد
رفاهيته،
ولو حقق
لنفسه
الوصول إلى
المناصب
والثروات
لحصل معها
بشكل مؤكّد
على كثرة
التشّوش
والقلق.
نعم،
لأن الدنيا
لم تعمر إلاّ
بالأتراح
والأحزان
والشقاء. التلازم
بين لذّات
الدنيا
وفضلاتها: ولكن
لو ورد
الإنسان
الجنة لكان
وروده هو أول
هنائه
وسعادته،
لأن ما فيها
لا يقّل عن
وجود
السعادة
والخير
والتامّين،
فهو فيها في
نعيم مقيم
وسعادة
دائمة لا يرى
بعدهما أيّ
عناء أو
شقاء، بل أن
بدنه لا يتسخ
ولا يتعرّق،
وما من فضلات
أو نجاسات
هناك، فهو
حينذاك نظيف
طاهر بتمام
معنى
الكلمتين. وقد
عبّر الإمام
علي (ع) عن
لذات الدنيا
وحظوظها
بتعبير رائع
حين يقول (وافضل
طعامها
العسل، وهو
بصاق النحل،
وأبهى
ألبستها
الحرير، وهو
براز القز.
وأوج لذاتها
المواقعة،
وهو ولوج
المبال في
المبال.
وأسمى
مراكبها
الخيل،
وفيها تكمن
الهلكة). وجاء
في كتاب
إرشاد
القلوب ان
الرسول (ص)
كان يمشي
يوماً مع
أصحابه
فوصولوا على
مزبلة قد
اشتملت على
الخرق
البالية
والعظام
النخرة
المتناثرة
والقمامة
والنفايات
والفضلات،
فالتفت
النبي (ص) إلى
أصحابه وقال
لهم (حسب
مضمون
الرواية): (انظروا
إلى هذه
الخرق
البالية فهي
ما آلت إليه
ألبسة
الدنيا
الزاهية،
وإلى هذه
الأوساخ
والفضلات
فهي ما تخلّف
عن أطعمتها
اللذيذة،
وإلى هذه
العظام
النخرة فهي
آخر نعيم
الدنيا!!). بلى
والله، لو
كتب الله
للدنيا
الدوام
والبقاء
لكانت بلاءً
عظيماً ينزل
بمطرقته على
رؤوس
العالمين،
ولأضحت على
اقل تقدير
مبعثاً
للضجر
والسأم يقلق
حياة الناس
أجمعين،
ولكن وبفضل
زوال
الدنيا،
ونفاد
أمدها،
فأنها أصبحت
سلوىً وحسن
عزاء لمن
حلّت بساحته
النوازل
والمصائب
لأن الدنيا
لن تدوم وأن
ما فهيا لن
يبقى على
حاله، فكان
انقصاء
الدنيا
وتغيّر
أحوالها
وتبدّل
أوضاعها نعم
المتنفس
للإنسان
وأكبر عزاء
له في الخلاص.
فكيف
بنا لو
خلّدنا
فيها؟ وكلنا
يعلم ان
الدنيا
زائلة
وسيؤول
مصيرها إلى
الفناء،
ولكننا نجد
بعضنا
يتكالب
عليها
ويتنازع ما
لها
وسلطانها
ويشيع في
الأرض الفتن
والفساد، مع
أننا نعرف أن
الموت إذا ما
جاء لا يطرق
الأبواب ولا
يستأذن
أحداً، وهو
آت في ساعة
ما دون ريب
في ذلك، فكيف
بنا لو
عمّرنا ألف
سنة؟ أو
خلدنا في
الدنيا؟
أيمكن أن
نتصور كيف
سيكون
الحال؟! إذاً
فراق الدنيا
ووداع عالم
الفناء نعمة
جليلة
بذاتهن رغم
أنه يعد
الإنسان
لدخول عالم
الخلد
والبقاء،
عالم الآخرة. ولقد
قلنا أيضاً
أن التذكير
والتبصير
بفناء
الدنيا هو
نعمة أخرى،
وهذا هو ما
تناولته هذه
الآية
المباركة من
الأخبار عن
فناء عالم
الدنيا
المادي، وهو
نعمة كبيرة
بذاتهن
وسنأتي الآن
إلى استعراض
الوجوه
المؤكدة على
هذه الحقيقة:ـ اربأ
بنفسك، فكل
من عليها
فانٍ: الوجه
الأول: ان
التذكير
بفناء
الدنيا يعد
نعمة لأن
المستمع سوف
يقدّر حينها
قيمة عمره
الثمين،
فيتوجه إلى
إفناء سني
عمره في لزوم
الطاعات
وبذل
العبادات،
لأن دأب
العقلاء
الذين
تيقنّوا من
لزوم الفناء
للعالم
وسرعة
الرحيل عنه
أن ينشغلوا
بالتفكير
والسعي نحو
إعداد
مستلزمات
السفر
البعيد إلى
الآخرة
لأنهم على
موعد مسبق
معها في وقت
قريب،
فنراهم
يبذلون
قصارى
الجهود من
أجل اعداد ما
ينفع للمنزل
العامر، بل
ونراهم لا
يحبّذون
التفريط
بساعة واحدة
أو دونها بما
لا يعود
عليهم
بالنفع
والخير
لآخرتهم،
وهذا هو
ديدان أهل
القلوب
الحيّة
والنابضة
الذين قد ضاق
عليهم الوقت
وسني العمر. الوجه
الثاني: وهو
أن التذكير
بفناء
الدنيا يؤدي
إلى نزع
الثقة
والاعتماد
على لذات
الدنيا
ونعيمها
باعتبار عدم
ديمومة هذه
النعم
واللذات،
وهذه الحال
ستؤدي
بالضرورة
إلى أن يقلع
الغني وصحيح
البدن عن
الغرور
بماله:
وبنفسه
وينزع لباس
الكبر
والخيلاء
والعجب
وينظر إلى
الآخرين على
أنهم اقران
له ليس إلاّ،
وهكذا حال في
المعدم
والمريض
والضعيف فهم
سيطوون من
اليأس كشحاً
ولا يدعون
للحزن أو
المهانة
سبيلاً إلى
عنفوان
إيمانهم،
ونراهم لا
يتزلزلون أو
يذهلون
لفقدهم
بالموت
عزيزاً
وحبيباً
عندهم لأنهم
سيدركون أن (كل
من عليها
فانٍ) فلا هي
الآلام
تبقى، ولا
المحن تدوم،
ولا هو
الهناء يقيم
ولا النعيم
يطول في دار
قد رصدها
الفناء
والزوال
والاندثار،
وحينها
عندما يأتون
لك معزين
بفقدك أمك أو
أبيك ترد
عليهم بكل
سكينة، انه
الموت الذي
كتب علينا
جميعاً فلن
يفارق منّا
أحداً. ولعّل تذكير الحسين (ع) في ليلة عاشورا لأخته العقيلة زينب أفضل مصداق لما نقول حيث عنى بقوله (لقد رحل عن هذه الدنيا من هو أفضل مني، فقد خلّفها وراءه جدي وأبي وأمي وأخي، كما في نص قوله (ع) (جدي خير مني، وأبي خير مني، وامي خير مني، وأخي خير مني، ولكل مسلم برسول الله اسوة). |
||||||||
|