|
||||||||
الماء العذب يحفظ الحياة، والماء المالح يحفظ البيئة |
||||||||
[ 22 ] (مرج
البحرين
يلتقيان*
بينهما برزخ
لا يبغيان *
فبأيّ آلاء
ربّكما
تكذبّان *
يخرج منهما
اللؤلؤ
والمرجان *
فبأي آلاء
ربّكما
تكذبّان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 19 ـ 23). الماء
العذب يحفظ
الحياة،
والماء
المالح يحفظ
البيئة: ذكرنا
أن معنى كلمة
(لا
يبغيان) هو
أن لا يعتدي
أو يطغى أحد
البحرين على
الآخر، أو أن
لا يطغى ماء
البحرين على
اليابسة من
الأرض. وهناك
احتمال ان
يكون معنى (لا
يبغيان) هو
لا يطلبان،
من بغى يبغي
بغية وهو
الطلب،
فيكون معنى
الآية على
هذا
الاحتمال،
أن البحرين
لا يطلبان
إلاّ ما قدّر
الله لهما
ضمن الحدود
المحددة
لهما، فلا
العذب يطلب
المالح، ولا
المالح يطلب
العذب وبذلك
لا يحصل
عندهما
الطغيان. (فبأي
آلاء ربكما
تكذبّان)
أين فبأي
نعمة من نعم
ربكما أيها
الثقلان
تجحدان؟!
أبالبحر
العذب أم
المالح؟
فهذا الماء
العذب الذي
لولاء لتعفن
الهواء بسبب
وجود
الفضلات
والنفايات،
ولولاه
لماتت
حيوانات
البحر من
تعفن مياهه
ولعمّت
العفونة جو
الأرض
بأكمله،
ولفسدت
حينئذ
الحياة. اللؤلؤ
والمرجان،
حصيلة تلاقح
العذب
بالمالح من
البحار: (يخرج
منهما
اللؤلؤ
والمرجان)، الفرق بين
اللؤلؤ
والمرجان هو
على ما قاله
البعض، ان
صغار الدر
تسمى
لؤلؤاً،
وكبارها
تسمى
مرجاناً،
ولقد تحدثنا
بعض الشيء عن
تفسير هذه
الآية، ولكن
يهمنا هنا ان
نتناول
بالبيان
عملية إنتاج
اللؤلؤ
والمرجان
الناشئة عن
تلقيح الماء
المالح
بالماء
العذب،
وعندما يحصل
التلقيح
يخرج الماء
المالح الدر
على هيئة
لؤلؤ
ومرجان،
وتتشابه
عملية تلقيح
مياه
البحرين مع
التلقيح في
الإنسان بين
الذكر
والانثى أو
الحيوان أو
النبات،
فينشأ من
التلقيح في
الإنسان
الطفل،
وينشأ عن
التلقيح في
النخل التمر. (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان)، فأنظر إلى
اللؤلؤ
والمرجان كم
فيه من
المنافع
للناس؟
فهناك من
يعتش على
بركة صيده
بالغوص
بحثاً عنه،
وهناك من
يعتاش على
نقله إلى
الأسواق،
وهناك من
يعتاش على
بيعه حليةً
وزينة. الأمطار،
تنشئ البحار
العذبة من
البحار
المالحة: ومن
الوجوه
الأخرى في
معنى كلمة (البحرين)
الواردة في
هذه الآية هو
ما روي عن
الإمام أمير
المؤمنين
علي (ع) يقول
الإمام:
المراد
بالبحرين،
بحر الأرض
وبحر
السماء،
فأحدهما
مالح والآخر
عذب، (نعم إن
السحاب
المار من فوق
رؤوسنا هو في
حقيقته بحر
متحرك، قد
رفعته في
السماء يد
القدرة
الإلهية،
وهو البحر
العذب
المرتفع فوق
البحار
المالحة،
فيستحيل
مطراً بقدرة
الله تعالى،
ويلتقيان
سوية،
والعجيب في
الأمر، ان
البحر
العلوي
العذب قد نشأ
بفضل البحر
السفلي
المالح فصار
مطراً
عذباً، نشأ
نتيجة تسخين
أشعة الشمس
لسطح مياه
البحار،
فتبخر وصعد
في السماء،
ثم عاد لينزل
مطراً عذباً
فراتاً). (بينهما
برزخ)
أي بينهما
حاجز نعبّر
عنه
بالسحاب، و(يخرج
منهما
اللؤلؤ
والمرجان)،
يتناقل
العامة من
الناس، ان
الصدف أو
القوقع (وهو
حيوان بحري
صغير معروف)
الذي يعيش في
قيعان
البحار يصعد
أحياناً إلى
سطح الماء
عند هطول
الأمطار
فيفتح فمه
ليبتلع قطرة
من قطرات
المطر ثم
يعود أدراجه
إلى قاع
البحر،
فتستحيل تلك
القطرة إلى
لؤلؤة. كما
تشير إلى ذلك
ترجمة
الأبيات
الشعرية
الفارسية
التالية:ـ
وقد
اثبتت
التجارب ذلك
الأمر، اذ
لوحظ أن
السنين التي
يقل فيها
هطول
الأمطار يقل
فيها صيد
اللؤلؤ، ومن
ذلك نستنتج
ان اللؤلؤ
والمرجان
منشأه الماء
العذب الذي
ينزل من
السماء على
صورة المطر
فيلقح الماء
المالح الذي
تعيش فيه
الأصداف
والقواقع
المنتجة
للآلئ
والمرجانات. بحر
العقل وبحر
الهوى: ولمّا
كان البحر
واسعاً
بهيئته،
عزيزاً
بمائه،
عنّاً
بمحتوياته،
قيل لكل شيء
واسع وغزير
وغني بحراً،
ومثل هذا
نجده كثير
الاستعمال
في
الاستعارات
اللفظية،
والتشبيهات
اللغوية،
فقد يقال
لغزير العلم
من العلماء (بحر
علم)، أو أن
يقال للرجل
الجواد (بحر
جود) وما إلى
ذلك من
الاستعارات
والتشبيهات*
وما نريده
الآن في هذا
المقام أن
نطرق المعنى
الباطني في
تأويل آية (مرج
البحرين)
فالمعنى
الباطني
يقول أن
المراد
بالبحرين
هنا هما بحر
العقل وبحر
الهوى، فلقد
أودع الله عز
وجل بقدرته
في الإنسان
بحراً عذباً
سائغاً وبحر
(العقل)
وجعله
مصدراً
للخيرات
والبركات
ودليلاً
عليها،
وأودع أيضا
إلى جانبه
بحراً
مالحاً
أجاجاً هو
بحر (هوى
النفس) وجعله
منشأً لكل
ألوان
الشرور
والنكبات
والشقاء،
وهذان
البحران
موجودان لدى
جميع الناس،
وهما بحران
وسيعان
جداً، ثم
أنشأ الباري
تعالى
بينهما
برزخاً
وحائلاً
يحول دون أن
يبغي أحدهما
على الآخر،
فليس بمقدور
بحر نور
العقل أن
يعدم ظلمة
الهوى، ولا
بمقدور بحر
ظلمة الهوى
أن يجنّ على
بحر العقل
بظلمته
فيغلبه، لأن
من غلب عليه
بحر العقل
أصبح ملكاً
أو شبيهاً
بالملائكة،
ومن غلب عليه
بحر الهوى
صار حيوان أو
كاد أن يصير
ولكن إرادة
الله عز وجل
سبقت في ان
يكون
الإنسان
حاملاً في
كيانه هذين
البحرين
المتلاطمين
دون ان يبغي
أحدهما على
الآخر،
وعليه كان
الوجود
الإنساني
مشتملاً على
نزعتين
متضادتين
جعل الله (جل
جلاله)
الإنسان في
وسط هاتين
القوتين ثم
حفّه بلطفه
ورعايته. التضادّ
في القوتين
يؤدي إلى رقي
الإنسان
معنوياً: وببركة
نور العقل
ومرارة
الهوى تنشأ
جوهرتان
ثمينتان
عنهما هما
التفويق
والعصمة
مصداق قول (عز
وجل) (يخرج
منهما
اللؤلؤ
والمرجان)،
فمن ألطاف
الله تعالى
على الإنسان
أن يمّن عليه
بالتوفيق
للخيرات،
بينما نجد
الملائكة أو
الحيوانات
لم تحصل لهما
هذه المنّة
لكونهما لا
يشتملان في
كيانهما على
وجود قوىً
متضادة، لأن
الملائكة
تنعدم لديهم
جنبة الشرور
والهدى،
وتفتقد
الحيوانات
جنبة الرقي
المعنوي،
بينما
الإنسان ضم
في كيانه
هاتين
الجنبتين،
فعقله يبغي
الغلبة على
هواه، وهواه
يطلب
السيادة على
عقله، فهذا
يحبّذ له
مباشرة
العمل
الفلاني،
وذاك يحذّره
عن فعله
وارتكابه،
ويستمر
الصراع بين
نور العقل
وظلمة هوى
النفس، ثم
ينبثق
التوفيق
الإلهي
للإنسان عن
ذلك الصراع
بعد انتصار
العقل في
نهاية
المطاف
عندما يعمل
المرء
المؤمن وفق
ارشاداته
ونصائحه،
ولو عرف
المؤمن قدر
التوفيق
الإلهي
وقيمته
لارتقى سلّم
السمو
والرفعة
الذي قد وقف
الأنبياء
والأئمة (ع)
على أعلى
درجاته وهو
ما نصطلح
عليه
بالعصمة
فيكون المرء
من اتباع
المعصومين
وينال
المنازل
الشريفة
والدرجات
العالية
القريبة من
منازل
المعصومين
ودرجاتهم
فيكون في
حاله هذا قد
حصّن نفسه من
ارتكاب
المعاصي. وهذا
هو أحد وجوه
المعنى
الباطني
لقوله تعالى (مرج
البحرين
يلتقيان*
بينهما برزخ
لا يبغيان)
وهما كما
قلنا بحرا
العقل
والهوى فـ (يخرج
منهما
اللؤلؤ
والمرجان)
المتمثّل
بالتوفيق
والعصمة. الدنيا
والآخرة،
الملك
والملكوت: والوجه
اللطيف
الآخر في
المعاني
الباطنية
لآية (مرج
البحرين)
هو أن مصداق
البحرين هما
الدنيا
والآخرة،
فلقد أوصل
الله (سبحانه
وتعالى) بين
هذين
البحرين في
عالم
الأمكان،
عالمي الملك
والملكوت،
عالمي
الظاهر
والباطن، ثم
جعل بينهما
برزخاً كيما
يكون المرء
في عالم
الدنيا في
معزل عن
الآخرة، لا
هو يراها ولا
يمكنه
الوصول
إليها،
وعندما يصير
الإنسان إلى
مرحلة الموت
يصبح في محل
تستحيل عليه
العودة إلى
دار الدنيا[1]
فالدنيا
إذاً لا تبغي
على الآخرة
فتطفى
عليها، ولا
الآخرة تبغي
على الدنيا
فتكتسحها،
ولكن
الاتصال بين
هذين
البحرين
يظهر لؤلؤ
العقائد
الصالحة
ومرجان
الأعمال
الزاكية،
فلولا بركة
الحياة في
دار الدنيا
لما حصل
المؤمن على
أنوار
العقيدة
اللؤلؤية،
وأي لؤلؤ
هذا؟ انه نور
الإيمان
الذي لا
تقيّمه
الكنوز، فقد
ورد في
الرواية أن
المؤمن في
القيامة يشع
من جبينه نور
عقيدته
الحقة فيغطي
هذا النور
كلّ ما امتد
إليه بصره،
ويشع من جنبه
الأيمن
أيضاً نور هو
نور أعماله
الصالحة. (مرج
البحرين
يلتقيان *
بينهما برزخ
لا يبغيان *
فبأي آلاء
ربكما
تكذبان *
يخرج منهما
اللؤلؤ
والمرجان *
فبأي آلاء
ربكما
تكذبّان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 19 ـ 23). الدُرَرُ
الكبارُ
والصغارُ
تنشأُ عن قطر
المطر: لقد
قلنا آنفاً
ان الله
تعالى أجرى
بقدرته
البحرين،
العذب
الفرات
والملح
الأجاج ثم
جمع ينهما
وجعل في موضع
الجمع
برزخاً حال
دون أن يبغي
أحدهما على
الآخر
فيعدمه،
وقلنا إن
الماء العذب
ضروري في رفع
حاجة العطش
وإطفاء شعلة
الظمأ،
بينما تكمن
ضرورة الماء
المالح في
مهمة
الحيلولة
دون تعفن
الهواء
والمساعدة
في الابقاء
على الحياة
بشكلها
المألوف.
أمّا عن
اللؤلؤ
والمرجان،
فقد ذكرنا
أنهما من
أشكال (الدُر)
ومنشأهما
حبات المطر
التي
تقتنصها
التواقع
والاصداف
البحريّة،
وما اللؤلؤ
إلا كبار
الدُر
الناشئ عن
ابتلاع
الصدف لكبار
حبات المطر،
والمرجان هو
صغار الدُر
الحاصل عن
ابتلاع
التواقع
لصغار حبات
المطر. تجلّي
نور الأعمال
الصالحة في
قبر المؤمن: ثم
استعرضنا
عدة وجوه
تأويلية
للآيات
موضوع
البحث،
وقلنا إن أحد
تلك الوجوه
يتمثل في
مجري الدنيا
والآخرة،
ويحجز
بينهما حاجز
البرزخ،
وقلنا إن
التلاقح
الحاصل بين
البحرين
المذكورين
يؤدي إلى
ظهور نور
العقائد،
ونور
الأعمال
الصالحة
الخاصة
بالمرء
المؤمن، ومن
المناسب هنا
أن نستعرض
سوية هذه
الرواية
التي حمل
مضمونها
مصداق ما
ذكرناه
آنفاً، ذكرت
الرواية أن
المرء
المؤمن
عندما يرحل
إلى قبره وقد
خلّف وراءه
عالم
الدنيا،
يأتي إليه
الأهل
والأصحاب
فينزلونه
القبر ثم
يوارونه
الثرى.
وعندما يصير
إلى قبره
يبصر خمسة
أنوار تملأ
عليه القبر
ضياءً الأول
من فوقه
والثاني من
تحت أرجله
والثالث عن
يمينه
والرابع عن
شماله
والخامس من
أمامه وهو
يتلألأ كأنه
صادر عن كوكب
درّي،
فيتساءل ما
هذه
الأنوار؟!
فيأتيه
الجواب،
أمّا النور
الذي من فوقك
فهو نور
الصلاة،
واما النور
الذي عن
يمينك،
والنور الذي
عن شمالك
فهما نوري
الصوم
والحج، واما
النور الذي
من تحتك فهو
نور الزكاة،
واما النور
الذي يسطع
أمامك فيغلب
بشدة تشعشعه
بقية
الأنوار،
فهو نور
ولاية محمد
وآل محمد (ع). بحر
الخوف وبحر
الرجاء في
الوجود
الإنساني: ومن
جملة الوجوه
التأويلية
لقوله تعالى (مرج
البحرين...) ان
الخوف
والرجاء هما
من مصاديق
البحرين
المذكورين،
وقد أجراهما
الباري (عز
وجل) في كيان
الإنسان،
وهما في
واقعهما
بحران
عظيمان
يشتملان على
الحالات
المختلفة
والمتناقضة
في الوجود
الإنساني
والتي تتوزع
على كفتي
ميزان، بحر
الخوف
المالح
الأجاج
المعزز
بالنار
والهول
والقبض،
وبحر الرجاء
العذب
الفرات
المعزز
بالبرودة
والأنس
والبسط،
هذان
البحران
اللذان
انفطر
عليهما
الإنسان،
فبالخوف
الذي يعتمر
القلوب يصبح
الكيان
الإنساني
ضعيفاً
محترقاً،
وبالرجاء
الذي يرد
الأفئدة
تُثلج
الصدور،
فيحول بحر
الرجاء أن
يذيب بحر
الخوف تلك
القلوب
والأفئدة،
لذلك كان
وجود هاذين
البحرين في
قلوب
المؤمنين
ضرورياً
ولازماً ثم
جعل المولى
عز وجل
برزخاً بين
البحرين لكي
لا يغلب
أحدهما
الآخر فيهوى
الإنسان إلى
مكان سيحق،
لأن غلبة
الخوف على
الرجاء تجعل
المرء آيساً
لا أمل عنده
فيخلق لنفسه
جهنماً
يُسجن فها ثم
لا يعود
بمقدوره أن
يخرج منها،
وهو ما نعبّر
عنه باليأس
من رحمة الله
تعالى
المؤدي إلى
الكفر، لأن
الإنسان
والحال هذا
سيهجر كل عمل
صالح ويتوقف
على فعل
الخيرات.
أمّا لو غلب
الرجاء خوف
الإنسان
لتولّد عنده
الغرور بحيث
نجده لا يبال
بمعصية
يرتكبها أو
ذنب يقترفه
لأن الخوف قد
رحل من قلبه،
فيترك المرء
في هذه الحال
عمل
المستحبّات
ويدع
الأنفاق
وتقديم
الصدقات ثم
يؤدي به سوء
الحال إلى
سلوك سبيل
خسران
الدنيا
والآخرة كما
يحسرها في
حالة غلبة
الخوف على
الرجاء
تماماً. لقاء
الخوف مع
الرجاء
يحصّل
الإتيان
بالطاعات
وهجر
المعاصي: (يخرج
منهما
اللؤلؤ
والمرجان)
ثم يخرج من
بحري الخوف
والرجاء
لؤلؤ التقوى
وهجران
المعاصي
ومرجان
الطاعة
والعبادة،
باعتبار أن
الخوف يمنع
ارتكاب
الذنوب حتى
وان كان
الذنب
بمقدار
خردلة،
ويطرد
الرجاء (المتمثل)
بالتعلّق
بلطف الله
تعالى
وإحسانه) عن
قلب المرء كل
أشكال اليأس
والقنوط،
وحينها
يندفع
الإنسان
مسارعاً إلى
فعل الخيرات
وعمل
الطاعات
والإكثار من
الباقيات
الصالحات،
وعليه يصبح
حد الاعتدال
أو ما يعبر
عنه بالحد
الوسط هو
الحد
المطلوب بين
بحري الخوف
والرجاء
اللذان لا
يبغي أحدهما
على الآخر،
فيتوسط
المرء خوفه
ورجاءه
ويصبح تقياً
ورعاً
مسارعاً في
الخيرات.
دعي
عبدنا: فقد
نقل السيد
الجزائري (عليه
الرحمة) قصة
شاب غلبته
شقوته
فأبتلي بطيش
الشباب
وارتكاب
الآثام
والمعاصي
وصادف ان وقع
يوماً طريح
فراش المرض
ينازع
الموت، ولما
استيقن ان
الموت غالبه
توجه إلى امه
يوصيها
قائلاً: إذا
رأيتني قد
فارقت
الحياة،
فشدي الوثاق
بقدمّي ثم
جري الحبل
واسحبيني
وناديني يا
عاصي، يا
اسود الوجه!! ولما
رحل الشاب عن
دار الدنيا
وتذكرت الأم
وصية أبنها،
لم يطاوعها
فؤادها على
تنفيذ ما
أراده منها
فلذة كبدها،
وبقيت تصارع
نفسها بين
الاستجابة
وبين ترك فعل
الوصية،
وأخيراً
قررت ان تنفذ
وصيته على
كراهية منها
لذلك فشدت
رجليه بحبل
وقامت تريد
أن تسحبه
وإذا
بالنداء
يأتيها (دعي
عبدنا)!! فطوبى
لذلك القلب
الذي اعتمر
بخوف الله
ورجائه،
ولقد نقل
صاحب تفسير
منهج
الصادقين
نظير هذه
القصة يقول
فيها: عندما
نزل الموت
بساحة أحد
الأشخاص
وأيقن هذا
الرجل من أنه
قد بات على
حافة نهاية
العمر تأوه
وهو يردد
قائلاً: يا
من له الدنيا
والآخرة
ارحم من ليس
له الدنيا
والآخرة)،
فكان تأوهه
ذاك ودعائه
الحزين
مقدمة
وباعثاً لأن
يغمره الله (عز
وجل) برحمته
ويشمله
بمغفرته
ويتجاوز عن
خطاياه. نعمتا
الخوف
والرجاء،
وبابا
الرحمة
الإلهيّة: (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان)، فيا
معشر الجن
والأنس بأي
نعمة أنتما
لا تمنان؟!
أبنعمة
الخوف
تكفران؟! أم
بنعمة
الرجاء
تجحدان؟!
وهاتان
النعمتان
اللتان
اوقرهما
الله (عز وجل)
في قلوبكما
فنلتما
بفضلهما
وبفضل
البرزخ (الذي
حال بينهما
أن تطغى
إحدادهما
على الأخرى)
السعادة
والتقوى
والأعمال
والنوايا
الصالحات. نعم
ان التوفيق
والعصمة
والخوف
والرجاء
وسائر
الوجوه
الباطنية في
تأويل هذه
الآية
المباركة ما
هي إلا نعم
ربانية
تستلزم أن
يقدّم العبد
في مقابلها
آيات الشكر
والحمد لله
رب العالمين
الذين من بها
عليه وعلى
سائر الناس
المؤمنين،
لا أن
يقابلها
بالجحود
والكفران
والانكار
ولقد
تناولنا من
قبل حول تأول
هذه الآية
الكريمة (يخرج
منهما
اللؤلؤ
والمرجان)
أحد الوجوه
الباطنية
وقلنا انها
تشير إلى
الحسين (ع)،
كما أن سورة
الحديد قد
أشارت إلى
ذكرهما (ع) في
قوله تعالى (يؤتكم
كفلين من
رحمته). (سورة
الحديد,
الآية: 28) حيث
ان المقصود
بكفلي
الرحمة هما
الحسنان (ع)،
والحقيقة ان
الحسن
والحسين (ع)
بابان
واسعان من
أبواب
الرحمة
الإلهية
ينبغي أن
نقدم لله عز
وجل عنهما
أسمى آيات
الشكر
والحمد، لا
أن نكفر بهما
ونجحدهما.
ولكن أتدرون
ما فعل
الأشقياء
البائسين
عندما
أبدلوا
الشكر كفراً
وحاربوا
هاتين
النعمتين
وقتلوهما،
فقد دسّوا
السمّ للحسن
المجتبى (ع)
وفرثوا
كبده، ثم
أيبسوا شفتي
الحسين
المصطفّى (ع)
ظلماً ثم
نحروه
واحتزوا
رأسه!!! (وله الجوار
المنشئات في
البحر
كالأعلام *
فبأي آلاء
ربّكما
تكذبّان) (سورة
الرحمن،
الآيات: 24 ـ 25). السفن
الشامخات
كالجبال
تمخر عباب
البحر: ومن
آياته
الباهرات أن
تشق السفن
عباب البحر
وتنساب
متحركة فيه. وكلمة
(الجوار) هي
في الأصل (الجواري)
وقد حذفت
الياء ثم
كسرت الراء،
والراء
المكسورة
دليل واضح
على حذف
يائها، و(الجوار)
هي جمع جاري
وجارية، وهو
كل شيء يتحرك
على صفحة
الماء،
ويطلق هذا
الاسم على
السفن
والبواخر،
وهو مرادف
لكلمة
السفينة
والفُلك بضم
الفاء،
وإنما حصل
هذا
الاختلاف في
التسمية
لوجود
خصوصيات
معينة في
الأسماء
لسنا الآن في
صدد بحثها. أما
كلمة (المنشئات)
فهي تقرأ على
نحوين،
الأول: بفتح
الهمزة على
أنها اسم
مفعول، وهنا
يكون المعنى
هو
المرفوعات،
وهي تختص
بالسفن
الشراعية
التي ينصب
على متنها
لوح أو عمود
خشبي يسمى (الصاري)
ثم تربط به
قطع من
الأقمشة
والمنسوجات
الخاصة
وتسمى (الأشرعة)
فتقوم هذه
الأشرعة بصد
الريح فيفعل
ضغط الريح
عليها أثره
عند فتحها
ونشرها
فتتحرك
السفينة
نتيجة لذلك.
أما الثاني:
فتقرأ بكسر
الهمزة،
فيصبح
معناها
المبتدئات
أو المعدّات
للحركة
والسير. و(كالأعلام)
تعني
كالجبال،
لأن الأعلام
هي جمع علم
وهو الجبل
الشامخ، وقد
شبّه الله
حركة السفن
على صفحة
الماء في
البحار
بهيئة
الجبال
الشامخات،
فكما ان
الجبل
الراسي على
الأرض يبدو
للعيان من
على مسافة
بضعة فراسخ،
فكذلك حال
السفن وهي في
لجج البحار
عندما تبدو
صواريها
شامخات
وكأنهن
جبالاً
راسيات على
الأرض، وهذا
التشبيه
يسوقنا إلى
معرفة
الأسباب
والدواعي
لذكره،
واعتبار ان
السفن آية من
آيات الله
تعالى. العناصر
الأربعة
المكوّنة
للطبيعة: كلنا
يعرفُ أن
أركان عالم
الطبيعة هي
الأشياء
الأربعة
التي يصطلح
عليها
بالعناصر
الأربعة،
وكافة
التشكيلات
والتركيبات
الموجودة في
هذا العالم
إنما تتشكل
وتتركب من
هذه العناصر
وهي (الماء،
الهواء،
التراب،
النار)، ولقد
اكتشف العلم
الحديث ما
يزيد على
ثمانين عنصر
في تركيب
الكائنات
والموجودات،
ولكن تبقى
العناصر
الأساسية في
تركيبة سائر
العناصر هي
العناصر
الأربعة
التي
ذكرناها،
وقد قام
العلم
الحديث
بتحليلها
وتجزئتها
واستخراج
العناصر
البسيطة
منها. وقد
أشارت
الآيات
الأُول
الواردة في
هذه السورة
الكريمة إلى
موضوع خلق
الإنسان من
التراب وهو
العنصر
الأول في
عملية الخلق
والإبداع
الإلهي
لأعجب واشرف
الكائنات. ثم
أعقبتها
الآيات
التالية
بالإشارة
إلى موضوع
خلق الجن من
النار، ثم
تلتها
الآيات
اللاحقة
لتتحدث عن
الماء العذب
والأجاج
واختلاطهما
دون أن يفقدا
خواصهما
الذاتية
وخروج
اللؤلؤ
والمرجان
عنهما، وبقي
العنصر
الرابع وهو
الهواء، وهو
ما لمّحت
إليه هذه
الآية
الكريمة في
موضوع سوق
السفن
الشامخات
كالجبال
لتشق عباب
البحار. ولعل
نعمة الهواء
ليست
بالخافية
على الإنسان
من حيث
أهميتها
وضرورتها،
فقدرة
الإنسان
والحيوان
البري إنما
تعتمد
بالأساس في
مواصلة
الحياة على
تنفس
الهواء،
وحتى
النباتات هي
الأخرى في
أمسّ الحاجة
للهواء. ولكن
ما يهمنا
ذكره هنا هو
ما أوردته
الآية
المباركة عن
دور الرياح
في حركة
السفن
الشراعية
وأهميتها.
وهذا يتطلب
بدوره أن
نقدّم
للموضوع
المقدمة
الآتية: غرق
الأجسام
التي تكون
كثافتها
أكثر من
كثافة الماء: لقد
أثبتت
التجارب أنّ
أي جسم له
حجم أخف من
حجم الماء لا
يغطس في ذلك
الماء، ولو
كان الحجم
أثقل لغطس.
بمعنى آخر أن
الأجسام
ووفقاً
لحجمها (مع
أخذ حجم
الماء بنظر
الاعتبار) لو
قلّت عن حجم
الماء
لاستقرت على
وجه الماء،
والعكس من
ذلك يؤدي على
غوص الجسم في
الماء، ولو
أخذنا على
سبيل المثال
الإبرة
ووضعناها
على صفحة
الماء لغطست
بينما نجد أن
البواخر
العملاقة
التي تزن
آلاف
الأطنان
تستوي على
صفحة الماء
ولا تغطس
فيه، وتعود
العلة في ذلك
إلى أن حجم
الإبرة
قياساً بحجم
الماء تعد
ثقيلة، لذلك
تغوص في
الماء،
بينما نجد
الباخرة
العملاقة
تطفو على سطح
الماء لأن
سطحها منفرج
ويتخلله
الهواء
إضافة إلى
سعة حجمها
فيقل حينئذ
وزن الماء
المزاح عنها
مما يؤدي ذلك
إلى خفّة حجم
الباخرة
قياساً بحجم
الماء
الطافية على
سطحه، ولما
جعل الله عز
وجل الهواء
أخف وزناً من
الماء في
الحجوم
المتساوية،
كانت العبرة
في مسألة
اختلاف
الأوزان
مرهونة
بالحجوم في
الأجسام رغم
أن مسألة
الثقل أو
الخفة هي
مسائل نسبية
تحصل
بالقياس إلى
الأجسام
الأخرى كما
هو معروف. ولو
لاحظنا
الأسماك
الكبيرة
التي تعيش في
مياه
المحيطات
والبحار،
نجدها تنتقل
بسرعات
كبيرة من
قيعان تلك
المياه إلى
سطوحها بفعل
الخاصيّة
المودعة
فيها
والمتمثلة
بوجود
الأكياس
الهوائية في
بطنها وقرب
الغلاصم،
فهي تجمّع
الهواء في
هذه الأكياس
عندما ترم
الصعود إلى
منطقة السطح
فيؤدي وجود
الهواء إلى
زيادة
حجومها
والتخفيف من
أوزانها
قياساً
بأوزان
المياه
المزاحة. ولو
أرادت الغوص
إلى الأعماق
لفرغّت تلك
الأكياس من
الهواء
وغاصت (ذلك
تقدير
العزيز
العليم). من
ذلك ندرك
بوضوح أن
حالة طفو
السفن لا
تتحقق لولا
وجود الهواء.
وفضلاً على
ذلك فأن حركة
السفن في شق
عباب
المحيطات
والبحار لا
تحصل هي
الاخرى لولا
وجود الهواء
والرياح (وقد
تمّ في غضون
القرن
الحالي صنع
البواخر
والسفن
المتحركة
بوسيلة
المحركات
البخارية أو
الكهربائية
أو بالوقود
النفطي) فيتم
توجيه
الأشرعة
باتجاه معين
يمكّن السفن
من الحركة
بالاتجاه
المطلوب
وبسرعات
تتناسب
وسرعة
الرياح. اللّجوء
إلى الله
تعالى بطلب
النجاة في
البحر: ومما لا شك فيه ان السفن الشراعية محفوفة بالمخاطر الكبيرة المتعددة الناشئة عن هيجان البحر واضطراب أمواجه وحصول العواصف البحرية وشدة تلاطم أمواجه العظيمة، فهي معرضة إلى الغرق على الدوام، وعليه كان ركاب السفن يلجأون إلى الله عز وجل ويدعونه بكل إخلاص وإقبال عليه ان يكتب لهم النجاة والسلامة من هياج البحر، ولكن يبقى هذا الإقبال واللجوء إلى الله للأسف مؤقتاً، فهم ما أن يصلوا جانب البر سالمين حتى ينسون الله تعالى، كما يؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين). (سورة العنكبوت, الآية: 65) ـ لأنهم أضحوا لقمة سائغة لأمواج البحر العنيفة الهيجان _ (فلمّا نجاهم إلى البرّ إذا هم يشركون) (سورة العنكبوت ,الآية: 65). وحالنا نحن أيضاً ليس بأفضل من حال اولئك، فنحن عندما تعترينا أوقات الشدة والضيق نلجأ حينذاك إلى الله تعالى، ثم نعاهده على ان نخلص له الدين وندع ارتكاب الآثام والذنوب، ونفعل كذا وكذا إن هو أنجانا مما نحن فيه، ولما تكتب لنا النجاة وينقلنا المولى عز وجل إلى بر أمانه، لا نلبث أن نعود تارة أخرى إلى تلويث نفوسنا، وتحطيم كياناتنا فننسى كل عهد بيننا وبينه، لذلك كان البلاء والمصيبة هدية وتحفة إلهية يقدمها الله تعالى للعبد المؤمن كما تؤكد ذلك هذه الرواية، يقول الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) (إن الله تعلى يتحف عبده المؤمن بالبلاء كما تتهادون فيما بينكم بالهدايا والتحف)، بلى لأن البلاء يتصور في صور الشقاء والعناء والمصيبة، ولكنه في جوهره وحقيقته هو لطف، لأن البلاء هذا سيكون مدعىً للعبد المؤمن على حضور المساجد والتضرع إلى الله واللجوء إليه، فيكون حينها لجوء العبد إلى ربه وتضرعه وتوسله ثميناً وقيمّاً. [1]
من
ضروريات
مذهب أهل
البيت (ع)
موضوع
الرجعة،
ونعني رجوع
بعض
الأفراد
على عالم
الدنيا (ممن
لحقهم
الموت) قبل
قيام
الساعة،
وواضح أن
هذا الأمر
لا يختلف أو
يتنافى مع
ما ذكرنا أو
مع قوله
تعالى (رب
ارجعون *
لعلّي اعمل
صالحاً
فيما تركت*
كلاّ...)
باعتبار ان
الرجعة
تشمل البعض
دون الكل،
ولأجل
إزالة
موارد
الشبهة
والالتباس
المحتملة
نرجع
الراغب إلى
كتاب 82 شوال
لسماحة
السيد
المؤلف(رض).
|
||||||||
|