:الموضوع |
الجزاء الجزاء وليد
المسؤولية الجزاء
هو العنصر
الثالث
للخير
والفضيلة،
وبينه وبين
المسؤولية
علاقة
المعلول
بالعلة
تماماً
كالعلاقة
بين
المسؤولية
والإلزام،،
فهي معلولة
للإلزام
وعلة للجزاء
في آن واحد
لأن وضع
المرء موضع
المسؤولية
يفترض من
وجهة
اخلاقية
وجود الجزاء
ثواباً على
طاعة
الإلزام
المسئول
عنه،
وعقاباً على
مخالفته. وهنا قاعدة أساسية راعتها واهتمت بها الشريعة الإسلامية والشرائع الوضعية معاً، وهي إذا قام المكلف العاقل بعمل ظاهره الخير، استحق عليه الثواب والثناء بمجرد حدوثه، ولا يسوغ بحال أن نستعجل بالسيئة قبل الحسنة حتى يثبت العكس، وأيضاً لا يجب البحث والسؤال: هل أتي به لوجه الله أو لمنفعة شخصية حملاً للشيء على ما وضع له إلا مع شاهد بالتحريف عن موضعه الأصيل. وكذلك يجب التوقف عن الحكم إذا لم يفعل المكلف ما عليه من الواجب، ولا نسرع إلى القول بأنه عصى وترك عن عمد، فلعل له عذراً من عجز أو نسيان، ولا جريمة مع التعذر والتعسر. الجزاء
وأخلاقية
الفعل وتسأل:
ان أخلاقية
الفعل ترفض
فكرة الجزاء
والثواب
عليه مادياً
كان الجزاء
أم أدبياً،
وتحتم
الإتيان
بالواجب
بداع من
تقديسه في
ذاته وكفى
تماماً
كقوله تعالى:
(انما نطعمكم
لوجه الله لا
نريد منكم
جزاء ولا
شكوراً) (9 ـ
الإنسان).
ومن أوجب
الجزاء على
الواجب فقد
انحدر به عن
مقامه، ونفى
عنه صفة
الأخلاقية
من حيث يريد
ثبوتها
تماماً كما
لو قال قائل:
لا تشرق
الشمس إلا
حين تغيب عن
الأعين؟ الجواب: يجب أن
ندرك ونميز
بين من يفعل
الخير ويحسن
لوجه الخير
والإحسان،
وبين من يحب
المحسنين
ويكافئهم
بجزاء
الحسنى،
أيضاً لوجه
الله
والخير،
والكلام هنا
فيمن يكافىء
على فعل
الواجب، لا
فيمن يفعله
ويطالب
بالأجر عليه..
ثم هل من
العدل
والأخلاق أن
نتجاهل
الطيب
المخلص في
أفعاله
وأخلاقه ولا
نشجعه على
فعله
المحمود بما
يغريه
بالاستمرار
والمزيد عسى
أن يقتدي به
مقتد أو
يهتدي به
مهتد ويكثر
الطيبون؟.
وأخيراً فان
من ينكر
الجزاء باسم
الأخلاق هو
الذي يفصل
الشيء عن
نفسه وينفي
الوجود عن
الموجود لا
من يقول
بالجزاء. ويضاف
إلى ذلك أنه
على الرأي
القائل بنفي
الجزاء
ينبغي لله
سبحانه أن لا
يُدخل
الجنّة من
عبد الله
لذات الله،
لا طمعاً في
جنته، لأن
ادخاله
الجنة، وهذي
هي الحال،
نقض للغرض
المطلوب!.
وعليه يكون
غير الطامع
أسوأ حالاً
من الطامع..
ولا أدري من
أي نوع هذا
المنطق!. للجزاء
أنواع نذكر
منها ما يلي: 1 ـ
الجزاء
الأخلاقي أو
الوجداني،
والمراد به
شعور الفاعل
بالغبطة
والارتياح
لفعل ما
يعتقده
خيراً
وصلاحاً،
وبالحسرة
والكآبة
لفعل ما
يعتقده شراً
وفساداً،
وبديهي أن
هذا الشعور
يختص بالذين
يتميزون
بالنبل
والإنسانية،
ويحبون
الخير وأهله
لوجه الخير،
وينتكرون
للشر وفاعله
لأنه شر، أما
الذين لا
يفرقون بين
حلال وحرام،
ولا وزن
عندهم إلا
لما يدخل في
جيوبهم
وبطونهم ـ
فيسخرون من
الضمير
ووحيه،
ويسمون من
يتحدث عنه أو
باسمه،
خرافياً
ورجعياً. وقال
هؤلاء: ان
الشعور
بالتأنيب
على الذنب قد
يحدث، ولكنه
لم ينبع من
داخل المذنب
واعماقه، بل
تسرب اليه من
محيطه
وبيئته
وثقافته
وتربيته. ونحن
لا نشك في أن
للمحيط
والتربية
أثرهما
الملموس،
ومع ذلك نؤمن
بالحياة
الشعورية
المستقلة
ووجود الذات
الغيرية
التي تُؤْثر
غيرها على
نفسها،
والذات اللا
أخلاقية
الأنانية،
وانهما
طبيعة ومزاج
تماماً
كالخبث
والنبل،
والجبن
والشجاعة،
والبلادة
والذكاء،
والعجلة
والأناة،
والحلم
والنزق،
وقوة
الإرادة
وضعفها،
والجمود
والأريحية..
إلى ذلك من
اشكال بني
آدم وبنات
حواء، قال
سبحانه: (قل
كلّ يعمل على
شاكلته) (84 ـ
الإسراء)
وقال نبيه
الأكرم: ((الناس
معادن
كمعادن
الذهب
والفضة..
تخيروا
لنُطّفكم)). ونشرت
مجلة عالم
الفكر
الكويتية في
العدد 3 من
المجلد 5
مقالاً
قيماً
وشيقاً،
بعنوان
الجريمة
والمجرم،
جاء فيه: ((اندفع
أطباء أوربا
يبحثون عن
نموذج
الإنسان
المجرم،
وفحصوا كل
جزء من اجزاء
الجسم، وقوة
السمع والشم
والأبصار...
وقدرة
المجرم
العقلية
والنفسية
والمزاجية...
وطلعوا
بعشرات
الفرضيات،
وكانت
جميعها تقف
على أرضية
واحدة هي أن
المجرم
يتميز بصفات
عن سواه)). وبعد
صفحات من هذا
المقطع قال
الكاتب: ظن
كثيرون أن
للوراثة
علاقة
بالسلوك
الإجرامي..
وقالوا: حين
يكون أحد
التوأمين
مجرماً لا بد
أن يكون
التوأم
الآخر كذلك،
ولكن سرعان
ما ظهر ضعف
قيمة
دراساتهم من
الناحية
العلمية. وبعد،
فقد انتهينا
من هذه
الأقوال
وغيرها في
الجريمة
والمجرم ومن
المشاهدات
الحسية، إلى
أن المجرمين
على أنواع:
منهم مجرم
عدواني شرير
بذاته
وجبلته،
ومنهم محترف
قد اتخذ
الجريمة
مهنة وصنعة،
وثالث لا ذا
ولا ذاك، بل
تأثر
بالظروف
والحاجة
الملحة.
والأول لا
أمل في
اصلاحه إلا
بمعجزة،
والثاني
ربما ولعل
الله يحدث
بعد ذلك
أمراً،
ودواء
الثالث عمل
يسد به
حاجته،
وينتهي كل
شيء. وعلى
كل حال فان
جزاء الضمير
لا يصلح
كمبدأ عام
وقاعدة كلية
ما دام هناك
من يحيا بغير
ضمير، يضاف
إلى ذلك أن
الضمير
سلطان بلا
عدة. 2 ـ
الجزاء
القانوني
والقانون (مجموعة
من القواعد
العامة
الملزمة
تنظم سلوك
الأفراد في
المجتمع) وهو
يعاقب
المسيء، ولا
يثيب المحسن
لأنه يستهدف
الردع
والتحذير من
ارتكاب
الجرائم..
هذا إلى أن
القانون لا
ينص على
عقوبة الكذب
والنفاق
والغيبة
وعقوق
الوالدين
وينص صراحة
على أنه لا
عقوبة بلا
نص، وهذا
تعبير ثان عن
قولنا نحن
الأصوليين:
لا عقاب بلا
بيان.. وبعض
القوانين
تحمي الزنا
واللواط
والمتضاجعين
علناً في
الحدائق
العامة ـ
باسم حرية
الإنسانية
وتصرفاته،
وفي نفس
الوقت تحمي
أقطاب
التفرقة
العنصرية
وابطالها
والأفراد
الذين
يستغلون
الجماعة
وينهبون
أقوات
الشعوب
وثرواتها،
تحمي هؤلاء
وتعاقب من
يسير
بسيارته
أكثر من
السرعة
المسموح
بها، أو يضيء
نورها
المبهر الذي
يغلب البصر
وإن لم يُلحق
ضرراً بأحد!. ومن
القواعد
الأساسية في
القانون أنه
يُطبق على
جميع
الأفراد دون
استثناء
بمجرد نشره
في الجريدة
الرسمية،
ولا يُعذر
أحد بجهله،
والمبرر
لذلك أولا
استقرار
القانون
واطراده من
غير توقف على
بحث العروض
الطارئة على
الأفراد
الذين لم
يتوفر لهم
العلم
بالقانون.
ثانياً ان
العلم
بالقانون
بعد نشره سهل
يسير على كل
طالب وراغب. ويتفق
هذا مع الفقه
الإسلامي في
الأحكام
الوضعية
بالخصوص
كعدم صحة
البيع
والطلاق إذا
لم تتوافر
فيهما
الشروط
المقررة،
فقد أفتى
الفقهاء
المسلمون
بالفساد في
هذه الحال
حتى ولو كان
الجهل عن
قصور لا عن
تقصير. 3 ـ
الجزاء
الاجتماعي،
والمراد به
هنا حب الناس
وولاؤهم
وتقديرهم
واحترامهم
لمن يعمل
لخدمة
الإنسانية
جمعاء أو
لخدمة بلده
وأبناء
وطنه، أما من
أساء وخادع
وراوغ
فجزاؤه
عندهم السخط
والمقت
والازدراء
والاحتقار،
وقد يتحول
السخط إلى
ثورة دامية.
وكل رئيس
وزعيم لا يثق
بنفسه يظهر
أمام الناس
بمظهر زائف
ومخالف
لحقيقته
وواقعه،
وأهل
الحاجات
بدورهم
يظهرون
أمامه بمظهر
زائف
ومخالف،
فيصفقون له
ويهتفون
كذباً ورياء.
وليس هذا
حباً
واحتراماً
كي يسمى جزاء
وثواباً، بل
ضلالا
واحتيالا،
قال فيلسوف
صيني: كلما
زاد عدد
المصفقين
والهاتفين
زاد عدد
الدجالين
والمنافقين. والإسلام
لا يقبل
للفاسق
شهادة، ولا
يأتمنه على
أي عمل وشأن
من شئون
المسلمين،
وأسقطه عن
الاعتبار
إذا أعلن
الفسق وجهر
به حيث أباح
الإسلام
غيبته
والتشهير
به، قال
الإمام
الصادق: إذا
جاهر الفاسق
بفسقه فلا
حرمة له ولا
غيبة. وقال
رسول الله(ص):
إذا رأيتم
أهل البدع من
بعدي
فاظهروا
البراءة
منهم. وقال
الإمام
الصادق(ع): ((لا
تصحبوا أهل
البدع ولا
تجالسوهم،
فتصيروا
كواحد منهم))
ومصدر هذا
القول الآية
140 من النساء
التي جاء
فيها (انكم
إذن مثلهم)
ومعنى هذا أن
الساكت على
أية جريمة
شريك فيها،
وفي نهج
البلاغة:
الوفاء لأهل
الغدر غدر،
والغدر بأهل
الغدر وفاء.
وفي كتب
الحديث:
العامل
بالظلم،
والمعين له،
والراضي به
شركاء. 4 ـ
الجزاء
الألهي، وهو
الأصل
والأساس،
وما عداه ظل
زائل تماماً
كوجبة من
طعام إن كان
ثواباً، أو
كضربة أو
كلمة مؤلمة
إن يك
عقاباً، أما
ثواب الله
غداً فباق
ببقائه، وقد
أخبر سبحانه
عن عذابه
بقوله: (وان
عذابي هو
العذاب
الأليم) (50 ـ
الحجر)
وبالحكمة
والعدالة
الإلهية
والفطرة
الصافية
النقية
اكتشفنا
الجزاء
الإلهي،
وبلسان هذه
الفطرة نطق
افلاطون حين
قال: ((لو
لم يكن لنا
معاد نرجو
فيه الخيرات
لكانت
الدنيا فرصة
الأشرار،
وكان القرد
أفضل من
الإنسان)). وأكد
سبحانه هذا
المعنى الذي
يختلج في كل
قلب وإن ذهلت
عنه بعض
النفوس،
وكرره في
العديد من
آياته، منها:
(فمن
يعمل مثقال
ذرة خيراً
يره ومن يعمل
مثقال ذرة
شراً يره) (8
ـ الزلزلة).. (هل
جزاء
الإحسان إلا
الإحسان) (60
الرحمن)..
وجزاء سيئة
سيئة مثلها ـ
40 الشورى).
وليس من شك
أن العقاب
على المعصية
حق وعدل،
ولكن هل
الثواب من
الله سبحانه
على الطاعة
استحقاق أو
فضل؟. ويأتي
الجواب في
فقرة خاصة. الجنة
قاع صفصف ومن
المفيد أن
نشير ـ هنا ـ
إلى أن كل
الآيات
والروايات
أو جلها التي
ورد في يوم
الحساب
والجزاء ـ
تربط الأرض
بالسماء
والدنيا
بالآخرة،
ويومىء هذا
الربط
والالتحام
إلى أن
الآخرة أقرب
إلى الشهادة
منها إلى
عالم الغيب،
وأن من يتطلع
إلى خيرها
ونعيمها
فعليه أن
يعمل عملاً
صالحاً
ينتفع به
الناس. واليك
أمثلة من هذه
الآيات
والروايات: قرأت
في كتاب مرآه
الآخرة
لمحسن الفيض
المطبوع مع
كتابه علم
اليقين: أن
النبي(ص) قال: ((الجنة
قاع صفصف
فاكثروا من
غراس الجنة))
ومثله في
سفينة
البحار مادة
غرس ((ليلة
أسري بي قال
لي إبراهيم(ع):
مر أمتك أن
يكثروا من
غرس الجنة،
فان أرضها
واسعة،
وتربتها
طيبة)).
وإذا عطفنا
أحد
الحديثين
على الآخر
وجمعناهما
في كلام واحد
يكون
مفادهما
ومؤداهما أن
الغرس الطيب
في أرض خبيثة
أو الغرس
الخبيث في
أرض طيبة لا
ينمو ولا
يثمر، وأنه
إذا أردنا
أشجاراً
ناضرة
وثماراً
يانعة فلا بد
من الطيبة
والجُودة في
كل منهما،
وأرض الجنة
جيدة طيبة،
وتتسع إلى ما
لا نهاية له
من الغرس
والبذر،
ولكن غرسها
لا يكون ولن
يكون إلا
الحسنات
وفعل
الخيرات في
الحياة
الدنيا، فمن
أرادها بهذا
الشرط
والثمن فله
منها بمقدار
ما يغرس
ويبذر، وهي
تطلبه على
هذا الأساس
قبل أن
يطلبها، وكل
ما قلناه وما
جاء في هذا
الباب أشار
اليه الإمام
أمير
المؤمنين(ع)
بقوله: ((العمل
الصالح حرث
الآخرة)). والآية
147 من الأعراف: (هل
يجزون إلا ما
كانوا
يعملون)
فقد دلت
بظاهرها على
أن العمل في
العاجلة ليس
سبباً
للجزاء في
الآجلة حيث
لم يقل
سبحانه بما
كانوا
يعملون بل
قال (ما
كانوا يعملون)
ومعنى هذ أن
العمل هو
بشخصه جزاء
العامل،
ولكنه يتحول
غداً إلى
صورة ثانية
تماماً
كالنواة
تصير شجرة،
والحبة
نبتة،
والنطفة
إنساناً.
مثلاً ـ إذا
احتكر الناس
الأموال
واكتنزوها
ولم ينفقوها
في سبيل الله
تتحول إلى
جمرات
ونيران (فتكوى
بها جبابهم
وجنوبهم
وظهورهم هذا
ما كنزتم
لأنفسكم
فذوقوا ما
كنتم تكنزون)
(35 ـ التوبة). ولا
شيء أصرح في
الدلالة على
هذه الحقيقة
من قوله
تعالى: (هذا
ما كنزتم ولم
يقل بما
كنزتم). وإذا
أنفق الناس
أموالهم في
سبيل الله
تحولت إلى
حدائق وقصور
ونمارق وحور..
وتجلت هذه
الحقيقة
بأوضح صورها
وأكملها
لامرأة
فرعون وهي في
الحياة
الدنيا حيث
قدمت نفسها
ثمناً لبيت
في الجنة
يقيها عذاب
الحميم،
وقالت مع
النفس
الأخير: (رب
ابن لي عندك
بيتاً في
الجنة ـ (التحريم).
ودخل رجل بيت
أبي ذر، فلم
يجد فيه
شيئاً، فقال:
يا ابا ذر
أين متاعكم؟.
قال له: لنا
بيت نوجه
اليه متاعنا. ومن
هذا الباب
قوله تعالى: (إن
الذين
يأكلون
أموال
اليتامى
انما يأكلون
في بطونهم
ناراً) (10 ـ
النساء)..
وأحاطت به
خطيئته ـ 81
البقرة ـ (من
كان في هذه
أعمى فهو في
الآخرة أعمى)
(72 ـ الإسراء).. (يوم
لا ينفع مال
ولا بنون إلا
من أتى الله
بقلب سليم)
(89 ـ الشعراء).
وقال رسول
الله(ص):
المرء مع من
أحب، ولو أن
أحدكم أحب
حجراً لحشر
معه. وفي
حديث آخر: ((لا
بد من قرين
حي يدفن مع
الميت وهو
عمله)). أبعد
هذه الشواهد
والدلائل
على التلاحم
والتكامل
بين الدنيا
والآخرة
يقول قائل:
الجزاء غداً
غيب في غيب؟
ولنفترض أن
هذا الجزاء
غيب، فأين
مكان الشر
فيه والعيب؟
أفي النهوض
بالإنسان إلى
الجهاد
والعمل لخير
الإنسانية
ومصلحتها،
أو بالتشجيع
والتكريم
لكل ذي عقل
سليم وقلب
رحيم؟ وكيف
عمي
الجاحدون عن
هذا الجانب
الايجابي
العملي وهم
الدعاة إلى
كل جديد
ومفيد كما
يزعمون؟
وأخيراً هل
سكروا من غير
شراب أو
أصابهم سكر (الأفيون). وفي
ظني أن هؤلاء
الجاحدين
لجزاء
الآخرة، لو
أدركوه كما
هو في القرآن
ودين
الإسلام
لتراجعوا
وسبقوا كل
الناس إلى
الدعوة
والدعاية
للإيمان به،
ولو من وجهة
إنسانية لأن
هذا الإيمام
من أقوى
البواعث على
تهذيب
السلوك
والإستقامة
على طريق
الحق
والعدل،
ومقاومة
الفساد
والضلال. هذا
فيما يعود
إلى جزائه
تعالى في يوم
ينفع
الصادقين
صدقهم، أما
جزاؤه في
حياتنا هذه
فما هو بأصل
وقانون كما
هي الحال في
الآجلة،
ولذا قال
الإمام أمير
المؤمنين(ع): ((اليوم
عمل ولا
حساب، وغداً
حساب ولا عمل))
إلا ما يقصد
به الوقاية
والحماية
لمصالح
الأفراد
والجماعة
قال سبحانه: (ولكم
في القصاص
حياة يا أولي
الالباب
لعلكم تتقون)
(179 ـ البقرة).. (ولولا
دفع الله
الناس بعضهم
ببعض لفسدت
الأرض) (251 ـ
البقرة). وفي
كتب الفقه
الإسلامي
عرض مفصل
للحدود وما
يتبعها من
التعزيز،
وللقصاص
والديات
وأسباب
التعويض
والضمان،
وطريق العلم
بهذه الكتب
ممهد لمن
أراد. وقد
يكافئ الله
سبحانه في
الحياة
الدنيا على
الصدقة،
بدفع الضراء
والبلاء،
وعلى
الاخلاص
بالتوفيق
والهداية
إلى سبيل
النجاح،
وعلى تكذيب
الأنبياء
بالعواصف
والقواصف
كما فعل من
قبل بقوم نوح
وعاد وثمود..
ولكن لا ضباط
ومقياس لذلك
في علمنا
نحن، ولله في
خلقه أسرار
وشئون، وما
علينا أن
نبحث عنها
ونتكلفها. من
المسلمات
الأولية أن
أخْذ المسيء
باساءته حق
وعدل، وقد
يرحم الله
ويغفر لمن
خلط صالحاً
بطالح أو لمن
ندم واستغفر
أو لأية حكمة
هو سبحانه
أدرى بها
وأعلم،
ويستحيل في
حقه أن يعاقب
بلا جرم وسبب
(إن الله لا
يظلم مثقال
ذرة) ولكن من
اتقى الله حق
تقاته هل
يستحق منه
الثواب كعوض
على الطاعة
والتقوى، أو
لا يستحق
شيئاً لأن
العلاقة بين
الخالق
والمخلوق
ليست من باب
المعاملة
وتبديل شيء
بشيء،
فالمخلوق
مدين للخالق
في كل شيء،
وعليه فإن
أثابه
المولى ففضل
على فضل، وإن
منعه فحق
وعدل؟. وقد
ذهب إلى كلٍ
فريقٌ من أهل
المعقول،
وأطالوا
الكلام ولكن
بلا طائل من
حيث العمل
لأن الكل على
وفاق أن الله
ـ تقدست
أسماؤه ـ
يجزي الذين
أحسنوا
بالحسنى كما
قال في الآية
31 من النجم،
وأيضاً قال: (وعد
الله
المؤمنين
والمؤمنات
جنات تجري من
تحتها
الأنهار) (72
ـ التوبة).. (أم
نجعل الذين
آمنوا
وعملوا
الصالحات
كالمفسدين
في الأرض أم
نجعل
المتقين
كالفجار) (28
ـ ص). ومعنى
هذا أن ثواب
الله لمن عمل
له كائن لا
محالة،
وعلينا أن
نوقن، بذلك
ونؤمن، ولا
يجب بحال أن
نسأل ونبحث:
هل هذا
الثواب مجرد
منحة منه
تعالى أو
استحقاق
وعوض؟. أجل
الأفضل
والأنسب أن
نقول: هو من
فضل الله
وإحسانه
أسوة بالنبي
وآله(ص). قال
إمام
المتقين
وسيد
الساجدين في
مناجاته: ((ليس
عندي ما يوجب
لي مغفرتك،
ولا في عملي
ما أستحق به
عفوك، وما لي
بعد ان حكمت
على نفسي إلا
فضلك.. لا يجب
أن تغفر لأحد
باستحقاقه،
ولا أن ترضى
عنه
باستجابته))،
فمن غفرت
له فبطولك،
ومن رضيت عنه
فبفضلك،
سنتك
الافضال،
وعادتك
الإحسان،
وسبيلك
العفو)). عاش
الإمام
السجاد(ع) مع
الله سبحانه
في كل لحظة
من حياته،
وعرف الكثير
من سننه
وآياته،
وسبله
وعادته، ومن
هنا جمعت
مناجاته بين
قوة الحجة
والمنطق في
قوله: (سنتك..
عادتك..
سبيلك) وبين
التذلل
والتوسل (بالإفضال
والإحسان
والعفو).
وبهذين
الجناحين
سما الإمام
إلى الأفق
الأعلى،
ورأى من آيات
ربه ما رأى،
وناجاه بما
جاء في
الصحيفة
السجادية،
ومنها هذه
اللآلىء
والشذرات. ومؤداها
أن ثواب الله
سبحانه يصل
إلى من اتقى
معاصيه على
كل حال، إما
لأن هذا
الثواب ثابت
بذاته، وأما
لأن الله هو
الذي أثبته
وكتبه على
نفسه، وإذن
علام
الاختلاف
وطول الشرح؟. لكل
مجرم ما
يستحق أعدَّ
الله سبحانه
لكل مذنب ما
يستحقه من
العقوبة ولا
يزيده مثقال
ذرة لأنه
رؤوف
بالعباد،
وقد ينقص أو
يغفر تفضلاً
منه وكرماً،
وهو وحده
جلَّ وعلا
يحدد في يوم
الحساب نوع
الذنب
وأسبابه
وجزاءه كماً
وكيفاً. هذا
ما يجب علينا
أن نوقن به
ونؤمن، وما
عداه لا يجب
البحث عنه
ولا الأيمان
به إلا مع
النص القاطع. وهنا
سؤال يطرح
نفسه، وهو أن
الله سبحانه
ذكر في كتابه
العزيز
صوراً من
عذاب
المجرمين
تنهار
الأعصاب
بمجرد
تصورها،
فكيف بمن
يذوق
ويختبر؟ من
ذلك حشر بعض
المجرمين
مكبلاً
بالقيود،
وعليه ثياب
من مادة
شديدة
الالتهاب،
وعلى وجهه
غطاء من نار،
أما طعامه
فمن زقوم
وشرابه من
صديد الخ!
ألا يتنافى
هذا النوع من
العذاب مع
حلم الله
ورحمته
وجوده
ورأفته؟ ألا
يكفي لجزاء
هذا الإنسان
الضعيف بعض
هذا الجحيم؟. الجواب: ان في
الناس
مجرمين
يستحقون هذا
النوع من
العذاب
وأكثر منه..
ومن هؤلاء
الذين
يحاربون
الحق أو
يكتمونه وهم
يعلمون..
وأعظم منهم
جرماً تجار
الحروب ومن
يستغل
الشعوب،
ويعد لها
أسلحة
جهنمية تقتل
الملايين في
دقائق
معدودات إذا
هي حاولت أن
تخرج من ذل
الطاعة
والعبودية
إلى الحرية..
ثم هذه
الوسائل
الإعلامية
والدعائية
والفلسفات
الالحادية
والمادية
التي تضلل
العقول
وتفسد
القلوب
ويستمر
أثرها إلى
يوم يبعثون..
أليست هذه
الجريمة
تفوق كل
الجرائم
مجتمعة؟
وإذن يجب أن
تفوق
عقوبتها كل
العقوبات. وكتب
الدكتور
فؤاد زكريا
مقالاً في
مجلة عالم
الفكر العدد
الرابع من
المجلد
الأول
بعنوان
العلم
والحرية
الشخصية،
جاء فيه: ((يستخدم
العلم في
وقتنا
الراهن على
نطاق واسع
ليكون أداة
لتكبيل
الإنسان
بقيود خفية..
والجديد في
عصرنا أن
أدوات العلم
ـ أي وسائل
الدعايات
المضللة ـ
تسيطر على
عقول تتوهم
نفسها حرة
لأن هذه
الأدوات
بلغت درجة
عالية من
الاتقان)). النية
أولاً حين
توجهت وقصدت
بقلمي إلى
هذا الفصل،
تذكرت أن أول
مقال نشرته
كان بعنوان: (انما
الأعمال
بالنيات).
وكلنا يعلم
أن النية
تسبق العمل،
وأن لكل امرئ
ما نوى، وان
الله يُسهّل
ويمهد بحسن
النية سبل
النجاح
والصلاح،
وقد مضى على
نشر هذا
المقال 45 سنة
على التقريب
ـ نحن الآن
في سنة 1396هـ ـ
وكنت آنذاك
طالباً في
النجف
الأشرف، وما
رأيته من
يومه إلى
يومي هذا،
وودت لو أطلع
عليه الآن
لأرى كيف
ابتدأت..
ولكن ما زلت
أحفظ في
ذاكرتي أني
ما شعرت بقلق
أو تخوف مما
قد يقال حول
ما نشرت لا
إعجاباً به
أو اغتراراً
بعلمي بل
إصراراً على
المضي فيما
قررت ورسمت
دون اكتراث
واهتمام
بأقاويل
تذروها
الرياح. معنى
النية النية
عند الكثير
من الفقهاء
هي الداعي،
وعند علماء
الكلام
ارادة الفعل
مقارنة له،
وفي سائر
الأحوال
وعلى جميع
الأقوال فان
النية
بمعناها
الشامل تنبع
من القلب
وأعماقه
خالصة من كل
ضغط واكراه
بعيدة عن
التورية
والتقية
بحيث يكون
مجموع العمل
المنبثق
عنها مراداً
لعامله
راضياً به
وعازماً
عليه منذ
البداية. والإنسان
الطيب تتكشف
نفسه،
وتتجسم نيته
في أقواله
وأفعاله بلا
تكلُّف
وتصنع،
وبهذا ينسجم
الإنسان مع
قلبه وعقله،
ويكون
قريباً من
الله والناس
ومحل ثقتهم
وتقديرهم.
وفي الحديث: ((ان
العبد اذا
أظهر العمل
بجوارحه،
فاستوت
سريرته
وعلانيته،
قال الله:
هذا عبدي
حقاً)).
أما من يختفي
وراء
الظواهر فهو
شيطان،
مهمته
التضليل
والاحتيال،
والغدر
والاغتيال. العلل
الأربع بعد أن
أكد أرسطو أن
لكل حادث علة
حاول أن يجعل
للعلل
ضابطاً
خاصاً،
ويحصرها
بعدد معين،
وانتهى به
البحث
والتفكير
إلى أنها
تنحصر بأربع:
فاعلية
وغائية
مادية
وصورية.
مثلاً ـ إذا
أردت أن تعلل
بناء البيت
تذكر أولاً
الباني، وهو
العلة
الفاعلة.
وثانياً
تذكر الغاية
التي من
أجلها بني
البيت، وهي
السكنى
واسمها
العلة
الغائية.
وثالثاً
تذكر المادة
التي صنع
منها البيت:
الحجر
والطين، وهي
العلة
المادية.
ورابعاً
تذكر حقيقة
البيت
المكونة من
جميع أوصافه
كطوله وعرضه
وارتفاعه
لونه
ومنافذه
ومرافقه،
وهذه هي
العلة
الصورية،
وذكر صاحب
الأسفار
لهذه العلة
أكثر من
معنى، وأخصر
وأوضح ما
قرأت في
تحديد
الهيولى
والصورة ما
قاله فيلسوف
يوناني قديم
بأن اللفظة
هيولى،
والمعنى
صورة. وما
رأيت أثراً
للعلل
الأربع في
كلام
الفلاسفة
الجدد ـ فيما
لديّ من
مصادر ـ أما
علماء
الطبيعة في
العصر
الراهن
فيعتمدون
على (القانون
العلمي) في
تفسير
الظواهر
والأحداث،
ويعنون بهذا
القانون
مجرد الوصف
لطبيعة
الأشياء،
وهذه
عبارتهم
بالحرف
الواحد: ((من
يقول: إذا
حدث كذا فإن
كذا يحدث
دائماً..
معناه أن
المشاهدة قد
دلت على ذلك..
فلا فرق بين
ما يقع صدفة
وما يقع وفق
قانون إلا أن
الاطراد في
القانون لا
يتخلف على
حين أنه في
الصدفة قد
يظهر وقد
يختفي)).(أنظر
كتاب نحو
فلسفة علمية
لزكي نجيب
محمود). وفي
كتاب
الفلسفة
بنظرة علمية
لرسل: ((ما
استنتج من
هذا الاطراد
مبدأ العلة
والمعلول
فقد خلع
شخصيته على
الأشياء)). ومهما
يكن فما
قصدنا من هذه
الإشارة أن
نقارن بين
القديم
والحديث في
فكرة العلة
والمعلول
ونبدي ما
لدينا من
ملاحظات،
وانما القصد
مجرد
التمهيد
والتوضيح
لما نحن
بصدده في هذا
الفصل الذي
نبحث فيه عن
العامل
ونيته، وعن
طبيعة العمل
وتأثير
النية به،
وعن غاية
العامل من
عمله. والعامل
علة فاعلة،
وغايته من
العمل علة
غائية،
وعمله علة
مادية، ومرة
ثانية نكرر:
لا شأن لنا
في هذا الفصل
بتساقط
العلل
الأربع أو
رسوخها. العمل
بلا نية لا أثر
للعمل بلا
نية من حيث
العقوبة
والمثوبة،
لأن الحساب
والجزاء
يرتبطان
ارتباطاً
وثيقاً
بالمعرفة
والحرية،
وحيث تنعدم
الحرية
والاختيار
تنتفي
المسئولية..
هذا ما
تقتضيه
الأصول
والقواعد،
وبه جاء
الشرع مثل (انما
الأعمال
بالنيات،
ولا عمل بلا
نية.. لن
يُدخل أحداً
عمله الجنة)
أي إلا مع
النية
الخالصة
لوجه الله
تماماً
كالإيمان
الذي عليه
تتوقف
صلاحية
العمل. أجل
العقوبة
المالية لا
تُناط
بالمعرفة
والاختيار،
بل ولا
بالعقل
والبلوغ..
فمن أتلف مال
غيره فعليه
البدل
والتعويض
بمثله أو
قيمته حتى
ولو كان
التلف عن جهل
أو غير قصد
أو من قاصر
سناً أو
ادراكاً.
وأيضاً
النية
والإرادة
ليست بشرط في
تطهير
الساتر
والبدن من
النجاسة
المادية
كالبول
والدم مع أن
طهارتهما
شرط في صحة
الصلاة، وفي
ج 1 من ابن
عابدين
وغيره من فقه
الأحناف أن
النية ليست
شرطا في صحة
الوضوء وغسل
الجنابة. النية
بلا عمل إذا
نظرنا إلى
النية في
ذاتها بغض
الطرف عن
علاقتها
بالفعل
والفاعل ـ
كان وجودها
كعدمها
تماماً
كالتصورات
والأمنيات
التي لا
يلحقها أي
فعل ونشاط،
أما قوله
تعالى: (إن
تبدوا ما في
أنفسكم أو
تخفوه
يحاسبكم به
الله) (284 ـ
البقرة) وما
في هذا
المعنى من
الآيات ـ
فالمراد منه
ما يُترجم
ويتجسم في
شيء ملموس،
أما السجين
الدفين في
الأعماق من
حيث هو، فلا
سؤال عنه ولا
حساب عليه،
وسبق الكلام
عن ذلك في
فقرة حديث
النفس من فصل
المسئولية. وإذا
نظرنا إلى
النية من حيث
علاقتها
بصاحبها،
كان لها شأن
ووزن، وإن
ظلت سجينة في
النفس، لأن
نية الخير
تنبئ عن طيب
القلب وشرف
النفس وكمال
الذات، ونية
السوء والشر
تدل على خبث
السريرة
ومرض في
القلب ونقص
في الذات
والصفات. والأول
أهل للإحسان
والإكرام
لأنه يستشعر
الخير
ويُرجى منه،
على عكس
الثاني الذي
لا يرجى
خيره، ولا
يؤمن شره،
وهو بذلك
يستحق الذم
والعقاب
بحكم العقل
والعقلاء،
ولكن الله
سبحانه يعفو
عنه تفضلاً
منه وكرماً(1) (1) (أول من
تكلم
بالفلسفة
اليونانية
اسمه ثالس
الملطي، ومن
اقواله:
القصد من
وجود
الإنسان أن
لا يفعل الشر
لا أن يُمنع
من التفكير
في الشر).،
قال الإمام
زين
العابدين(ع): ((وأما
العاصي أمرك
فلم تعاجله
بنقمتك..
ولقد كان
يستحق في أول
ما همّ
بمعصيتك ما
أخرت عنه من
عذاب.. وهذا
ترك لحقك
ورضى بدون
واجبك، فمن
أكرم منك يا
إلهي؟)).
وفي الحديث: ((من
همّ بحسنة
فلم يعملها
كتبها الله
عنده حسنة
كاملة، وان
همّ بها
وعملها
كتبها الله
عنده عشر
حسنات إلى
سبع مئة ضعف،
إلى أضعاف
كثيرة.. ومن
همّ بسيئة
ولم يعملها
لم تكتب عليه)). وفوق
ذلك رفع
الإسلام نية
الخير بلا
عمل إلى
العمل
القائم على
نية الخير،
فقد جاء في
سفينة
البحار: ((من
أحب قوماً
حشر معهم،
ومن أحب عمل
قوم شاركهم
فيه))
وعن البخاري
أن النبي(ص)
قال لأصحابه
الذين
جاهدوا في
بعض الغزوات:
((ان
بالمدينة
قوماً ما
سرتم مسيراً
ولا قطعتم
وادياً إلا
كانوا معكم..
حبسهم العذر)).
وعن الترمذي
منسوباً إلى
الرسول
الأعظم(ص): ((إن
الفقراء
الذين
يغبطون
المتصدقين
سوف ينالون
نفس الثواب
عند الله)).
والشرط
الأساسي
لهذه
المشاركة
صدق النية
والعزم
الوطيد بحيث
لا يصرفها عن
العمل إلا
مانع قاهر
تماماً كما
حدث
للمعذرين
الذين ذكرهم
سبحانه
بقوله: (إذا
ما أتوك
لتحملهم قلت
لا أجد ما
أحملكم عليه
تولوا
وأعينهم
تفيض من
الدمع حزناً
أن لا يجدوا
ما ينفقون) (92 ـ
التوبة). وفي
نهج البلاغة
خطبة 188: (من مات
منكم على
فراشه وهو
على معرفة حق
ربه وحق
رسوله وأهل
بيته مات
شهيداً أو
وقع أجره على
الله،
واستوجب
ثواب ما نوى
من صالح
عمله، وقامت
النية مقام
إصلاته
لسفيه. وأيضاً
اشتهر عن
صاحب
الشريعة
السمحة: ((ان
نية المؤمن
خير من عمله،
ونية الكافر
شر من عمله)).
وكثرت
الأقوال
والتفاسير
حول هذا
الحديث حتى
انتهت إلى
عشرة!.. مع أنه
من المحكمات
لا من
المتشابهات
فيما نظن،
لأن (خير) هنا
ليست
للتفضيل
والمفاضلة،
بل لمجرد
الخير
تماماً كما
في قوله
تعالى: (وما
تقدموا
لأنفسكم من
خير تجدوه
عند الله) (10
ـ البقرة)
وكلمة (من)
للتبعيض مثل
منهم من آمن
ومنهم من
كفر،
والمعنى أن
نية المؤمن
من غير عمل
لصارف
ومانع، تحسب
له وتسجل،
وتكون بعضاً
من أعماله
الباقيات
الصالحات،
وكذلك
الكافر حين
ينوي عملاً
من أعمال
الكفر.. هذ إلى
أن الكافر
كله شر ذاتاً
وعملاً ونية. وقد
يقول قائل:
إن حديث ((من
همّ بسيئة
ولم يعملها
لم تكتب عليه))
يتنافى مع
حديث ((إذا
التقى
المسلمان
بسيفيهما
فالقاتل
والمقتول في
النار فقلت
يا رسول الله
هذا القاتل
فما بال
المقتول قال
انه كان
حريصاً على
قتل صاحبه)).
والجواب إن
هذا الحديث
موضوع في
مقابل
حديثين
صحيحين:
الأول ((يا
عمار تقتلك
الفئة
الباغية))
والثاني ((ان
علياً(ع) أمر
بقتال
الناكثين
والقاسطين
والمارقين))،
والفئة
الأولى أهل
الجمل،
والثانية
أهل صفين
والثالثة
الخوارج. وبعد،
فقد تبين لنا
مما عرضناه
في هذه
الفقرة
والتي قبلها
بلا فاصل: أن
النية
والإرادة
شرط ضروري
لصحة
الأعمال
كلها أو جلها
حيث لا أثر
لعمل غير
شعوري
ومراد،
وبالخصوص من
حيث العقوبة
والمثوبة..
وأيضاً
استبان
بوضوح أن من
نوى الشر
واعتزم على
فعله ثم تركه
لسبب أو
لآخر، فهو
خليق بالذم
والعقاب
أصلاً
وعقلاً،
ولكن صاحب
الأمر
والشرع
أطلقه
وأعفاه
تفضلاً
وكرماً،
وأما من نوى
الخير بصدق
وعزم وحيل
بينه وبينه
فهو من عباد
الله
المخلصين. وكل ما
قيل أو يمكن
أن يقال حول
هذا الموضوع
فهو مجرد
محاولة
لتفريع
الجزئيات
واستخراجها
من هذا
المبدأ
العام الذي
أعلنه صاحب
الشرع
والشريعة
بقوله: ((لا
يصلح قول إلا
بعمل، ولا
يصلح قول
وعمل إلا
بنية، ولا
يصلح قول
وعمل ونية
إلا بموافقة
السنة))
لأن ما خالف
كتاب الله
وسنة نبيه
فهو بدعة
وضلالة.
وأخيراً
صلوات الله
وسلامه على
الصادق
الناطق
بلسان جده
سيد الكونين(ص)
حيث يقول: ((علينا
أن نلقي
اليكم
الأصول
وعليكم أن
تفرّعوا)). بعد
الإشارة إلى
العمل بلا
نية والنية
بلا عمل،
نشير إلى
العمل مع
النية (أي
العزم
والتنفيذ).
وكل عاقل لا
يعقد العزم
والنية على
أي عمل ويقدم
عليه الا بعد
أن يتصوره
ويعرفه على
حقيقته،
وأيضاً يعرف
الغاية
المترتبة
على وجوده
عاجلاً أو
آجلاً،
ويرغب فيها
ويميل اليها
من أعماقه..
وقد يكون
العمل الذي
ينويه ويميل
اليه خيراً
بطبيعته أو
شراً كذلك،
وقد لا يكون
من ذا ولا
ذاك
كالأعمال
المباحة
بالمعنى
الأخص،
وأيضاً قد
تتوافق
النية
والعمل في
الوجهة إلى
الخير أو
الشر، وقد
يختلفان في
ذلك. واليك
التفصيل: 1 ـ أن
تكون النية
الخير،
والعمل
القائم
عليها خيراً
كذلك بالذات
والطبيعة،
كمن بنى
مدرسة أو
ميتماً لوجه
الله
والإنسانية،
وهذا العمل
أخلاقي
وكمالي صرف
حيث انسجم
الباطن مع
الظاهر على
صعيد الخير،
ومن هذا
الصعيد
ينطلق العمل
ويرتفع إلى
مكان القدس
والجلال: (والعمل
الصالح
يرفعه) (10 ـ
فاطر).. (إنّا
لا نضيع أجر
من أحسن
عملاً) (30 ـ
الكهف). وطالما
ركّز
الإسلام في
تعاليمه وحث
على
الانسجام
والتطابق
بين الإيمان
وصالح
الأعمال في
العديد من آي
الذكر
الحكيم،
فكلما ذكر
الذين آمنوا
قرن ذكرهم
بهذا العطف: (وعملوا
الصالحات).
ومن المعلوم
بالبديهة أن
الإيمان
الكامل لا
ينفصل عن نية
الخير
وارادته
تماماً كما
لا ينفصل عن
العمل، ومن
هنا اكتشف
الإمام أمير
المؤمنين(ع)
التلازم
والتلاحم
بين الإيمان
الكامل
وصلاحية
العمل بحيث
يستدل بوجود
أحدهما على
وجود الآخر،
قال في
الخطبة 154 من
نهج البلاغة:
((بالإيمان
يستدل على
الصالحات،
وبالصالحات
يستدل على
الإيمان)).
وعلى هذا
التلازم يحق
لنا أن نتشكك
ونرتاب في كل
مظهر
للإيمان إلا
إذا ترجم إلى
عمل
الصالحات،
ومارسها من
ادعى
الإيمان
الكامل،
بصبر
وشجاعة،
وبطولة
وتضحية. 2 ـ أن
يتوافق
العمل
والنية في
الشر كمن
يقتل أو
يفتري الكذب
شفاءً لغيظه
وتسكيناً
لجسده وحقده..
ولا شفيع
لهذا الجرم
عند الله
والناس إلا
التوبة وعدم
الأوبة،
ويروى عن بعض
المجتمعات
القديمة
التبرؤ من
المجرم
وطرده من
حظيرتها،
وهدر دمه لكل
شخص (مجلة
عالم الفكر
الكويتية
العدد
الثالث من
المجلد
الخامس). 3 ـ أن
يكون العمل
خيراً
والنية شراً
كمن يعمل
عملاً
صالحاً
رياءً
ولحاجة في
نفسه. لا بد
أولاً من
النظر: هل
صلاحية
العمل تتوقف
على نية
الخير
والطاعة لله
كما هو الشأن
في العبادة،
أو أن العمل
صالح في نفسه
مع كل نية
وأيضاً بدون
نية كإغاثة
الملهوف،
فان كان
العمل من
النوع الأول
ينهار من
الأساس مع
نية الشر أو
عدم النية،
قال سبحانه: (وما
أمروا لا
ليعبدوا
الله مخلصين
له الدين ـ
البينة) وحيث
لا إخلاص فلا
عبادة ولا
أخلاق. وان
كان العمل من
النوع
الثاني يبقى
على طبيعة
الخير،
والنية لا
تغير منه
شيئاً
وتحوله إلى
شر مثلها،
ولكن لا شيء
منه للعامل
لأن الشرط
الأساس في
الجزاء
الإلهي هو
الأخلاص،
قال نبي
الرحمة(ص): ((فمن
كانت هجرته
إلى الله
ورسوله
فهجرته إلى
الله
ورسوله، ومن
كانت هجرته
لدنيا
يصيبها او
امرأة
ينكحها
فهجرتُهُ
إلى ما هاجر
اليه)). أما
قوله: ((انما
الأعمال
بالنيات))
فليس المراد
به أن
الأعمال
بكاملها
تتكيف تبعاً
للنية، ان
خيراً فخير،
وان شراً
فشر، بل
المراد نفي
الأجر
والجزاء عن
الأعمال
الصالحة الا
اذا قصدت
لذاتها بلا
شائبة.
وأخيراً فان
كل من يظهر
غير ما يبطن
فلا شخصية له
كي يقدر
ويحترم لأنه
مجرد مظهر
زائف، وسراب
خادع لا ضمير
له ولا قلب
سليم، فأين
يستقر الدين
أو الخلق
ويقيم؟. أجل،
قد يصير
الخير شراً
والواجب
حراماً،
ولكن لا بسبب
النية
والإرادة بل
لطارىء يعرض
من الخارج،
وهو المعبر
عنه في لسان
الاصوليين
بالعنوان
الثاني
كالصدق يصير
نميمة
ومفسدة
وعندئذ يكون
محضوراً
تماماً
كالصدم إذا
أضر
بالصائم،
وهذا خارج
عما نحن فيه. 4 ـ أن
يكون العمل
شراً والنية
خيراً
كالطبيب
يقتل بداعي
الشفقة
مصاباً بداء
راسخ ومزمن،
ويعاني من
أشد الآلام
ليله
ونهاره، ولا
علاج
ومسكنات أو
منومات.. وقد
تضاربت
الأقوال
والآراء حول
هذا القتل،
ونحن لا نشك
أنه من أكبر
الجرائم،
أما نية
الشفقة فلا
تبرر القتل
وتحوله عن
واقعه حتى
ولو حدث
بموافقة
المقتول
ومرضاته لأن
الحياة حق
لواهبها،
جلت عظمته،
وليس للعبد
منها شيء إلا
وجوب الحرص
عليها،
والوجوب حكم
لا يسقط
بالرضا،
والله
سبحانه لا
يطاع من حيث
يعصى، وهو
القائل: (ولا
تقتلوا
أنفسكم) (29 ـ
النساء).. ومن
يقنط من رحمة
ربه الا
الضالون) (56 ـ
الحجر). وقد
نعود إلى هذه
المسألة في
فصل مستقل من
هذا الكتاب،
بالنظر
لأهيمتها من
الوجهة
الشرعية،
ولأن كثيراً
من الأطباء
يمارسون هذا
القتل، ولا
يرون فيه أي
بأس من
الناحية
الإنسانية. وكما
أن الخير قد
يتحول إلى شر
ـ انظر رقم 3 ـ
كذلك قد
يتحول الشر
إلى خير لا
بسبب النية،
بل لحدث يعرض
من الخارج لا
صلة له
بالقدرة
والإرادة،
ومثاله أن
يقابلك
طاغية سفاك
يعدو خلف رجل
مظلوم يبغي
اغتياله،
فيسألك
الظالم: هل
رأيت هذا
الرجل؟
فيتحتم
عليك، وهذه
هي الحال، أن
تكذب وتقول
لا ولا يسوغ
الصدق بحال
حيث تحول
الكذب إلى
عنوان آخر،
وهو حقن الدم
المحترم،
تماماً كأكل
لحم الميتة
للمضطر، بل
أقوى وأوضح
من حيث
الجواز
والتحليل.
وهذا خارج
عما نحن
بصدده. 5 ـ أن
يكون العمل
عادياً لا
يتصف بخير أو
شر في ذاته،
ولا بحلال أو
حرام كزيارة
فلان
الفلاني..
وأي عمل يكون
من هذا النوع
يسوغ لنا أن
نرده إلى
القصد
والنية
والحكم عليه
تبعاً
لسنخها
وهويتها، إن
خيراً فخير،
وان شراً
فشر، أو لا
ذا ولا ذاك.
مثلاً ـ إن
زرت زيداً في
بيته
لإحساسك
بالسأم
والملل
والحاجة إلى
قتل الوقت،
فزيارتك هذه
لا توصف بخير
أو بشر، وان
كانت
الزيارة
بقصد
التعاون على
الخير
والصلاح فهي
خير، وان تك
للسكر
والعربدة
فهي شر. والشرط
الأساسي في
هذا النوع من
العمل أن
تكون قادراً
على تركه
وغنياً عنه،
ولا ضرورة
حياتية
تحتمه عليك
كالطعام
والشراب..
وبهذا يتبين
معنا ما في
قول بعض
السلف: ينبغي
للإنسان أن
تكون له نية
التقرب إلى
الله تعالى
في كل شيء
حتى أكله
وشربه ونومه
ودخوله
الخلاء.. ومن
قصد ذلك كان
مطيعاً لله
لأنه يقوى
على العبادة
(أنظر كتاب
علم اليقين
للفيض وغيره
من كتب
الأخلاق
القديمة)
ونسب مثل هذا
إلى رسول
الله(ص) كما
في سفينة
البحار
للقمي. ونحن
نستبعد هذه
النسبة لأن
ما من عاقل
على وجه
الأرض
يتساءل:
لماذا يمشي
الإنسان على
رجلين،
ويبصر
بعينين الخ؟
وهكذا
الطعام
والشراب،
وكل ما تفرضه
الطبيعة
وواقع
الحياة. عبادة
الله خوفاً
أو طمعاً أشرنا
في رقم 3 من
الفقرة
السابقة بلا
فاصل أنه لا
عبادة بلا
نية التقرب
إلى الله
بطاعة أمره،
ولا خلاف في
ذلك، ولكن
جاء في الجزء
الأول من
مصباح
الفقيه
للشيخ
الهمداني أن
بعض الفقهاء
يدعون بأن
العبادة لا
تصح إلا أن
يُقصد
بفعلها
وأدائها
مجرد الشكر
لله، وأنه هو
وحده أهل
للطاعة
والعبادة،
أما من عبده
خوفاً من
عقابه أو
طمعاً في
ثوابه
فعبادته
سراب وهباء!. وهذا
اشتباه
وذهول عن
قوله تعالى: (أفمن
هو قانت آناء
الليل
ساجداً
وقائماً
يحذر الآخرة
ويرجو رحمة
ربه) (9 ـ
الزمر).. (وادعوه
خوفاً
وطمعاً) (56 ـ
الأعراف) إلى
العديد من
الآيات،
يضاف اليها
صلاة قضاء
الحاجات
وكشف
المهمات.
وقال الشيخ
الهمداني
سيد من كتب
في فقه
الإمام جعفر(ع)
من يوم مصباح
الفقيه إلى
اليوم: ((كيف
يمكن تكليف
البخيل الذي
يحب المال
حباً شديداً
ويقال له:
يجب عليكم أن
تدفع خمس
مالك حباً
لله لا خوفاً
من عقابه؟
وهل هذا إلا
تكليف بغير
المقدور؟)). وبعد،
فيجب أن نفرق
بين مفهوم
الطاعة
وحقيقتها من
جهة، وبين ما
يقصده
المطيع من
الجزاء
المترتب على
طاعته من جهة
ثانية،
فمفهوم طاعة
الله هو أن
نؤدي الواجب
لأن الله أمر
به، ومن يفعل
ذلك فقد أطاع
الله شرعاً
وعقلاً
وعرفاً،
سواء أقصد من
طاعته
التخلص من
العقاب أم
الفوز
بالثواب
لأنهما معاً
من أجزية
الطاعة
وثمارها.
وبكلمة أن من
أدى ما أوجب
الله سبحانه
خوفاً أو
طمعاً، لم
يخرج عن
الإطار
الإلهي
ويتجاوز
الخط
المرسوم. |