:الموضوع

قصة هذا الكتاب

موضوع علم الأخلاق

فلاسفة اللاأخلاق

الاخلاق وهذه التيارات

هل الأخلاق ذاتية

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وآله الأتقياء.

حلاوة العلم

كل من ذاق حلاوة العلم يصبر على المشاق في سبيله، ويسهر الليالي الطوال في تحصيله، لأن العلم لا يُلتقط بسرعة وعلى عجل، ومن نال منه شيئاً اهتز من أعماقه غبطة وفرحاً، وتصور تلقائياً وعاطفياً أنه هو الذي أوجد وخلق علم ما لم يكن يعلم. وما هذا بعجيب وغريب، فإن الإنسان يحقق ذاته وشخصيته بالعلم، وبه يكون شيئاً مذكوراً.

والعلم شكل من أشكال العمل بشرط واحد، وهو الاستمرار والمتابعة في البحث والمطالعة حيث يزداد الباحث الدؤوب وعياً وعلماً وإلاّ ذبل ما كان بالإهمال والنسيان، وترك صاحبه يتيه في الظلمات.

كتبت وكتبت

طلبت العلم سنة 1925م.، وما زلت أجدّ في طلبه حتى اليوم(1) مطالعة وتدريساً ومذاكرة وتسجيلاً، وطبعت وأذعت أكثر مما كتبت.. ولدي الآن ثلاثة كتب مرشحة للطبع، منها هذا الكتاب(2) وله قصة، أعرضها بإيجاز بعد سطور.

كتبت أول ما كتبت مؤلفاً محلياً وإقليمياً (الوضع الحاضر في جبل عامل) تحدثت فيه عن بؤس هذا الجبل وحرمانه، وملأت بكلامي آذان الزعماء والعلماء من سكانه، عسى أن يشعروا بالمسؤلية عنه، وكان أول صيحة من أهل العلم الديني في هذا العصر ضد الإهمال والخطر الرابض على شيعة لبنان. وتوالت صيحاتي لهذه الغاية في الصحف وعلى المنابر.

وبعد (الوضع الحاضر) كتبت في الفقه وأصوله، وفي الدفاع عن المذهب والعقيدة، وفي الفلسفة والتصوف والفضائل، وفي التفسير، وشرحت نهج البلاغة، وأيضاً كتبت عن الوهابية وعن علماء النجف الأشرف.. إلى "من هنا وهناك. ومن ذا وذاك" إلى ما شاء ربك، إنه فعال لما يريد.

الإنسان مخير ظاهراً مسير واقعاً

كل إنسان يلتحم ببيئته وظروفه الاجتماعية، شاء أم أبى إلا أن يهيم على وجهه.. هذا إن توافرت لديه أسباب الفرار.. فكيفيكون الإنسان حراً، وهذي هي حاله؟ وصدق أرسطو حيث يقول: ((الإنسان مخير ظاهراً، مسير واقعاً)).. أبداً ما مر بخاطري في أية لحظة أن أكتب في الأخلاق حتى نزلت النازلة على لبنان، وجاءت الطامة الكبرى في شهر نيسان سنة 1975 وما تزال تهدّم وتدمدم.. وعشت في جحيمها وسمومها ستة أشهر، ونشرت في جريدة السفير أكثر من نداء، ولكن من يسمع وقوى الشر والبغي تملأ الأجواء.

وأخيراً، ما وجدت سبيلاً إلا الفرار، فارتحلت إلى النجف الأشرف، وإذا بكتاب مجيد ومفيد لولا الغموض والتعقيد، فطُلب مني أن أجدد صياغته، وأوضح عبارته، فاستخرت الله في كتابه الأعظم عند الرأس الشريف في الحائر الحسيني، فأمر، جلت حكته، فترجمت الكتاب إلى الفصحى، واستفدت كثيراً حيث كان من أقوى الدوافع لي على مراجعة العبادات بالكامل ـ ما عدا الحج ـ في كتاب الجواهر والحدائق ومفتاح الكرامة، وذلك ما حملني أن أعكف عليه بكلي مواصلاً المطالعة والكتابة ليل نهار طوال أربعة أشهر، وكنت أصل أحياناً إلى طريق مسدود لأن الصياغة الأولى ليست غامضة وحسب، بل قاصرة الدلالة على المعنى المقصود.

بين الكاتب والقارئ

سؤال كان وما يزال يوجه اليّ من الهواة، وهو كيف يصير الإنسان كاتباً؟ وكان جوابي وما زال، أن لا يتعجل الكاتب في تسجيل كل ما يمر بخاطره، ويراه حسناً غير عابئ ولا مكترث بالقارىء وإلا قابله بالمثل.. وقديماً قال الشاعر العربي: ((وكما تراني يا جميل أراكا)). والمعيار الحاسم الصارم لنجاح الكاتب أن يكون صادقاً في قوله، مخلصاً في قصده، واضحاً في سره وعلنه، عالماً بالموضوع الذي تصدى له.

أما الايجاز فنقطة ايجابية وأساسية.. وحدث أكثر من مرة أني حذفت العديد من الصفحات حين طبع الكتاب لا لشيء إلا لهاجس من الخوف أن يمل القارئ فيترك الكتاب إلى غير رجعة، ولو خيرت أن يكون كتابي 200 صفحة وله ألف قارئ ـ مثلاً ـ أو يكون 300 صفحة ويقرأه 990 لآثرت الحجم الأصغر. وكتابي هذا على غرار ما ألفت من قبل لا تعقيد فيه ولا تطويل.

قصة هذا الكتاب

تركت النجف إلى إيران بقصد الزيارة، وكان قد بقي من السنة الدراسية ثلاثة أشهر فرغب اليّ سماحة المرجع الكبير آية الله شريعتمداري أن أدرّس في دار التبليغ، فتوقفت وترددت لأن التدريس بالنسبة إلى علة القلب والتقدم في السن مسئولية شاقة وصعبة، بل وجادة أيضاً حيث أهتم كثيراً في التفهيم وطريقته، والشرط الأساسي عندي لكفاءة الأستاذ قدرته على تيسير وتسهيل أساليب البحث والدرس.. ولما عاودني السيد دام ظله مؤكداً استخرت في الكتاب العزيز، وإذا بهذه الآية: (ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى) (5 ـ الحج) فشرعت بتدريس الإرث على المذاهب الخمسة وعلم الأخلاق، وكان هذا الكتاب ثمرة لدرس هذا العلم.

ولا خلاف في شيء من مبادئ الأخلاق وقيم الخير والشر بين سابق ولاحق من علماء المسلمين على العكس من المسائل الفقهية، وإنما الاختلاف في طريقة العرض والتحليل والتدليل تبعاً لاختلاف الأيام والاتجاهات، وفي نقاش الفلسفات الحديثة التي تنصب العداء الصارخ للدين والأخلاق.. ويجد القارئ عرضاً موجزاً للوجودية والبرجماتية والوضعية المنطقية ورأي الماركسيين في الطبيعة البشرية، ولما يمكن أن يقال حولها باعتبار أن هذه الفلسفات أو النزعات هي الأكثر شيوعاً والأقوى تأثيراً من غيرها.

وأخيراً، أشير إلى كتاب دستور الأخلاق في القرآن للدكتور الشيخ محمد عبد الله دراز الذي ترجمه الأستاذ عبد الصبور شاهين من الفرنسية إلى عربية القرون الحالية!.. ولا أدري هل يتعمد هذا الكاتب الغموض والتعقيد أو هو معقد بالذات والطبع!.

وفي شتى الأحوال فقد صبرت على هذا الكتاب المطلسم، وانتفعت به، وسرت على تخطيطه في الأخلاق النظرية والحديث عن عناصر الخير الخمسة: الإلزام والمسئولية والجزاء والنية والجهد. أما الأخلاق العملية فما قيدت الحديث عنها بتخطيط جديد أو قديم لأنها مجموعة من القيم الإنسانية لا يخرج عن حدودها إلا شاذ عن طبيعة الإنسان وشريعته.. وأيّ إنسان لا يريد أن يحيا ويعيش حياة الأمن والاستقرار والتحرر من الظلم والاستغلال، وأن تكون علاقته مع كل الناس علاقة الحب والصفاء والإخلاص والوفاء؟.

وأكتفي بهذه الإشارة إلى قصة الكتاب تاركاً الحديث عن جميع بحوثه ومحتوياته ومزاياه وصفاته، إليه وحده، فانه أصدق في التعبير عن نفسه من كل واصف وناطق.. هذا، إلى أن علاقة المقدمة بالكتاب لا تحدد وتنحصر بالحديث عنه من كل جهاته أو بواحدة منها على سبيل التعيين، بل يترك ذلك لميول المؤلف ومشاعره وظروفه وأحواله، والأهم من كل شيء أن يستأثر الكتاب بالقارئ، ويشده إليه، وهو يتجه به إلى حياة أفضل وأكمل.

وفي سائر الأحوال فإن العلم، أيّ علم كان، ما هو بخليق وجدير بهذا الاسم إلا أن يلتحم مع الحياة ويؤثر فيها أثره، فيحل مشكلة من مشكلاتها، ويسهل عسيراً من أمرها. وأكثر العلوم التصاقاً بهذا المبدأ هو علم الأخلاق لأن موضوعه ينحصر في سلوك الإنسان بحدود الفضيلة وقيودها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وحاولت أن أعرض في هذا الكتاب المعيار السليم لهذا السلوك بكل ما أملك من جهد، ولا أدري: هل بلغت ما أريد؟ أدع الحكم لي أم عليّ للقراء.

والله سبحانه المسؤول أن يهب لنا من لدنه رحمة وفرجاً ومغفرة ومخرجاً بالنبي وآله الأبرار. عليه وعليهم أفضل الصلوات.

حول الأخلاق

لمجرد التمهيد

كل إنسان يستشعر في ظروف معينة نداء الضمير الحي والفطرة النقية حتى ولو كان أشد الناس إلحاداً وأكثرهم جهلاً، ومن الذي لا تتحرك انسانيته وتثور عاطفته إذا رأى طفلة تلتهمها النيران، وهي تصرخ وتستغيث؟ وكل فعل يصدر عن هذا الإحساس الإنساني النبيل وينبعث من القلب لا من خارجه فهو من الأخلاق في الصميم، فالشرط الأساسي في الفعل الخلقي أن يصدر عن باعث خلقي صرف أو يصدر عن باعث ديني بحت، فإن طاعة الدين لله وللدين تماماً كفعل الخير لوجه الخير.

وإذا تحركت العاطفة واتجهت نحو الخير ومحاسن الأخلاق في بعض المواقف فانها تثور وتتحرك نحو الشر ومساوئ الأخلاق في كثير من المواقف كالذي ينساق مع حسده وحقده وغضبه ومآربه بلا روية وتفكير.

وفي يقيني وعقيدتي أنه لا خلق أسوأ وأضرّ من خلق الذين يرفعون شعارات الخير وهم أعدى أعدائه!. ينادون بالحرية ويبطشون بالأحرار، ويتبجحون بالعدالة، ويقتلونها غيلة وغدراً، ويتباكون على الإلفة والوحدة وهم الذين فرقوا ومزقوا الصفوف: ((يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليهم بما كانوا يكذبون ـ 10 البقرة)).

وإلى مزيد من التوضيح في الصفحات الآتية.

موضوع علم الأخلاق

موضوع الأخلاق: سلوك الإنسان وأفعاله الصادرة عنه بإرادة مباشرة أو بالواسطة، ومرادنا بالواسطة هنا أن علم الأخلاق يدين المخطئ إذا قصر وأهمل الاحتياط والتحفظ. طبعاً مع قدرته عليه حيث لا تقصير مع العجز.

تعريفه

وعلم الأخلاق مجموعة من المبادئ المعيارية التي ينبغي أن يجري السلوك البشري على مقتضاها، والياء في المعيارية(3) نسبة إلى المعيار الذي يقاس به غيره (أي أن مبادئ الأخلاق ترسم طريق السلوك الحميد وتحدد أهدافه وبواعثه).

الغاية

إذا كانت الغاية من علم النحو صون اللسان عن الخطأ في المقال، ومن علم المنطق صون الفكر عن الخطأ في الأحكام، فإن الغاية من علم الأخلاق صون الإنسان عن الخطأ في سلوكه بحيث يكون مستقيماً في قصده وفعله وغرضه بعيداً عن الهوى والتقليد الأعمى، وبكلمة فإن الغاية من كل علم ما عدا علم الأخلاق أن نبتعد عن الخطأ في مسائله وقضاياه. أما الغاية من علم الأخلاق فهي ان يوجد مجتمع يسود فيه العدل والأمن والتعاون على صيانة الحياة من الفساد والمظالم، ومن كل ما يشقيها ويرهقها، والسير بها إلى الاكمل والأفضل.

ومعنى هذا أن علم الأخلاق يتوخى اصلاح الفرد والجماعة بملازمة الصراط المستقيم في السلوك.

مصدره

ومصدر علم الأخلاق كتاب الله وسنة نبيه وآله الأطهار والعقل والمشاهدة والفطرة. وبعض الكتّاب يعبر عنها بالجهاز الدقيق الموجود في داخل الإنسان يدرك تلقائياً الكثير مما يصلحه ويسعده ولا يُشقيه ويفسده كحبه للحرية والمساواة وكراهيته للعبودية والمحاباة، ورغبته في كل ما يوفر له الحياة الفضلى ويجعله شيئاً مذكوراً. وبعض المؤلفين يسمي هذا الجهاز بقانون القلب الذي يدرك الشيء تلقائياً. في مقابل قانون العقل الذي ينتقل من مجهول إلى معلوم، من شاهد إلى غائب.

بين علم الطبيعة وعلم الأخلاق

قطب الرحى في علم الطبيعة الكشف عن أسرارها وعناصرها كما يدركها علماء الطبيعة بالتجربة والمشاهدة، ويصوغونها في قواعد مضبوطة يستعينون بها على تطويع الطبيعة لمصلحة الإنسان ومساعدته فيما يواجه من مشكلات العيش والحياة، ومن شأن هذا العلم أن يتطور ويتقدم تبعاً لتطور قوى الانتاج ووسائله، وقد تعاظم شأن هذا العلم في أيامنا بصورة هي فوق الوهم والخيال!. وعلماء الطبيعة هم الذين يصنعون الحضارات، ويغيرون الحياة المادية، ويهدمون العديد من التقاليد والعادات، وأي إنسان في هذا الكوكب من أدناه إلى أقصاه تخلو حياته اليومية من آثار العلوم الطبيعية الحديثة؟. وقال كاتب معاصر: ((العلم الحديث موضوعه الطبيعة والمادة حية وميتة وما يخرج عنها من طاقات، أما ما لا يرى فليس لهذا العلم إليه من سبيل.. فإن أنكر عالم طبيعي وجود الروح ونحوها فهو انما يفعل ذلك خارج مهمته كالمحامي يقضي في موضوع طبي، أو كالطبيب يقضي في شؤون الجن وأمراضها.!

وقطب الرحى في علم الأخلاق هو: كيف ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان، كما سبقت إليه الإشارة، وما من أحد يستطيع العيش بلا سلوك أو بسلوك بلا منهج ونظام، وعلماء الأخلاق يرسمون ويرسون هذا المنهج والنظام الذي يسترشد به الإنسان إلى الغاية المثلى.

ومعنى هذا أن حياة الإنسان بحاجة ماسة إلى جهود علماء الطبيعة وفلاسفة الأخلاق معاً، وإلى التنسيق والتوازن بين المصالح المادية والحاجات الروحية، ولكن طغت المادة وأشياؤها في أيامنا هذه على الأخلاق وقيمها، وانقلبت المفاهيم، وأصبحت الفضيلة هي المصلحة الذاتية، وتحوّلت أكثر العقول أو الكثير منها إلى آلة حاسبة لأرقام الأرباح والفوائد!. وعسى أن يكتب الله لعباده الإنابة والهداية.

بين الدين والأخلاق

الوحي عندنا مصدر من مصادر الأخلاق، ويكفي في الدلالة على ذلك أن الأخلاق كلها سلوك وعمل حتى ضبط النفس فإنه نوع من العمل، ونحن نهتدي بكتاب الله وسنة نبيه في سلوكنا معه سبحانه ومع الأسرة والمجتمع وسائر الكائنات، وأيضا كل من دعوة الإسلام وعلم الأخلاق إنسانية عالمية لا تتقيد بزمان أو مكان ولا بأمة أو طائفة.

وإن كان هناك من فرق فهو أن مفهوم الأخلاق لا يدخل فيه فكر مجرد ونظر محض في حال من الأحوال. أما مفهوم الدين فانه يعمّ ويشمل الفكر والإيمان الذي لا يستدعي أي شعار أو جهد وأثر تراه الأبصار وتمسه الأيدي كالاعتقاد بوجود الجن والملائكة حيث ورد ذكرهما في القرآن الكريم.

هذا أولاً، وثانياً أن مبادئ الدين وتعاليمه لا تكون ولن تكون إلا بوحي من السماء، أما مبادئ الأخلاق وقيمها فتكون بوحي من الله سبحانه، وبوحي من الفطرة النقية وجوهر الإنسانية، بل إن كثيراً من الفلاسفة ربط الأخلاق بالطبيعة البشرية وحدها، واعتبرها ظاهرة إنسانية لا صلة لها بالدين على الإطلاق، وإن التقت معه على صعيد واحد في كثير من المبادئ والأحكام.

أما نحن ـ فكما أشرنا ـ نؤمن ونعتقد بأن الأخلاقي يحتكم إلى دينه وضميره معاً، وأن العلاقة بين محكمة الدين ومحكمة الضمير هي علاقة التعاضد والتأزر وان حكم احداهما يزيد حكم الثانية قوة وإبراماً وثباتاً وإحكاماً. ويأتي في فصل المسؤولية أن المسؤولية الدينية تتحول حتماً إلى المسئولية الأخلاقية الطبيعية في نفس المؤمن لأن الإيمان والضمير كلاهما من الحقائق الكامنة في ذات الإنسان وأعماقه لا في خارجه.

بين عالم الدين وعالم الضمير

ولا شيء أصدق في الدلالة على الصلة القوية الوثيقة بين أخلاقية الدين وأخلاقية الضمير، من قوله تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) (89 ـ الشعراء).. (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) (13 ـ الكهف).. (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) (10 ـ البقرة). وقال سيد الكونين(ص): ((إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه))، وقال الإمام أمير المؤمنين(ع): ((من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها زاجر وواعظ)). والمراد بالواعظ هنا وهناك الضمير الاخلاقي الذي يضبط النفس عن الهوى.

والآن تعال معي لنستمع إلى انشودة الأناشيد، إلى نشوة الروح من عطر هذا الإمام العابد ((المعبود)): زين العابدين(ع) حيث يقول بقلب واجف خافق:

((اللهم خذ لنفسك من نفسي ما يخلصها، وابق))

((لنفسي من نفسي ما يصلحها، فان نفسي هالكة أو تعصمها)).

معضلة مشكلة تأخذ بالخناق: كيف ينتشل الإنسان عدوه من ذاته، ويطهرها منه والمفروض أن عدوه هو ذاته لا غيرها؟ وهل من سبيل إلى الفرار إذا كان الحصار من الداخل؟.. أبداً لا مناص ولا خلاص إلا أن يغيّر هذا الإنسان ذاته، فيهدمها من الأساس ويبنيها من جديد، كما جاء في الآية 11 من الرعد: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) بحيث يصبح الإنسان جديداً وضميراً رشيداً يسير على هديه، ويعيش في ظل الله وظله.

إلى الله تُرجع الأمور

سبقت الإشارة أن بين أخلاقية الدين وأخلاقية الضمير صلة وثيقة وقوية، ويمكن القول بأنهما شيء واحد بالنظر إلى المصدر، ان الله سبحانه هو الذي شرع الدين وانزل الوحي، وأيضاً هو الذي خلق الضمير والعقل، وأودع فيه ملكة التمييز بين الخير والشر ((وهديناه النجدين)).

ومن جهة ثانية فان العقل يأمر بطاعة الله ويوجب ما أوجب ويحرم ما حرم، ومن هنا اتفق الشيعة على أن كل ما حكم به الشرع يحكم به العقل، وكل ما حكم به العقل يحكم به الشرع، وقالوا: إن العقل بيان من الداخل، والشرع بيان من الخارج، وأيضاً قالوا: ((السمعيات ألطاف في العقليات)).

وأرادوا بهذه الجملة أن الأحكام العقلية بمجردها لا تبعث على فعل الخير وترك الشر، فجاء الوحي مؤازراً لها ومناصراً بالتأكيد والتأييد تارة، وبالوعد والوعيد تارة أخرى، وسموا هذه المؤازرة والمناصرة بقاعدة اللطف.

ونستخلص من كل ما تقدم أن من فعل الخير وهو مؤمن بالله، كان فعله هذا دينياً وأخلاقياً في آن واحد، وإن يك من الجاحدين نظرنا: فإن كان من الذين يعترفون ويؤمنون بالأخلاق وواقعها وقيمها وأصولها كان فعله للخير أخلاقياً لا دينياً، وأن كان لا يؤمن بشيء على الإطلاق فعمله لا ديني ولا أخلاقي، بل هباء وهواء لأنه حالة من حالات الفوضى واللامبالاة حيث لا قياس ومنهج ولا نظام ومبدأ.

والخلاصة أن الدين يعتبر العمل بمبدأ العدالة الإنسانية والأحكام العقلية الفطرية نوعاً من طاعة الله وشريعته، كما أن العقل والضمير الحي يرى العمل بأحكام الله وشريعته نوعاً من العمل بمبادئ الأخلاق وقيمها.

فلاسفة اللاأخلاق

قال لفيف من الفلاسفة: لا أصول وجذور في طبيعة البشر للأخلاق. ولا وحي نزل فيها على الإطلاق إلا عند الذين آمنوا به وتواصوا بالصبر والمرحمة، وعليه فأية عبارة أخلاقية مثل الوفاء والاحسان إن هي إلا تعبير عما في نفس قائلها من شعور ذاتي تسرب إليه من عادات قومه وتقاليد بيئته.

الجواب:

أولاً: ان انكار الأخلاق جحود بالإنسانية وجوهرها وسموها وأسرارها من الأساس، وكفر بالتضحية والاستشهاد، وبالمحبة والحنان، والعفو والصفح واللطف والحنان والتراحم والتعاون، والإباء والعفة، وبراحة الضمير لفعل الخير وتأنيبه وندمه على فعل الشر، وغير ذلك من العالم الأكبر الذي انطوت عليه نفس الإنسان، وشارك به السبع الشداد على حد ما قال الإمام أمير المؤمنين(ع).

وأخيراً من أنكر الأخلاق فقد حكم بنفسه بأنه مجرد عن الإنسانية بكل ما فيها من معنى، وان الكلام معه تماماً كالكلام مع جامد أو حيوان ((من فمك ادينك)).

ثانياً: بأي شيء نفسر ونفرق بين عالمين تخرجا من مدرسة واحدة، وعاشا في مجتمع واحد، وظروفهما واحدة، وكل منهما يؤمن ويعتقد بأن على العالم أن يعمل بدينه وعلمه، فعمل أحدهما بما يعلم ويعتقد ابتغاء وجه الله ومرضاته، واتخذ الآخر من العلم والدين أداة للصوصية!. أبداً لا تفسير لهذا التفاوت والشتات إلا أن ذاك استجاب لدعوة الله ونداء الضمير، ونكص الآخر وتمرد.

ثالثاً: ما من شك أن الطفل يولد ولا معاني في ذهنه كلية أو جزئية، ثم ينمو جسماً وعقلاً من خلال تربيته وتفاعله مع مجتمعه وبيئته حتى يصل إلى مرحلة يستقل فيها بصفاته وخصائصه التي تميزه عن غيره، وبشعوره وتفكيره حراً طليقاً في أفكاره وقراراته وآرائه ومعتقداته.

وقد يزداد عقله وذكاؤه قوة ونمواً بمضي الزمن فيحاكم البيئة والمجتمع فضلاً عما يقرأ ويسمع، وقد يتبنى اتجاها يضاد ويعارض الاتجاه السائد عند العموم. بل قد يهدم بعبقريته وعظمته تقاليد الجماعة من الأساس، ويقلب حياة الأمة أو الأمم رأساً على عقب كما فعل رسول الله(ص) الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وصحح الوضع السائد الفاسد في عالم الشرك والجاهلية..

واليوم نقرأ الكثير في الصحف والكتب، عن الصراع بين الأفراد والجماعات، يكشف عن أسواء النظم السياسية والتقاليد الاجتماعية.. ولو كانت جميع الأفكار والتعاليم والصفات والخصائص، بإيحاء البيئة وآثارها والمجتمع وعاداته لما كان في الدنيا نبي وعبقري، ولا مصلح وناجح.

بين الأخلاق والعادات

كان سفسطائيو اليونان القدامى يعلمون الشباب الجدل الفارغ وفن المغالطة والتلاعب بالألفاظ، ويتقاضون أجراً معلوماً على هذا التشكيك والتضليل. وقد شمل نقاش السفسطة فيما شمل الطعن بالأخلاق حيث قال السفسطائيون: إن الأخلاق تختلف من مجتمع إلى مجتمع، ومن زمن إلى زمن، فالخير عند أناس في الشرق هو شر عند آخرين في الغرب،والعدل في زمن كان، هو ظلم في هذا الزمن، ولو كانت الأخلاق تصدر من الوحي والعقل ـ كما سبق ـ لكانت بكاملها على نسق واحد ومن نوعية واحدة شرقاً وغرباً وفي كل حين.

وحفظ هذه السفسطة من حفظها في هذا العصر، واخذ يشيعها ويروجها.

وهذا جهل وخلط بين علم الأخلاق المستقل في موضوعه ومنهجه وقواعده كغيره من العلوم وبين العادات والتقاليد التي توجد وتنشأ من الظروف والمناسبات ولا ترتكز على أساس من العلم والحق. وفيما يلي نشير إلى الفروق بين مبادئ الأخلاق والعادات:

1 ـ إن المبدأ الخلقي كالصدق والعدل عام وثابت يصلح لكل مجتمع في كل زمان ومكان لا يتعدد أو يتجزأ، وإنما التعدد في الفهم وكيفية التطبيق، أما العادة فقد تختص بالفرد كالتدخين أو بشعب أو قبيلة أو طائفة أو دولة تبعاً لظروفها، وعلى سبيل المثال: ما جاء في كتاب دراسات إسلامية للدكتور دراز: أن قانون الرومان القديم كان يُخوّل ربَّ الأسرة أن يقتل زوجته وأولاده، وأن قانون أسبارطة كان يبيح النهب والاختلاس في بعض المواسم، وأن الأمهات في الصين كانت ترمي أطفالها إلى الحيوانات المفترسة تخلصاً من أثقالهم.. وكلنا يحفظ قوله تعالى: (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) (8 ـ التكوير).

ومن أغرب ما قرأت في هذا الباب ما جاء في مجلة عالم الفكر الكويتية، العدد الرابع من المجلد الأول: أن جريحاً من البيض في الولايات المتحدة احتاج إلى عملية نقل الدم، ولم تتفق فصيلة دمه إلا مع فصيلة دم السود، وقد تبرع هذا المسكين إلى الجريح بدمه لوجه الله والإنسانية، ولكن الممرضة أخذت الزجاجة التي فيها دم الإنسان الاسود وكسرتها، وتركت الجريح يموت كيلا يختلط دم العبيد بدم السادات!.

فهل هذا إنسانية أو وحشية؟ وهل قتل الأولاد من أملاق دليل على ضغط الفقر وكفره أو على قسوة الأمومة والأبوة؟ وهل قانون القتل والنهب وأباحتهما من وحي الله والضمير أو من الخطأ والجهل بالمقاييس والمعايير؟.

2 ـ ان العادة مصدرها الشعور والانفعال أو العرف، أما الأخلاق فمصدرها الوحي والعقل، كما سبقت الإشارة إليه.

3 ـ ان أحكام الأخلاق كلها صالحة نافعة للفرد والجماعة، أما التقاليد والعادات فمنها الضار والنافع، ومنها وجوده كعدمه.

وبعد، فإن القاعدة الأخلاقية تقوم على معيار إلهي وعقلي وتنطلق منه إلى التطبيق والعمل، أما العادة فهي وليدة الظروف والمصادفات، فقياسها على الأخلاق أشبه بقياس اللامعقول على المعقول، واللاقيم وعدم الالتزام على الالتزام والقيم الجاهزة.

بين الأقوياء والضعفاء

قال الفيلسوف الألماني نيتشه: خُلق الأقوياء ليحكموا الضعفاء، ووُلد الضعفاء ليخدموا الأقوياء، ولما ضاقت الأرض على المعذبين والبائسين لجأوا إلى الحيلة وابتدعوا كلمة الأخلاق وحسن السلوك بالعدل والمساواة، وأن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه.. عسى أن يتعظ الأقوياء ويكفوا أيديهم عن اخوانهم الذين لا حول لهم ولا قوة. ومعنى هذا أن الأخلاق لا أساس لها من الواقع، وان مصدرها الأول والأخير حيلة المغلوبين تماماً كرفعهم المصاحف يوم صفين.

وقال ماركس: أجل لا عين ولا أثر للأخلاق في الواقع، وإن هي إلا حيلة وغيلة ولكن من الأقوياء لا من الضعفاء وقد ابتدع الطغاة كلمة الوداعة والمسالمة والصبر والزهد والبعد عن المشاكل والقلاقل كيلا يتحول المستضعفون إلى مكافحين ثائرين على الرق والعبودية.

ويلاحظ بأن كلا من نيتشه وماركس قد أثبت وجود الأخلاق في الواقع من حيث يريد نفيها وإنكارها دون أن يحس ويشعر، فنيتشه يمجد القوة في الأقوياء، والإنسان القوي خير من الإنسان الضعيف، ما في ذلك ريب، شريطة أن لا يتولد من قوته ضعف الآخرين، وماركس يندد باستغلال الأقوياء للضعفاء، وهذا التنديد كلمة حق شريطة أن يراد بها تحقق الحرية للجميع(4).

والذي يؤكد اعتراف ماركس بالإنسانية والقيم الاخلاقية، قوله: ((إذا كانت الظروف هي تصنع الإنسان فيجب أن نصنع ظروفاً إنسانية)). وإذن فالخلاف في تفسير الإنسانية وتطبيقها العملي، وهل هي نفس الماركسية اللينينية أو هي العدالة الاجتماعية وضمان الحرية لكل الناس بلا تمييز سواء أكانت دينية أم سياسية أم اقتصادية، لا فرق بين واحدة وواحدة؟.

نظرية الوسط

تحدث اليونانيون عن الأخلاق وأكثروا خاصة سقراط حيث اتفق مؤرخو الفلسفة أنه المؤسس الأول لفلسفة الأخلاق، وأنه انزل الفلسفة من السماء إلى الأرض لأن الفلاسفة من قبله كانوا يهتمون في أصل الكون ومصدره وكواكبه وعناصره ابتغاء الوصول إلى معرفة قوانين الطبيعة وعلومها، فحوّل سقراط هذا البحث إلى نفس الإنسان وسلوكه وسعادته وشقائه وفنائه وخلوده ونشاطه وفاعليته، ابتغاء الوصول إلى معرفة الفضيلة والقيم العليا.

والغريب أن بعض الباحثين يرى هذا التحول دليلاً على أن سقراط موضوعي تقدمي، وقد رأى آخر أنه دليل على رجعية سقراط وجموده لأن اهتمام الفلسفة بالأخلاق معناه التدهور والانهيار تماماً كما قال فلاسفة اللاأخلاق الذين سبق الحديث عنهم قبل قليل.

وقال فيلسوف معاصر: لا نخطىء إذا قلنا عن الفلسفة اليونانية: إنها بصفة عامة كانت تخدم الأخلاق، وبعد أن انتشرت المسيحية في أوربا والإسلام في الشرق تحولت الفلسفة من خدمة الأخلاق إلى خدمة الدين ودعمه. واليوم وقد جاء عصرنا بالعلم الطبعي يحاول علماء الطبيعة أن تكون الفلسفة وصيفة تخدم هذا العلم تماماً كما خدمت الأخلاق في عصر الاخلاق والدين في عصر الدين.

وعلى أية حال، فقد انتهى اليونانيون بفلسفتهم الأخلاقية التي قادها ارسطو إلى أن الفضيلة وسط بين رذيلتين، فالشجاعة ـ مثلا ـ فضيلة لأنها وسط بين الجبن والتهور، والكرم فضيلة لأنه وسط بين الإسراف والتقتير الخ(5).

وبقليل من التأمل يظهر الخطأ والقصور في هذه النظرية كمنهج كامل ومطرد، وذلك بأن هناك فضائل كثيرة باعتراف اليونانيين أنفسهم، ليست وسطاً بين رذيلتين، منها الصدق فانه فضيلة وتقابله رذيلة الكذب ولا ثالث، ومنها العفو عن المعتدي فأنه رحمة وفضيلة في بعض الأحيان، ويقابله القصاص، وهو عدل وانصاف ولا رذيلة إلا الاعتداء، فأين الرذيلتان؟ بل هنا رذيلة بين فضيلتين وليس فضيلة بين رذيلتين، ومنها الأمانة.

الأخلاق وهذه التيارات

العلماء القدامى

كان العلماء القدامى يتحدثون عن أحكام الدين ومبادئ الأخلاق، على أنهما حق لا ريب فيه، وما كان من أحد يجرؤ على القول والسؤال عن السبب الموجب للالتزام بالدين والأخلاق، وعن المبرر لهما ووجوب الاعتقاد بهما لأن مثل هذا السؤال كان آنذاك في نظر الناس، كل الناس أو جلهم تماماً كالسؤال: لماذا يرى ينظر الإنسان بعينيه، ويسمع بأذنيه، ويمشي على رجليه.. حتى الرؤساء والملوك كانوا يتقربون إلى الرعية بالظهور في لباس المؤمن المتدين، ويبنون المعابد والمعاهد الدينية، ويقدسون العلماء، ويخضعون لأمرهم. وينفذون أحكامهم لا لشيء إلا لقوة الدين وعظيم منزلته في نفوس الجماهير.

ومن هنا انصرف العلماء القدامى إلى الجدال والنقاش فيما بينهم في مسائل جانبية أو اجتهادية لتحقيق مسألة فقهية أو قاعدة أصولية، فاعترض الشيخ الخراساني على الشيخ الانصاري، ونقض هذا قول القمي حيث لا دروين ولاماركس مثلا.

مهمة الدعاة في هذا العصر

أما اليوم، وقد اجتاحت المادية الجامحة كل شيء، وطغت على عقول أكثر الناس وقلوبهم، خاصة شباب الكليات والمعاهد بل والرجل العادي أيضاً، ليس كما كان من قبل في عقيدته وعبادته وإقباله على التضحية والموعظة الدينية، أما اليوم، وقد كاد الإسلام يعود غريباً كما بدأ، فعلى حماته الغيورين أن يسلكوا طريقاً جديداً في الدعوة إليه يتفق مع روح العصر والعقول التي يخاطبونها، فيلمّون أولاّ بالمذاهب المادية وفلسفتها، ويعرفون عيوبها ومساوئها كي يكون الحوار مع أنصارها الواثقين بها مجدياً وعلمياً لدى من يسمعه من أهل الوعي، يهدف إلى تمحيص الحقيقة ومعرفتها.

الأخلاق والتيارات المادية

ومن المؤسف أن الكثرة الكاثرة من أبناء الحوزة العلمية الدينية لا يعرفون شيئاً عن هذه التيارات، والبعض منهم لم يسمع بها على الإطلاق، وأهمها من حيث التأثير في الفكر المعاصر أربع فلسفات: الوجودية، والماركسية، والبرجماتية، والوضعية المنطقية، ولكل منها أساس تبتني عليه، وتنطلق منه، وهي على ما بينها من تفاوت تتفق على انه لا واقع ولا أصل ثابت للأخلاق والقيم.

لقد أعلنت هذه الفلسفات أو النزعات الحرب على الدين والأخلاق وكل ما يمتّ إلى الروح بسبب ـ لا لشيء إلا لأن إنسان هذا العصر أصبح قوياً في اسلحة الدمار الشامل ومصادر الإنتاج والثراء الهائل، ومن قبل قال المترفون الأغنياء: ((من أشد منا قوة ـ 15 فصلت))، وقال سبحانه: (ان الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) (6 ـ العلق). أما قول أمير المؤمنين(ع): ((إذا قويت فاقو على الحق، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله)) ـ فهو ـ على زعمهم ـ كلام فارغ.. وفيما يلي نثبت أن الأخلاق واقعية لا ذاتية، وبعد ذلك نشير إلى طائفة من تلك الفلسفات ونذكر حولها ما نراه من الملاحظات.

هل الأخلاق ذاتية؟

تقول هذه الفلسفات أو التيارات: أن الأخلاق ليست ذاتية، لأنها مجرد شعور يتسرب إلى الإنسان من التربية والمحيط دون أن يعتمد على شيء من الواقع، ومن هنا تنوعت القيم الأخلاقية تبعاً لاختلاف الأمم والشعوب والأزمنة والأمكنة، فما تراه أمة خيراً تراه ثانية شراً، وما يُعد في هذا الزمان مباحاً كان بالأمس مخطوراً.

الجواب:

ان الوجود من حيث هو نوعان: وجود عيني محسوس ومستقل في وجوده كالنيل والفرات، ووجود معنوي قائم في الأشياء الخارجية كالأبوة في الأبوين، والزوجية في الزوجين، والظلم في العدوان، والعدل في الحكم، ونحو ذلك.

والقيم الأخلاقية بكاملها هي من نوع الموجود المعنوي لا المادي العيني. وتوصف الأشياء الخارجية بالقيم الأخلاقية لأنها قائمة بها فعلاً وحقاً وواقعاً، فإذا قيل: الصدق خير، والكذب شر، والوفاء بالعهد واجب، والنكث به محرم ـ فالمعنى أن الخير كامن في الصدق والشر في الكذب، والوجوب قائم بالوفاء، والتحريم بالنكث تماماً كقيام العلم بالعالم والجهل بالجاهل والجود بالجواد والحرص بالبخيل، إلى غير ذلك من الصفات الثابتة الراسخة رسوخ الجبال.

وهذا الوجود الذي سميناه بالمعنوي يسميه المعلم الأول أرسطو بالقانون الطبيعي باعتباره ضرورياً لا مفر منه، وضرب له مثلاً بتعاون أفراد المجتمع حيث لا يستطيع واحد منهم أن يستقل بنفسه مستغنياً عن الخباز والقصاب والحذّاء وبائع أنواع السلع الضرورية، وقال ما نصه بالحرف الواحد: ((وأي شخص لا يحتاج إلى غيره من الناس فهو إما إله وأما وحش)). (انظر مجلة عالم الفكر المجلد الرابع العدد الثالث ص 163).

وأخذ النائيني هذا المعنى من أرسطو ـ فيما نظن ـ وطبقه على بعض الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية المسببة عن العقد، وسمى ذلك بالأمور الاعتبارية ولكن أعطاها صفة الأحكام الطبيعية، وقال ما نصه بالحرف الواحد: ((ما المانع ان تكون هذه الأمور في وعاء الاعتبار ويكون وجودها التكويني عين وجودها الاعتباري)). (انظر فوائد الأصول للكاظمي ج 4 ص 141).

وجاء في الموسوعة الفلسفية المختصرة ص 126: أن الفيلسوف الهولندي جروتيوس قال ما معناه: إن المبادئ الأخلاقية طبيعية وحتمية بذاتها، والله سبحانه يأمر بها لأنها كذلك، ولا يمكن أن يجعل الله ما هو شر بذاته ليس شراً تماماً كما لا يمكن أن يجعل ضعف الاثنين ثلاثاً أو خمساً.

وفي كتاب المنطق الحديث للدكتور محمود قاسم ص 331: ((قال دور كايم: ان المرء إذا أدى واجبه كأخ أو زوج أو مواطن، وانجز مواثيقه فانه يؤدي واجبات لا تنبع من شعوره الذاتي، بل تأتي من الخارج)).

وفي ص 309: ((كانت الفكرة السائدة منذ عهد السفسطائيين ان القوانين الإنسانية نسبية تختلف باختلاف الشعوب حتى جاء منتسكيو وبيّن في كتابه روح القوانين أن الظواهر الإنسانية تشريعية كانت أم سياسية أم اقتصادية ـ تخضع لقوانين وقواعد ثابتة تقتضيها طبائع الأشياء)).

ولا شيء أدل على أن المبادئ والقيم الإنسانية حقائق واقعية من أن الناس يتخذون منها مقاييس لأفعالهم ومعاملاتهم والتزاماتهم، ولفصل الخصومات والمنازعات فيما بينهم، بل الإيمان بها متغلغل في كل نفس حتى نفوس الجاحدين بها تقدس القيم الإنسانية من حيث لا يحس صاحبها ويشعر.

فقد جاء في موسوعة الفلسفة المختصرة ص 411: ((أن البير كامي ـ وهو وجوديّ ملحد ورفيق سارتر ـ ألف رواية الطاعون وتشع في هذه الرواية نغمات دينية خافتة لا مراء فيها، وإن يكن في ذلك من الغرابة ما فيه)).

وأغرب منه أن يقول (كامي) وأضرابه: إن أحكام الأخلاق لا تعبر إلا عن عواطف المتكلم وشعوره، ثم يذهلون أن قولهم هذا بالذات اعترفا ـ بطريق أو بآخر ـ أنه لا واقع له، وإنما هو تعبير عن شعورهم وعواطفهم ولا يسوغ الحكم بالعاطفة على عاطفة ولا غيرها!. وهكذا يتخبط في الجهالة والضلالة كل من عاند الحق، ويناقض بنفسه من حيث لا يحس ويشعر، وصدق الله العلي العظيم: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) (14 ـ النمل).

ولنفترض أنهم جحدوا بالقيم قلباً ولساناً، وأنه لا عين ولا أثر في أعماقهم للإيمان بها فإن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. أما اختلاف الأمم والشعوب في نظرتها إلى الخير والشر فقد تحدثنا عنه في فصل حول الأخلاق في فقرة بين الأخلاق والعادات، والآن نعطف على ما تقدم: أن الاخلاق في الوقائع والحقائق لا يغير منها شيئاً، فقد مضى على الناس حين من الدهر وهم يؤمنون بأن الأرض مسطحة، وأن الشمس تدور حولها ولا عكس وأيضاً كانوا يعتقدون أن العالم بكامله: العلوي منه والسفلي والقريب والبعيد مسخر للإنسان(6) حتى جاء العلم وحررهم من هذا الجهل.

وما يدرينا أن يأتي يوم يتفق فيه الناس، كل الناس، على القيم الأخلاقية وغيرها من الحقائق تماماً كما اهتدوا إلى شكل الأرض وحركتها وكثير مما كشف عنه العلم الحديث.

وبعد الإجابة عن الإشكال الأول نعرض الإشكال الثاني، ويتلخص بأن الأخلاق يستحيل أن تكون علماً بين العلوم لأن صفة العلم لا تصدق وتنطبق عليها بحال، وذلك لأن القضية العلمية لا تخلو من أحد فرضين: إما أن تكون رياضية تستمد صدقها ويقينها من لفظها الدال عليها بالذات ومن صلب تركيبها وتكوينها بحيث لا تحتاج إطلاقاً إلى الاختبار والتجربة لأنها ضرورية الصدق ولا يمكن أن تكون كاذبة مثل (2×2=4) حيث يكون القول (4) تكراراً للقول (2×2) تماماً كالأرض أرض والسماء سماء، ومن هنا سميت القضية الرياضية قبلية لأن العلم بها سابق وليس بلاحق وتحصيلٌ للحاصل، ولا جديد مفيد.

وإما أن تكون القضية العلمية إخبارية تحتمل الصدق والكذب، ويستحيل أن تكون ضرورية الصدق وإلا لم تكن اخبارية مثل الماء مركب من عنصرين هما الأوكسيجين والهيدروجين، وهنا يمكن التحقّق والتثبت من صدق الخبر أو كذبه، بالخبرة والتجربة، ولذا سميت هذه القضية وأمثالها بالبعدية (أي أن العلم بصدقها أو كذبها يحصل بعد الاختبار والامتحان لا قبله).

وأية قضية لا تكون إخبارية بعدية أو رياضية قبلية فما هي من المعرفة العلمية في شيء، وإنما هي كلام مهمل وفارغ من المعنى، لا يوصف بكذب ولا خطأ حيث لا موضوع اطلاقاً يقبل الامتحان والتحقق من الكذب أو الصدق مثل جنية البحر سمراء والعنقاء طائر طويل بعد الفرض بانهما مجهولان بالعين والأثر.

والقضايا الأخلاقية ليست إخبارية يمكن التحقق من صدقها أو كذبها كالقضايا الطبيعية، وأيضاً بناؤها وتكوينها اللفظي لا يدل على صدقها بالضرورة كما هو الشأن في القضية الرياضية، وإنما هي (أي القضايا الأخلاقية) معيارية محض، تضع للناس ما ينبغي أن يفعلوا ويتركوا، وترسم لهم طريق السلوك في المستقبل القريب والبعيد، وبهذا تخرج عن نطاق العلم الموضوعي، وتدخل في عالم الشعور الذاتي والرغبات والآمال التي لا ضابط لها ولا مقياس، فكيف تكون علماً؟.

وأجاب عن ذلك الفيلسوف الشهير ((كانت)) بأنه لا فرق بين القضية الرياضية القبلية والقضية  الطبيعية الإخبارية من حيث أن كلا منهما مضمونها الإخبار، فمن قال: 2×2=4 فهو يخبر بأن ضم عدد 2 إلى مثله ينتج (4) والفارق أن القضية الرياضية ضرورية الصدق ومعرفتنا بها قبلية لا تفتقر إلى الاختبار والامتحان على العكس من القضية الطبيعية البعدية التي تستدعي مراجعة الواقع الخارجي في صدقها أو كذبها. (انظر كتاب نحو فلسفة علمية لزكي نجيب ص 17).

وعلى فرض صحة هذا الجواب في نفسه فانه لا يصدق على مبادئ الأخلاق بكاملها لأنها ليست كقضايا الرياضيات في البداهة والوضوح وإلا كانت من المسلمات الأولية عند الجميع لا شك فيها ولا نزاع مع العلم بأن الخلاف حولها قائم ولم يقعد.

والحق في الجواب ـ كما نرى ـ أن القيم الأخلاقية ثابتة ومستقرة في الفعل والسلوك الخارجي كما بينا في الجواب عن الإشكال الأول، فالدفاع عن الوطن وخدمته لذات الوطن، والانتصار للمظلوم لأنه مظلوم ـ كل ذلك مما لا تتم الحياة ولا تستقيم إلا به ـ يحتوي على الخير والفضيلة حقاً وواقعاً تماماً كما تحتوي حياة الأمن والصحة والدعة على السعادة والهناء، قال سبحانه: ((فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ـ ((الزلزلة)). ومعنى هذا أن الشر والخير قائمان في قلب الفعل وصميمه لا في ذات الفاعل وعاطفته أو في تفكيره وعقيدته، وأنهما ثابتان حتى ولو ذهل الناس عنهما، أو رأوا الخير شراً والشر خيراً تماماً كما لو رأوا العلم جهلاً، والجهل علماً.

وعلى ثبوت المبادئ الأخلاقية ورسوخها في دنيا الواقع، قام النظام الاخلاقي الذي يوجب على المرء أن يوافق بين سلوكه وافعاله من جهة وبين النظام الأخلاقي من جهة ثانية حيث لا يكمل الإنسان إلا بهذا التوافق والتطابق، وعليه فإذا أردنا أن نعرف أن هذا السلوك هل هو خير أو شر، أخلاقي أو غير اخلاقي؟ اختبرناه وقسناه بتلك المبادئ المقررة في النظام فإن تم الاتساق والانسجام بينهما فهو اخلاقي وإلا فما هو من الأخلاق في شيء.

وبهذا يتبين معنا أن القضايا الاخلاقية إخبارية تركبية بعدية لا رياضية تحليلية قبلية، وزيادةً في التوضيح نذكر هذه العبارة التي جاءت في كتاب الفلسفة بنظرة عملية لرسل ص 196: ((وألخص مذهبي في الأخلاق بعبارة واحدة هي أن الحياة الخيرية هي حياة يوحي بها الحب، وتهديها المعرفة)).

ومعنى هذا أن الحب موجود، والمعرفة ثابتة تماماً كوجود الأعيان الطبيعية وثبوتها، وأن أفعالنا إن انسجمت مع الحب والمعرفة وجاءت على وفقهما فهي خير، وإلا فشر.. وهذا عين الذي نؤمن ونلتزم به، وندعو إليه، وإياه عنى نبي الرحمة والإنسانية(ص) بقوله: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

وبعد التمهيد بما أسلفنا نعرض فيما يأتي على وجه العموم كلاً من الوجودية والوضعية المنطقية والبرجماتية وطبيعة الإنسان في الماركسية ـ في فقرة خاصة ونردها بالعقل والمنطق، ونبدأ بالوجودية لأنها الأكثر سيطرة على أفكار الناشئة ـ كما لاحظنا ـ ونذكر اولاً جملة من أقوال روادها واقطابها بقصد التيسير والتسهيل على الفهم والعلم بالوجودية على حقيقتها.

جاء في كتاب سارتر مفكراً وإنساناً ص 18 أنه قال: ((أنا لست معنياً بالله، أنا معنيّ بالإنسان)) لأن الناس بزعمه هم الذين خلقوا (فكرة) الله وليس هو الذي خلقهم كما جاء في مسرحية الله والشيطان (أنظر مجلة عالم الفكر العدد الأول من المجلد الأول) بل الناس خلعوا أيضاً المعنى والنظام على العالم والكون وإلا فهو لغو وعبث كما جاء في الموسوعة الفلسفية المختصرة ص 176، وعلى مبدأ سارتر ومنطقه هذا يسوغ لنا أن نقول له: وايضاً انت وأمثالك خلقتم الوجودية وابتدعتموها وإلا لم يكن لها عين ولا أثر.

وفي ص 33 من الكتاب المذكور قال سارتر: ((الإنسان ليس سوى ما يصنعه من نفسه.. لقد كتب ديستوفسكي: إذا كان الله غير موجود فإن كل شيء سيكون مباحاً، وهذا بالنسبة إلى الوجودية هو نقطة الانطلاق)) أي أن الوجودية تؤمن بأن كل شيء مباح، وترفض كل القيم سماوية كانت أم أرضية، ولا شيء على الاطلاق إلا حرية الفرد!. وهذه العبارة تدل دلالة واضحة على أساس الوجودية واخلاقها.

ونشرت مجلة عالم الفكر في أول عدد صدر منها مقالاً مطولاً عن الوجودية بعنوان أمراض الفكر في القرن العشرين، جاء فيه أن البير كامي، وهو قطب وجودي قال: إن الحياة لا معنى لها ولا تستحق أن تُعاش، وعليه فالانتحار أمر طبيعي معقول ومقبول.

بين ديكارت وسارتر

بين ديكارت وسارتر بُعد المشرقين، فالأول فيلسوف كبير. وكثيراً ما يطلقون عليه لقب أبي الفلسفة الحديثة، وعالم طبيعي ورياضي أيضاً، والثاني أديب ناقد ومجدد في عالمه، وأيضاً ألف كتاب الوجود والعدم في الفلسفة، وإذن فلا قاسم مشترك يبرر المقارنة بين الاثنين، وأي عاقل يقول: هذا في الطب أفضل من ذاك في الهندسة؟. ويُعرف الهدف من ذكرنا للاسمين معاً مما يلي:

جاء في كتاب سارتر مفكراً وإنساناً ص 30 وما بعدها أنه قال: ((نقطة انطلاقنا هي ذاتية الفرد.. ولا توجد حقيقة أخرى سوى هذه الحقيقة: ((أنا أفكر إذن أنا موجود)). وتسمى هذه الصيغة عادة بالكوجيتو، ومن المعلوم ان هذه الكلمة لديكارت، وقد استعارها سارتر للتعبير بها عن مذهبه، مع الفارق البعيد بين الهدف الذي رمى إليه ديكارت أنه يستطيع أن يشك في الحس وان له بدناً، لكنه لا يستطيع أن يشك في بديهية العقل وانه موجود طالما هو يفكر، وعلى هذا النحو أثبت وجوده باعتباره مفكراً لا باعتباره جسماً، ثم انتقل ديكارت من هذه النقطة إلى ثانية، إلى وجود الله تعالى.

ويتفق هذا تماماً مع قول الإمام أمير المؤمنين(ع) في الحكمة 281 من حكم النهج: ((ليست الرؤية كالمعاينة مع الأبصار، فقد تكذب العيون، ولا يغش العقل من استنصحه)).

أما سارتر فقد أراد من هذه الصيغة أن يحدد بها مذهبه وفلسفته، وأنها أنانية أحدية، وغنية في سلطانها وجبروتها عن المبدع والخالق، تنفذ مشيئتها في نفسها، ولا تنفذ فيها أية مشيئة عقيدة كانت أو نظاما أو شريعة سماوية أو أرضية.. أبداً لا شيء إلا (الأنا) وحدها لا شريك لها!. وقال قطب آخر من الطائفة الوجودية ما نصه بالحرف الواحد: ((إنك تلغيني إذا وضعتني في نظام أو مذهب)).

الهوامش:

(1) نحن الآن في سنة 1977.

(2) والثاني تجارب محمد جواد مغنيه بقلمه والثالث صفحات لوقت الفراغ.

(3) قالوا: العلوم المعيارة ثلاثة: الاخلاق وتبحث عن قيمة الخير، والجمال ويبحث عن قيمة الجميل، والمنطق ويبحث في قيمة الحق.

(4) يقول نيتشه: العالم ضرورة حمقاء لأنه بلا عقل وضمير!. أما ماركس فيعترف بالعقل والضمير، ولكن يعتبرهما من ثمرات المادة وافرازها، وهو بالنتيجة يلتقي مع نيتشه.

وأخيراً فإن فلاسفة المادة والإلحاد حاولوا هدم الدين بكل سبيل حتى بلغت بهم الحال أن يجحدوا عقلية العقل ونداء الضمير، وهما جوهر إنسانية الإنسان وركنها الركين. وانهم بهذا التفكير والتصرف يريدون القضاء على وجود الإنسان لا على الدين وكفى، وأي عاقل يصغي لهذه الفلسفة الواهية؟ كيف وهو مطبوع على حب الحياة وجمالها بالخير والأخوة والإنسانية، وكمالها بالحق والعدل والحرية؟.

(5) أما سقراط فقد أخضع الأخلاق لنظرية المعرفة، وربط بين العلم بالفضيلة والعمل بها، وبين العلم بالرذيلة وتركها، وهذا الربط يخالف البديهة والعيان، فكم من عالم اتخذ من علمه أداة للصوصية.!

(6) قال سبحانه: (وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعاً) الجاثية: 15 وجميعاً هنا تشمل ما تناله قدر الإنسان وطاقاته دون غيره بحكم الواقع والبديهة.