:الموضوع

الشعر وأدب الأطفال

المسرح المدرسي

 

أنواع القصة!

القصة كما هو معلوم تعتبر اللون الرئيسي في أدب الأطفال، وللقصة في هذا الأدب أنواع منها:

ـ الأسطورة

ـ الخرافة وقصص السحر

ـ القصة الواقعية

ـ القصة الشعبية

ـ القصة التهذيبية

ـ قصص الجن والأشباح

ـ قصص شعري

ـ قصص البطولات

ـ قصص المغامرات

ـ القصص البوليسي وقصص الألغاز

ـ قصص الحيوان والجماد

ـ القصص المترجم.

وقد يُثار تساؤل هام حول (مشروعية) بعض أنواع هذه القصص من الناحية الدينية، وسوف ننظر في كتابنا الكريم ـ القرآن ـ لنرى أو نستنبط منه ما يهدينا في هذا الطريق الدقيق فمن المعروف أن السحر ورد في القرآن الكريم، فلدينا قصة هاروت وماروت اللذين يعلمان الناس السحر، ويفعلان أشياء ليفرقا بين المرء وزوجه مثلاً، ولن يضار أحد إلا بإذن الله، وهناك السحرة الذين حشدهم فرعون (يوم الزينة) في محاولة للتصدي لمعجزة موسى عليه السلام: إذن فالسحر موجود، وله تفسيره وأساليبه، والسحرة يسحرون أعين الناس، فهو إذن ضرب من الخداع والمهارة الفائقة في الزيف والتضليل، لكن الإسلام ـ برغم إقراره ووجوده ـ يرفضه بشدة ويعتبره رجساً من عمل الشيطان، وضلالاً مبيناً، فإذا ما كتبت قصة للأطفال وفيها السحر فلا مانع، بشرط مراعاة المفهوم الإسلامي لهذا الجانب.

كذلك ورد ذكر الجن في القرآن الكريم، وهناك سورة من سور القرآن تحمل اسم (الجن)، وللجن عالمهم الخاص، وفيهم المؤمن والكافر، وقد استخدمهم نبي الله سليمان ـ كمعجزة ـ في بعض الأعمال (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك..) وتحضير الجن واستخدامهم بأساليب معينة، قد شابه الكثير من الخرافات والخزعبلات، ونهى الإسلام عن ذلك. وما قيل عن قصص السحر يمكن أن يقال عن قصص الجن.

وقصص الحيوان نرى أنه لا مانع منه بالنسبة للأطفال، بل والكبار أيضاً، وهناك آثار أدبية حديثة كتبت للكبار بالإضافة إلى آثار قديمة، فمن القصص المشهور رواية الكاتب الشهير (أورويل) والتي تحمل عنوان (مزرعة الحيوانات الثورية) والتي يهاجم فيها الأسلوب الشيوعي الخاطئ كمنهج للحياة. ومن التراث القديم يقف كتاب (كليلة ودمنة) كنموذج فذ في هذا المجال، ولقد أثر هذا الكتاب في الأداب العالمية التي تختص بالطفل بعد تناول بعض قصصه بالتبسيط والتعديل، كما أننا نرى في القرآن الكريم ذكراً لبعض الحيوانات والحشرات نذكر منها (هدهد سليمان) والنملة التي قالت: (يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده...) الخ الآية؛ وهناك بعض المعجزات التي نسبت إلى رسول الله(ص)، حيث خاطبه الضبُّ والغزالة والجمل... الخ(1) ، والواقع أن الحيوانات تستخدم كرموز في الفن والدين على حد سواء، فضلاً عن أن بعض الحيوانات لها صفات مميزة مثل الشجاعة في الأسد، والبطء في السلحفاة، والمكر في الثعلب. والدأب والصبر والتخطيط في النمل والنحل، وغير ذلك من الأمور الهامة التي يمكن استخدامها في ترسيخ بعض القيم والأفكار والسلوكيات لدى الطفل...

ولقد ورد في القرآن أيضاً أن أعضاءنا سوف تشهد علينا يوم الحساب.. يوم تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم..)، بل إن الميت قد تكلم كمعجزة، لكن تبقى قضية في غاية الأهمية بالنسبة للميثولوجيا أو الأساطير الدينية الأغريقية.. هل نستطيع أن نقدم للطفل المسلم في بداية حياته قصصاً عن إله الخير، وإله الشر، وإله الجمال.. والحب... والشعر.. والموسيقي وغيرها، كما أن هذه الميثولوجيات والأساطير لها تفسيراتها الخرافية عن الكون وظواهره، عن الريح والشمس والقمر والبحار والأنهار، والأزهار والحيوانات، وهي تفسيرات تتناقض مع حقائق العلم والدين، وتخلط بها الوثنيات الخطيرة، وتقدم رموزاً عجيبة أثرت ـ حتى اليوم ـ في الآداب والفنون العالمية، في حقب التاريخ المختلفة، ولعل هذا هو السبب في أن علماءنا الأقدمين قد ترجموا علوم الإغريق وفلسفتهم ولم يهتموا كثيراً بترجمات تلك الأساطير والميثولوجيات لتنافيها مع قيم الإسلام وعقيدته ومبادئه، ولهذا فنحن نرى أن مثل تلك الأساطير والميثولوجيات لا يصح أن تقدم للطفل المسلم مترجمة أو مقتبسة أو مقرّبة، نظراً لخطرها الديني والعلمي، لكن هل يستمر هذا الخطر إلى الأبد؟؟ يمكننا التجاوز عن ذلك بعد أن يكبر الطفل، وتترسخ عقيدته، ويحصن ضد تلك الخزعبلات، ثم تقدم له لمجرد العلم بالشيء، مع توضيح خطأ ذلك التصور، الذي نشأ في عهود الوثنية والضلال.

إن إبعاد مثل هذه الأساطير والميثولوجيات عن أطفالنا في المراحل الأولى من أعمارهم أمر حيوي وضروري، ولسنا ـ كمسلمين ـ بدعاً في ذلك، لأن حكام الدول الماركسية وإسرائيل وغيرها، يحرصون أشد الحرص على تغذية أطفالهم بالأفكار والخيالات والأحداث التي تخدم فلسفتهم وعقيدتهم، بل إنهم يبالغون أحياناً في ذلك إذ يهدرون بعض القيم العلمية الثابتة، إذا تعارضت مع ما يؤمن به الماركسي أو الصهيوني من عقيدة، وليس أدل على ذلك من رفض روسيا ومدارسها الفكرية للكثير من نظريات علم النفس وعلم الإجتماع والأمور الثابتة يقيناً في الدين، حتى لا تهتز عقيدة أجيالهم الجديدة بالماركسية، ونفس الشيء تفعله إسرائيل حينما تزيف التاريخ وتحرف التوراة، وتعبث في التلمود، لتخرج بمعتقدات ومبادئ غريبة، ورد ذكرها في القرآن الكريم، وطفحت بها صفحات وقائعهم التاريخية المذربة.

خلاصة القول بالنسبة لهذه الأنواع من القصص أن ننظر إليها من خلال منظور إسلامي صحيح، ثم نحكم لها أو عليها، وأعتقد أن أمام الدارسين والباحثين الإسلاميين مهمة كبيرة، ويجب إنجازها في هذا المجال، حتى تتضح الأمور، فلا نمضي معصوبي العينين، مقلدين لمدارس الفكر والأدب التي لا تعطي منهج الله حقه من التقدير والتعظيم...

والحقيقة التي لا مراء فيها أننا اليوم في عصر قد تحققت فيه كشوفات كبيرة في مجال العلم والتكنولوجيا. وتنوعت فيه وسائل البحث والدراسة والتقييم، فلا يصح أمام ذلك أن ندفع إلى أطفالنا بقصص ساذج، يخرج بهم عن مقاييس العلم الصحيح وقيمه الثابتة، فضلاً عن أهمية الحفاظ على الأسس الدينية التي يقوم عليها الإسلام.

ومن الأمور الملفتة للنظر أن أطفال اليوم يميلون أكثر إلى القصص الواقعي، ويشغفون به، ويستطيعون أن يميزوا بين ما هو خيالي وما هو واقعي. فالطفل وإن كان يستمتع بقصة الذئب والحمل، إلا أننا نجده يتساءل: (هل الذئب يتكلم... هل الحمل يتكلم فعلاً)؟، وليس هذا إغفال للخيال في حياة الطفل.. فبساط الريح القديم، لا يختلف كثيراً عن طائرة اليوم. وكذلك الهاتف... والكهرباء.. والتلفاز.. والراديو.. وسفن الفضاء.. كلها كان خيال الأمس، لكنها حقائق اليوم.. وميل الطفل إلى القصص الواقعي ميل طبيعي، إذ لا يجد الطفل فارقاً كبير بين خيالات الماضي، ومنجزات الحاضر..

ولقد كان للمرحوم (علي أحمد باكثير) تجربة جديرة بالنظر حينما عالج أسطورة (أوديب الملك) إذ قدمها من منظور إسلامي حديث، يختلف تمام الإختلاف عن الميثولوجيات القديمة، وقد كان للنقاد آراء مختلفة إزاء تقييم أو تقويم هذا العمل المسرحي الهام(2).

مرة أخرى نقول: إن مقياسنا هو الإسلام..

الشعر وأدب الأطفال

يقال أن (الشعر لغة داخل اللغة)(3).  وهذا القول إن دل على شيء فإنما يدل على أن للشعر لغته أو أسلوبه الخاص، وقديماً أكَّد النقاد والمؤرخون القدامى على تفرد الشعر بأسلوب يختلف عن النثر، ومن ثم فقد اعتبر الشعر الذي يترجم عن العلوم والقواعد اعتبر نظماً، أي نثراً منظوماً كألفية ابن مالك وغيرها، لأنها ليس فيها من صفة الشعر إلا الوزن والقافية الموحدة في الشطرين، وإن اختلفت تلك القافية من بيت إلى بيت، فماذا يقول ابن مالك:

اسم وفعل ثم حرف الكلمْ

 

كلامنا لفظ مفيد كاستقمْ

ومسند للإسم تمييز حصل

 

بالجر والتنوين والندا وأل

فماذا يشعر القارئ وهو يقرأ هذه الأبيات، إنه أمام قواعد تشبه النظريات الهندسية، والمعادلات الرياضية، والتعريفات الفيزيائية، وهذا لا يمكن ان يكون شعراً بالمعنى الصحيح، وإنما هو كلام متراص، لا يحرك فينا عاطفة، ولا يثير شعوراً، ولا ينبه وجداناً، ولا يبعث في العقل تشوقاً وفضولاً.

وما أكثر الذين ينظمون، وما أقل الذين نظمهم شعراً..

والأطفال يحبون الشعر، ويطربون لأنغامه وإن لم يفهموه في سنيهم الأولى، وتحرص الأم ـ كل أم ـ على هدهدة طفلها بالكلمات الموزونة المقفَّاة ذات اللحن أو الإيقاع، ويشعر الطفل عند ذاك بالرضا والإرتياح، وقد ينام على هذه الأنغام الحلوة، وقد ينشط ويضرب بأطرافه فرحاً وسعادة، وعندما يكبر يحفظ بعض الأشعار ذات البحور القصيرة، إذا سهل لفظها ومعناها، وبرزت إيقاعاتها، ويتدرج الطفل في تقبل الشعر وتمثله له عاماً بعد عام، حتى يصل إلى مرحلة يستطيع فيها ان يحفظ الأناشيد الحماسية، والقصص الشعرية، ويرددها مع زملائه في المدرسة، ويفخر بالتغني بها في الشارع والبيت، هذا إذا أحس بهذا الشعر وتذوقه(4).

خلاصة القول أن (التعبير الشعري) أو (الصورة الشعرية) تقدم بطريقة فنيه معينة، وذلك يعتمد إلى حد كبير على موهبة الشاعر وثقافته وتجربته، وتفاعله مع تلك التجربة الحية النابضة، والشعر مشاركة وجدانية وفكرية بين الشاعر والمتلقي، ولهذا يستفيد الأطفال كثيراً من سماع الشعر وحفظه، إذا كان مناسباً للطفل من ناحية ألفاظه وأفكاره وموسيقاه وصوره الفنية. كنا ونحن أطفال نطرب للقصيدة التي تتحدث عن الطنبور والتي تقول:

فزرعي يطلب الريّا

 

أيا طنبور دُرْ هيّا

وجئْ بالماء والطين

 

أطعْ في الدور كفيّا

وكنا نتغنى بتلك القصيدة في القرية، ونتطوح معها ونحن نرددها في سعادة، كانت موسيقاها جذابة، وكلماتها سهلة مفهومة، فمن منا ـ نحن ابناء القرية ـ لا يعرف الطنبور الذي يسحب الماء من الترعة، وينقله إلى قناة الحقل، ليتم توزيعه على مختلف التقاسيم؟؟ ومن منا لا يعرف الري، وانتظار القرية لأيام الفيضان بتشوق ولهفة؟؟ وتعبير (فزرعي يطلب الريا)، ترمز إلى انتظار الفلاحين أيضاً، وليس الزرع وحده، القرية كلها ظامئة تتشوق إلى الماء.. (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، والشاعر يعبر عن واقع، ويبرز فكرة، ويوحي بما يبذله الفلاح من جهد،وهو به سعيد، لأنه يعني النماء والحصاد والخير، قد لا يستطيع الطفل القروي أن يعي تلك الأمور كلها، لكن الصورة الحية تعكس بيئته وآمالها وطبيعة حياتها، وتكون محصلة ذلك كله سعادة الطفل وهو يترنم بتلك القصيدة التي ذكرنا افتتاحيتها..

ثم تلك النشوة التي نشعر بها، ونحن نردد نشيد

قرآن ربي

هدى ونور

لكل قلب        قرآن ربي

فالإجلال الذي يتوارثه الطفل المسلم نحو الله وقرآنه، إجلال عميق، نلحظه على ألسنة المتحدثين، ونسمعه من القارئين المرتلين، حيث يعم الخشوع والإنصات، وحيث تتوارد الحكمة القدسية، والآداب الربانية.

وحتى (الشعر العامي) ـ وإن لم نكن من أنصاره ـ يزخر بالقيم الإنسانية الرفيعة، ويحمل معاني إسلامية، تؤكدها التربية، ويحرص عليها المجتمع المؤمن، ففي هذه المقطوعة التي تؤكد أحقية الأدب في الإحترام والتبجيل، نرى ذلك المعنى واضحاً جلياً:

بابا جاي إمته

جاي الساعة ستة

راكب ولاّ ماشي

راكب (بسكلته)

وسّعوا له السكَّة

واضربوا له سلامْ

بهذا نرى أن الشعر المناسب للأطفال يساعد في تنمية أذواقهم، وإثراء مداركهم، والمساهمة في تأكيد القيم التي يجب أن يتحلوا بها، ويمدهم بخبرات جديدة متنوعة، ويجعلهم يشعرون بلذة المشاركة في التجربة الإنسانية وجدانياً ونفسياً وعقلياً، والموضوعات التي يتناولها شعر الأطفال كثيرة ومتنوعة، المهم أن تكون التجربة عميقة، وذات دلالات وأبعاد وآثار مبتكرة، تشد الإنتباه، وتشحذ الذهن، وتلهب العاطفة.. ويمكننا أن نجمل الصفات المناسبة لشعر الأطفال في الآتي:

1 ـ الحرص على اللغة الشعرية لفظاً وعبارة وصورة.

2 ـ الإهتمام بالبحور ذات الإيقاع الساحر الجذاب

3 ـ يُسْر الأفكار والمعاني وسهولتها

4 ـ البعد عن التعقيدات البلاغية والبيانية.

5 ـ اختيار موضوعات تناسب واقع الطفل وإهتماماته.

6 ـ توافق القيم الشعرية، مع ما تعلمه الطفل من عقيدته الإسلامية.

7 ـ النظر في المشاكل الأخلاقية والنفسية والتربوية للأطفال والشباب، وتناولها في وقت مبكر فيما يقدم من شعر.

8 ـ وضع أغاني الأطفال في التلفاز والمذياع تحت توجيه علماء الدين والنفس والتربية، لأن الأطفال يحفظون مثل تلك الأشعار، وتؤثر فيهم أيما تأثير.

9 ـ وحدة القافية لما لها من آثار داخلية في نفسية الطفل ووجدانه.

10 ـ شمول الصورة الشعرية لمختلف حواس الطفل.

ويعد أمير الشعراء (أحمد شوقي) رائداً في مجال شعر الأطفال، لما كتبه لهم ـ خصيصاً ـ من قصص شعري على لسان الحيوان، حيث امتزجت فيه الحكمة بالفكاهة، والعبرة بالتوجيه، وإبراز بعض القيم السلوكية ذات العلاقة بالدين والوطن، وقد ظهرت هذه القصائد في دواوينه، وعمم بعضها على طلبة المدارس، فكانت فتحاً جديداً في هذا الباب، وذلك لمحافظتها على الأسلوب الشعري الأصيل، والأفكار المبسطة، والصياغة الفنية الجيدة. وكان تحرك شوقي في هذا المضمار بناءً على ما شاهده في فرنسا ـ إبان بعثته ـ من احتفائهم بأدب الأطفال، وطبقاً لما قرأه للشاعر الفرنسي الشهير (لامرتين) الذين استفاد من قصص (كليلة ودمنة)، واختار بعضها، وأعاد صياغتها وإبرازها بأسلوب شعري أخَّاذ، يناسب الأطفال.. لنقرأ له قصة (اليمامة والصياد):

آمنة في عشها مستترة

 

يمامة كانت بأعلى الشجرة

وحام حول الروض أي حومِ

 

فأقبل الصياد ذات يومٍ

وهم بالرحيل حين ملاَّ

 

فلم يجد للطير فيه ظلا

والحمق داء ماله دواءُ

 

فبرزت من عشها الحمقاءُ

يا أيها الإنسان عما تبحثُ

 

تقول جهلاً بالذي سيحدثُ

ونحوه سدَّد سهم الموت

 

فالتفت الصياد صوب الصوت

ووقعت في قبضة السكين

 

فسقطت من عرشها المكين

(ملكت نفسي لو ملكت منطقي)

 

تقول قول عارفٍ محقق

ومع ذلك فإن بهذه المقطوعة بعض الكلمات التي تحتاج إلى شرح، مثل كلمة (مستتره ـ وملّ ـ والمكين ـ ومحقق ـ ومنطق) ويبدو أن شوقي حاول الحفاظ على إشراقة أسلوبه، ودقة تعبيره، وإبراز الفكرة ـ أو الحكمة ـ التي يريد تجليتها، وهي معادلة صعبة، لا بد وان تجر إلى شيء من هذا، فضلاً عن أن الطفل، في حاجة إلى إثراء حصيلته اللغوية، والتعود على الأساليب الرصينة الجميلة، ومن ثم لم يكن أمامه سوى أن يفعل ذلك، ويكفي شوقي فخراً ريادته في هذا المجال، ودعوته لشعراء العربية وأدبائها إلى المساهمة في تدعيم وتكرار تجربته وتنوعيها.

أما الشاعر (محمد الهراوي) الذي أتى بعد شوقي، وأولى شعر الأطفال الاهمية القصوى التي يستحقها، فقد تفرغ لهذا الأمر، منذ بدايات العشرينيات من هذا القرن، وقدم عدداً من المؤلفات الشعرية، تتميز بسهولة اللفظ، ويسر التعبير، وجمال الأداء، وحلاوة الإيقاع، فكانت متناسقة مع أحلام الطفل وآماله وإستعداده الفطري، وظروفه البيئية والعقائدية، وليس أدل على نجاحه من حفظنا لهذه المقطوعات وترديدنا لها برغم بعد العهد بها، ومنها:

وبعد الظهر نجارُ

 

أنا في الصبح تلميذ

وإزميل ومنشارُ

 

فلي قلم وقرطاس

فما في صنعتي عار

 

وعلمي إن يكن شرفاً

وللصناع مقدارُ

 

فللعلماء مرتبة

وكأني بهذا الشاعر الكبير ـ أحد الرواد القلائل ـ يخط للأجيال الجديدة طريق النجاح الحقيقي، حيث العلم والمعرفة، وحيث العمل الحرفي المشرف، وقد كان الكثيرون في تلك الفترة يأنفون من مثل تلك الحرف، ويعتبرونها ضعةً وانحطاطاً، وهي قضية لم تتضح ابعادها الحقيقية إلا فيما بعد. وبعد شوقي والهراوي وكامل كيلاني وغيرهم، بدا الإهتمام واضحاً بأدب الأطفال وشعر الأطفال، وظهرت المطبوعات الشعرية في مختلف بلدان العالم العربي، كما كثر المترجم شعراً منها، والمكتبة العربية اليوم تضم تراثاً لا بأس به من شعر الأطفال، في مصر والعراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والكويت والمغرب العربي وباقي أنحاء العالم العربي، في كل دولة، بما يحيط بها من ظروف وأحداث وتطلعات الطفولة المختلفة، وساهم المذياع والتلفاز في تقديم العديد من الأغاني والأناشيد والقصائد.

الشعر إذن رافد هام من روافد الثقافة للطفل..

وهو في نفس الوقت مصدر متعة وسعادة.

ويعتبر من أقوى المؤثرات في تربية الذوق الفني، والحس الجمال، لما يجتمع فيه من حلاوة الإيقاع، ورشاقة التعبير، وجاذبية الصورة، وبما يثيره من أخيلة..

وإن من الشعر لحكمة...

يبقى أن نقول أن يظل شعر الأطفال شعراً ملتزماً بقيم الإسلام وتصوراته، شأنه في ذلك شأن الأدب الإسلامي بصفة عامة، ومن هذا المنطلق الأساسي يستطيع الشعر أن يؤدي وظيفة هامة، ذات أبعاد عدة، عقيدية وجمالية وشعورية ووجدانية وفكرية.

المسرح المدرسي

لما كانت التربية معنية في الأساس بالإنسان كأهم ركائز المجتمع، لذلك كان لا بد لها أن تهتم بالمسرح، وتستخدمه كوسيلة تربوية تعليمية، إن وسائل التربية تجدد باستمرار بما لا يتعارض مع قيمنا الإسلامية، وتراثنا المجيد، ولهذا كان لزاماً علنيا إستخدام المسرح لحماية أبنائنا من الغزو الثقافي، والمسرح المدرسي أصبح إحدى الدعامات التربوية الحديثة لما يتيحه للتلميذ من الفرص الثمينة، للتعبير عن النفس، واكتساب الخبرات والمهارات اللغوية والإجتماعية، في جو تسوده روح التعاون والالفة والمحبة، ومن أهداف المسرح المدرسي:

1 ـ ترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة.

2 ـ تعويد التلاميذ على العمل التعاوني الجماعي، وتدريبهم على مواجهة الجمهور، واكتساب الثقة بالنفس.

3 ـ التعرف على الحياة، والطبائع البشرية، بما يؤهله لحياة أكثر نضجاً وخصوبة.

4 ـ تبسيط المادة العلمية، وتحويل جفافها إلى خبرات ذات معنى يمكن استيعابها وتذوقها، أي أن المسرح يعتبر طريقة من طرق التدريس.

5 ـ إضفاء جو من المرح والسرور على الحياة الرتيبة.

6 ـ معالجة بعض الإضطرابات النفسية لدى التلاميذ مثل:

ـ الإنطواء والخجل

ـ التردد

ـ بعض العيوب الخلقية كعيوب النطق وأمراض الكلام.

7 ـ تربية التعبير الحركي (كالمشي والجلوس وغيره)، والتعبير العاطفي بما يكفل الإستقرار النفسي.

8 ـ توعية الطفل ذاتياً واجتماعياً، وإذكاء روح العمل والأمل في نفسه.

*   *   *

والمسرحية المدرسية ـ كما قلنا ـ هي إحدى الأسس لتربية التلميذ في جميع مراحل حياته، إبتداء من سن أربع سنوات، وحتى بلوغه طور الرجولة والإعتماد على النفس، وواجبنا أن نجعل لهذه المراحل خطاً واحداً، وبناء متكامل التكوين، مع ملاحظة ما يطرأ من تغييرات في عالمه المليء بالأحداث، وعلى ضوء ذلك يمكن تقسيم المسرحيات المدرسية حسب المراحل التعليمية.

ففي مراحل رياض الأطفال نهتم بالآتي:

1 ـ المسرحية الحركية المنطوقة.

2 ـ المسرحية الأخلاقية.

3 ـ المسرحية الرمزية أي التي ترمز إلى معنى معين وفي المرحلة الإبتدائية:

1 ـ المسرحية السلوكية والأخلاقية.

2 ـ المسرحية البيئية المنطوقة.

3 ـ المسرحية التعليمية (التي تعبر عن المواد العلمية)

4 ـ المسرحية الترفيهية.

5 ـ مسرحية المناسبات (كالهجرة ـ عيد النصر... ألخ)

وفي المرحلة الإعدادية:

1 ـ المسرحيات التاريخية

2 ـ المسرحيات الإجتماعية

3 ـ المسرحيات العلمية

4 ـ المسرحيات الترفيهية.

هذا، ومن البديهي أن يراعى في كل مرحلة، مناسبة النص لغوياً، وتحديد الهدف بصورة واضحة، وإدراك الأبعاد الفكرية والنفسية للأثر الفني بصفة عامة.

ونقصد (بالمسرحية الحركية المنطوقة) أن يكون الموضوع عبارة عن معلومات عامة صغيرة للمشاهدات التي يستقبلها الأطفال، وبحوث عن معرفتها، ففي رياض الأطفال يمكن أن نقدم ـ مثلاً ـ مشهداً لعملية حرث الأرض، والاطفال هم الذين يمثلون الزرَّاع، ثم تتم عملية بذر البذور، على أن تكون الحركات مصحوبة بالإيقاع الموسيقي المعبر، مع النطق ببعض الكلمات البسيطة التي تعرف المتفرج بشخصية الدور الذي يؤديه الأطفال، وهنا من الممكن ان يدور حوار قصير بين الأطفال عن فوائد الشجرة من ثمار وتجميل وتظليل وحماية المدينة من الأتربة... الخ.

أما المسرحية (البيئية المنطوقة)، فهي تمثل قطاعاً من الشعب، بما فيه من عادات وتقاليد وملابس وغير ذلك.

و(المسرحية السلوكية) توجه الطفل إلى ما يجب أن يكون عليه السوك في المنزل والمدرسة والمسجد والشارع والملعب والزيارات، ويركز فيها على أن الطفل الذي لا يطيع والديه وأساتذته، ولا يعمل بنصائحهم يجد الضرر، أما المطيع المؤدب فيجد دائماً السلامة والنجاح والحب والتقدير.

و(المسرحية الأخلاقية) هي التي تحمل عناصرها الدعوة إلى القيم والمبادئ العالية، والتحلي بالأخلاص الحميدة، مثل الأمانة والصدق، والعدل والشجاعة، ومساعدة المحتاج، وحب الوطن... الخ.

و(المسرحية الإجتماعية) هي التي تعالج شئون المجتمع، وما يشغل أذهان الناس في حياتهم العامة والخاصة، مما ينعكس على الأطفال في حياتهم، وتعالج المسرحية الإجتماعية مشاكل مختلفة منها:

ـ ضرر مصاحبة الأشرار

ـ التدليل وعواقبه الوخيمة

ـ الكسل أو اللهو الزائد وضرره... ألخ.

ومن خلال هذا النوع يستفيد الطالب من معايشته للمسرحية في حل مشاكله الإجتماعية، وتبصره بشئون حياته الخاصة والعامة أما (المسرحية الخيالية) فهي تشمل جانبين. أولهما ما يجري على ألسنة الطير والحيوانات ومظاهر الطبيعة، والثاني يتعلق بما وراء الطبيعة ـ أو الغيبيات ـ وما يعرف عنها من أسرار وعجائب وشخصيات.

وهذا النوع ينمي في الطالب جانب الخيال والإهتمام، ويعلمه الإنصات والتأدب أثناء الدرس، فضلاً عما يستفيده من قيم ومعتقدات طبقاً لفكرة المسرحية.

و(المسرحية الترفيهية) هي المسرحية التي تؤدى بلغة خاصة، وحركة خاصة، فتبعث على المرح والضحك والتسلية، وهي في الواقع فكاهة هادفة لا تقصد السخرية، ولكنها ذات جانب ترفيهي وجانب نافع، في نطاق الآداب الإسلامية المتعارف عليها...

أما (المسرحية العلمية) أو (مسرحية المناهج) فهي تعنى بتقديم المواد العلمية المقررة بصورة مسرحية، تعتمد على شخصيات، تقوم بترجمتها إلى (حركة) ومواقف، وعنصر الإختيار مهم، فهناك مواد قد لا تصلح لذلك، ومواد أخرى صالحة تماماً مثل التاريخ والتربية الإسلامية والعلوم المتعلقة بالحيوان والطير... ألخ.

وفي معظم لغات العالم تطلق كلمة واحدة على كل من التمثيل واللعب، وهذا يعني أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الفعلين (يمثل) و(يلعب). إذن هي لعبة المحاكاة عند الأطفال، وصغار المراهقين، والتي تعتبر من ألعابهم المفضلة، وكلنا يعرف أن الصغار يحاولون تقليد أو محاكاة الكبار.. وهذا يعني أن لعبة المحاكاة هي لعبة إنسانية عميقة الجذور في نفوس البشر، وأنها سواء أكانت جادة أم هازلة تمثل تلبية لحاجة إنسانية، لا تقل في ضرورتها عن الإحتياجات البيولوجية كالطعام والشراب، وإن كانت تتميز عن الإحتياجات البيولوجية في تعاملها مع الفكر وأثره الأخلاقي في النفس، وقيمتها في تقويم السلوك، وزيادة الروابط بين الناس في المجتمع...

ويعتبر عامل التشويق في المسرحية الخاصة بالطفل، من أكبر العوامل المؤثرة إيجابياً أو سلبياً في مسرحيات الأطفال. إن هناك اللحظات التي يحبس فيها المتفرجون الصغار أنفاسهم، وهم يتخيلون ما سيكون من امر الحدث الذي يراه الطفل، وهو حدث المغامرة أو الموت, ويترقب الفشل أو النجاح. إنه أمر يثير الترقب والرهبة فيجلسون في سكون واهتمام...

إن الأطفال يتعشقون مثل هذه اللحظات أكثر من أي جزء آخر في المسرحية، ولهذا فإن من يكتبون لمسرح الأطفال عليهم أن يركزوا إهتمامهم الفني على عملية التشويق تلك. لأن الإخفاق فيها إخفاق للعمل المسرحي كله، ألا وإن المسرحية الجيدة هي التي يتوافر لها جميع عناصر التشويق والإثارة وربط المشاهد بالأحداث والتعايش معها.

إن الفنون على اختلاف أشكالها هي مجموعة من المشاعر والأفكار والإنطباعات والإيحاءات، التي تأخذ مظهراً حسياً نطلق عليه اسم (الشكل الفني).

والفن المسرحي يتميز عن غيره بصفات خاصة، أهمها هو أنه يظهر للوجود ويخاطب الإدراك بواسطة الألفاظ التي تتمثل فيها مجموعة من المشاعر والأفكار والإنطباعات والإيحاءات.

وحتى تكمل عناصر الفن، وينضح مضمونه، فلا بد أن يخاطب الإدراك بأسلوب آخر غير الألفاظ المجردة، وهو ما يُطلق عليه (التمثيل)، والتمثيل فن كبقية الفنون يتميز عنها بأن قوامه الألفاظ والحركات وغير ذلك مما يتطلبه الفن المسرحي، فالمسرحية لا تُقدم كألفاظ منسقة أو كعمل أدبي فحسب، وإنما كألفاظ تُحكى بشكل معين، وتُصاحب بحركات معينة في جو مسرحي معين أيضاً، فقد تفقد مسرحية رائعة قيمتها الفنية، بسبب رداءة تقديمها، أو سقم الحركات التي صاحبتها.

والمسرحية كعمل أدبي وفني لها صفاتها الخاصة التي تميزها عن باقي أنواع الأدب والفنون الأخرى، سواء أكان ذلك في طبيعتها أم في صياغتها، أم في طريقة إدراكها وتذوقها. فهي ترتكز على فنين كدعامتين أساسيتين لها، هما: الأدب والتمثيل، ثم إلى بقية الفنون الأخرى من رسم وديكور وإضاءة... وغيرها، كعوامل مساعدة لإبراز الحدث بالشكل الذي يتطلبه الموقف البنائي للعمل المسرحي.

وعلى هذا يصل هذا الفن إلى الإدراك عن طريق حاستين من حواس الإنسان هما:

ـ السمع.

ـ والنظر والبصر.

وبإيجاز فإن (الكلمة) هي الخيط الذي يُنسج منه العمل المسرحي، وهي اللبنة الأساسية للبناء المسرحي، وتتضافر الفنون الأخرى بإمكاناتها المختلفة في خدمة الكلمة، وصقلها وتجميلها وتقديمها في إطار مشوق جداً، يغري المشاهد بالنظر والإدراك، لما يهدف له العمل من توجه وإيحاء(5)...

أدب المسرح جزء من أدب الأطفال.

لكن مسرحية الطفل لها مواصفاتها الخاصة، فليس من المعقول أن يستوعب الطفل أدباً مسرحياً معقداً غامضاً، أو قصة ذات أبعاد فوق مستواه، ولهذا السبب خصصت مسارح للأطفال مثل (مسرح الطفل) في الكويت، و(مسرح ليلى) في الإمارات العربية المتحدة، و (مسرح الأطفال) في مصر وغيرها، وفي نفس النطاق اهتم التلفاز والإذاعة بالتمثيليات التي تناسب الأطفال، سواء ما كان منها مسلسلاً أو كان في فقرة واحدة مستقلة، وتبدو الشخصيات في المسرحية أو التمثيلية كبشر أو كحيوانات أو طيور أو زهور، وهي في مجملها تؤدي معنى معيناً، أو هدفاً محدداً، وتقصد إلى سلوكيات خاصة، وفق الأصول التربوية والإسلامية والنفسية المتعارف عليها.

أدب المسرح إذن لون لا يمكن إغفاله في نطاق الحديث عن أدب الأطفال.

وأدب مسرح الأطفال لا يُكتب ليُمثل.. هذه حقيقة هامة لا يصح إغفالها، فالطفل لا يستطيع أن يستمتع الإستمتاع الكافي بقراءة مسرحية له، حتى ولو كانت في أسلوب سهل مبسط، إنه يسعد ويطرب لقراءة القصة الناجحة، لكن الأمر يختلف بالنسبة للمسرحية، لأنها تفتقد ـ إذا ما قُرأت ـ باقي المؤثرات الحيوية التي ترتبط بالبناء المسرحي الناجح، وسوف يتضايق الطفل وهو يقرأ الحوار وحده دون سرد، ثم وهو يتوقف عند بعض الملاحظات أو الوصف الزماني والمكاني والحركي... وذلك كله على النقيض من مسرح الكبار، حيث يمكننا الإستمتاع بقراءة مسرحية لتوفيق الحكيم كأهل الكهف أو مسرحية مترجمة من روائع الأدب العالمي، نقرأ هذه أو تلك ونتابعها في شيء من الشغف ونستمتع ونستفيد منها، أما الطفل فيختلف عنا نحن الكبار في هذا الجانب..

إن أدب الأطفال المسرحي يكون للتمثيل، وليس للقراءة.. وبديهي أن هناك كثيراً من الموضوعات التي يحفل بها مسرح الكبار، لكنها لا تصلح لمسرح الطفل.

الهوامش:

(1) أنظر كتاب دلائل النبوة ـ وأحاديث البخاري ومسلم..

(2) أنظر رسالة الماجستير التي قدمها عبد الرحمن صالح العشماوي ـ كلية اللغة العربية ـ جامعة الإمام محمد بن سعود..

(3) د. عز الدين أمين ـ فنون الأدب ص.

(4) من أدب الأطفال.. ص198، د. علي الحديدي.

(5) نفس المراجع السابقة.