:الموضوع |
أدب
الأطفال بين
الهدف
والوسيلة أدب
الطفل عمل
إبداعي
بطبيعته،
وحيثما يكون
الإبداع
توجد صعوبات
في الوصول
إلى ذلك، لأن
الشكل الفني
المكتمل أو
المقارب
للإكتمال
يحتاج إلى
خبرة ودراية
وموهبة،
وإلى إلمام
عميق
بالمواصفات
الإبداعية
المختلفة،
كما أن أدب
الطفل ـ في
الوقت نفسه ـ
اختزال
للثقافات
والمفاهيم
والقيم
والطموحات
المستقبلية،
ويمكننا أن
نضيف إلى ذلك
أن طريقة
الإيصال
للطفل هي بحد
ذاتها ـ كما
يقال ـ عمل
تربوي،
يتطلب
تفهماً
كاملاً
لنفسية
الطفل
وظروفه
وإمكاناته
المختلفة. والهدف
من الكتابة
للطفل ـ كما
تقول ليلى
سالم(1)
في دراستها
هو: 1
ـ تسلية
الطفل. 2
ـ إعلامه
وتعليمه. 3
ـ المزج بين
الاثنين (التسلية
مع الإعلام
والتعليم). والتسلية
البحتة
مرفوضة، لأن
الأدب بصفة
عامة لم يكن
مجرد تسلية
في أي عصر من
العصور. وأدب
الطفل يجب أن
يحقق أمرين:
أولهما
مساعدة
الطفل على
وعي معنى
الحياة،
وثانيهما
مساعدته على
وعي ذاته
وعلاقته
بالآخرين،
والمقصود
بوعي معنى
الحياة،
الإحساس بها
وبقيمتها
وبأنها
جديرة بأن
تُعاش، وفق
مقاييس
العطاء
والسعادة،
وفي إطار قيم
بناءة
ايجابية،
ومن البديهي
أن هذا الوعي
لا ينبثق
تلقائياً،
كما لا يتولد
مكتملاً، بل
يحتاج إلى
تفاعلات
وتجارب
وخبرات،
ويسير في
عمليات
متطورة
مستمرة، وفي
إطار هذا
المفهوم يصل
البحث بنا
إلى: 1
ـ أن التعليم
هدف من أول
أهداف أدب
الأطفال. 2
ـ وأن أسلوب
الاتصال هو
الأسلوب غير
المباشر في
غالبيته. فالوعي
عملية شاملة
ليس لحالة
الذهن وحده،
بل لمجمل
شخصية الطفل
بما فيها:
الذكاء،
والخيال،
وكل الجهاز
الإنفعالي
والعاطفي،
وبديهي أن
التعليم
المجرد
يتوجه للذهن
فقط، ويهمل
الخيال
والإنفعال.
فإذا علمنا
الطفل أن 1+1=2
نكون بذلك قد
أفهمناه
واقعة علمية
مجردة، أو
رياضية
بحتة، لا دور
للخيال أو
الإنفعال
فيها. أما
إذا قلنا له: (...كانت
الأم تجري،
والدموع في
عينيها،
وتصرخ في
لوعة... ولدي..
ولدي.. من
منكم رأى
ولدي؟؟ لقد
عدت من
الخارج.. وسط
الأمطار..
والليل جاء..
ولم أجد ولدي
بالمنزل..). إذا
قلنا للطفل
ذلك فإن
الامر يختلف
تماماً،
فإنه يدرك ما
تعانيه الأم
من خلال
دموعها
ولهفتها على
ولدها،
وخاصة أن
الليل قد
أتى، والمطر
يتساقط،
وينفعل
الطفل ـ وهو
يسمع أو يقرأ
القصة،
وينطلق
خياله إلى ما
وراء
الكلمات،
ويتصور ذلك
الطفل
الضائع وهو
يقاسي
الظلمة
والبرد
والمطر
والوحدة،
وهل سيداهمه
وحش أو ينشق
الليل عن
شبح، وكيف
سيجد طعامه،
وقد يفكر
الطفل
القارئ في
عديد من
الإحتمالات،
فمن يدري قد
يجد الطفل
التائه
إنساناً ذا
قلب طيب
يأخذه إلى
بيته ويحميه
من الأخطار..
وهكذا... ويصل
بنا البحث
أيضاً إلى أن
الخيال أمر
لا يمكن
إهماله في
الكتابة
للطفل،
فالخيال بما
فيه من
شاعرية
واتساع، هو
وسيلة من
وسائل
الإبتعاد
لحد ما عن
التحديد
والمباشرة
البحثة،
وهذا يثري
الإنفعال
والتأثر،
كما يثري
التجربة
الإبداعية،
ومن ثم
يمكننا
القول بأن (الإيحاء)
بالقيمة
والمعنى من
خلال جو
خيالي
وشاعري،
يجعل الطفل
ينفعل بشكل
تلقائي،
ويتمثل ما
يقال،
ويمكننا أن
نستخدم تلك
الوسيلة
الفنية أو
الإبداعية
بالإيحاء
للطفل وما
نراه ويراه
التربويون
والنفسيون
والدعاة من
عقائد
دينية،
ومبادئ
سامية،
ومُثل
عُليا، لأن
الأسلوب (غير
المباشر)
يتضمن
إحتراماً
لحرية
الطفل،
وبعداً عن
القسر الذي
يعيق النمو
والتفتح... ولكي
نضرب لذلك
مثلاً عن
الرسول(ص)،
حينما كان
يتعامل مع
صحابته
بكثير من
الألفة
والتواضع،
ويشاركهم في
أعمالهم،
ويتحمل معهم
الأعباء،
دون أن يميز
نفسه بشيء
خاص، نقول
إذا أردنا أن
نؤكد ذلك
للأطفال،
فنستطيع أن
نقدمه لهم من
خلال حادثة
أو واقعة جرت
فعلاً،
فنقول لهم إن
الرسول
وصحابته
اجتمعوا في
مكان ما،
وجاء وقت
الطعام،
وأراد
الرسول أن
يوزع العمل،
فقال واحد من
الصحابة: (عليَّ
ذبح الشاة،
وقال آخر
عليّ سلخها،
والثالث:
عليّ طبخها...
وهكذا إلى أن
جاء دور
الرسول فقال:
وأنا سأجمع
الحطب)... وذلك
أشق ما في
العملية..
فالطفل إذن
يتعلم من سرد
الواقعة،
ويتأثر بها،
أكثر مما
يتعلم
ويتأثر
بقولنا
المجرد: إن
الرسول كان
متواضعاً
أليفاً
يشارك
أصحابه في
تحمل
المسئولية،
ولا يركن إلى
الكسل أبداً.. إن
(رؤية الطفل)
يحكمها منطق
خاص، حدوده
أرحب من
الواقع،
وأبعد مدى،
وأكثر خصوبة.. والقصص
الخيالية
تفتح
أبعاداً
شاسعة رحبة
وجديدة أمام
مخيلة
الطفل،
والطفل
يتأثر بها
تأثيراً
كبيراً، من
غير أن يعرف
النتائج أو
الأسباب
عقلياً،
والمخيلة ـ
وما تشيعه من
سحر ـ قادرة
على التأثير
وعلى نمو
الوعي بشكل
لا تضاهيها
فيه أية قدرة
أخرى. أما
موضوع وعي
الطفل نفسه
وعلاقته
بالآخرين،
ومراعاة
الأدب لهذا
الجانب
الهام، فهو
قضية
أساسية،
لماذا؟؟ لأن
ما نكتبه
للطفل يجب أن
يساعده على
فهم نفسه
بشكل أفضل،
وفهم
الآخرين،
وإنشاء
علاقات
إيجابية
معهم، لأن
الطفل بحاجة
إلى الرؤية
الواضحة
لمخاوفه
وتطلعاته،
وإلى تهدئة
صخب
انفعالاته،
وتلمس
حلولها،
وإلى تجاوز
الحدود
الضيقة
لوجوده
التمركز حول
ذاته، وبذلك
يمكن للطفل
أن ينتقل من
وجود (تبعي)
متأزم
ومشحون
برغبات
طفولية، إلى
وجود مستقل ـ
لحد ما ـ
أكثر إرضاء
وملاءمة
لنفسه.. لأن
كتَّابنا في
معظمهم لا
يعطون دراسة
نفسية الطفل
حقها من
الشمول
والتعمق،
فعالم الطفل
غريب عجيب،
يحتاج إلى
الإكتشاف
والتجول
الدائب... وما
أكثر
الكتابات
التي تهمل (الصراع
الداخلي) لدى
الطفل، وهو
صراع موجود
ولا مفر منه،
ويشكل جزءاً
أساسياً من
نفسية
الطفل،
وواجبنا أن
نجعل الطفل
يعي هذا
الصراع،
ويسيطر على
العوائق،
ونقدم له
حلولاً
يستطيع أن
يفهمها(2)...
والآن
نتساءل: كيف
علاقة الطفل
نفسياً
بأبطال
القصص التي
يقرؤها أو
يسمعها؟ إن
الطفل
يتعاطف مع
شخصيات
بعينها
يراها في
القصة،
شخصيات
تستحوذ على
مشاعره،
وتشد
انتباهه،
وتمتلك
إعجابه، وهي
شخصيات لا بد
أن يتوفر
فيها
الإقناع
والصدق
الموضوعي
والفني،
ويحدث لون من
(الوحدة) أو (الإندماج)
مع هذه
الشخصية أو
تلك، ويتخذ
الطفل منها
قدوة ومثلاً
يحتذي به،
ويحاول (تقليدها)
في أقوالها
وحركاتها
وسلوكها
وسكناتها،
ويتصورها
بخياله
تصوراً
مثالياً..
وبهذا
الإندماج أو
الوحدة مع
بطل القصة
يؤسس الطفل
شخصيته
ويبنيها.. بل
ويختار ما
سيكون...
وهكذا تتطور
شخصيته خلال
اندماجاته
واختياراته..
ومن ثم يبدأ
في رسم تصوره
لمستقبل
حياته...
ويخطو
خطواته
المتسقة نحو
النضوج... ويجب
أن نلاحظ
إزدواجية
الخير والشر
في الحياة،
الحياة ليست
خيراً محضاً
أو شراً
محضاً، إنها
مزيج من هذا
وذاك، ولا
يصح أن نخدع
الطفل بأن
نجعله يعيش
في وهم كاذب،
ومن الأفضل
تربوياً أن
يعرف اختلاط
الشر والخير
في الحياة،
لكننا
نستطيع
بوسائلنا أن
نجعله يتخذ
موقفاً
إيجابياً،
ويندمج مع
الشخصيات
الخيّرة
ويقلدها. لكن
البعض يرى (ألا
نصدم الطفل
بما هو سيء
أو ظالم أو
مشين في
تراثه)(3)
وذلك حتى لا
تهتز ثقة
الطفل
بماضيه
الزاهر،
ونكتفي
بالإشارة
إلى
السلبيات
وانهزامها
وقهرها. وإلى
تغليب قوى
الخير والحق
والعدالة. وإذا
كان الطفل
يبدأ حياته
بالتقليد
لمن حوله،
إلا أنه
ينتقي ما
يُغذي هذه
الشخصية
الناشئة،
حتى لا تقف
عند المثال
المقلَّد،
فتكون
المطالعة ـ
كما قلنا ـ
من أهم
الوسائل
التي
يعتمدها
الطفل، حيث
يخرج بها من
الإطار
الضيق،
وللمطالعة
تأثيران: 1
ـ شعوري. 2
ـ لا شعوري. والتأثير
(اللاشعوري)
هو الأهم في
سياق تكوين
وتنمية
شخصية
الطفل، إن
الإنسان
الراشد أو
الكهل لديه
درجة معينة
من النضج
إكتسبها
خلال
ممارساته
الحياتية
والذهنية،
هذا النضج
يمكنه من
الحد من هذا
التأثير
اللاشعوري،
فيصبح من
الذين
يغلبون
العقل على
العاطفة،
فلا يندفع
مثل الطفل
إلى
الاقتناع
بما يطالعه
في الكتب أو
يسمعه من
الكبار. ومجال التأثير اللاشعوري في أدب الأطفال يحتل مكانة أولى لا شك فيها، وخطورة الآداب والفنون ـ دائماً وأدباً ـ أنها تتسلل إلى هذا المجال وتفعل فعلها، وما دام الأمر كذلك، فإن الذين يكتبون لأدب الأطفال عليهم واجب أساسي وهو الإلمام بماهية هذا الحيز ـ حيز اللاشعور ـ بالنسبة للطفل، وإعطاؤه حقه من الفهم والتدقيق، حتى لا يتسلل إلى شخصية الطفل من خلاله عوامل سيئة تؤذي تكوين الطفل، وتعيق من تطور شخصيته ونموها ونضوجها(4). ويؤكد
الدارسون
فيما يشبه
الإجماع أن
أدب الطفل
ليس أدباً
ترفيهياً
فحسب، بل
ينبغي أن
يكون له دور
تربوي، كما
يؤكدون على
ضرورة
التلاؤم
والتكامل
بين التأثير
الشعوري
والتأثير
اللاشعوري
في أدب
الأطفال،
وضرورة
مراعاة كل من
الجانبين
الأدبي
والنفسي،
وفي حالة
الترجمة أو
الإقتباس لا
بد أن نراعي
خصائص كل
حضارة، وألا
ننقل ما
يناقض قيمنا
التربوية
الإسلامية،
أو يبعث فيها
التميع
والترقيع،
أو يفقدها
سماتها
المتميزة،
وملامحها
المحددة. * *
* قد
أشرنا في
الفصل الخاص
بوظيفة أدب
الأطفال في
ضوء الإسلام
إلى هذه
الوظيفة
بصورة
تفصيلية لحد
ما، وأدب
الأطفال ـ
طبقاً
للقواعد
الموضحة،
والأساليب
المتبعة
التي ثبتت
صلاحيتها
وجدواها ـ هو
الوسيلة
الفعالة
لترجمة
الأهداف
والغايات..
وبذلك
نستطيع
المساهمة
بهذا الأدب
في تكوين
الشخصية
السوية
القادرة على
ممارسة
دورها
البناء في
إثراء
الحياة،
والنهوض
بها، وإسعاد
الفرد
والمجتمع. والامر
هنا في غاية
الخطورة. إن
الادب وسيلة
لا غاية. وقد
تشتط قلة
خارجة عن ذلك
التصور، لكن
القضية في
ضوء الإسلام
لا تحتمل
ريبة أو
ترددا،
لأنها شيء
يرتبط بمنهج
المسلم، ولا
يمكن
الإنحراف
عنه.. نعم
الأدب ـ بل
الفن كله ـ
وسيلة لا
غاية.. وما
يزعمه دعاة (الفن
للفن) ومن
دار في فلكهم
من أن الفن ـ
ومنه الأدب ـ
غاية في حد
ذاته، إنما
هو ضرب من
الجمود لا
يصمد مع
الواقع،
ونظرة سريعة
إلى تاريخ
الآداب
والفنون
مُنذ القدم،
وحتى عصورنا
هذه تؤكد ما
نذهب إليه من
أن للأدب
وظيفة
يؤديها
لإثراء
النفس
والحياة
بالتجارب
والمعارف
والجمال،
وما مثل دعاة
(الفن للفن)
إلا كمثل
الذين
يقولون (إن
هي إلا
حياتنا
الدنيا،
نموت ونحيا
وما نحن
بمبعوثين)،
فهي وثنية من
نوع آخر،
إتخذت
لنفسها
مجالاً
وثنياً
خاصاً هو
الفن، فليس
بعده شيء..
وهي عبثية في
شكل آخر غير
الأشكال
المستحدثة.. ولا
يصح أن ننسى
أن نيل
الغاية
يستلزم
أيضاً طهارة
الوسيلة. إن
الذين
يبالغون في
تصوير الشر
والفاحش
والسيء من
الأوضاع
بحجة
التحذير
منها،
والبعد
عنها، إنما
يزينون
لضعاف
النفوس
طرافة
التجربة،
وقد يوحون
لهم
باسلوبهم
هذا محاولة
تقليدها،
وهو أمر بالغ
الخطورة،
وخاصة
بالنسبة
للأطفال،
فالإشارة
إلى الشر لا
تعني
الإيغال
فيه، والغوص
المغري في
تفاصيله،
فقوة
الإرادة عند
الطفل ـ الذي
لم تكتمل
تجربته، ولم
تتحدد
مواقفه ـ
ضعيفة
ناقصة، وقد
يجره ذلك إلى
متاهات
وإضطرابات
تلوث صفحته
البيضاء،
وتوقعه في
كثير من
الحيرة
والبلبلة،
لكن هذه كلها
أمور يمكن
ضبطها
بمقاييس
التجربة
الإسلامية،
ونتائج
الدراسات
النفسية
والتربوية
التي توصل
إليها
المخلصون من
العلماء. إن
الذين
يندفعون إلى
الكتابة
للطفل، دون
إدراك لعظم
المسئولية،
مثلهم كمثل
الذي يقتحم
حقل ألغام،
ولا يعرف
الممرات
الآمنة التي
يستطيع
إجتيازها
بسلام، ولا
أظن أن
العقلاء
يرتكبون هذه
الحماقة
القاتلة. يقول
الله في
كتابه
العزيز: (..فاقصص
القصص لعلهم
يتفكرون).
وهو أمر إلهي
للرسول
الكريم الذي
أدَّبه ربه
فأحسن
تأديبه، حتى
أصبح بحق كما
قيل عنه(ص) (كان
خلقه القرآن). لقد
إهتم القرآن
الكريم
بالقصة،
وجعلها
باعثاً على
التفكر
والتدبر،
لأنها واقعة
حية، صادقة
التعبير،
قوية
التأثير،
عظيمة
المقصد؛
تتحرك فيها
الشخصية
والحدث،
ويتجلى فيها
الصراع
الأبدي
الخالد، بين
الخير
والشر، وبين
المؤمنين
والكافرين،
وبين
الرذيلة
والفضيلة،
وبين
الإنسان
والشيطان،
الشيطان
بشتى صوره
ومغرياته،
والإنسان
بقوته
وضعفه،
باستقامته
وعوجه. وإذا
كانت القصة
تجربة حية،
مقتطعة من
الحياة
المتحركة
المتفاعلة،
فإنها تشد
الإنتباه،
وتعمل
الفكر،
وتحرك
المشاعر،
ويشعر
المتلقي ـ
صغيراً كان
أم كبيراً ـ
بأنه يعيش
وسط الحدث،
ويتمثله
ويعايشه إلى
حد كبير، بل
ويتخذ
موقفاً،
بناء على
قناعة خاصة
استلهمها من
التجربة
المتواجدة
في القصة،
واتخاذ
الموقف
يتبعه سلوك
وانعطافات
هنا أو هناك،
ذلك هو الذي
يمكن فهمه
فيما ورد من
نصوص قرآنية
كريمة حول
القصة بصفة
عامة. وتتميز
القصة
القرآنية
عما سواها
بثبوت
الوقائع
المسرودة،
وعظمة
الأداء
المعجز،
والأسلوب
الذي لا
يبارى، كما
تتميز
بإقرار
النتيجة أو
العبرة
صراحة، وهو
أمر تخالفه
معظم مدارس
القصة
الغربية
المعاصرة،
إذ لا تحفل
بإثبات أو
تبيان الهدف
أو الغاية من
القصة حتى
تترك
المتلقي
يفهمها
وحده، أو
يستنتج منها
ما يشاء
طبقاً
لمقدرته
ومزاجه
وهواجسه،
ذلك كنوع من
الإثارة
والإمتاع
والمشاركة،
وذلك ما جعل
عالماً
كبيرا
كالشيخ محمد
متولي
الشعراوي
يقول إن
القصص
القرآني قصص
متميز له
قداسته
وتفرده،
وليس مثل
القصص الذي
نقرؤه
اليوم، وخير
للنقاد أن
يطلقوا كلمة
القصص على ما
ورد في
القرآن
الكريم
وأحاديث
الرسول، وأن
يسموا القصص
الحديث (بالخياليات)
مثلاً أو ما
شابه ذلك،
وليس من قبيل
الصدفة أن
تكون كلمة
الرواية
باللغة
الأجنبية هي ROMANCE،
ومعناها
الحقيقي هو
الخيال.. إن
حقائق الدين
تلتزم
بالوضوح
والتحديد،
فكان منطقيا
وطبيعياً أن
تأتي القصة
في القرآن
سلسلة
واضحة، لا
غموض فيها
ولا تزيُّد
أو مبالغة،
وتتبعها ـ أو
تسبقها ـ أو
تأتي خلالها
ـ النتائج أو
الهدف أو
الغاية منها..
وهو أمر أليق
ما يكون
بالنسبة
لعامة
العقول
والأفهام في
المجتمع،
فمستويات
الناس
العقلية
متفاوتة،
وإمكاناتهم
الثقافية
والاستنتاجية
متباينة،
والأمر أمر
عقيدة، لا
مجال فيه
للتخيلات
الجانحة، أو
الأهواء
الشخصية، أو
التأويلات
الشاردة،
إنه دين، نزل
به جبريل على
محمد(ص)،
ويجب أن يصل
إلى العباد
في جلاء
ووضوح، أما
القصص
المعاصر،
فيخاطب فئة
بعينها من
المثقفين،
ويتناوله
نخبة من
النقاد
الأكادميين،
ويطبقون
عليه قواعد
معينة في
التقويم
والتقييم،
ومدارس
النقد
كثيرة، منها
ما يرتبط
بالانطباعات
التي تتركها
القصة لدى
القارئ،
ومنها ما
يتصل
بالقواعد
الخاصة
بمذهب معين
كالواقعية و
الإبتداعية (الرومانسية)
أو الرمزية..
ألخ، ومنها
ما يلجأ إلى
التحليل
الفني أو
الإجتماعي
أو التاريخي
أو
البيولوجي
للشخصيات
والأحداث
والصراعات..
وهنا نرى
القارئ أو
المتلقي
يحار بين
غابات كثيفة
مظلمة من
النظريات
والإفتراضات،
كما يتباعد
النقاد في
أحكامهم
بالنسبة
لرواية من
الروايات
تباعداً
غريباً،
فتأتي
أحكامهم
متناقضة
متضاربة،
وهذا على
النقيض
تماماَ من
القصص
القرآني
الجلي القوي
النقي،
والذي يحتفل
بالجزئيات
الهامة،
والأمور
الكلية
الأساسية،
والنتائج
التي يجب
الإحتفاء
بها، وصدق
الله العظيم
إذ يقول: (نحن
نقص عليك
أحسن القصص
بما وحينا
إليك هذا
القرآن، وإن
كنت من قبله
لمن
الغافلين..) أليس
من الملفت
للنظر
اليوم، أن
يأتي علماء
التربية
والنفس بعد
قرون طوال من
نزول
القرآن،
ليؤكدوا هذه
الحقائق
الثابتة ألا
وهي: أولاً:
القصة ذات
أثر بالغ في
التنشئة
والتربية. ثانياً:
القصة
الناجحة
تزود الطفل
بمختلف
الخبرات
الثقافية
والوجدانية
والنفسية
والسلوكية. ثالثاً:
القصة تفتح
الآفاق أمام
الطفل،
وتثري
خياله،
وتنمي
مهاراته
وإبداعاته،
وتمده بطاقة
روحية
ونفسية
وفكرية
كبيرة. رابعاً:
قصة الطفل
يجب أن تكون
واضحة،
منطقية،
سلسلة بعيدة
عن التشتت،
خالية من
تراكم
العقد،
مفهومة
اللفظ
والمعنى
والسياق. خامساً:
وهذا هو
الأهم، أن
تكون واضحة
الهدف. سادساً:
أن تخلو مما
يبعث الخوف
والشك
واليأس
والتردد في
نفوس
الأطفال. سابعاً:
أن تميل بهم
إلى جانب
الخير
والفضيلة
والثقة
والإيمان،
وأن تؤكد لهم
إنتصار
الخير على
الشر،
والإيمان
على الكفر،
والأمل على
اليأس. ثامناً:
أن يستخلص
منها الطفل ـ
شعورياً أو
لا شعورياً ـ
قيمة أو فكرة
أو معتقداً،
ينفعه في
حياته،
ويثبت في
نفسه الآداب
الأخلاقية،
المنبثقة من
دينه أو
عقيدته. * *
* والنظر
إلى القصص
القرآني أو
الديني
يجعلنا نؤمن
أعمق
الإيمان
بأهمية (القصص
الحق) الذي
أنزله الله
على نبيه
محمد(ص)،
وعلى
أنبيائه
المرسلين من
قبل، ونظرة
إلى الآداب
العالمية
كلها قديمها
وحديثها
تبرز لنا
أهمية القصص
الديني في
تربي
الأطفال،
فنرى مثلاً
في انجلترا ـ
عندما بدأت
مدارس الاحد
ـ كتّاباً
مشهورين
للقصص
الديني
للأطفال مثل
الكاتبة (حنا
مور)
والكاتبة (سارة
تريمور) (1781م)
أما التراث
الإسلامي
فقد إكتظ
بالكثير من
هذه القصص في
حقب التاريخ
الإسلامي
المختلفة،
وهو كما قلنا
أمر شائع
وقديم، نراه
في مخطوطات
قدماء
المصريين من
ثلاثة آلاف
عام قبل
الميلاد،
ونراه في
المسيحية
واليهودية،
وفي
البوذية،
وفي أساطير
الإغريق أو
اليونان،
ولدى
البوذيين
والديانات
غير
السماوية أو
الوثنية
التي سبقت أو
أعقبت
الرسالات
الإلهية.. القصص
القرآني هو
القمة،
لتكامله
وسلامته من
الخرافات
والتحريف
والتزييق،
ولتضمينه
الحكمة
الواضحة، أو
العبرة
الصريحة. ومن
الأمور
البينة، أن
الأمهات
والعجائز في
العالم
الإسلامي،
يروين
للأطفال منذ
الصغر قصص
فرعون
وموسى، ونوح
والطوفان،
ويوسف
وامرأة
العزيز،
وبقرة بني
إسرائيل،
وأهل الكهف
وأصحاب
الأخدود،
وإبراهيم
عليه السلام
والأصنام
والنار،
ومحمد عليه
الصلاة
والسلام
واليهود
وكفار قريش،
وقارون
وفرعون
وهامان،
ويستمع
الأطفال
لهذه القصص
وغيرها،
ويطربون
لها،
ويعيشون في
أجوائها،
فتثري
خيالاتهم
وأفكارهم،
وتقوي من
عقيدتهم،
وتزودهم
بطاقة هائلة
من القوة
والعزم
والإيمان،
وتأخذ
بأيديهم إلى
طريق الخير
والعمل
والصدق
والفضيلة.. وقصص
الأطفال
قديمة قدم
البشرية..
ويبدو أنها
ضرورة، فهي
أبسط ألوان
الحديث
للطفل، ولمن
لم يؤتوا
القدر
الكافي من
الثقافة،
ومع أن
التاريخ لم
يترك سجلاً
قديماً لقصص
الأطفال،
إلا أن
الدراسات
العالمية
أجمعت على
وجود هذا
اللون
الأدبي بين
القبائل
البدائية
والمجتمعات
المتحضرة
على حد سواء،
وقد أشرنا
إلى (البرديات)
الفرعونية
التي اكتشفت
حديثاً، مع
أنها مكتوبة
منذ ما يقرب
من ثلاثة
آلاف سنة قبل
الميلاد،
كما جاء في
الكتاب الذي
ترجمه
الروائي
نجيب محفوظ،
ويعلق
الدكتور علي
الحديدي على
ذلك في كتابه
القيم
قائلاً: (ويلاحظ
أن الدين وما
نبع عنه من
أساطير كان
الملهم
الأكبر
لخيال
المصريين
القدماء،
وكان أهم
حافز لخلق
الاحداث
وتأليفها،
وبذلك كان
الدين
معلمهم
الأول لفن
القصة
والرواية
حتى تمكنوا
فيها، وصارت
لهم القدم
الراسخة..)(5).
ولم
يقف القصص
الديني
للأطفال عند
حد قصص
الأنبياء
وقصص القرآن
والسيرة
والأحاديث
الصحيحة، بل
تعداه إلى
قصص واقعي
معاصر
يستلهم
أفكاره من
الواقع،
ويستنبط
قيمه من
العقيدة
الدينية،
ويلتقط
أحداثه من
الوقائع
اليومية
الجارية،
وهكذا تسللت
قيم الدين
والعقيدة
إلى (القصص
الواقعي)
الذي يقدم
للأطفال في
كثير من
المنازل
والمدارس
والكتب
الخاصة بهم،
وهذا الرأي
لا يمنع من
وجود آثار
لأدب
الأطفال ـ
مترجمة أو
مقتبسة أو
مؤلفة ـ قد
انحرفت عن
ذلك، ودسَّت
الكثير من
القيم
الفاسدة
المدمرة إلى
قصصهم
الواقعي ذلك. وكانت
قواعد (قصة
الأطفال) في
الأزمنة
القديمة
تُرتجل
طبقاً
للتجربة أو
الخبرة عند
الراوي أو
الراوية،
ولم يكن لها
نظرية
متكاملة،
وأصول راسخة
متفق عليها،
كان الشرط
الأساسي
فيها أن تكون
مفهومة لدى
الطفل، وأن
تكون بسيطة،
وتهدف إلى
تعليمه
شيئاً وإلى
إمتاعه
ومؤانسته أو
إدخال
البهجة
والسعادة
على نفسه كي
ينام أو يهدأ
أو يستجيب
لرجاء من
يشرفون على
شأنه، أو
لتلقينه
عقيدة من
العقائد،
وخاصة ما
يتعلق
بمعتقدات
قومه
وبطولاتهم
ومفاخرهم. وبدأ
الإهتمام
والتخصص
لقصص
الأطفال على
أسس وقواعد
في أوروبا في
القرن
الثامن عشر
تقريباً،
واستفاد
الأوربيون
كثيراً من
تراثنا
العربي في
القصة وخاصة
كتاب (ألف
ليلة وليلة)
الذي
ترجموه،
وكذلك كتاب (كليلة
ودمنة) الذي
نقل إلى
لغاتهم
أيضاً، لكن
أدب الأطفال
العربي لم
يبدأ
الاهتمام به
إلا في أواخر
القرن
التاسع عشر،
ولم يقف على
قدميه إلا في
العشرينيات
من هذا القرن
العشرين.. ولنتساءل
الآن عن
العناصر
اللازمة
لتأليف قصة
للأطفال...
إنها في
الواقع
عناصر لا
تخرج عن
مثيلاتها في
القصة كعمل
أدبي، مع
مراعاة ما
يناسب الطفل
عند تطبيق
القواعد،
ولكي نظرب
لذلك مثلاً،
فإن العقدة
أو الحبكة من
ضرورات
القصة بوجه
عام، لكن
الطفل لا
تناسبه إلا
العقدة
الواحدة
المبسطة دون
تشعبات،
بينما
الكبار،
يقدرون على
فهم العقد
المركبة،
وهناك أيضاً
إختلافات
تتعلق
بالشخصية
والحدث
والسرد،
وبالتعبير
المباشر
وغير
المباشر،
وبالألفاظ
والصور
البيانية
والبلاغية..
وأهم عناصر
قصة الأطفال
هي: هو
عبارة عن
مجموعة
الوقائع
المتتابعة
المترابطة،
والتي تسرد
في شكل فني
محبوك مؤثر،
بحيث تشد
إليها الطفل
دون عوائق أو
تلكؤ، فتصل
إلى عقل
الطفل في
إنسجام
ونظام، فلا
ينصرف عما
يقرأ أو
يسمع، أو
تشتت ذهنه.. الحدث
إذن جزئيات
يضمها نسيج
واحد، أو
إطار
متماسك،
يوحي بالصدق
والإقتناع
والمتابعة،
ومن ثم لا
يمكن أن يكون
الحدث بناءً
جامداً
ثابتاً،
ولكن لا بد
وأن يتسم
بالحركة
الحية
والتفاعل،
مع ما قد
ينتج عن ذلك
التفاعل من
حرارة أو
ألوان أن
تغيرات
مفهومة
ومنطقية. وإذا
كان الأمر
كذلك، فإن
التأثير لا
يقع في مجال
العقل وحده،
ولكنه يقفز
إلى الوجدان
والنفس.
ويصبح الطفل
في حالة
نفسية خاصة
تثري كيانه
كله بدنياً
وروحياً.. وعلى
كاتب القصة
للطفل، ألا
يغرقه في
التفصيلات
الكثيرة،
والأحداث
الفرعية
الطويلة،
كما لا يصح
أن يدفع به
إلى الأحداث
الغامضة غير
المفهومة أو
المبررة،
وبذلك لا
يبعث في نفس
الطفل الضيق
أو الملل،
كما أن على
الكاتب أن
يحسن إختيار
التجربة
الحياتية
المقنعة على
أسس علمية
سليمة، حتى
لا تضار
نفسية الطفل
وقيمه
السلوكية،
ومعتقداته
الصحيحة،
ولا يشترط أن
تكون
الأحداث
الجذابة
مرتبطة
بالإغرائب
والخروج
الصارخ على
الواقعي أو
المألوف أو
المشهور،
وبالذات في
مجالات
البشاعة
والرعب،
وهذا لا
يتناقض مع
هدفنا
الأكيد في
إمتاع الطفل
بالخيال
الخصب
الخلاَّق،
وتنمية ذلك
الخيال
وإثرائه. 2 ـ
السرد ونقصد
بالسرد
كتابة القصة
أو روايتها
للطفل، وهي
طريقة
إستخدام
القاموس
اللغوي في
عرض الحدث أو
الوقائع،
وهنا نؤكد
مرة أخرى على
أهمية
إختيار
الألفاظ
المناسبة
لسن الطفل
الذي نكتب
له، فاللغة
ذات الألفاظ
الصعبة او
الغريبة
التي لا
يفهمها
الطفل تعوق
عملية
التلقّي
والفهم
والعيش في
قلب الحدث،
كما تعطل
إنسيابية
التمثل
والتخيل،
كذلك فإن
الألفاظ ذات
الدلالات
المعنوية أو
التجريدية
تربك الطفل،
وتورثه
الحيرة،
وتوقعه في
الغموض،
ولهذا فإن
الكلمات ذات
الدلالات
المجسَّدة،
والتي ترمز
إلى أشياء
يعرفها
الطفل في
بيئته
الخاصة أو
العامة هي
التي تناسبه
ولا يستطيع
الطفل أن
يتفهم (التجريدات)
إلا في سن
متأخرة، بعد
أن تنمو
مداركه،
وتتكثف
خبراته،
وتربو
ثقافته.. أمر
آخر وهو أن
كاتب قصص
الأطفال،
وخاصة
لمراحل ما
قبل العاشرة
أو الحادية
عشرة، لا يصح
أن تستهويه
الإستعارات
والكنايات
والأمور
البلاغية
الأخرى،
فتطول
العبارات،
وتتزاحم
الصور،
فيصعب الفهم
على الطفل،
وتتعثر خطاه
في طريق
الإستيعاب
والفهم
والإستمتاع،
ولا شك أن
جمال اللغة
عملية
تقديرية
ولها
إعتبارات
خاصة عندما
نكتب
للأطفال، في
مراحل
نضوجهم
العقلي
المتتابعة... واللفظة
في السرد لا
تلقى هكذا
جامدة دفعةً
كقالب من
طوب، ولكن لا
بد أن
تواكبها
لفظات
مساعدة، أو
جمل موحية
تشحن سياق
اللغة أو
تعبيرها
بالحركة،
وتُثريها
بالتخيل
والتجسيد،
فإذا قلنا (حضر
احمد) فان
مجرد الحضور
هكذا لا يوحي
إلا بفعل
بسيط لا يلفت
النظر عادة،
بينما إذا
قلنا (حضر
أحمد وهو
يبكي.. أو
والدم يسيل
من أنفه.. أو
وهو يرتجف أو
يرتعش.. إلخ)
فإننا بذلك
قد أضفنا
حركة
وحيوية،
وشغفاً
بالمتابعة
ومعرفة
المزيد، وهو
ما يسميه
النقاد (باستخدام
العنصر
النفسي) في
السرد،
فيثريه
ويخرج
باللفظة عن
دائرة
التعبير
الأجوف
العاري. أما
الجديد من
الألفاظ أو
المصطلحات،
فإنها تضاف
تدريجياً
وبجرعات
مستساغة
مقبولة،
طبقاً
للقاموس
المعتمد،
والدراسات
المتخصصة
التي تراعي
نمو الطفل
العقلي
والنفسي،
وهي ضرورة
لإضافة
أرصدة جديدة
لحصيلة
الطفل من
اللغة
والأفكار
والمعاني. ومن
الخير تجنب
الألفاظ
البذيئة، أو
العبارات
المقذعة، أو
الكلمات
التي تخدش
الحياء،
وتوحي للطفل
بأمور
وسلوكيات لا
تتفق
والاخلاقيات
التي نريد أن
نربيه
عليها،
ويكفي الطفل
ما يسمعه في
الشارع أو
الواقع
الأليم من
كلام جارح،
وممارسات
ضارة، تنبو
عن الذوق،
وتبعث الأسى
في النفوس. هناك
وسائل عدة
للسرد
الفني،
كالوسيلة
المباشرة أو
الذاتية أو
الوثائقية،
إلا أن السرد
المباشر هو
الأليق
بالنسبة
لقصص
الأطفال، إذ
يعطي الكاتب
حرية في
الحركة،
وانسيابية
في التعبير،
وشمولية في
رسم الصورة،
لأن المؤلف
يبدو وكأنه
راوية يسرد
من الخارج.
ويعالج
الأمر بشيء
من
الموضوعية
النسبية،
وذلك هو
الطريق الذي
اتبعه
غالبية كتاب
القصة سواء
الذين
يكتبون
للأطفال أو
الكبار. 3 ـ
البناء لكي
نقيم بناءً ـ
منزلاً
مثلاً ـ لا
بد من توافر
عددٍ من
المواد
كلبنات
البناء
والأسمنت
والرمل
والحصى (أو
الزلط) ولا
بد من
الأخشاب
والحديد وما
إلى ذلك من
الامور التي
تدخل في هذه
العملية،
بناء على
التصميم
الذي وضعه
المهندس
المختص، ولا
بد من أسلوب
معين يؤدي
علمياً
لبلوغ
الهدف، ولا
بد من
التنسيق
والأصباغ
المناسبة،
كذلك القصص. وقصص
الأطفال لا
يناسبه
التعقيد
الزائد
المركب،
وكاتب قصة
الأطفال
يتخير وقائع
معينة يجمع
بينها في نسق
وتسلسل خاص،
حتى تأتي
مفهومة
وجميلة
ومؤثرة
وجذابة،
وحتى تستطيع
أن تصل إلى
الهدف
المطلوب. وتبدأ
قصة الأطفال
مما يمكن أن
نسميه
البداية أو
المقدمة،
وتكون موجزة
وموضحة لما
سيأتي
بعدها، ثم
تتابع
الوقائع
بطريقة
منطقية: كل
واقعة في
مكانها
المناسب،
وفي حيزها
المعقول،
ويتحرك
الأشخاص عبر
هذه الوقائع
حركة حية
هادفة، تخدم
الهدف الذي
من أجله كتبت
القصة، وتظل
تنمو وتنمو
حتى تصل إلى
القمة، وهي
النقطة
الأشد
تعقيداً
وإثارة،
ويتبع ذلك
لحظة
التنوير
التي تفتح
الطريق إلى
النهاية
السعيدة أو
المأساة. وقد
يعتمد
الكاتب على
توالي
الأحداث
توالياً
عضوياً،
بحيث تكون
مرتبطة
ببعضها تمام
الارتباط،
وقد يكون
اعتماد
الكاتب على
الشخصية
الرئيسية في
مسيرتها من
البداية
للنهاية، مع
النظر إلى
الوقائع أو
الأحداث
كأشياء
مكملة، وهذا
يحدث في قصص
البطولات أو
المغامرات
الفردية. ويميل
بعض النقاد
إلى تبني (النهايات
السعيدة)
بالنسبة
للأطفال،
كما يؤكدون
على أهمية
إبراز الهدف
بطريقة
واضحة
وحاسمة، دون
إغراق في
الوعظ أو
الشرح،
وبذلك
تتغلغل
القصة
بعناصرها في
عقله
ووجدانه ولو
بطريقة
تلقائية أو
لا شعورية. ولعله
من نافلة
القول أن
نقرر عدم
صلاحية بعض
القصص الذي
يغلو في
الرمز، أو
يغرق في
التحليل
النفسي،
والتداعيات
التي تحدث في
اللاوعي،
والإنسياق
وراء الصور
الشعرية
المعقدة في
أسلوب
القصة،
والإنخداع
بمدارس
أدبية تغلب
عليها
الطبيعة
الفلسفية.
هذه أو تلك
لا تناسب
مستوى الطفل
أو مثله التي
ننشدها. فكما
أن الطفل
يتقبل
الألوان
الأصلية
كالأحمر
والأصفر ولا
يستطيع
استيعاب
الألوان
المختلطة
وأسمائها
الصعبة، فإن
نفس الشيء
يحدث لديه
بالنسبة إلى
لوعة القصة
التي يقرؤها
أو يسمعها. وإذا
كانت عقلية
الطفل لا
تستسيغ
التحاليل
النفسية
الصعبة، إلا
أننا يجب أن
نتفهم
نفسيته على
أسس تجريبية
وعلمية: وأن
نستفيد من
ذلك ـ
كمؤلفين ـ في
حمايته من
الإضطرابات
النفسية. 4 ـ
الشخصيات تلعب
الشخصيات في
قصص الأطفال
دوراً
هاماً،
باعتبارها
نموذجاً
يُحتذى، أو
لكونها
مثلاً يثير
الرفض
والتقزز،
فالقصة قد
تحفل
بشخصيات (ثابتة)
أو شخصيات (نامية)..
والنموذج
الثابت من
الشخصيات قد
يتصف بأقوال
وأفعال
وتحركات
تبعث على
الرضا أو
التفاؤل أو
الإتباع،
هذه هي
الشخصيات
القدوة أو
المثل، وهي
كثيرة في سير
الصالحين
والأبطال
والمجاهدين
في سبيل
الله،
والمدافعين
عن العرض
والشرف
والأرض
والعقيدة،
كما تتمثل في
الشخصية
الشغوفة
بالإكتشافات
العلمية
والرحلات
والمغامرات
الخيرة،
التي تجاهد
في سبيل
المضطهدين
والمحتاجين
والضعفاء،
والطفل ينظر
إلى مثل هذه
الشخصية
نظرة تقدير
واحترام
وحب، ويحاول
أن يقلدها. وهناك
أيضاً ـ على
النقيض من
ذلك ـ
الشخصية (الثابتة)
أو الجاهزة،
التي تلجأ
إلى الدس
والخديعة،
أو التي تميل
إلى الكسل
والتراخي،
وتستسلم
للفشل،
وتبدو مثل
هذه
الشخصيات
أمام الطفل
مقيتة سيئة،
وخاصة عندما
يكون مصيرها
إلى الفشل
والضياع
وتلقى
العقاب. ولذا
يكرهها
الطفل
ويحاول تجنب
السلوكيات
التي أوجدت
تلك المصائر
السيئة ومن
الضروري أن
يحرص الكاتب
على توضيح
النتائج
الطيبة
السارة
بالنسبة
للشخصيات
الخيرة،
والآثار
والعواقب
الوخيمة
بالنسبة
للشخصيات
الشريرة،
على ان يتم
ذلك بأسلوب
أو بآخر دون
إضرار
بالقيم
الفنية أو
الجمالية
التي اتفق
عليها
بالنسبة لفن
القصة. أما
بالنسبة
للشخصية (النامية)،
فنقصد بها
الشخصية
التي لا تثبت
على حال
واحدة، أو
تكون في قالب
معين لا
يتغير، إن
الشخصية
النامية
تتحول من حال
إلى حال، فقد
تكون شخصية
سيئة، تتعرض
لمآزق
وأحداث
وتجارب
عنيفة،
فتتلقى
الدروس،
وتأخذ
العبر،
وتتغير
حالها،
ويصبح
صاحبها بعد
معاناة
إنساناً
طيباً وقد
تكون
الشخصية
خيِّرة في
البداية، ثم
تتعرض
للمغريات
المادية
والمعنوية
فتسقط في
ارتكاب
الأخطاء،
وتسْتَسلم
للشر حيناً
من الزمن، ثم
تلاقي من
المتاعب
والندم ما
يجعلها تفكر
في التوبة
والعودة إلى
الإستغاثة،
أو تقع فريسة
للشر بصفة
نهائية،
وتصاب بما
تستحقه من
مصائب
وكوارث،
فيكون في ذلك
التجسيد
للسقوط
مدعاة لكي
يتعلم منها
الطفل
العظات
والعبر
بأسلوب غير
مباشر. إن
رسم الشخصية
ـ سواء أكانت
ثابتة أو
نامية ـ أمر
حيوي
بالنسبة
للطفل،
ولذلك يجب أن
تعالج بيقظة
وحذر، وإلا
وصلنا إلى
نتيجة تخالف
المطلوب من
أدب القصة،
فقد يعجب
الطفل
بشخصية قاطع
طريق، أو
زعيم عصابة،
أو لص محترف،
وخاصة عندما
نضفي على
هؤلاء صفات
القوة
والذكاء
والمهارة
وتحقيق
الإنتصار ضد
الكثرة من
المتصّدين،
أو يصل ذلك
المنحرف إلى
هدفه في
السلطة
والسيطرة
والثراء
الحرام. والشخصية
ليست
إنساناً
دائماً، فقد
تكون
الشخصية
حيواناً أو
طائراً أو
زهرة أو
جنياً أو
ملاكاً أو
شيطاناً، أو
شجرة أو
نهراً أو
جبلاً، وقصص
الحيوان
والسحر
وغيرها تحفل
بالمغزى
وتهدف
للعبرة،
وتبرز
الحكمة، وهي
كلها أمور
إيجابية
تنفع الناس ـ
كباراً
وصغاراً ـ في
حياتهم
العملية،
أيا كانت
هويَّاتهم
ومساراتهم،
وهذا يبدو
واضحاً في
قصص (كليلة
ودمنة)
المبسطة،
وبعض قصص (ألف
ليلة وليلة)
بعد تهذيبها
وتبسيطها. وقد
تناولنا
موضوع مدى
المشروعية
في مثل هذه
القصص للطفل
في مكان آخر.. التشخيص
إذن عنصر مهم
من عناصر قصص
الأطفال،
فالحياة من
حولنا عامرة
بشخصيات لا
حصر لها،
تتباين في
اشكالها
وملابسها
واساليبها
وعلاقاتها
وعقيدتها
وعواطفها،
ونحن في
الواقع
نتعامل مع
هذه
الشخصيات،
فننفر منها
أو نحبها،
ونقتدي أو
نأنف من
سلوكها،
المهم أنها
تحرك
مشاعرنا
وأفكارنا،
وقد تدفعنا
إلى إتخاذ
مواقف معينة
أزاءها،
ولهذا فإن
الطفل يتعرف
من خلال
العمل الفني
على نماذج
جديد من
الشخصات،
نماذج تعيش
بين
ظهرانينا
ولكنه لم يكن
يفهمها أو
يتعمقها،
ولم يكن يعرف
في دلالتها
وتخصصها،
ونماذج أخرى
قد تكون في
مجتمعات
أخرى تختلف
عن بلادنا،
ومن ثم يحصّل
الطفل
الخبرة
والثقافة
التي تثري
فكره
وخياله، لأن
مثل هذه
الشخصيات
الحية
المتحركة
تبعث النشاط
في تصوراته،
وتجعله يصنع
لها صورة
ذهنية خاصة.
قد تكون أكثر
امتاعاً من
الواقع،
سواء أكانت
هذه
الشخصيات من
الأنس والجن
او الحيوان
أو الملائكة
الأطهار، أو
السحرة
الأشرار
المهم أن
يتعرف الطفل
على الشخصية
ـ أية شخصية
ـ من خلال
أفعالها
وكلماتها
ومشاعرها
وليس من خلال
السرد
الأجوف وحده.. 5 ـ
الزمان
والمكان إن
تحديد
الزمان
والمكان في
القصة ـ
كقاعدة عامة
ـ يعتبر
ضرورة فنية
ونفسية، وهي
نوع من
استكمال
الصورة
العامة أو
الخلفية،
وبدون ذلك قد
يحدث نوع من
التشتت
والغموض،
لكن الأمر
بالنسبة
للطفل وقصصه
قد يختلف لحد
ما، فالطفل
في سنينه
الأولى قد لا
يكون لديه
تفهم كامل
واضح
للزمان، وإن
كان إدراكه
للمكان قد
يكون أوضح من
الزمان،
ولهذا نرى
رواة قصص
الأطفال
يقولون (كان
ياما كان.. في
سالف العصر
والأوان.. ما
يحلو الكلام
إلاَّ بذكر
النبي عليه
الصلاة
والسلام) وهو
تعبير يعني
الماضي، دون
تحديد دقيق
لهوية ذلك
الماضي.. لكن
الطفل
يستطيع أن
يميز الليل
والنهار، ثم
يتدرج ويعرف
أمس وغداً،
ويظل يصعد
سلم التدرج
حتى يلم
بأيام
الأسبوع،
وتبقى
العصور
السحيقة أمر
بالغ
الصعوبة
وخاصة إذا
كانت القصة
مشتملة على
تميز تلك
العصور
بسمات خاصة،
وطبائع
مغايرة،
وقيم مختلفة
كثيراً عن
قيمنا
المعاصرة. كما
يستطيع
الطفل أن
يتصور
المكان (فوق
الشجرة)
مثلاً أو
تحتها، (وفي
الحقل) أو (في
المنزل). وهي
أمكنة بسيطة
يعايشها،
وعندما
ننتقل به إلى
جانب قمم
الجبال
والبحار
والسندباد
في القصص فإن
الأمر يحتاج
إلى خبرات
أوسع، وسن
عقلي أنضج. من هذه الزوايا تختلف قصص الكبار عن الصغار، لكن في مراحل العمر المتأخرة يصبح الطفل أشد جذباً إلى (القصص الواقعي) ويقل إهتمامه بالقصص الخيالي والخرافي والأسطوري وفي هذه المرحلة الواقعية يدرك الطفل بداهة أن الأحداث التي تجري في الحياة، لا بد وأن تقع (في مكان معين، وزمان بذاته، وهي لذلك سترتبط بظروف وعادات ومبادئ خاصة بالزمان والمكان اللذين وقعت فيهما، والارتباط بكل ذلك ضرورة لحيوية القصة لأنه يمثل البطانة النفسية للقصة، ويسمى هذا العنصر (Setting)(6). وقصص
الحيوانات
مثلاً،
المكان فيها
هو البيئة
التي يمكن أن
يعيش فيها
ذلك
الحيوان،
فليس من
المستساغ أن
تصورّ
حيواناً في
منطقة
استوائية،
مع أنه لا
يعيش إلا في
القطب
الشمالي أو
المناطق
الثلجية
الباردة،
وكذلك حيوان
الصحراء
يختلف عن
حيوان
البلاد
الباردة،
وهي حقائق
طبيعية يجب
أن تراعى حتى
لا تختلط
الأمور
العلمية أو
الجغرافية
في ذهن
الطفل، ويصل
إلى نتائج
ليست متفقة
مع الواقع،
ويحلو لبعض
الكتاب أن
يقدموا قصص
الذئاب
والأسود
والغربان
والخيول
دونما تحديد
لصفة مكانية
وزمانية،
هادفين من
ذلك إلى
إبراز
المغزى أو
العبرة
أساساً، وهو
أمر يمكن
التغاضي عنه
في المراحل
الأولى من
عمر الطفل،
لكن كلما كان
الالتزام
بالبيئة
الطبيعية
أكثر، كلما
كان أفضل. وهناك
أماكن
متميزة من
الخير أن
يتمثلها أو
يتصورها
الطفل منذ
حداثة سنه،
مثل مكة ـ
المدينة
المنورة ـ
القدس، ثم
الأنهار
الشهيرة
والجبال،
وهناك أيضاً
أزمنة
فضَّلها
الله على
غيرها. كشهر
رمضان وما
فيه من آداب
معينة، وعصر
النبوة وما
فيه من طهارة
وعظمة
وجهاد، ويوم
الجمعة وما
يحفه من
نورانية ومن
بركات
ونظافة
واجتماعات. وعموماً
فإن المؤلف
النابه،
يمكنه أن
يوازن بين
المتطلبات
الفنية لقصص
الأطفال،
وبين
الإمكانات
العقلية
والاستيعابية
لدى الطفل،
تبعاً
للمرحلة
التي يكتب
لها.
والموضوع
الذي يعالجه
في قصته. 6 ـ
الفكرة أو
الموضوع الشكل
الفني أو
الإطار
وعاء،
والفكرة أو
الموضوع أو
المضمون، هي
الشيء الذي
يحتويه هذا
الوعاء، إن
أحداث
القصًة تمضي
وتتفاعل،
والشخصيات
تتحرك
وتتكلم
وكأنهم
يمارسون
حياة
حقيقية، لكن
الحدث لا
ينطلق
عشوائياً،
والشخصيات
لا تتصرف
ارتجالاً أو
إعتباطاً،
إن وراء كل
حركة وسكنة
في القصة
هدفاً أو
تعبيراً عن
معنى.. عن
فكرة عن
موضوع،
والتوازن
الفني بين
الشكل
والموضوع (الفكرة)،
هو المعادلة
الدقيقة
الحساسة
لكاتب
القصَة،
فالبعض
تغريه
الفكرة
بروعتها،
فيهيم بها،
ويتغافل عن
الشكل
الفني، أو
يسخر ذلك
الشكل
بطريقة
تعسفية
لخدمة
الفكرة،
والبعض
الآخر يتعشق
الشكل الفني
ولا يولي
الفكرة ما
تحتاجه من
اهتمام،
وكلا
الفريقين
على طرفي
نقيض،
لكنهما لا
يستطيعان
بلوغ المثل
الأعلى الذي
ننشده في فن
الأدب، وفي
قصص الأطفال
بالذات.. إن
الفكرة هي
الأساس الذي
يقوم عليه
البناء
الفني
للقصة، كما
أن الفكرة
تشكل مصدراً
من مصادر
الإعجاب
ونحن نقرأ
القصة، ولا
تستطيع أية
قصة أن تحدد
ملامحها
وكيانها
المميز
المؤثر إلا
باستكمال
عنصر الفكرة. والأدب
الإسلامي
عامة يحفل
بالمضمون أو
الفكرة
دونما غمط أو
تجاهل للشكل
الفني،
نثراً
وشعراً،
فالأساس لدى
الأديب
الإسلامي هو
إيصال معانٍ
وقيم معينة
إلى المتلقي
بالوسيلة
الفنية
البارعة،
ويمكننا
القول أن
الشكل
وسيلة،
والفكرة
رسالة،
والغاية
ايجاد الفرد
المسلم ـ
وهذا ما
شرحناه هنا
بشيء من
التفصيل في
باب (وظيفة
أدب الأطفال). والفكرة
تضم في
ثناياها
الاسباب
والنتائج
والمعنى
العام أو
الخاص، ولكي
تكون الفكرة
مقنعة، فلا
بد أن تختار
بعمق، وتقدم
بصورة قوية
أخَّاذة،
وأن (توحي)
بأهميتها
وآثارها
الخظيرة، من
خلال
سريانها في
الحدث قولاً
وفعلاً
وعاطفة، وقد
يرى البعض أن
الكاتب ليس
ملزماً
بتقديم الحل
لأية مشكلة،
إذ يكفيه أن
يصور تلك
المشكلة
تصويراً
صادقاً
ملفتاً
للنظر، ومن
ثم تحرك في
نفس القارئ
أفكاراً
وخيالات
وقدرات،
فيفكر في
ابتكار الحل
الأنْسب،
وهذا كلام
ليس خاطئاً
بصورة عامة،
لكننا نقول
إن قدرات
الطفل
العقلية
والوجدانية
والنفسية،
لا تجعله
قادراً على
استنباط
الحلول،
وإتخاذ
المواقف
الواضحة،
ولذا فإن من
الضروري
الحرص على (الإيحاء)
إلى الطفل
بسلوك ما أو
بمشاعر
معينة،
اتجاه
الحلول
المناسبة،
مع المحافظة
على القيم
الجمالية أو
الفنية
للقصة. لأن
الطفل يختلف
كثيراً عن
الرجل
الناضج.
ومعروف أن
الناس لا
يقرأون
العمل الفني
لجماله
فحسب، كما
يزعم دعاة (الفن
للفن) ولكنهم
يستمتعون
بفكرته
أيضاً،
باعتباره
جزءاً من
جمالية
القصة.. ثم
ما هي (الفكرة)
التي تناسب
الصغار، وقد
لا تصلح
للكبار؟؟
سؤال يجب أن
يجيب عليه
كاتب قصص
الأطفال قبل
أن يبدأ في
الكتابة.. 7 ـ
الصدق الصدق
كمصطلح فني
يتداخل في كل
أجزاء
وأنسجة
العمل
الأدبي،
ويقصد به
توافق
التعبير مع
المعنى،
والتسلسل
المنطقي
المقنع
للوقائع،
والرباط
العضوي
الوثيق بين
الشكل
والمضمون،
مما ينتج عنه
القدرة على
التأثير
عقلياً
ونفسياً
ووجدانياً،
ثم تبني
مواقف
وسلوكيات
بناءة
مقصودة في
غالبيتها أو
عمومها، ومن
عناصر ذلك
الصدق
الإستفادة
من الحقائق
الدينية
والتربوية
والنفسية
التي
استنبطها
العلماء
المختصون في
فروع
المعرفة
المختلفة،
تبعاً
للدراسات
والتجارب
والمشاهدات
الامنية. وبالنسبة
لأدب
الكبار، قد
يعتبر البعض
أن (الاستبطان)
أو إخراج ما
في العقل
الباطن من
شتات أفكار
ومشاعر غير
مترابطة قد
يعتبره
البعض لوناً
من ألوان
الصدق الفني.
لكن هذا
التصور
بالنسبة
لأدب
الأطفال
يعتبر خطأ
فادحاً،
وخروجاً على
أصول
الحقائق
التربوية
والنفسية
بالنسب لأي
طفل، ومعنى
ذلك أن لأدب
الأطفال
خصوصياته
واحتياجاته
وظروفه. حتى
قصص الأطفال
الخيالي أو
الخرافي،
يكون في مسيس
الحاجة إلى
الصدق الفني
والموضوعي،
أي يؤدى
بطريقة
منطقية
مقنعة، بحيث
يصبح الخيال
وكأنه
حقيقة،
فالطفل
سرعان ما
يهرب من
قراءة القصص
الذي يشيم
فيه شيئاً من
الخداع وفرض
أشياء
بعينها،
ولهذا فإن
بعض النقاد
يعتقد أن
الطفل هو
أذكى ناقد
لما يقرأ،
وإن كان رأيه
في العمل
الأدبي
يتركز في
الإقبال على
العمل أو
النفور منه،
ولهذا أيضاً
يرى
المتخصصون
في أدب
الأطفال أن
الكاتب لا بد
وأن يكون فيه
قدر من (رؤى
الطفولة
وعواطفها)،
وأن يعيش
عالمها أو
يتمثله ما
أمكن. يقول الدكتور علي الحديدي: (... والقصة الجيدة، لا بد وأن تشتمل أولاً وقبل كل شيء على صدق واضح مسلم به، ونعني بالصدق هنا، ما يعطي البصيرة والإدراك لمظهر الإنسان وروحه. ويدخل فيه العرض الصادق للمعرفة التجريبية، فالأعداد المتزايدة من كتب الأطفال في العالم قادت كل جيل من أطفال البلاد المتقدمة حين كبروا، إلى كشف الحقائق العلمية أو التاريخية أو الإجتماعية، وثبتت في نفوسهم روح المثابرة والبحث، سواء أكانت مادة الموضوعات لهذه الكتب قديمة قدم أول عمل قام به الإنسان، أم حديثة حداثة التجربة الأخيرة في الكيمياء أو في الصعود إلى القمر، فإن الأطفال يستفيدون منها ما دامت المادة جيدة أو مثيرة، لكل فرد يكتشفها في الكتاب لأول مرة. والصدق موجود في عالم الأطفال، وفي عالم الوهم والخيال، وحتى في عالم الفكاهة والخرافة وحكايات الجان، وموجود كذلك في قصص الحيوان. ومغامرات الأبطال، وفي الأساطير القديمة، والحكايات الشعبية، وكما يوجد الصدق في قلب الإنسان وروحه، يوجد كذلك في المعمل، وفي الحقول والغابات، ومن ثم فموضوع القصة الجيدة، يجب أن يكون قيماً ومفيداً بحيث يستحق أن يبلغ الأطفال، وأن يكون قائماً على العدل والنزاهة والطهارة والأخلاقيات السليمة، والمبادئ الأدبية والسلوكية التي ترسخ ثقة الأطفال في هذه القيم، وأفضل ما يقدم للأطفال من القصص قصص تنطوي أحداثها على حقائق تستحق أن تخلد وتلهم الحياة الشعورية الداخلية للإنسان، وهي تلك التي لا تحيي في الاطفال العواطف الحمقاء، أو الشعور الواهي، بل تكوّن فيهم دقة الشعور، ورقة الإحساس، مثل هذه القصص تمكن الأطفال من المشاركة في العواطف والأحاسيس الغنسانية الكبرى، وتزودهم باحترام الحياة الإنسانية العالمية وتقديرها، ومن ثم يقدرون حياة الحيوان والنبات، ويتعلمون كيف لا يحتقرون أي شيء غامض في المخلوقات أو الإنسان)(7). وقد
يعتقد البعض
أن تناول قصة
من القصص كما
حدثت
بحذافيرها
في الحياة او
الواقع
يعتبر هو
الصدق
المطلوب،
ونسوا أن
الصورة
الشمسية أو
الفوتوغرافية
صورة خارجية
سطحية لا
تكشف بما في
النفس من
إنفعالات،
ولا تتناول
ما بالعقل أو
الفكر من
تيارات، ولا
تفسر سلوكاً
بعينه
التفسير
الصحيح، لأن
الأساس في
وظيفة
الأديب أن
يتناول
الحدث
العادي، كي
يبرز أهميته
وبواعثه
وآثاره،
ولكي يعي
تنسيق
وقائعه
وحركته
الداخلية
والخارجية
بأسلوب فني
يراعي فيه
شتى الجوانب
من حبكة
وشخصيات
ووقائع
وتعبير فني
يؤدي كله إلى
التأثير في
السلوك
والفكر
والمواقف...
من هنا نرى
أن الواقع
كما هو، قد
يكون عادياً
ضحلاً، أو
بلا دلالات
عميقة، لكن
الواقع إذا
تناولنا
مادته
الخام،
وأعملنا
فيها يد الفن
والفكر،
إستطعنا أن
نخرج منه
شيئاً
مؤثراً
حاداً
جذاباً... إن
لوح الخشب
غير النافذة
أو الباب،
وقطعة
النحاس أو
الحديد التي
تستخرج من
المنجم
تختلف عن
المصنوعات
المعدنية
المفيدة أو
الجميلة.. من
هنا يدخل في
معنى الصدق،
الإستخدام
الأمثل
للمادة
الخام ـ أو
الواقع ـ
وعرضه العرض
الجيد،
وتأكد معنى
الجمال فيه،
وكذلك تجسيد
ناحية النفع
منه. والقرآن
الكريم ـ وهو
المثل
الأعلى ـ
يقدم لنا في
قصصه العظيم
الخالد
نماذج رائعة
من ذلك، فقصة
يوسف مثلاً
لا تأتي مجرد
حوادث، ولكن
تحتدم فيها
المشاعر
الإنسانية
بشتى صورها،
بضعفها
وقوتها، كما
تتزاحم فيها
الأفكار،
وتتلاقى
النماذج
البشرية
المعبرة،
وتنبض فيها
العبرة
والحكمة،
ومن ثم نرى
أنفسنا،
ونحن نقرأ
تلك الآيات،
أمام صورة
صادقة حية
معبرة، تحمل
كل عناصر
الصدق
والحيوية
والتأثير،
كما نرى
الفكرة
الرئيسية
المهيمنة
التي هي أساس
العقيدة
السليمة،
والتربية
الصحيحة. الصدق
في أدب
الأطفال.
معنى واسع ـ
كما قلنا ـ
ويشمل الشكل
والمضمون،
والتنسيق
البديع بين
الأجزاء
والجزئيات،
ويتناول
اللفظة
والجملة
والعبارة،
والتصوير
النفسي،
والمنهج
التربوي،
ويعم القصة
كلها من
ألفها إلى
يائها.. وكلما تقدم الطفل في عمره العقلي، كلما مال أكثر إلى القصص الواقعي، وكنت أسمع أطفالي وأنا أحكي لهم بعض القصص يقولون لي في النهاية هل هذه قصة خيالية أم حقيقية؟؟ وكنت أجد صعوبة في الإجابة في البداية، مخافة أن يضيع تأثير القصة إذا علموا أنها غير واقعية، وبالتدريج استطعت أن أوضح لهم بعض الأمور التي تتناسب مع أعمارهم، مؤمناً أن الطفل يفضل الصدق، ولا يحرمه ذلك من المتعة الفنية ولو لم تكن القصة واقعية. وهكذا نرى الطفل يتدرج في حبه وشغفه وتقديره للقصص الواقعي، وهو أقرب إلى الصدق عقلياً ونفسياً بالنسبة للطفل، لكن نظل نحن حتى في الكبر، ويظل الطفل متعشقاً للقصص الخيالي إذا ما أدى بالأسلوب المناسب، وروعيت فيه الأصول المختلفة لفن القصة. الهوامش: (1) دراسة قدمت للمؤتمر العام الرابع عشر للاتحا العام للأدباء والكتّاب العرب بالجزائر مارس سنة 1984. (2) نفس المرجع السابق. (3) عبد الله أبو هيف ـ دراسة ـ جريدة الاتحاد الإمارات عدد 17/5/1984. (4) عبد
المجيد عطية
ـ بحث عن (الكتابة
للطفل في
الوطن
العربي) ـ
المرجع
السابق. (5) ص27 من أدب الأطفال. (6)
الأدب
وفنونه ص149 د.
عز الدين
اسماعيل. (7)
من أدب
الأطفال ص124 ـ
125. |