الأصول
النفسية
والأمراض "الاستجابة
حيال مثير
معين". وفي
ضوء هذه
العملية،
يتقدم علماء
النفس
بتصنيف
السلوك إلى
أنماط (الاستجابة)
لدى الكائن
الآدمي،
وتحديد هذه
الأنماط،
ومحاولة
تفسيرها،
ورسم
الطرائق
التي تتكفل
بالاشباع
السليم
لحاجات
الكائن
الآدمي. مثال
ذلك من
الأصول
الحيوية: إن
الكائن
المذكور
يتحسس
بالحاجة إلى
(الجنس)،
وأمامه
طريقان لا
ثالث لهما: 1
ـ الاشباع
غير المقيد
بالمبادئ
والضوابط
المقررة. 2
ـ الاشباع
المقيد
بالضوابط. ومثاله
الأصول
النفسية. أمامنا
مثير معين هو:
النقود، أو
الأرض، أو
أية ممتلكات
أخرى، ونحن
حيال
الممتلكات
المذكورة
نواجه
استجابتين
لا ثالث لهما: 1
ـ ان (نتقدم)
إلى حيازة
الممتلكات
المذكورة. 2
ـ ان (نحجم)
عنها. إذن:
ثمة طريقان
لا ثالث لهما
في اشباع أي
من الحاجات:
سواءً أكانت
هذه الحاجات
بيولوجية
كالجنس
والطعام، أو
كانت نفسية
كالتملك
والتفوق،
وسواء أكنا
نحس بالحاجة
النفسية إلى
التملك أو لا
نحس بالحاجة
إليه. إننا
في حالة
البحث عن
الجنس أو
الطعام
نواجه
أسلوبين من
الاشباع،
أحدهما:
الأسلوب (الشاذ)
وهو الاشباع
المطلق الذي
لا يأخذ قيم
الفرد أو
المجتمع
الذي ينتسب
إليه بنظر
الاعتبار. والآخر:
الأسلوب (السوي)
وهو الاشباع
المقيد بقيم
الفرد
والجماعة. أما
في حالة (التملك)،
فإننا نواجه
أيضاً
أسلوبين هما
(الشذوذ) و(السوية)،...
فلو تمكنا
الأرض أو
النقود بطرق
غير مشروعة
فإن (الاشباع)
يتسم بكونه (شاذاً)،
وفي حالة
العكس فإن
الاشباع
يتخذ سمة (السوية). وأما
في حالة عدم
احساسنا
أساساً
بالحاجة إلى
(التملك)
فإننا أيضاً
نواجه
أسلوبين من
الاستجابة: (الشاذة)
أو (السوية)
فالاستجابة
تكون (سوية)
حينما نفلسف
الحياة على
أنها (متاع
عابر) وإلى
أن حيازة
الممتلكات
تشكل مجرد (وسيلة)
إلى غاية
معينة. وتكون
الاستجابة (شاذة)
حينما نرفض
التملك
إعتباطاً
دون
الاستناد
لأية قيم
موضوعة، أو
حينما نحس
بالحاجة
فعلاً إلى
النقود أو
الأرض ثم
نرفض
تملكهما
بدون مسوغ
يُعتد به. إذن:
في الحالات
جميعاً،
نواجه نمطين
من
الاستجابة: أحدهما:
الاستجبة "الشاذة"
والثانية:
الاستجابة
السوية.
وحيال هذا
التحديد، لا
نجد نمطاً
ثالثاً من
العمليات
النفسية لدى
الكائن
الآدمي. وهذا
يعني، أن
علماء النفس
حينما
يحاولون
تصنيف
العمليات
النفسية،
فإنهم
يحددون ذلك
بالضرورة،
في نمطين من
السوك: 1
ـ السلوك
الشاذ. 2
ـ السلوك
السوي. وإذا
كان الأمر
كذلك، فإن
تحديد ما هو (سوي)
أو (شاذ)،
وتقديم
الطرائق
الصائبة
للوصول إلى
ما هو (سوي)،...
يظل محوراً
لدراسات
الباحثين في
هذا الصدد. والآن:
ما هو التصور
الأرضي
للسلوك "الشاذ"
و"السوي"؟؟
وبالمقابل:
ما هو التصور
الإسلامي
لهما؟؟ بيد
أننا نحاول
الوقوف
أولاً على
التصنيف
الذي يقدمه
كل من
التصورين:
الإسلامي
والأرضي
للعمليات
النفسية (الشاذة)
و(السوية)
ومستوياتهما
المتنوعة في
هذا الميدان. ونقف
أولاً مع
التصنيف
الأرضي: يصنف
علماء النفس:
السلوك ـ كما
قلنا ـ إلى (شاذ)
و(سوي). أما
(الشاذ)
فيطلقون
عليه طابع (المرض). وهو
بعامة قسمان: 1
ـ العصاب. 2
ـ الذهان. والأول
منهما يمثل (مَرضاَ
نفسياً)،
وأما الثاني
فيمثل (مرضاً
عقلياً). و(العصاب)
عادة يجسد
نوعاً من
الاضطراب
لدى
الشخصية،
مصحوباً
بقدر من (التوتر):
من احتفاظ
الشخصية بـ(وعيها)
للواقع، أي:
تمييزها
للظواهر،
وفرزها لما
هو (واقعي)
منها، وما هو
(خيالي) أو (وهمي)
من الظواهر
المذكورة. مثال
ذلك: الخوف
من عبور (النهر)
مثلاً، مع
معرفة
الشخصية
بسخف مثل هذا
الخوف، إلا
أنها مضطرة (لأسباب
نشرحها فيما
بعد) إلى أن
تستجيب
استجابة
خائفة حيال (المثير):
وهو: (النهر). وهناك
أنماط
متنوعة من
السلوك،
تمثل
الاستجابة (العصابية)
للظواهر:
كالحقد
والزهو
والكذب
والخيانة
والتعصب
والغيبة
والطمع
والحسد و... و...
الخ: بعضها
مصحوب بوعي
الشخصية
بشذوذه،
وبعضها غير
مصحوب
بالوعي
المذكور. مثال
ذلك،
المتكبر:
فالشخصية
المتعالية
على الآخرين
قد لا (تعي)
مصدر سلوكها
الشاذ وهو
متمثل في
احساسها بـ(الذل)
داخل نفسها
فيما تعوض
عنه بعملية
التكبر على
الآخرين:
تغطية للذل
الذي تتحسسه. أما
(الكذب)
مثلاً، فإن
الشخصية (تعي)
شذوذه، وتقر
بمفارقته،
إلا أنها
تمارسه على (عمد)
لتحقيق
إشباع عابر
لنزواتها. والمهم،
أن الأنماط
المذكورة من
السلوك،
تجسد
استجابة (عصابية)
يستوي في ذلك
أن تكون
الشخصية على
وعي بمصادر
هذا السلوك
أو على جهل
به، كل يستوي
في ذلك أن
تكون
الشخصية على
(وعي) بشذوذ
السلوك نفسه
أو على جهل
به. كما
يستوي في ذلك
أن تكون
الشخصية على
(وعي)
بالتوتر
الذي يصاحب
سلوكها أو
على جهل به. فالشخصية
(المتكبرة)
قد يصاحب
سلوكها قدر
من (التوتر)
الداخلي
تتحسسه
فعلاً،...
ولكن هذا (التوتر)
يضخم حجمه
عند الشخصية
الحاسدة أو
الطامعة أو
الغاضبة
بحيث تتحسسه
بوضوح، في
حين أن
الشخصية (الكاذبة)
أو (المفترية)
مثلاً، قد لا
تتحسس "بالتوتر"،
بل (العكس) قد
يخيل إليها
أنها تتحسس
قدراً من (اللذة)،
أو قدراً من
ازاحة
للتوتر،...
لكنها في
الحقيقة على
جهل بـ(التوتر)
الذي يصاحب
أعماقها. على
أية حال: (العصاب)
بعامة: يمثل
اضطراباً في
الشخصية مع
احتفاظها
بسلامة (قواها
العقلية). أما
"الذهان"
فهو اضطراب
خطير يصيب
الشخصية،
بحيث يغيم
معه وعي
الشخصية
بواقعها
المريض،
ويختلط
لديها عالم
الحقائق
بالأوهام:
أي، أنها لا
تحتفظ
بسلامة (القوى
العقلية)
لديها.
ومثاله:
الجنون بكل
أشكاله. وهناك
من الباحثين
مَن يفرد
أمراض (التخلف
العقلي)
كالبلاهة،
والعته
ونحوهما،
نمطاً
ثالثاً من
الشذوذ. كما
أن هناك من
يفرد (أمراض
الشخصية)
نمطاً
رابعاً من
الشذوذ. وهذا
النمط يتمثل
في ما يسميه
البحث
الأرضي بـ(الشخصية
السيكوباتية)
حيث تتميز بـ(الانحراف)
الملحوظ في
مشاعرها
وميولها
وأخلاقها:
وهي شخصية
يطبعها عدم
الإحساس
بالمسؤولية،
وعدم
الاسبتصار
بنتائج
الأمور،
وعدم التأثر
بالثواب
والعقاب
الخ، مع
ملاحظة أنها
تظل محتفظة
بـ(قواها
العقلية)
بنحو عام. وأياً
كان الأمر،
فإن التصنيف
للسلوك
الشاذ،
يمكننا أن
نشطره ـ
إنسياقاً مع
غالبية
الاتجاه
الأرضي ـ إلى
(عصاب) و(ذهان):
مع ملاحظة أن
الاحتفاظ (بالقوى
العقلية) هو
المميز
للأول دون
الآخر. ومع
ذلك، ينبغي
الا يفوتنا
ان نشير إلى
أن بعض
الباحثين
يرى إلى أن
الفارق بين (العصاب)
و(الذهان)،
منحصر في (الدرجة)
لا في (النوع)،
أي: "الذهان"
بعامة، (تضخيم)
لاعراض
العصاب. والحق،
أن معيار (التمييز)
بين الظواهر
(بين الحقيقة
والوهم) يظل
هو المتحكم
في فرز
الذهان عن
العصاب. ونحن
يعنينا من
ذلك، أن نؤكد:
إلى أن
اهتمامنا
منصب بنحو
عام على (السلوك
العصابي).
أما (الذهان)
فلا نعرض له
إلا في نطاق
البحث
المتصل
بالتنشئة
ومساهمتها
في تعديل
السلوك. وحين
نتجه إلى
التصور
الإسلامي
للظاهرة،
نجده بدوره
يشطر
العمليات
النفسية إلى
(الشاذ) و(السوي)
من
الاستجابة،
مادام
المشرع
الإسلامي
أساساً، قد
رسم الكائن
الآدمي
وفقاً
لتركيب
ثنائي (الشهوة،
والعقل) أو (الذات
والموضوع).
فكل استجابة
باحثة عن
اللذة،
هادفة إلى
الاشباع
المطلق: تعد (سلوكاً
شاذاً).
وبالمقابل:
كل استجابة
باحثة عن
اللذة،
هادفة إلى
الاشباع
المقيد: يُعد
(سلوكاً
سوياً) أن ما
يهمنا من
التصنيف
الثنائي
للسلوك، أن
نتجه إلى
تحديد
دلالته ومدى
توافق أو
افتراق
الدلالة
الأرضية
عنه، ثم
تصنيف (مفرداته)
المتنوعة،
وتمييز
مستوياتها:
يستوي في ذلك
أن يتسم
السلوك
أخلاقية (مثل:
الكذب
والصدق) أو
بسمات نفسية
مثل (الحب
والحقد)، أو
بسمات
مزاجية مثل (الانطواء
والانبساط)
كما يستوي في:
ذلك أن يتسم
السلوك
بسلامة
الجهاز
الوظيفي
كالأمثلة
المتقدمة،
أو باضطرابه
كحالات
الوسوسة
والتطير
والخوف. كما
يستوي في ذلك:
أن يتسم
السلوك
بحالات
وجدانية
كالأمثلة
المتقدمة،
أو حالات
إدراكية مثل:
الغباء،
والنسيان
ونحوهما: كما
يستوي في ذلك:
أن يكون
السلوك
مألوفاً لدى
بحوث الأرض
كالأمثلة
المتقدمة،
أو غير مألوف
وهو ما يدخل
في نطاق
الأحكام من
حرمة ووجوب
من حيث تحديد
"أشكال"
السلوك (الشاذ
والسوي)،
وتحديد درجة
(الشذوذ) أو (السوية)
من السلوك. من
حيث التحديد:
يواجه
الكثير من
علماء النفس
بعض الصعوبة
في تحديد
مفهوم (الشذوذ)
و(السوية) من
السلوك: أو
لنقل: بين (العصاب)
و(السوية)
لأن "الذهان"
واضح
المعالم
مادام ـ
أساساً ـ
يعني: اختلال
(القوى
العقلية) كما
أشرنا. وتكمن
الصعوبة في
جملة أسباب،
منها: 1
ـ إن التخوم
الفاصلة
بينهما تشكل
فارقاً في
الدرجة لا في
النوع. فكلنا
ـ في تصور
هؤلاء
الباحثين ـ
نعاني قدراً
من (الصراع) و(التوتر)
نتيجة
للاحباطات
المختلفة
التي
نواجهها.
كلما في
الأمر أن
درجات
التوتر أو
الصراع
تتضخم أو
تتضاءل من
فرد لآخر.
وإذا كان (العصاب)
يعني: تضخم "الصراع"
أو (التوتر)،
و(السوية)
تعني:
تضاؤله،
فحينئذ يبقى
الفارق
منحصراً في
الدرجة لا في
النوع. والحق:
إن هذا
التحديد
الأرضي
لمفهوم
العصاب
والسوية: من
خلال فارقية
الدرجة لا
النوع،
يفتقر إلى
التماسك في
فهم دلالة
العصاب
والسوية. فاولاً:
ثمة نماذج لا
تحيا الصراع
بمعناها
الأرضي إلا
في نطاق
المواجهة
المبدئية.
وسرعان ما
تقتضي على
منابعه في
الوهلة
الأولى من
التأمل
ودراسة
النتائج
السلبية له،
ويستتبع
ذلك، أنها لا
تحيا أي (توتر)
ناجم منه. مثال
ذلك: الحاجة
إلى التفوق
أو التملك أو
الانتماء
الاجتماعي. فمن
السهولة
بمكان أن
ينعدم لدى
الفرد أي
دافع إلى
التفوق من
خلال نبذة
للذات وحبه
للآخرين،
وأن يرفض
التملك
ويختار (الزهد)
بمتاع
الحياة، وأن
ينهد إلى (العزلة)
مؤثراً
هدوءها،
والتوجه إلى
انتماءات
روحية لا
تنحصر في (أشخاص)
بل في (قيم) و(أفكار)
الأشخاص.
والدراسات
التي أجراها
علماء "الأقوام"
(الأنثربولوجيون)
تفصح بوضوح
عن أمثلة هذه
النماذج
التي لا تحس
بالحاجة إلى
اشباع
الدوافع
المذكورة
مما يستتبع
مهما عدم
الصراع
والتوتر (والشخصية
المسلمة
نموذج حي
لهذا النمط
من
الاستجابة). ثانياً:
إن الفارقية
في (الدرجة)
ينبغي ألا
نهملها في
هذا الصدد،
مادمنا نلحظ
أشكالاً شتى
من التعامل
نحكم عليها
بالسلب أو
الإيجاب من
خلال (الدرجة)
نستجيب لها
في التعامل. مثال
ذلك: إستجابة
الغضب: فأنت
قد (تغضب)
وتوجه
للمسيئ
عبارات
مهذبة، وقد
توجه إليه
عبارات
قاسية، بل قد
تفقد
السيطرة على
نفسك فتهذي
بكلام غير
متناسق. ومما
لا شك أن
الرد
بالعبارة
المهذبة
يعني قدرتك
على السيطرة
وهي عامل حسم
في فرز
الشخصية
المتماسكة
عن الشخصية
غير
المتماسكة
فيما تفقد
سيطرتها
ويختل
توازنها
الداخلي من
خلال
هذيانها
بالكلام غير
المتناسق. إذن:
الفارقية في
(الدرجة) لا
تعفي الباحث
من اتخاذ
معياراً
للفصل بين
السلوك
العصابي
والسوي. هذا
فضلاً، عن ان
استجابة (الغضب)
قد تنعم
أساساً لدى (نماذج)
لا تحيا
الصراع
والتوتر. 2
ـ هناك من
الباحثين
مَن يجد أن
صعوبة الفرز
بين العصاب
والسوية
كامنة في (نسبية)
الثقافات،
أي: في
اختلاف
المجتمعات
في جهازها
القيمي من
حيث النظم
والعادات
والأعراف
الاجتماعية.
فالدعابة
مثلاً تعتبر
في بعض
الثقافات
دليلاً على
انبساط
الشخصية
وخلوها من أي
توتر، بينما
تعتبرها
ثقافات أخرى
(فضولاً) أو (سوء
أدب) مثلاً،
وهكذا. ومع
وجود هذه (النسبية)
في
الثقافات،
فحينئذ من
المتعذر فرز
السلوك
السوي من
السلوك
العصابي. بيد
أن هذه
الوجهة من
النظر لا
يمكن
التسليم بها
أيضاً. فلو
عدنا إلى
ظاهرة (الدعابة)
نفسها،
للحظنا أن
التصور
الإسلامي
مثلاً، يفرز
نمطين من (المزاح):
أحدهما يجسد
العصاب، وهو
المزاح
الناجم من
نزعة
عدوانية،
والآخر،
يجسد
السوية، وهو
المزاح
الناجم من
مشاعر الحب (سنتحدث
عن هذه
الظاهرة
مفصلاً). وإذن:
حتى ما يعده
البحث
الأرضي
محكوماً بـ(النسبية)،
يمكننا ـ في
الواقع ـ فرز
مصادر
للتعرف على
جذره المرضي
أو الصحي،
مما لا يبقى
معها لمفهوم
(النسبية)
أثر ذو بال. 3
ـ من
الباحثين من
يضع معيار (التوافق
الاجتماعي)
دليلاً على (السوية)،
وعدمه دليل
على (العصاب). هذا
المعيار
بدوره، لا
يمكن
التسليم به
بنحو مطلق.
فالتوافق قد
يتحتم في
حالات خاصة،
وقد تحتم
عدمه حالات
غيرها. مثال
ذلك: حينما
تتعامل مع
الآخرين من
خلال لغة (الحب)
ومن خلال ما
يسمى بـ(المجاملة)،
فإن هذا
التعامل يعد
افصاحاً عن
التوافق
الاجتماعي.
وهذا ما يقره
المشرع
الإسلامي ـ
كما سنرى. بيد
أن التعامل
مع الآخرين
في حالات (المساومة)
على حساب
القيم
الإنسانية،
كالصمت حيال
الخيانة
للوطن
مثلاً،... هذا
النمط من
التعامل لا
يمكن أن نعده
(سلوكاً
سوياً) تحت
ستار (التوافق)
مع الآخرين،
بل إن (السوية)
تفرض (عدم
التوافق) دون
أدنى شك. وإذن:
معيار (التوافق
الاجتماعي)
لا يمكننا أن
نعده دليلاً
على (السوية)،
وعدمه
دليلاً على (العصاب). 4
ـ تتجه
الغالبية من
الباحثين
إلى وضع
معيار وظيفي
بدلاً من
المعيار
الشكلي
للسلوك، في
فرز السوية
عن العصاب. ويرى
هؤلاء
الباحثون: إن
الذي يحدد
الفارق
بينهما هو (وظيفة)
السلوك، لا (شكله)،
أي: في تحديد (نوع)
الاستجابة،
فإذا كانت
الاستجابة
قائمة على (الهروب)
من المشاكل
بدلاً من
مواجهتها
مثلاً،
فحينئذ يعد
هذا السلوك (عصابياً).
وفي
المواجهة،
يعد (سوياً). والحق:
إن هذا
المعيار هو
أشد
المعايير
المقتدمة
صواباً. بيد
أنه لا يحسم
المشكلة
أيضاً. إذا
وضعنا في
الاعتبار أن
(مواجهة
الواقع) لا
يمكن أن تعطي
ثماره ما لم
ترتكن
الشخصية إلى
(جهاز قيمي)
يتناسب مع
طبيعة
التركيب
البشري
ودلالة
وجوده في
الكون. مثال
ذلك: إذا
واجهت
الشخصية
شدائد
وضغوطاً
حادة لا
تتحمل عادة:
كالفقر
الشديد وموت
القريب
والخنق
التام
للحرية
والنبذ
الاجتماعي
المهين...
قبال هذه
الضغوط
الحادة من
الصعب أن
تحتفظ
الشخصية بأي
تماسك (وبخاصة
في مجتمعات
عصابية
متقدمة
حضارياً:
تتعامل من
خلال
السيطرة
والتملك
والتعالي)
دون أن
ترفدها نظم
أو معايير
تستجر مبدأ
الثواب
والعقاب
الاجتماعيين...
في مثل هذه
المجتمعات
من المتعذر
أن نطالب
الشخصية
بمواجهة
الاحباطات
بصدر رحب
وبتقبل رصين
لها، لأنها
مطالبة
مثالية، لا
ترفدها (قيم
خاصة) نابعة
من (خارج)
الثقافة
الاجتماية
التي ينتسب
الفرد إليها. نعم:
ثمة (قيم)
نابعة من (خارج)
النظم
والتقاليد
والأعراف
الاجتماعية،
من المؤكد
أنها تسهم
بنحو فعال في
تغيير
استجابة
الفرد
وتحويلها
إلى استجابة
(لا مبالية)
حيال الضغوط
المذكورة.
وفاعلية هذه
القيم تتمثل
في كونها
تتساوق مع
طبيعة
التركيب
البشري من
حيث صياغة
هذا التركيب
وفقاً لمبدأ
(خلافة
الإنسان على
الأرض). خارجاً
من المبدأ
المذكور،
فإن (المعيار
الوظيفي)
الذي تصوغه
الأرض
فارقاً بين
العصاب
والسوية،
يظل (حلاً
مثالياً)
يحتفظ بمتعة
البحث
النظري،
وليس حسماً
لمشكلة
واقعية. وهذا
ما يفسر لنا
بالضبط
اقرار
غالبية
الباحثين أن
الصراع
والتوتر لا
سبيل إلى
الخلاص
منهما في
عالم يضج
بالاحباط:
بالضغوط
والشدائد
المختلفة،
مع غيمومة (القيم)
الحاسمة
لمواجهة
الاحباط
المذكور. على
أية حال،
يعنينا مما
تقدم أن نشير
إلى مفهوم كل
من العصاب
والسوية في
التصور
الأرضي. أما (الحلول)
الحاسمة
لمحو العصاب
أو تحقيق
السوية فإن
لها موضعاً
آخر من هذه
الدراسة. والآن:
ما هو التصور
الإسلامي
لمفهومي
العصاب
والسوية؟
وما هو موقفه
حيال
المفهومات
الأرضية
التي سبق
عرضها
ومناقشتها؟ إن
التصور
الإسلامي
لمفهومي (العصاب)
و(السوية)
يتحدد في
مستويين: أحدهما:
يتمثل في
المفهوم
الأرضي
لهما،
والآخر:
يتجاوزه إلى
مفهوم أشد
سعة وشمولاً.
وقد سبقت
الإشارة إلى
أن المشرع
الإسلامي
يتقدم
بتوصياته
إلى (العام)
من الآدميين
وإلى (الخاص)
منهم. ونقصد
بـ(العام)
مطلق
الآدميين
بغض النظر عن
موقفهم
الفلسفي من
الكون. أما (الخاص)
منهم، فهم (المسلمون)
الذين
يلتزمون
بمبادئ
السماء عبر
إدراكهم
لمهمة
الخلافة على
الأرض. ولنعد
إلى مثال (التكبر)
الذي سبقت
الإشارة
إليه. التكبر،
أو التعالي،
أو الزهو يعد
في المفهوم
الأرضي
سلوكاً
عصابياً.
وهذا السلوك
يتناوله
المشرع
الإسلامي من
زوايتين: الزاوية
الأولى:
يتناول من
خلالها
ظاهرة (التكبر)
بصفتها
عصاباً، أي:
مرضاً
نفسياً بغض
النظر عن
الموقف
الفلسفي
الذي يصدر
المتكبر
عنه، فقد
يكون
المتكبر (مسلماً)
أو (كافراً)،
إلا أنه يصدر
عن سلوك مرضي
و (العصاب)
الذي أشار
البحث
الأرضي إليه. فالمتكبر
لدى علماء
النفس
الأرضيين
يعد تعبيراً
عن الإحساس
بالنقص.
والمشرع
الإسلامي
يشير بوضوح
إلى العرض
المرضي
المذكور،
حينما يقول
الإمام
الصادق (ع). "ما
من رجل تكبر
أو تجبر إلا
لذلة يجدها
في نفسه".[1] فالإمام
الصادق (ع)
يوضح لنا
الجذر
المرضي
لظاهرة
التكبر،
مبيناً ان (التكبر)
ناجم من
الاحساس
بالذل،
والضعة،
والدونية...
ومثل هذا (التناول)
للظاهرة
المذكورة،
لا تخص نفراً
من الآدميين
دون آخر، بل
يمكن أن يصدر
عنها (مسلم)
ينقصه
الوعي، أو
كافر لا
علاقة له
بمبادئ
الإسلام. والطب
النفسي
الإسلامي في
هذا الحقل،
يشبه تماماً:
الطب الجسمي
الإسلامي.
فمبادئ
الصحة
الجسدية
التي يقدمها
المشرع
الإسلامي لا
تأخذ بنظر
الاعتبار
هوية) الفرد،
بل تقدم
توصياتها
لمطلق
الآدميين
بغية
الإفادة
منها في
تحقيق الصحة
الجسمية (في
هذه المسافة
المحددة من
الزمن ـ أي
عمر الإنسان). بيد
أن المشرع في
الآن ذاته
يرتب عملية
العقاب أو
الثواب على
ممارسة (التكبر)
أو (التواضع)
ناظراً إلى
الممارسة
المذكورة من
خلال (الموقف
الإسلامي)
للظاهرة. إن
ما نود أن
نشدد عليه في
هذا المجال،
أن نشير إلى
أن (التكبر) ـ
بغض النظر عن
ترتيب آثار
العقاب
عليه، يظل
ظاهرة (نفسية)
ذات طابع
مرضي: سواء
أترتبت عليه
آثار العقاب
أم لم تترتب:
إنه في
الحالين (سلوك
عصابي)
يحذرنا
المشرع
الإسلامي
منه، مشيراً
إلى ما
يصاحبه من
الصراع
والتوتر على
نحو ما يشير
البحث
الأرضي عليه. ولذلك،
نجد أن
المشرع
الإسلامي،
يتناول ـ في
هذا النطاق ـ
حتى مستويات
(المرض
النفسي) الذي
لا تترتب
عليه آثار
العقاب
كعصاب (الوسواس)
مثلاً،
مشيراً إلى
طابعه
المرضي،
مقدماً
توصياته
العلاجية في
التغلب عليه. والأمر
نفسه، حينما
يقدم
توصياته
الطبية في
معالجة (الذهان
ـ الجنون
والتخلف
العقلي. انه
في الحالات
جميعاً يحدد
لنا دلالة
العصاب أو
الذهان،
مقدماً
توصياته في
علاج
الأمراض
المذكورة: مع
ملاحظة أن
بعض هذه
الأعراض
مصحوبة
بترتيب آثار
العقاب
عليها:
كالأعراض
المتصلة
بأمراض
الشخصية
المنحرفة
مثل تناول
الكحول،
وبعضها لا
يصاحبه
العقاب
مادام
خارجاً عن (اختيار)
الشخصية، أو
غائباً عن
وعيها، مثل (الوسوسة). على
أية حال، إن
المشرع
يتناول
حيناً
مفهومي
العصاب
والسوية من
زاوية (نفسية)
خالصة على
النحو الذي
نلحظه في
البحث
الأرضي. إلا
أنه ـ في
الآن ذاته ـ
يقدم
مفهوماً أشد
سعة وشمولاً
للعصاب
والسوي،
بحيث يسع
مفاهيم
الأرض،
ويتجاوزها
إلى مفاهيم
أشد سعة
وشمولاً. هذا
المفهوم
الذي يتسم
بالشمول
والسعة
لمعنى
السوية
والعصاب،
يتجسد في
عملية (الالتزام
بمبادئ
السماء) أو
عدم
الالتزام
بها. أي: ان
السوية
والعصاب
يتسع
مفهومهما
ليشمل (الجانب
الفلسفي) من
الكون،
بالاضافة
إلى (الجانب
النفسي)
الصرف. فالكافر
ـ على سبيل
المثال ـ يعد
شخصية
عصابية.
والمتمرد
على مبادئ
السماء (أي:
المسلم غير
الملتزم) يعد
شخصية
عصابية
أيضاً. (الموسوس)
مثلاً ـ سواء
أكان مسلماً
أم كافراً ـ
يعد شخصية
عصابية
أيضاً. إذن:
من خلال هذا
المفهوم
تتسع دلالة
السوية أو
العصاب
لتشمل كل
استجابة لا
تلتزم
بمبادئ
السماء: سواء
أكانت هذه
الاستجابة
متصلة
بالجانب
الفكري (العقائدي)،
أم كانت
متصلة
بالجانب
النفسي
الصرف. ولسوف
نشرح مفصلاً
طبيعة
الأعراض
المرضية أو
السمات
السوية لكل
استجابة غير
ملتزمة
بمبادئ
السماء أو
العكس. بيد
أننا نشير
هنا عابراً،
على أن
التصور
الإسلامي
للعصاب
والسوية
تتسع دائرته
لتشمل
الجانب
الفكري من
السلوك
أيضاً. ويمكننا
إدراك هذه
الحقيقة، أي:
(وحدة)
العصاب
النفسي
والفكري،
حينما نلحظ
أن القرآن
الكريم
مثلاً يطلق
مصطلح (المرض)
على ظاهرتين:
إحداهما (فكرية)
والأخرى (نفسية). أما
الظاهرة
الفكرية،
فهي (النفاق):
حيث تتحدث
الآية
الكريمة عن
سلوك
المنافقين،
راصة بعض
سماتهم: (في
قلوبهم مرض
فزادهم الله
مرضاً). فالآية،
تطلق اسم (المرض)
على
المنافق،
بصفته يصدر
عن موقف فكري
مناهض
لرسالة محمد
(ص). بيد أن هذا
الموقف
الفكري ـ كما
سنرى لاحقاً
ـ يفصح عن
نمطين من (المرض)
أحدهما:
طبيعة
الموقف
الرافض،
والآخر:
طبيعة (التذبذب)
أو التكلم
بلسانين
يخالف
أحدهما
الآخر.
والأول موقف
فكري صرف،
والثاني
موقف نفسي،
تجمع
الأبحاث
الأرضية على
طابعه
المرضي ـ كما
سنوضح ذلك
لاحقاً. وإذا
اتجهنا إلى
الآية
الكريمة
التي تتحدث
عن
الاستجابة
الجنسية
المنحرفة،
عبر مخاطبها
نساء النبي (ص)،
وتحذيرهن من
بعض
العصابيين؛
نجدها تطلق (المرض)
على سمة
نفسية: تقول
الآية
الكريمة: (فلا
تخضعن
بالقول
فيطمع الذي
في قلبه مرض). ويهمنا
من هذه الآية
أن نشير إلى
مصطلح (المرض)
الذي أطلقته
على
المنحرفين
جنسياً، وهو
مصطلح (نفسي
صرف)، بصفة:
أن
الاستجابة
الجنسية
المذكورة،
لا تخص نفراً
دون آخر: فقد
يصدر المسلم
غير الملتزم
عنها، وقد
يصدر الكافر
عنها أيضاً،...
أنها سمة (نفسية)
كالتكبر، أو
الحقد، أو
الحسد ناجمة
من جذر مرضي
يشترك
الآدميون في
الصدور عنه:
بغض النظر عن
(هويتهم
الفكرية). وإذن:
اطلاق مصطلح
(المرض) على
نمطين من
السلوك: فكري
ونفسي عبر
الآيتين
المتقدمتين،
يدلنا على أن
التصور
الإسلامي
لمفهوم (العصاب)،
تتسع دائرته
لتشمل
المفهوم
الأرضي،
وتتجاوزه
إلى مفهوم
يوجد بين
العصاب
النفسي
والعصاب
الفكري. أما
التساؤل عن
الأسباب
الكامنة
وراء هذا
المفهوم
الشامل
لدلالة (العصاب)،
أو لدلالة (السوية)
التي
تضادها،
فأمر نحدده
مفصلاً في
موقع لاحق من
هذه الدراسة. وحسبنا
أن نشير هنا
إلى طبيعة
التصور
الإسلامي
لمفهومي
العصاب
والسوية
وتوافقه أو
افتراقه عن
التصور
الأرضي في
هذا الصدد. وفي
ضوء التحدد
المذكور
لدلالة
لعصاب
والسوية،
نتجه إلى
تحديد
مفردات كل
منهما، أي:
إلى التصنيف
الذي يتناول
أشكال
السلوك
العصابي أو
السلوك
السوي. إن
كلاً من (علم
النفس
المرضي) و(علم
النفس السوي)
يتكفلان
بتحديد
مفردات
السلوك
وتصنيفها.
بيد أن
الملاحظ أن
الأول منهما
في الغالب هو
الذي يستأثر
باهتمام
علماء النفس:
أي: إن (العصاب)
في الغالب
يشكل المادة
التي يحوم
عليها نشاط
الباحثين. وطبيعي،
فإن تحديد
أصناف
العصاب
ينطوي ضمناً
على فهم ما
يضادها من
مبادئ (السوية)،
وتبعاً لذلك
تنتفي
الحاجة إلى
الحديث عن
أصناف
السلوك
السوي. إلا
أننا مع ذلك
نواجه عناية
الباحثين
حيال
التعريف
بمبادئ
السلوك
السوي،
أمراً
لافتاً
للنظر.
وبخاصة في
البحث
المتصل
بسمات
الشخصية،
وما يصاحب
ذلك من
اللجوء إلى (الأقيسة)
و(الاختبارات)
التي تروز
الشخصية من
حيث
الموازنة
بين السمات
المرضية
والسوية
لديها. وبعامة،
يمكننا أن
نذهب إلى أن
تصنيف
السلوك (من
حيث مفرداته
المتنوعة)
يأخذ لدى
الباحثين
عدة
مستويات،
منها: وتصنّف
ـ عادة ـ إلى: عصاب
القلق، عصاب
الكآبة،
عصاب الخوف،
الهستيريا،
النوراستينيا،
الحصر
القهري،
الوسواس. ويلاحظ:
ان هذا
التصنيف
يتناول
أمراضاً
بأعيانها
تتصل بـ(توتر)
عام يصيب
الشخصية.
وهذا التوتر
قد يكون (قلقاً)
غير عادي،
تصحبه
حساسية
ومخاوف لا
مبرر لها. وقد
يكون (كآبة)
يصحبها
إحساس
بالعجز
واليأس
وفقدان
الثقة. وقد
يكون (خوفاً)
غير عادي، من
المرتفعات
والمياه
والدماء
والنيران
وسواها. وقد
يكون (حصراً)
قهرياً يجد
المريض نفسه
ـ من خلاله ـ
مرغماً على
ممارسة
أفعال أو
ألفاظ أو
أفكار مؤلمة
لا يستطيع
مقاومتها. وهكذا
سائر
الأمراض
التي تقدم
ذكرها.
وواضح، إن
مثل هذا
التصنيف
يتناول
الشخصية من
حيث اختلال
جهازها
الوظيفي
وتعطل أحد
أجزائه عن
وظيفته
الاعتيادية. وهذا
التصنيف
يتناول
مجموعة ما
يسميه (فرويد)
بـ(حِيَلِ
الدفاع): حيث
تشكل هذه
الفعاليات
جملة من
الأعراض
التي تسم
المرضى
الذين يضمهم
التصنيف
السالف. بيد
أنه يمكن أن
يعد طابعاً
مرضياً
تستخدمه
الشخصية (بنحو
لاشعوري)
لازاحة
توتراتها. ومن
هذه الحيل: 1
ـ الإسقاط:
وهو إلصاق
عيوب المريض
بالآخرين.
مثل: البخيل
الذي لا يعي
مصدر شذوذه،
فيسقطه على
الآخرين،
ويتهمهم
بالبخل. 2
ـ التسويغ:
وهو محاولة
ايجاد العذر
للسلوك
المعيب. مثلك
الفاشل في
الاختبار
المدرسي،
يسوغه بأنه
ناجم من
انشغاله
ببعض الظروف
الطارئة، أو
عدم أهمية
الاختبار. 3
ـ النكوص:
وهو
الارتداد
إلى سلوك
الطفولة: في
حالة مواجهة
الاحباطات
المختلفة،
مثل: اجتلاب
العطف، أو
البكاء، أو...
الخ وهكذا
سائر الحيل
الدفاعية. وهو
تصنيف
يتناول
أشكال
الأمزجة
للآدميين: من
حيث صلتها
ببنية
الشخصية،
مثل: التصنيف
الأغريقي
المعروف
للأمزجة
الأربعة:
الدموي،
الصفراوي،
البلغمي،
السوداوي.
وكالتصنيف
الحديث
لأشكال
ثنائية أو
ثلاثية أو
رباعية أو
خماسية:
يحاول
الباحثون من
خلالها
إيجاد الصلة
بين التركيب
الجسمي
والمزاج:
وهذا من نحو
إيجاد الصلة
مثلاً بين (الشكل
الجسمي
البدين)،
وبين ميل
صاحبه إلى
الإنطواء،
الكآبة،...
وهكذا. وواضح،
إن مثل هذا
التصنيف
للأمزجة،
يتناول نمطي
السلوك (العصابي
ـ والسوي
أيضاً). إلا
أنه في حالات
الاختلال
العقلي أو
النفسي: يربط
الباحثون
بين الأمزجة
المذكورة
وبين أمراض
العصاب التي
تقدم ذكرها
في التصنيف
الأسبق،
وبين أمراض
الذهان
أيضاً. وهذا
التصنيف
يتضمن
مجموعة من
السمات
يختلف
الباحثون في
تحديدها من
واحد لآخر:
حيث تمثل (السمات)
طابعاً
عاماً يميز
هذا الفرد أو
ذاك. ومن
أمثلة ذلك:
التصنيف
الثنائي لـ(يونج)
فيما يصنف
الأفراد إلى
انطوائيين
بعامة أو
انبساطيين.
وتصنيف (اولبورت)
الثلاثي
لسمات
الشخصية: سمة
رئيسية تطبع
مجمل سلوك
الشخصية،
وسمات
مركزية ما
بين (5 ـ 10) تبرز
بوضوح في
سلوكها. ثم
سمات ثانوية
متنوعة. وتصنيف
(كاتيل)
لسمات
الشخصية
العامة ما
بين (5 ـ 25)، مثل:
السيطرة
وضدها
الخضوع. مثل:
الشجاعة
وضدها الجبن. مثل:
المرح وضده
الاكتئاب
الخ. وأخيراً:
التصنيف
العالم
لمجمل
السلوك: وهذا
التصنيف
يتضمن قوائم
بالسلوك في
مختلف
مستوياته:
سواء أكان
السلوك
انفعالاً أو
مزاجاً أو
خلقاً. والتصنيفات
الأخيرة (المزاج،
والسمات
ومجمل
السلوك)
يتناول عادة
من خلال
التقابل بين
ما هو شاذ أو
سوي، كما
تتناول من
حيث تداخل
بعضها مع
الآخر فضلاً
عن انها
تتناول من
حيث تقسيمها
إلى ما هو
رئيسي أو
فرعي. وبعامة،
فإن هدفنا من
العرض
السريع
لتصنيفات
البحث
الأرضي أن
نخلص منها
إلى التصنيف
الإسلامي
للسلوك
وملاحظة
تصوره
لمفرداته
العصابية
والسوية من
خلال
المقارنة
بينه وبين
البحث
الأرضي. والآن:
ما هو
التصنيف
الإسلامي
للسلوك؟ إن
التصنيف
الإسلامي
للسلوك،
يتحدد بوضوح
في نمطين
أشرنا
إليهما،
وهما: (الشهوة
والعقل) أو (الذات
والموضوع) أو
(الشذوذ
والسوية). أما
(مفردات)
الشذوذ
والسوية فإن
كلاً منها
يخضع لنمط
خاص من
التصنيف. فالشذوذ
يتناول كلاً
من (الذهان) و(العصاب).
أما الذهان
فإنه يتناول
من زاوية
الطب العقلي
بنحو مستقل. وأما
(العصاب)،
فإنه يمثل
ذخيرة حية
يتوفر
التشريع على
دراستها
بنحو ملحوظ
حتى ليشمل
كافة
الأوامر
والنواهي،
المتصلة
بجوانب
النشاط
المادي
والعقلي: حيث
ترتكن
صياغتها إلى
التدريب على
ما هو (سوي) من
السلوك،
واجتناب ما
هو (عصابي)
منه. وملاحظة
هذا الجانب،
يتخذ نمطين
من التناول: أحدهما:
يمكن
استخلاصه من
مجمل مبادئ
الشريعة (نتحدث
عنه لاحقاً), والآخر:
يتمثل في
عملية
التنصنيف
لمفردات
السلوك. وهذا
ما نتحدث عنه
الآن: يخضع
المشرع
الإسلامي،
العصاب لأكر
من تصنيف،
ولأكثر من
منهج. فالمشرع
يصنفه كما
قلنا حيناً
من الزاوية
النفسية
الخالصة: على
نحو ما هو
مألوف من
الأبحاث
الأرضية:
سواء أكان
ذلك متصلاً
بالأمراض
العامة، أو
الأمزجة، أو
السمات. كما
يصنفه حيناً
ثانياً من
الزاوية
الفكرية
الخالصة.
ويصنفه
حيناً
ثالثاً من
الزاويتين
جميعاً،
رابطاً بين
العصاب
النفسي
والعصاب
الفكري
جاعلاً
منهما (وحدة)
لانفصام بين
جزئياتها. ومستويات
التصنيف
المذكور،
تتخذ حيناً
شكل قوائم
شاملة
مستوعبة لكل
مفردات
السلوك،
وتتخذ حيناً
آخر رقماً
غير محدد: قد
يكون واحداً
أو أكثر، وقد
يصاغ في
ثنائيات أو
ثلاثيات أو
رباعيات...
الخ. حسب (السياق)
الذي ترد
المعالجة من
خلاله. ويهمنا
من
المستويات
المذكورة أن
نشدد على
أبراز
الجانب
النفسي من
التصنيف،
ومن ثم:
إبراز (وحدة)
العصاب
النفسي
والفكري:
بصفة أن هذين
الجانبين
يبلوران
مفهوم
العصاب في
التصور
الإسلامي
وافتراقه عن
التصور
الأرضي،
بنحو متميز،
وبخاصة:
الجانب
الأخير (أي:
وحدة العصاب
الفكري
والنفسي). لعل
أبرز
المعالجات
التي تتناول
الصلة بين
المرض
النفسي
والمرض
الفكري، هي
معالجة
الإمام علي (ع)
في نص يوازن
فيه بين
ثلاثة أنماط
من السلوك. 1
ـ الكفر. 2
ـ النفاق. 3
ـ الإيمان. طبيعي:
أن كلاً من "الكفر"
و"النفاق"
يجسدان
المرض. في
حين أن "الإيمان"
يجسد السلوك
السوي. بيد
أن ما يعنينا
هو: أن
الإمام
علياً (ع) جعل
كلاً من
الاتجاهات
الفكرية
الثلاثة
قائماً على
أساس نفسي
صرف: فجعل
الإيمان
قائماً على
أساس نفسي
سليم (وهو:
السوية)،
وجعل الكفر
والنفاق
قائمين على
أساس نفسي
مضطرب (وهو:
الشذوذ أو
العصاب أو
المرض). ومن
الواضح أن
الكفر هو رفض
الاعتقاد
صراحة بوجود
المبدع
وتعاليمه.
إما النفاق
فهو بدوره
رفض للمبدع
وتعاليمه،
إلا أنه رفض
غير صريح، بل
رفض باطني،
تملي
المصلحة
الذاتية على
صاحبه أن
يظهر خلافه. والمهم،
أن كلاً
منهما يمثل
أسلوباً
مرضياً في
التعامل مع
السماء
وتعاليمها. والآن:
ما هي الأسس
المرضية
لهذا
التعامل؟ لنقرأ
ما كتبه
الإمام (ع) في
هذا الصدد.
ولنبدأه
بالحديث عن "الكفر":
يقول (ع): "بني
الكفر على
أربع دعائم:
الفسق،
والغلو،
والشك،
والشبهة. والفسق
على أربع
شعب، على
الجفاء،
والعمى،
والغفلة،
والعتو... والغلو:
على أربع
شعب، على:
التعمق
بالرأي،
والتنازع
فيه،
والزيغ،
والشقاق: فمن
تعمق لم ينب
إلى الحق،
ولم يزدد إلا
غرقاً في
الغمرات،
ولم تنحسر
عنه فتنة إلا
غشيته أخرى.
ومن نازع في
الرأي وخاصم:
شهر بالحمق
من طول
اللجاج الخ. والشك
على أربع شعب
على: المرية،
والهول،
والتردد،
والاستسلام. والشبهة
على أربع شعب
على: اعجاب
بالزينة
وتسويل
النفس،
وتأول
العوج، ولبس
الحق
بالباطل. إن
هذا النص،
يتضمن عشرين
(20) نمطاً من
السلوك: كلها
تنتسب إلى (المرض)
و(العصاب)
بمعناها
الأرضي، دون
أن يتضمن أي
نمط من
السلوك
بالموقف
الفلسفي من
الحياة: فـ(الغلظة)
في الطبع
مثلاً و(الفضاضة)
في الخلق، و(الخرق)
في التعامل،
وعدم الصلة
والبر
والرفق: كلها
إفصاح عن (الجفاء)
الذي جعله
النص أول
سلوك من شعبة
(الفسق) وأول
دعامة من "الكفر"،...
هذه الأنماط
من السلوك
تظل ذات طابع
نفسي صرف،
مادامت تتصل
بالنزعة
العداوانية (من
غلظة وقسوة
ونحوهما)،
فيما تقف في
أعلى السلم
من افرازات
العصاب. أما
الدعامة
الثانية من (الكفر)
فتتمثل في (الغلو)،
ويتفرع عنها
أنماط من
السلوك، مثل
(التعمق،
التنازع الخ).
وواضح أن (الغلو)
بعامة هو:
المبالغة في
التعامل مع
الظواهر،
وتحميلها
أكثر من
الواقع، بما
تستتليه من (عناد)
و"مخاصمة"
ودخول إلى
عوالم
الوهم،
والتداعي
المريض في
الاستجابة (لم
تنحسر عنه
فتنة إلا
غشيته أخرى)،...
هذه الانماط
من السلوك
تعرفها لغة
علم النفس
المرضي بنحو
واضح، لا
يحتاج إلى
التعقيب. أما
الدعامة
الثالثة،
فتقوم على
ظاهرة (الشك).
ولا حاجة
أيضاً إلى
التعقيب على
(الشك)
وانتسابه
الواضح إلى
العصاب: في
سريانه وراء
عصاب القلق،
والحصر،
والهستيريا...
الخ. وأما
الدعامة
الأخيرة،
فهي: (الشبهة)،
وهي بدورها
واضحة الصلة
بالأمراض
النفسية،
مادامت لا
تتعامل مع
الظواهر
بنحوها
السليم،
بقدر ما
يتعامل
المريض من
خلالها ـ مع
أوهامه (يتأول،
يتسول،
يلابس الخل)
دون أن
يستبصر
حقيقة سلوكه
القائم على
رواسب
قاتمة،
غائبة عن
وعيه. إذن:
هذه القائمة
المتضمنة
عشرين نمطاً
من السلوك،
تجسد سمات
مرضية،
يقرها علم
النفس
الأرضي
تماماً: مما
يفسر ـ بوضوح
أن الشخصية (الكافرة
ـ غير
المؤمنة
بالله) إنما
تنطلق من أسس
نفسية مريضة
في سلوكها
حيال السماء.
ومن ثم، يعني
أن العصاب
النفسي
والفكري،
يشكلان (وحدة)
لا انفصام
لها. وأما
(النفاق)
بصفته شطراً
آخر من (الكفر)،
فينتسب
بدوره على
أسس نفسية
مريضة في
التعامل مع
السماء. فالنفاق
بعامة، يعني:
تقمص
الشخصية
وارتداءها
قناعين
مختلفين. ولا
أدل على
طابعها
المرضي من
انتسابها
إلى ما يسميه
أحد علماء
النفس بـ(الشخصية
النفعية):
وهي واحدة من
انماط أربعة
يسمها
الباحث
المذكور (فروم)
بسمات (الانتهازية)
و(الحقد) و(التحايل)
و(الغيرة).
وهذه السمات
لمطلق
الانتهازي. وقد
قدم الإمام
علي (ع)،
وصفاً
دقيقاً
للنفاق،
ضمنه أيضاً
عشرين (20)
نمطاً من
السلوك،
تقدم
بأكملها على
أسس نفسية
مريضة.
واعتبرها
خلفية
للموقف
الفلسفي من
الكون
متجسداً في
شخصية (المنافقين)
الذين
يرتدون
قناعين في
موقفهم من
السماء. ولنقرأ
ما كتبه
الإمام علي (ع)
في هذا الصدد: "النفاق،
على أربع
دعائم، على:
الهوى،
والهوينا،
والحفيظة،
والطمع.
فالهوى، على
أربع شعب،
على: البغي،
والعدوان،
والشهوة،
والطغيان. والهوينا،
على أربع
شعب، على:
الغيرة،
والأمل،
والهيبة،
والمماطلة. والحفيظة،
على اربع
شعب، على:
الكبر،
والفخر،
والحمية،
والعصبية. والطمع،
على أربع
شعب، على:
الفرح،
والمرح،
واللجاجة،
والمكاثرة. هذه
القائمة من
أنماط
السلوك،
تحدد بوضوح
أصول النفاق
الفكري (الموقف
الفلسفي
المنافق
حيال السماء)،
وكلها قائمة
على أعراض
مرضية لا
تحتاج إلى
التعقيب في
وضوح صلتها
بالعصاب
الفسي. إن
العصبية،
والحمية،
والكبر،
والمماطلة،
والخيلاء،...
الخ، تعد
أمثلة واضحة
في حقل
الأمراض
النفسية: مما
يعني أن أي
موقف (منافق)
حيال رسالة
السماء،
إنما يستند ـ
في خلفياته ـ
إلى سمات
الشخصية
العصابية،
وليست
الشخصية
السوية.
ويعني ـ من
ثم ـ إن
العصاب
الفكري
والنفسي
يشكلان (وحدة)
لا ينفصم
أحدهما عن
الآخر. على
أن مما تجدر
ملاحظته، أن
الفارق بين
العصابيين (الكفر
والنفاق)
إنما يستند
إلى الفارق
بين نمطين من
الاستجابة
المريضة
حيال
الظواهر:
فهناك
استجابة
مريضة تتصل
باضطرابات
التفكير مثل:
العمى،
والغفلة،
والشك
والشبهة
والالتباس
وسواها من
القائمة
المتضمنة
أصول (الكفر)،...
يقابلها:
الاستجابة (النفعية)
التي تتعامل
مع الظواهر
بمقدار ما
تحققه من
اشباع مريض
لحاجات (الذات)،
مثل: اللعب
واللهو
والأمل
والاغترار،
والتكبر،
والفخر
وسواها من
أنماط
السلوك التي
تضمنتها
قائمة (أصول
النفاق). من
هنا، ينبغي
أن ندرك مدى
الدقة التي
انطوت عليه
ملاحظة
الإمام علي (ع)
في تفرقته
لنمطي
العصاب:
الكفر
والنفاق، "فالكفر"
تنسحب
اضطرابات
تفكيره مع
الظواهر
العامة، على
نمط (تفكيره)
حيال السماء:
"فالأعمى"
لا يبصر
حقائق
الحياة، و(الغافل)
تحتجزه
غفلته عن
الاستبصار. و(الشاك)
يمنعه الشك
من اليقين
بالحقائق، و(المشتبه)
يزرع ضباباً
حولها،
وهكذا... هذا
التعامل مع
الحقائق
اليومية
ينسحب على
تعامل
المريض مع (السماء)
أيضاً،
فنجده ينطلق
من نفس (العمى)
في عدم
استبصاره
بحقائق
السماء، ومن
نفس (الغفلة)
عنها، ومن
نفس (الشك)
بها، ومن نفس
(الشبهة)
حيال حقائق
السماء. إذن:
العمى،
والغفلة،
والشك،
والشبهة
وسواها من
القائمة
التي تضمنت (20)
نمطاً من (أصول
الكفر)، تظل
تعبيراً عن
اضطرابات (التفكير)
بعامة، حيث
تنسحب على
اضطراب
التفكير
حيال السماء
أيضاً:
وتنقاد
الشخصية في
نهاية
المطاف إلى (الكفر). فإذا
اتجهنا إلى (النفاق)،
لحظنا أن
الأصول
النفسية له
تنسحب
بدورها على (النفاق
العقائدي) من
خلال
التعامل (النفعي)
مع الظواهر،
ونشدان
الاشباع
المريض
لحاجات
الذات. من
هنا، نجد أن
الإمام
علياً (ع) لم
يضمنها سمات
(الكفر) (مع
أنهما
مشتركان في
سمات عامة
لكل
العصابيين)
بل ضمنها
ظواهر تتصل
بالتعامل (النفعي)
مع الأشياء،
فالمريض
الباحث عن
الاشباع (النفعي)
للذات، يظل
يعني بـ(الأمل)،
و"يغتر" بما
حققه من
اشباع، و(يتهيب)
من الإحباط
ويتجه إلى
اشباع وهمي
من خلال (التكبر)
و(الفخر) و(التعصب)
وسواها... هذا
النمط مع
التعامل (النفعي)
المريض مع
حقائق
الحياة
اليومية،
ينسحب على
تعامل
المريض مع
حقائق "السماء"
أيضاً: فنجده
حفاظاً على
مكتسباته
الاقتصادية
والاجتماعية
يعلن ـ
ظاهراً ـ
إيمانه
بالسماء،
لكنه (ينهزم)
عند اعلان (الجهاد)
مثلاً. على
أية حال،
يعنينا مما
تقدم، أن
نشير على أن
الاتجاهات
الفكرية (غير
المرتبطة
بالسماء) تظل
في موقفها
المذكور،
ذات صلة
بجذور مرضية:
الأصل فيها،
أن تعاملها
مع وقائع
الحياة التي
تواجهها، قد
انسحبت على
تعاملها مع
السماء، على
نحو ما
أوضحناه. وهذا
ما يفسر لنا (وحدة)
العصاب
النفسي
والفكري عبر
واحد من
التصنيف
الذي يقدمه
المشرع
لأنماط
العصاب. إن
أهمية
التصنيف
المذكور إلى
(أربعين)
مفردة من
أعراض (العصاب)،
تتمثل في
عملية (الحصر)
أولاً: أي
عملية (ترقيمها)
في عدد محدد
من المفردات.
وهذا العدد
المحدد لم
تتوفر عليه
تصنيفات
البحث
الأرضي بكل
أشكالها. وتتمثل
أهميتها
ثانياً في
أنها تجسد (أصولاً
نفسية) عامة
تغلف
الآدميين
كافة من حيث
انتسابها
إلى أحد قطبي
الشخصية (الشهوة
أو الذات) من
حيث
اقتيادها
إلى
الإلتواء
الفكري، لا
أنها (مفردات)
من السلوك
الذي يميز
فرداً عن آخر. وتتمثل
أهميتها
ثالثاً في
انشطارها
إلى
مجموعتين من
"الأصول"
هما: ضبابية
الاستجابة
ووضوحها. وهاتان
الخصيصتان
هما افراز
الجانب
الشهوي أو
الذاتي من
الشخصية بكل
أشكال
سلوكها: أياً
كان هذا
السلوك. ولنضرب
أمثلة على
ذلك،
نستقيها من
التصنيف
الأرضي نفسه: ولنقف
عند التصنيف
العصابي
للأمراض (القلق،
الكآبة،
الحصر،
الوسواس،
الهستيريا،
الوهن
العصبي،
المخاوف). فهذه
الأمراض لا
تخلو من
استجابة
ضبابية، أي:
ضياع الخيط
الذي يحقق
لدى الشخصية
اشباعاً
تنشده في
عملية بحثها
عن اللذة. فالشخصية
(القلقة) لا
قرار لها،
نتيجة لعدم
وضوح
الأسباب
المقلقة، أو
لبس الأهداف
التي تنشدها. والشخصية
(الكئيبة)
يلفها العجز
واليأس وعدم
الثقة،
نتيجة
للغموض
المتقدم
نفسه من حيث:
الأسباب
والأهداف. أما
الشخصية (الخائفة)
فلا تحتاج
إلى التعقيب. وأما
الشخصية (الحصرية)
و(الموسومة)،
مع الغموض
الذي يلف
استجابتها،
لا تحتاج
بدورها إلى
التعقيب،
مادام (الموسوس)
يتعامل
أساساً
بغموض مع
الظواهر،
ومادام (الحصري)
تتسلط عليه
الأفكار
بالمستوى
ذاته من حيث
غموض المصدر
والهدف. وحين
نتجه إلى (آليات
الدفاع)
نجدها
جميعاً
خاضعة لنمطي
الاستجابة
المضببة أو
الواضحة،
فهي من جانب
مضببة
مادامت
أساساً
نابعة من (لا
شعور)
الشخصية،
فالفرد الذي
(يسقط) عيوبه
على
الآخرين،
يظل جاهلاً
مصدر تجاربه
الطفولية
التي رسبت في
لا شعوره،
والذي يقدم (تبريراً)
لسلوكه
المعيب يظل
متصفاً
بالسمة
ذاتها. و(الناكص)
نحو السلوك
الطفلي
محكوم بنفس
الظاهرة،
وهكذا. وأما
ظاهرة (الوضوح)
في
الاستجابة،
فتتمثل في
وضوح (الأهداف)
التي تنشدها
الشخصية في
بحثها عن
اللذة. وأوضح
أمثلتها:
الشخصية
السيكوباثية
التي تتعامل
بوضوح مع كل
الظواهر:
كالمنحرف
جنسياً،
والسارق،
والخمير،
والمعتدي، و...
الخ، فكل هذه
الأنماط
حينما
تتعامل مع
الظواهر
المذكورة
إنما يتسم
تعاملها بـ(وضوح)
الاستجابة (النفعية)
لديها، تنشد
الاشباع
العاجل بأي
ثمن كان. ومع
أنها تشترك
مع الفئات
المريضة
السابقة (أي:
القلقة،
الكئيبة،
الحصرية،
الموسوسة،
الخائفة...)
بضبابية
المصدر
والهدف من
وراء
سلوكها، إلا
أن الطابع
العام
لاستجابتها
يتمثل في (وضوح)
الاشباع
الذي تلح على
تحقيقه، في
حين أن
الطابع
العام
للفئآت
السابقة هو (ضبابية)
أو (تمزق)
استجابتها
من حيث
التوتر الذي
تحياه
دائماً. إذن:
كل أنماط
السلوك
العصابي لا
تخلو من احدى
استجابتين
أو كلتيهما
على النحو
الذي حدده (ع)
في
التصنيفين
المذكورين.
وهذا كله من
حيث انشطار
الأصول
النفسية إلى
مجموعتين أما
من حيث
ترقيمها في (40)
مفردة، فإن
ذلك مفصح عن
ان كل أنماط
السلوك
العصابي
والمتصل
بالموقف
الفكري). (أياً
كان نمطها)
لا يخلو من
واحد أو أكثر
من الأصول
المذكورة،
وإلى أنها
تشكل (جذوراً)
لها. إن
أهم ما ينبغي
لفت
الانتباه
إليه هو: حصر
السلوك
العصابي في
نمطين لم
يلتفت
إليهما أي
باحث طوال
تاريخ علم
النفس
المرضي،
ونعني بهما:
الكفر
والنفاق. أي،
أن السمات
العصابية
التي يحددها
علماء النفس
في قوائم أو
يصنفونها
وفق فعاليات
دفاعية، أو
أمراض عامة،
أو أمزجة أو
غيرها، كل
هذه
التصنيفات
غافلة عن
امكان حصرها
في سلوكين
رئيسين
عامين يتفرع
عنهما كل
مفردات
السلوك،...
فالعصاب أما
يكون (كفراً)
أي: نكراناً
لحقائق
الحياة
وارتباطها
بمبدع، أو (نفاقاً)
أي: بحثاً عن
اشباع ذاتي.
وكلاهما
باقرار
علماء النفس
(مرض)،
فالمنكر
للحقائق
يحيا في عالم
الوهم، وهو
سمة رئيسة
للمرض،
والباحث عن
الاشباع
يحيا في عالم
الذات وهو
سمة رئيسة
أيضاً، أي:
ان السمتين
الرئيسين
هما اللتان
يتفرع عنهما
كل أنماط
السلوك. إذن:
نلفت
الانتباه
للمرة
الجديدة إلى
أهمية هذا
النص للإمام
علي (ع). كان
التصنيف
المتقدم
للإمام علي (ع)
يتناول "الأصول
النفسية"
للعصاب. ونواجه
الآن
تصنيفاً
للإمام
الصادق (ع)
يتضمن (75)
مفردة من
أنماط (السلوك)،
يتناول
بالإضافة
إلى ما هو (مزاجي)
منه، ما هو (فكري)،
وما هو (إدراكي)
أيضاً. والفارق
بين
التصنيفين
ان الأخير
منهما شامل
لكل الأصول:
أي: لكل
افرازات
الجانب (الشهوي
ـ الذاتي)،
والجانب (العقلي
ـ الموضوعي)
في تركيب
الشخصية. وقد
سبقت
الاشارة إلى
أن (الجانب
الإدراكي)
لدى الشخصية
غير منفصل عن
(الجانب
الوجداني)
منها. كما ان
العصاب (النفسي)
غير منفصل ـ
في التصور
الإسلامي ـ
عن العصاب (الفكري). وفي
ضوء هذه
الحقيقة،
يجيء
التصنيف إلى
(75) مفردة،
نمطاً آخر،
مستوعباً
لكل الأصول
التي يتحرك
الآدميون من
خلالها في
شتى
استجاباتهم
حيال
الظواهر. ولنقف
عند هذا
التصنيف: حيث
يقدم الإمام
الصادق (ع)
مفردات
السلوك (السوي)
قبال السلوك
(العصابي) في
قامة
يستهلها
بالإشارة
إلى مصطلحي (الخير
والشر): حيث
يجعل الأول
منهما
تجسيداً
للجانب (العقلي)
من الشخصية،
والآخر
تجسيداً
للجانب (الشهوي
ـ الذاتي)
منها: مع
ملاحظة أنه
يستخدم
مصطلحي (العقل
والجهل)
بديلين
لمصطلحي (العقل
والشهوة)
بصفتهما
شطري
الشخصية. ولنقرأ
القائمة: حيث
تضع قبال كل
سمة
إيجابية،
سمة سلبية
على نحو ما
نلحظه في
تصنيفات
البحث
الأرضي
لسمات
الشخصية:
يلاحظ
في القائمة
المذكورة،
انها تتناول
أصولاً عامة
للعصاب من
نحو: الحقد
القسوة،
الانتقام،
البغض،
الخيانة،
الغدر،
المماكرة،
النميمة،...
وهي جميعاً
سمات لافتة
لـ(الشخصية
العدوانية). كما
أن سمات من
نحو: الحزن،
الشقاء،
الجزع،
السخط،
اليأس،... تظل
طوابع
للشخصية (المنطوية)
و(المكتئبة)،
فضلاً عن أن
سمات من نحو:
الشك
الجحود،
الإنكار،
النكول،...
تظل طابعاً
للشخصية (القلقة)،
وهكذا. ولا
يغيب عن
بالنا، أن
بعض السمات
التي وردت في
القائمة
المذكورة،
تمثل سمات
عقلية من نحو:
الغباء،
النسيان... والمهم:
إن السمات
البالغ
عددها أكثر
من (70) سبعين
سمة، تظل
أنماطاً من
السلوك
العصابي
الذي تألفه
البحوث
الأرضية في
شتى
تصنيفاتها
لأمراض
العصاب أو
لسمات
الشخصية
المريضة: في
حين أن
السمات (الفكرية)
الخالصة
تمثل سمة
واحدة أو
اثنتين،
وردت في أول
القائمة،
ونعني بها
سمة (الكفر)
ومقابلها (الإيمان)،
مما يعني مدى
صلة الأمراض
النفسية ـ في
شتى أنماطها
ـ بالمرض
الفكري (الكفر)
وتواشج
الأصول
النفسية
لهما، أي:
وحدة العصاب
الفكري
والنفسي،
مقابلاً
لوحدة
السوية
نفسياً
وفكرياً. إن
التصنيفين
المتقدمين،
يشكلان
أصولاً
نفسية لكافة
أنماط
السلوك.
وهناك نمط
ثالث من
التصنيف
يتناول
الحاح
وأهمية بعض
الأصول
بالقياس إلى
سواها، كما
يتناول
الجانب
البيولوجي
من الأصول من
حيث طرائق
اشباعه من
خلال
الإلحاح
والأهمية
ذاتها. وهذا
النمط من
التصنيف
بدوره،
يتناول
الصلة بين
العصاب
الفكري
والعصاب
النفسي: من
خلال
الإشارة إلى
الجذور
التاريخية
لنشأة
العصاب،
وانسحابه
على الموقف
الفكري. ولقد
أشارت نصوص
التشريع إلى
أن كلاً من
التكبر
والحرص
والحسد ـ وهي
سمات نفسية
كما هو واضح
ـ كانت السبب
وراء أول
تمرد على
السماء
وتعاليمها. يقول
الإمام علي
بن الحسين (ع)
في هذا الصدد: "...
للمعاصي شعب:
فأول ما عُصي
به الله
الكبر: معصية
أبليس حين
أبى واستكبر... ثم
الحرص وهي
معصية آدم
وحواء... ثم
الحسد وهي
معصية ابن
آدم حيث حسد
أخاه فقتله". ويشير
الإمام (ع)
بعد ذلك إلى
سمات سبع
تسلسلت
تاريخياً أو
تعاقبت
بعامة بعد
السمات
الثلاث
المذكورة،
يقول (ع): "فتشعب
من ذلك: حب
النساء وحب
الدنيا وحب
الرئاسة وحب
الراحة، وحب
الكلام وحب
العلو وحب
الثروة،
فصرن سبع
خصال،
فاجتمعن
كلهن في حب
الدنيا".[2] وفي
نص آخر للنبي
(ص): جاء قوله: "أول
ما عصي به
الله ستة: حب
الدنيا، وحب
الرئاسة،
وحب الطعام،
وحب النوم،
وحب الراحة،
وحب النساء".[3] ويهمنا
من النصوص
الثلاثة
المتقدمة،
ربطها بين (المعصية)
ـ وهي موقف
فكري يتمثل
في التمرد
على أوامر
السماء ـ
وبين سمات
نفسية مرضية
هي: الكبر،
والحسد،
والحرص، ثم
سمات نفسية
تتصل بطرائق
الإشباع
المرضي
لدوافع
الجنس
والطعام
والتفوق
وغيرها. إذن:
نستخلص من كل
ما تقدم، أن
كل مستويات
التمرد على
السماء
وتعاليمها،
ناجمة من
المرض
النفسي وليس
من موقف فكري
موضوعي: سواء
أكان التمرد
يتجسد في
إنكار
المبدع
للكون، أو
عدم
الالتزام
بتعاليمه.
مما يعني من
ثم: وحدة
العصاب
الفكري
والنفسي،
فيما لا سبيل
إلى فصم
أحدهما عن
الآخر. والمهم
بعد ذلك أن
نشير إلى أن
المشرع
الإسلامي في
نظرته
للعصاب أو
للمرض
النفسي يخضع
العملية
لاكثر من
تصنيف، منها:
هذا التصنيف
الذي يربط
بين الأمراض
النفسية
وبين
الاتجاهات
الملحدة أو
غير
الملتزمة
بمبادئ
السماء على
تنوع
السمات،
وتميزها في
سمات عامة،
وخاصة. مع
ملاحظة أن
أكثر من باحث
أرضي قد
انتبه إلى
وجود مثل هذه
الصلة بين
المرض
النفسي وبين
الإلحاد أو
مطلق التمرد
على المبادئ
الدينية. على
أية حال، ...
إذا تجاوزنا
هذا النمط من
التصنيف ـ
وهو ينطوي
دون شك على
خطورة بالغة
المدى ـ
مادام يلقي
الضوء على
الصلة بين
المرض
والموقف
اللاديني...
أقول: إذا
تجاوزنا هذا
النمط من
التصنيف،
أمكننا أن
نتجه إلى
تصنيف آخر:
يتناول
المرض
النفسي من
الزاوية
الخالصة: أي
الزاوية
التي يألفها
البحث
الأرضي في
معالجته
لهذا الجانب. فما
هي تصوراته
في هذا
الصدد؟ إذا
دققنا النظر
في معالجة
الإمام علي (ع)،
أمكننا أن
نرصد أربعين
(40) سمة مرضية.
وإذا دققنا
النظر في
القائمة
التي قدمها
الإمام
الصادق (ع)،
أمكننا رصد (75)
خمس وسبعين
سمة مرضية..
هذه السمات
مع تداخل
البعض منها
بالآخر،
تشكل قائمة
شاملة لكل
أنماط
السلوك
المرضي: سواء
أكانت
السمات
متصلة
بالجانب
النفسي أو
لنقل
بالجانب
المزاجي من
الشخصية، أو
كانت متصلة
بالجانب
الأخلاقي،
أو كانت
متصلة
بالجانب
العقلي... وهذا
يعني أن
القائمتين
المذكورتين
تمثلان
تصنيفاً
احصائياً
لنمط من
السمات التي
لا ترقي إلى
درجة المرض
النفسي
الخطير، أي:
المرض الذي
يمثل
اضطراباً
وظيفياً
كالهستيرياً
والحصر،
والكآبة
ونحوها، كما
لا يصل إلى
درجة
الأمراض
السيكوباتية
التي تمثل
انحرافاً
خطيراً في
سلوك
الشخصية... بل
تبقى سمات
عامة تعرض
للأفراد
جميعاً بنسب
يختلف حجمها
من واحد
لآخر، قد يصل
تضخمها إلى
درجة المرض
النفسي
الخطير، وقد
لا يصل إلى
ذلك والمهم،
أنها تظل
أعراضاً
مرضية مفصحة
عن عدم توازن
الشخصية، أي:
أنها مؤشر
إلى أن
الشخصية
يسمها طابع (العصاب)
لا (السوية). والمشرع
الإسلامي
حين يعنى
بهذا
الجانب،
ويحرص على
تصنيف شامل
لكل السمات
على النحو
الذي
لحظناه،
إنما ياخذ
بنظر
الاعتبار
عمومية هذه
السمات
وانسحابها
على غالبية
الأفراد، مع
ما يصاحب ذلك
من امكانية
محوها،
واجراء
عمليات
التعديل لها. وخارجاً
عن ذلك، فإن
الأمراض
التي يخلع
البحث
الأرضي طابع
الخطورة
عليها ونعني
بذلك:
الأمراض
العصابية
المعروفة:
عصاب
الكآبة،
والنورستانيا،
والهستيريا،
ونحوها.. هذا
النمط من
الأمراض
يتناوله
المشرع
الإسلامي من
زاوية أخرى
تتصل بالطب
العقلي،
بضمنها:
أمراض
الذهان
أيضاً، حيث
يقوم
بتشخيصها،
مقدماً
توصياته
الطبية في
معالجاتها،
وهو أمر خارج
عن نطاق
دراستنا
النفسية
الخالصة. بيد
أننا لا نعدم
الإشارة إلى
بعض الأمراض
الخطيرة أو
غير الخطيرة
مما يتصل
بهذا النمط
من الأعراض،
يتوفر
المشرع
الإسلامي
عليها،
مشيراً
إليها من
خلال تصنيف
ثنائي أو
ثلاثي أو
رباعي أو
أكثر في هذا
الصدد من نحو
قوله (ع) في
صدد بعض
السمات التي
لا تكاد تخلو
منها شخصية. "ثلاثة
لم ينج نبي
منها فما
دونه: التفكر
في الوسوسة
في الخلق،
والطيرة،
والحسد".[4] وفي
صدد السمات
الجسمية
وصلتها
بالمزاج: "خمسة
خلقوا
ناريين:
الطويل
الذاهب،
والقصير
القمئ..." الخ.[5] وفي
صدد بعض
الممارسات
المتصلة
بالوسواس: "أربعة
من الوسواس:
أكل الطين،
وتقليم
الأظافر..." الخ.[6] وفي
صدد بعض
الآثار
الكيميائية
وغيرها في
انسحابها
على سمة
عقلية هي
النسيان: "تسعة
تورث
النسيان،
أكثل التفاح
الحامض" الخ.[7] وفي
صدد بعض
الأمراض
الخطيرة في
الشخص،
وصلتها
بالمزاج: "فإذا
حلت به
الحرارة: أشر
وبطر وفجر
واهتز وبزخ.
وإذا كانت
باردة: اهتم
وحزن
واستكان
وذبل ونسي
وأيس".[8] إن
أمثلة هذه
النصوص،
تتناول
تشخيص بعض
السمات
المزاجية
والعقلية:
بعضها ينتسب
إلى أمراض
خطيرة
وبعضها إلى
ما دون ذلك،
فالنص
الأخير
مثلاً يجسد
فيما يسميه
البحث
الأرضي بسمة
"المرح"
مقابل "الاكتئاب"،
حيث يتصف
المريض في
الحالة
الأولى
بالانشراح
المطلق
والفكاهة
والثرثرة
وما إليها،
وفي الحالة
الثانية
بالكآبة
والبلادة
والخمول و...
الخ. ومثل
هذا التصنيف
تتناوله
الأبحاث
الأرضية ـ
عادة ـ اما
ضمن تصنيف
ثنائي للنوع
الإنساني..
حيث المزاج
الانطوائي
أو
الانبساطي
أو الدوري في
حالات
العصاب
الشديد أو
الذهان، كما
تتناوله ضمن
تصنيفات
عامة
للسمات،
بضمنها: سمة
المرح قبال
الكآبة. كما
أن النص
الإسلامي
الذي أشار
إلى (المزاج
الناري ـ
خمسة خلقوا
ناريين)،
يجسد فيما
يسميه البحث
الأرضي
بالشخصية
الاهتياجية
أو
الاندفاعية
قبال
الشخصية
المتسمة
بالهدوء
التوءدة
والرصانة. وينبغي
لفت
الانتباه
إلى أن
كثيراً من
تصنيفات
البحث
الأرضي تخضع
الأصول
المرضية ـ
كما تقدم ـ
إلى (البنية
الجمسية). والأمر
نفسه فيما
يتصل بسمات
الوسوسة
والطيرة
ونحوهما كما
لحظناه في
التصنيفات
الإسلامية
المتقدمة.
فالوسوسة
يتناولها
البحث
الأرضي ـ
عادة ـ تحت
ظاهرة
مستقلة،
وحيناً تحت
ظواهر
متنوعة
يتسرب فيها
إلى أنماط
العصاب من
حصر وخوف
وسواهما. وهكذا
فيما يتصل
بالطيرة. أما
(الحسد)، فإن
البحوث
الأرضية
تدرجه ـ عادة
ـ ضمن سمات
الشخصية
بعامة.
ويهمنا أن
نستخلص من
ذلك كله، أن
المشرع
الإسلامي ـ
من خلال
التناول
المتقدم ـ
يتوفر على
نمط آخر من
التصنيف
للسلوك
العصابي
قبال
التصنيف
العام
للسمات، دون
أن يربطها
بالعصاب
الفكري، بل
تظل نمطاً
خاصاً من
التصنيف
للمرض، على
نحو ما نألفه
في أبحاث
الأرض. ثمة
أنماط أخرى
من التصنيف
للسلوك
العصابي،
يتوفر
المشرع
الإسلامي
عليها: فيما
ترد من خلال
سياقات
متنوعة
يمكننا
درجها ضمن
السمات التي
وقفنا عندها:
مع ملاحظة أن
البعض منها
يتناوله
المشرع من
حيث ربط
السمة
بجذورها، أو
بنمط علاجها
مما سنشير
إليها
مفصلاً في
حقول لاحقة
من هذه
الدراسة. بيد
أنه ينبغي أن
نشير هنا إلى
نمط ثالث من
التصنيف
للسلوك
المرضي
وقفنا عليه
عابراً،
فيما توفر
المشرع
الإسلامي
عليه من خلال
ما أسماه
البحث
الأرضي
بالدوافع او
الغرائز أو
الحاجات.
فلقد لحظنا
قائمتين من
الدوافع
تحدثنا عنا
الجنس
والطعام
والنوم
والتملك
والسيطرة
وما إليها،
متمثلتين في
ما رسمه
النبي (ص)
والإمام
السجاد (ع) من
صلة بين
العصاب
الفكري
والنفسي. ويهمنا
الآن من
التصنيف
المتقدم:
جانبه
النفسي
الصرف فيما
يطبع العصاب
هذا النمط من
التعامل مع
الدوافع
البشرية: مع
ملاحظة أن
البعض منها
يمثل حاجات
بيولوجية،
والآخر:
حاجات نفسية:
حسب التصور
الأرضي
لمفهوم
الحاجات أو
الدوافع. أما
التصور
الإسلامي
للظاهرة
فمختلف عن
ذلك تماماً
حيث ينفي أن
يسبغ عليها
اسم (الحاجة)
بل يعتبرها
مجرد اشباع
زائد عن
الحاجة،
وهذا هو أحد
مواضع
الافتراق
بين
التصورين
الإسلامي
والأرضي. ولنعد
قراءة
النصين
المقدمين:
قال (ص): "أول
ما عصي به
الله ستة: حب
الدنيا، وحب
الرئاسة،
وحب الطعام،
وحب النوم،
وحب الراحة،
وحب النساء". وقال
(ع): "فتشعب
من ذلك: حب
النساء وحب
الدنيا وحب
الرئاسة وحب
الراحة وحب
الكلام وحب
العلو وحب
الثروة: فصرن
سبع خصال:
فاجتمعن
كلهن في حب
الدنيا". ويلاحظ
في هذا النمط
من التصنيف: 1
ـ قيامه على
الدوافع أو
الحاجات
المألوفة
لدى الكائن
الآدمي. 2
ـ قيامه على
طرائق
الاشباع
للحاجات
المذكورة. 3
ـ نفي صفة (الحاجة)
منها،
واعتبار ذلك:
نمطاً من
السلوك
المرضي. 4
ـ تضمنه نمطي
الحاجة:
البيولوجية
والنفسية. وحين
ندقق النظر
في الملاحظة
المذكورة،
نجد أن
الطعام
والنوم
والجنس
والراحة
والثروة
والكلام تعد
حاجات
أساسية لا
غنى عنها
البتة. بيد
أن المشرع
الإسلامي
وهو يصوغ
الكائن
الآدمي
موظفاً
لمهمة
العبادة،
حينئذ فانها
تعد مجرد (وسيلة)
لاستمرارية
المهمة
العبادية.
وهذا يعني
اشباعها
بقدر الحاجة
هو الأسلوب
المتسق مع
المهمة
المذكورة.
أما الاشباع
الزائد عن
الحاجة،
فيمثل (الحرص)
الذي لا
ضرورة له وهو
طابع (مرضي)
دون أدنى شك
مادام
تمحوراً حول
الذات
وتأكيداً
على اشباعها. وهذا
كله فيما
يتصل
بالحاجات
البيولوجية. أما
السمات
المتصلة
بالجانب
النفسي،
فإنها واضحة
كل الوضوح في
انتسابها
إلى السلوك
العصابي. وهذا
من نحو:
الدافع إلى
السيطرة،
ودافع
التفوق. والملاحظ:
أن الأبحاث
الأرضية
تسبغ على
دافعي
السيطرة
والتفوق
مشروعية
اشباعها،
ماداما ـ
أساساً ـ
جزءاً
محركاً
لمجمل
النشاط
الانساني. بيد
أن بعض
الدراسات
المتصلة
بعلم
الأقوام
أثبتت ـ كما
أشرنا ـ إلى
انعدام هذين
الدافعين
وغيرهما لدى
بعض الأقوام:
وهو أثر
يتوافق مع
الاتجاه
الإسلامي في
هذا الصدد. والمهم،
بعد ذلك كله،
ان المشرع
الإسلامي قد
حسم الموقف
حينما نفى
صفة الحاجة
إليهما إلا
في سياق
موضوعي صرف
على نحو ما
نفصل الحديث
عنه لاحقاً. بقي
أن نشير ـ في
نهاية
المطاف ـ على
أن المشرع
الإسلامي في
تصنيفه
لأنماط
العصاب،
يتناول ـ
فضلاً عما
تقدم ـ
أنماطاً
أخرى غائبة
عن البحث
الأرضي
تماماً،
ونعني بذلك:
كل ما هو
داخل ـ حسب
اللغة
الفقهية ـ في
قائمة (المحرمات
والمكروهات):
حيث تتضمن
مئآت
المفردات من
أنماط
السلوك
العصابي:
المنهي عنه.
مع ملاحظة أن
البعض منها
فقط ـ
كالسرقة
والقتل
والقمار
والخمر
ونحوها: قد
انتبه البحث
الأرضي إلى
سمته
العصابية،
او
الانحرافية
الخطيرة،
وادرجها ضمن
ما يسمى
بأمراض (الشخصية
السيكوماتية). ولسوف
نلقي مزيداً
من الانارة
على هذا
الجانب في
حقل لاحق من
هذه الدراسة. |
|||||