إن
مفهوم (الذات)
يرتبط ـ لدى
علماء النفس
ـ ببحوث (الشخصية)
من حيث:
التعريف
بها،
وبالسمات
التي تحملها. وأما
(تقدير الذات)
فيعني: طبيعة
النظرة التي
يحملها
الفرد عن
شخصيته
بعامة. إن
نظرتنا لـِ(ذواتنا)
قد تكون
إيجابية، من
نحو،
الاحساس
بأننا ذوو
كفاءة وثقة
واستقلال
وتفاؤل... الخ. وقد
تكون نظرتنا
لـِ(ذواتنا)
سلبية، من
نحو: الإحساس
بالدونية
والضعة
والتبعية
والشك
والتردد...
الخ. ومما
لا شك فيه،
أن إدراكنا
لـِ(ذواتنا)
بهذا النحو،
يلتئم مع
التصور
الإسلامي لـ(الذات).
فالمشرع
الإسلامي
يطالبنا بأن
تنطلق من
التصور
الايجابي لـ(ذواتنا).
إنه يطالبنا
بطرد
الأحاسيس
المتصلة
بالشك،
والتردد،
والاستسلام،
والتبعية، ...
كما أن إشارة
السماء إلى
أنها قد
فضلتنا على
الكائنات
الأخرى
تفضيلاً،
وإلى أنها
أسجدت
الملائكة
لآدم (ع)،
وإلى أنها
جعلتنا (خلفاء)
على الأرض...
كل أولئك،
يحسسنا بأن
نظرتنا لـ(ذواتنا)
ينبغي أن
تكون
إيجابية، ...
لا أن تكون (مريضة)
تفترسها
مشاعر
النقص،
والخوف،
والاستسلام،
والرثاء لِـ(ذواتنا). بيد
أن ما يميز
التصور
الإسلامي
لهذه
الظاهرة، عن
التصور
الأرضي لها
هو: أن
نظرتنا لِـ(ذواتنا)
تنحصر
إيجابيتها
في: مجرد
الإحساس
بأننا ذوو (كفاءة)
من حيث سلامة
الجهاز
النفسي
لدينا، ... ومن
حيث وجود
قدرات فاعلة
في إنجاز
المهمة
العبادية
التي وظفتنا
السماء لها.
دون أن يمتد
ذلك إلى مطلق
الإحساس بـ(الكفاءة)،
من حيث
علاقتنا
بالسماء، أو
بالآخرين: بل
ـ على العكس
ـ من ذلك،
يطالبنا
المشرع
الإسلامي
بأن ننسج
نظرةً سلبية
عن (ذواتنا)،
في نطاق
تفاعلها مع
السماء، ومع
الآخرين: على
نحو ما نبدأ
بتوضيحه،
لاحقاً. إن
التمييز بين
ما هو إيجابي
وبين ما هو
سلبي من حيث (تقويمنا)
لـ(الذات)،
يتحدد بوضوح
حينما نفرز (مفردات)
التقويم
الذاتي في
نطاق
أشكالها
المتنوعة، ...
وحينما نفرز
الطابع
السوي عن
الطابع
المرضي في
هذا الصدد. ولعل
أبرز مفردات
التقدير
المرضي
للذات، هو: يعد
الإحساس
بالنقص
مظهراً
مرضياً في
تقدير الفرد
لـِ(ذاته).
ونحن لو
بحثنا عن
الجذور
الأولى لهذا
الاحساس
بالنقص،
نجده نابعاً
ـ وفقاً
لتصورات
الأرض ـ إما
من الإحساس (الواعي)
بعدم قدرة
الفرد على
انجاز
فاعلية ما، ...
أو من
الاحساس (اللاواعي)
به: حيث يضرب
بجذوره إلى
الطفولة،
وانعكاسها
على سلوك
الراشد. وأما
الاحساس بـ(الكفاءة)
أو (الأهلية)
أو (الثقة)،
فانه يعد
مظهراً (سوياً)
في عملية
تقويم الفرد
بـ(ذاته).
والبحث عن
جذور هذا
الاحساس
السوي، يخضع
لنفس
المحددات
الشعورية أو
اللاشعورية
التي يخضع
الاحساس
المرضي لها:
من حيث
انعكاس
الخبرات
الراشدة أو
الطفيلة على
الفرد. ويهمنا
من الاشارة
إلى هذه
الظاهرة أن
نحدد أولاً (مصدرها)
المرضي ومدى
ما يحمله
البحث
الأرضي من
قيمة علمية
في تفسيره
للظاهرة
المذكورة.
وأن نحدد
ثانياً قيمة
(العلاج
الأرضي) لهذا
العرض
المرضي ومدى
ما يحمله من
تفسير صائب
أو خاطئ. وان
نحدد ثالثاً
طبيعة
التصور
الإسلامي
للظاهرة
وانعكاسه
على الخطوط
العامة التي
تفرز
الفارقية
بين البحث
الإسلامي،
وعلم النفس
الأرضي في
معالجتها
لظاهرة (التقدير
الذاتي). يرى
(أدلر) ـ وهو
عالم نفس
تحليلي ـ إن
النشاط
الإنساني
قائم ـ
أساساً، على
الإحساس
بالقصور،
وان هذا
الاحساس
ممتد بجذوره
إلى الطفولة:
بطبيعتها
التي تحسس
الطفل
بعجزه،
وضعفه،
وتبعيته
للكبار: وإلى
أن هذا
الاحساس
يرافق
الشخصية حتى
مراحل رشدها
مادامت
مصادر
الإحساس
بالنقص
تواجبه
الشخصية في
مجالات
نشاطه
المختلفة. وهذا
الاحساس
بالنقص،
يدفع
الشخصية إلى
البحث عن (السيطرة)
ـ في شتى
مستوياتها
الملائمة
لمناخ
الشخصية ـ (تعويضاً)
عن الاحساس
المذكور. وفي
حالة (الاحباط)،
فإن الظاهرة
تتحول إلى
عرض مرضي،
إلى (مركب
نقص). وهناك
من
الباحثين،
من يربط
بينها (ظاهرة
الاحساس
بالنقص) وبين
خبرات لا
شعورية
ممتدة إلى
اعاقة إحدى
مراحل النمو
(الجنسي). بيد
أن الغالبية
تربط بينها
وبين خبرات
الطفولة
المتنوعة: من
حيث التربية
الخاطئة
التي تحسس
الطفل بعجزه
وقصوره
وتبعيته، ...
أو حتى في
المرحلة
الراشدة
التي يواجه
الفرد ـ من
خلالها ـ
عجزاً حيال
مشكلات
الحياة. والمهم،
أن
الاتجاهات
النفسية
بأجمعها،
تحصر
الظاهرة في
نمطين:
أحدهما،
الاحساس
الواعي أو
الشعوري
بالنقص.
والآخر:
الاحساس غير
الشعوري به،
وهو ما يطلق
عليه (مركب
النقص) أو (عقدة
النقص). وفي
ميدان
العلاج
النفسي، فإن
الاتجاهات
المذكورة
ترسم نمطين
من العلاج،
أحدهما:
محاولة
التعرف على
جذر الظاهرة
ونقلها من
مخابئ
اللاشعور
إلى سطح
الشعور،
وهذا في حالة
كونها (عقدة)
أو (مركباً). وأما
في حالة
كونها مجرد
إحساس واع
بالمشكلة، ...
فإن (العلاج)
حينئذ يأخذ
منحيين،
أحدهما،
التعويض عنه
بمحاولات (بديلة)
مثل: الاتجاه
إلى الكسب في
حالة
الاخفاق في
الدراسة
مثلاً، أو
مطاردة
النقص نفسه
بمحاولات
السيطرة
عليه مثل:
التفرغ
التام
للدراسة لحد
(التفوق). والآخر،
هو: الاقرار
بـ(الأمر
الواقع)
وتقبله. هذا
هو مجمل
التصور
الأرضي
لظاهرة (النقص)
من حيث
مصادره
وأنماطه
وعلاجه. وحين
نتجه إلى
التصور
الإسلامي،
نجد أن
المشرع،
يحدد بوضوح
كون الظاهرة
منتسبة إلى (المرض).
وإلى أنها
تتخذ هذا
المظهر أو
ذاك من سلوك
الشخصية:
يستوي في ذلك
أن يكون
المظهر
شعورياً أو
لا شعورياً. فالإمام
الصادق (ع)
حينما يشير
إلى أن (المتكبر)
مثلاً، لا
يمارس هذا
السلوك إلا
لـ(ذلة)
يجدها في
نفسه. إنما
يشير إلى أن
الفرد يتحسس
بنقص لديه
وهو (الذل)،
فيعوض عنه
بأحد مظاهر
السلوك
المرضي وهو (التكبر). طبيعي،
لا يعنينا أن
نتعرف على
جذر الظاهرة
من حيث كونها
شعورية أو لا
شعورية،
مادمنا قد
أوضحنا (في
حقل آخر من
هذه الدراسة)
أن استحضار
مفاهيم (اللاشعور)
لم تعد
لوحدها
سبيلاً
للعلاج،
مادامت
تجارب (المحللين)
أنفسهم
أثبتت فشل
استحضار
مفاهيم (اللاشعور)
في معالجة (حالات)
كثيرة، ...
ومادامت
الاتجاهات
النفسية
الأخرى قد
قدمت طرائق
أخرى
للعلاج،
أوضحناها في
حينه. والمهم،
أن المشرع
الإسلامي لا
ينفي فاعلية
(اللاشعور)
بل يشير في
مجالات
متنوعة (سبق
التحدث عنها)،
... كل ما في
الأمر أن (العلاج)
يظل ـ في
الحالات
كلها ـ
محكوما
بمبدأ (الأنا)
و(الوعي) في
المقام
الأول: سواء
أكان الجذر
لا شعورياً
أو شعورياً
يعيه المريض. وحين
نعود إلى
المقولة
التي
اقتبسناها
من الإمام
الصادق (ع)،
نجد أنه (ع) قد
أشار إلى
العرض
المرضي
للظاهرة،
وإلى أنها (قناع)
تستر به
المريض، حتى
(يعوض) به ما
يتحسسه من (النقص)
في داخله. ومن
الواضح أنا
لو استعرنا
مفاهيم
التحليل
النفسي ولغة
أصحابه،
أمكننا أن
نقرر ـ
ببساطة ـ أن (التكبر)
(في ضوء
مقولة
الصادق (ع)
المتقدمة)
يُعّد (حيلة
دفاعية) قد
احتمى
المريض بها،
بغية
التخفيف عن
خبراته
اللاشعورية. ومن
الممكن
أيضاً، أن
يُعّد
المظهر
المذكور
سلوكاً
مصطنعاً
تتعمده
الشخصية من
خلال (الوعي)
بواقعها
الذليل. بيد
أنه في
الحالتين،
لا ضرورة
كبيرة
لاستخلاص ما
إذا كان
المظهر (المتكبر)
مرتبطاً
بفاعليات لا
شعورية أو
شعورية في
التدليل على
(مصدره)،
بقدر ما
تنحصر
القيمة في
ارتباطه
بعرض مرضي هو:
(الاحساس
بالنقص). على
أية حال،
يعنينا أن
نلفت
الانتباه
إلى أن وجهة
النظر
الإسلامية
قد حددت
بوضوح: كون
الظاهرة (الاحساس
بالنقص)
منتسبة إلى (المرض). ويعنينا
ـ من ثم ـ ان
نتجه إلى
مصادر
الاحساس
بالظاهرة
المذكورة،
وطرائق
علاجها. ومما
لاشك فيه، ان
نمط التربية
الطفلية
تعكس آثارها
في هذا الصدد.
وقد سبق أن
تحدثنا
مفصلاً عن
مستويات
التربية
المذكورة
وصلة القسوة
والاهمال
بتنمية
الاحساس
بالنقص،
وبسائر
الأعراض
المرضية. بيد
ان ما شددنا
عليه هو عدم
اكساب
التربية
المذكورة،
ذلك الحجم
الكبير من
الخطورة،
بقدر ما
تتمثل
الخطورة في
مرحلتي (التمييز
ـ الطفولة
المتأخرة)،
والمرحلة
الراشدة. ومن
هنا، فإن
غياب الوعي
الإسلامي
يظل هو
المحدد
الرئيس لأي
مصدر
للاحساس
بالنقص. كما
يظل مرتبطاً
بنمط العلاج
الذي يتوفر
المريض عليه. إن
الاحساس
الواعي
بالنقص، حين
نصله بوعي
الشخصية
الإسلامية،
فإن هذا
الوعي كفيل
بإزاحته
أساساً: سواء
أكان النقص
جسمياً أو
عقلياً أو
اجتماعياً. فلو
افترضنا أن
شخصية ما
تحتل وظيفة
عادية جداً (فيما
تمثل هذه
الوظيفة
نقصاً
اجتماعياًً:
كأن تكون
فراشاً في
احدى
الدوائر)، أو
انها ذات
انخفاض في
الذكاء يقل
عن المنحنى
المتوسط (فيما
يمثل هذا
الانخفاض
نقصاً
عقلياً) أو
أنها مصابة
بعاهة العمى
(فيما تمثل
هذه العاهة
نقصاً
جسمياً)...
أقول، إذا
افترضنا
أمثلة هذه
الشخصية (وهي
تمثل نسبة
كثيرة ـ)
حينئذ، فإن (وعيها
العبادي)
يتكفل
بازاحة أي
احساس
بالنقص
لديها:
فالسماء
تردم
الفارقية
طبقياً،
فيما لا ترى
فارقاً بين
رئيس
للدولة،
وبين (فراش)
في إحدى
الدوائر،
إلا من حيث (التقوى).
كما ان
نظرتها
لعاهة ما، أو
انخفاض في
الذكاء، لا
تتجاوز
دائرة (التقوى)
التي تظل
معياراً
رئيساً في
هذا الحقل:
مع الأخذ
بنظر
الاعتبار
معايير أخرى
تطفئ أي
إحساس ـ ولو
كان ضئيلاً ـ
بالنقص،
منها:
التعامل مع
الشخصية
بقدر (الوعي
العبادي)
لديها،
وبقدر (إدراكها
العقلي)
للظواهر.
فالشخصية
ذات الذكاء
المنخفض أو
ذات الثقافة
العبادية
الضئيلة،
تظل
متوازنة،
مطمئنة،
آمنة، بأن
السماء سوف
لن تحاسبها
على قصورها
المذكور
مادامت غير
مسؤولة عنه،
ومادامت
السماء
ذاتها تشير
إلى أنها
تثيب وتعاقب
بقدر وعي
الشخصية. والأمر
ذاته
بالنسبة إلى
العاهات
الجسمية،
حيث تشير
السماء
بوضوح إلى
أنه ليس على
ذوي العاهات
من حرج. وإذن:
في الحالات
جميعاً، لا
تحيا
الشخصية
الإسلامية
التي (تعي)
مبادئ
السماء، أي
شعور
بالنقص،
مادام (التقدير
الإلهي) وليس
(التقدير
الاجتماعي)
هو الذي يحقق
الفاعلية
لديها. وهذا
على العكس
تماماً من
الشخصية
الأرضية
التي تضطر ـ
بحكم غيابها
عن السماء ـ
إلى التحسس
بالنقص
مادامت لا
تملك إلا
الثواب
والعقاب
الاجتماعيين:
وهما إفراز
لمجتمع مريض
تحكمه
الاستجابة
المزهوة،
المتعالية. إن
توصيات
الأرض، تظل
عديمة
الفاعلية في
كل ما يتصل
بمحو مشاعر
النقص من
الشخصية.
فعمليات (التعويض)
التي يطالب
بها علم
النفس
العيادي (على
سبيل المثال)
لا يمكن
تحقيقها
عملياً
مادامت (الامكانات)
الفردية أو
الاجتماعية
محدودة.
والطريف، أن
هناك
نموذجاً
طالما
يستشهد به
الباحثون في
معالجتهم
لهذه
الظاهرة،
متمثلاً في
ذلك الخطيب
اليوناني
الذي كان
معانياً
لعاهة
لسانية،
لكنه تغلب
عليها حتى
أصبح من
مشاهير
الخطباء. والسؤال
هو: هل يمكن
لذوي
العاهات
جميعاً أن
يتاح لهم مثل
هذا التفوق؟
هل ان
القابليات
متماثلة لدى
الجميع؟
وإذا
افترضنا أن
القابليات
متماثلة: فهل
أن الظروف
الاجتماعية
تسمح لكل ذوي
النقص
باحتلال
المركز الذي
أتيح لواحد
من بين
الآلاف؟ إن
توصيات
الأرض تظل (عقيمة)
لا تمس حتى
سطح الواقع
إلا في نطاق
ضئيل المدى،
مما يفسر لنا
ـ من جديد ـ
سبب الاخفاق
الذي منيت به
العيادة
النفسية. ومهما
كان، فإن
التوصية
الإسلامية (وهي
قائمة على
جملة من
المبادئ مثل:
التقوى،
والمكافأة
بقدر
الطاقة،
وإلغاء
التقدير
الاجتماعي ...
الخ) تظل
توصية
واقعية حية
كفيلة بمسح
كل آثار
الاحساس
بالنقص لدى
الشخصية. وهذا
كله فيما
يتصل
بالاحساس
الواعي
بالنقص. وأما
فيها يتصل
بالاحساس
غير الواعي
أو ما أسماه
البحث
الأرضي بـ(عقدة
النقص)، فإن
الأمر يظل
محكوماً
بنفس
المبادئ
التي تتوكأ
الشخصية
الإسلامية
عليها في
محور آثار
التحسس
الواعي
بالنقص. فقد
سبق أن
أوضحنا أن (الوعي)
و(الأنا)
كفيلان بمسح
أي مكبوتات
لا شعورية
دون الحاجة
إلى استحضار
مفاهيم
التحليل
النفسي. فنحن
لوعدنا إلى
مقولة
الإمام
الصادق (ع) من
أن المتكبر
لا يتكبر إلا
لذلة يجدها
في نفسه.
حينئذ نقرر
ان الإمام (ع)
قد أشار إلى
أن المتكبر
يعاني من (عقدة
نقص) لا
يتحسسها،
بقدر ما
يتحسس بشعور
غامض يدفعه
إلى أن يزهو
ويتكبر دون
أن يدرك
مناشئ
الشعور
المذكور. وعلاج
"الحالة" ـ
في هذا الصدد
ـ يأخذ نفس
الطريقة
التي يسلكها
(الواعي)
بالنقص الذي
يغلفه. فالمتكبر
حينما نحيطه
علماً بأن
شعوره
الغامض الذي
يدفعه إلى
الزهو أو
التكبر،
إنما يعود
لنمط
التربية
التي تعرض
لها في
طفولته: حيث
نمت في داخله
مشاعر النقص
(من تحسيسه
بأنه: عاجز،
طفل، غير
مدرك ...
مضافاً إلى
تحقيره
واهماله)،
وإلى أن هذه
التربية
الخاطئة تقف
وراء احساسه
بذل شخصيته...
حينئذ: فإن
أول خطوة
يبدأ بها
المريض هي:
تحسسه بخطأ
التربية ومن
ثم بخطأ
سلوكه
المتكبر. والخطوة
الأخرى تبدأ
بمحاولاته
المتكررة في
التدريب على
التواضع،
بعد أن نحيطه
علماً بما
تنطوي عليه
ظاهرة (التكبر)
من مفارقات
صحية
وعبادية. وطبيعي،
فإن المريض
حينما يعيد
حسابه مع هذه
الظاهرة من
خلال مفاهيم
السماء،
وعمليات
ثوابها
وعقابها،
والغائه (الآخرين)
من الذاكرة،
والتوجه نحو
(تقدير
السماء)
فحسب، ...
حينئذ
سيتحرك بنفس
الخطوات
التي سلكها (الواعي)
بنقصه. إذن:
في الحالتين
(الاحساس
الواعي
بالنقص،
والاحساس
غير الواعي
بالنقص) تظل
الشخصية
الإسلامية
بمنأى عن
الوقوع في
هاوية المرض
المذكور
عندما يتاح
لها (وعي
عبادي)
بالحالة
التي
تواجهها. نخلص
من هذا، إلى
أن (الاحساس
بالنقص) يعد
مظهراً
مرضياً من
مظاهر
التقدير لـ(الذات).
وان التصور
الإسلامي
للظاهرة ـ
بالرغم من
مشاركة بحوث
(الأرض) إياه
في الملامح
العامة
للاحساس
المذكور ـ
إلا أنه
يفترق عن
بحوث الأرض
في طبيعة
تصوره
لمصادر (النقص)
وطرائق
معالجته. فمن
حيث مصادر
النقص، فإن
التصور
الإسلامي
يشارك (الأرض)
في نظرتها
الذاهبة إلى
أن التنشئة
الطفلية:
لكنه لا يخلع
عليها كل
الخطورة،
كما لا يشارك
بحوث الأرض
في بعض
تفسيراتها
التي تحصر
هذه الظاهرة
وسواها في (البعد
الجنسي) لها،
أو تجعل منها
أساساً
للسلوك
البشري
بأكمله، كما
هو المنطق (الادلري)
الذي يفسر
النشاط على
أساس من
الاحساس
بالقصور:
حيال
الآخرين أو
حيال
الاحباطات
المختلفة
التي تواجه
الفرد. واما
من حيث طرائق
(العلاج)،
فإن
فاعليتها
تنحصر في (الوعي
الإسلامي)
بالظاهرة
على نحو ما
تقدم الحديث
عنه. يعد
(الاحساس
بالذنب) ـ في
تصور علماء
النفس
الأرضيين ـ
مظهراً من
مظاهر
التقدير
السلبي
للذات. والمقصود
بهذا النمط
من (الاحساس)
بالذنب، ـ
ليس الاحساس
بالذنب
بمعناه
العبادي، أي:
الندم
الواعي على
ما تنهانا
السماء عنه ـ
بل: الاحساس
المرضي بذنب
أو خطأ لم
نرتكبه
عمداً، أو
بوعي منا، ...
بل حتى إذا
ارتكبناه
باختيار منا
ـ في لحظة من
لحظات الضعف
ـ فإن
الاحساس به
ينبغي أن يمر
في أعماقنا
عابراً أو
موضوعياً،
نقرر بعده
عدم العود
إليه، ... ثم
تحسم
المشكلة. اما
إذا نبت (الاحساس
بالذنب في
أعماقنا،
بحيث نحاسب
أنفسنا،
ونسرف في
اللوم
عليها،
ونرثيها،
ونشفق عليها:
مع ان
المفارقة أو
الخطأ لا
يشكل (ذنباً)
تعورف عليه:
اسلامياً أو
اجتماعياً. مثل
هذا الاحساس
بالذنب: يعد
عرضاً
مرضياً،
تترتب عليه
آثار كبيرة:
لعل أبرزها
ظهوراً هو:
الحاجة إلى
أن يعاقب
الفرد ذاته،
تكفيراً منه
عن الخطأ
المذكور: كأن
يعرض نفسه
للأذى أو
يمارس
أفعالاً لا
شعورية من
نحو تطهير
الكف بدون
مسوغ مثلاً
ونحوه من
الممارسات
التي يسردها
لنا البحث
الأرضي في
معالجته
لهذه
الظاهرة
المرضية. والحق،
أن البحث
الأرضي يحمل
الظاهرة
المذكورة،
أكثر مما
يحملها
الواقع، ...
كما أنه يقدر
أكثر من
تفسير لا
يقره اليقين
العلمي، ...
فضلاً عن انه
لا يكاد يميز
بوضوح بين
نمطين من
الاحساس:
الاحساس
السلبي
والاحساس
الايجابي
بالذنب، مما
يترتب على
ذلك وقوع
البحث
الأرضي في
مفارقات
تعكس أثرها
على الصحة
النفسية دون
أدنى شك. أما
التصور
الإسلامي
لهذه
الظاهرة،
فيقوم على
أساس
التفرقة بين
نمطين من
الاحساس
بالخطأ أو
الذنب من
جانب، ... كما
يرسم نمط
الاحساس
الذي ينبغي
أن تختطه
الشخصية
الإسلامية
لها، من جانب
آخر. فهناك
نمط من
الاحساس
بالخطأ، يظل
مرضياً دون
أدنى شك.
وهذا من نحو
من يقصر
مثلاً في
خدمة أحد
الضيوف، أو
يصدر منه
سلوك غير
عمدي في
اهانة صديقه.
حينئذ قد
يطوي الليل
بأكمله،
محاسباً
نفسه على هذا
التقصير،
مسرفاً في
اللوم
عليها،
نادباً حظه
الذي أوقعه
في مثل هذا
الخطأ، فيما
يظل هذا
الاحساس
بخطئه
ملازماً
لشخصيته،
فيما يصبح
مؤثراً
لوقوعه في
هوة المرض
العصابي. مثل
هذا الاحساس
المرضي
بالخطأ،
يفترق عن نمط
آخر من
الاحساس،
يعد سوياً
دون أدنى شك،
ألا وهو:
الاحساس
العبادي
بالذنب، من
نحو من يمارس
عملاً
محرماً
مثلاً، ثم
يظل الندم
على الذنب
ملازماً له،
حتى يصح أن
تنطبق على
أحاسيسه،
تلك الحقيقة
التي أشار
النبّي (ص)
إليها عندما
أوضح أن
المؤمن يحس
بأن ذنبه
جاثم على
صدره كالجبل.
اما الفاسق
فيتحسسه
كأنه ذبابة
عابرة مرت
على وجهه.
ففي مثل هذا
النمط من
الاحساس
بالذنب، تظل
شدة الاحساس
به أكثر سوية
(من حيث
الصحة
النفسية) من
الاحساس
العابر به،
أي: أنه على
العكس
تماماً من
الحالة
السابقة. والسر
في هذا يعود
إلى طبيعة
إلهامية
الخير والشر
في تركيبة
الآدمي، حيث
ينفر من
الذنب بقدر
وعيه السليم
بمفارقته،
مصحوباً
بالتصميم
على عدم
العود إليه.
بعكس الحالة
السابقة
التي تعطل
الشخصية عن
أداء
وظيفتها
بالنحو
السليم. فإننا
سنتحدث
مفصلاً عن
ظاهرة (التوبة)
ومعطياتها
الصحية،
وصلتها
بالاحساس
بالذنب، في
مكان آخر من
هذه الدراسة. وأياً
كان الأمر،
فالاحساس
بالخطأ ـ
إسلامياً ـ
يتميز عن
الاحساس
الأرضي به. لكننا
قبل ذلك
يتعين ان نقف
على بحوث
الأرض،
أولاً: يتجه
بعض علماء
النفس إلى
ربط (الاحساس
بالذنب) ـ من
حيث المصدر ـ
بظاهرة (الكبت)
بما يحمله
الكبت من
دلالة (جنسية)
في تصور هذا
البعض: فرويد
وأتباعه.
والتصور
المذكور
قائم على فهم
اسطوري يربط
بين الإحساس
بالذنب وبين
إرث فطري
تسلمته
الحضارة من
إنسان ما قبل
التاريخ:
حينما مارس
عملية قتل
للأب
المستأثر
جنسياً
بالاناث،
وحينما كبت
رغبته
المحارمية
بعد العملية
المذكورة.
تضاف إلى هذا
الأرث: خبرات
الطفولة
التي تساهم ـ
من خلال نمط
التربية ـ في
تضخيم أو
تضئيل
الإحساس
بالذنب،
متمثلاً في
جهاز القيم
لدى الشخصية
(الأنا
الأعلى) الذي
يسمتد
فعالياته من
الإرث
الفطري،
والخبرة
الطفولية
المذكورتين. وأمّا
غالبية
الاتجاه
الأرضي ـ
خارجاً عن
النظرية
المذكورة ـ
فتظل في شتى
مدارسها
مشددة على
صلة الاحساس
بالذنب
بالتنشئة
الطفلية
بعامة من حيث
خضوعها
لطابع
التزمّت
والصرامة
والمبالغة
في تهجين ما
يمارسه
الطفل من
سلوك خاطئ، ...
مما يجعل
جهاز (القيم)
لدى الطفل،
متزمّتاً
بدوره،
يحاسبه على
كل سلوك:
كبرت أخطاؤه
أو ضؤلت. إن
هذه
الاتجاهات
النفسية
بأكملها،
تقع في وهم
علمي حينما
تردم الفارق
بين (الخطأ)
الذي لا مناص
من صرامة
التأديب
عليه، وبين
أخطاء ينبغي
التهاون
فيها مادامت
لا تعكس
آثارها على
المرحلة
الراشدة إلا
إذا بولغ في
التدريب
عليها. ومع
ذلك، فنحن
نضطر إلى أن
نكرر ما سبق
أن كررناه ـ
ونكرره
لاحقاً ـ من
أن التنشئة
الطفلية
الأولى (المرحلة
المبكرة) ـ
وهي موضع
تشدد
الأرضيين ـ
لا تعكس
آثارها على
المرحلة
الراشدة، بل
إن المرحلة
الثانية (الطفولة
المتأخرة) هي
التي يمكن أن
تعكس آثارها
في نطاق
محدد، ... وإلى
أن (المرحلة
الراشدة) هي
المتكفلة في
الحالات
جميعاً
بتعديل ما
أعوج من
السلوك. وإلا
فإن التربية
الراشدة
الخاطئة أو
البعد
الوراثي
يظلان هما:
المسؤولين
عن انحراف
الشخصية
وأمراضها. وأياً
كان الأمر،
فإن الاحساس
بالذنب ـ في
ضوء
الاتجاهات
النفسية
بأكملها ـ
يظل، من حيث
مصدره
ونتيجته،
موضع تساؤل:
عن مدى جدية
ما ينطوي
عليه من
فعالية، وما
تترتب عليه
من آثار
بالغة
الخطورة على
الشخصية. فمن
حيث المصدر،
ينبغي إلغاء
التصور
الأسطوري،
لنشأة
الاحساس
بالذنب (نظرية
الجنس) من
حيث كونه
ميراثاً
فطرياً من
إنسان ما قبل
التاريخ،
ناجماً من
عمليتين (القتل)
و(الرغبة
المحارمية) ...،
أقول، ينبغي
إلغاء مثل
هذا التصور
الأسطوري،
وإبداله
بالتصور
الإسلامي
الذي يربط
بين الاحساس
بالذنب أو
مطلق الخطأ
وبين
إلهامية (الخير)
و(الشر).
فمادام
الفرد يرث بـ(القوة)
مثل هذا
الإدراك لا
يجابية (الخير)
وسلبية (الشر)،
فإنه
بالضرورة
سيتحسس خطأ
المفارقة
التي صدرت
عنه (ولسوف
نلقي ضوء
كاملاً على
صلة الاحساس
بالذنب
بالتركيبة
الإنسانية
من حيث
إلهامية
الخير
والشر، في
موقع لاحق من
هذه الدراسة). ونحن
لا نجدنا
بحاجة إلى
إعادة القول
في تبيين مدى
(التناقض) في
التصور
الأسطوري
لنشأة
الاحساس
بالذنب في
نظرية الجنس
مادمنا في
حينه قد
أوضحنا ذلك
مفصلاً. ويعنينا
هنا، أن نشير
فحسب إلى
تحديد مصدر
الإحساس
بالذنب (أيّاً
كان الاحساس:
سوياً أو
مرضياً) وأن
نصله
بإلهامية
الخير والشر
وموقعها من
عملية
التنشئة
الاجتماعية
أو الثقافة
التي تغلف
مناخ الفرد
وتنشئته. ثم،
طرائق (العلاج)
الإسلامي
لما هو (مرضي)
من الاحساس،
وما هو (سوي)
منه. ولنأخذ
بعض الأمثلة
التي اعتاد
البحث
الأرضي على
تقديمها في
هذا الصدد: خذ
لذلك مثلاً:
كراهية
الفرد للأب
بسبب
استحواذه
الجنسي، و(كبته)
للكراهية
المذكورة،
خوفاً من (العقاب)،
من خلال
الرغبة
المحارمية:
وما يستتبع
كلاً من
الكراهية
والرغبة
المحارمية
من احساس
بالذنب،
نتيجة لجهاز
القيم (الأنا
الأعلى) فيما
يقتاد الفرد
إلى جملة من
أمراض
العصاب،
ومنها: تحسسه
بالحاجة إلى
(العقاب
الذاتي)
وتلذذه بهذا
العقاب،
تكفيراً
للذنب. للمرة
الجديدة، لا
نريد
التذكير
بالتناقض
القائم بين
الذهاب إلى
أن الفرد (إنسان
ما قبل
التاريخ) قد
تحسس بـ(الخطأ)
قتل الأب،
وخطأ الرغبة
المحارمية،
وبين الذهاب
إلى أن تاريخ
ما قبل القتل
والرغبة
المحارمية،
غير مسبوق بـ(الإرث).
وإنما بدا (الإرث)
مع عملية
القتل: مما
يعني
بالضرورة أن
(الأرث) في
الحالتين
متحقق بـ(القوة)
لدى الفرد.
وإلا لم يكن
ثمة ما يدعو
إلى التحسس
بالخطأ. إننا
بغض النظر عن
التناقض
المذكور،
يمكننا ـ في
ضوء مبادئ
النظرية
الجنسية
نفسها ـ أن
نتوقع نتيجة
مضادة
للعلاج الذي
يستهدفه
التحليل
النفسي في
محاولاته
لازاحة
الاحساس
المرضي
بالذنب. فالمريض
عندما يتعرف
على مناشئ
الاحساس
بالذنب ـ في
ضوء التحليل
النفسي،
ونقله من
مخابئ
اللاشعور
إلى سطح
الشعور ـ
سيقع في
دائرة جديدة
من الاحساس
بالذنب
بدلاً من
إماتة
إحساسه
الأول
فاللاشعور ـ
وفقاً
للأسطورة ـ
إذا كان قد (كبت)
هذه الرغبة،
فإنه على
الأقل قد (خفف)
من وطأة
الاحساس بها.
وحينما يبدأ
بتسليط (الوعي)
عليها: من
خلال
التحليل
النفسي،
سيبدأ لديه
إحساس جديد
بواقع ما
تنطوي عليه
أعماقه من (رغبة)
و(كراهية)
مادام (الأنا
الأعلى) يشجب
ويستنكر (فطرياً)
مثل هذه
الرغبة
المحارمية
وكراهية
الأب. من
هنا، فإن
تسليط (الوعي)
على هذه
الظاهرة،
يساهم من
خلال
الايحاء
بواقع (الأرث)
المذكور، في
تضخيم أعراض
العصاب (ومنه:
الاحساس
بالذنب) في
حالة كون
الشخصية
مريضة. كما
انه يساهم في
توتير
الشخصية
وتأزيمها،
في حالة
كونها سوية. ولحسن
احظ ان
الاتجاهات
الأرضية
الأخرى قد
تكفلت بالرد
على النظرية
المذكورة
وما تحمله من
خطأ
وانحراف،
فضلاً عما
تسببه من
تضخيم
لأعراض
العصاب. ولعل
أبرز هذه
الردود
يتمثل في
الذهاب إلى
أن الرغبة
المحارمية
تظل من نصيب (الشواذ)،
ممن ورثوا
عصباً (منحرفاً)،
شأنهم شأن
أية شخصية (منحرفة)
ترث
الانحراف أو
البيئة
الشاذة التي
يلد
الانحراف في
نطاقها،
ومنها: بيئة
صاحب
النظرية
نفسه. اما
التصور
الإسلامي
للظاهرة
المذكورة،
فإنه من
الوضوح
بمكان كبير:
مادام هذا
التصور
ينطلق من
إلهامية
الخير
والشر،
ومادام
الزواج من (المحارم)
محكوماً
بالرفض
الحاد: وهو
رفض قائم ـ
ليس على أساس
من الالتزام
بمبادئ
تفترض
الشخصية
الإسلامية
مفروغية
الالتزام
بها فحسب ـ
بل إن المشرع
نفسه يقدم
لنا أكثر من
نموذج (فطري)
على
الكراهية
والنفور من (المحارم)،
وليس على (الرغبة)،
ومنه: ذلك
النموذج
المتمثل في (الإبن)
الذي ولدته
أمه سفاحاً
وانكرته
أمام
القضاء،
عندما طلبت
الزواج منه،
وأعلن
أمامها
بصراحة بأنه
(ينفر) منها
بسبب لا
شعوري: ثم
انكشف
الواقع
عندما أقرت
بجريمتها
عبر محاكمة
الإمام علي (ع)
إياها. إن
هذا
النموذج،
يفصح لنا عن
أن الفرد يرث
عنصر (النفور)
وليس (الرغبة)
حيال (المحارم).
وإلى أن (الرغبة)
تمثل الشذوذ
أو الانحراف
الذي طالما
نبه المشرع
الإسلامي
إلى بعده
الوراثي
والبيئي: ضمن
شروط خاصة
سبق التحدث
عنها مفصلاً
في مكان آخر
من هذه
الدراسة. وإذن:
من حيث مصدر
الاحساس
بالذنب، نجد
أن المصدر
أساساً
منتف، فيما
ينتفي معه
الاحساس
أيضاً. وهذا
يعني أن مصدر
الاحساس
بالذنب لابد
أن يتجسد في
ظاهرة أخرى
غير الظاهرة
الأسطورية
المتصلة
بالرغبة
المحارمية
وقتل الأب،
بل بظاهرة
متصلة ـ في
نظر
الاتجاهات
النفسية
الأخرى ـ
بنمط
التربية
الطفلية وما
يصاحبها من
الصرامة
والقسوة
والتزمت
ونحوه. إن
الصرامة في
تدريب الطفل
من الممكن أن
تنمي في
داخله مشاعر
الإحساس
بالذنب، لو
انحصر الأمر
في عملية (العقاب)،
دون أن تكون
مشفوعة بـ(الثواب).
أو لو انحصر
الامر في
إنماء مشاعر
النقص لديه
على نحو
يقترن
بالاحساس
بأن أخطاءه
من المتعذر
أن تتجاوز،
مادام (النقص)
يقف حائلاً
دونها. مثل
هذه المشاعر
من الممكن أن
تتنامى في
نطاق
التنشئة
المذكورة. بيد
أننا ينبغي
ألا نغفل
أولاً:
الأساس
العضوي
للاحساس
العصابي
بالخطأ، ...
كما ينبغي
الا نغفل
فاعلية (الوعي)
في المرحلة
الراشدة: وهي
فاعلية
كفيلة بمسح
كل آثار
الطفولة (في
حالة افتراض
عدم الاحساس
العضوي).
فإذا
افترضنا أن (سرقة
ما) قد تمت في
الطفولة،
وان الطفل قد
(كبت) ذلك: بما
يقترن الكبت
من احساس
بالذنب،
نتيجة
للسرقة،
وبما واكبها
من صرامة في
التأنيب على
الفعل
المذكور: حينئذ
حين ننقل
الحالة إلى
وعي الراشد:
وعندها ـ في
ضوء الوعي
الإسلامي ـ
يدرك الراشد
أن السرقة
تمت في عهد
الطفولة،
فيما لا (عقاب)
من السماء
عليها، وإلى
أن الأب أو
ولي الطفل
مطلقاً، كان
قد أخطأ في
تشدده على
الطفل: هذا (الوعي)
كاف في مسح
كل المشاعر
التي اقترنت
بالسرقة
الطفولية،
حيث يتحرر
الراشد من كل
مكبوتاته،
ويحسم الأمر. ثم:
إذا افترضنا
أن الصرامة
المذكورة قد
اقترنت بـ(كراهية
للأب): نظراً
للقسوة التي
مارسها الأب
حيال الطفل،
وانعكاسها
في كراهية لا
شعورية
للأب، وما
تستتبع هذه
الكراهية من
خوف العقاب
الذي ينزله
الأب
بالابن،
وتجسده ـ من
ثم ـ في:
إحساس
بالذنب،
نتيجة
للكراهية
المذكورة... أقول:
مع هذه
الافتراضات
جميعاً، فإن
(الوعي
الإسلامي)
للراشد،
كفيل بمسح كل
الآثار
اللاشعورية
للخبرة
المذكورة.
فالراشد
سيدرك أن (الأب)
كان حريصاً
على تنشئته
إسلامياً: بل
حتى مع
افتراض خطأ
الأب، فإن
الراشد
سيدرك إخلاص
الأب في
قسوته
المذكورة. بل:
حتى مع
افتراض عدم
اخلاص الأب،
فإن إدراك
الراشد
لوظيفته
حيال الأب،
كاف بمسح
آثار
الكراهية له. إذن:
يتلاشى لدى
الراشد أي
إحساس
بالذنب،
لمجرد وعيه ـ
إسلامياً ـ
بأن الطفولة
لا عقاب
عليها، وبأن
قسوة الأب
يتسامح
حيالها.
مادامت
السماء
تطالب
باحترامه.
وعندها
يتحرر
الراشد من
خبراته
المؤلمة
تماماً. بقي
أن نشير إلى
أن بعض بحوث
الأرض عندما
تصل بين
مصادر
الاحساس
بالذنب
ونتائجه،
وعندما تشدد
على
استتلائه:
الحاجة إلى
عقاب الذات،
فإنها لا تقف
عند هذا
العرض ولعل
عصاب (الحصر)
و(القهر) أو "التسلط
القهري" يظل
أشد أشكال
العصاب صلة
بذلك. ونظراً
لخطورة هذا
العصاب من
جانب،
وضرورة
تحديد صلته
بمصادره
الحقيقية من
جانب آخر، ...
يتعين علينا
أن نقف عنده،
ونحدد
التصور
الإسلامي
حيال
الظاهرة
المذكورة. يتمثل
عصاب (التسلط
القهري) في:
تسليط (أفكار)
معينة على
ذهن المريض
بحيث لا يقوى
على
مقاومتها. أو
تسليط (لفظي)
لبعض
المفردات
والتراكيب،
أو سلوك (عملي)
مثل: القيام
ببعض
الأفعال. ويعد
هذا (التسلط)
افصاحاً عن
الحاجة إلى
عقاب الذات:
بصفة أن
التسلط هو (إنزال
عقاب) بها
يخفض المريض
ـ من خلاله ـ
أحاسيسه
اللاشعورية
بالذنب. والحق:
ان الاقتناع
بوجود الصلة
بين عصاب
التسلط وبين
الاحساس
بالذنب، يظل
غير مصحوب
باليقين
العلمي:
مادامت
الظواهر
النفسية
متشابكة
الأصول من
جانب، وذات
صلة كبيرة
بالأساس
العضوي لها
من جانب آخر. إن
النصوص
الإسلامية
طالما تشير
إلى ظاهرة
مرضية تطلق
عليها اسم: (الوسوسة).
كما تحفل هذه
النصوص
بوقائع
معينة، تشير
من خلالها
إلى بعض
النماذج
المرضية في
ممارسات
العمل
العبادي. هذا
فضلاً عن
إننا طالما
نشاهد
أفراداً
تغلفهم
السمة
المذكورة،
فيما تبدو
وكأنها على
صلة بعصاب
التسلط، من
نحو تطهير
اليد أو
الملبس أو
المكان عدة
مرات، ومن
نحو تكرار
النية أو
الوضوء،
وسواهما. إن
مثل هذه
الممارسات،
تشير النصوص
الإسلامية
إلى طابعها
المرضي،
وتعفي
الأشخاص من
تحمل
مسؤولية ذلك. بيد
أن السؤال:
هل ثمة من
صلة حقاً بين
الأفعال
القهرية
المذكورة،
وبين
الاحساس
بالذنب؟ إننا
إذا اخذنا
الاحساس
بالذنب "بمعناه
العبادي لدى
الراشد"
فحينئذ،
يكتسب مثل
هذا
الاحساس،
طابعاً
إيجابياً
كما سنرى ذلك
في موقع آخر
من هذا
الدراسة.
وإذا أخذنا
بنظر
الاعتبار إن
النصوص
الإسلامية
قد تربط بين
عقاب السماء
على الخطيئة
وبين (الأمراض)
التي تصيب
الشخصية،
إلا أنها لا
تصيب المؤمن
بعقله، لأن
الإصابة
العقلية،
إصابة بدينه
أيضاً.
والتائب
الراشد يظل
بمنأى عن
الاحساس
المرضي
بالذنب، مما
يعني أن (الإصابة
العقلية) لا
تمسه بأية
حال. إلا إذا
افترضنا إن
إصراره على
الخطيئة هو
الذي يستنزل
(العقاب)
عليه. وحينئذ
يكون الذنب
مرتبطاً
بمرحلة
الرشد وليس
بمرحلة
الطفولة،
لأن الطفولة
ـ كما مر ـ لا
عقاب عليها.
هذا فضل عن
أن أبحاث
الأرض تربط
بين الطفولة
وانعكاساتها
اللاشعورية،
وليس بين
مرحلة الرشد
وانعكاساتها.
كل أولئك
يعني أن
الصلة بين
ممارسة
الذنب ـ في
طفولة
الشخصية أو
رشدها ـ وبين
استتلائها
عقاب السماء
متمثلاً في (عصاب
التسلط
القهري،
ومنه:
الوسوسة) لا
يمكن تصوره ـ
إسلامياً ـ
مادام الذنب
طفولياً لا
عقاب عليه،
ومادام ـ في
مرحلة الرشد
ـ لا يعقبه
الندم، أي لا
يعقبه إحساس
بالذنب: لأن
غير التائب
لا يتحسس
بالذنب حتى
يستجره إلى
المرض
المزعوم، بل
يجيء المرض
في حالة
انعدام
الاحساس
بالذنب، مما
يستجر
عقاباً من
السماء
نتيجة
لاصرار
الشخصية على
ممارسة
الذنب. إذن:
لا صلة
اطلاقاً بين
الاحساس
بالذنب (بمعناه
العبادي)
وبين عصاب
التسلط
القهري، بل
تنحصر الصلة
في انعدام
الاحساس
المذكور،
متمثلاً في (عقاب)
تنزله
السماء على
الشخصية
التي تمارس
ذنوباً لا
تندم عليها.
واما الذنب
الطفولي،
فإن وعي
الراشد كاف
بازاحة
مكبوتاته
كما مر. وخارجاً
عن ذلك، فإن
عصاب (التسلط)
يظل مرتبطاً
بالأساس
العضوي، أي:
اصابة المخ،
أو مرتبطاً
بخبرات
طفلية
متشابكة، لا
يمثل
الاحساس
بالذنب إلا
جزء منها (وهو:
الاحساس
المرضي
الصرف، وليس
الاحساس
بالذنب
بمعناه
العبادي). ولحسن
الحظ، أن
صفاً كبيراً
من الأطباء
العقليين
يصلون بين
عصاب
التسلط،
وبين أساسه
العضوي،
فيما لاحظوا
ظاهرة (التسلط)
مصحوبة عند
بعض
الأطفال،
بالاضطراب
في المخ، مما
يعزز الذهاب
إلى ان
التسلط في
كثير من
حالاته ذو
أساس عضوي،
لا أنه ذو
أساس نفسي
صرف. ومع
ذلك فنحن لا
ننفي أصوله
النفسية،
بقدر ما ننفي
صلته
بالاحساس
بالذنب
بمعناه
العبادي. أما
الاحساس
بالذنب
بمعناه
الأرضي، أو
بمعناه
المرضي الذي
يعني:
الاحساس
بالخطأ،
نتيجة
الصرامة
والقسوة
اللتين
تهجنان كل
تصرفات
الطفل: بما
في ذلك
تصرفاته
التي لا تشكل
(خطاءً)
بمفهومه
الأرضي أو
الإسلامي،
فهذا ما لا
يمكن
إنكاره،
وامكان
انسحابه ـ لا
شعورياً ـ
على سلوك
الراشد،
ومنه: التسلط
القهري من
هنا، فإن
النصوص
الإسلامية (في
ميدان
العلاج) لا
تربط بين
الوسوسة (وهو
أحد أشكال
التسلط)،
وبين أحاسيس
الذنب
بمعناها
العبادي، بل
تصوغها
عرضاً
مرضياً من
الممكن
تجاوزه من
خلال (الوعي)
بسمته
المرضية.
فنحن نقرأ
أمثال هذه
التوصيات: "الشيطان
خبيث معتاد
لما عود.
فليمض أحدكم
في الوهم".[1] "إذا
تطيرت، فامض".[2] "إذا
كثر عليك
السهو فامض".[3] لاشك
أن أمثال هذه
التوصية، لا
تكشف عن درجة
(المرض) الذي
يغلف صاحبه،
بقدر ما تفصح
أن المرض
يشكل حالة
خفيفة أو
حادة،... لكنه
ـ في الحالات
جميعاً ـ من
الممكن
تجاوزه من
خلال (تسليط
الوعي) ـ
وليس من خلال
استحضار
مفاهيم
التحليل
النفسي. ومما
لاشك فيه
أيضاً، أن
المرض
المذكور لو
كان على صلة
بأحاسيس
الذنب أو
نحوها،
لأشارت
النصوص
إليه،
ولقدمت (علاجاً)
يتناسب
والأحاسيس
المذكورة،
بينما اكتفت
بالإشارة
إلى طابعه
المرضي
فحسب، دون
الإشارة إلى
دلالته
اللاشعورية
أو
الشعورية،
وأهمية هذه
أو تلك في
ميدان
العلاج. إن
الاحساس
بالنقص،
والاحساس
بالذنب
بدلالتيهما
المرضيتين،
يظلان أبرز
أشكال (التقدير
السلبي
للذات). ولعل
(الرثاء
للذات)
بعامة، يظل
هو المظهر
المحدد لأية
نظرة سلبية
ينسجها
الفرد حول
ذاته: سواء
أكان الرثاء
للذات، أو
الاشفاق
عليها،
مرتبطة
بأحاسيس
النقص، أو
أحاسيس
الذنب، أم
كان مرتبطاً
بسواه من
أشكال
النظرة
السلبية لـ(ذاتها)،
وتحديد ما هو
(مرضي) منه،
وما هو (صحي)
منه. التصورات
الأرضية،
تمتلك
إدراكاً
أحادي
الجانب في
نظرة الفرد
عن نفسه: من
حيث رثاؤه
لذاته. وهذا
التقويم
السلبي
للذات، يظل
حاملاً
طابعه
المرضي. أما
التصور
الإسلامي،
فإنه يمتلك
تفسيراً
ثنائياً
لهذه
الظاهرة. التفسير
الأول هو:
اكساب
التقدير
السلبي
للذات طابع (المرض)،
في حالة كونه
تقديراً
قائماً على
جملة من
السمات
العصابية من
نحو: الشك
والتردد
والاستسلام
والتبعية
والجبن
والتهويل
وما إليهما
من أنماط
السلوك الذي
طالما نبهت
النصوص
الإسلامية
إلى طابعه
المرضي. وقد
مرت بنا جملة
من
التصنيفات
الإسلامية
للعصاب،
فيما كانت
تنسب مفردات
السلوك التي
أشرنا
إليها، إلى
المرض، فيما
لا حاجة إلى
اعادة
الكلام فيها. والتصورات
الأرضية
تلتقي مع
وجهة النظر
الإسلامية
في هذا النمط
من النظرة
السلبية
التي ينسجها
الفرد حول
ذاته. بيد
أن نمطاً آخر
من التقويم
السلبي
للذات، هو
الذي ينفرد
التصور
الإسلامي
به، ويكسبه
طابعاً
صحياً، فيما
تظل الأرض
غائبة عنه
تماماً. هذا
التصور، يرى
إلى أن
نظرتنا لـ(ذواتنا)
ينبغي أن
تكون (سلبية)،
راثية
للذات،
مشفقة
عليها،
متحسسة
بقصورها ...،
ولكن: ليس من
حيث العمل
الوظيفي
للذات، بل من
حيث تفاعلها
مع السماء،
ومع
الآخرين، في
ميدان
المهمة
الملقاة
عليها. ولنقرأ
أولاً هذا
النص للإمام
علي بن
الحسين (ع):
مخاطباً (الله)
سبحانه
وتعالى: "لا
ترفعني في
الناس درجة،
إلا حططتني
عند نفسي
مثلها. ولا
تحدث لي عزاً
ظاهراً إلا
أحدثت لي ذلة
باطنة عند
نفسي بقدرها".[4] هذا
النص يطالب
السماء بأن
تدع المرء
ينسج نظرة
سلبية حول
ذاته، ... بأن
يتحسس (الذل)
و(الحطة)،
بدلاً من
الاحساس
بالرفعة. طبيعي،
إن الإحساس
بالذل
والحطة إذا
أخذناه
بدلالته
الأرضية، أو
بدلالته
المرضية
التي يقرها
المشرع
الإسلامي من
حيث صلته
بالجهاز
النفسي
للشخصية... هذا
النمط من
الاحساس يظل
ذا طابع
عصابي كما هو
واضح. فأنت
حينما تتحسس
ذاتك وكأنك
عديم
الكفاءة
حيال انجاز
عمل ما، أو
حيال
التعامل مع
الآخرين، ...
حينئذ يكون
تقديرك
السلبي
لذاتك،
تقديراً
مرضياً. ولنضرب
مثالاً على
ذلك: لنفترض
انك كلفت
بهمة
التدريس، أو
الالتحاق
بدائرة
رسمية، أو
القيام
بمهمة
سياسية...
حينئذ،
سيكون
تقديرك
السلبي لـ(ذاتك)
مرضياً
حينما تتحسس
بعدم
الجدارة أو
الكفاءة
بانجاز ما
أؤكل إليك:
من نحو أن
يصيبك الخجل
أو الخوف من
عملية
التدريس، ...
ومن نحو أن
تقدم رجلاً
وتؤخراً
أخرى في
الالتحاق
بالدائرة
الرسمية،
خوفاً من
الاخفاق في
التعامل مع
الآخرين ...،
ومن نحو أن
يصيبك
التلعثم، أو
اصفرار
اللون أو
حمرته، أو
الاضطراب
بعامة،
عندما تجلس
على مائدة
التفاوض مع
الآخرين... فالخجل،
أو الخوف،
وما
يصاحبهما من
الاضطراب
اللفظي
والحركي،
ناجم ـ كما
هو واضح ـ من
النظرة
السلبية
التي نسجتها
حول (ذاتك)،
وهي نظرة
مريضة قائمة
على احساسك
بعدم
الكفاءة، ...
على احساسك
بالدونية
والحطة
والضعف
والتبعية
والذل. هذا
النمط من
الاحساس
المريض، يظل
متميزاً عن
نمط آخر من
الاحساس
السلبي حيال
(الذات)
حينما تتحرك
من صعيد آخر
هو: التعامل
مع السماء،
بل حتى
التعامل مع
الآخرين،
وهو: تعامل
أشار إليه
الإمام (ع)
حينما طالب
الفرد بأن
ينسج نظرة
سلبية عن
ذاته، نظرة (الحطة)
و(الذل). إن
الحطة أو
الذل في
سياقهما
العبادي،
يظل سمة (صحية)
وليس (مرضية)
عندما يتحسس
المرء بهما
حيال (واجبه)
الذي رسمته
السماء على
هذه الأرض. والفارق
بين
الاحساسين:
الصحي
والمرضي،
يتحدد بوضوح
عندما
نخضعهما
لمعيار نفسي
(يقره علم
النفس
الأرضي
بدوره) ألا
وهو مبدأ (تقبل
الواقع). هذا
المبدأ،
طالما تشير
إليه توصيات
الأرض في حقل
الصحة
النفسية،
فيما تطالب
التوصيات
بأن يتقبل
الفرد ذاته
بقدر حجمها،
لا أن يبالغ
في خلع
التقدير
عليها أكثر
مما هي عليه. وحين
ننقل هذا
المبدأ
الأرضي (وهو
مبدأ صائب)
إلى حقل
التعامل مع (الله)،
أو مع
الآخرين: من
خلال (المهمة
العبادية)
التي
أوكلتها
السماء
إلينا...
حينئذ ندرك
دلالة ما
أشار الإمام
(ع)، من
الاحساس
بالحطة
والذل، فيما
يجسدان مبدأ
(تقبل الواقع)،
أو مبدأ (التقدير
الحقيقي
للذات). إن
مبدأ (تقبل
الواقع) و(التقدير
الحقيقي
للذات)،
يفرضان على
الشخصية أن
تنسج نظرة
راثية،
مشفقة على (ذاتها)،
... نظرة (الذل) و(الحطة)
لحجم (الذات)
قبال مبدع
الكون، ...
قبال (المهمة)
التي تخوفت
الكائنات
الأخرى من
تحمل
نتائجها،
بينما
تحملها
الكائن
الآدمي: (إنا
عرضنا
الأمانة على
السموات
والأرض
والجبال
فأبين أن
يحملنها
وأشفقن منها
وحملها
الإنسان إنه
كان ظلوماً
جهولاً). فهذه
الآية تحسم
الموقف
بوضوح،
حينما تربط
بين أداء (الأمانة)
أو (الخلافة)
أو (المهمة
العبادية)، (وبين
قصور
الإنسان في
الاضطلاع
بمهمته. وواضح،
إن (الذات
الإنسانية)
ضئيلة
الحجم،
ذليلة،
منحطة: قبال (الله). وحينما
ينسج المرء
نظرة ذليلة
عن ذاته حيال
(الله)، يكون
حينئذ قد
انطلق من
المبدأ أو
المعيار
الصحي الذي
اشرنا إليه (وأقرته
تصورات
الأرض) إلا
وهو مبدأ (تقبل
الواقع) أو (التقدير
الحقيقي
للذات)، أي:
ان هذا النمط
من الاحساس
بحطة (الذات)
وذلتها،
يكتسب
طابعاً
صحياً، على
العكس من
الاحساس
بعدم
الكفاءة
النفسية في
مواجهة (التدريس)
مثلاً، أو
الالتحاق
بدائرة، أو
القيام
بانجاز
العمل الذي
يمارسه
الآدميون:
وفاقاً
لامكانات
طبيعية
أودعتها
السماء في (ذواتهم). وهذا
كله، فيما
يتصل بحجم (الذات)
قبال (الله). اما
فيما يتصل
بالتقدير
السلبي
للذات، حيال
(الالتزام)
بمبادئ
السماء، فإن
الأمر محكوم
بالطابع
نفسه. لنقرأ
هذا النص
للإمام موسى
بن جعفر (ع)،
في مخاطبته
لبعض ولده: "يا
بني عليك
بالجد، ولا
تخرجن نفسك
عن حد
التقصير في
عبادة الله
عز وجل
وطاعته. فإن
الله لا يعبد
حق عبادته".[5] إن
هذه الفقرة
الأخيرة (فإن
الله لا يعبد
حق عبادته)
مفصحة عن
دلالة ما
ألمحنا
إليه، من
مبدأ (تقبل
الواقع) و(التقدير
الحقيقي
للذات)،
فمادام الله
لا يعبد حق
عبادته،
فحينئذ لا
مناص من
الاحساس
بالقصور في
حجم العمل
العبادي
الذي يتوفر
المرء عليه
قبال (الله). من
هنا، فإن أي
اكساب للذات
يكبر عن
حجمها
الحقيقي يظل
عرضاً
مرضياً
بالنحو الذي
تقره بحوث
الأرض نفسها. ومن
هنا أيضاً،
ندرك
الدلالة
المرضية لأي
تقدير زائف
للذات من
خلال النهي
الذي تشدد
النصوص
الإسلامية
عليه، من نحو
قوله (ع): "لا
تستكثروا
كثير الخير"[6]. فإن
استكثار
كثير الخير،
يعني: إن
الشخصية
تنسج
تقديراً
إيجابياً
لذاتها، ...
وهذا
التقدير
الإيجابي لا
واقع له إلا
في ذهن (المريض)،
بصفة أنه ـ
أي المريض ـ
يبالغ في
تقديره
لذاته،
ويمنحها
حجماً أكبر
من واقعها.
بينما يظل
تقديرها
السلبي
للذات،
مفصحاً عن (سوية
الشخصية)
لأنها بهذا
التقدير
السلبي
اكسبت (الذات)
حجمها
الحقيقي. والأمر
نفسه،
يمكننا أن
نسحبه على
شتى أنماط
النشاط الذي
تصدر
الشخصية
عنه، فيما
تطالبنا
النصوص
الإسلامية
بأن ننسج عن (ذواتنا)
نظرة سلبية،
مشفقة،
راثية،
متحسسة
بالقصور: حتى
حيال
ممارسات
الآخرين. ونعني
بممارسات
الآخرين:
نظرتنا عن (ذواتهم)
من خلال
نظرتنا عن (ذواتنا). فالنصوص
الإسلامية
تطالنا ـ
مثلاً ـ في
حالة رؤيتنا
لشخص يكبرنا
سناً، ...
تطالبنا بأن
نقول
لأنفسنا: لقد
سبقنا
بحسناته. وفي
حالة رؤيتنا
لشخص يصغرنا
سناً،
تطالبنا
النصوص بأن
نقول: لقد
سبقناه
بالسيئات
مثلاً. وواضح
من خلال هذه
التوصية
أنها
تطالبنا بأن
ننسج نظرة
سلبية عن
ذواتنا في
الحالتين:
سواء أكنا
قبال شخص
يكبرنا سناً
أو يصغرنا، ...
وإن ننسج
نظرة
إيجابية عن
ذوات
الآخرين:
سواء أكانوا
يكبروننا
سناً أو
يصغرون. والسر
في ذلك، إن
النظرة
السلبية عن
ذواتنا قبال
نظرتنا
الإيجابية
عن ذوات
الآخرين،
تظل مرتبطة
بنفس
المعيار
الصحي الذي
رسمه المشرع
للشخصية
الإسلامية
في ضرورة
احساسها
بالقصور،
والرثاء
للذات،
والاشفاق
عليها،
مادامت لم
تقم حق
القيام
بالمهمة
العبادية
الملقاة
عليها قبال
السماء مهما
توفرت على
العبادة
الحقة. بيد
أن السؤال
يثار على هذا
النحو: إذا
لم يستطع
الكائن
البشري أن
يضطلع
بالعبادة
الحقة، فلم
ينسج نظرة
سلبية عن
ذاته،
وينسجها
ايجابية عن (الآخرين)؟
مع أن
الكائنات
الآدمية (أنا
والآخر)
متماثلة في
القصور؟
الاجابة على
هذا السؤال
تتحدد
بوضوح، حين
نأخذ بنظر
الاعتبار أن
التوصية
المذكورة
تظل موجهة
إلى الكل، أي:
إلى أن ينسج
كل منا نظرة
سلبية عن
ذاته، لا، أن
(الآخرين)
معفوون عن
تقدير
ذواتهم
سلبياً: مع
ملاحظة أن
تقويمنا
للآخرين لا
يعني أنهم
مارسوا
المهمة
العبادية
على الوجه
الأكمل،
بقدر ما يعني
أنهم قدموا
انجازاً
عبادياً
أكبر حجماً
من انجازنا. وتتحدد
أهمية هذا
التقدير
السلبي
للذات قبال
تقديرنا
الايجابي
للآخرين، في
ضرورة
التدريب على
تحسيس
أنفسنا
بالقصور حتى
لا نقع في
دائرة (العجب)
الذي سبق أن
تحدثنا عنه
مفصلاً في
حقل (التقدير
الاجتماعي). طبيعي،
من الأهمية
بمكان، أن
نضع فارقاً
بين التقدير
الذاتي
وصلته
بتقدير
الآخرين من
حيث سلامة
الجهاز
النفسي،
وبين ذينك
التقديرين
من حيث
الإدراك
العبادي. إن
علماء النفس
المعنيين
ببحوث (الشخصية)
وبخاصة:
البحوث
بالمتصلة
بنظرية (الذات)،
طالما
يربطون بين
نظرة
الشخصية
لذاتها،
ونظرتها
للآخرين،
ونظرة
الآخرين
عنها. ومع
أن الدراسات
التي أجريت
في هذا
الصدد، لم
تستطع أن
تثبت علاقة
ارتباطية
بين (الثلاثية)
المذكورة
بحيث يمكن
تعميمها على
الحالات
بأجمعها، ...
إلا أن
المتيقن
وجود صلة بين
نظرة الفرد
على ذاته،
وانسحابها
على
الآخرين،
وانسحاب
نظرة
الآخرين
عليه. فإذا
افترضنا أن
شخصية ما،
تتقبل
ذاتها،
فإنها
ستتقبل
الآخرين،
وسيتقبلها
الآخرون
أيضاً. ومع
أنه من
المتيقن
أيضاً،
امكانية أن
تتقبل
الشخصية
ذاتها، ولا
تتقبل
الآخرين أو
تتقبلهم
ولكن لا
يتقبلونها...
إلا أنه من
المتيقن أن
تتقبل الذات
يسحب أثره
على تقبل
الآخرين على
الأقل، دون
أن نشترط
تقبل
الآخرين
للشخصية
أيضاً. فالشخصية
المتسامحة
أو المرنة
مثلاً،
حينما تتقبل
ذاتها،
وتحكم على
ذاتها
بالمرونة أو
التسامح،
ستتقبل
الآخرين
أيضاً،
وتحكم على
ذواتهم
بالمرونة من
خلال نظرتها
عن ذاتها.
والعكس هو
الصحيح
أيضاً. لكننا
حين ننقل هذه
الحقيقة
النفسية إلى
صعيد العمل
العبادي،
فإن الأمر
يأخذ مساراً
آخر في عملية
التقدير
للذات،
مادام الأمر
مرتبطاً
بالقصور
الحقيقي
حيال
الالتزام
بمبادئ
السماء، أي:
مادام الأمر
مرتبطاً
بمبدأ (تقبل
الواقع) أو (التقدير
الحقيقي
للذات) فيما
يتعين على
الفرد أن
ينسج نظرة
سلبية عن
ذاته، دون أن
تحدثه نفسه
بأن يسحب
النظرة
المذكورة
على
الآخرين،
ودون أن
تحدثه نفسه
بأن يقوم
ذاته
إيجابياً
قبال تقويمه
الايجابي
للآخرين، أو
تقويمهم
الإيجابي
لذاته. إذن:
نخلص مما
تقدم، إلى أن
التقدير
الذاتي لدى
الشخصية
الإسلامية،
يكتسب نمطين
من التقدير،
أحدهما:
يكتسب طابع
المرض،
والآخر: طابع
السوية. ويتمثل
الطابع
المرضي
للاحساس
السلبي
بالذات، من
حيث عدم
الكفاءة
والجدارة،
والشك،
والتردد،
والاستسلام
والخوف
والتبعية
والتهويل
وما إليها من
السمات
المرضية
التي تشل
الفرد عن
ممارسة عمله
الاعتيادي
في الحياة.
وعلى العكس
من ذلك، فإن
التقدير
الإيجابي
للذات،
يكتسب طابع
السوية،
حينما تتحسس
الشخصية
بكفاءتها. والتصور
الأرضي
يلتئم مع
التصور
الإسلامي في
هذه الظاهرة.
ويفترق
التصور
الإسلامي عن
بحوث الأرض
في نمط آخر
من التقدير
السلبي لـ(الذات)
في نطاق
تعاملها مع
السماء
ومبادئها،
فيما يظل مثل
هذا التقدير
السلبي
غائباً عن
علم النفس
الأرضي،
بسبب من
غيابه عن
السماء
أساساً. وهو
تقدير تكتسب
سلبيته طابع
الصحة
النفسية في
ضوء المعيار
الأرضي
نفسه، معيار
(تقبل الواقع)
أو (التقدير
الحقيقي
للذات)، أي:
واقع الذات
في ضآلتها
قبال خطورة
السماء. من
الدوافع
التي يدرجها
علماء النفس
ضمن قائمة
الدوافع هو: "الحاجة
إلى الأمن". ومن
البيّن، إن (الحاجة
الأمنية) من
الممكن
تصورها في
ظواهر ثلاث
هي: الأمن
إلى الحياة،
الأمن
النفسي،
الأمن
الحيوي.
طبيعي فإن (الأمن
الحيوي)
يندرج ضمن
الأصول
البيولوجية:
الطعام،
الشراب،
الصحة ... الخ:
حيث تشكل
حاجات
مستقبلة لا
مناص من
اشباعها
بغية
استمرار
الكائن
الآدمي. أما
(الأمن
النفسي)،
فيشكل بدوره
حاجة ملحة ـ
لا تصل إلى
ما هو حيوي
لكنها قد
تشكل فاعلية
أشد منه ـ
مادامت
مرتبطة من
جانب بتدفق
ما هو حيوي:
فالسجين
مثلاً يضطرب
اشباع
حاجاته
للنوم
والطعام. كما
انه ـ من
جانب آخر ـ
يؤثر في
اشباع
حاجاته إلى
حرية التحرك:
من انتماء
إلى
الآخرين،
وانتزاع
الحب
والتقدير
منهم، بل:
ممارسة
الحرية
أساساً، مما
يفقد ـ مع
فقدانه
للحرية ـ
معنى وجوده
أساساً. كما
ان المنبوذ
اجتماعياً،
أو المحاط
بأعداء
يتربصون به
السوء ... أو ...
أو الخ...
يتعرض
توازنه
الداخلي
لتوتر شديد
من الصعب
تحمله عادة،
مما قد
يقتاده حتى
إلى
الانتحار
مثلاً. وأما
الحاجة إلى
الحياة،
فإنها تشكل ـ
كما هو واضح
ـ قمة
الحاجات
الإنسانية. فالآدميون
(بغض النظر
عن
الاحباطات
التي
يواجهونها)
يحسون
بالحاجة على
الحياة حتى
في حالات
المرض
والجوع
والشدائد
النفسية،
مما يعني أن
الحاجة
المذكورة:
تشكل القمة
من هرم
الحاجات
الإنسانية. وواضح،
إن الحاجة
المذكورة لو
لم تكن بمثل
هذا
الالحاح،
لفقد
الإنسان
معنى وجوده
أساساً،
ولانتفى كل
نشاط باحث عن
اشباع
الحاجات
الأخرى. ومع
ذلك فإن (الحاجة
إلى الحياة)
من الممكن،
أن يمسحها
الإنسان من
ذاكرته في
حالتين: حالة
الانتصار
للقيم
العقلية
التي يؤمن
بها (مثل:
الموت من أجل
حرية البلد
الذي ينتمي
إليه). أو
حالة تفاقم
مرضه النفسي
حينما
يقتاده إلى
الانتحار. ويهمنا،
من الحاجات
الأمنية
المذكورة،
ملاحظة كل من
التصور
الأرضي
والإسلامي
حيالهما،
ومدى
الفارقية
بين
التصورين في
هذا الصدد. ونقرر
سلفاً بأن (الحاجة
إلى الأمن
الحيوي) سوف
لن نتعرض له
في هذا الحقل
مادمنا نفرد
له حقلاً
خاصاً من
الدراسة، ...
ومادمنا قد
أوضحنا
سابقاً بان
الحاجة
المذكورة
تظل مجرد (وسيلة)
في التصور
الإسلامي،
لـ(غاية)
معينة هي (العبادة
أو الخلافة
في الأرض)
حيث يظل
البحث عنها
في نطاق ما
هو ضروري،
فحسب فيما
يفصل الحديث
عنه لاحقاً. وتبقى
(الحاجة إلى
الأمن
النفسي) و(الحياة)
موضع
معالجتنا
الآن. أوضحنا
(عبر حديثنا
عن الدافعين:
الانتماء
الاجتماعي
والتقدير
الاجتماعي)
إن الشخصية
الإسلامية
تفترق عن
الشخصية
الأرضية في
إلغائها
لأهمية
التقديرين
المذكورين،
مادامت
تعوضهما
بانتماء إلى
السماء
وبتقدير
منها، مما
يعني أنها
ليست بحاجة
إلى أية (حماية)
نفسية من
الآخرين. بيد
أن هذا لا
يعني أن (الحماية
النفسية) أو (الأمن
النفسي) لا
يشكل لديها (حاجة)
بقدر ما يعني
أن تحديد هذه
(الحاجة)
يصحبه تصور
خاص مختلف عن
التصور
الأرضي له. ويمكننا
ـ في البدء ـ
أن نقرر
أهمية مثل
هذه الحاجة
ومشروعيتها
في التصور
الإسلامي،
متمثلة في
النص التالي
للإمام علي
بن الحسين (ع):
قال (ع) في
الوثيقة
النفسية
التي سنعرض
لها في مكان
آخر من هذه
الدراسة،
ونعني بها:
الوثيقة
التي ترسم
مبادئ الصحة
النفسية في
خطوطها
العامة وهي
دعاء "مكارم
الأخلاق": "اللهم
صل على محمّد
وآل محمد.
وأبدلني من
بغضة أهل
الشنآن
المحبة. ومن
حسد أهل
البغي
المودة. ومن
ظنة أهل
الصلاح
الثقة. ومن
عداوة
الأدنين
الولاية. ومن
حقوق ذوي
الأرحام
المبرة. ومن
خذلان
الأقربين
النصرة. ومن
حب المدارين
تصحيح المقة.
ومن ردّ
الملابسين
كرم العشرة.
ومن مرارة
خوف
الظالمين
حلاوة
الأمنة". هذا
النص يتضمن
تسع حاجات
أمنية هي:
الأمن أو
الحماية من
الحاقدين،
والحساد،
والمتهمين،
وعداوة
الأدنين،
وقطيعة ذوي
الأرحام،
وخذلان
الأقارب،
والحب
الزائف،
والقسوة،
والظلم. إن
هذه الحاجات
التسع تبدو
وكأنها
حاجات
فعلاً، تحس
الشخصية
المسلمة
بأهمية
توفرها: فهي
تطالب بأن
يحبها
الآخرون
بدلاً من
الحقد
عليها،
وتطالب بأن
يوادها
الآخرون
بدلاً من أن
يحسدوها،
وان يحسنوا
بها الظن
بدلاً من
توجيه التهم
إليها، وإن
يواليها
ويبرها
وينصرها:
الأدنون
وذوو
الأرحام
والأقرباء:
بدلاً من
العداوة
والقطيعة
والخذلان،
وأن تعيش
بمنأى عن
الأذى الذي
يلحقها بها
الظالمون:
السلطة أو
أية جماعة أو
فرد يعرضها
للأذى. أكثر
من ذلك: فإن
الشخصية
الإسلامية
لا تحس
بالحاجة إلى
الحماية أو
الأمن من أذى
الآخرين
فحسب، بل
تطالب بأن
تنتصر على (الآخرين)
أيضاً: وهذا
ما يجسد قمة
الحاجة إلى
الأمن
النفسي. ولنتابع
دعاء مكارم
الأخلاق،
حيث يضيف إلى
الحاجات
الأمنية
التسع
المذكورة،
تسع حاجات
أخرى، تطالب
بالانتصار
على الآخرين.
ولنقرأ: "اللهم
صلّ على
محمّد وآل
محمّد: واجعل
لي يداً على
من ظلمني.
ولساناً على
من خاصمني.
وظفراً بمن
عاندني. وهب
لي مكراً على
من كايدني.
وقدرة على من
اضطهدني.
وتكذيباً
لمن مقتني.
وسلامة ممن
توعدني.
ووفقني
لطاعة من
سددني.
ومتابعة من
أرشدني. ونحن
إذا
استثنينا
الحاجتين
الأخيرتين (الطاعة
والمتابعة
للمسدد
والمرشد)،
حينئذ نواجه
سبع حاجات
تطالب
جميعها
بالانتصار
على القوى
المهددة
لأمن
الشخصية.
فالشخصية
الإسلامية (من
خلال حاجتها
إلى الأمن)
لا تكتفي
بالمطالبة
بابدال ما
يهدد أمنها،
بل تطالب
بالانتصار
على القوى
المهددة
أيضاً. إنها
لا تريد أن
تأمن شرور
الظالمين
فحسب، بل
تطالب بأن
تكون لها يد
على
الظالمين
أيضاً. وكل
أولئك يعني ـ
بما لا لبس
فيه ـ إن
حاجتها إلى
الأمن أو
الحماية لا
أنها مشروعة
فحسب بل إنها
ملحة. والسؤال
هو: كيف يمكن
أن نوفق بين
ذهابنا إلى
أن الشخصية
الإسلامية
لا تحس
بالحاجة إلى
(الحماية) من
الآخرين (كما
قررنا عند
الحديث عن
الانتماء
والتقدير
الاجتماعيين)،
وبين ذهابنا
إلى مشروعية
وإلحاحية (الحاجة
إلى الحماية)؟. إن
أدنى تأمل في
هذا الصدد،
يحسم الموقف
بوضوح حينما
نقرر بأن
المطالبة
بتوفير (الأمن)
لم يكن ـ في
حد ذاته ـ
غاية أو
هدفاً: كما
هو شأن البحث
الأرضي الذي
يقرر أهمية
مثل هذه
الحاجة،
مادامت
متصلة
بتوفير
الحياة التي
لا يملك
البحث
الأرضي
سواها،
وإنما تظل
المطالبة
بتوفير
الأمن ـ في
التصور
الإسلامي ـ
مرتبطة بهدف
آخر: ليس هو
الحياة من
أجل الحياة،
بل: الحياة
من أجل (الهدف
العبادي أو
الخلافي في
الأرض). فلكي
يتوفر
للشخصية
الإسلامية
مناخ ملائم
لتحقيق
ممارساتها
العبادية،
يتعين حينئذ
(دافع الأمن)
لديها
مادامت
القوى
المهددة
لاستقرارها،
تحتجزها عن
متابعة
العمل
العبادي في
شروطه
الملائمة،
لأن ذلك نابع
من مجرد
الحاجة إلى
توفير (الأمن)،
ولو كان
الأمر كذلك
لما كان
للمطالبة
بتحمل
الشدائد
ومواجهة
مختلف
الاحباطات،
والتضحية (حتى
بالعمر من
أجل الله)
أية دلالة من
التوصيات
الإسلامية. إذن:
(الدافع إلى
الأمن) لدى
الشخصية
الإسلامية،
يفترق
تماماً عن (الدافع
إلى الأمن)
لدى الشخصية
الأرضية. الشخصية
الإسلامية
تستثمر (الحاجات
الأمنية)
مجرد وسيلة
لهدف آخر هو (الممارسة
العبادية). أما
الشخصية
الأرضية،
فإن حاجتها
إلى الأمن
تظل (هدفاً)
بذاته. ويترتب
على هذا
الفارق أن أي
تهديد لأمن
الشخصية
الأرضية،
يفقدها
توازنها
الداخلي،
ويفقدها
دلالة
الحياة
أساساً: حتى
تقع في نهاية
المطاف في
وهدة المرض
النفسي أو
تقدم (في
الحالات
المرضية
الشديدة) على
الانتحار. أما
الشخصية
الإسلامية
فلا يعنيها
أي تهديد
لأمنها،
مادام الأمر
مجرد "وسيلة"
إلى غاية:
ففي حالة
التهديد
الفعلي، مثل:
إيداعها في
السجن، أو
مطاردتها،
أو تضييق
الخناق
عليها، أو
محاربتها
بشتى
الوسائل
النفسية، ...
في مثل هذه
الحالات
تحتسب
الشخصية ذلك
من أجل الله،
وتعده
واحداً من
مختلف
الاحباطات
التي
تواجهها في
الحياة
العابرة،
معوضة ذلك
بثمن آخر هو:
الثواب
الأخروي،
وانتزاع
التقدير من
الله،
والتثمين
للحقيقة
الموضوعية
التي تنطوي
عليها قيمة (السماء)
في حد ذاتها. وإذا
كان الأمر
فيما يتصل بـ(الحاجات
الأمنية)
محكوماً
بهذا
الطابع، فإن
الحاجة
الأخرى
ونعني بها:
الحاجة إلى
الحياة أو
دافع الحياة
يظل محكوماً
بالطابع
ذاته أيضاً.
وهو أمر
يتطلب
مزيداً من
التفصيل. إذن:
فلنتجه
لمعالجة
الدافع
المذكور: من
الحقائق
التي لا
يتناقش فيها
اثنان، ان (الدافع
إلى الحياة)
يظل أشد
الدوافع
إلحاحاً في
تركيب
الشخصية. وبالرغم
من أن بعض (علماء
الأقوام)
يحاول نفي
فطرية هذا
الدافع عند
بعض الرهوط
أو الأفراد،
إلا أن نفيه
في الواقع
يعد تعبيراً
عن اثباته
عند أولئك
الرهوط أو
الأفراد. ولعل
ظاهرة (الانتحار)،
أو التضحية
بالعمر
يعدان
مظهراً
يرتكن
الباحثون
إليه بعامة
في التدليل
على عدم
فطرية
الدافع
المذكور. بيد
أنه من
الواضح (فيما
يتصل
بالانتحار)
أن الاقدام
عليه هو مظهر
آخر من الحرص
على (الحياة)
في الواقع.
فالمنتحر (وهذا
ما تكشفه
الوثائق
وتجارب
الحياة
اليومية)
إنما يقدم
على العملية
المذكورة:
نظراً
لبلوغه
مرحلة (اليأس)
من اشباع
حاجاته مما
يفصح عن أن (حرصه)
على الحياة،
و(إلحاحية)
هذا الدافع
لديه هو الذي
يقتاده إلى (الانتحار).
وبكلمة
جديدة: إن (الانتحار)
هو الوجه
الآخر من (الحاجة
إلى الحياة). واما
(التضحية
بالعمر) من
أجل (القيم)
فيعد بدوره
تعبيراً عن (الدافع
إلى الحياة)
أيضاً، ولكن
من خلال
اشباع (اللذة
العقلية)
التي قلنا
انها أشد
فاعلية من (الدوافع
البيولوجية)
بالرغم من أن
هذه الدوافع
أشد إلحاحاً. بيد
أن ما يعنينا
من هذا كله:
أن نحدد حجم
هذا "الدافع
إلى الحياة"
بعامة: سواء
أكان ذلك في
نطاق ما هو
مألوف، أو ما
هو شاذ.
وسواء أكان (الشذوذ)
مرضياً كما
هي ظاهرة (الانتحار)،
أم سوياً كما
هو: الاقدام
على الموت من
أجل القيم. يعنينا
من هذا أن
نعالج
الظاهرة في
ضوء التصور
الأرضي
والإسلامي
لها،
وملاحظة
الفارق
الكبير بين
كل منهما في
حقل الصحة
النفسية. ولنتقدم،
إلى التصور
الأرضي،
أولاً: الشخصية
الأرضية لا
تملك إلا
مساحة محددة
هي (الأرض)،
وإلا زماناً
محدداً هو (عمر)
الشخصية.
وكلاهما (الزمان
والمكان)
يشكلان معنى
(الحياة) في
ذهنها. وطبيعي،
مادام
التركيب
الآدمي
قائماً على
مبدأ (البحث
عن اللذة)،
فإن (الحياة)
تظل هي
المجال الذي
تتحرك فيه
لتحقيق
الاشباع. من
هنا، لا مناص
لها من
التشبث بـ(الحياة)،
وتحقيق فرص
الاشباع
فيها: حسب
الظروف التي
تفرض عليها
حجماً
معيناً من
الاشباع. وفي
حالة (التصعيد:
أي، التضحية
بالعمر) فإن (البديل)
الذي تملكه
شخصية الأرض
هو (الإنسان
الآخر) حيث
تحقق
بتأجيلها
اللذة،
إشباعاً
للإنسان
الآخر. وخارجاً
عن التصعيد،
أو الانتصار
للقيم
العقلية،
فإن شخصية
الأرض إما أن
تختار مبدأ (الخنوع):
كأن تستسلم
لأي مصدر
يحقق
اشباعها،
كما هو الحال
في الخنوع
السياسي
مثلاً. أو
تتجه إلى (العدوان)،
متمثلاً في
السيطرة
السياسية. إذن:
ثمة خيارات
ثلاثة تواجه
شخصية الأرض
في تحقيق
دلالة
الحياة
عندها:
الاتجاه
الخانع،
الاتجاه
العدواني،
الاتجاه
الإنساني. وواضح،
ان الاتجاه
الأخير،
عندما يلغي
دافع الحياة
من ذهنه،
فإنه يلغيه
من أجل (الإنسان
الآخر) ـ كما
قلنا، مما
يعني أن "الإنسان
الآخر" يظل
بدوره
سجيناً في
نفس الدائرة
(دائرة
الحياة: في
زمانها
ومكانها
المحددين)،
وهي دائرة لا
مناص من
اشباعها
بالضرورة،
وإلا لانتفى
معنى (الحياة)
من الذهن. وهذا
ما يمكن أن
يحدث في
الاتجاهات
العابثة
والممردة:
حيث يجيء (الانتحار)
تتويجاً
للاحساس
بعبث الحياة
ولا
معقوليتها،
أي: يجيء
التضحية
بالعمر (ليس
من أجل
الإنسان
الآخر)، بل:
تعبيراً عن
الرفض
للحياة
مادامت لم
تحقق
اشباعاً
عقلياً لدى
هذا الرهط أو
الأفراد. وخارجاً
عن هذه
الدلالة
الفلسفية أو
العقلية،
فإن رفض (الحياة)
يجيء عند
البعض:
احتجاجاً
على عدم
الاشباع
لحاجات "المنتحر":
كأن تسوء
صحته إلى
درجة لا تطاق
مثلاً، أو
يفقد عزيزاً
أثيراً
لديه، أو ... أو
... الخ. ومن
الواضح، إن
الخيارات
الثلاثة:
الانتحار،
أو الخنوع،
أو العدوان:
تشكل خيارات
مريضة لا
تقرها
الاتجاهات
العيادية في
علم النفس
مادامت لا
تتحمل
الاحباط
ونتائجه،
ومادامت
عاجزة عن
التكيف
السليم مع
الحياة. ومن
هنا، فإن
الخيار
الوحيد الذي
تملكه شخصية
الأرض (في
الحالات
السوية) هو: (الموت
من أجل
الآخرين) حيث
يشكل هذا "الخيار"
قمة التأجيل
للذة، وهو
الاتجاه
الإنساني
قبال
الاتجاهات
المتمردة أو
الخانعة أو
العدوانية. بيد
أن الاتجاه
الإنساني
ذاته، يفقد
دلالته ـ في
واقع الأمر ـ
مادام
دائراً في
حلقة ترتد
إلى (الإنسان)
نفسه: أي،
الفرد
الباحث عن
الاشباع
المحدود في (الحياة
العابرة). وبكلمة
أخرى: إن
الشخصية
الأرضية
حينما (تضحي
بالعمر) من
أجل (الآخرين)،
فإنها لم
تصنع شيئاً
إلا من أجل
تحقيق
الاشباع (الإنسان
الآخر) وهذا (الإنسان
الآخر) إما
أن يدور في
حلقة مفرغة (كان
يضحي بعمره
من أجل
الآخرين: دون
أن يحقق لهم
إشباعاً)
وإما أن يحقق
لهم إشباعاً
فعلياً. لكن
السؤال يظل
قائماً: هل
إن الاشباع
الفعلي من
الممكن
تحقيقه في
ضوء احباطات
الحياة
وضغوطها؟ إن
تجربة الأرض
منذ ميلادها
وحتى
اللحظات
المعاصرة
التي
نحياها،
تدلنا بوضوح:
أن تحقيق
الاشباع (وفق
المبادئ
التي تضحي
الشخصية
بعمرها من
أجل
الانتصار
لها) أمر لم
يتحقق بنحوه
السليم طوال
التاريخ كله. وهذا
يعني أن (الإنسان
الآخر) الذي
يضحى بالعمر
من أجله، إما
أن يدور في
حلقة مفرغة:
كل واحد:
يضحي من
حياته من أجل
(آخرين)
يضحون
بحياتهم
أيضاً: دون
أن يتحقق
الاشباع، ...
وإما أن يتجه
الآخرون إلى
الخيارات
الأخرى:
الخنوع أو
العدوان أو
التمرد. إذن:
كل
الاتجاهات
الأرضية بما
فيها (الاتجاه
الإنساني)
تظل عبر
بحثها عن
تحقيق (الدافع
إلى الحياة):
إما أن تحقق
اشباعاً
قائماً على (الخنوع)،
أو اشباعاً
قائماً على
العدوان)، أو
اشباعاً
قائماً على
قيمة عقلية
متمردة،
يائسة (الانتحار)،
أو اشباعاً
قائماً على
قيمة عقلية
لا جدوى فيها
(مادامت تدور
في دائرة
مفرغة) في
اختيارها
للموت بدلاً
من الحياة. وهذا
كله ناجم ـ
بطبيعة
الحال ـ من
طبيعة (الحاجة
أو الدافع
إلى الحياة)
في مساحتها
المحددة من
المكان،
وسنواتها
المحددة من
الزمان،
فيما لا تملك
شخصية الأرض
سواها، مما
يضطرها (بطبيعة
التركيبة
الآدمية
القائمة على
البحث عن
اللذة)، إلى
اشباع مريض
هو الخنوع أو
العدوان، أو
فقدانها
للحياة
أساساً (الانتحار
والتضحية)
دون أن تحقق
الاشباع
للإنسان
الآخر. إن
عزلة الأرض
عن السماء،
تقف وراء
اختيارها
لبدائل
الأربعة
المريضة: فهي
بحكم كونها
لا تفقه
شيئاً سوى
هذه (الحياة
العابرة)،
مضطرة إلى
الوقوع في
أحد البدائل
أو الخيارات: لكننا
حين نتجه إلى
التصور
الإسلامي
للظاهرة،
فإن المشكلة
تحسم
أساساً،
حينما نجده ـ
أي التصور
الإسلامي ـ
يضع المساحة
(الأخروية)
في اعتباره،
قبل كل شيء،
جاعلاً منها
(هدفه)
الرئيس في
هذا الصدد.
أما المساحة
الدنيوية (الحياة)
فلا تشكل
لديه إلا (وسيلة)
تتوكأ
الشخصية
عليها
بمثابة (جسر)
إلى الآخرة. من
هنا تفتقد
هذه (الوسيلة)
قيمتها التي
يتشبث بها
الأرضيون.
فالأرضيون
يكرسون كل
جهودهم من
أجل الوصول
إلى (غاية) هي:
إشباع
حاجاتهم، أو
ما تسميه لغة
الأرض بـ(السعادة). هدف
الأرضيين هو:
إسعاد
الإنسان في
هذه الأرض. وطبيعي،
حينئذ، أن
تكون أعلى
قيم الأرض هو
(التضحية
بالعمر)، من
أجل سعادة (الآخرين)
في هذه
الحياة
المحددة،
وأن يكون ما
عداها اما
خنوعاً من
أجل
الاشباع، أو
عدواناً من
أجله أيضاً،
أو انتحاراً
بسبب عدم
تحقيق
الاشباع:
وكلها
ممارسات
مرضية
بإقرار علم
النفس
العيادي
ذاته. واما
التضحية
بالعمر
مادامت
تقتاد ـ
بالضرورة ـ
الآخر إلى
أحد
الاتجاهات
الثلاثة، أو
إلى الدائرة
المفرغة،
فحينئذ تظل
عملاً بلا
دلالة: وهو
قمة انتكاسة
الأرض. أما
الشخصية
الإسلامية،
فمادامت
الحياة
لديها (وسيلة)
أو (جسراً)
إلى حياة
أخرى، فإنها
غير مضطرة
اطلاقاً إلى
أحد
الخيارات
الأربعة: فلا
تضطر إلى (الخنوع)
في اشباع
حاجتها إلى
الحياة
مادامت تملك
(سواها) في
الدار
الآخرة. كما
لا تضطر إلى (العدوان)
للسبب ذاته،
ولأنها
محظور عليها
أي بحث عن
السيطرة
والاستعلاء
والتفوق،
إنها لا تبغي
علواً ولا
فساداً في
الأرض حسب
الآية
الكريمة
التي ذكرت: وللسبب
ذاته لا تقدم
على
الانتحار:
مادامت (الحياة)
لا تشكل
هدفاً لديها
في غمرة
بحثها عن
الاشباع (الأخروي). وأما
(التضحية
بالعمر) أو
الموت،
فمحكومة
بالطابع
نفسه: مادام
الموت
فراقاً
موقتاً
تتبعه حياة
جديدة في
الدار
الآخرة، بل
إنها تستبشر
بالموت أو
الشهادة (من
أجل الله)
ليقينها
تماماً بفوز
الآخرة. طبيعي:
يثار السؤال
التالي: كيف
يمكن حل
التضارب
القائم بين (الدافع
إلى الحياة)
بما يستتبعه
من مختلف
المتع التي
وفرتها
السماء
للآدميين:
بما فيها
متعة (الحياة)
ذاتها، فيما
نلحظ حرص
المشرع
الإسلامي
على توفيرها
حرة، كريمة،
آمنة، وفيما
نلحظ النصوص
المطالبة ـ
على لسان
الآدميين ـ
بتحقيق
اليسر
والرخاء
والسرور
بدلاً من
العسر
والشدة
والمرض... الخ. لاشك،
إن (الرغبة
إلى الحياة)
في نطاق عام
تشكل دافعاً
ملحاً كل
الإلحاح فطر
الآدميون
عليه. بيد أن
المشرع حدد
طرائق خاصة
لاشباع
الدافع
المذكور في
ضوء (المبادئ
الموضوعية)
التي طولبوا
بها. وهو أمر
لا يضاد
الرغبة
المذكورة
كما هو واضح.
فالمشرع
يطالب
الشخصية
بألا تلحق
الأذى
بنفسها، ...
يطالبها بأن
تصارع
الشدائد
والمرض
والموت: بل
حتى أدنى
الاذى من نحو
مطالبته
بعدم ممارسة
الصلوات
المندوبة في
حالة
احساسها
بالملل
مثلاً، بل
تعفيها من كل
ممارسة لا
تطيقها. كل
أولئك
يدلنا، على
أن المشرع
حريص كل
الحرص على
توفير أشد
المتع
اشباعاً لها. بيد
أنه في الآن
ذاته، يرسم
طرائق
الاشباع وفق
مبادئ خاصة:
قد تحقق
فعلاً أشد
المتع
اشباعاً في
نطاق ظروف
خاصة تتهيأ
لهذه
الشخصية أو
لتلك، وقد لا
تحقق
الاشباع في
نطاق ظروف
أخرى. من
هنا تجيء
مبادئ (تأجيل
اللذة)
معياراً
عاماً يرسمه
المشرع لكل
الآدميين:
حتى يطفئ في
أعماقهم (في
حالات
الاحباط) أي
اشباع عابر
تنشده
الشخصية.
مثلما يرسم
المشرع (الدافع
إلى الحياة)
محكوماً
بنفس الطابع:
طابع (تأجيل
اللذة) حينما
يرسمها
متاعاً
عابراً، أو
وسيلة لحياة
أخرى. إذن:
من الممكن أن
تحقق
الشخصية
الإسلامية
اشباعاً لـ (دافع
الحياة)،
مثلما يمكن
ألا يتحقق
الاشباع
المذكور، ...
لكنها في
الحالتين
تظل الشخصية
مشدودة إلى
اشباع أخروي
يعوضها عن (الحياة)
في حالة (زهدها)
بها أو في
حالة
مواجهتها
للشدائد. يترتب
على ذلك، ان
أي اشباع
تنشده
الشخصية
خارجاً عن
نطاق (المبادئ)
المرسومة في
هذا الصدد،
يظل بحثاً
زائداً عن
الحاجة،
وليس (دافعاً)
لا مناص من
اشباعه كما
هو شأن
التصور
الأرضي. من
هنا، ندرك
أهمية
المبدأ الذي
قرره أهل
البيت (ع)
حينما
أوضحوا، أن: "حب
الدنيا رأس
كل خطيئة".[7] فالباحث
عن متعة (الحياة)
من أجل
الحياة (كما
هو شأن الأرض)،
يضطر إلى
ممارسة أي
سلوك يحقق
الاشباع
لديه، على
نحو ما فصلنا
الحديث عنه
في الخيارات
الأربعة
التي
يواجهها. أما
الشخصية
الإسلامية،
فإنها (في
حالة انعدام
وعيها) ستقع
في نفس
المفارقة،
أو الممارسة
المريضة، أو
الخطيئة
التي تتوعد
السماء بها. أما
في حالة
وعيها التام
بالحقيقة
المذكورة،
فإن (الحياة)
تنطفئ في
أعماقها
تماماً:
وعندها
تنطفئ
الممارسة
المريضة (الخطيئة)
بدورها. والكلمة
الأخيرة: إن
(الحياة) في
التصور
الإسلامي،
ترتبط
بحقيقة
واحدة فحسب،
لعلها تشكل
أقوى
الدوافع أو
الحاجات
حينما ترتبط
بالمهمة
الخلافية في
الأرض، أي:
حينما تدرك
الشخصية
الإسلامية
دلالة
وجودها في (الحياة). من
هنا، فإن
الإمام
علياً (ع)
ألفت
انتباهنا
إلى أهمية (الحاجة
إلى الحياة)
حينما قال
عنها: "الدنيا
دار صدق لمن
صدقها. ودار
عافية لمن
فهم عنها.
ودار غنى لمن
تزود منها.
ودار موعظة
لمن اتعظ بها:
مسجد أحباء
الله، ومصلى
ملائكة
الله، ومهبط
وحي الله،
ومتجر
أولياء
الله، ..." الخ. فالعافية،
والغنى،
والتجارة
وسواها تظل (حاجات)
و(دوافع) لا
يمكن تحقيق
إشباعها إلا
في نطاق
الممارسة (الحياتية):
مادامت
تقتاد ـ في
نهاية
المطاف، ليس
إلى الاشباع
الموقت (في
نطاق الوعي
بحقيقة
الحياة)
فحسب، بل إلى
الاشباع
الدائم في
نطاق الحياة
الآخرة، وهو
اشباع لا
حدود له. لعل
النشاط الذي
يعنى به علم
النفس
الأرضي فيما
يتصل
بالحاجة إلى
(المسالمة)
أو الحاجة
المضادة لها:
(العدوان)،
لعل هذا
النشاط
يستأثر
بأهمية لا
توازنها
أهمية
النشاط
المتصل
بالحاجات أو
الدافع
الأخرى،
مادامت
غالبية
أنماط
السلوك تتصل
ـ من قريب أو
بعيد ـ بهذا (الدافع). إن
الحقد
والحسد
والغيرة ـ
على سبيل
المثال ـ تعد
(مظاهر)
داخلية
للحاجة إلى (العدوان).
كما أن الحرب
والتنافس
والكلام
الجارح: تعد
مظاهر (خارجية)
للحاجة
المذكورة.
يستوي في ذلك
أن يكون
المظهر (حركياً)
أو (لفظياً).
حتى أنه
يمكننا أن
نصنف كل أو
غالبية
أنماط
السلوك: بما
فيه من (أمزجة)
و(سمات)
ومفرداتها
من: كذب
وخيانة
وخديعة وشتم...
و... و... الخ،
يمكننا أن
نصنفها ضمن (العدوان).
وما
يقابلها،
ضمن (المسالمة). من
هنا، نجد أن
كثيراً من
الباحثين
يتبعون هذا
التصنيف
الثنائي
للدوافع أو
الحاجات، أو
ـ على الأقل
ـ يدرجون
سائر
الدوافع أو
الحاجات
المختلفة،
ضمن هذا
التصنيف
الثنائي
العام. والحق
أن مثل هذا (التصنيف)
الثنائي
للحاجات،
يظل على صلة
كبيرة بواقع
التركيبة
الآدمية،
وهو أمر
يتوفر
المشرع
الإسلامي
على فرز
خطوطه: لكن
ضمن صياغة
خاصة،
متميزة عن
التصور
الأرضي
للتصنيف
المذكور. إن
بحوث الأرض
حينما تتوفر
على دراسة
هذا الجانب (المسالمة
والعدوان)،
تنطلق من
تصورات
مختلفة فيما
يتصل بـ(فطرية)
هذا الدافع
أو (اكتسابيته)،
وبامكان (تعديله).
مثلما
تتفاوت في
تحديد
أسبابه
وعلاجه. فثمة
اتجاه يرى
إلى أن
الكائن
الآدمي (مسالم)
في طبيعة
تركيبه كل ما
في الأمر أن "البيئة"
بما تكتنفها
من (ثقافة)
منحرفة هي
التي تنمي
لديه نزعة (العدوان). ثمة
اتجاه ثان:
يرى إلى
الكائن
الآدمي (صفحة
بيضاء) من
الممكن أن
تحولها (التنشئة)
إلى (مسالم
أو عدواني).
ثمة اتجاه
ثالث: يرى أن (الاحباط)
هو السبب في
انماء
النزعة (العدوانية)،
فمادامت
حاجات
الإنسان لم (تشبع)
بشكل يحقق
توازنه
الداخلي،
فإنه مضطر
إلى أن
يستجيب
للظواهر
استجابة (عدوانية)
مادامت تقف
حائلاً دون
الاشباع. يواكب
هذا
الاتجاه،
اتجاه لا
يقصر الأمر
على الاحباط
أو عدمه أو
درجته وصلة
ذلك
بالعدوان،
بل يجد ـ
أساساً ـ أن
عجز الإنسان
عن اشباع
حاجاته،
وإلى
مفروغية (الاحباط)،
يضطره إلى (العدوان):
بصفته
استجابة
حتمية
للاحباط. على
أن أشد
الاتجاهات (مفارقة)
هو: الاتجاه
الذاهب إلى
أن (العدوان)
يمثل حاجة أو
دافعاً (فطرياً)
يرثه الكائن
الآدمي بـ(الفعل). وفي
نطاق هذا
الاتجاه،
هناك من
يجعله
واحداً من "دوافع"
متنوعة تتصل
بشتى أنماط
السلوك، ومن
يجعله (شطراً)
واحداً من
دافعين
رئيسين
يطيعان سلوك
الإنسان:
شطره الأول
هو: غريزة
الموت، فيما
يظل (العدوان)
مظهر هذه
الغريزة
الأخيرة: (غريزة
الموت). وهذا
كله فيما
يتصل
بالتصورات
الأرضية
لظاهرة (العدوان).
أما التصور
الإسلامي
للظاهرة،
فإنه من
الوضوح
بمكان كبير،
مادمنا قد
أوضحنا في
حينه، أن
الكائن يرث
بـ(القوة)
مبادئ (الشهوة
والعقل) أو (الذات
والموضوع) أو
(الخير والشر)،
وإلى أن
عملية (التأجيل)
التي
يمارسها في
بحثه عن
اللذة هي
التي تترجم (القوة)
إلى (فعل)
إيجابي هو (المسالمة)،
وعدمه (أي:
عدم التأجيل)
هو الذي
يترجم (القوة)
إلى (فعل)
سلبي هو: "العدوان". وقد
أوضحنا في
حينه أيضاً،
أن هذا
المبدأ
الثابت في
تركيبة
الإنسان من
الممكن في ظل
ظروف أو شروط
خاصة أن يطرأ
عليه (التغيير)
بحيث تصبح (النزعة
العدوانية)
ذات طابع (فطري)
ترثه
الشخصية بـ(الفعل):
لأسباب سبق
شرحها
مفصلاً. ولعل
النصوص التي
قدمها
الإمام
الصادق (ع) عن
الأفراد أو
الرهوط
الذين يرثون
(أصولاً
غادرة) ـ
فيما منع
الإمام (ع)
التزويج منه
ـ لعل هذه
النصوص التي
سبق الوقوف
عندها (في
حديثنا عن
الوراثة
والمحيط)،
تلقي انارة
كافية على
الظاهرة. بيد
أن ذلك كله،
يظل (استثناء)
للقاعدة،
وليس مبدأ
عاماً يسم
البشر
بأجمعهم (كما
هو تصور بعض
الاتجاهات
الأرضية)،
إنه يمثل ـ
كما أوضحنا ـ
وراثة (طارئة)،
وليس وراثة (ثابتة)،
انه يمثل (انفاراً)
أو (رهوطاً)
بأعيانهم:
تضافرت جملة
من الأسباب
على تطبيعهم
بالسمة
المذكورة. وخارجاً
عن ذلك، فإن
القاعدة تظل
متسمة
بوراثة (نقية)
عن اية شائبة
من (عدوان). بيد
أن ما نعتزم
التشدد عليه
في هذا
الصدد، هو أن
(العدوان)
يظل أشد
مظاهر (الشهوة)
أو (الذات) أو (الشر)
بروزاً
بالقياس إلى
المظاهر
الأخرى. ولعل
هذا (البروز)
هو الذي دفع
أحد
الباحثين
بأن يجعل (العدوان)
أحد شطري
السلوك، على
نحو لا مناص
من صدور
البشرية
عنه،
متمثلاً في
سلوك (فردي)
هو: مرض
الشخصية،
وفي سلوك (جمعي)
هو: الحرب...
مثلما دفعه
إلى أن يصنفه
إلى عدوان
مباشر باليد
أو باللسان
أو بأية
حركة، وإلى
عدوان غير
مباشر (مثل:
الدعابة،
وفلتات
اللسان، و...
الخ)، بل
دفعه إلى أن
يصور (العدوان)
متجهاً
حيناً نحو (الخارج)
وهو العدوان
المألوف:
وحيناً نحو (داخل
الشخصية)
نفسها فيما
يطلق على ذلك
مصطلح (الماسوشية
وهي: التلذذ
بتعذيب
الذات) قبال
العدوان نحو
الخارج فيما
يطلق عليه
مصطلح (السادية:
وهي: التلذذ
بتعذيب
الآخرين). إن
ما لا مناقشة
فيه، أن يظل (العدوان)
أبرز مظاهر
السلوك "الشهوي"
"الذاتي" "الشرير"،
وإلى أنه يقف
وراء غالبية
الأنماط أو
مفردات
السلوك ـ كما
سنرى، لكنه
لا يمثل ـ (إرثاً)
فطرياً من
جانب، كما لا
يرتبط
بالمفاهيم
التي ينطلق
الباحث
الأرضي
الذكور منها
في تفسيره
للسلوك. وخارجاً
عن ذلك، فإنه
(أي العدوان)
يظل ـ مثلما
قلنا ـ أشد
أنماط
السلوك (الشهوي)
بروزاً من
جانب، وإلى
أنه يقف وراء
غالبية
أنماط أو
مفردات
السلوك (الشهوي)
من جانب آخر. وبإمكاننا
أن نتعرف على
الحقيقتين
المذكورتين،
إذا أدركنا:
أولاً: ان (ايذاء
الآخرين) هو
المظهر
الأشد
بروزاً لكل
سلوك (شهوي).
فالممارسات
الشهوية (الفردية)
الصرف مثل:
الشراهة في
الطعام، أو
المال، أو
الجنس أو
اللهو... الخ،
انما تعكس
آثارها على (الذات)
الشخصية،
دون أن تمتد
إلى (ايذاء
الآخرين).
اما
الممارسات
الشهوية
المرتبطة بـ(الآخرين)،
فإن
انعكاسها
عليهم، يظل
أمراً من
الوضوح
بمكان كبير.
فالقتل أو
التجريح، أو
السب، أو
الإهانة، بل:
الحقد على
الآخرين
بعامة،
والحسد
منهم، تظل
أنماطاً (عدوانية)
أشد بروزاً
من الأنماط
الأخرى
المتصلة
بالبحث عن (التفوق)
أو (الاستطلاع)
أو... أو... الخ. ثانياً:
إن غالبية
مفردات
السلوك، تظل
وراء (النزعة
العدوانية)
بنحو واضح:
فالاعتداء
باليد أو
السلاح، أو
باللفظ من
نحو: الغيبة
والاستماع
إليها،
والافتراء،
والشتم
والاهانة
والمزاح،
وبالحركة
مثلاً:
السخرية
باليد،
والشفاه،
والعيون،
والمحاكاة
بعامة،
وبالممارسات
الخارجية
مثل: الغش
والخديعة
والهجران
والسرقة و...
الخ، كل
أولئك يظل
مشكلة
غالبية
السلوك
اليومي الذي
تمارسه
الشخصية
الأرضية أو
غير
الملتزمة:
فيما تضؤل
أمامها ـ من
حيث الكم ـ
الممارسات
الأخرى غير
العدوانية. ومن
هنا يمكننا،
أن ندرك سر
التوصيات
الإسلامية
الحائمة على
هذا المظهر
من السلوك:
بصفته أشد
أشكال الذات
بروزاً،
وأضخم
المفردات
رقماً. بل
يمكننا أن
ندرك صلة (الشخصية)
بالآخرين:
فيما يشدد
المشرع
الإسلامي
عليها من
خلال مبدأ (الحب،
وقضاء
الحوائج) حيث
يمثلان
الدلالة
الوحيدة
المشروعة ـ
في التصور
الإسلامي ـ
لصلة
الشخصية
بالآخرين،
وإلا فإن (الآخرين)
ـ كما لحظنا
ـ ملغون من
حساب
الشخصية
التي تتعامل
مع السماء. إن
مبدأ (حب
الآخرين) و(قضاء
حوائجهم)
يمثلان
الطرف
المضاد
تماماً،
لطرف (العدوان)
أو (الحقد)...
فيما يعني:
إن غالبية
مفردات
السلوك (الاجتماعي)
الذي يرسمه
المشرع
للشخصية في
تعاملها مع (الآخرين)،
هذه
المفردات
بأكملها أو
بغالبيتها
قائمة على
التدريب على
نبذ (العدوان):
لأن (الحب)
يعني بوضوح (المسالمة)
بدلاً من (العدوان،
كما ان قضاء
حوائج
الآخرين
يعني بوضوح:
إن الشخصية (تحب)
الآخرين
فتقضي
حاجاتهم، أي:
أنها (مسالمة)
حيالهم، لا
أنها (معادية)
لهم. إذن:
كل أنماط
السلوك
الاجتماعي
أو غالبيته
قائمة على
طرفي (المسالمة)
أو (العدوان)،
فيما نخلص
منه إلى
أهمية تنظيم
الدافع
المذكور،
ونعني به (الدافع
إلى
المسالمة)
بدلاً من (الدافع
إلى العدوان). ومن
هنا، فإن
المشرع
الإسلامي،
يظل ـ في
توصياته
ملحاً على
مستويات شتى
من (التنظيم)
للدافع
المذكور،
متمثلاً في
معالجته لكل
مفردة من
مفردات
السلوك: بغية
ازاحة (النزعة
العدوانية)
من الأعماق
وابدالها
بالنزعة
المسالمة:
اشاعة الحب
في الآخرين،
واشباع
حاجاتهم. إن
الفارق بين
التصور
الإسلامي
لنزعتي "المسالمة"
و(العدوان)
وبين بعض
تصورات
الأرض، أن
الأخيرة
منها (أي: بعض
الاتجاهات
الأرضية)
حينما تجعل (العدوان)
وكأنه (فطري)،
إنما تقلل ـ
إن لم تمسح ـ
فرص ـ
التوازن
الداخلي
والخارجي
للإنسان. والغريب
إن هذه
الاتجاهات
تطالب بـ(الحب)
وتجعله
معياراً
للشخصية
السوية قبال
الشخصية
العصابية من
نحو مقولة
أحدهم في
تحديد
الشخصية
السوية،
أنها هي التي
(تُحِب
وتُحَب)، (فرويد)
لكنه في الآن
ذاته يقرر
مفروضية
العصاب
الفردي
والجمعي (الأمراض
والحروب)
مادام (العدوان)
يشكل نزعة
فطرية لا
مناص من صدور
الإنسان
عنها. والغريب
أيضاً، أن
ثمة باحثة
معروفة (هورني)
تطالب
مثلاً،
بالرد على
العدوان
لأنه يساهم
في خفض
التوتر من
الأعماق؛ في
حين يطالب
المشرع
الإسلامي
بالعفو،
والتسامح:
لازاحة
البقايا من
الأعماق... وكم
هو الفارق
بين اتجاه
أرضي يوحي
بأن الازاحة
العدوانية
غير ممكنة،
أو على الأقل:
يمكن
تخفيفها
فحسب، أو
تحويلها ـ من
خلال عمليات
التسامي ـ
إلى نشاطات
مقبولة
اجتماعياً،
أو أن
ممارسته
أحياناً
يخفض من
توترات
الفرد، كم هو
الفارق بين
مثل هذا
الاتجاه
الذي يساهم
في تدمير
الإنسان
وتوتيره،
وبين
الاتجاه
الإسلامي
الذي يطالب
بالحب،
ويجعله
أساساً
ثابتاً في
علاقة
الإنسان
بالآخرين من
نحو اشاعته
مبادئ عامة
في الحب مثل:
المؤمنون
اخوة، وإلى
أنهم كأعضاء
الجسم إذا
اشتكى منه
عضو تداعت له
سائر
الأعضاء، ...
ومثل
مطالبته
بقضاء حوائج
البعض
الآخرين،
ومثل
مطالبته
بالتزاور
بينهم،
والتودد إلى
الآخرين،
ومداراتهم،
والإصلاح
بين
المتنازعين
فيما بينهم،
والصفح عن
المسيء
منهم، و... و...
الخ. ولحسن
الحظ ـ كما
أشرنا في
مكان آخر من
هذه الدراسة
ـ أن رائدي
الاتجاه
الأرضي
المذكور لا
يملك تصوراً
عملياً
ثابتاً في
مراحل حياته
التي شهدت
تقلبات
متنوعة في
نظراته،
مثلما كان
مريضاً أقر
بنفسه على
ذلك في
مذكراته،
فضلاً عن أنه
استقى
تجاربه من
بيئة منحرفة
شاذة أشار
إليها مؤرخو
حياته. خلاصة
القول:
التصور
الإسلامي
لدافعية (العدوان
والمسالمة)،
يحسم الموقف
حينما
يخضعهما
لمجرد (ميراث
بالقوة)،
وإلى أن (التدريب)،
على (المسالمة)
كفيل بمسح
أية شائبة
عدوانية
تفرضها
التنشئة
المنحرفة،
حتى ليتحول
الأمر ـ في
نهاية
المطاف ـ كما
أشار النبّي
(ص) ـ إلى أن
المداومة
على فعل
الخير (ومنه:
التدريب على
الحب) يستتبع
كراهية الشر
(ومنه:
النزعة
العدوانية)
بحيث تصاغ
الشخصية
مسالمة،
محبة تنفر من
(العدوان) لا
أنها تصدر
عنه. |
|