2 ـ مرحلة الطفولة المتأخرة  

مرحلة النمو في الطفولة المتأخرة

3 ـ المرحلة الراشدة

4 ـ مرحلة المراهقة

المرحلة الثانية

أو الطفولة المتأخرة

هذه المرحلة، فيما تسمى بالمرحلة الابتدائية أيضاً، تشكل الشطر الآخر من الطفولة: فيما حددها المشرع الإسلامي بسبع أو ست سنوات على اختلاف في النمو عند الأطفال على النحو الذي سبق الحديث عنه.

وقد اكسب المشرع الإسلامي، هذه المرحلة عناية بالغة المدى، مؤكداً طابعها (التعلمي)، بعد أن كانت المرحلة الأولى موسومة بطابع (اللعب).

وقد بلغ من تشدد المشرع الإسلامي على هذه المرحلة، إلى الدرجة التي يمكن أن تصبح أساساً يتأثر به سلوك الشخصية لاحقاً. بل إن بعض النصوص رتبت على هذه المرحلة آثاراً حاسمة بنحو يمكن أن نستشف من خلاله: أن سلوك الشخصية اللاحق سيتوقف نهائياً على نمط التنشئة التي يواجهها الصبي في هذه المرحلة.

يقول (ع):

"ألزمه نفسك سبع سنين: فإن أفلح، وإلا فإنه لا خير فيه".[1]

إن التلميح، إلى أنه "لا خير فيه" يعني بوضوح: أن التنشئة إذا لم تفلح في تطبيع الصبي على السلوك الإيجابي، فإن استصلاحه يبقى في حكم المتعذر حينئذٍ.

وطبيعي، فإن مثل هذا التشدد على المرحلة الثانية من الطفولة، يكشف عن أهمية التنشئة فيها، دون أن يعني بالضرورة أنها مرحلة حاسمة كل الحسم: فوعي الشخصية الراشدة وتنوع التجارب والعظات، والإلحاح في التوجيه: هذه جميعاً تساهم دون أدنى شك في عمليات التعديل للسلوك عند الشخصية الراشدة. بيد أن الإمام (ع) حينما شدد بهذا النمط من اللغة، إنما أرد لفت انتباهنا إلى خطورة هذه المرحلة، حتى لتصل إلى الدرجة التي يمكن في بعض الحالات أن تتطبع الشخصية على نمط التنشئة التي واجهتها بحيث يمتنع تعديل سلوكها لاحقاً.

إن أهم ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد، هو: أن نشير إلى الفارق الكبير بين التصور الإسلامي لهذه المرحلة والتصور الأرضي من حيث نظرتهما إلى مرحلة الطفولة الأولى والطفولة الثانية، حيث نجد أن أكثر من اتجاه أرضي يشدد الأهمية على الطفولة الأولى، معتبراً إياها مرحلة حاسمة في السلوك اللاحق عند الشخصية،... بينا يرى المشرع الإسلامي أن الطفولة الثانية وليس الطفولة الأولى: هي المرحلة الحاسمة في سلوك الشخصية لاحقاً.

ومما لا شك فيه أن مثل هذا التفاوت في النظر إلى مرحلتي الطفولة، ينبغي ألا يهمله المعنيون بشؤون التربية مادام الأمر متصلاً بأهمية نمط المرحلة التي سيتطبع سلوك الشخصية عليها.

والمهم، أن الإفادة من التشريع الإسلامي في هذا الصدد، ينبغي أن يضعه المربي بنظر الاعتبار مادام التشريع ـ في الحالات جميعاً ـ يشكل حسماً لكل مشكلة يتردد الأرضيون في تقرير الصائب منها.

على أية حال: إن خطورة المرحلة الثانية من الطفولة، بالنحو الذي ألمح المشرع الإسلامي إليه،... هذه الخطورة: يمكننا أن نتبينها بوضوح ليس في نمط التوصيات التي تشير إلى أهمية المرحلة المذكورة فحسب، بل في نمط التعامل مع الأطفال في شتى مجالات السلوك: حيث يمكننا أن نستشف من النصوص الإسلامية، في تعاملها مع أطفال هذه المرحلة، خطورة ما تنطوي عليه من الارهاص بالسلوك اللاحق للشخصية: وفقاً لنمط التنشئة التي تتطبع عليها.

إن توصيات المشرع الإسلامي لهذه المرحلة تلح على ظاهرة (التأديب): وهي ـ أي كلمة (التأديب) ـ تتناول كما هو واضح شتى مجالات "التربية" أو "التعلم" بما تنطوي عليه هاتان المفردتان من دلالة في لغة البحث الأرضي. فهي تشمل: الجانب التعليمي، والثقافي بعامة، مثلما تشمل الجانب الأخلاقي، وسائر أنماط التنشئة الاجتماعية.

ولنقرأ النصوص المتصلة بالجانب التعليمي والثقافي بعامة: قال (ع):

"من حق الولد على والده ثلاثة:

يحسن اسمه و(يعلمه الكتابة) ويزوجه ـ إذا بلغ".[2]

وعن النبي (ص):

"يعلمه كتاب الله، ويطهره، ويعلمه السباحة".[3]

ففي هذين النصين إشارة إلى الجانب التعليمي المتصل بعملية (الكتابة)، وإلى الجانب الثقافي بعامة، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن تدريبه على تعلم كتاب الله، يعني التدريب على تلقي ما فيه من قيم الثقافة الإسلامية.

والمهم أن المشرع الإسلامي، يلفت انتباهنا إلى أهمية التعلم (المعرفي) بعامة في مرحلة الطفولة، وإلى أنه يسحب أثره على الشخصية لاحقاً فيما يتعذر التعلم: بخاصة في المراحل المتأخرة من حياة الراشدين.

ولنقرأ النصوص التالية عنهم (ع):

"قلب الحدث كالأرض الخالية: ما القي فيها من شيء، قبلته".[4]

بادروا "أحداثكم" بالحديث، قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة".[5]

"علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به... الخ".[6]

إن أمثلة هذه النصوص، تتناول ـ كما قلنا ـ الجانب المعرفي بشطريه: التعليم والثقافة، مشيرة على أهمية التنشئة في الطفولة بحيث شبهتها النصوص بـ(ألأرض الخالية) تتقبل ما ألقي فيها، ولسوف نرى في نصوص لاحقة، أن التنشئة سيتضاءل أثرها على الشخصية عقيب مرحلة المراهقة أو خلالها فصاعداً، بل لحظنا في نص تقدم الحديث عنه، أن التنشئة لو لم تعط ثمارها في السبعة الثانية من العمر، فلا خير فهيا، مما يفصح ذلك بوضوح عن أن مرحلة الطفولة المتأخرة تظل في سائر الميادين ـ ومنها: ميدان التعليم والثقافة ـ ذات خطورة بالغة من حيث أثرها على الشخصية لاحقاً.

وإذا تجاوزنا حقل المهارة الإدراكية، إلى المهارة الحركية، لحظنا التشدد ذاته في التوصيات المتصلة بهذا الجانب.

ففي نص متقدم، لحظنا مثلاً، أن المشرع الإسلامي يوصي ولي الطفل بتعليمه (السباحة) إلى جانب تعليمه الكتابة.

وفي نص آخر عن النبي (ص)، قوله:

"علموا أولادكم السباحة والرماية".[7]

ففي هذا النص، تأشيرة إلى مهارة حركية أخرى هي: "الرماية":

ومن البين أن كلاً من السباحة والرماية يوظفهما المشرع الإسلامي لممارسات فردية واجتماعية هادفة، يستثمرهما الصبي لاحقاً في انتشال نفسه، وفي الدفاع عن الأمة الإسلامية، بالإضافة إلى ما ينطوي عليه التدريب من معطى صحي، ونفسي في هذا الصدد.

وإذا تجاوزنا ميدان المهارة العقلية والحركية، إلى سائر الميادين، امكننا ملاحظة التشدد في التوصيات الإسلامية على مرحلة الطفولة المتأخرة بحيث تتناول سائر أنماط التعامل الفردي والاجتماعي، وانعكاس ذلك على سلوك الشخصية اللاحق، ومنها: ـ على سبيل المثال ـ عملية التدريب على الصلاة.

إننا لوعدنا إلى الوثيقة التربوية التي قدمها الإمام الصادق (ع)، للحظنا أنها كانت تطالبنا في المرحلة المبكرة من الطفولة، بمجرد التدريب على الصلاة عند بلوغ الطفل السادسة والسابعة. إلا أنها طالبت بعملية (الضرب) أيضاً في حالة تهاون الصبي في ممارسة الصلاة عند بلوغه التاسعة: أي في مرحلة الطفولة المتأخرة. ولنقرأ النص من جديد:

فإذا تم له ست سنين "صلى وعُلم الركوع والسجود حتى يتم له سبع سنين. فإذا تم له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك وكفيك. فإذا غسلهما قيل له: صلِّ. ثم يترك: حتى يتم له تسع سنين. فإذا تمت له، عُلم الوضوء وضرب عليه. وعُلم الصلاة وضرب عليها". فالنص هنا يطالب بعملية (الضرب) في التدريب على الوضوء وفي التدريب على الصلاة.

ولسوف نتحدث عن العقاب البدني في مجال التربية الطفلية لاحقاً. بيد أننا نعتزم الاشارة هنا، إلى أن ممارسة (الضرب)، تفصح عن الأهمية التي يخلعها المشرع الإسلامي على (التعلم) في هذه المرحلة، وانعكاساتها على سلوك الشخصية.

ويمكننا ملاحظة التعامل مع أطفال هذه المرحلة في ممارسة الصلاة أيضاً عبر النصين التاليين:

يقول أحد الرواة:

"سألت الرضا (ع) أو سُئل وأنا أسمع، عن الرجل يجبر ولده وهو لا يصلي اليوم واليومين؟؟

فقال (ع): وكم أتى على الغلام؟

فقلت: ثماني سنين.

فقال (ع): سبحان الله!! يترك الصلاة!!

قلت: نعم، يصيبه الوجع.

فقال (ع): يصلي على نحو ما يقدر.

ولنقرأ النص الآخر:

"كان علي بن الحسين (ع) يأمرالصبيان يجمعون بين المغرب والعشاء، ويقول: هو خير من أن يناموا عنها".[8]

ففي هذين النصين ـ فضلاً عن الوثيقة التربوية للإمام الصادق (ع) نلحظ جملة من الحقائق.

1 ـ أن (التمييز) في عملية الإدراك عند أطفال هذه المرحلة، يشكل (طابعاً) ملحوظاً في هذا الصدد.

2 ـ إن (الالزام) أو (الجبر)، يشكل بدوره طابعاً في عملية (التدريب): مع ملاحظة أن (الالزام) لا يأخذ حدوده الحاسمة، بقدر ما يمكن القول بأنه (شبه الزام).

3 ـ (العقاب) البدني، يجسد واحداً من طرائق التنشئة في هذه المرحلة.

إن هذه الحقائق، تفصح بوضوح، عن أن التدريب في مرحلة الطفولة المتأخرة، يكتسب خطورة بالغة المدى، وإلى أنه يسحب أثره على سلوك الشخصية لاحقاً: فلو لم تكن المرحلة ذات أثر في التطبيع على السلوك الراشد: لما اقر الإمام (ع) عملية (جبر) الأطفال في الثامنة على ممارسة الصلاة (مع أن الصلاة لا تصبح ملزمة إلا عند سن البلوغ)، ولما أوصى بضربهم في التاسعة من العمر بغية حملهم على اتقان الصلاة، ولما أمرهم علي بن الحسين (ع) الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء: خشية اهمال الصلاة الأخيرة. بل وصل الأمر إلى أن الإمام الرضا (ع) لم يعف الأطفال حتى في حالة (المرض) من الصلاة بقدر ما يطيقون.

إن هذا النحو من التشدد على أطفال المرحلة المتأخرة، يفصح عن خطورة المرحلة المذكورة وانعكاساتها على مستقبل الشخصية دون أدنى شك.

والمهم، أن التشدد على مرحلة الطفولة المتأخرة، إنما يقترن بطبيعة النمو العقلي، ووصوله إلى درجة (التمييز) التي أشرنا إليها عند الأطفال.

وفي ضوء هذا الطابع (المميز) لدى أطفال المرحلة، يتعامل المشرع الإسلامي وإياهم في مجالات شتى من عمليات "التعلم"، بل وفي مجالات السلوك العام لديهم.

وهنا، ينبغي أن نشير إلى أن طابع (التمييز) الذي يسم أطفال هذه المرحلة، لا يكتسب بطبيعة الحال درجة الثبات التام الذي يكتسبه الراشدون، بل يظل متساوقاً مع عملية التنشئة نفسها من حيث التراوح بين الإلزام والتراخي، أي: درجة (الوسط) الذي لا يحمل اهمال المرحلة الأولى من الطفولة، ولا إلزام المرحلة الراشدة: مع ملاحظة أن طبيعة الظواهر التي يتم تعامل الطفل معها، ستسحب أثرها ـ دون أدنى شك ـ على نمط التدريب من حيث قوته أو تراخيه، وصلة ذلك بدرجة المهارة العقلية التي تفرضها طبيعة النمو في هذه المرحلة.

ويمكننا ملاحظة ذلك، حينما نجد المشرع الإسلامي يرسم آثاراً متنوعة، يرتبها على (التمييز) الذي يسم المرحلة في حقل التعامل الفردي والاجتماعي، حيث يراوح بين الإلزام والتراخي في النمطين التاليين من التعامل ـ على سبيل المثال ـ، وهما: التعامل المالي والتعامل الجنسي.

ففي حقل التعامل المالي مثلاً، يواجهنا حيناً مثل هذا النص: يقول (ع): "الغلام: لا يجوز أمره في البيع والشراء".[9]

وعن النبي (ص) أنه:

"نهى (ص) عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعته بيده. فإنه إن لم يجد، سرق".[10]

وواضح، أن هذين النصين، يمنع أولهما من عملية البيع والشراء مع الأطفال. بينا (يتحتفظ) النص الآخر من ذلك. ويظل هذا التحفظ نابعاً من إمكان التعامل مع الطفل في حالة اتقانه لحرفته مثلاً. واما في حالة العدم، فإنه قد يلجأ إلى الممارسة غير المشروعة وهي: السرقة مثلاً.

ومن الواضح ان عدم الثبات في (التمييز)، هو الكامن وراء التحفظ المذكور.

لكننا، حين نتجه إلى تعامل مالي آخر وهو: الوصية بالمال مثلاً، حينئذ لا نجد التحفظ المذكور، بل نجد سماح المشرع الإسلامي للأطفال، بممارسة هذا النمط من التعامل.

ولنقرأ النص التالي وسواه من النصوص التي تجمع على نفاذ الوصية عند الأطفال البالغين عشرة أعوام.

يقول (ع):

"إذا بلغ الغلام عشر سنين، جازت وصيته".[11]

بل: إذا كان الطفل في السابعة من العمر وأوصى باليسير من المال، جازت وصيته أيضاً.

يقول (ع):

"إذا كان ابن سبع سنين، فأوصى من ماله باليسير، في حق، جازت وصيته".[12]

هذا إلى أن نمط (الخطورة المالية) تتدخل في تحديد حجم (التمييز) لدى الأطفال. فالتجارة مثلاً تتسم بخطورة مالية تتطلب تمييزاً عالياً في حساب الربح والتجارة حيث يفتقده بعض الراشدين أيضاً، فضلاً عن الأطفال.

من هنا يتجه المنع إليه.

أما الكسب العادي أو مطلق التعامل المالي اليسير، فتضؤل خطورته دون أدنى شك فيما يتم التحفظ حياله، بما في ذلك: الوصية الكبيرة مثلاً: إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المسألة تتصل بإيصال حق إلى أصحابه في غمار انطفاء العمر.

والمهم، أن ما نعتزم لفت الانتباه إليه هو: ظاهرة (التمييز) في مرحلة الطفولة المتأخرة، وإلى أنه ـ أي: "التمييز" لا يأخذ سمة "الثبات" في هذه المرحلة إلا بقدر ما يسمح لعملية التدريب بالمرور من خلاله في درجة عالية من العناية: نظراً لخطورة ما يمكن أن ترهص به هذه المرحلة من سلوك لاحق للشخصية.

وخارجاً عن ذلك، فإن النماء العقلي في هذه المرحلة يأخذ طابع (الوسط) من حيث قدرة الطفل على (التمييز) للظواهر: فلا هو (تمييز) تام على نحو ما يتمتع به الراشدون، ولا هو (تمييز) قاصر على نحو ما يتسم به أطفال المرحلة الأولى. بل هو تمييز يجمع إلى جانب عدم المسؤولية، (إلزاماً) بالتدريب على تحمل المسؤولية: تمهيداً للمرحلة الراشدة.

والنصوص المتصلة بالتعامل المالي ـ فيما تقدم الحديث عنها ـ تفصح عن درجة التمييز الذي يسم أطفال المرحلة، حيث تم التعامل معهم بتفاوت تفرضه طبيعة الممارسات التي يتطلب بعضها مهارة عالية لا تتوفر إلا عند الراشدين، ويتطلب بعضها مهارة غير عالية يتسم بها غير الراشدين ممن تنتظمهم مرحلة الطفولة التي نحن في صدد الحديث عنها.

خارجاً عما تقدم، فإن درجة "التمييز" التي تسم أطفال المرحلة، يطرد معها أيضاً نمط (التدريب) الذي يفرضه المشرع الإسلامي، والطريقة التي يتم بها ضبط السلوك والتحكم فيه من خلال التدريب المذكور، فضلاً عن اطراد التعامل في شتى المجالات مع درجة التمييز المذكور، وفضلاً عن انعكاس أولئك جميعاً على سلوك الشخص اللاحق تبعاً لنمط التنشئة التي ستتاح للطفل.

ويمكننا ملاحظة هذه الحقائق بوضوح في الطريقة التي يتعامل بها المشرع الإسلامي مع أطفال المرحلة المتأخرة في عملية التربية الجنسية.

إن المشرع ـ على سبيل المثال ـ يشدد بنحو بالغ المدى، في المنع من أي تعامل جنسي حتى في نطاق الظل أو الرائحة التي تنم عن ذلك.

إنه يمنع الأطفال من ممارسة التقبيل مثلاً، حتى مع بداية المرحلة التي يتجاوزن بها السابعة من العمر.

يقول (ع):

"الغلام لا يقبل المرأة: إذا جاز سبع سنين".[13]

أكثر من ذلك: يمنع المشرع حتى مجرد التجاوز في المضاجع: فيما بين الصبية أو الصبيّات أو هما:

يقول (ع):

"الصبي والصبي، والصبي والصبية، والصبية والصبية: يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين".[14]

وفي رواية أخرى:

"يفرق بينهم لست سنين".[15]

أي: مع بداية المرحلة أيضاً.

على أن التقبيل والتجاوز يمثلان منبهات حادة ـ كما هو واضح. غير أن المشرع الإسلامي يتجاوز ذلك حتى في نطاق المنبهات العادية: كالاطلاع على الممارسة بين الأبوين، أو حتى إستشفاف ذلك من خلال النَفَس مثلاً.

ولنقرأ هذا النص:

"لو أن رجلاً غشى امرأته: وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما: ما افلح أبداً".[16]

إن ما يعنينا من هذه النصوص، جملة من الحقائق، منها:

1 ـ انعكاس التنشئة الطفلية لهذه المرحلة، على شخصية الطفل لاحقاً.

2 ـ ظهور الدافع الجنسي وخطورته المرحلية.

3 ـ تميز هذا الدافع عن الدوافع الأخرى.

4 ـ اطراد هذا الدافع مع النماء العقلي للطفل، أي: (التمييز) الذي نحن في صدد الحديث عنه.

وسنرى في نصوص لاحقة، أن (العقاب البدني)، يشكل وسيلة ملحوظة في ضبط السلوك الجنسي للطفل، والتحكم فيه.

أولئك جميعاً، تفصح عن أن (التمييز) ـ فيما يتصل بهذا الدافع ـ يبلغ درجته العالية إذا قورن بالدافع إلى المال مثلاً، من حيث درجة التقبل أو التحفظ أو المنع، فيما يراوح المشرع بينها تبعاً لأنماط التعامل المالي، بينا لا نجد هذا الترواح في أنماط التعامل الجنسي: حيث يشمل الحظر كل أنماطه، سواء أكانت المثيرات حادة أم خافتة، وسواء أكانت في بداية المرحلة أو امتدادها. إنها جميعاً تعد مؤشراً إلى أن (التمييز) في هذه المرحلة يطرد مع الدافع المذكور، وإلى أن هذه المرحلة ذات أثر بالغ الخطورة من حيث انعكاسها على شخصية الطفل لاحقاً.

ويتضح هذا بجلاء، إذا اتيح لنا ان نقرن هذه الحقائق، بما سبقت الإشارة إليه، ونعني بذلك: قضية (العقاب البدني) الذي فرضه المشرع على التعامل الجنسي في مرحلة الطفولة المتأخرة.

إن ممارسة العقاب بعامة، مما يطبع هذه المرحلة حتى ليبدو وكأنه هو: أي: (العقاب)، و(التعلم) عنصران لا يكاد ينفصل أحدهما عن الآخر.

بيد أن العقوبة الجنسية تبرز بنحوها الذي يتساوق وشدة التوصيات المحذرة من التعامل الجنسي.

ولنقرأ هذا النص:

"سألت أبا عبد الله (ع) في آخر ما لقيته: عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة..

قال (ع): يضرب الغلام دون الحد.

قلت: جارية لم تبلغ...

قال (ع): تضرب الجارية دون الحد".[17]

وواضح، ان الضرب دون الحد يعني أن (التمييز) عند الصبي هو: دون درجته عند الراشدين: حيث أن الراشدين يشملهم الحد الكامل. ويعني أيضاً: أن الممارسة الجنسية تحمل خطورة الارهاص المفضي إلى تطبيع الشخصية بسمات الانحراف: نظراً لأن (الجلد) عقاب صارم إذا قيس بمجرد (الضرب) العادي مثلاً.

ويعني أخيراً: أن العقاب بنحو عام، يشكل وسيلة تربوية ذات خطورة من حيث مساهمتها في تعديل السلوك وضبطه.

من هنا، ينبغي أن نتجه إلى الوسيلة المذكورة، وملاحظة موقعها التربوي في هذه المرحلة من الطفولة المتأخرة.

إن ظاهرة (العقاب البدني) تحتل مشكلة تربوية في أبحاث علماء النفس والتربية الحديثة.

وقد انشطر الأرضيون حيالها، إلى فريق يؤثر (العقاب) ويرى إلى أنه مفيد في العملية التربوية،... في حين يراه فريق آخر على الضد من ذلك. وقد عزز كل من الفريقين وجهة نظره بدراسات أجريت في هذا الصدد.

ونحن لا يعنينا هذا التردد لدى الأرضيين، مادام المشرع الإسلامي قد حسم الموقف بوضوح، وأقر العقاب البدني: ليس في صعيد الانحراف الجنسي فحسب، بل في صعيد غالبية الانحراف التي لسنا في صدد الحديث عنها الآن.

إن ما نود التشدد عليه هنا، هو: العقاب البدني في عملية التدريب على (التعلم) بخاصة، متمثلاً في (الضرب) المألوف لدى التربويين، في مرحلة الدراسة الابتدائية.

ولقد مرت بنا توصيات المشرع الإسلامي بممارسة الضرب حيال الأطفال الذين يترددون أو يمتنعون من عمليات الوضوء والصلاة.

وحين نتابع هذه التوصيات، نجد أن مشروعية (الضرب) تصل ـ لدى المشرع الإسلامي ـ إلى الدرجة التي يطالب فيها: بممارسة (الضرب) حتى بالنسبة إلى الطفل اليتيم. مع أن المشرع ـ يلح كل الإلحاح ـ بمراعاة مشاعر اليتيم ويتوعد بالعقاب الشديد لكل من يلحق به أدنى الأذى.

إن مطالبة المشرع الإسلامي بممارسة الضرب حتى بالنسبة إلى الطفل اليتيم في عملية تنشئته، إنما تفصح عن أهمية هذه الوسيلة التربوية في المرحلة التي نتحدث عنها. وتفصح من ثم عن أهمية الطفولة المتأخرة من حيث انعكاسها على السلوك اللاحق للشخصية.

ولنقرأ النصوص الإسلامية في هذا الصدد:

يقول (ع):

"اليتيم مما تؤدب منه ولدك، واضربه مما تضرب منه ولدك".

ويقول الإمام موسى بن جعفر (ع):

"يستحب غرامة الغلام في صغره، ليكون حليماً في كبره".[18]

وقد ربط النص الأخير بين ظاهرة التأديب البدني وانعكاسه على السلوك اللاحق للشخصية: فيما قرر بوضوح أن العقاب يساهم في ضبط سلوك الشخصية، وجعله سلوكاً سوياً في المرحلة الراشدة. ولنقرأ الفقرة من جديد:

ليكون حليما في كبره.

حيث يمثل الحلم قمة الاستواء لدى الشخصية ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

طبيعي، ينبغي ألا ننظر إلى عملية الضرب إلا من الزاوية التي سبقت الإشارة إليها ونعني بها: مراعاة ظاهرة (التمييز) الذي يسم أطفال هذه المرحلة، مقترنة مع نمط (التدريب) الذي يتراوح بين الالزام والتراخي. ولذلك نجد الإمام الرضا (ع) يشير إلى العقاب البدني بقوله (يستحب)، أي: أن الضرب أشمل فائدة من عدمه. وهذا يعني أن المطالبة بالضرب لا تتم على نحو (الالزام) بل على نحو (الأفضلية).

كما إننا لا نعدم وجود بعض النصوص الناهية عن (الضرب) أيضاً، مما ينبغي تفسيرها طبقاً لما انتهينا إليه من أن (الضرب) يشكل عنصراً اشد فائدة من عدمه، وإلى أن (السياق) هو الذي يحدد ـ بعض الأحيان ـ عدم مشروعية الضرب في ضوء النصوص الناهية عنه.

وخارجاً عن ذلك، فإن (الضرب) ـ ومثله سائر أنواع العقاب البدني ـ يحتل موقعاً تربوياً خطيراً في عملية الضبط الفردي والاجتماعي: في مرحلة ا لطفولة المتأخرة وانعكاسها على الشخصية لاحقاً.

  مراحل النمو في الطفولة المتأخرة

وبعامة، فإن العقاب البدني ونمط التنشئة إنما يقترنان ـ كما قلنا ـ بطبيعة النماء العقلي لدى أطفال المرحلة: من خلال ظاهرة (التمييز) التي أشرنا إليها.

هنا، ينبغي أن نقف عند مراحل النماء العقلي لدى الأطفال، وملاحظة التصور الإسلامي لها، فيما ينبغي أن نبدأها بالسؤال التالي: هل أن ثمة مراحل جزئية من النماء العقلي، تسم أطفال المرحلة، على النحو الذي لحظناه في مرحلة الطفولة الأول؟؟

يبدو أن ثمة مرحلة ذات أهمية بالغة تتوسط الطفولة المتأخرة، متمثلة في التاسعة والعاشرة من العمر.

والأبحاث الأرضية تشير عادة إلى هذه المرحلة من النماء العقلي عند الطفل. حيث تجعلها مرحلة (رابعة) من مراحل الطفولة بأكملها: والمراحل الأربع هي: الشهر ـ السنتان ـ الست ـ التسع.

وتشكل مرحلة (التسعة أعوام) في التصور الأرضي حلقة وصل بين بداية المرحلة المتأخرة ونهايتها.

أما التصور الإسلامي لهذه المرحلةن فيمكن ملاحظته أيضاً، في النصوص التي سبق الوقوف عندها.

فقد حددت الوثيقة التربوية للإمام الصادق (ع)، حددت (التاسعة) من العمر بداية لممارسة (الضرب) في عملية الوضوء والصلاة: في حين أعفت ولي الأمر من ضرب الطفل قبل ذلك.

وعن الإمام علي (ع):

"يثغر الغلام لسبع سنين، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر".[19]

فهذا النص بدوره يشير إلى أن (التاسعة) بداية للتدريب الجاد على الصلاة: أي التدريب المقترن بالالزام، وإلا فإن النصوص السابقة جميعاً أكدت مطلق التدريب مع نهاية العام السادس أو السابع.

إذن: التاسعة من العمر تشكل مرحلة نمائية ذات خطورة في حياة الطفل: وفقاً للتصور الإسلامي، ووفقاً للتصور الأرضي أيضاً: فيما لحظنا تحديده (للتاسعة) مرحلة رابعة من مراحل الطفولة.

إلا أن المشرع الإسلامي، يوافينا بوجهة نظر جديدة، أو لنقل: يلفت انتباهنا إلى مرحلة أخرى من مراحل النمو العقلي لدى أطفال المرحلة المتأخرة، متمثلة في (العاشرة) من العمر: بمعنى: أن الطفل بعد التاسعة، يقطع عاماً واحداً: ثم يواجه بعد هذا العام مرحلة نمائية جديدة تتمثل في (العاشرة) من العمر.

ويبدو أن الانتقال من التاسعة إلى العاشرة يجسد نماءاً عقلياً له أهميته في المهارات الإدراكية للطفل: تنسحب على مختلف مجالات النشاط لديه.

ففي ضوء النص الذي قدمه الإمام علي (ع): تأشيرة إلى النشاط الجنسي لدى الطفل في (العاشرة) من العمر:

قال (ع):

"يؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر".

وفي نصوص أخرى سبق الوقوف عندها: تأشيرة إلى (العاشرة) من العمر أيضاً من حيث النشاط الجنسي، والأمر بتفريق الأطفال في المضاجع، من نحو قوله (ع):

"يفرق بين الصبيان والنساء في المضاجع: إذا بلغوا عشر سنين".[20]

فهذه النصوص أجمع، تشير إلى (العاشرة) من حيث النشاط الجنسي لدى الأطفال.

أما من حيث سائر ألوان النشاط، فإن السنة (العاشرة) أيضاً، تجسد ـ في لسان النصوص ـ مرحلة غائية ذات خطورة، ومنها: ما سبق الوقوف عنده من النصوص التي تجيز "الوصية" المالية للبالغين (عشرة) من الأعوام، من نحو قوله (ع):

"إذا بلغ الغلام عشر سنين: جازت وصيته".

وهناك مجالات أخرى، تحوم على العاشرة أيضاً، مما تفصح جميعاً أن هذه المرحلة لها تميزها النمائي عن (التاسعة).

وبعامة، فإن مرحلة الطفولة المتأخرة: تجسد مرحلة ذات خطورة في عملية التنشئة، بمختلف فتراتها النمائية: حيث تصل المهارات الإدراكية لدى الطفل إلى درجة (التمييز) الذي يسحب آثاره ـ من خلال نمط التنشئة ـ على سلوك الشخصية لاحقاً.

وهذه، على الضد تماماً، من مرحلة الطفولة المبكرة، فيما يظل (اللعب) طابعاً لها إلى في نطاق محدد.

بيد أن المرحلتين جميعاً ـ أي: الطفولة بأكملها ـ ينبغي ألا نخلع عليهما طابع (الثبات) الذي يخلعه البحث الأرضي عليها: بخاصة مرحلة الطفولة الأولى.

إننا نكرر من جديد: أن التربية الأرضية تقع في وهم كبير حينما تؤكد انسحاب الطفولة على الشخصية بذلك النحو المتعسف من التأكيد.

وتقع في الوهم ـ ثانية ـ حينما تجنح بعض التصورات الأرضية إلى ربط ذلك ببعض الدوافع، ومنها: الدافع الجنسي وانسحابه على سلوك الشخصية لاحقاً.

وبالرغم من أن التفسير الجنسي (الاتجاه الفرويدي) قد أصبح من (كلاسيكيات) علم النفس، إلا أنه عيادياً وأكاديمياً لا يزال يحتفظ ببعض الأنصار،... مع أن دراسة حياة صاحب النظريات وتقلباته العلمية التي كان يدخل (التعديلات) عليها من حين لآخر حتى اخريات حياته: فضلاً عن البيئة الشاذة التي أمدته بتجارب نظريته: كل أولئك، كاف في التشكيك بقيمة ما قدمه من تفسير في هذا الصدد.

ولحسن الحظ أن الاتجاه الأحدث في النشاط المعاصر لعلم النفس قد اتجه إلى التركيز على ما يسميه الأرضيون بـ(سيكولوجية "الأنا") بدلاً من (سيكولوجية "الهِيَ")، وطاقاتها الجنسية.

وقد أثبت هذا الاتجاه ان فعاليات (المهارة العقلية) من تعلم، وتفكير، وتخيل، وذاكرة وما إليها قد افرزت معطياتها العلمية دون أن تتوكأ على المفهوم الجنسي. كما أن (الفعاليات النفسية) أمكن دراستها دون استحضار للمفهوم الفرويدي: إلا في نطاق محدد.

بل إن بعض الاتجاهات قد ألغى المفاهيم التقليدية المذكورة أساساً، واتجه إلى القول بأن (الوعي) كافٍ بمسح أية تنشئة غابرة، وابتناء "تعلم" جديد في شتى مجالات السلوك.

إن التصور الإسلامي يضاد نظرية الجنس من حيث نظرتها إلى الطفولة وانعكاساتها... يضادها:

أولاً: من حيث التفسير الجنسي.

ثانياً: من حيث تأكيدها على الطفولة: بمختلف مراحلها الجنسية.

فقد لحظنا ـ مثلاً ـ إن المشرع الإسلامي قد اعفى الطفولة الأولى من أية فعالية ترهص بالجنس أو بسواه من الفعاليات. بينا أكد ذلك في الطفولة الثانية، وشدد على امكانات التطبيع عليها: بحيث تسحب أثرها على السلوك اللاحق.

أما الاتجاه الجنسي فقد قدم تصوراً مضاداً تماماً... حيث شدد على المرحلة الأولى وبخاصة: السنوات الثلاث أو الأربع الأولى ـ وهي السنوات التي أعفاها المشرع الإسلامي من كل فعالية، ومحضها "للعب" فحسب ـ.

ثم اتجهت نظرية الجنس إلى مرحلة الطفولة الثانية فخلعت عليها طابع (الكمون) الجنسي: أي أخلتها من الصراع الجنسي نسبياً: بسبب من انشغال الطفل بفعاليات (التعلم) المعرفي، وغيره من الأنشطة... بينا اكسب المشرع هذه المرحلة طابعها الجنسي: من حيث بروزه وليس (كمونه).

ومن أن بعض الاتجاهات الحديثة قد أكدت بدورها جنسية المرحلة المتأخرة من الطفولة على نحو ما قرره المشرع الإسلامي،... إلا أن هذه الاتجاهات جعلت من التأكيد على جنسية هذه المرحلة بمثابة "استمرار" للمرحلة الأولى من الطفولة: لا أنها مرحلة وليدة: وهي بهذا التفسير تقع في ذات الخطأ الذي غلف الاتجاه الفرويدي.

هذا كله، فيما يتصل بمراحل الطفولة: من حيث بروز الدافع الجنسي أو كمونه.

أما فيما يتصل بالتفسير الجنسي نفسه، فإن لمناقشته مكاناً آخر من هذه الدراسة. لكننا نشير عابرين هنا، إلى أن الصلة بين الطفولة والجنس وانعكاساتها على المرحلة الراشدة: تبدو من التعسف بمكان كبيرة.

أنه من الممكن مثلاً أن تكون ثمة صلة بين النزعة العدوانية التي سيشب الطفل عليها، وبين الاحباطات التي واجهها في عملية الرضاعة (وهذا فيما يتصل بالمرحلة الفمية ـ أولى مراحل النمو الجنسي).

ومن الممكن أيضاً أن تكون ثمة صلة بين نزعة (العناد) مثلاً، وبين (الصرامة) الي واجهها الطفل في التدريب على النظافة من حيث منعه من الامتاع الذي يحققه النشاط المعوي عند ممارسته ذلك بنفسه. ثم انعكاس ذلك على سلوكه الراشد (وهذا فيما يتصل بالمرحلة الفرثية ـ المرحلة الثانية من النمو الجنسي).

أقول: من الممكن أن تكون ثمة صلة بين التدريب الصارم على الرضاعة والنظافة، وبين بزوغ نزعة (العدوان) و(العناد) لدى الطفل. إلا أن بزوغ هذه النزعة يظل عنصراً واحداً من (مجموعة) عناصر متشابكة من التدريب تساهم في إبراز النزعة المذكورة، دون أن نحصر ذلك في التفسير الجنسي، ودون ن نرده إلى عنصر واحد.

لقد وصل الأمر عند بعض الباحثين إلى أن يربط مثلاً بين ظاهرة (الشك) ـ وهي ظاهرة عصابية، أو بين ظاهرة (مركب الاضطهاد) ـ وهي ظاهرة ذهانية، وبين المرحلة الثانية من النمو الجنسي (المرحلة الفرثية) وصلة أولئك بنمط التدريب الذي تصاحبه قسوة وصرامة في التعامل مع الطفل: من حيث التدريب على النظافة، ومن حيث تحسيسه بـ(العيب) من مناطقه الجنسية: فيما ينشأ تبعاً لذلك عديم الاستقلال، معرضاً للشكوك، وللوساوس القهرية، بل ولهذا الاضطهاد.

إن تجارب التنشئة الأسرية التي تمارس (الصرامة) في التعامل مع الطفل، وتهجينها لمناطقه الجنسية، لا تأتلف مع هذا التفسير الذاهب إلى أن الصرامة) و(التهجين) ينعكسان على احساس الشخصية بالخوف من (أشياء) أو من (أشخاص) وهميين يطاردون المريض: أي، لا ينعكسان على الشخصية في شكل مرض ذهاني هو عقدة الاضطهاد.

إن (هذاء) الاضطهاد وسواه يظل محكوماً بطبيعة البناء العصبي للشخصية، أو بصدمة عنيفة مسبوقة بالاستعداد التكويني أو الوراثي، أو بخبرات بالغة الشدة من حيث الضغوط والاحباطات الملاحقة التي تواجه الشخصية. أما أن تحدث ببساطة نتيجة لتربية جنسية خاطئة، فأمر تأباه التجربة التي تحياها مختلف الأسر في عمليات التدريب على نظافة الطفل، وتحسيسه بما هو معيب من مناطق جسمه.

على أن نظرية الجنس تتضخم مفارقاتها هي حيث الربط بين الطفولة الجنسية وانعكاسها على المرحلة الراشدة، تتضخم في التفسير (الأوديبي) الذي يسم المرحلة الثالثة من مراحل النمو النفسجسمي، متمثلاً في الذهاب إلى أن الطفل ما بين (3 ـ 5) (يحس) دور الأب وعلاقته بالأم، وما يستتلى ذلك من كراهية للأب. وطبيعي ـ في ضوء هذا التفسير الاسطوري ـ أن ينشأ الصراع بين الرغبة المحارمية والتخلص من الأدب.

بيد أن الطفل سرعان ما (يتوحد) بالأب (أي: يتقمص شخصيته)، مستمداً منه قسوته، متمثلة في: الخوف من العقاب الموهوم، فيقلع عن رقبته المحارمية. وبهذا (التوحد) يتخلص الصبي من الصراع وآثاره اللاحقة. أما في حالة الاخفاق فإن العقدة الأوديبية، ستسحب آثارها على الطفل في حياته الراشدة، بنحو لا يهمنا الآن التحدث عن تفصيلاتها.

وفي تصورنا أن التاريخ العلمي للأرض لم يواجه انتكاساً يماثل مهزلة (المرحلة الأوديبية)، بخاصة. ومع أن تلامذة صاحب النظرية وزملاءه قد أشاحوا بوجوههم عن صاحبها: من خلال قناعتهم العلمية التي أبت أن ترتكن إلى أية نظرية غير خاضعة "للاحتمال" فضلاً عن (اليقين)... ومع أن مرضى صاحب النظرية، كانت تحكمهم ـ باجماع الذين ارخوا لحياته ـ بيئة اجتماعية منحرفة. ومع أن نظريته خضعت لأكثر من (تعديل) في حياته. ومع أن التحليليين الجدد: السائرين على خطى صاحبهم قد أشاحوا بدورهم عن الخطوط المنحرفة لهذه النظرية، واحتفظوا منها بالطابع التحليلي العام... مع أولئك جميعاً، لا نزال نلحظ تململ (النظرية) بين الحين والآخر، على يد بعض القاصرين علمياً.

ولحسن الحظ، أن تململ النظرية لم يجيء على يد باحث جديد ذي أصالة في كشوفاته العلمية،... بل على يد (طلاب) ـ ومنهم عرب ومسلمون معاصرون ـ يمتلكون خنوعاً وتبعية فكرية: أي، أنهم (أدوات) لتطبيق نظرية، لا، أنهم أصحاب (نظرية)، أو قناعة أصيلة بها.

  3 ـ المرحلة الراشدة

تمثل هذه المرحلة بداية (الرشد) لدى الشخصية، مودعة بذلك، مرحلة الطفولة: بادئة بتحمل المسؤولية التي ألفتها السماء على الكائن الآدمي، وما يصاحب ذلك من ترتيب آثار الثواب والعقاب.

ويطلق الأرضيون ـ وبعض نصوص التشريع أيضاً ـ أسم (المراهقة) على بداية المرحلة الراشدة: متمثلة في السبع سنوات أو الست أو الأكثر، حسب التفاوت الذي لحظناه في مرحلتي الطفولة.

إن مرحلة (المراهقة) تعد في البحوث الأرضية ذات خطورة: من نمط آخر. وقد افاضت البحوث في الحديث عن طابع المراهقة بكل تفصيلاتها، فيما يمكن لمها في خصيصتين رئيستين هما: استقلال الشخصية، وتموجاتها.

ويقصد بالاستقلال: أن الشخصية تبدأ بالتحسس بأنها كيان مستقل عن أسرته.

أما تموجاتها، فيقصد من ذلك: الاضطراب أو التقلب أو التردد في الانتهاء إلى الموقف الحاسم الذي تختطه الشخصية لمستقبلها: سواء أكان ذلك متصلاً بمشكلاتها الفكرية أو الاقتصادية أو الاجتماعية بعامة.

وطبيعي أن يترافق التحسس بالاستقلال، مع "الاضطراب": مادامت المرحلة تمثل فترة انتقال من الطفولة إلى الرشد: من التبعية على الاستقلال.

ونحن، إذا عدنا على المشرّع الإسلامي، لحظناه: يقطع خطوات تدريجية في تدريب الشخصية على هذا الاستقلال. فمع أخريات المرحلة الطفلية المبكرة، يبدأ التدريب على ممارسة شيء من المسؤولية.

ثم يتضخم التدريب مع المرحلة الطفلية المتأخرة، حتى يصل إلى ما أسميناه في حينه، بـ"المسؤولية: شبه الزامية"، ممهداً بذلك: الانتقال إلى المرحلة الالزامية الكاملة. ونظراً لأهمية هذا الانتقال وما يرافقه من (التموج)، واصل المشرع الإسلامي توصياته التربوية، رابطاً بينها وبين مرحلتي الطفولة: جاعلاً من المراحل الثلاث: الطفولة المبكرة، الطفولة المتأخرة، المراهقة: جاعلاً من هذه المراحل، (وحدة)، أو سلسلة متصلة الحقلقات من حيث خضوعها إلى عمليات التدريب.

هنا، نؤكد من جديد أن مرحلة تحمل المسؤولية: من حيث ترتيب آثار الثواب والعقاب عليها (دنيوياً واخروياً)، هذه المرحلة تجيء مع (بداية) المراهقة،... مع انبثاقها مباشرة... مع انبثاقها مباشرة... إلا أن المشرع في الآن ذاته، لم يفصل المراهقة من السلسلة القائمة على (التدريب)، أي: يخضعها لنفس العمليات التي طبعت مرحلتي الطفولة: مع مراعاة كل مرحلة بما يناسبها من النماء العقلي لدى الشخصية.

نستخلص من هذا أن "المراهقة" تتميز أيضاً بامكانات (التطبيع) على السلوك، أو (تعديله)، بالرغم من أن (المراهق) يتحمل مسؤولية تصرفاته، أجمع: وهذا يعني أن الإحساس بالاستقلال وما يرافقه من الانتقال من مرحلة إلى أخرى، يتطلب بدوره قسطاً من التدريب حتى تستكمل الشخصية تماسكها في هذا الصدد.

ويمكننا ملاحظة ذلك في نص سبق الوقوف عليه، حيث يقرر النص ما يلي:

"الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين".[21]

فالمفروض أن الحرام والحلال، قد (تُعُلِّم) مع بداية المرحلة، أو قد مُهد له في مرحلة الطفولة المتأخرة، بحيث يتحمل الفرد مسؤولية تصرفاته مع بداية المراهقة لا مع نهايتها. ولذلك، فإن المقصود من عبارة "يتعلم الحلال والحرام سبع سنين" هو: ملافاة ما فاته من التعلم، أو مواصلة التشدد على التدريب: نظراً لما تحفل به هذه المرحلة من (تموجات) تسم الشخصية في فترة الانتقال: بحيث تصبح مواصلة التدريب من خلالها ضرورة لاستكمال الشخصية

ويمكننا ملاحظة هذا الطابع بوضوح، عندما نعود إلى نص آخر سبق الوقوف عليه أيضاً، حيث يقدم النص عبارة رمزية أو صورية "الاستعارة: حسب المصطلح البلاغي" في هذا الصدد، يقول النص:

"الولد: سيد سبع سنين. وعبد سبع سنين. ووزير سبع سنين".[22]

فقوله (ع) إن الولد (وزير) سبع سنين هو: إفصاح واضح عن الطابع الذي يسم (المراهقة). فالوزير يختلف عن رئيس الدولة مثلاً، بأن تصرفه لا يكتسب استقلالاً تاماً بالنحو الذي يملكه رئيس الدولة، إلا أنه في الآن ذاته: يملك قسطاً من الاستقلال. وبكلمة أخرى: ثمة (استقلال) إلا أنه ليس كاملاً.

وحين ننقل هذه الصورة الاستعارية إلى مرحلة "المراهقة"، نلحظ أن الإمام (ع) قد قصد من صورة (الوزير)، إن (المراهق) يتحسس باستقلاليته، إلا أنه لا يملك الكلمة الأخيرة ما لم تقترن بموافقة رئيس الدولة، أي: إن التدريب ثانية، والتأكيد عليه في مرحلة المراهقة: سيدع الشخصية تستكمل جوانب استقلالها التام، وتضع حداً للتموج الذي يطبع تصرفاتها.

وعلى أية حال، فإن ما يهمنا الآن، هو: إننا بعد أن عرفنا طبيعة التصور الإسلامي لمرحلة المراهقة، يعنينا بعد ذلك: أن نحدد جانبين خطيرين منها، هما: بدايتها وصلة المسؤولية المترتبة على هذه البداية. ثم صلة ذلك بتصورات البحث الأرضي لهذا الجانب.

إن هذا الجانب، له خطورته بالغة المدى، إذا أخذنا بنظر الاعتبار، إن التصور الإسلامي يفترق تماماً عن التصور الأرضي في تحديد مرحلة (الرشد) والاضطلاع بمسؤولياتها: سواء أكان ذلك يتصل بمسؤوليات "الخلافة على الأرض" وهو ما يخص الشخصية الراشدة المسلمة، أو ما كان متصلاً بالمسؤوليات بعامة، وهو ما يخص مطلق الآدميين في تحديد مسؤولياتهم، وفي خضوعهم لفعاليات (التعلم)، وصلته بتحديد مستويات النماء العقلي لهذه المرحلة وامتداداتها.

إن البحث الأرضي يضع فارقاً بين ظاهرة (البلوغ) وظاهرة (الرشد): بحيث يصوغ تحمل السؤولية في (18) عاماً، وهو بداية الرشد في تصور الأرض.

بينا نجد المشرع الإسلامي قد حدد (الرشد) مقترناً بمرحلة (البلوغ)، أي: جعل البلوغ والرشد، مرحلة واحدة من حيث النمو الجسمي والعقلي، وصلة هذه المرحلة من النمو بتحمل المسؤولية.

وواضح، أن وجود مثل هذا الفارق بين التصورين الإسلامي والأرضي، ينطوي على خطورة لا يمكن تجاهلها، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن البحث الأرضي لا يحمل (البالغين) [من 13 أو 14 أو 15] أية مسؤولية في تصرفاتهم ما لم يصلوا إلى (18) عاماً.

لاشك أن لبلوغ الشخصية (18) عاماً، أهمية نمائية سنوضحها من خلال التصور الإسلامي لهذه السن.

بيد أن ذلك لا يتدخل في حسم الموقف: بحيث يشكل هذا الجزء من نماء المرحلة، بداية لتحمل المسؤولية بدلاً من البلوغ الذي يجسد حالة معينة من النماء الجسمي والعقلي تؤهل الشخصية لتحمل مسؤولياتها.

يضاف إلى ذلك: إن قضية (التعلم) ـ من حيث المهارات العقلية ـ ستسحب آثارها على هذا الجانب، مادام تصور البحث الأرضي، قائماً على وجود فارق بين البلوغ والرشد.

والمهم، أن نتجه الآن إلى المشرع الإسلامي، لملاحظة تصوراته لهذه الظاهرة، بادئين أولاً مع تحديداته لبداية مرحلة (المراهقة) أو البلوغ أو الرشد.

إن ما لحظناه من التفاوت بين الخمس والست والسبع: بالنسبة إلى المرحلة الأولى من الطفولة، وامتداد هذا التفاوت في المرحلة الثانية من الطفولة،... هذا التفاوت نلحظه ممتداً في المرحلة الثالثة (المراهقة) أيضاً: ولذلك نجد التراوح بين (13) و(14) و(15) قائماً بدوره بالنسبة إلى تحديد البداية من مرحلة: البلوغ.

ويمكننا ملاحظة جملة من التحديدات ـ في لسان النصوص ـ تبلور الحقيقة المذكورة.

  1 ـ التحديد الأول

وهذا التحديد يضع (13) عاماً هي: البداية لمرحلة البلوغ، وذلك من خلال الإشارة إلى تحمل المسؤولية، وترتيب آثار الثواب والعقاب.

يقول (ع):

"إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة: كتبت له الحسنة، وكتبت السيئة، وعوقب".

  2 ـ التحديد الثاني

هذا التحديد يؤرجح البلوغ، بين (13) و(14) من خلال عملية الثواب والعقاب نفسها:

يقول (ع) وقد سئل:

في كم تجري الأحكام على الصبيان؟

قال (ع): في ثلاث عشرة وأربع عشرة".[23]

وواضح، أن التحديد يراوح بين 13 و14 حسب التفاوت في النماء لدى الأفراد.

  3 ـ التحديد الثالث

وهذا التحديد يضع (15) عاماً هي: المعيار في هذا الصدد في حالة عدم الاحتلام أو الاشعار، أو الانبات (وهي معايير جسمية في هذا الصدد).

يقول (ع): "الغلام لا يجوز أمره في البيع والشراء، ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك".[24]

ومن هذا النص نستكشف أن الـ(15) عاماً هو التحديد الأخير في حالة فقدان المعايير الجسمية:

إذن: التراوح بين 13 و14 و15 هو مبدأ البلوغ: حسب تفاوت النمو بين الأفراد.

ويبدو أن (الاحتلام) هو المعيار الغالب في معرفة (البلوغ) وعدمه. وهذا ما يحدده النص التالي:

قال (ع): وقد سئل عن: "اليتيم: متى يجوز أمره؟ قال (ع): حتى يبلغ أشده. ثم سئل: وما أشده؟ قال (ع): احتلامه.[25]

وقال (ع) في نص آخر:

"انقطاع يتم اليتيم، بالاحتلام وهو: أشده".[26]

وأما في حالة فقدان المعيار المذكور فإن الإنبات أو الإشعار كما هو لسان النصوص التي تقدم ذكرها، يظل هو المعيار في هذا الصدد.

يقول (ع): متابعاً الإجابة في النص الأسبق على سؤال الراوي:

"قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولم يحتلم.

قال (ع): إذا بلغ ونبت عليه الشعر، جاز عليه أمره".

نخلص مما تقدم، أن البلوغ يبدأ مع العام الرابع العشر في الغالب، مقترناً بالمعايير الجسدية التي تقدم ذكرها. وفي حالة فقدان هذه المعايير فإن بلوغ الخمس عشر (15) هو المعيار في هذا الصدد.

وهذا كله فيما يتصل بالذكور: من حيث الصلة بين المرحلة الراشدة وتحمل المسؤولية، وترتيب آثار العقاب عليها.

وأما فيما يتصل بالاناث، فإن (التاسعة) ـ كما هو واضح ـ هي البداية الراشدة وما يرافقها من تحمل المسؤولية: مع ملاحظة وجود الفارقية في مسائل النمو: على تفصيلات لا يهمنا الدخول فيها.

والمهم، أن التفاوت الذي لحظناه في درجات النمو والفارقية التي تصاحب مرحلة البلوغ في هذا الصدد، قد انتبهت إليه الأبحاث الأرضية، حين ربطت بين ذلك وبين عوامل تكوينية تخص الفرد أو العرق، أو عوامل بيئية تتصل بالأرض، والجو، والتغذية وما إليها.

4 ـ مراحل المراهقة

إلى هنا، نكون قد حددنا مفهوم (المراهقة)  ـ في التصور الإسلامي والأرضي لها ـ كما نكون قد حددنا بدايتها المتمثلة في البلوغ، والفارقية بين التصو الإسلامي والأرضي في هذا الصدد.

بقي أن نحدد جزئيات المرحلة ونهايتها:

ثم امتدادها أو امتداد النماء بعامة: من حيث صلته بعملية التنشئة.

أما فيما يتصل بجزئيات المرحلة، فإن الأبحاث الأرضية، تقسمها إلى فترتين كالطفولة:

1 ـ المراهقة المبكرة: من 13 إلى 16.

2 ـ المراهقة المتأخرة: من 17 إلى 21.

وهذه الأبحاث تضع بين الفترتين فارقاً نمائياً على شتى الصُعُد: العقلية والنفسية والجسدية. ولعل الربط بين السن القانونية (18) وبين المراهقة المتأخرة، يلقي بعض الضوء على فارقية النماء بين مرحلتي المراهقة.

أما المشرع الإسلامي، فقد اشار إلى فارقية النماء بين مرحلتي المراهقة، متمثلة في السن القانونية التي يتبناها الأرضيون في تحمل المسؤولية، أشار إليها بقوله (ع):

"لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل، إلى ثماني عشرة سنة، فإذا بلغها: غلب عليه أكثرهما فيه".[27]

إن الإشارة إلى الثامنة عشرة بالنسبة للمهارة العقلية: الذكاء والحماقة، تدلنا على أن هذه الجزئية من مرحلة المراهقة، لها أهميتها النمائية بحيث تجعل نهاية لعمليات النمو العقلي. ولعل لهذا السبب ـ مثلما قلنا ـ كان البحث الأرضي يتجه إلى جعلها بداية تحمل المسؤولية.

بيد أن المشرع الإسلامي، لم يحدد إلا البلوغ بداية تحمل المسؤولية: كما لحظنا، لبداهة أن (التمييز) لا يتطلب إلا القدر الذي يسمح بمعرفة الخير والشر، دون أن يقترن ذلك بضرورة الوصول إلى قمة المهارة العقلية.

والمهم، إن المشرع الإسلامي حينما يتجاوز ظاهرة الربط بين البلوغ والاضطلاع بالمسؤولية، إنما يتقدم بتحديد مراحل النماء العقلي من حيث درجة المهارة بداية ونهاية.

ومما لا شك فيه، إن النماء العقلي لا يتم منفصلاً عن المهارات الحركية، كما لا يتم منفصلاً عن التجارب التي تحفل البيئة بها. وتبعاً لهذا، فإن تحديد أية مرحلة نمائية يتم وفق معيارين: أحدهما، المعيار العام فيما يشكل القاعدة. والآخر: المعيار الخاص، فيما يقترن بالمؤشرات الخارجية ومساهمتها في عملية النمو.

والإشارة إلى سن (الثماني عشرة 18)، يشكل ـ فيما يبدو ـ قاعدة عامة. وهي ـ وإن كانت في معرض المقارنة بين الذكاء والحماقة، إلا أنها مؤشر واضح إلى أن ثمة مهارة عقلية تستقر عند قوتها وانخفاضها.

ولكن: هل يعني ذلك أن (18) هي المحدد النهائي للنمو العقلي؛ في نظر المشرع الإسلامي؟؟

إن الاجابة على هذا السؤال، ستتبلور عندما نتابع وجهة النظر الإسلامية في عمليات النمو لهذه المرحلة (المراهقة) وسائر المراحل الراشدة لدى الشخصية.

وأول ما يواجهنا من ذلك هو: تحديد المراهقة بسن الحادية والعشرين (21). فقد لاحظنا النصوص الإسلامية وكلها تشير إلى أن هذه المرحلة هي (سبع سنوات)، وإن المرحلة الأولى من الطفولة (سبع سنوات) أيضاً، وإن المرحلة المتأخرة منها هي (سبع سنوات) بدورها، فيما يتم المجموع بواحد وعشرين عاماً.

وهذا يعني أن الـ (21) عاماً، بتميز بمهارة عقلية خاصة، مادام هذا التحديد مرتبطاً بعملية التربية وامكاناتها في التأثير على الفرد: تماماً كما كانت مراحل السبع و(14) سنة متميزة بمهارة خاصة أيضاً.

هنا، يمكن القول إلى أن وجود مراحل متميزة للنمو العقلي، إنما تعد مؤشراً لامكانيات الانتقال من مرحلة إلى أخرى، دون أن يعني ذلك: توقف النمو مثلاً، أو دون أن يعني ذلك: عدم وجود مراحل أخرى من النماء تشق طريقها في منحى آخر من منحنيات النمو.

وتبعاً لهذه الحقيقة، يمكننا أن نتعرف على جملة من منحنيات النمو العقلي، ومنها: النمو الذي يقف عند الثامنة والعشرين (28) من العمر. وفي هذا الصدد يقول الإمام علي (ع):

"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع. ويفرق بينهم في المضاجع لعشر. ومنتهى طوله لاحدى وعشرين. ومنتهى عقله لثمان وعشرين: إلا التجارب".[28]

ففي ضوء هذا النص، وربطه بالنصوص السابقة، نستخلص ان ثمة مراحل أربعاً تبدأ من البلوغ فصاعداً، متمثلة في: 14، 18، 21، 28.

ومما لاشك فيه أن لكل مرحلة من المراحل الأربع، خصيصة نمائية، يمكن استخلاصها من خلال الربط بين المرحلة ونمط المهارة المقترنة بها. فالعام الرابع عشر يقترن مع البلوغ الجنسي، والثامن عشر يقترن مع درجة الذكاء والحماقة، والحادي والعشرون يقترن مع الجسم من حيث نهاية الطول. والثامن والعشرون: يشكل المهارة العقلية في نهايتها غير مقترنة بالمهارات الأخرى.

ونحن إذا عدنا إلى البحوث الأرضية وتجاربها المختلفة في هذا الميدان، لم نجد تحديداً حاسماً لهذه الظاهرة، بل نجد تضارباً ملحوظاً بين وجهات النظر.

إن بعض الباحثين يحدد النماء العقلي عند (16) عاماً. والثاني عند (19) عاماً. والثالث عند (22) عاماً. والرابع عند (23) عاماً. بل إن البعض يجده مستمراً خلال العقد الثالث بأكمله: أي عند التحديد الذي قرره الإمام علي (ع).

ومع هذا التفاوت لدى الأبحاث الأرضية، لا يمكن الركون لأي تحديد حاسم في هذا الصدد.

بيد أن المشرع الإسلامي قد حسم الموقف ـ كما لحظنا ـ حينما جزأ مرحلة الرشد ـ من حيث النماء العقلي ـ إلى المنحنيات المختلفة من النمو وصلتها بسائر المهارات الحركية: بحيث يمكننا القول إلى أن نهاية النماء العقلي من حيث استقلاله عن سائر المهارات، إنما يتم عند (الثامنة والعشرين) من العمر.

هنا، نتساءل من جديد: هل المشرع الإسلامي عندما حدد النمو العقلي لدى الشخصية في الثامنة والعشرين،... إنما جعله نهاية لأي نماء عقلي؟ أم أن ثمة مراحل ـ بعد هذا السن ـ خاضعة بدورها لنمو ـ. ولو من نمط آخر ـ بحيث يقترن مع مهارات أو تجارب تحدد درجة النمو في هذا الصدد؟؟

إن النص الذي تقدم الحديث عنه ـ أي: النص الذي قدمه الإمام علي (ع) وحدد فيه الثامنة والعشرين نهاية للنماء العقلي،... هذا التحديد قد استثنى منه الإمام (ع): التجارب، حيث قال (ع): إلا التجارب. وهذا يعني أن ثمة مهارات عقلية ترتبط بطبيعة التجارب التي يخبرها الفرد.

ومما لاشك فيه أن التجارب ـ من حيث وفرتها أو ضئالتها ـ تساهم في إذكاء المهارة العقلية. وبحوث الأرض طالما تشير إلى هذه الحقيقة: وبخاصة تلك الاتجاهات التي تشدد في تعريف الذكاء على البيئة. بيد أن الإمام علياً (ع) حينما أشار إلى البيئة أنما عنى من ذلك: تجسيد المهارة العقلية في (سلوك)، وليس من حيث النماء الوراثي الذي يتحدد في الثامنة والعشرين: بغض النظر عن المحيط وعدمه: كلما في الأمر، أن المحيط يترجم القدرات العقلية إلى (فعل).

خارجاً عما تقدم، هل ان التجارب لوحدها، تساهم في تجسيد المهارة العقلية، أم أن ثمة مهارات عقلية تشق طريقها لدى الشخصية: من حيث صلتها ـ ليس بالتجارب ـ بل من حيث صلتها بسائر المهارات الجسمية.

هذا السؤال، يمكننا أن نجيب عليه، إذا أخذنا بنظر الاعتبار، أن المشرع الإسلامي، يحدد جملة من مراحل النضج العقلي بعد الثامنة والعشرين، منها:

1 ـ مرحلة الثالثة والثلاثين (33).

2 ـ مرحلة الخامسة والثلاثين (35).

3 ـ مرحلة الأربعين (40).

4 ـ مرحلة الخامسة والستين (65).

إن الإشارة إلى هذه المراحل، تقترن بعملية (النضج) العقلي، وليس بعملية (النماء). فالنمو يقف عند الثامنة والعشرين. أما النضج فإنه يقترن ـ بطبيعة الحال ـ مع تقدم العمر من جانب، وغنى التجارب والخبرات من جانب ثانٍ، بما يصاحب ذلك من التماسك والرصانة في الاستجابة لظواهر الحياة.

من هنا، يمكننا القول إلى أن التحديدات التي رسمها المشرع الإسلامي ـ بعد الثامنة والعشرين ـ إنما تمثل مراحل النضج ـ لا النماء ـ: وبكلمة أخرى: تمثل النضج النفسي من حيث تماسك الاستجابة ورصانتها.

وتبعاً لذلك، نجد أن النصوص التي تتناول أمثلة هذه المراحل، إنما تربط بينها وبين النضج في دلالته المذكورة.

وفي ضوء هذا، يمكننا أن نفسر قوله (ع) مثلاً:

"إذا بلغ العبد ثلاثاً وثلاثين، فقد بلغ أشده. وإذا بلغ أربعين سنة فقد انتهى منتهاه"...[29]

ومن الواضح، إن بلوغ الفرد أشده (من حيث النضج الجنسي) قد حدده الإمام (ع) في نص آخر في (13) عاماً أو في الاحتلام كما سبق التفصيل في ذلك. وهذا يعني أن بلوغ الثالثة والثلاثين إنما هو أشد الشخصية من حيث نضجها العقلي والنفسي، وليس من حيث النماء.

والأمر ذاته، فيما يتصل بالأربعين: حيث يتم النضج في أعلى درجاته.

والنصوص الإسلامية التي تطالب الفرد بمحاسبة نفسه عند الأربعين، والاقلاع عن مقارفة الذنب... هذه النصوص تلقي إنارةً كاملة على مفهوم (النضج) الذي حددناه في هذا الصدد.

ويمكننا، أيضاً أن نفسر النص التالي في ضوء الدلالة المذكورة.

يقول (ع): "يزيد عقل الرجل بعد الأربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك".[30]

فالزيادة ـ في هذا النص ـ تعني (النضج) وليس (النماء)...

ومع أن النص يقابل بين الزيادة والنقصان، إلا أننا ينبغي ألا نستخلص من ذلك إن الزيادة تعني النماء العقلي مقابلاً للنقصان الذي يلحق الشخصية في شيخوختها.

بل إن النقصان ـ في واقعه ـ يمثل خفوت سائر المهارات في السن المذكورة، شأنه في ذلك: شأن سائر القوى الجسدية التي تتحدد في مرحلة خاصة: كالطول الذي يتحدد في الحادية والعشرين مثلاً ممتداً إلى مراحل معينة، حتى يبدأ بالتقوض: مقترناً بذلك مع خفوت قوى الفرد بكاملها مع الشيخوخة.

بعامة، تظل مرحلة الطفولة الأولى (من 1 إلى 7)، عديمة الأثر في عملية التنشئة.

وأما الطفولة الثانية، فتعد ذات أهمية بالغة المدى ـ كما قلنا ـ وتبعاً لهذه الأهمية، فإن المعنيين بشؤون التربية والتعليم، ينبغي أن يوجهوا بالغ عنايتهم ليس إلى تنمية المهارات العقلية (القراءة والكتابة) فحسب، بل إلى تنمية المهارات النفسية والاجتماعية أيضاً: كأن تخصص (مواد) تطبيقية لهذا الغرض من نحو تدريب الأطفال على الثقة بالنفس، والشجاعة، ومواجهة (الغرباء)، والتحدث في المجتمعات العامة وما إلى ذلك.

أن ما يقال في مرحلة التعليم الابتدائي، يمكن أن نقوله في مرحلة التعليم الثانوي أيضاً، بل حتى في المرحلة الجامعية: في سنواتها الأولى، أي طوال سنوات (المراهقة) السبع.

فالملاحظة أن المشرع الإسلامي ـ ومثله علماء النفس والتربية ـ يجعل من مرحلة (المراهقة)، امتداداً لمرحلتي الطفولة: من حيث خضوعها للتدريب والتعلم بعامة.

إن فترة المراهقة كما تقدم نظراً لتميزها بالاضطراب وبعدم الثبات، بسبب من طابعها الانتقالي من الطفولة إلى الرشد، تفتقر بدورها إلى قدر من التعلم يتناسب وحالة عدم الثبات فيها.

من هنا جعلها المشرع الإسلامي امتداداً للمرحلة السابقة، بالرغم من أن "المراهق" يتحمل مسؤولية سلوكية كاملة: من حيث ترتيب آثار الثواب والعقاب الأخروي على سلوكه.

ولكن مع ذلك، فإنه بحاجة إلى التدريب حتى يستكمل أي نقص تربوي لم تتحه فرصة الطفولة الثانية. ففي نص تربوي سبق أن عرضناه، قال الإمام الصادق (ع): [الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين].

فالسبع سنوات الأخيرة، أي (من 14 إلى 21) وهي سنوات المراهقة، تجسد بداية مرحلة البلوغ التي يتحمل المراهق فيها مسؤولية سلوكه: من ممارسة الواجب وترك المحرم، ... ولكن مع ذلك، يطالبنا الإمام (ع) بأن نعلم المراهق: الحلال والحرام في هذه المرحلة. مع العلم: أن المفروض أن يكون الفرد قد تعلم الحلال والحرام من أول سنة 14 أي: أول بلوغه، فما معنى أن يطالب بتعلم الحلال والحرام طوال سبع سنوات؟

الجواب هو: أن المقصود من تعلم الحلال والحرام هو: التأكيد على أهمية هذه المرحلة المضطربة، وامكاناتها في تعديل السلوك، وعدها فرصة أخيرة لعمليات التدريب على السلوك العبادي.

وقد أشارت النصوص الإسلامية بوضوح إلى الطابع غير المستقل لدى شخصية المراهق. فالنبي (ص) كما لحظنا قد شبه الطفل في مرحلته الأولى، وهي مرحلة (اللعب) (من 1 إلى 7) شبهه بـ(السيد). وشبهه في مرحلته الثانية (من 7 إلى 14)  بـ(العبد) أما في المرحلة الثالثة، فقد شبهه بـ(الوزير).

لنقرأ النص من جديد:

(الولد سيد سبع سنين. وعبد سبع سنين. ووزير سبع سنين).

ومن الواضح، أن (الوزير) يختلف عن رئيس الدولة مثلاً كما قلنا بأنه لا يملك صلاحيات كاملة في تسيير أمور الدولة، كما يختلف عن المواطن الأهلي بتملكه صلاحية رسمية في ممارسة شؤون الدولة: ولكنها في نطاق محدد. وهذا يعني أن المراهق يجمع بين استقلال الشخصية وعدمه،... أنه مستقل ولكنه استقلال ناقص.

ومن هنا يفتقر إلى مزيد من التدريب حتى يسد النقص، ويستكمل استقلال شخصيته. وإذا كان الأمر كذلك: حينئذ لابد من متابعة تدريبه على تعلم السلوك الصائب على نحو ما نبذله من التدريب في مرحلة الطفولة المتأخرة. نفهم هذا بشكل واضح، حينما نتابع الوثيقة التربوية التي قدمها النبي (ص) حيث أضاف قائلاً: (فإن رضيت خلائقه لاحدى وعشرين سنة: والاضرب على جنبيه، فقد اعذرت إلى الله).

وهذا يعني أن نهاية المراهقة، تمثل: (نهاية) لامكانات التدريب، أي: إنها تتمتع بامكانات تطبيع الفرد على السلوك الصائب، بحيث إذا فشلت التربية في تدريبه (في سن 21) على السلوك الجيد، حينئذ يكون ولي أمره معذوراً أمام الله أي، إن نهاية التدريب، تتم مع نهاية مرحلة (المراهقة)، وتنتهي بذلك مسؤولية ولي أمره.

ونخلص من هذا كله، إلى أن المعنيين بشؤون التربية الإسلامية، ينبغي ألا يهملوا أيضاً مراحل الدراسة الثانوية والجامعية التي تستغرق سنوات (المراهقة) السبع، وألا يكتفوا فيها بتعليم المهارة (المعرفية) للطالب، بل يضيفون إليها، تعليم السلوك بعامة أيضاً. على نحو ما قلناه عن مرحلة التعليم الابتدائي: فمادامت (المراهقة) ذات امكان على تعلم السلوك، يماثل امكانات الطفولة: حينئذ يتعين على مسؤولي التربية ملاحظة هذا الجانب، والتشدد على (تعديل) أي سلوك: لم تستطع مرحلة الطفولة أن تعدل منه.

من جديد...

نلفت انتباه المشتغلين في حقل التربية والتعليم إلى ملاحظة هذا الجانب، والعناية به بنفس العناية التي يولونها حيال (المعرفة)، وأعني به: تخصيص (الحصص العملية) لتعلم السلوك النفسي والاجتماعي، في كل مراحل التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي.

كما نلفت انتباه الأبوين، وأولياء أمور الأطفال والمراهقين بعامة، إلى مراعاة هذا الجانب، واستثمار مرحلة الطفولة المتأخرة (من 7 إلى 14) والمراهقة (من 14 إلى 21). في التدريب على السلوك الإسلامي في مختلف الصعد، حتى يختزلوا أمامهم متاعب المرحلة الراشدة بما يواكبها من بيئة تعج بالمثيرات والاحباط وما يجرانه من صراع وتمزق وانحراف...



[1] الوسائل: باب 82 ح4 أحكام الأولاد.

[2]  الوسائل باب 86 ح9 أحكام الأولاد.

[3]  الوسائل باب 86 ح7 أحكام الأولاد.

[4]  الوسائل: باب 84 ح6 أحكام الأولاد.

[5]  الوسائل: باب 84 ح1 أحكام الأولاد.

[6]  الوسائل: باب 84 ح5 أحكام الأولاد.

[7]  الوسائل: باب 83 ح2 أحكام الأولاد.

[8]  الوسائل: باب 4 ح1. اعداد الفرائض ونوافلها.

[9]  الوسائل: باب 14 ح1 عقد البيع وشروطه.

[10]  الوسائل: باب 33 ح1 ما يكتسب به.

[11]  الوسائل: باب 44 ح3 أحكام الوصايا.

[12]  الوسائل: باب 44 ح2 أحكام الوصايا.

[13]  الوسائل: باب 127 ح4 مقدمات النكاح.

[14]  الوسائل: باب 128 ح1 مقدمات النكاح.

[15]  الوسائل: باب 128 ح2 مقدمات النكاح.

[16]  الوسائل: باب 67 ح2 مقدمات النكاح.

[17]  الوسائل: باب 9 ح2 حد الزنا.

[18]  الوسائل: باب 55 ح2، أحكام الأولاد.

[19]  الوسائل: باب 74 ح5، أحكام الأولاد.

[20]  الوسائل: باب 74 ح4، أحكام الأولاد.

[21]  الوسائل: باب 83 ح1 أحكام الأولاد.

[22]  الوسائل باب 83 ح7 أحكام الأولاد.

[23]  الوسائل: باب 44 ح12، أحكام الوصايا.

[24]  الوسائل: باب 4 حديث مقدمة العبادات.

[25]  الوسائل: باب 2 ح2 أحكام الحجر.

[26]  الوسائل: باب 2 ح2 عقد البيع.

[27]  البحار ص96، جلد 1، العقل والجهل.

[28]  الوسائل: باب 74 ح5 أحكام الأولاد.

[29]  الوسائل: باب 97 ح7، جهاد النفس.

[30]  البحار، ص131، ج1، العقل والجهل.