|
||||||||
1 ـ التربية
المسيحية
الأولى
موقف
المسيحيين
الأوائل من
المعرفة
الوثنية مدارس
الكهنوت
والمدارس
الكاتدرائية
2 ـ
الرهبنة أو
التربية
كترويض
أخلاقي
مدى
التربية
الرهبانية
وأهميتها اصل
الرهبنة
|
||||||||
التربية مقدّمة الى
القارئ
الكريم التربية
عملية تبدأ
ببداية
الحياة ولا
تنتهي إلا
بانتهائها.
وهي عملية
يقع تحت
تأثيرها كل
إنسان،
ويمارسها
الأب والأم
والمعلم
والدولة
والشارع
والنادي
وغير ذلك من
المؤسسات. واطلاع
الإنسان
المثقف على
وقائع
التربية
ومناهجها
وطرقها
واتجاهاتها
أمر لا غنى
عنه للأب
والأم
والمعلم
والزعيم
ورجل الحكم
والإنسان
المثقف
وبكلمة واحد
كل إنسان. ولقد
حرصت في
أحاديثي
التربوية
على ان اطلع
قرائي من
خلال المجلة
والمذياع
والتلفاز
على حقائق
التربية
ومقوماتها
واتجاهاتها
وما يجوز
فيها وما لا
يجوز. وفي
كتابي هذا
الذي أقدمه
للقارئ
أحاديث عن
التربية
القديمة لا
غنى عنها
للقارئ من
أجل فهم عميق
لأسس
التربية
الحديثة
ومنابعها
ومصادرها
كما أن فيه
أحاديث عن
التربية
الحديثة
ومعالمها
واتجاهاتها.
واني لأرجو
مخلصاً أن
يجد القارى
الكريم في
هذا الكتاب
ما يرضي
فضوله وما
يساعده على
فهم هذه
العملية
البالغة
الخطورة. دمشق فاخر
عاقل التربية
في القرون
الوسطى قضت
القرارات (312، 313،
321 الخ) التي
أصدرها
الامبراطور
قسطنطين ان
تصبح
المسيحية
الدين
الرسمي
للامبراطورية،
ولكن هذا لا
يعني طبعاً
ان المسيحية
أصبحت الدين
الفعلي
لسكان هذه
الامبراطورية،
كما ان هذا
لا يعني ان
المسيحية قد
تغلغلت فعلً
إلى نفوس من
آمنوا بها،
انما يعني ان
الكنسية قد
أخذت تصير
السلطة
العليا.
والواقع ان
الكنيسة
بقيت قروناً
وهي المؤسسة
الوحيدة
التي توجه
المجتمع
وتتحكم فيه. ولقد
كانت الحاجة
الأهم
بالنسبة
للمجتمع في
القرون
الوسطى،
سواء عند
الرومان
الذين بدأت
اخلاقهم
بالانحلال
أو عند
القوطيين
والفاندال،
حاجة سلوكية
أخلاقية
يكفيها مثل
أعلى جديد
ودوافع سلوك
غير التي
كانت سائدة
لا سيما بعد
أن عجزت
التربية
وعجز الدين
عند اليونان
والرومان عن
تلبية هذه
الحاجة. أما
الدين
المسيحي فقد
نفخ في
التربية
روحاً جديدة
ووجه
المجتمع
توجيهاً
جديداً كان
من نتائجه أن
وجهت
العناية إلى
السلوك أكثر
من العقل وحل
الترويض
الأخلاقي
محل الفلسفة
الأخلاقية
وصارت
التربية
نمطاً
حياتياً
قاسياً
غايته
التحضير
لحياة أخرى.
وكان هذا
الانضباط
الأخلاقي
يرى وجوب كبت
كل ما ينشأ
عن الرغبات
الطبيعية،
كما يرى ان
كل ما له
علاقة بهذا
العالم شر،
وان كل ما
يمت إلى
الجمال
والذوق بصلة
جريمة. وهكذا
يمكننا
القول بأن
التربية قد
خلت من كل
عنصر عقلي
طوال المدة
الفاصلة بين
القرن
السادس
والثالث عشر
وحتى حين
بدأت العنصر
العقلي
يتسرب إلى
التربية من
جديد فقد
كانت تطغى
عليه النظرة
الترويضية.
وعلى هذا
يمكننا
القول بأن كل
أنواع
التربية
التي تميزت
العصور
الوسطى بها
كانت
ترويضية
بمعنى أو
بآخر، وقد
كان هدف
التربية
تحضير الفرد
بطرق قاسية،
جسدياً
وعقلياً
وأخلاقياً،
لحياة أخرى
بعيدة عن
الحياة
الحاضرة. وقد
قضت الكنيسة
والرهبنة أن
تكون هذه
الحياة
الأخرى هي
الآخرة
ولذلك فقد
كانت
التربية، في
هذه
الأثناء،
معادية
لنظريةاليونان
الفردية
ونظرة
الرومان
الاجتماعية. 1 ـ
التربية
المسيحية
الأولى
المثل
الأعلى
الجديد
للتربية لقد
كان أفلاطون
وأرسطو
وباقي
فلاسفة
اليونان
يبنون
فلسفاتهم
الأخلاقية
على أساس
طبيعة
الإنسان
العاقلة.
وبما ان
العقل
الصحيح
والصفات
العقلية
الممتازة
ملك للبعض
فقط، فقد
كانت
التربية
عندهم
ارستوقراطية
بطبيعتها
وتطبيقها.
أما
المسيحية
فقد بنت
تعاليمها
على طبيعة
الإنسان
الاخلاقية.
وبما ان
الاخلاص أمر
عام يملكه كل
إنسان او على
الأقل يمكنه
تنميته عند
كل إنسان فقد
كانت الحلول
التي قدمتها
عالمية. لقد
رأت
المسيحية حل
مشاكل
العالم لا في
السعادة
العاجلة ولا
في طبيعة
الإنسان
العاقلة،
انما في فكر
المحبة
والاحسان.
وهكذا فقد
قدمت طبيعة
الإنسان
الاخلاقية،
التي لم تؤثر
فيها
الأديان
الوثنية،
إلا تأثيراً
خفيفاً،
والتي لم
تهتم بها
الفلسفة
اليونانية
إلا اهتماما
ًميتافيزيكياً،
نقول انها
قدمت حلولاً
جديدة
لمشاكل
التربية
والأخلاق. وهذا
الاهتمام
السلوكي
الاخلاقي
نتج عن اهمال
للمظهر
العقلي
الجمالي
الذي ساد
تربية
اليونان
والرومان.
فإذا أضفنا
إلى ذلك ان
المسيحية
توجهت
بالنداء إلى
الطبقات
الفقيرة
والمحكومة
التي كانت
مهملة في
المجتمع
الروماني
وان هذه
الطبقات
كانت أبعد ما
تكون عن
العلم
والفلسفة
اللذين كانت
تستأثر بهما
الطبقات
الحاكمة
الثرية وان
العداء
المستحكم
بين
الطبقتين
انتقل إلى
معتقديهما (الدين
عند الفقراء
والفلسفة
عند
الاغنياء)،
وإذا ذكرنا
ان الأدب
والفلسفة
ومدارس
الثقافة
القديمة
كانت حصون
الوثنية،
أوقل إذا
ذكرنا كل هذا
أدركنا سبب
الهوة التي
قامت بين
الدين
والعلم، بين
فلسفة
اليونان
والمسيحية،
وعرفنا سبب
سيادة
العنصر
الديني
الأخلاقي
وحلوله محل
العنصر
العقلي
الجمالي
والجسدي في
التربية
المسيحية. ان ما
حدث هو ترتيب
جديد
للعوامل
الاجتماعية
والتربوية،
فلقد كان
الدين
بالنسبة
لليونان
والرومان
أمراً
سياسياً لا
علاقة له
بالخلق
الشخصي
والسلوك
الجيد، وعلم
الاخلاق
نفسه كان
جزءاً من
الفلسفة،
أما في
المسيحية
فقد انفصل
الدين عن
السياسة،
واتصلت
الأخلاق
بالدين
وأعطيت
محلاً لم
يسبق له مثيل
في تنظيم
المجتمع
والتحكم في
الجماعات
فكان من
نتيجة هذا ان
انقطعت صلات
قديمة وقامت
أخرى جديدة
فانقطعت
الصلة بين
الدين وعلم
الجمال
والآداب
والفلسفة
وكان ان تخلت
التربية عن
هذه الأنواع
من المعرفة
التي كانت
تعتبر أهم
وجوه
التربية في
عالم
اليونان
والرومان
مدة قرون عدة. موقف
المسيحيين
الأوائل من
المعرفة
الوثنية يمكننا
قسم زعماء
الكنيسة
الأوائل
بالنسبة إلى
موقفهم من
المعرفة
المسيحية
إلى قسمين
مختلفين: قسم
يعتقد ان
المعرفة
الوثنية
تشتمل على
كثير من
الأمور
المفيدة
للمسيحيين
والمسيحية،
وان قسماً
كبيراً منها
متفق مع
تعاليم
الانجيل وان
الفلسفة
والمسيحية
كليهما بحث
عن الحقيقة،
وان في كل
فلسفة حقيقة
ذات قيمة
رغماً عن
انها ناقصة،
وانه لذلك
كله، من واجب
المسيحية ان
تشتمل على كل
هذه المعرفة
القديمة وان
تبنى عليها.
أما الفريق
الثاني فهم
يذكرون
فظاظة
الفلاسفة
اليونان
وموقفهم
السيء من
الدين
المسيحي
ويشيرون إلى
سوء سلوكهم
ويعزون ذلك
إلى دينهم
وفلسفتهم،
ولذلك كله
فهم يرون ان
لا مجال
للاتفاق بين
الحقيقة
والدنيا. ومجمل
القول ان
النظرة
الأولى
الصديقة
لفلسفة
اليونان
سادت تاريخ
الكنيسة
الأول ولا
سيما الشرق
بين
اليونان، ثم
شاعت النظرة
المعادية في
الغرب وسادت
بين مسيحيي
تلك الأقسام
حتى قبل أن
يجتاح
البرابرة
الامبراطورية
الرومانية.
ولقد كان
طبيعياً أن
يربط مسيحيو
الغرب بين
الوثنية
والثقافة
القديمة
وذلك لأن
الآداب
القديمة
كانت المعقل
المنيع
للدين
الوثني،
ولقد كان
العداء
الشديد
للدين
الجديد يصدر
عن جماعة هذه
الآداب، كما
ان المدارس
كانت ملاذ
الوثنية.
ولهذا كله
فلم يكن من
المستغرب ان
يعزف الناس
عن المعرفة
والتعلم وان
يسود الظلام
العصور
الوسطى. لقد
ذكرنا فيما
سبق سبباً
هاماً من
أسباب
العداء بين
الدين
والعلم ألا
وهو اعتبار
الكنيسة بأن
مهمتها
أخلاقية وان
حاجة العصر،
في ذلك
الحين،
أخلاقية،
فإذا أضفنا
إلى ذلك
الاعتقاد
الذي ساد ذلك
الوقت بأن
ظهور المهدي
بات وشيكاً
وانه لذلك
فلا فائدة
ترجى من
الثقافة أو
العلم أو أي
اهتمام
دنيوي، وإذا
جمعنا إلى
ذلك الحقيقة
التاريخية
المعروفة
وهي ان
اضطهاد
المسيحيين
الأول جعلهم
ينصرفون عن
كل اهتمام
علمي ولا
يجدون الوقت
اللازم له لو
أرادوا مما
سبب
انصرافهم عن
العلم
ومعادتهم
له، وذكرنا
ان الرهبنة
أو الانصراف
عن الدنيا
سادت تلك
القرون،
نقول إذا
جمعنا هذه
الأسباب
كلها عرفنا
سبب العداء
الذي استحكم
بين الدين
والعلم خلال
النصف الأول
من القرون
الوسطى. ولعل
من المناسب
أن نذكر
سببين آخرين
قد لا يكونان
أقل أهمية
وهما: انتشار
الدين
المسيحي بين
الطبقات
الفقيرة،
مما أشرنا
إليه
سابقاً،
وانتشار هذا
الدين بين
البرابرة من
التوتون
الذين لم يكن
من الممكن ان
يتذوقوا
حلاوة العلم
وهم على ما
كانوا عليه
من وحشية.
وأخيراً فإن
وحدة
الكنيسة في
الغرب
وتحكمها
برعاياها
أبعدت
المسيحيين
عن العلم
إبعاداً
كاملاً،
الأمر الذي
لم يكن
ممكناً في
الشرق حيث
دام ازدهار
العلم زمناً
طويلاً بعد
انعدامه في
الغرب. إن
موقف الآباء
المسيحيين
اليونان هو
موقف
الكنيسة
عامة، فلقد
كان
الكثيرون
منهم فلاسفة
قبل أن
يتنصروا
ولذلك فقد
شجعوا كلهم
دراسة
الآداب
والفلسفة،
ولذلك فقد
كان (كليمانت
الاسكندري) 160
ـ 215م وهو احد
كبار واضعي
اللاهوت
المسيحي يرى
" ان
المزامير
ليست إلا
افلاطونية
مثالية " وان
" افلاطون هو
مسوس آثيني "
وان "
الفلسفة
الوثنية مرب
عمله جلب
العالم إلى
المسيح " ومن
نظرياته ان
بين الله
والإنسان
ثلاثة عقود
هي: القانون
والانجيل
والفلسفة.
وخلاصة
القول ان
جميع
كتاباته
وتعاليمه
كانت ترمي
إلى مصالحة
الدين
والعقل، بين
التعاليم
المسيحية
والفلسفة
الوثنية. وفي
زمن القديس
باصيل 331 ـ 379
ازداد
العداء بين
الدين
المسيحي
والفلسفة
اليونانية
وأصبح أكثر
وضوحاً،
ولكن هذا
القديس احتج
على التعصب
ضد الآداب
والفلسفة
اليونانية
وبذل جهداً
كبيراً في
البرهنة على
ان هذه
الآداب
مليئة
بالمبادئ
والحوادث
والأمثال
المفيدة.
وهذا لا يعني
طبعاً ان
القديس
باصيل وافق
على تعليم
الآداب
اليونانية
وتحمس لها
موافقة
القدامى من
الآباء
اليونان، ان
المشكلة
كانت تشغل
باله فكتب
يقول " قد
تسأل عما إذا
كان من
واجبنا ان
ندع الآداب
جانباً؟ كلا
أنا لا أقول
ذلك، ولكني
أقول بأنه
يجب أن لا
نقتل الروح،
والحق ان
الاختيار
واقع بين
أمرين: تربية
حرة يحصل
عليها الطفل
عن طريق
ذهابه إلى
المدرسة، أو
خلاص روحه
الذي يحصل
عليه عن طريق
إرساله إلى
الرهبان.
والسؤال
الآن من
سيكون
الرابح:
العلم أم
الروح. أما
الجواب فهو:
إذا كان من
الممكن
التوفيق بين
الاثنين
فأناشدك
الله أن
تفعل، أما
إذا لم يكن
ذلك ممكناً
فاختر
الاثمن ". أما
موقف الآباء
اللاتين في
الغرب فقد
كان
مختلفاً، إذ
ما كاد يطل
القرن
الرابع
للميلاد حتى
أصبحت
الفلسفة
اليوناينة
هناك مرادفة
للعداء ضد
الكنيسة.
ولقد ظهر هذا
العداء
واضحاً عند
القديس
جيروم (331 ـ 342)
والقديس
جيروم ترجم
الانجيل وقد
بقيت ترجمته
هي الوحيدة
المقبولة
مدة طويلة.
وقد كان
لرؤيا هذا
القديس
المشهور أثر
عظيم جداً.
انه حلم بأنه
مات وجرّ
أمام
الديّان
الذي سأله من
أنت؟ " فأجاب
" مسيحي "
وحينئذ اهتز
العرش وصاح
الديان
محذراً
الأجيال: "
انك خاطئ،
انك لست
مسيحياً انك
شيشوروني.
انه حيث يكون
الكنز يكون
القلب أيضاً.
" والقديس
اوغسطين 354 ـ 430
الذي كان
يشتغل
بالفلسفة
اليونانية
ويعلم
البلاغة
والخطابة
حتى تجاوز
نصف عمره
والذي هو من
اشهر آباء
الكنيسة
الغربية
وأطولهم
باعاً
وأوسعهم
معرفة
وأقواهم
أثراً
ويعتبر
المسؤول عن
منع تدريس
الفلسفة
والآداب. إن
المسيحية
بثورتها على
المجتمع
الفاسد كانت
نوعاً من
التربية له
أهمية
كبيرة،
طبعاً لم تكن
تربية من نوع
عقلي، انما
كانت تربية
أخلاقية
تناولت
السلوك
البشري
بالاصلاح
وحاولت
تهديم
المجتمع
القديم
ولذلك فقد
وجهت
اهتمامها
إلى الناحية
الأخلاقية. لعل
أولى
المدارس
المسيحية هي
تلك التي
كانت تهتم
بتعليم
المسيحيين
قواعد
دينهم، فلا
يقبل
المسيحي إلى
المسيحية
قبل أن
يستوعب دينه
ويلقن أسسه
وقواعده.
وهذه
المدارس
كانت سرية في
البدء
واهتمامها
الأوحد هو
التعليم
المسيحي. حينما
بدأ زعماء
النصرانية
في
الاسكندرية
يحتكون
بمدارس
الفكر
اليونانية
أصبح من
الضروري
تزويد رجال
الدين
بمعلومات
تعادل
معلومات
أخصامهم
وتمكنهم من
الرد عليهم.
وفي سنة 179
أصبح (بانتنيوس
pantonus)
الفيلسوف
الرواقي
المتنصر
رئيساً
للمدرسة
التنصيرية
في
الاسكندرية،
فعمل على
استخدام
علوم
اليونان
وفلسفتهم في
الرد عليهم
وتثبيت
دعائم
الدين، وقد
حرص أخلافه
على اتمام ما
بدأ به
فوضعوا علم
اللهوات
المسيحي
فنشا عن هذه
الحركات
كلها ما سمي
بالمدارس
الاستجوابية. مدارس
الكهنوت
والمدارس
الكاتدرائية
نظم كل
مطران مدارس
خاصة في
مطرانيته
لتدريب رجال
الكهنوت
التابعين
له، ومع
الزمن صار
لهذه
المدارس
قوانين نظمت
عمل هذه
المدارس وفي
القرن
الخامس
والسادس
أصدرت مجالس
الكنيسة
قوانين تقضي
بأن يدخل
الاطفال
الذين
سيصبحون
كهنة إلى هذه
المدارس في
سن مبكرة
ليعنى بهم
رجال
الكهنوت تحت
إشراف
المطران. وقد
كانت هذه
المدارس
تسمى في
الغرب
المدارس
الكاتدرائية
نسبة إلى
الكاتدرائيات
التي كانت
توجد فيها.
وحينما
انهارت
الامبراطورية
الرومانية
أصبحت هذه
المدارس، هي
ومدارس
الرهبان،
المدارس
الوحيدة في
الغرب. 2 ـ
الرهبنة أو
التربية
كترويض
أخلاقي
مدى
التربية
الرهبانية
وأهميتها تشمل
الرهبنة
بمعناها
الواسع
أولئك الذين
نذروا
أنفسهم
لحياة دينية
وعاشوا
وفقاً
لقواعد تضبط
حياتهم في
أدق
تفاصيلها،
ولهذا السبب
يطلق عليهم
الكثيرون
اسم (الكهنوت
النظامي)
تمييزاً لهم
عن باقي رجال
الدين الذين
يعيشون في
المجتمع
كأفراد
عاديين
والذين لا
يخضعون لمثل
القواعد
التي يخضع
لها الرهبان. اشرنا
في القسم
السابق إلى
مدارس
الكهنوت
والمدارس
الكاتدرائية،
ويهمنا هنا
أن نشير إلى
أن مدارس
الأديرة
كانت أهم
المدارس
التي وجدت في
غرب أوروبا
منذ القرن
السابع حتى
زمن
الاصلاح،
وعن هذه
المدارس
بالذات نشأ
فيما بعد عدد
عديد من
المدارس
سنشير إليها
في حينها.
وبما ان
الرهبنة،
وتربيتها
تشمل عدداً
وافراً من
المؤسسات
وقد تحكمت في
رقعة واسعة
من الأرض (من
مصر إلى
ايرلندا)
ودامت حقبة
طويلة من
الزمن (ما
ينوف على
سبعة قرون)
فإنه من غير
المستطاع أن
نتحدث عنها
بالتفصيل
المرغوب
ولذلك
فسنكتفي
بالاشارة
إلى خطوطها
العامة. اصل
الرهبنة
التقشف
هو الفكرة
الأولى في
الرهبنة،
والتقشف
يعني ترويض
الجسد
والرغبات
الجسدية،
وانكارها
بغية تمكين
الروح من
الانقطاع
إلى حياة
سامية نبيلة.
ومن المناسب
أن نذكر ان
هذه الفكرة
موجودة في
كثير من
الأديان (كإليهودية،
المزدكية،
البوذية
المصرية
القديمة،
وعند كثير من
الفلاسفة
اليونان)
التي اتصلت
بها
المسيحية
الأولى وفي
كل هذه
الأديان كان
الاعتقاد
السائد انه
لا يمكن
للروح أن
تسمو إلا إذا
تناست حاجات
الجسد
الطبيعية
والمادية.
وهذا
التناسب
انما يكون
بطرق عدة
كالصوم
والعري
والسكوت
وبعض
الأعمال
الشاقة. وقد
ساعد على
قيام
الرهبنة
أوامر
المسيح
بتكريس
الإنسان
نفسه للحياة
المقبلة
وبيعه
ممتلكاته
لإعطائها
للفقير إلى
آخر ما هنالك
من تعاليم
فهمها الناس
آنئذٍ على
أنها دعوة
للزهد
والانصراف
عن الدنيا. أما في
الشرق فقد
كان سبب
الرهبنة
اتصال الدين
المسيحي
بأديان
الشرق وأما
في الغرب فلم
تنتشر
الرهبنة إلا
بعد أن عمت
النصرانية
وتحكمت
الكنيسة في
الحياة
العامة ولعل
أول من اعطى
للرهبانية
قيمتها هو
القديس
انطوان الذي
هرب عام 305 إلى
الصحراء على
سواحل البحر
الأحمر حيث
أخضع نفسه
لعذاب جسدي
قاسٍ أصبح
فيما بعد
مثلاً يحتذى
وقد نقلت
الرهبنة إلى
الغرب على يد
(اثاناسيوس 296
ـ 373) و(جيروم 340 ـ
420). ومما تجدر
ملاحظته ان
رهبان الشرق
كانوا
يعيشون
وحيدين أما
رهبان الغرب
فقد كانوا
يعيشون
جماعات. في
البدء كان
لكل جماعة
قوانينها
الخاصة، وفي
عام 529 وضع
القديس (بندكت)
قواعد عمل
الباباوات
على جعلها
عامة مقبولة
في أوروبا
الغربية
كلها. وهذه
القواعد لم
تكن تضبط
الأديرة
وحدها بل
كانت هناك
قواعد أخرى
تضاف إليها
في كل دير أو
مجموعة من
الأديرة، ثم
اضيف إلى هذه
القواعد
فيما بعد (في
أواخر النصف
الأول من
العصور
الوسطى)
قواعد أخرى
اضيق واشد. ولسنا
هنا في موضع
تفصيل هذه
القواعد،
انما المهم
ان نشير إلى
ان عدد قواعد
القديس
بندكت كان 73
قاعدة تميزت
بالاشارة
إلى ضرورة
العمل
اليدوي.
وقالت ان
الكسل مضر
بالروح (وفي
هذا كما
يلاحظ خروج
على قواعد
التنسك في
الشرق) ولذلك
فلا بد من
الاشتغال
بعمل يدوي
مدة سبع
ساعات
يومياً.
وهكذا فقد
كانت قواعد
بندكت هذه هي
أول اشارة في
التربية إلى
قيمة العمل
اليدوي. ومع ان
هذا العمل
اليدوي
وطريقه
مختلفان عن
فكرتنا عن
العمل
اليدوي
وطريقتنا
فيه فإن هذه
الخطوة كانت
خطوة كبيرة
إلى الأمام
بالنسبة
لمفهوم
التربية عند
اليونان
والرومان،
كما كانت
السبب الأهم
فيما قد يكون
للرهبنة من
فوائد. لقد
قدم الرهبان
حدائق
نموذجية
وحقولاً
متقنة
للفلاحة
والزراعة،
وصناعات هي
خير ما عرف
في حينها
وحرف ماهرة
قلدها من
حولهم من
السكان ودرت
على الدير
أرباحاً
طائلة. وقد
أشارت قواعد
بندكت هذه
إلى وجوب
تخصيص
ساعتين
يومياً
للقراءة،
قراءة
الانجيل
طبعاً، كما
قالت بوجوب
قراءة
الانجيل في
اثناء وجبات
الطعام. المثل
العليا
لحياة
الرهبنة
وتربيتها إذا
اختلفت طرق
حياة
الرهبنة فإن
مثلها واحدة
في كل زمان
ومكان،
مثلها
الأعلى
الزهد
والتقشف
ولذلك
ففضيلة
الراهب
كثيراً ما
كانت تقاس
بمقدار
اختراعه
لطرق جديدة
قاسية يذل
فيها جسده
فلا ينام إلا
غراراً ولا
يتبلغ إلا
بلقيمات،
ولا يلبس إلا
ما يستر
العورة إلى
آخر طرق
التعذيب
التي تفننوا
في فرضها على
ذواتهم،
ناسين ان هذه
الأعمال
كافية بحد
ذاتها
لاضعاف
العقل
وإخارة
النفس. أنما
يظهر ان ما
كان يهمهم من
هذا العذاب
تلك الرؤى
التي كانت
تحدث لهم
نتيجة لذلك
العذاب
والتي كانوا
يظنونها
اتصالاً
بذات الحق
وتقرباً منه.
وما يهمنا
نحن هو أن
الفكرة التي
كانت تسود
التربية هي
فكرة
الترويض،
تروي الجسد
وتعذيبه في
سبيل السمو
بالروح
وبالقوى
الأخلاقية.
لقد كانت
المثل
العليا
للرهبانية
ثلاثاً هي:
العفة
والفقر
والطاعة. ويتضح
من كل ما سبق
ان
للرهبانية
معنى سلبياً
وآخر
ايجابياً.
أما معناها
السلبي فهو
نكران
العائلة
والحياة
الصناعية
والدولة. أما
معناها
الايجابي
فهو ترويض
المجتمع
المتوحش في
ذلك الحين
وقبائل
البرابرة
وتعليمهم
الطاعة
وإجبارهم
على
الاستقرار
والخضوع
لمقتضيات
الدين. رأينا
ان الرهبنة
ليست في
أساسها خطة
تربوية
مقصودة
بالذات وان
كل ما نشأ
عنها من
مدارس
وأعمال
تربوية انما
كان نتيجة
لاهتمامها
بالدين
والحياة
الأخلاقية
فقط، انما
يجب أن نذكر
ان مدارس
الرهبان
كانت
المدارس
الوحيدة في
المجتمع
المسيحي
الغربي خلال
ست قرون (من
القرن
السابع حتى
أوائل القرن
الثالث عشر)
وانها لم
تسمع بنشوء
مدارس أخرى
غيرها لفقد
أهميتها. ولقد
قلنا ان
القديس
بندكت أمر
بأن يعمل
الرهبان
بأيديهم مدة
سبع ساعات
يومياً
ولكنه سمح
بأن يستبدل
هذا العمل
اليدوي بعمل
عقلي أدبي،
كما قلنا انه
خصص ما
يتراوح بين
ساعتين وخمس
ساعات
يومياً
للقراءة.
وهكذا فقد
قامت
المدارس في
الاديرة دون
إشارة واحدة
من القديس
بندكت إلى
وجوب قيامها.
وسبب قيام
هذه المدارس
هو انه إذا
كان لا بد
للراهب من أن
يقرأ فلا بد
له من أن
يتعلم
القراءة
وبالتالي
فلا بد من
مدارس او
معلمين
يعلمونه هذه
القراءة. يضاف
إلى هذا كله
ان الاديرة
كانت المكان
الهادئ
الوحيد الذي
يمكن أن
تتوفر فيه
راحة وهدوء
لمن اراد أن
يعمل عقله
وأن يتأمل
ويدرس في ذلك
الزمان
الصاخب الذي
سادته
الحروب
والنزاعات،
ولهذه
الأسباب
كلها صارت
الأديرة هي
المدارس
الوحيدة كما
انها
المختبرات
والجامعات
الوحيدة
التي يجري
فيها شيء من
البحث
العلمي، ثم
انها كانت
المكتبات
الوحيدة
التي يستطيع
الباحث أن
يجد فيها ما
قد يحتاجه من
كتب. وهي بعد
هذا دور
النشر
الوحيدة حيث
تنسخ الكتب
وتوزع بطريق
المبادلة
على الأديرة
الاخرى. وفي
كثير من
قواعد
الرهبنة
التي أشرنا
إليها حضّ
على حب
المعرفة
وتحريض على
قراءة
الآداب وحث
على الاطلاع
حتى لقد كان
شعار كثير من
الاديرة "
إذا أحببت
قراءة
المخطوط
كرهت
الرذيلة "
انما يجب أن
لا يغرب عن
بالنا ان
العلم
المقصود كان
علماً
دينياً وان
الدراسة لم
تكن علمية
بحد ذاتها
انما كانت
عملاً
ترويضياً
يقصد منه صرف
الرهبان عن
الكسل
والرذيلة.
كما يجب أن
نشير إلى ان
الكثير من
الرهبان
كانوا
يجهلون
القراءة
والكتابة
وان كثيراً
من الاديرة
كانت تحرم
قراءة
الآداب
اليونانية
والفلسفة
اليونانية
اعتقاداً
منها بأن هذه
الآداب وهذه
الفلسفة هي
أصل كل هرطقة
وكفر وانها
ترضى الذوق
والجسد،
وغاية
الرهبنة،
كما قلنا،
نكران
الرغبات
واللذائذ
الجسدية
التي تصرف
الروح، على
رأيهم، عن
السمو.
وأخيراً يجب
أن نذكر ان
الرهبنة
مسؤولة إلى
حد كبير عن
خنق حرية
الفكر في ذلك
الحين وعدم
سماحها
بحرية
المعتقد وما
نتج عن ذلك
من نتائج
سجلها
التاريخ. كان هم
مدارس
الاديرة
تعليم
الرهبان أو
الأطفال
الذين
يتحضرون
لحياة
الرهبنة.
وكان
التعليم
فيها دينياً
بحتاً،
وفيما عدا
ذلك فإن هذه
الاديرة لم
تعن بتقديم
أي نوع من
التعليم آخر.
وقد كانت
الأمور التي
تهتم بها
مدارس
الأديرة هي:
القراءة
والكتابة
والترتيل
وحساب تقويم
الكنيسة.
وحينما وضعت
للقاعدة
القائلة
بعدم قبول
الطفل إلى
الرهبنة قبل
سن الثامنة
عشرة، ثابرت
الكنيسة على
قبول
الأطفال
للأديرة
وأطالت مدة
تعليمهم.
ولكن
التعليم في
هذه الأديرة
بقي مع ذلك
هزيلاً
فقيراً لا
محل فيه
للأدب أو
الفلسفة أو
العلوم ودام
الحال على
هذا المنوال
حتى جاء
شارلمان
ووزيره
ألكوين
فسمحا
للأطفال
الذين لا
يتحضرون
لحياة
الرهبنة
بالدراسة مع
الأطفال
الذين
يعيشون في
الدير فسموا
بالطلاب
الخارجيين
تمييزاً لهم
عن الطلاب
الداخليين
الذين
يسكنون في
الدير
ويتحضرون
للرهبنة. ولم
تقم المدارس
خارج
الأديرة قبل
القرن
الحادي عشر
كما ان طبيعة
التربية لم
تختلف قبل
القرن
الثالث عشر
أمام قبل ذلك
فإنه يمكننا
القول بأن كل
دير كان
مدرسة وان كل
تربية كانت
تجري أما في
الدير أو في
مؤسسة يشرف
عليها
الرهبان. وهنا
لابد من
التذكير بأن
الناس في ذلك
الحين وذلك
المجتمع
كانوا لا
يختلفون عن
البرابرة
إلا بالقليل
وان همهم
الأوحد كان
الحرب
والتخريب
ولذلك فقد
كانوا
منصرفين عن
العلم
انصرافاً
تاماً،
ومعنى هذا
انه من
التجني على
الكنيسة أن
نعتبرها
المسؤول
الوحيد عن
هبوط مستوى
الثقافة
وانصراف
الناس عن
العلم
والتعليم،
فالأمر أعمق
من ذلك
وعوامله شتى
لا محل
لذكرها هنا. نسخ
المخطوطات
والمحافظة
على المعرفة لقد
كان نسخ
الرهبان
للمخطوطات،
سواء كان
ناتجاً عن
النظرة
الترويضية
أو عن اهتمام
حقيقي، صاحب
الفضل في
الابقاء على
كثير من آثار
المعرفة
القديمة. وقد
بدأ عمل
النسخ منذ
زيادة قواعد
بندكت ونتج
عنه أن انشئت
في كل دير
قاعدة للنسخ
كانت تسمى
بالـScriptorium
وكان يكتب في
صدرها
العبارة
التالية: "
اللهم بارك
هذه المعرفة
التي يشغلها
خدامك واقض
بأن يستوعب
ذكاؤهم كل ما
يكتبون وان
يحققوه
بأعمالهم ". ولا بد
هنا من
الاشارة إلى
الاتهامات
التي طالما
ألصقت
بالرهبان
ومؤداها ان
الرهبان
كانوا يمحون
أو يكشطون
الكتابات
الموجودة
على رق
الحيوانات
أو رق
البارشمان
والتي تحتوي
على أثمن
المعرفة
اليونانية
وفلسفتها
وآدابها
لتكتب عوضها
عنها حوادث
القديسين
وحوادث
الدير
اليومية.
وبذلك قضى
الرهبان على
كثير من كنوز
المعرفة
اليونانية
وأضاعوا بعض
آثارها إلى
الأبد رغم
محافظة
العرب على
القسم
الكبير منها.
والظاهر
فيما حدث هو
ندرة الورق
وقلة الرق. إلا أن
هذا يجب أن
لا ينسينا
بأن الرهبان
حفظوا لنا
كثيراً من
الآثار
العلمية
وانهم هم
الذين عملوا
على نقل
الآثار
العربية
واليونانية
المترجمة
إلى العربية
فيما بعد إلى
اللغة
اللاتينية
أو اللغات
القومية. كما
يجب أن لا
ننسى بأن
الأديرة
كانت
الأمكنة
الوحيدة
التي تملك
الكتب
وتعتني
باقتنائها
وحفظها. صحيح
ان عدد هذه
الكتب كان
قليلاً ولكن
الرهبان
كانوا
ينسخون
نسخاً عديدة
من الكتاب
الواحد
ويتبادلونها
مع الاديرة
الاخرى
لتوسيع
مكتباتهم
مما سبب وجود
مكتبات
كبيرة في بعض
الأديرة،
وقد بقي
الأمر كذلك
حتى اخترعت
المطبعة
وعمت الكتب
وسهلت
الحصول
عليها. ثم يجب
أن لا يغرب
عن بالنا ان
الرهبان
كانوا
الوحيدين
الذين
اشتغلوا
بالانتاج
الادبي
والعلمي مدة
قرون طويلة،
صحيح ان
انتاجهم كان
هزيلاً وأفق
اهتمامهم
ضيقاً ولكن
أدب ذلك
الوقت كان
قاصراً
عليهم ولقد
كتبوا عن
حياة
القديسين
كما كتبوا
خطباً هامة
وقصصاً
أخلاقية
وشروحاً
للانجيل
وتواريخ
للأديرة.
وحتى حين
قامت
المدرسة (انظر
القسم
الرابع)
وبدأت تنتج
نتاجها
الخاص كان
أهم رجال
المدرسية
المنتجين هم
الرهبان. ولابد في هذا الصدد من الاشارة إلى اشتغال الرهبان إلى جانب كل ما أسلفنا الاشارة إليه بالفنون الحرة السبعة. |
||||||||
|