إن
التاريخ
مشحون
بالحروب
والمصائب
الناتجة عن
عناد النفس
البشرية
وطغيانها،
فالذين
أحدثوا
بالأمس صوت
قرقعة
السيوف
واليوم
أصوات
الطائرات
وأزيز
الدبابات هم
في الحقيقة
إما هم
متعلمون
أعداء
للإنسانية،
وإما أناس
غير
متعلمين؛ (إذ
لو كانوا
متعلمين
لقرنوا
علمهم
بتهذيب
النفس
وتربيتها).
فمنذ خلق
الإنسان
ورسل الله
تتابع إلى
عباده
ليخرجوا
الناس من
الضلالة إلى
طريق
الهداية. إن
المعلِّمين
الذين
أُرسلوا
بمعاجز
كبيرة
وأحكام
منقذة،
تحملوا
المشاق
والصعاب:
نصحوا
الضالين،
ونهضوا بوجه
الظالمين،
حتى ظهر في
نهاية
الأمر، على
أعلى قمم
الهداية،
النور
الوضاء لآخر
رسول من قبل
الله
سبحانه، وهو
النبي محمد(ص).
فشرع في
إبلاغ
رسالته في
زمن دخلت فيه
الأصنام حتى
بيت الله
الكعبة،
الميراث
المتبقي عن
ابراهيم
الخليل،
محطم
الأصنام.
وكان
الجاهليون
يتخبطون في
حضيض الذلة
والحقارة. في
هذا الوضع
الحسّاس،
كانت هذه
الجملة
بارزة من بين
مواعظ ذلك
الرسول وهي: (بُعثت
للتعليم).
وبيّن أن
الهدف من
بعثه هو
تعريف
البشرية على
طريق الفوز
والفلاح،
وهدايتها في
وادي الظلام
لإيصالهما
إلى بحر
النور، لكي
يعلموا ما
يجهلون. وخلال
أربعة عشر
قرناً سعى
أعداء شعاع
الهداية من
خلال أنواع
الدسائس
القائمة على
تصورات
واهية، إلى
إطفاء هذا
النور فلم
يحالفهم
النجاح، بل ـ
وبفضل
انتصار
الثورة
الإسلامية
في إيران ـ
تجدد جريان
الدم في عروق
البشرية.
وحالياً
يحمل هذا
النظام على
عاتقه لواء
الشعوب
المستعمرة
للتخلص من
عبودية
المستعمرين.
وهذا أمر لا
يكتب له
النجاح إلا
إذا أخضع
الجيل
الحاضر،
والأجيال
القادمة،
إلى نظام
التربية
والتعليم
الحديث
القويم. ومن هنا
يبرز الدور
المهم الذي
لا ينكر، وهو
دور (المعلِّم)
وطبعاً لا
ينبغي حصر
مصطلح
المعلم في
حدود
المدارس
والجامعات،
بل ينبغي
تعميمه ليصل
إلى تربية
الأولاد في
محيط البيت،
وإلى
القيادة
السياسية
والاجتماعية
في المجتمع.
ويبدو
ضرورياً
جداً، من
خلال تقدير
المقام
الشامخ
للتعليم
والتعلم،
التأكيد
الكثير على
أمر تزكية
النفس
وتخطيط
برنامج
مدروس، ودفع
خطوات
أساسية
مؤثرة لكي
تقوم بحركة
شاملة
للوصول إلى
أهداف
النظام
الإسلامي
المقدس. وكل
تأخير
وإبطاء في
هذا الشأن
يُعّدّ
خسارة لا
تعوض. وقد تسنى
لمركز
الشهيد آية
الله مدني
للتعليم في
قم، خلال
العامين 1366و1367،
بمساعدة آية
الله
المظاهري
الخالصة،
إعداد سلسلة
بحوث حول دور
المعلمين
ومقامهم
ووظائفهم،
وبرغم تسجيل
هذه
المحاضرات
على جهاز
الفيديو
وتكثيرها
بشكل محدود
إلاّ أن
محتواها
الغني وطلب
الراغبين
الكبير،
اضطرّانا
إلى إخراجه
بهذا الشكل،
بعد أن رأى
الأستاذ
صلاح ذلك. فالمتن
الموجود هو
حاصل ما
أخرجناه من
الأشرطة
وكتبناه على
الورق، ومن
البديهي فإن
اقتراحاتكم
وانتقاداتكم
وأسئلتكم
ستساعدنا
كثيراً في
إخراج
الكتاب بشكل
أفضل في
الطبعات
القادمة. يجدر بنا
هنا أن نشكر
سماحة آية
الله
المظاهريّ
على ما بذله
من مشقة، وكل
الاخوة
الذين
ساهموا بشكل
من الأشكال
في إعداد هذا
المجهود.
نتمنى من
العلي
القدير أن
يوفقهم
لخدمة
الإسلام
والمسلمين. (مركز
المعلم
الشهيد آية
الله مدني
للتعليم ـ قم) البحث
الأول
مقام
المعلم
ومنزلته
(قال رب اشرح
لي صدري.
ويسر لي أمري.
واحلل عقدة
من لساني
يفقهوا قولي) (طه/24ـ30). مرجع بحثنا
هذا، بحول
الله وقوته،
ولطف الإمام
بقية الله (عج)،
يعود إلى
تساؤل. هذا
التساؤل هو: (ماذا
نصنع حتى
نكون معلمين
ناجحين)؟
وهذا سؤال
جيد،
بالخصوص
للمعلمين
الاعزاء.
والجواب هو:
يجب أن تتوفر
فيكم شروط
حتى يتم لكم
ذلك. وبعبارة
أخرى أن توجد
فيكم
الفضائل). الشرط
الأول: هو أن
يعرف المعلم
قدره
ومنزلته،
وأن لا يبيع
نفسه
بالتافه
أَولاَ،
وثانياً أن
يستشعر
بالمسؤولية،
لأنه كلما
ارتفعت
المنزلة
والمستوى
ازداد حجم
المسؤولية. عند الله ـ
تعالى ـ أن
عمل المعلم
عمل رباني.
ودوره في
المجتمع
كدور الرسول
الأكرم،
وجميع
الأنبياء
والأوصياء،
ودور
الروحانية.
إن أول سورة
نزلت على
الرسول
الأكرم(ص) هي
سورة العلق
وهي: (اقرأ
باسم ربك
الذي خلق.
خلق الإنسان
من علق. إقرأ
وربك الأكرم.
الذي علم
بالقلم. علم
الإنسان ما
لم يعلم)
(العلق/1ـ5).
وفي هذه
الآيات
يعرّف الله
نفسه كمعلم.
ويقول في
سورة الجمعة:
إن الغاية من
بعث الرسول
الأكرم(ص)
وتنزيل
القرآن،
وبعبارة
أخرى أن
الهدف من بعث
جميع
الأنبياء
والكتب
السماوية،
هو (التربية
والتعليم).
فالهدف من
القرآن
أولاً هو
تهذيب النفس
(التربية)،
وثانياً رفع
المستوى
العلمي (التعليم)
لدى الإنسان.
وفي تكرار
هذه الآية في
القرآن يتضح
دور المعلم
في المجتمع.
فالقرآن
يقول: إن عمل
المعلم هو
عمل إلهي،
ودورة دور
الأنبياء
وجميع الكتب
السماوية،
ولا ينبغي
الاستخفاف
بهذا الكلام. على
المعلم أن
يلتفت إلى أن
بإمكانه أن
ينتج
كثيراً،
وليس
بإمكانه أن
يزود
المجتمع
بأفراد
صالحين
فحسب، بل
ويمكنه
أيضاً إصلاح
الطالحين،
وتعديل
الاتجاهات
التربوية
الخاطئة فلو
كان هناك
شاب، أو يافع
لوُثه الجو
العائلي
فالمعلم
الخبير
الصالح
بإمكانه
إصلاح هذا
الطالح.
وتوجد في
التاريخ
أمثلة كثيرة
على ذلك.
وهذه هي
منزلة
المعلم
وكرامته في
الدنيا. أما
في الآخرة
فليس هناك
عبادة فوق
التعليم
والتعلم. دخل
الرسول
الأكرم(ص)
المسجد،
فرأى مجموعة
منهمكة
بالدعاء
والتسبيح،
فتجاوزها،
فرأى مجموعة
أخرى تتدارس
فيما بينها،
فجلس وقال
ثلاثاً: (إنما
بعثت
للتعليم). أما
الأدعية
والمناجات
فقد أكد
عليها
القرآن وبين
ما لها من
أهمية كبيرة
فقال: (وقال ربكم
ادعوني
استجب لكم إن
الذين
يستكبرون عن
عبادتي
سيدخلون
جهنم داخرين) (المؤمن/60). وأما عن
أهمية قراءة
القرآن وإن
لم يكن فيها
تدبر وفهم
للمعاني،
فهو يقول: (فاقرءوا ما
تيسر من
القرآن، علم
أن سيكون
منكم مرضى
وآخرون
يضربون في
الأرض
يبتغون من
فضل الله
وآخرون
يقاتلون في
سبيل الله
فاقرءوا ما
تيسر منه)
(المزمل/20). في اليوم
الأول من
واقعة خيبر
انكسر
المسلمون
وكذلك في
اليوم
الثاني
والثالث،
فتجرأ
العدوّ،
وكان هناك
أشخاص أيضاً
يقومون
بالطعن من
الخلف
ويثبطون
المعنويات،
وكان الوضع
خطيراً
بالنسبة إلى
الإسلام،
فقال الرسول: (سأعطي
الراية غداً
إلى شخص يحبه
الله وأحبه
أنا وهو
أيضاً يحب
الله ويحبني).
وفي الغد
استدعي
الرسول(ص)
أمير
المؤمنين
علياً(ع)
فقال: (يا رسول
الله إن عيني
تؤلمني ولا
أستطيع خوض
المعركة).
فأدناه
الرسول منه
ومسح على
عينه بلعابه
فشفي، ثم
أعطاه
الراية
وقيادة
الجيش، فكان
أمير
المؤمنين
راكباً
والرسول
راجلاً. وفي
هذا الوضع
الحساس كان
على الرسول
أن ينطق بشيء
عميق، فقال
جملة هي
منزلة عالية
للمعلم
ومفخرة له،
فقد قال: (لأن
يهد الله بك
رجلاً، خير
لك من الدنيا
وما فيها، أو
خير لك مما
طلعت عليه
الشمس). وقد ورد
في الأحاديث
أن الملائكة
تنشر
أجنحتها
لطلاب
العلم، ثم
ترجع إلى
السماء
مغتبطة، لأن
أجنحتها
صارت فراشاً
للتعليم
والتعلم. وفوق كل
هذا، فقد
أعطى القرآن
درجة للمعلم
لو فخر بها
ليلاً
ونهاراً
لكان ذلك
قليلاً منه،
حيث قال: (من أجل
ذلك كتبنا
على بني
إسرائيل أنه
من قتل نفساً
بغير نفس أو
فساد في
الأرض
فكأنما قتل
الناس
جميعاً، ومن
أحياها
فكأنما أحيا
الناس
جميعاً،
ولقد جاءتهم
رسلنا
بالبيّنات
ثم إن كثيراً
منهم بعد ذلك
في الأرض
لمسرفون) (المائدة/32). وبناء
على التفسير
الوارد عن
الإمام
الصادق(ع) في
هذه الآية
الشريفة هو
أنه لو تمكن
شخص من تعليم
جاهل وتزويد
المجتمع
بشخص متعلم
فليس ثوابه
كمن أحيا
نفساً واحدة
وإنما كمن
أحيا الناس
جميعاً. وفي
عصرنا
الحاضر لو
تمكن شخص من
أن يعلّم
شخصاً
القراءة
والكتابة
فكأنما أحيا
خمسة
مليارات
نسمة. هذه هي
درجة
المعلم،
ونحن نأسف
لأن أكثر
المعلمين لا
يعرفون
قدرهم. قال أمير
المؤممين(ع): (كفى
بالمرء
جهلاً أن لا
يعرف قدره). وقال أيضاً
في نهج
البلاغة عن
المؤمن: (لا
ترخص نفسك،
فإن ثمنك
الجنّة، فلا
تبعها بأقل
منها).
وقال أيضاً: (لا تبع نفسك
بالمال
والشهوة
والرئاسة
وحب الدنيا).
هذا بالنسبة
على الناس
العاديين. إن هذه
المطالب
تقول للمعلم
إن وظيفتك
ربانيّة،
فحذار من أن
تبيع نفسك
بالتفكير في
قلة الرواتب
والدنيا،
ولا تضيع هذه
المنزلة.
فكما توجد في
الجيش رتب
عسكرية من
العريف إلى
العقيد
فكذلك يُعطى
العالم درجة (ومن
أحياها
فكأنما أحيا
الناس
جميعاً). البحث
الثاني
المعلم
أمين
قلنا إن
المعلم
ينبغي له أن
يعرف قدره
وكل من لا
يعرف قدر
نفسه فسوف
يهدر هذه
النعمة،
كالطفل الذي
لا يعرف قيمة
الجوهرة
فإنه يفضل
التمرة
عليها. وأما
الشرط
الثاني وهو
أهم من الشرط
الأول فهو أن
المعلم
أمين،
بالضبط مثل
الأب والأم
مع فارق أن
الأم والأب
عليهما ثلاث
أو عشر
أمانات، أما
المعلم
فعليه
أربعون أو
خمسون أمانة
على الأقل.
ومن
المحتمل،
خلال عدة
سنوات، أن
يتحمل آلاف
الأمانات،
عليه أن
يعيدها إلى
المجتمع.
المسألة
المهمة
الأخرى هي
خطوة هذه
الأمانة؛
فإن الطفل
ليس كبقية
الأمانات
فهو أمانة
غالية بل
أغلى من جميع
المجوهرات.
فإن الإسلام
يعير الفرد
قيمة كبيرة
إلا أن عصرنا
الحاضر لا
يعطي
للإنسان
أيَّ
اعتبار،
وهذا هو فرق
الإسلام عن
بقية
القوانين
المعاصرة.
فالإنسان
المعاصر
يبذل عمره
وفكره
وأمواله في
قتل
الإنسان؛
فلا فرق في
عصرنا هذا
بين قتل
الإنسان
وقتل الخروف.
فقد سمعتم عن
كارل ماركس ـ
هذا الذي
أراد
لأفكاره أن
تحكم الدنيا
ـ أنه يقول: (يجب
على الجميع
أن يعملوا
بحسب طاقتهم
ويأخذوا حسب
حاجتهم).
وهذا دليل
على عدم
إعارته
للفرد قيمته.
وعندما
تطالعون
أفكار فرويد
ودور كهايم
ونيتشه
تشاهدون كيف
أنهم تنزلوا
بالفرد حتى
ساووه مع
الحيوانات. يحكي أن
تيمورلنك
دخل الحمام
يوماً وسأل
الدلاّك: (كم
أُساوي)؟
فأجابه (سيدي
إنك تعادل
مائة درهم)!
فقال
منزعجاً: (أيها
الأحمق إن
نعلي هذا
يساوي لوحده
ما ذكرت).
فأجابه
الدلاك: (معك
الحق يا سيدي
فقد قدرتُ
قيمتك مع
النعل)! ونحن
حينما ندخل
في المذاهب
المعاصرة
نراها قد
ساوت بين
الإنسان
ونعله أو
أنها قدرت
النعال فقط. وفي قبال
ذلك كله فقد
أعطى
الإسلام
للإنسان
قيمة عالية.
وطبعاً هذا
إذا ما حافظ
الإنسان على
إنسانيته.
قال أمير
المؤمنين(ع)
في نهج
البلاغة: (حرمة
المؤمن أكبر
من حرمة
الكعبة
والملائكة
والمقربين). وفي القرآن
الكريم ورد
بلفظ آخر: (من
قتل نفساً
بغير نفس أو
فساد في
الأرض
فكأنما قتل
الناس
جميعاً)
(المائدة/32). لو
ائتمنك شخص
على جوهرة،
فإنك ستتحمل
السهر لأن
الامانة
التي لديك
غالية جداً.
أما الإسلام
فإنه يقول لك:
إن هذه
الجوهرة رغم
غلائها ليست
سوى حجارة
وأن قيمة
الشاب أو
اليافع أكثر
منها بآلاف
المرات. وعلى
المعلم أن
يدرك هذه
الحقيقة: وهي
أنه مؤتمن في
السنة على
أربعين أو
خمسين شخصاً
الذين هم،
بالإضافة
إلى قيمتهم
العالية،
سريعو
التأثر
بالعوامل
الخارجية
وخاصة في
مرحلتي
الابتدائية
والمتوسطة. إن قانون
المحاكاة،
وهو من
الالطاف
الإلهية، هو
الذي يحكم
ذهنية
الطفل،
بمعنى أن
الطفل يحاكي
أمه واباه
ويقلدهما من
دون دليل،
وهذا
القانون
موجود في
الكثير من
الحيوانات
ويكثر لدى
الأطفال،
أما في
الكبار فإن
هذا القانون
خاضع لحكم
العقل. يقول
المحللون
النفسيون في
بيان هذا
القانون: لو
أخذنا بنظر
الاعتبار
قطيعاً من
الغنم تمشي
في طريقها
فواجهت
حاجزاً
بارتفاع متر
واحد عن
الأرض، فإن
أول كبش
يجتازه
قافزاً
وكذلك
الثاني
والثالث إلى
الخامس عشر
وهنا لو
أزحنا هذا
الحاجز،
لرأينا أن
بقية الخراف
عندما تصل
إلى الموضع
الذي كان فيه
الحاجز
قائماً
نراها تقفز
تبعاً لمن
تقدمها؛
لأنها تقلد
سائر من
تقدمها
طبقاً
لقانون
المحاكاة.
ولا تقوم على
الفعل عن
طريق
الاستدلال.
ويقولون،
أيضاً، عن
الطفل: (إنك لو
سألته: (هل
تحبني)؟)
وتحرك رأسك
إلى الاسفل
علامة
الايجاب،
سيقول: نعم،
ولو سألته
بعدها
مباشرة هذا
السؤال
ورفعت رأسك
إلى الاعلى
علامة النفي
فسيجيب
بالنفي، فمن
وجهة نظر علم
النفس فإن
الطفل يتأثر
بحركات
الرأس. ويشاهد
هذا القانون
بكثرة لدى
العوام، وقد
ذُم من قبل
القرآن،
ويخصه بفترة
الطفولة،
وأما في
مرحلة
البلوغ
والنضج
فينبغي
تحكيم العقل
لا العواطف.
إن هذا
القانون
يعدّ نعمة
كبيرة في
مرحلة
الطفولة؛
لأنه يسهل
الأمر على
الأبوين
والمعلم في
عملية
التربية،
ويجعله
منقاداً
إليهم 100%، فهم
يصنعون
شخصيته من
خلال
كلماتهم
وأفعالهم،
فإن قوام
الشخص وصوته
والركاكة في
الأدب أو
الكلام
وكذلك
السلوك كلها
تؤثر على
الطفل بشكل
غير مقصود.
إن ذهن الطفل
واليافع
والشاب
كالمرآة،
ويرى علماء
النفس أن عقل
الإنسان
يستقل بعد سن
الأربعين. من ناحية
أخرى فإن رفع
قانون
المحاكاة
بحاجة إلى
جهد كبير؛
ولذا يرى
القرآن أن
عدم اتباع
الرسول(ص)
لهذا
القانون من
بين معاجزه
عندما يقول: (والنجم إذا
هوى. ما ضل
صاحبكم وما
غوى)
(النجم/1ـ2).
فإنها تقول:
إن قانون
المحاكاة لم
يؤثر في
الرسول رغم
المحيط
الضال الذي
عاش في كنفه
وهذا من
معجزاته. ينقل أن
الرسول
عندما كان له
من العمر
أربع سنوات
أو خمس أراد
أن يلعب مع
إخوانه في
الرضاعة في
الصحراء،
فنظفته أمه
وغيرت ثيابه
ثم علقت في
رقبته
تميمة،
فسألها: (ما
هذه)؟ فقالت
له: (إنها
تحفظك). فما
أن نطقت
بكلمة الحفظ
حتى بادر
الرسول إلى
نزعها
وإلقائها،
وقال: (إن
الله يحفظني). بناء على
ما ذكر، فلو
كان المعلم
بذيء اللسان
فإنه سيعطي
المجتمع
فرداً
سليطاً،
وهذه خيانة
كبيرة. وهذا
جرس إنذار
للمعلم في أن
الطفل لو
ارتكب معصية
فإنها ستسجل
في لوحة (في
صورة ما لو
كان مكلفاً).
وفي لوح
معلمه. كما
أنه لو صلّى
الصلاة في
وقتها نتيجة
تأثره بصلاة
معلمه فإن
الثواب
سيكتب في
لوحيهما. وقد قال
الرسول(ص): (من
سنَّ سنة
حسنة فله
أجرها وأجر
من عمل بها،
ومن سن سنة
سيئة فعليه
وزرها ووزر
من عمل بها).
ماذا صنع
البهلوي؟
أتى بثقافة
أملاها عليه
أسياده في
بريطانيا
وأمريكا،
وفي عصره
كانت هناك
ابتدائية
وإعدادية
وجامعة وكان
حاصلها
مجموعة من
المغتربين
أو
المستشرقين
ما عدا قلة
قليلة،
والشيء الذي
لم يكن هو
الاستقلال
والدين. إن سعادة
الأجيال
القادمة
وشقاءها بيد
المعلم،
وإنه لو لم
يكن أميناً ـ
والعياذ
بالله ـ وخان
الامانة فقد
أوقع جيلاً
كاملاً في
الهوة. ولو
كان أميناً
فإن ثواب
الأجيال
القادمة
سيكتب له
أيضاً، (وإذا
تولّى سعى في
الأرض ليفسد
فيها ويهلك
الحرث
والنسل
والله لا يحب
الفساد)
(البقرة،205).
إن الطغاة
مفسدون في
الأرض؛ لأن
عملهم هو
إفساد
المجتمع
والأجيال،
وإن البهلوي
في إيران
وأتاتورك في
تركيا وآل
سعود في
الحجاز
والقادياني
في
الباكستان
والهند، هم
مصاديق لمن
يهلك الحرث
والنسل. فإن
إهلاك الحرث
والنسل يتم
مرة عن طريق
المغول
عندما دخلوا
إيران، أي
تدمير قرية
بأكملها
وقتل وأسر من
فيها وتحطيم
الأشجار
وردم
القنوات،
كالفعل الذي
أقدم عليه
صدام، وأخرى
الفعل الذي
يقوم به
المعلم أو
المدرس
المادي،
الشهواني،
الذي يزوّد
المجتمع
بشاب ملحد،
فاسد، في
نفسد الجيل
الحاضر
والقادم. إنَّ
الأمانة
التي بيد
المعلم
خطيرة جداً،
ثمينة
وحساسة،
عليكم أيها
المعلمون
الأعزاء أن
تحافظوا على
هذه الأمانة
بشكل جيد. البحث
الثالث
أفضل
عبادة لا عبادة
في الإسلام
أفضل من
تقديم العون
لعباد الله،
فحتى ساحة
الحرب، رغم
فضلها وأنها
معلمة
للأخلاق،
ولكن مع ذلك
فإن ثواب
التعليم
أكثر بكثير. قال الإمام
موسى بن جعفر(ع):
(قضاء
حاجة المؤمن
يعدل سبعين
حجة مقبولة)، هذا
الحج الذي
يقول عنه
الإمام
الصادق(ع): كل
طواف منه ستة
آلاف حسنة،
ويعطى لأجله
ستة آلاف ذنب.
وقد نقل
الكليني(ره)
في الكافي
حوالي خمسين
حديثاً لهذا
المضمون. إن قضاء
حاجة المسلم
على قسمين:
أحدهما
يتعلق
بالأمور
المادية
كأداء دين
المدين،
والآخر
يتعلق
بالمعنويات
وهو خدمة
الأجيال
علميّاً
وثقافياً
وبما أن
المعنويات
أسمى من
الماديات
فإن الخدمة
المعنوية
تفوق الخدمة
المادية. ينبغي أن
يكون للدولة
نظام صحيح
للاقتصاد،
وإلا فإنها
ستكون
محتاجة إلى
غيرها، إلا
أن الأهم من
الاقتصاد هي
الثقافة
الصحيحة. ولو
فقدت
الثقافة
الصحيحة فإن
الأمة ستقع
في العمالة.
إن الفرق بين
الاقتصاد
والثقافة
كالفرق بين
الماديات
والمعنويات
والفرق بين
هذين كبير
جداً كالفرق
بين الروح
والجسد، إن
لإشباعك
جائعاً
ثواباً
كبيراً، وإن
عمل المعلم
هو إشباع
الشباب
علمياً وهو
نفس ما توخاه
النبيّ
والأئمة
الأطهار(ع). ورد في
رواية أن
امرأة سألت
الزهراء(ع)
فأجابتها
الزهراء(ع)،
وعندما ذهبت
المرأة نسيت
الجواب في
أثناء
الطريق،
فعادت
أدراجها
وكررت
سؤالها
ثانية وحصلت
على الجواب،
فنسيته مرة
أخرى وعاودت
الكرة، قال
الشهيد
الثاني في (منية
المريد): (إن
هذا العمل من
المرأة تكرر
عشر مرات،
اعتذرت
المرأة في
المرة
العاشرة من
الزهراء(ع)
وقالت: (إني
سريعة
النسيان
وأريد جواب
المسألة
لشخص آخر)
فأجابتها
الزهراء
ملاطفة
إياها: (إن
سؤالك إياي
يجعل لك الحق
علي، لا عليك).
وهذه الجملة
تبيّن مدى
تواضع
الزهراء(ع): (إني
أحصل بإزاء
كل جواب
درجات عالية
في الجنة).
وهناك رواية
تقول: لو
تتلمذ عليك
طفل أو شاب
سقيم الذهن
فعليك من
خلال الصبر
والتأمل
والملاطفة (لأنه
مسلم تريد
قضاء حاجته)
أن تقوم
بتعليمه،
وهذا أكبر
بكثير من
سبعين حجة
مقبولة،
وصلاة الليل
أو اعتكاف
سنة. روي عن
الإمام
الصادق(ع): (إن
المسلم هو من
أحب لغيره ما
أحب لنفسه،
وأن لا يريد
له ما لا
يريد لأعزّ
أصدقائه)
ولدينا أكثر
من خمسين
رواية بهذا
المضمون. على
المعلمين أن
يذهبوا على
قاعة الدرس
وهم هاضمون
لهذه
المسألة،
أيها
المعلم،
عليك أن تحب
للآخرين ما
تحبه لأعزّ
أعزائك
وأبنائك،
وأن لا تحب
لهم ما لا
تحبه
لأبنائك. قلت: إن
عمل المعلم
هو تقديم
العون إلى
المجتمع
والثورة
والجيل
القادم الذي
فيه ثواب
كبير، وأما
العكس كعدم
الاهتمام
بالمجتمع أو
إعطائك لابن
صديقك درجة
لا يستحقها،
فقد تؤدّي به
إلى الكسل.
كذلك إنهاء
وقت الدرس
بالكلام
الفارغ، ذنب
كبير جداً.
يُروى أنه
يؤتى يوم
القيامة
بشخص غارت
عيناه من شدة
الذعر واسود
وجهه وهو
مكبل
بالسلال،
مكتوب على
جبينه (آيس
من رحمة الله)!
ثم ينادي:
هذا قد خذل
الحق وخان
الله ورسوله
لأنه تمكن من
قضاء حاجة
الناس فلم
يفعل، ثم
يقال: (ألقوه
في جهنم). فالواجب
على المعلم
هو أن يبذل
جهده في
مساعدة
المتعلمين
وإلاّ
فسيكون
مصداقاً
لقوله تعالى:
(خسر الدنيا
والآخرة) (الحج/11).
وينبغي على
المعلم، مع
محافظته على
شخصيّته، أن
يلاطف
التلميذ،
حتى يتشجع
التلميذ (ضمن
احترامه
لمعلمه) على
أن يسأله ما
يشاء، ويحصل
على الجواب،
وأن يقوم
بتصحيح
حلَّه لو حل
المسألة
بشكل خاطئ،
وأن يشجّعه
ولا يستخفَ
به ويخجله
أمام
الآخرين:ـ (من أجل ذلك
كتبنا على
بني إسرائيل
أنه من قتل
نفساً بغير
نفس أو فسادٍ
في الأرض
فكأنما قتل
الناس
جميعا، ومن
أحياها
فكأنما أحيا
الناس جميعا)
(المائدة/32)،
بناء على
تفسير
الإمام
الصادق(ع) لو
كان المعلم
لا أباليا،
وصار سبباً
في انحراف
الطفل، ولو
أن المعلم
عادى الثورة
وهتك حرمة
الروحانية
أمام الطفل،
فقد هتك حرمة
الإسلام،
وإن ذنبه لمن
العظمة حتى
كأنه قد قتل
الناس
جميعاً،
وبعكسه، فلو
كان المعلم
رزيناً يزود
المجتمع
كنوزاً
ثمينة من
خلال سلوكه
المتزن
وكلامه
اللطيف
المؤثر لكان
كمن أحيا
الناس
جميعاً. وينبغي
للمعلم أن
يجمع صفتي
المسؤولية
والتخصص؛
لأن التخصص
وحده من دون
استشعار
المسؤولية
ينتج لنا ما
نراه حالياً
في عصرنا
الحاضر في
فرنسا
وأمريكا و...
فهناك
اختصاص لكن
لا أثر
لاستشعار
المسؤولية
لديه، لذا
تشاهدون
عالمهم كأنه
حديقة
للحيوانات.
ومن جهة أخرى
فإن
المسؤولية
لوحدها
تعتبر جافة
لا فائدة
فيها. (وإذا قال
لقمان لابنه
وهو يعظه: يا
بني لا تُشرك
بالله إن
الشرك لظلم
عظيم) (لقمان/13). وهذه
قاعدة يقوم
القرآن
بذكرها وهي
أن لقمان كان
يربّي ابنه
من خلال
الكلام
العذب،
والنصيحة
والموعظة
والاستدلال،
وعلى المعلم
أن ينتهج نهج
لقمان في
التعليم. الرأفة
والعطف الشرط
الثالث هو
الرأفة
والعطف، إن
اتصاف
المسلم
بالرأفة
فضيلة؛
لأنها بيّنت
في القرآن
بالشكل
الآتي: (محمد
رسول الله
والذين معه
أشداء على
الكفار
رحماء بينهم
تراهم
ركّعاً
سجداً
يبتغون
فضلاً من
الله
ورضوانا
سيماهم في
وجوههم من
أثر السجود
ذلك مثلهم في
التوراة،
ومثلهم في
الانجيل
كزرع أخرج
شطأهُ فآزره
فاستغلظ
فاستوى على
سوقه يعجب
الزراع
ليغيظ بهم
الكفار وعد
الله الذين
آمنوا
وعملوا
الصالحات
منهم مغفرة
وأجراً
عظيماً)
(الفتح/29).
وربما لا
نعثر على
فضيلة من
الفضائل
الإنسانية
أكبر من هذه
الفضيلة،
وخاصة
للمعلم. وكذلك هي
الصفة
الأولى في
القرآن تذكر
لله سبحانه
وتعالى، وقد
تكررت مائة
وأربع عشرة
مرة، وكأنك
لو نظرت إلى
الرحمن
والرحيم
لرأيت أنهما
مطرزتان
بالنور
كالأم التي
تمطر رحمة
وحناناً،
فلو التفتنا
إلى كلمة (الأم)
لوجدناه
علاوة على ما
يكنفها من
النور،
مليئة
بالعطف. وإن رب
الكائنات
يؤكد كثيراً
على هذا
المعنى،
وخاصة دور
المعلمين،
فإن الله بعث
المعلم إلى
الكرة
الأرضية ثم
خلق الخلق،
وهذه من
ألطاف الله
الخفيّة
والجليّة؛
فقد كان آدم
معلماً
ونبياً. ونرى في
القرآن أن
الله يربي
المعلم على
يده، وهو
موسى(ع)
وعندما يبلغ
أشده يبعثه
إلى معلم آخر
وهو شعيب
فيتتلمذ على
يده عشر
سنوات، وهذا
النبي ينطبق
خلقه على ما
ينبغي
للمعلم أن
يتخلق به،
فإنّ رعي
الأغنام
الذي يستلزم
صبراً
كبيراً،
وتواضعاً في
سياسة
الخراف لذا
فإن هذا
المعلم رعى
الأغنام عشر
سنوات تحت
رعاية معلم
آخر إلى أن
صار معلماً،
فخاطبه الله
سبحانه: (إذهبا إلى
فرعون فإنه
طغى، فقولا
له قولاً
ليناً لعله
يتذكر أو
يخشى)
(طه/42).
فأوصاه بأن
لا يكون
جلفاً
غليظاً في
دعوته
لفرعون
وهدايته،
وأن يكون
عطوفاً لأن
الله يحب
الهداية
لفرعون. إن
الجاذبيّة
الموجودة في
العالم،
كقوة
الجاذبية في
المجرات أو
بين
الحيوانات،
وجميع النعم
الموجودة في
الدنيا كلها
من ألطاف
الله، نرى في
الروايات أن
الله يقول:
إن رحمتي
واسعة وقد
قسمتها إلى
مائة قسم،
وأعطيت
قسماً لعالم
الوجود،
والمحبة
الموجودة في
الدنيا من
قبل عطف الأم
على ابنها،
أو ذلك
الانجذاب
الذي يشاهد
بين أفراد
البشر وبين
باقي
الموجودات
كلها من جزء
واحد من
الرحمة
الإلهية،
والباقي من
رحمته أكبر
من عطف جميع
المخلوقات
مائة مرة. وعندما
نراجع
القرآن
وخطابه إلى
الأنبياء
نراه يقول
مخاطباً
الرسول
الأكرم(ص): (وما
أرسلناك إلا
رحمة
للعالمين)
(الانبياء/107).
وكذلك نرى
الأنبياء
كابدوا
الآلام من
أجل تحقيق
الصفات
العالية
ولأجل هذه
الصفة (صفة
العطف) بعث
الله خاتم
الأنبياء،
وعندما ندقق
في عمل هؤلاء
المعلمين
الصادقين
نشاهد أن
عمله عاطفي،
ولو أنهم
قاتلوا
وخاصموا فقد
اضطروا إلى
القتال
اضطراراً
وأُجبروا
على استئصال
غدد المجتمع
السرطانية. قال علي(ع):
(عندما رأت
قريش تصاعد
دعوة الرسول(ص)
سعت إلى
إطفاء نوره،
فأثاروا
الاطفال ضده
وأمروهم أن
يقذفوه
بالحجارة
وأن يمنعوه
من الخروج
إلى قاعة
الدروس أو أن
يتصل
بالناس،
وأحياناً
يمطرون بيته
بالحجارة
إذا عاد
إليه، ولكنه
يتهيّأ في
اليوم
القادم إلى
الخروج)
فكانت تسأله
خديجة: (إلى
أين؟)
فيجيبها (ص): (ألا
تشاهدين وضع
الناس وكيف
قد أشرفوا
على الهلاك؟
وأنا معلمهم
ومنقذهم
الرحيم،
فإنه لجهلهم
لا يأتون
إليَّ،
فعليَّ أن
أذهب أنا
إليهم). وقال
أمير
المؤمنين(ع): (كان
النبيَّ
أحياناً
يلتجئ إلى
غار حراء،
فننقل له أنا
وخديجة
الماء
والطعام،
فنعثر عليه
بجانب العشب
والحجارة
متمتماً:
إلهي! أنت
تعلم بأني
مبعوث
لهداية
قومي، وأريد
لهم
الهداية،
فلو أردت
إدخال
السرور عليّ
فاهدهم حتى
وإن أصابوني
بأنواع
الاذى). وكان هذا
دأبه حتى
عندما بعث،
فكان يدعو
لهم في أوقات
استجابة
الدعاء.
وعندما سيطر
على مكة فإن
أول شيء قام
به هو تهديم
الأصنام لكي
يمهد
الأرضية
للتربية
فتمسك بحلقة
باب الكعبة
واصطف أمامه
الذين لم
ينصاعوا
لأمره
سابقاً،
وكانوا
يهربون من
درسه
ويرمونه
بالحجارة،
وقد استولى
عليهم
الذعر،
وأيقنوا من
أن المعلم
سيقوم
بتأديب
تلاميذه،
وأن علي بن
أبي طالب
سيقوم بأمر
الرسول(ص)
بقطع رؤوسهم
ورؤوس أمثال
هند آكلة
الأكباد،
فقرأ الرسول
دعاء
الوحدة، ثم
التفت إليهم
وقال: (ماذا
ترون أني
صانع بكم؟)
فقال الجميع:
(إن كل ما
تفعله بنا
نستحقه). فتبسم
الرسول وقام
لهم بعطف
ورأفة: (أقول
لكم ما قاله
أخي يوسف
لاخوته، قد
انقضى ما مضى
والآن
تعالوا
وتتلمذوا
وتعلموا كيف
ينبغي أن
يكون
الإنسان) مراعاة
الآداب
الاجتماعية
وتقاليدها على
المعلم أن
يراعي
تقاليد
المجتمع
وآدابه؛ لأن
السعادة
كامنة فيها،
فإن المعلم
إذا لم يكن
مؤدباً لا
يمكنه أن
يؤدب
تلاميذه. يستخدم
علماء النفس
أحياناً
مصطلح (الصغيرات
الكبيرة).
ويرون أن
الإنسان في
بعض الأحيان
يرى صغر بعض
الأمور إلا
أن نفس هذه
الأمور لها
دور كبير في
سحق البشرية
وفنائها،
وقد اهتم
الإسلام
بذلك.
ولمحدثينا
في كتبهم باب
عنوانه: (أدب
المعاشرة)،
ذكروا فيه
طرق معاشرة
الناس.
فينبغي على
الإنسان أن
يكون مؤدباً
من جميع
النواحي
وسنبدأ
أوّلاً
باللسان:ـ ـ
فاللسان لا
ينبغي أن
يكون بذيئاً
يجري عليه
الفحش
والاستهزاء
بالآخرين
والطعن فيهم. ـ
ثانياً: لا
بد أن يكون
الإنسان
لطيفاً في
كلامه (فبما رحمة
من الله لنِت
لهم ولو كنت
فظّاً غليظ
القلب
لانفضوا من
حولك)
(آل
عمران/159).
وهو خطاب
موجّه إلى
المعلم
الأول(ص). ثالثاً:
ينبغي أن
يكون كلام
المعلم
جميلاً
معروفاً. إن
لبذاءة
اللّسان
آثاراً
سيئة،
والبذاءة
ذنب كبير قال
فيه الله
سبحانه: (ويلٌ
لكل همزة
لمزة)
(الهمزة/1).
وقال أحد
أصحاب
الإمام
الصادق(ع): (كنت
أمشي مع
الصادق(ع)،
وقد تأخر
غلامي عنّا،
فناديته فلم
يُجب،
فناديته مرة
ثانية
وثالثة،
فغضبتُ وصحت
فيه: يا ابن
الفاعلة!
وهنا وضع
الإمام يده
على جنبه ـ
مشيراً أني
كسرت ظهره ـ
وقال: (لم
هذا السباب)؟
فقلت له: يا
ابن رسول
الله! إن
أبوي هذا
الغلام لا
يدينان
بالإسلام).
فأجاب
الإمام: (لا
دخل لي
بوالديه
وإنما
اعترضت على
سبابك، لا
يحق لكَ بعد
هذا أن
ترافقني)،
فمنعت من
مرافقته مدة
حياته(ع). وينقل
أن اليهود
تواطأوا على
أن يستهزئوا
بالرسول،
وكان الرسول
جالساً في
المسجد مع
إحدى نسائه،
فدخل
اليهودي
الأول وقال
للرسول(ص): (السام
عليكم)
فأجابه
الرسول: (وعليكم).
وهكذا تكررت
الحالة مع
اليهوديَّين
الثاني
والثالث،
وعندها غضبت
زوجة النبي
وقالت
للثالث منهم:
(يا أبناء
القردة
والخنازير)!
فتألم
الرسول وقال
لها: (لماذا
تفحشين)؟. فقالت:
(ألا تراهم
كيف
يستهزئون)؟
فأجابها: (قد
رددت عليهم
كل ما قالوه
لي، فلا داعي
للسباب) ثم
قال لها
ناصحاً
إياها: (في
الليلة
الأولى من
القبر يظهر
السباب على
هيئة كريهة
ويحشر مع
الإنسان
ويفضحه في
البرزخ
والقيامة
خذي معك
رفيقاً
محبوباً إلى
قبرك). نستفيد
من هذه
الرواية أنه
ليس فقط على
المسلمين بل
على جميع
أفراد البشر
أن يراعوا
الأدب في
الكلام، إن
الكثير من
الأشخاص لا
سيّما
النساء،
يصابون بضعة
اللسان ونحن
لا نتألم أن
يصاب الرعاع
من الناس
بهذا الداء،
إلا أنه عار
على النساء
والسادة
والمعلمين،
وحتى لو
تجاوزنا كون
بذاءة
اللسان
ذنباً
عظيماً
فإنها تسبب
عقدة في نفس
الطالب. ومن
المستبعد
جداً أن
يرتكب
الإنسان
المعقدّ
خطأ، ثم لا
ينبذه
المجتمع أو
لا يعدّه
مجرماً، ولو
أننا دققنا
في الحالات
النفسية
لجناة البشر
لوجدناهم
معقدين
بأجمعهم. أحياناً
تعتبر كلمة (إخرَس)
من قبل
المعلم
حينما
يوجهها إلى
التلميذ،
تعتبر ضربة
شديدة تنهال
على إحساسه
وضميره،
فيصبح
معقداً من
دون أن
يستشعر
بذلك،
وعندما يعرض
نفسه على
طبيب
نفساني،
فيقوم هذا
الأخير ـ إذا
كان خبيرا ـ
باستعراض
دقائق حياته
سيقف على أن
سبب المرض هو
المعلم. قلنا:
إنّ جملة
العوامل
التي تؤدي
إلى تقدم
الإنسان في
المجتمع،
عذوبة
اللسان،
وحول هذا
الشيء كتب
أمريكي
مؤلفا يحمل
عنوان (طريقة
المحبة)، وهو
كتاب جيد وإن
كان مبتنياً
على الخلق
النفعي
والمادي
وربما جدد
طبعه ألف مرة
وبيعت منه
ملايين
النسخ في
جميع
العالم،
يتحدث فيها
عن الطريقة
التي
ينتهجها
البائع في
استمالة
المشتري أو
العمل الذي
يسلكه مدير
الشركة
ليزيد من
طاقم
عمّاله، أو
السلوك الذي
يتخذه
المعلم في
اجتذاب قلوب
تلاميذه،
وما يقدر
عليه
الإنسان
لاستهواء
الآخرين،
ويضرب لذلك
أمثلة
متعددة، وكل
مطالب هذا
الكتاب تشكل
محتوى واحدا
لآية من آيات
القرآن
الكريم وهي
قوله تعالى: (ولو
كنت فظاً
غليظ القلب
لانفضوا من
حولك). إن
أسلوب
الرسول
اللطيف هو
الذي أنتج
فتح مكة،
وأما سيف
عليّ فكان
يستخدم فقط
عندما لا
يكون، مناص
من استخدامه.
فإن
اللِّسان
العذب هو
الذي احتوى
نصف الكرة
الأرضية
خلال نصف قرن
على حد تعبير
نابليون
بونابرت!. إن
عدداً
كبيراً من
الدكاترة
والعلماء
الكبار، مع
ما لهم من
العلم
يستخدمون
لغتهم
القروية،
وبما أن كل
إنسان دارس
متعلم، يكون
ملكاً
للمجتمع فإن
عليه أن لا
يتقيد
بطبيعته
القروية،
وهذه النقطة
تعد من
ضروريات
ثقافة
المعلم، وقد
رأيت فشل
كثيرين
اجتماعياً
لعدم
مراعاتهم
هذا الأمر. كان
في أصفهان
رجل يرى أن
الإنسان
ينبغي أن
يتحدث بلغة
الكتابة
فيتعامل مع
رعاع الناس
وسواهم بلغة
الكتاب ولذا
كان هو مسخرة
الرائح
والغادي،
فإذن ينبغي
التعامل مع
الناس بلغة
متعارفة.
أرجو منكم أن
تحذروا هذه (الصغيرات
الكبيرات). لدينا
نحن الطلاب
علم بإسم
الفصاحة
والبلاغة
وهو علم واسع
ومتشعب. على المعلم أن يحذر من إهدار ساعة من عمر (60) أو (50) طالباً، فإن هذا يعدّ ذنباً كبيراً. وفي الواقع إن هذه الساعة الواحدة تعتبر(60) ساعة من عمر المجتمع، ولو درس في اليوم الواحد أربع ساعات فإنه في الحقيقة يهدر (240) ساعة من عمر المجتمع، وهذه خيانة كبيرة، وسرقة لا تغتفر. فليست السرقة فقط بتسلق جدران البيوت؛ فإن إتلاف الوقت سرقة أيضاً. |
|