.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

الفصل الثاني: في بعض تكبيرات الاذان والإقامة وأسرارهما

الفصل الثالث: في بعض آداب الشهادة بالالوهية وبيان ربطها بالآذان والصلاة

الفصل الرابع: في بعض آداب الشهادة بالرسالة، وفي إشارة إلى الشهادة بالولاية

الفصل الخامس: في بعض آداب الحيعلات

 

الفصل الثاني

  في بعض آداب تكبيرات الاذان والاقامة وأسرارهما

اعلم ان الاذان حيث إنه إعلام الحضور لقوى النفس الظاهرة والباطنة في محضر الحق الربوبي لاجل الثناء على الذات المقدسة على حسب جميع الاسماء والصفات والشؤون والآيات لان الصلاة كما أشير اليها ثناء جامع ومورد هذا الثناء هو الذات المقدسة على حسب تجلّيها بالاسم الاعظم الذي هو مقام أحدية جمع الاسماء في الحضرة الواحدية ومقام التجلي بالجمع والتفريق والظهور والبطون في حضرات الاعيان والاسماء العينية، فالسالك يتوجّه في بدء الامر إلى كبرياء الذات المقدسة على حسب هذا الشأن الجامع فيعلن عظمتها وكبرياءها اولا على قوى مملكة نفسه الملكوتية منها والملكية. وثانيا على ملائكة الله الموكلة على ملكوت السموات والأرضين فيعلن على حسب التكبيرات الاربعة كبرياء الاسم الاعظم على جميع سكنة عوالم الغيب والشهادة في المملكة الداخلية والخارجية، وهذا نفسه اعلان بعجزه عن القيام بالثناء على الذات المقدسة واعلام قصور نفسه عن اقامة الصلاة وهذا هو من الامور الشاملة في السلوك والاداب المحيطة على الثناء والعبادة، لابد أن يكون في جميع احوال الصلاة نصب عين السالك ولهذا يكرّر في الاذان والاقامة ويكرّرها دائما في الصلاة ويعاد في حال الانتقال من كل حال إلى حال آخر حتى يتمكن في قلب السالك القصور الذاتي لنفسه والعظمة والكبرياء للذات المقدسة.

ومن هنا يعلم أدبه أيضا من أنه لا بد للسالك أن يذكّر القلب وقواه بعجز نفسه وكبرياء الحق.

وبوجه آخر يمكن أن تكون التكبيرات الاولية في الاذان كل واحدة منها اشارة إلى مقام، فتكون التكبيرة الاولى اشارة إلى التكبير عن التوصيف ذاتا، والثانية إلى التكبير عن التوصيف وصفا، والثالثة إلى التكبير عن التوصيف اسما، والرابعة إلى التكبير عن التوصيف فعلا، فكان السالك يقول الله أكبر من أن توصف ذاته أو تجليات ذاته والله أكبر من أن توصف صفاته وأسماؤه وأفعاله أو تجلياتها بحسبها.

وفي حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: " والوجه الاخر الله أكبر فيه نفي كيفيته كأنه يقول - أي المؤذن -: " الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هي موصوف بها وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علوّا كبيرا " الحديث.

ومن الآداب المهمة للتكبير أن السالك عليه أن يجاهد ويجعل قلبه محلا لكبرياء الحق جلّ جلاله بالرياضات القلبية ويحصر كبر الشأن والعظمة والسلطان والجلال بذات الحق المقدسة جلّ وعلا ويسلب الكبرياء عن سائر الموجودات، واذا كان في القلب اثر من كبرياء أحد لا يراه ولا يعلمه شعاع كبرياء الحق فقلبه مريض ومعلول ومورد لتصرف الشيطان وربما تكون التصرفات الشيطانية سببا لان يكون سلطان الكبرياء لغير الحق في القلب أكثر من الحق ويعرفه القلب أكبر من الحق، ففي هذه الصورة يكون الانسان محسوبا في زمرة المنافقين، وعلامة هذا المرض المهلك ان الانسان يقدّم رضا المخلوق على رضا الحق ليسخط الخالق لرضا المخلوق. وفي الحديث قال الصادق عليه السلام: " اذا كبّرت فاستصغر ما بين العلا والثرى دون كبريائه فإن الله اذا اطلع على قلب العبد وهو يكبّر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال: يا كاذب أتخدعني، وعزّتي وجلالي لاحرمنّك حلاوة ذكري ولأحجبنك عن قربي والمسارة بمناجاتي ". يقول عليه السلام: اذا كبّرت فاستصغر في محضر كبرياء تلك الذات المقدسة ما في الكون من الأرض إلى العرش لان الله تبارك وتعالى اذا رأى عبدا يكبّر ولكن في قلبه علّة عن حقيقة التكبير - يعني أن قلبه لا يوافق ما يجريه على اللسان - يقول: يا كاذب أتخدعني وعزّتي وجلالي.. إلى آخر الحديث.

فيا أيها العزيز ان حرمان قلوبنا المسكينة من حلاوة ذكر الحق تعالى وان لذة مناجاة تلك الذات المقدسة لم ترد في ذائقة أرواحنا ونحن محتجبون عن الوصول إلى قرب الجناب ومحرومون من تجليات الجمال والجلال لان قلوبنا عليلة ومريضة وقد حجبنا الاخلاد إلى الأرض والاحتجاب بالحجب المظلمة للطبيعة عن معرفة كبرياء الحق وأنوار الجمال والجلال، فما دام نظرنا إلى الموجودات نظرا ابليسيا استقلاليا فلا نذوق من شراب الوصل، ولا ننال لذة المناجاة، وما دمنا نرى لاحد في عالم الوجود العزّة والكبرياء والعظمة والجلال ونحن في حجاب أصنام التعينّات الخلقية فلا يتجلى سلطان كبرياء الحق جلّ وعلا في قلوبنا.

فمن آداب التكبير هو أن السالك لا يتوقف على صورته ولا يكتفي باللفظ فقط ولقلقة اللسان بل ينبّه القلب في أول الامر بقوة البرهان ونور العلوم الالهية، على كبرياء الحق وأنّ العظمة والجلال مقصورة على الذات المقدسة جلّت عظمتها وعلى فقر كافة السكنة الامكانية وقاطبة الموجودات الجسمانية والروحانية وذلّتها ومسكنتها، وبعد ذلك فبقوة الرياضة وكثرة المراودة والانس التام يحيي قلبه بهذه اللطيفة الالهية ويعطيه السعادة والحياة العقلية الروحانية، فاذا صار فقر الممكن وذلّته وعظمة الحق وكبرياؤه جلّت قدرته نصب عين السالك ووصل التفكر والذكر إلى حد النصاب وحصل للقلب الانس والسكينة فيشاهد بعين البصيرة آثار جلال الحق وكبريائه في جميع الموجودات وتعالج العلل والامراض القلبية فيجد لذة المناجاة وحلاوة ذكر الله ويصير القلب مقرا لسلطان كبرياء الحق جلّ جلاله وتظهر آثار الكبرياء في ظاهر المملكة وباطنها ويوافق القلب واللسان والسر والعلن فتكبّر جميع قوى الباطن والظاهر و الملك والملكوت ويرتفع أحد الحجب الغليظة ويقترب السالك مرحلة إلى حقيقة الصلاة التي هي معراج القرب. وقد أشير إلى بعض ما ذكر في الحديث المنقول عن العلل عن الصادق سلام الله عليه في حديث طويل يصف فيه المعراج قال: " أنزل الله العزيز الجبار عليه مَحمَلا من نور فيه أربعون نوعا من أنواع النور كانت محدقة حول العرش، عرشه تبارك وتعالى تغشي أبصار الناظرين، أما واحد منها فأصفر، فمن أجل ذلك اصفرّت الصفرة، وواحد منها أحمر، فمن أجل ذلك احمرّت الحمرة. إلى أن قال: فجلس فيه ثم عرج به إلى السماء الدنيا فنفرت الملائكة إلى اطراف السماء ثم خرّت سجّدا فقال سبّوح قدّوس ربنا ورب الملائكة والروح ما أشبه هذا النور بنور ربنا، فقال جبرائيل: الله أكبر الله اكبر فسكتت الملائكة وفتحت السماء واجتمعت الملائكة ثم جاءت وسلّمت على النبيّ صلى الله عليه وآله أفواجا " الحديث.

وفي هذا الحديث اسرار عظيمة تقصر أيدي آمالنا عنها، وما يمكن ان يذكر منها خارج فعلا عن مقصدنا كسرّ تنزّل محمل من نور وسرّ كثرة الانوار، وسر كثرتها النوعية وسر عدد الاربعين وسر تنزيل الله اياها وسر احاطتها حول العرش، وحقيقة العرش في هذا المقام وسر اصفرار الصفرة واحمرار الحمرة بواسطتها وسرّ نفور الملائكة وسجودهم وتسبيحهم وتقديسهم وتشبيههم ذلك النور بنور الرّبّ إلى غير ذلك مما يطول البيان في أطراف كل منها، وما يناسب المقام ويشهد على المطلب هو أن الملائكة بواسطة تكبير جبرائيل سكتت واطمأنّت واجتمعت حول جمع شمع الوليّ المطلق. وفتحت السماء الاولى بواسطة التكبير وخرق أحد الحجب الذي كان في طريق العروج إلى الله وليعلم أن هذه الحجب التي تخرق وترفع في الاذان غير الحجب التي في التكبيرات الافتتاحية، ولعله تأتي الاشارة إلى ذلك فيما بعد ان شاء الله.

لعل السر في أن الوارد في الاقامة هو تكبيرتان، ان السالك قد أقام قواه في المحضر وانتقل من الكثرة إلى الوحدة شيئا ما فيكبّر الذات والاسماء أو الاسماء والصفات، ولعل تكبير الصفات والافعال يكون منطويا في تكبير الذات والاسماء.

 

الفصل الثالث

  في بعض آداب الشهادة بالالوهية

وبيان ربطها بالأذان والصلاة

فاعلم أن للالوهية مقامات يعبّر عنها على حسب الجمع بمقامين:

الأول: مقام الالوهية الذاتية.

والثاني: مقام الالوهية الفعلية.

واذا كان المقصود من الشهادة على قصر الالوهية في الحق هو الالوهية الذاتية تكون حقيقتها متقاربة مع التكبير، واذا كانت مشتقة من اله في الشيء أي تحيّر فيه، أو مشتقة من لاه بمعنى ارتفع، أو مشتقة من لاه يلوه بمعنى احتجب فيعلم ربطه بالاذان والصلاة بعد المراجعة إلى باب التكبير، ويعلم أدبها أيضا واعادته وان لم تكن خالية من بعض الفوائد ولكنها منافية للاختصار.

وان كان الاله مأخوذا من اله بمعنى عبد ويكون المراد هو المألوه بمعنى المعبود فعلى السالك أن يجعل الشهادة الصورية على قصر المعبودية للحق تعالى جلّت عظمته منطبقة على الشهادة القلبية الباطنية، ويعلم أنه ان كان في القلب معبود سواه فهو منافق في هذه الشهادة فلا بد له ان يوصل الشهادة بالالوهية إلى القلب بكل رياضة ويكسر الاصنام الصغيرة والكبيرة المنحوتة بيد تصرف الشيطان والنفس الامارة في كعبة القلب ويحطّمها حتى يصير لائقا لحضور حضرة القدس وما دامت أصنام حب الدنيا والشؤون الدنيوية موجودة في كعبة القلب لا يجد السالك طريقا إلى المقصد، فالشهادة بالالوهية للاعلان للقوى الملكية والملكوتية أن تجعل المعبودات الباطلة والمقاصد المعوجّة تحت قدمها كي تتمكن من العروج إلى معراج القرب.

واذا كان المقصود من قصر الالوهية، الالوهية الفعلية التي هي عبارة أخرى عن التصرف والتدبّر والتأثير فيكون معنى الشهادة أني أشهد ان لا متصرف في دار التحقق ولا مؤثّر في الغيب والشهادة الا ذات الحق المقدسة جلّ وعلا واذا كان في القلب السالك اعتماد على موجود من الموجودات واطمئنان لأحد من العباد فقلبه معتل وشهادته زور ومختلفة، فلا بد للسالك أن يُحكم أولا بالبرهان الحكمي حقيقة لا مؤثّر في الوجود الا الله ولا يفرّ من المعارف الالهية التي هي غاية بعثة الانبياء ولا يعرض عن تذكر الحق والشؤون الذاتية والصفاتية، فإن منبع جميع السعادات هو تذكر الحق. " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " (طه - 124).. وبعدما وصل بقدم التفكر والبرهان إلى هذه اللطيفة الالهية التي هي منبع المعارف الالهية وباب أبواب الحقائق الغيبيّة فيؤنس القلب معها بقدم التذكر والرياضة حتى يؤمن القلب بها، وهذ أول مرتبة لصدق مقالته وعلامة الانقطاع إلى الحق وغضّ بصر الطمع والرجاء عن جميع الموجودات ونتيجته التوحيد الفعلي الذي هو من أجلّ مقامات أهل المعرفة، فاذا قصرّ السالك جميع التأثيرات على الحق وغمض عين الطمع عن جميع الموجودات سوى الذات المقدسة يكون لائقا للمحضر المقدس بل يكون قلبه متوجها إلى ذلك المحضر فطرة وذاتا ولعلّ تكرار الشهادة لأجل التمكين ويكون المقصود من الشهادة احدى الشهادتين، ولعله لا يكون تكرارا وتكون احداهما اشارة إلى الالوهية الذاتية والاخرى اشارة إلى الالوهية الفعلية، ففي هذه الصورة تكون إعادتها في آخر الاقامة للتمكين فلذا لم يذكر هناك بلفظ الشهادة.

تنبيه عرفاني:

اعلم أن للشهادة مراتب نكتفي ببعضها على حسب ما يناسب هذه الاوراق.

المرتبة الاولى: الشهادة القولية وهي معلومة، وهذه الشهادة القولية اذا لم تكن مشفوعة بالشهادة القلبية ولو ببعض مراتبها النازلة لا تكون شهادة بل تكون خدعة ونفاقا كما ذكر في الحديث عن الصادق عليه السلام في باب التكبير.

المرتبة الثانية: الشهادة الفعلية: وهي أن يشهد الانسان على حسب الأعمال الجوارحية فمثلاّ يُدخل في طور أعماله وجريان أفعاله حقيقة لا مؤثر في الوجود الا الله فكما أن لازم شهادته القولية ألاّ يعلم أحدا مؤثرا الا الله تكون خريطة أعماله أيضا كذلك فلا يمدّ يد حاجته الا إلى المحضر المقدس للحق جلّ وعلا ولا يفتح عين رجائه إلى موجود من الموجودات ويظهر الغنى والاستغناء عند العباد الضعفاء ويجتنب عندهم عن الضعف والذلة والعجز، وهذا المعنى وارد في كثير من الاحاديث الشريفة. كما في حديث الكافي الشريف: " إن عزّ المؤمن استغناؤه عن الناس " وان من احدى المستحبات الشرعية اظهار النعمة والغنى، ومن المكروهات طلب الحوائج من الناس.

وبالجملة، على الانسان أن يجري اللطيفة الالهية: لا مؤثر في الوجود الا الله في مملكة الظاهرة.

المرتبة الثالثة: الشهادة القلبية، وهي منبع الشهادات الأفعالية والأقوالية، وما لم تكن تلك لا تكون هذه ولا تتحق وهي أن يتجلى التوحيد الفعلي للحق في القب ويدرك القلب بسرّه الباطني حقيقة هذه اللطيفة وينقطع عن سائر الموجودات وينفصل عنها، وعمدة الاحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة في ترك الطمع في الناس واليأس من العباد والثقة والاعتماد على الله تبارك وتعالى راجعة إلى هذا المقام.

عن الكافي باسناده عن علي بن الحسين عليهما السلام قال:

" رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس ومن لم يرج الناس في شيء وردّ أمره إلى الله تعالى في جميع أموره استجاب الله تعالى له في كل شيء ". والاحاديث من هذا القبيل كثيرة.

المرتبة الرابعة: الشهادة الذاتية، والمقصود منها الشهادة الوجودية وهي تتحقق في الكمّل من الاولياء، وفي نظر الاولياء هذه الشهادة بمعنى موجودة في جميع الموجودات، ولعل الآية الشريفة " شهد الله ان لا إله الا هو والملائكة وأولو العلم " (آل عمران - 18) اشارة إلى الشهادة الذاتية لأن الحق تعالى في مقام أحدية الجمع يشهد شهادة ذاتية بوحدانية نفسه لأن صرف الوجود له أحدية ذاتية، وعند طلوع يوم القيامة يظهر بالوحدانية التامة وتظهر هذه الاحدية أولا في مرآة الجمع وبعده في مرآة التفصيل، ولهذا قال تعالى: " والملائكة وأولو العلم " وهنا مقامات من المعارف خارجة عن عهدة هذه الاوراق.

وصل: عن محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن عبدالصمد ابن بشير قال: ذكر عند أبي عبدالله بدء الاذان إلى أن قال: " ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان نائما في ظلّ الكعبة فأتاه جبرائيل ومعه طاس فيه ماء من الجنة فأيقظه وأمره أن يغتسل به ثم وضع في محمل له ألف ألف لون من نور ثم صعد به حتى انتهى إلى أبواب السماء فلما رأته الملائكة نفرت عن أبواب السماء وقالت: إلهين إله في الارض وإله في السماء فأمر الله جبرائيل فقال الله أكبر الله أكبر فتراجعت الملائكة نحو أبواب السماء ففتحت الباب فدخل حتى انتهى إلى السماء الثانية فنفرت الملائكة عن ابواب السماء فقال: أشهد أن لا اله الا الله فتراجعت الملائكة وعلمت أنه مخلوق ثم فتح الباب فدخل " الحديث.

وقد ورد في الحديث العلل ما يقرب من هذا المضمون.

ويعلم من هذه الاحاديث أن الشهادة بالالوهية موجبة لفتح أبواب السماء وخرق الحجاب وباعث لاجتماع ملائكة الله، وهذا الحجاب الذي يخرق بواسطة الشهادة بالالوهية وقصرها فــــي الذات المقدسة من الحجب الغليظة الظلمانية التي ما دام السالك فيها لا يوجد له طريق إلى الحضور في المحضر، وما لم يفتح هذا الباب له فليس له طريق إلى السلوك وهو حجاب الكثرة الافعالية والوقوع في الاحتجاب التكثيري الذي نتيجتة رؤية فاعلية الموجودات ومؤثريتها وثمرة هذه الرؤية رؤية استقلالها في الفاعلية والتفويض المحال والشرك الاعظم كما أن نتيجة الشهادة بالالوهية وحصرها في الحق تعالى هو التوحيد الافعالي وافناء الكثرات في فعل الحق ونفي التأثير والفاعلية عن الغير وطرد الاستقلال عن غير الحق تعالى، ومن هذه الجهة خرج الملكوتيون عن حجاب كثرة إله في السماء واله في الارض بواسطة هذه الشهادة ورجعت إلى الانس والاجتماع من النفور والتفرقة وفتحت ابواب السماء. فالسالك ايضا لابدّ له أن يخرق بهذه الشهادة حجاب نفسه الظلماني ويفتح أبواب السماء لنفسه ويرفع قدما من الحجاب العظيم وهو الاستقلال ليقترب له طريق العروج إلى معراج القرب.

ولا تحصل هذه الحقيقة بلقلقة اللسان والذكر القولي، ولهذا لا تتجاوز عباداتنا عن حد الصورة والدنيا، ولا يفتح لنا الباب ولا يرفع لنا الحجاب.

 

الفصل الرابع

  في بعض آداب الشهادة بالرسالة، وفيها إشارة إلى الشهادة بالولاية

إعلم أنه لا يمكن طيّ هذا السفر الروحاني والمعراج الايماني بهذه الرجل المكسورة والعنان المرخي والعين العمياء والقلب الذي هو بلا نور.

" ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور " (النور - 40).. فمن المحتوم واللازم لسلوك هذا الطريق الروحاني وعروج هذا المعراج العرفاني التمسك بمقام روحانية هداة طرق المعرفة وأنوار سبل الهداية الذين هم الواصلون إلى الله والعاكفون على الله ولو أراد أحد أن يطوي هذا الطريق بقدم أنانية نفسه من دون التمسك بولايتهم فسلوكه إلى الشيطان والهاوية.

وببيان علمي كما أن ربط الحادث بالقديم، والمتغيّر بالثابت، محتاج إلى الواسطة، والرابط تكون له وجهتا الثبات والتغيّر والقدم والحدوث، واذا لم تكن الواسطة موجودة فلا يعبر في السنّة الالهية الفيض القديم الثابت منه إلى المغيّر الحادث. ولا تحصل الرابطة الكونية الوجودية، والانظار العلمية لأرباب العلوم البرهانية بالنسبة إلى الرابط بين هذين مختلفة، كما أن للذوق العرفاني اقتضاء آخر يخرج تفصيله عن عهدة هذه الاوراق، وفي الذوق العرفاني الرابط هو الفيض المقدس والوجود المنبسط الذي له مقام البرزخية الكبرى والواسطية العظمى وهو بعينه مقام روحانية الرسول الخاتم وولايته المتحدة مع مقام الولاية المطلقة العلوية.

وقد ورد تفصيل ذلك في رسالتي مصباح الهداية كذلك في الرابطة الروحانية العروجية التي هي عكس الرابطة الكونية النزولية، وبعبارة اخرى في قبض الوجود والرجوع إلى ما بدئ، يحتاج إلى الواسطة وبدونها لا تتحقق الرابطة ولا يتحقق ارتباط القلوب الناقصة المقيدة والارواح النازلة المحدودة بالتام الذي هو فوق التمتم ومطلق من جميع الجهات من دون الوسائط الروحانية والروابط الغيبية، واذا ظنّ أحد ان الحق تعالى قيّوم لكل موجود ومحيط بكل الالوان من دون وساطة الوسائط كما أشير إلى ذلك في الآية الشريفة " وما من دابّة الا هو آخذ بناصيتها " (هود - 56) فقد اختلطت عنده المقامات واشتبهت عليه الاعتبارات وخلط مقام كثرة مراتب الوجود بفناء التعينات وليس لهذا البحث ربط كامل بهذه الرسالة، وهذا المقدار ايضا صار من طغيان القلم.

وبالجملة، التمسّك بأولياء النعم الذين اهتدوا إلى طريق العروج إلى المعارج وأتمّوا السير إلى الله من لوازم السير إلى الله كما أشير إلى ذلك في الاحاديث الكثيرة، وقد عقد في الوسائل باباً في أن العبادة بدون ولاية الائمة والاعتقاد بإمامتهم باطلة.

وقد روي عن الكافي الشريف باسناده عن محمد بن مسلم قال: سمعت باقر العلوم عليه السلام يقول: " واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلّوا وأضلّوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ".

وفي رواية أخرى عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: " أما لو أن رجلا قام ليلة وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه فتكون جميع أعماله بدلالته اليه ما كان له على الله حق في ثوابه وما كان من أهل الايمان ".

وروى الصدّوق (قدس سره) بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: " ايّ البقاع أفضل؟ فقلت؟ ألله ورسوله أعلم، فقال: إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ولو أنّ رجلا عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة الا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا ".

والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تسعها هذه الرسالة.

وأما آداب الشهادة بالرسالة فهي ان يوصل الشهادة بالرسالة من الحق إلى القلب وخصوصا الرسالة الختمية التي جميع دائرة الوجود من عوالم الغيب والشهود تتنعّم تكوينا وتشريعا ووجودا وهداية من سقطات موائد نعمة وان ذاك السيد الكريم هو الواسطة لفيض الحق والرابط بين الحق والخلق، ولولا مقام روحانيته وولايته المطلقة لم يكن لأحد من الموجودات لياقة الاستفادة عن مقام الغيب الاحدي ولما عبر فيض الحق إلى موجود من الموجودات، ولما أشرق نور الهداية في عالم من عوالم الظاهر والباطن، وذاك السيد لهو النور الذي ورد في آية " الله نور السموات والارض " (النور - 35) فإذا دخلت عظمة شرع الدين ورسول رب العالمين في قلب الانسان يدخل فيه أهمية أحكامه وسننه وعظمتها، فإذا أدرك القلب عظمتها تخضع له سائر القوى الملكية والملكوتية وتنفذ الشريعة المقدسة في جميع المملكة الانسانية، وعلامة صدق الشهادة أنه تظهر آثارها في جميع القوى الغيبيّة والظاهرة ولا تتخلف عنها كما أشير اليه في السابق.

وقد علم ممّا ذكر إلى الان ارتباط الشهادة بالرسالة بالاذان واقامة الصلاة لأن السالك في هذا الطريق الروحاني محتاج إلى التمسك بذاك الوجود المقدّس حتى يعرج بمصاحبته وتأييده هذا العروج الروحاني.

والوجه الاخر، هو أن في هذه الشهادة اعلانا للقوى الملكية والملكوتية بأن الصلاة التي هي حقيقة معراج المؤمنين ومنبع معارف أصحاب العرفان وأرباب الايقان هي نتيجة الكشف التام المحمدي صلى الله عليه وآله، وهو صلوات الله عليه وعلى آله بسلوكه الروحاني والجذبات الالهية والجذوات الرحمانية قد وصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى وتبعا للتجليات الذاتية والاسمائية والصفاتية والإلهامات الأنسيّة كشف حقيقة هذه الصلاة من الحضرة الغيبية الاحدية، وفي الحقيقة هي هدية (وسوقات) لأمّته خير الامم جاء بها من هذا السفر المعنوي الروحاني ومنّ عليهم بها وأغرقهم في بحر النعمة فاذا استقرّت هذه العقيدة في القلب وتمكن بالتكرار فيدرك السالك عظمة المقام وجلالة المحلّ البتة ويطوي هذه المرحلة بقدمي الخوف والرجاء، والمرجو منه صلى الله عليه وآله أن يؤيده ان شاء الله ويقرّبه إلى مقام القرب الاحدي الذي هو المقصد الاصلي والمقصود الفطري، اذا قام السالك الأمر بمقدار مقدوره وقد ثبت في العلوم الالهية ان معاد جميع الموجودات انما يتحقق يتوسط الانسان الكامل " كما بدأكم تعودون " (هو العارف الكامل والفيلسوف الحكيم المتألّه الشيخ محمد علي شاه آبادي أحد العلماء الكبار في عاصمة ايران وكان الامام الخميني قد تتلمذ عنده في الفلسفة وكان معجبا به وبآرائه ويخاطبه في أكثر كلماته بالشيخ العارف الكامل روحي فداه) بكم فتح الله وبكم يختم وإياب الخلق اليكم.

نكتة عرفانية

قد ورد في الحديث الشريف في العلل الذي يذكر تفصيل صلاة المعراج ويصفها " ان رسول الله صلى الله عليه وآله عرج إلى السماء بعدما أنزل الله عليه محملا من نور ومعه جبرائيل: ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فنفرت الملائكة إلى اطراف السماء وخرّت سجّدا وقالت سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ما هذا النور الذي يشبه نور ربنا؟ فقال جبرائيل عليه السلام: أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، فاجتمعت الملائكة وفتحت أبواب السماء وقالت مرحبا بالاول ومرحبا بالاخر ومرحبا بالحاشر ومرحبا بالناشر محمد خاتم النبيّين وعلّي خير الوصيّين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلّموا علي وسألوني عن أخي علي.. إلى أن قال: ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فلم تقل الملائكة شيئاً وسمعت دويّا كأنه في الصدور واجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء.. فقال جبرائيل: حيّ على الصلاة حي على الصلاة إلى آخر الاقامة " الحديث.

وفي تفسير العياشي أيضا ما يقرب من هذا المضمون، فيعلم من هذا الحديث أن ملائكة جميع السموات لا تطيق مشاهدة الجمال الاحمدي وتسجد لرؤية نوره المقدس وتنفرق وتتوهم أنه نور الحق المطلق وترجع بفصول الاذان والاقامة إلى الانس وتنفتح ابواب السماء وتوتفع الحجب، فللسالك ان يخرج بهذه الشهادة عن الاحتجاب، وفي الشهادة بالرسالة يخرج بالكلية عن احتجاب التعين الخلفي لأنه اذا اثبت مقام الرسالة لاشرف الخليقة فهو الفناء المطلق ولا استقلالية التامة لان الرسالة المطلقة الختميّة هي الخلافة الكبرى الالهية البرزخية وهذه الخلافة هي خلافة في الظهور والتجلّي والتكوين والتشريع ولا يكون للخليفة من عند نفسه أيّ استقلال وتعيّن وإلا لانقلبت الخلافة إلى الاصالة وهذا لايمكن لأحد من الموجودات. فللسالك إلى الله ان يوصل إلى باطن قلبه وروحه مقام الخلافة الكبرى الاحمدية وبها يكشف الحجاب ويخرق الستور ويخرج بالكلّية عن حجب التعيّن الخلقي فتنفتح له جميع أبواب السموات ويصل إلى مقصده بلا حجاب.

فرع فقهي وأصل عرفاني

قد ورد في بعض الروايات غير المعتبرة أن يقال بعد الشهادة بالرسالة في الاذان أشهد أن عليا وليّ الله مرّتين وفي بعض الروايات أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا مرتّين وفي بعض آخر محمد وآل محمد خير البرية، وقد جعل الشيخ الصدوق (رحمه الله) هذه الروايات من موضوعات المفوّضة وكذبها والمشهور بين العلماء رضوان الله عليهم عدم الاعتماد بهذه الروايات، وجعل بعض المحدثين هذه الشهادة جزءا مستحبا من جهة التسامح في أدلّة السنن، وهذا القول ليس ببعيد عن الصواب وان كان أداؤها بقصد القربة المطلقة أولى وأحوط لانه يستحب بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية وإمارة المؤمنين كما ورد في حديث الاحتجاج عن قاسم بن معاوية قال: قلت لابي عبدالله: " هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأي على العرش مكتوبا لا إله الا الله محمد رسول الله أبو بكر الصدّيق، فقال: سبحان الله غيرّوا كل شيء حتى هذا؟ قلت نعم، قال: ان الله عزّ وجل لما خلق العرش كتب عليه: لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ أمير المؤمنين ولما خلق الله عزّ وجل الماء كتب في مجراه: لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ أمير المؤمنين، ثم تذكر الرواية كتابة هذه الكلمات على قوائم الكرسي واللوح وعلى جبهة اسرافيل وعلى جناحي جبرائيل وأكناف السموات وأطباق الارضين ورؤوس الجبال وعلى الشمس والقمر، ثم قال: فاذا قال أحدكم لا اله الا الله محمد رسول الله فليقل عليّ أمير المؤمنين ".

وبالجملة هذا الذكر الشريف يستحب بعد الشهادة بالرسالة مطلقا وفي فصول الاذان لا يبعد استحبابة بالخصوص وان كان الاحتياط يقتضي أن يؤتى به بقصد القربة المطلقة لا بقصد الخصوصية في الاذان لتكذيب العلماء الاعلام تلك الروايات.

وأما النكتة العرفانية في كتابة هذه الكلمات على جميع الموجودات من العرش الأعلى إلى منتهى الارضين فهي أن حقيقة الخلافة والولاية هي ظهور الالوهية وهي أصل الوجود وكماله وكل موجود له حظ من الوجود له حظ من حقيقة الالوهية وظهورها الذي هو حقيقة الخلافة والولاية اللطيفة الالهية ثابتة على ناصية جميع الكائنات من عوالم الغيب إلى منتهى عالم الشهادة، وتلك اللطيفة الالهية هي حقيقة الوجود المنبسط والنفس الرحماني والحق المخلوق به الذي هو بعينه باطن الخلافة الختمية والولاية المطلقة العلوية، ومن هذه الجهة كان الشيخ العارف شاه ابادي يقول: ان الشهادة بالولاية منطوية في الشهادة بالرسالة لان الولاية هي باطن الرسالة.

ويقول الكاتب: ان الشهادتين منطويتان جميعا في الشهادة بالالوهية وفي الشهادة بالرسالة أيضا الشهادتان الاخريان منطويتان، كما أن في الشهادة بالولاية الشهادتنان الاخريان منطويتان والحمد لله أولا وآخرا.

 

الفصل الخامس

  في بعض آداب الحيّعلات

اذا اعلن السالك إلى الله بالتكبيرات عظمة الحق تعالى عن التوصيف وبالشهادة بالالوهية قصر التوصيف والتحميد بل كان كل تأثير على الحق وأسقط نفسه عن اللياقة للقيام بالامر واختار الرفيق والمصاحب بالشهادة بالرسالة والولاية وتمسك بمقام الخلافة والولاية وتمسك بمقام الخلافة والولاية المقدسة كما قيل الرفيق ثم الطريق وبعد ذلك كله لابدّ له أن يهيّئ القوى الملكية والملكوتية بصراحة اللهجة للصلاة ويعلن لها اعلان الحضور بقوله حيّ على الصلاة وتكراره للتنبّه التام والايقاظ الكامل أو أن أحدهما لقوى المملكة الداخلية والاخر لقوى المملكة الخارجية لانهما ايضا سلاّك هذا السفر مع الانسان، كما أشير إلى ذلك فيما مرّ ونشير اليه فيما يأتي وأدب السالك في هذا المقام هو أن يفهم قلبه وقواه ويفهم باطن قلبه قرب الحضور حتى يتهيّأ له ويراقب آدابه الصورية والمعنوية كمال المراقبة ثم يعلن سرّ الصلاة ونتيجتها بقوله حيّ على الفلاح وحيّ على خير العمل كي يوقظ الفطرة لأن الفلاح والنجاح هي السعادة المطلقة وفطرة جميع البشر عاشقة للسعادة المطلقة لان الفطرة طالبة للكمال وتطلب الراحة وحقيقة السعادة هي الكمال المطلق والراحة المطلقة وهي في الصلاة التي هي خير الاعمال تحصل قلبا وقالبا وظهورا وبطونا لأن الصلاة بحسب الظاهر هي الذكر الكبير والجامع والثناء بالاسم الاعظم المستجمع لجميع الشؤون الالهية ولهذا كان الاذان والاقامة مفتتحين بالله ومختتمين به ويكرّر الله أكبر في جميع الحالات الصلاة وانتقالاتها والتوحيدات الثلاثة التي هي قرّة عين الاولياء تحصل في الصلاة وامتزج فيها صورة الفناء المطلق والرجوع التام وبحسب الباطن والحقيقة هي معراج قرب الحق وحقيقة الوصول إلى جمال الجميل المطلق والفناء في ذاته المقدسة التي تعشقها الفطرة وتحصل بها الطمأنينة التامة والراحة المطلقة والسعادة العقلية التامة ألا إلى الله تطمئن القلوب، فاذا الكمال المطلق وهو الوصول إلى فناء الله والاتصال بالبحر الوجودي غير المتناهي وشهود جمال الازل والاستغراق في بحر النور المطلق تحصل في الصلاة وفيها ايضا تحصل الراحة المطلقة والاستراحة التامة والطمأنينة التامة ويحصل ركن السعادة، فالصلاة هي الفلاح المطلق وهي خير الاعمال وعلى السالك أن يفهّم القلب هذه اللطيفة الالهية بالتكرار والتذكر التام ويوقظ الفطرة فاذا وردت هذه اللطيفة في القلب فالفطرة من حيث إنها طالبة للكمال والسعادة تهتمّ بها وتحافظ عليها وتراقبها، وفي تكرارهما ايضا النكتة التي ذكرناها.

فاذا وصل السالك إلى ذلك المقام يعلن اعلان الحضور فقد قامت الصلاة فلابد أن يرى نفسه في حضرة مالك الملوك في العوالم الوجودية وسلطان السلاطين والعظيم المطلق ويفهّم قلبه الاخطار التي في الحضرة ويرجع الكل إلى القصور والتقصير الامكاني ويرد المحضر بكمال الانفعال والخجلة من عدم القيام بالامر وقدمي الخوف والرجاء ويفد على الكريم ولا يرى لنفسه زادا وراحلة ويرى قلبه فارغا عن السلامة (أقول ما ذكره دام ظله اشارة إلى ما كتبه علي عليه السلام على كفن سلمان:

وفدت على الكريم بغير زاد        من الحسنات والقلب السليم

وحمل الزاد أقبح كل شيء  اذا كان الوفود على الكريم) ولا يحسب عمله من الحسنات ولا يعدّه أقل شيء فاذا استحكمت هذه الحال في القلب فالمرجو أن يقع موردا للعناية، أمّن يجيب المضطّر اذا دعاه ويكشف السوء.

وصل وتتميم:

محمد بن يعقوب باسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " اذا أذنت وأقمت صلّى خلفك صفان من الملائكة صفان من الملائكة واذا أقمت صلّى خلفك صف من الملائكة " والاحاديث بهذا المضمون كثيرة. وفي بعض الاخبار: " ان حدّ الصف ما بين المشرق والمغرب ".

وفي ثواب الاعمال قال أبو عبدالله عليه السلام: " من صلّى بأذان وإقامة، صلّى خلفه صفان من الملائكة ومن صلّى باقامة من غير أذان صلّى خلفه صف واحد من الملائكة، قلت له: وكم مقدار كل صف؟ فقال أقلّه ما بين المشرق والمغرب وأكثره ما بين السماء والارض ". وفي بعض الروايات: " وان أقام بغير أذان صلّى عن يمينه واحد وعن شماله واحد " إلى غير ذلك من الاخبار. ولعل اختلاف الاخبار بواسطة اختلاف المصلين من المعارف والخلوص كما يستفاد ذلك من بعض روايات الباب مثل الرواية التي وردت في الصلاة مع الاذان والاقامة في ارض قفراء (أقول: وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لابي ذر قال: " يا ابا ذر ان ربك ليباهي ملائكتة بثلاثة نفر: رجل يصبح في أرض قفراء فيؤذن ثم يقيم ثم يصلّي، فيقول ربك للملائكة انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه احد غيري فينزل سبعون ألف ملك يصلّون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من غير ذلك اليوم.. إلى أن قال: يا أبا ذرّ اذا كان العبد في أرض في أرض يعني قفراء فتوضأ أو تيمم ثم أذّن وأقام وصلى أمر الله الملائكة فصفوا خلفه صفّا لا يرى طرفاه يركعون لركوعه ويسجدون لسجوده ويؤمنون على دعائه، يا أبا ذر من أقام ولم يؤذن لم يصلّ معه الا ملكاه اللذان معه ".

وما ذكره الاستاذ دام ظلّه من أن السر في اختلاف الروايات هو الاختلاف من جهة الخلوص والمعرفة للمصلين ظاهر لان للمصلي في الأرض القفراء - ومع أنه لايراه أحد - من المعرفة والخلوص هو السبب لكثرة الملائكة المصلين وراءه).

وبالجملة، اذا رأي السالك نفسه إماما لملائكة الله وقلبه إماما لقواه الملكية والملكوتية وجمع بالاذان والاقامة قواه الملكية والملكوتية واجتمعت عليه ملائكة الله، فعليه أن يجعل القلب وهو أفضل قوى الظاهر والباطن وشفيع سائر القوى اماما، وحيث إن القلب ضامن لقراءة المأمومين ووزرها على عهدته فلا بدّ له أن يحافظ عليه محافظة تامة ويراقبه مراقبة جميلة لكي يحفظ القلب على الحضرة والحضور ويقوم بأدب المقام المقدّس ويغتنم هذا الاجتماع المقدس ويعظّم توجّه ملائكة الله وتأييدهم ايّاه ويعرفه من النعم لوليّ النعمة الحقيقي ويقدّم عجزه وقصوره عن شكر هذه النعم العظيمة إلى مقامه المقدس انه وليّ النعم.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست