.

 

الوعي الكوني والرؤى الفكرية

دور الفكر في الشخصية الإسلامية

الوعي الفكري والفهم

مراحل الاعتقاد

ذكر الله

من عطاء الذكر

 

الفصل الثاني

الإيمان

(الوعي الكوني والرؤى الفكرية)

دور الفكر في الشخصية الإسلامية:

الفكر.. هو الصورة الذهنية التي يحملها الإنسان عن الواقع الخارجي عن الكون، اصله، ونشأته، وتطوره ونهايته، والحياة ومعناها والمجتمع وقوانينه ودور الإنسان في هذا الدنيا.. ومسؤوليته فيها وصلة الله تعالى بالعالم.. إلى آخر ما هنالك من موضوعات تتعلق بها الفكر الإنساني، والفكر هو احد اجهزة الشخصية الإنسانية، التي تتفاعل فيما بينها، وتتبادل التأثير وهي (الفكرة، العاطفة، الارادة) ففكر الإنسان ليس منفصلاً عن عاطفته واسلوب حياته النفسية وانما هو متصل بها أوثق اتصال، يؤثر فها ويتأثر بها.. ومن هنا كان النمو الفكري للطفل البشري، والمجتمع البشري يؤثر بأستمرار في طريقة حياته، وفي قيمه الاخلاقية والحضارية، ودرجة انفتاحه النفسي، ونضجه الانفعالي..

ومن هنا ايضاً كانت اجدر الرسالات في التأثير بالناس، وقيادتهم، الرسالة التي تقدم لهم منهجاً كاملاً شاملاً للفكر، والاخلاق، والسلوك.. لان الإنسان في ظل هذه الرسالة لا يشعر بالانفصال بين فكره، وسلوكه، وبين مفاهيمه بالحياة، وقيمه الاخلاقية ولان كل جزء من هذه الرسالة يعزز الجزء الآخر وبكلمه.

ومن هنا ندرك عظمة هذا الدين الذي تنزل من اجل بناء الإنسان، حينما بدأ مشروعه التغييري الجبار من التحرير الفكري للإنسان من اوهام الجاهلية، والابداع واعادة بنائه العقلي على أساس من وعي كوني جديد، يقوم على أساس الإيمان بالله، الواحد الاحد، المتفرد بالاسماء الحسنى، ذي الطول، والنعم باعث الانبياء، والرسل لهداية الناس.. والإيمان بمرحلية هذه الحياة، وعود الناس إلى الحياة من جديد، ليروا أعمالهم.

(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)

وما اسهل ان ندرك قيمة هذا الوعي الكوني في شخصية الإنسان المسلم واثره العميق في الحياة النفسية لهذا الإنسان هذا الوعي الذي يبعث وينمي الاحساس الاخلاقي بالحياة، ويعمل على خلق المشاعر المتعالية على جزئيات الحياة، وصغائر الامور.. هذا الوعي الذي يقاوم التقييم النفسي للظواهر، والاشخاص، ويوسع الافاق.. ويخلق طمأنينة النفس، وهدوء المشاعر، والانفعالات، هذا الوعي الذي ينمي روح التفاؤل بالحياة، والانفتاح عليها، ويترك لاهل الضلال السأم، والتطهير، والقلق، والغشيان.. ولا يقتصر الوعي الذي يشيعه الإسلام بين المؤمنين على الوعي الديني الخاص، الذي يتمثل بالإيمان بالله، واليوم الآخر بل يتعدى ذلك إلى مجالات اخرى ستأتي عليها إن شاء الله بعد قليل.

الوعي الفكري والفهم:

ان الفكر الذي يعتبر عنصراً من عناصر شخصية الإنسان المسلم هو (الفهم) والتصديق الساذج بقضايا الإيمان، وتقريرها تقريراً منطقياً، أو عملياً انما هو، الوعي والفكر المستحضر المعاش في الذهن، والمتذكر بأستمرار فهؤلاء الذين يؤمنون بالله تعالى كما يؤمنون بكروية الارض، ودورانها حول الشمس، ولا يتعاملون شعورياً مع هذه الكفرة الخطيرة.. لا يتمثلون في ذلك الوعي الديني والكوني وانما هم فقط (يفهمونه) ويبقى الوعي لهذا الإنسان الذي يفكر في الاشياء، ويحسها من خلال ارتباطها بالله ويتذكر الله بأستمرار..

وما يشترط بالإنسان المسلم غير ما يشترط في الشخصية الإسلامية ان ما يشترط في الإنسان المسلم من اجل ان ينتمي رسمياً إلى الإسلام هو، ان يؤمن بالله، ورسوله إيمان فهم، ويعلق هذا الإيمان بكلمة الشهادة مثلاً لاكثر فهم ولكن ما يشترط في الشخصية الإسلامية، ويعتبر العنصر الأول من عناصرها شيء اخر هو، الوعي الإيماني، أو الإيمان بوعي، بمعايشة ذهنية.. بالنظر إلى الاشياء، والعالم من خلال الارتباط بالله تعالى.

وبهذه يصبح الفكر الإسلامي شيئاً آخر، أو بالاحرى ينتقل إلى مرحلة اخرى هي مرحلة (الرؤية الفكرية) أو (البصيرة) شيء تحسه، وتراه.. وتؤمن به كما تؤمن بالاشياء، التي تواجهها، وتقوم في حسك، وعقلك[1] فمثلما ترى نفسك، وانت تشاهد الاشياء، وتبصرها.. وينشد ذهنك اليها.. كذلك ترى نفسك، وأنت تؤمن بالله وتؤمن باليوم الآخر ومرحلية هذه الحياة.

 

مراحل الاعتقاد:

في هذا العالم ناس ملحدون، تمردوا على خالقهم، فأنكروا وجوده، أو عاشوا في هذه الحياة معيشة ضنكا، وفيه ايضاً مشككون، قد اتعبتهم الحيرة، واستحكم فيهم القلق، والتردد.. إلى جانب هؤلاء، هنالك مؤمنون بالله تعالى عند حدود (الفهم) ويقررون وجود الله تعالى كما يقررون وجود الحياة على كوكب المريخ، أو كما يشرحون لك تحول السدم إلى مجرات.. فهم يؤمنون بالله من الناحية الفعلية، والمنطقية، ولكنهم لا يؤمنون به شعورياً، ولايحسون وجوده المقدس.. وهنالك المؤمنون الذين تجاوزوا مرحلة (الفهم) إلى مرحلة (الوعي).

وإيمان الوعي هو ان تبصر الله في خلقه، وعند نعمه ولا تنساه نسيان شعور بل تعيش وجوده، وتستشعر به تعالى وهناك من يتجاوز مرحلة (الوعي) إلى مرحلة (الاحساس) واليقين، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذبون..

وهكذا فمراحل الاعتقاد ثلاثة كما ورد عن الامام الصادق (ع):

(ان الإيمان افضل من الإسلام، وان اليقين افضل من الإيمان، وما من شيء اعز من اليقين)[2].

المرحلة الأولى: مرحلة الإسلام، وهي ان تؤمن إيمان (فهم) بشهادة (لا الله إلا الله، محمد رسول الله)، ولا تقتضي هذه المرحلة سوى التصديق بالله تعالى، وكماله وتوحيده، ونبوة الرسول (ص)، وتؤمن اجمالاً بما جاء به كما تصدق بالنظريات العلمية مثلاً من دون معايشة ومشاركة، ومن هنا (الإسلام شهادة لا الله إلا الله، والتصديق برسول الله (ص) به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح، والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس) [3].

 

المرحلة الثانية:

مرحلة الإيمان، وهي ان تؤمن بالحقائق الدينية الكبرى إيمان (وعي) لا إيمان فهم.. وبالإيمان تخرج من مستوى، الفهم، والتقدير العقلي لقضية الوجود الالهي، واليوم الآخر، وارتباط الخلق ببارئه إلى مستوى الوعي ودخول القضية إلى القلب، والمعايشة الروحية، واستشعار الهداية والطمأنينة.

(قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا سلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).

وفي خبر سماعة عن الصادق (ع):

(..والإيمان الهدى وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام، وما ظهر من العمل به، والإيمان ارفع من الإسلام درجة..) [4].

وعن الفضيل بن يسار عن الصادق (ع):

(ان الإيمان ما وقر في القلوب) [5]

يبقى هنا: ان العمل بالشريعة انما هو نتيجة للإيمان لانه من عناصره، ومظهر له لا مخبر.. وبهذا نجمع بين مادل على دخالة العمل في الإيمان، ومادل على خروجه عنه من النصوص.

ويبقى ايضاً: ان من الممكن في مرحلة الإيمان ان يقع شيء من الوسوسة، ولا يضر ذلك في إيمان المؤمن، فان الإيمان اطمئنان القلب، وعقدة الهداية التي تسري في النفس، وهذا لا يلغيه وقوع خاطرة شيطانية في الذهن.. ففي حديث صحيح عن ابي عبدالله (ع) قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله هلكت. فقال له: الخبيث، فقال لك: من خلقك؟ فقلت: الله، فقال لك: الله من خلقه؟ قال أي، والذي بعثك بالحق نبياً لكان كذا، فقال رسول الله (ص): ذاك، والله محض الإيمان[6] إلى غير ذلك من النصوص الواردة في عدم منافاة الوسوسة للإيمان.

المرحلة الثالثة: مرحلة اليقين، وهي اعلى المراحل وأسماها، واعزها، وهي مرحلة الاحساس، وانكشاف الغطاء.

(لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً)

وتحول الغيب إلى شهادة..

وليس هنا وسوسة، أو فراغ، وانما هو تواجد مستمر للقضية في الاحساس، والشعور..

وانت تستطيع ان تجد الكثير من المؤمنين الذين عاشوا قضية الإيمان، ودخل الإيمان قلوبهم، وشاع الهدى في نفوسهم، ولكن اليقين أمر عزيز لا يأتي إلا للفرد النادر من الناس.. فعن الرضا(ع):

(الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين الناس شيء اقل من اليقين) [7]

ومن نماذج أهل اليقين ما جاء في نص معتبر عن ابي عبدالله (ع):

(ان رسول الله (ص) صلى بالناس الصبح فنظر إلى شاب، وهو يخفق، ويهوي برأسه (تأخذه سنة من النعاس فيميل رأسه) مصفراً لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في رأسه فقال رسول الله: كيف اصبحت يا فلان؟ قا: اصبحت يا رسول الله موقنا. فعجب رسول الله من قوله، وقال: ( ان لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: ان يقيني يا رسول الله هو الذي احزنني، واسهر ليلي، واظمأ هواجري، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتى كاني انظر إلى عرض ربي، وقد نصب للحساب، وحشر الخلائق لذلك، وانا فيهم، وكأني انظر إلى أهل الجنة يتنعمون في الجنة، ويتعارفون، وعلى الارائك متكئون وكأني انظر إلى أهل النار، وهم فيها معذبون، مصطرخون وكأني الآن اسمع زفير النار يدور في مسامعي. فقال رسول الله (ص) لاصحابه: هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان ثم قال: الزم ما انت عليه. فقال: الشاب ادع الله لي يا رسول الله ان ارزق الشهادة معك. فدعا له رسول الله (ص) فلم يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي (ص) فاستشهد بعد تسعة نفر فكان هو العاشر) [8]

 

(ذكر الله):

ان مرحلة الإيمان التي تمثل الحد الأدنى في الشخصية الإسلامية، ويعيش معها الكثير من المؤمنين.. تتضمن عنصرين:-

الأول: عدم ارتياب، والشك في وجود الله تعالى واية حقيقة دينية اخرى لقد بحث المتكلمون في ان الظن وهو الاحتمال الراجح الذي يعاكسه احتمال آخر مرجوح هل يكفي في تحقق الإسلام، وانتماء الإنسان إلى الإسلام؟ وهذا على مستوى البحث الكلامي بحث وجيه.. واما على المستوى التربوي.. فان من الواضح ان اي احتمال معاكس واي ارتياب في أي حقيقة دينية فهو يتكافأ مع الحد الأدنى المطلوب في الشخصية الإسلامية.

يقول تعالى:

(انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يرتابوا، وجاهدوا باموالهم، وانفسهم اولئك هم الصادقون) [9]

الثاني: ذكر الله.. وذكر الشيء، حفظه في النفس والشعور به، وذكر الله تعالى.. هو ان يكون وجدانك، وشعورك ممتلىء به منشداً اليه.. أي ان تعيش خشية الله تعالى في مشاعرك، وتفكيرك، ومن نتائج هذا الحضور الشعوري لله تعالى فمن ذهن المؤمن ذكره على اللسان وتسبيحه وحمده.

فذهن المؤمن وشعوره (ميال) بطبعه إلى ذكر الله تعالى، والارتباط المستمر به.. و (تداعيات) ذهنه تكون عادة إليه تعالى لان، الله تعالى هو (وجهة) حياته ومحور تفكيره، وشعوره وتوجهه النفسي فهي إذا تجددت عليه نعمة ذكر الله، واذا نزلت به نازلة ذكر الله، واسترجع واذا اقدم على فعل ذكر الله، واذا اذنب ذكر الله استغفر اليه، واذا نظر إلى الابداع الخلق، وشيء من ملكوت السماوات والارض ذكر الله، هكذا.. وهكذا فأن أغلب أحساسه وافكاره (تدعو) إلى ذكر الله تعالى، وهذا هو العيش الشعوري، والحياة الذهنية المؤمنة مع خالق الكون العظيم المتعال.. اما ان يكون الإيمان بالله تعالى مجرد كلمة تترد على الافواه، وفهم لا يخرج عن دائرة الجزم والتصديق الساذج دون ان يشيع في العقل والشعور والتفكير.. فليس هذا من الإيمان في شيء.. وغاية الأمر انه خطوة نحو الإيمان.. وارضية من الممكن ان يبنى عليها الإيمان، والذكر..

كان متمم بن نويرة يبكي اخاه مالكاً..يذكره ويبكيه عندما يرى ناراً لانه بذاك يذكر نار اخيه الموقدة إلى الصباح تنتظر الضيوف، ويبكيه، ويذكره كلما راى قبراً، لقبر ثوى بين اللوى فالد كائك، ولامه صاحبه على ذلك على هذه التوسعة في معايشة ذكرى مالك على هذا البكاء عند كل قبر.. وكان جواب متمم: ابياتاً من الشعر يقف إلى الآن عندها الاديب، وعالم النفس والمؤمن الذي يبحث عن تجارب شعوريه تشبه تجربة المؤمنين مع الله.

 

لقد لامني عند القبور على البكا              رفيقي لتذارف الدموع السوافكي

فقال أتبكي كل قبر رأيته                         لقبر ثوى بين اللوى والد كائك

فقلت له: أن الشجا يبعث الشجا                فدعني فهذا كله قبر مالك

ان شدة قتل مالك في نفس متمم وسعت من نقاط التفاعل الشعوري بين الاخ واخيه، واظهرت الترابطات الخفية بين ما يشاهده ويحسه من قبر، ونار،و غير ذلك، وبين الاخ القتيل.

والمؤمن كذلك مع الله وان شدة تعلقه بالله تعالى وانشداده إليه يجعله دائم الذكر له سريع الادراك.

للترابطات الموجودة بين الامور المحسوسة من حوادث واشياء، وظواهر، وبين الخالق العظيم.

ان تجربة ذكر الله تعالى، ومعايشته الشعورية والذهنية تقوم على أساس توسعة المثيرات المباعثة للذكر شعورياً.. فبينما لا يتذكر الإنسان العادي الله إلا عند حوادث استثنائية فان الإنسان المؤمن، يذكره عند عدد كبير جداً من الحوادث، والظواهر، والاشياء، والافعال.. من خلال ادراكه للترابطات، الخفية، والظاهرة بين هذه الامور وبين الله – ويفترق هنا الإنسان المؤمن مهما بلغ من الانشداد إلى الله تعالى عن الإنسان المتصوف المغالي في العمليات التصوفية. إذ يحتفظ الإنسان المؤمن بقدرته العقلية على التمييز بين (ما يذكره) بالله تعالى، وبينه سبحانه دون ان يوحد بين المذكر والمذكر به. اما الإنسان الصوفي الذي يغالي في التصوف فهو يفقد قدرته العقلية على التمييز و يؤكد – في شطحاته – وحدة المخلوقات مع الخالق.

هذا وبما ان حالة الواجد الشعوري المستمر لفكرة الإيمان بالله تعالى في النفس أمر غير ممكن – عملياً – فلذا كان ما يربي عليه القرآ ن الكريم هو، ان نذكر الله ذكراً كثيراً مع اتاحة الفرصة للذكر المستمر.. الدائم لله: وقد تنوع الحث القرآني على ذكر الله تعالى:

 (1) – ذكر الله كثيراً:

(واذكر ربك كثيراً)

(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً) [10]

(2) – ذكره تعالى عند الذنب.

الاحزاب/ 41 الاحزاب/ 41 (والذين إذا فعلوا فاحشة، أو ظلموا انفسهم ذكروا الله، فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله) [11]

(39) – ذكر الله في مواطن العبادة واوقاتها.

(فاذا افضتم من عرفات، فاذاكروا الله عند المشعر الحرام) [12]

(وسبح بالعشي والابكار)

(وسبحوه بكرة وأصيلا)

(4) – ذكره تعالى في الشدة والبلاء.

(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً) [13]

(والذين إذا اصابتهم مصيبة، قالوا انا لله وانا إليه راجعون) [14]

(5) – ذكره تعالى عند التذكير.

(والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) [15]

(انما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا) [16]

(ذكر الله تعالى بصورة مطلقة.

(6) – (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفيةً) [17]

الى آخر ما ورد من الحث على ذكر الله، واستحضاره في مختلف مجالات حياة الإنسان، وهذه الآيات الكريمة اما ان تحث على الذكر الذهني لله تعالى بشكل مباشر أو انها تحث على الذكر اللفظي، ليكون ذلك سبباً للذكر الذهني وعلى أي حال فهي لا تهدف إلى اللفظ وتكرار الاصوات، وانما إلى الذكر الحقيقي، والمعايشة الذهنية..

(من عطاء الذكر):

قلنا ان ذكر الله هو المعايشة الشعورية له، والاحساس بوجوده المقدس باستمرار.. وللذكر هذا آثار عظيمة في شخصية الانسا ن المؤمن. نذكرها فيما يلي:

1 – أن ذكر الله تعالى شعور بمراقبته، ورصده لافعال العبد وتصرفاته وفي هذا قوة عظيمة (دافعة) على الالتزام والتقيد بالحدود، والقيود الإسلامية عن ابي عبد الله (ع):

(من أشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً.. ثم قال: لا اعني سبحان الله، والحمد لله، ولا آله إلا الله والله اكبر، وان كان منه، ولكن ذكر الله عندما حل وحرم، فان كان طاعته عمل بها، وان كان معصية تركها) [18]

وفي هذا الخبر دلالة واضحة على ان المفهوم السليم للذكر هو ذكر الله في النفس خيفة، وتضرعاً وان كان للذكر اللفظي دور، واهمية تربوية كما مر.

2 – ان تجاوز الاشياء الحاضرة المتناهية: والعيش الشعوري مع الله تعالى يخلق حالة التعالي، والتسامي في شخصية الإنسان المسلم، هذه الحالة التي تعد من اكبر مميزاتها الشخصية، وسماته الذاتية.. فان من يعيش حلاوة الذكر ويتنعم بأستشعار الله تعالى يقترن ذلك لديه الشعور بالتعالي، والتسامي على صغائر الأمور وجزئيات الحياة التي تشغل هم الناس وتقع مورداً لتنافسهم وتصارعهم.

3 – وهذا (التجاوز) الشعوري، والتعالي، والتسامي في المشاعر، والمدركات هو الذي يخلق في شخصية الإنسان المسلم حالة اخرى هي (الاطمئنان)، والاستقرار النفسي و (السكينة)، و (الوقار) – في مفهومه الاخلاقي الأصيل – قال الله تعالى:

(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب) [19]

والسبب في الاطمئنان بذكرالله تعالى.. هو ان الاستقرار النفسي، أنما يتحقق للشخصية فيما إذا ارتبطت شعورياً بمنطلقات غير متغيرة. اما إذا انشدت إلى اشياء متحركة، مضطربة، فان هذا الاضطراب سينعكس على النفس بصورة قلق على شيء يخشى زواله، أو شيء يخشى وقوعه، وبصورة خوف، وهم، وحزن.. وجزع.. والمؤمن إذ يعزف عن الدنيا، ويكفر بقيمها الفانية، ويعيش شعورياً مع الله.. ويرتبط نفسياً به، فان الاستقرار عندئذ هو النتيجة الطبيعية المترتبة على ثبات الله تعالى الذي تتعلق به النفس، والشعور.

(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)[20]

(ان الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا، إلا المصلين)[21]

4 – ويتعرض الإنسان في مسيرته إلى الوان من المكاره والمضايقات، والوحدة والغربة، إذ يتفرق الناس عنه ويسخرون منه، ويكذبونه، ويعيشون في عالم غير ما يعيش فيه..

وهنا قد ينتهي إلى (ضيق) نفسي يمنع عقله من الحركة ونفسه من الانطلاق، وارادته من الثبات، والصمود وقد ينتهي به هذا الضيق إلى (اليأس)، و (التشاؤم)، والشعور بالضعف، والانكسار، والذي يعالج هذه الحالة ويبعث في النفس الانفتاح، والتفاؤل، ويجدد لها حيويتها، ونشاطها واندفاعها في حقول العمل لله.. والجهاد في سبيله هو ذكر الله.. واستشعاره، والاحساس به كما يوجه إلى ذلك ويدل عليه الإعداد القرآني للرسول (ص) في لحظات المعاناة من التكذيب، والسخرية فاقرأ هذا الآيات المباركة، ولاحظ كيف تعالج حالة (الضيق) النفسي بذكر الله تعالى.. واستشعاره والاحساس به.

(فاصبر على ما يقولون، وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومن اناء الليل فسبح، واطراف النهار لعلك ترضى)[22]

(فاصبر ان وعد الله حق، واستغفر لذنوبك، وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار)[23]

(فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب، ومن الليل فسبحه، وادبار السجود)[24]

 


[1]  الطابع العملي.. او بالاحرى انها فكرة ذات عطاءات عملية.

[2]  انها فكرة معايشة ومستحضرة فالبصيرة ترادف الوعي، أو الرؤى الفكرية.

[3]   اصول الكافي ج 2 ص 51

[4]   اصول الكافي ج 2 ص 20

[5]   اصول الكافي ج 2 ص 25

[6]   اصول الكافي ج 2 ص 26

[7]   اصول الكافي ج 2 ص 420

[8]   اصول الكافي ج 2 ص 51

[9]   اصول الكافي ج 2 ص 53

[10]  الاحزاب/ 41.

[11]  آل عمران/ 135.

[12]  البقرة/ 198.

[13]  الانفال/ 45.

[14]  البقرة/ 46.

[15]  الفرقان/ 73.

[16]  السجدة/ 15.

[17]  الاعراف/ 205.

[18]  اصول الكافي ج 2 ص 8.

[19]  الرعد/ 28.

[20]  الفجر/ 29.

[21]  المعارج/ 2022.

[22]  طه/ 13.

[23]  غافر/ 55.

[24]  ق/ 3940.