تربية الجانب الروحي المعاناة في سبيل التربية الروحية أولاً: قيام الليل |
الفصل
الخامس (وسائل
التربية
الروحية)
تربية
الجانب
الروحي: عرفنا
ان في ما
مضى أن
الجانب
الروحي في
شخصية
الإنسان
المسلم يتمثل
في مجموعة من
العناصر
النفسية
الداخلية
المنشدة إلى
الله تعالى..
والمرتبطة
به، بصائر
وعواطف،
واردة فإيمانك
بالله
تعالى،
واطمئنانك
له، وخوفك،
ورجاؤك منه،
وحبه، وحب
المؤمنين،
والاخلاص
والصبر،
والزهد،
وامثال ذلك
من المعاني
التي يتشكل
منها الجانب
الروحي. واما
الصلاة
وتلاوة
القرآن
الكريم،
وذكر الله،
وما شاكل ذلك
فهي وسائل
التربية
الروحية
والإعداد
الروحي..
وليست هي في
ذاتها عناصر
روحيه.. ومن
روائع دين
الله، انه لم
يحث على ربط
القلب
والارادة
بالله تعالى
ولم يلزم به
فقط وانما
بين طريق ذلك
واسلوبه
الصحيح،
وتسهيلاً
للناس
وتوضيحاً
للسبيل
المستقيم في
مسألة قابلة
الانقسام في
التربية
الروحية
تقوم على
أساس من
القوانين
النفسية،
ونظم
الترابط بين
الذهن،
والقلب،
والارادة،
والسلوك،
وليس
المقصود من
ان الإسلام
بين الطريق
إلى التربية
الروحية
وتنمية
الصلة
النفسية
بالله
تعالى، انه
قد تحمل
مسؤولية
للتربية،
والبناء على
الإنسان
المسلم..
وانما كل ما
فعله هو، ان
وضح
المعالم،
ورسم
الطريق،
وعلى المسلم
ان يبادر،
ويعاني في
سلوك هذا
الطريق حتى
ينتهي
اخيراً إلى
الدرجة
اللائقة من
الصلة بالله
والعلاقة
الروحية به. وهكذا
فان بناء
الجانب
الروحي،
والتربية
الروحية لا
تتم بالشكل
الصحيح إلا
بشروط ثلاثة: 1
– الشرط
التكويني:
وهو وجود
قوانين
نفسية تحكم
العلاقة بين
الجانب
الروحي
والصلة
النفسية
بالله، وبين
مجموعة من
المواقف
والأعمال
يمكن من خلال
اداء هذه
الأعمال،
وعلى أساس
الترابط
الموجود بين
الفعل،
والجانب
الروحي،
تنمية هذا
الجانب،
وتكوين
الصلة
الداخلية
بالله
تعالى، وقد
تكفل الله
سبحانه بهذا
الشرط في
النظام
التكويني
للاشياء
ويكشف
القرآن في
آيات متعددة
عن الكثيرين
من هذه
القوانين
النفسية،
والترابطات
الموجودة
بين اجهزة
الشخصية
الإنسانية..
ويقيم على
أساس من ذلك
نظامه
التربوي.. 2
– الشرط
التشريعي:
وهو وضوح
الوسائل
والمواقف
التي تؤدي
إلى تلك
النتائج
النفسية
بحكم
القانون
النفسي
المغروس
فطرياً..
والمودع في
جهاز
التكوين
البشري.. وقد
قام الإسلام
بذلك، فحدد
مجموعة
كبيرة من
وسائل
التنمية
الروحية،
وتكوين
الانشداد
الداخلي
بالله،
وسنأتي على
ذكر هذه
الوسائل ان
شاء الله
تعالى. 3
– المبادرة
الفردية،
والمعاناة
في اتباع هذا
الخط وتبني
هذه
الوسائل،
وانتهاجها،
واذا كان
الشرط الأول
من مهمات
الجانب
التكويني في
خلق
الإنسان،
وكان الشرط
التالي من
مهمات
الإسلام
التشريعية
فهذا الشرط
كما هو واضح،
من مهمات
الفرد،
الإنسان
المسلم
نفسه، وليس
من مهمات
الإنسان
المسلم ان
يستحدث
وسائل
عبادية منه،
واساليب
التربية
الروحية، بل
قد لا ينبغي
من ذلك بعد
ان اوضح
الإسلام
الطريق،
ورسم
المعالم في
هذا
الميدان،
وقد يؤدي
استحداث هذه
الوسائل،
والاساليب
إلى شكل من
اشكال
الابتداع في
الدين،
وبالتالي
الانحراف عن
الاهداف
الإسلامية
للتربية
الروحية..
كما وقعت في
ذلك اتجاهات
التصوف.. المعاناة
في سبيل
التربية
الروحية: دور
الإنسان
المسلم اذن
هو تبني
وسائل
التربية
الروحية
التي حددها
الإسلام من
صلاة، وذكر،
وصيام، و..
ولكن تبنيها
ليس دائماً
امراً
سهلاً، صحيح
ان الإسلام
عندما يوضح
اساليب
التنمية
الروحية
يكون بذلك قد
سهل هذه
العملية،
ولكن لتسهيل
أمر نسبي،
فعلى
الإنسان ان
يعاني في
سبيل البناء
الروحي،
ويجاهد
نفسه،
واهواءه من
اجل سلوك
الطريق إلى
الله الذي
يبدأ صعباً
وينتهي
سهلاً وسجية
للسالكين.. ان
الضواغط على
التربية
الروحية
كثيرة ولكن
ارادة
الإنسان
المؤمن يجب
ان تكون اكبر
من الضواغط،
واكبر من
الحواجز
الطبيعية
والاجتماعية
والنفسية،
بيئة المؤمن
الاجتماعية،
وبيئتة
الثقافية،
وزاده
الفكري الذي
يتلقاه،
ويتفاعل
معه،
ومشاغله
الحياتية،
وتربيته
الأولى،
وطبيعته
كإنسان له
اهواؤه
وحسه، كل ذلك
لا يشجع على
الصلة بالله..
ولكن في هذا
ايضاً قيمة
الاتصال
بالله،
وتعميق
العلاقة به..
وفي تجاوز
المصاعب،
والتمرد على
القوانين
الاجتماعية،
والنفسية..
تتبدى (تتجلى)إنسانية
الإنسان,
وجوهره
الروحي
الخلاق، وفي
هذا ايضاً
ميزة
الإنسان
المسلم الذي
يتبنى
الإسلام
عقيدة،
وخلقاً،
وسلوكاً،
على الإنسان
المادي فهذا
يبقى خالداً
إلى الطين
محكوماً
بقوانين
الشهوة،
الحس، وعالم
الشهادة،
وذاك يرتفع
ويتصاعد إلى
السماء،
ويتجاوز
قوانين
الشهوة،
والحس،
والتعامل مع
عالم الغيب..
لمجرداته،
ومغيباته.. الإنسان
المادي يشكل
حقاً حقارة
معنوية
لعالم
الحيوان..
ضيق الافق،
ومحدودية
الطموح،
والمحسوبية
للشهوات. (ان
هم إلا
كالانعام بل
هم اضل)،
والإنسان
المسلم يمثل
التجاوز
الحقيقي
للوضع
الحيواني
بحدودهما
الضيقة
وافاقهما
المحدودة..
وبالكدح
والمعاناة،
وبهداية
الله تنمو
روحية
الإنسان
وتلتقي
بالله.. (يا
أيها
الإنسان انك
كادح إلى ربك
كدحاً
فملاقيه)،
وسنذكر فيما
يلي وسائل
التربية
الروحية،
وهي في
الإسلام
كثيرة
ولكننا
سنقتصر هنا
على ما يلي
منها: 1
– قيام الليل. 2
– ذكر الله
كثيراً. 3
– تلاوة
القرآن
الكريم. 4
– الاجواء
الإيمانية. 5
– الثقافة
الإيمانية. 6
– مخالفة
الاهواء –
الصوم. 7
– المحاسبة،
والنقد
الذاتي. 8
– الاعتكاف. أولاً:
قيام الليل: ورد
الحث الشديد
– كتاباً
وسنة – على
صلاة الليل. 1
– (يا أيها
المزمل قم
الليل، إلا
قليلا نصفه،
أو انقص منه
قليلا، أو زد
عليه، ورتل
القرآن
ترتيلا)(المزمل) 2
– (اقم الصلاة
لدلوك الشمس
إلى غسق
الليل،
وقرآن
الفجر، ان
قرآن الفجر
كان مشهودا،
ومن الليل
فتهجد به
نافلة لك عسى
ان يبعثك ربك
مقاما
محمودا)(الاسراء/79) 3
– (ان المتقين
في جنات،
وعيون،
آخذين ما
اتاهم، ربهم
انهم كانوا
قبل ذلك
محسنين،
كانوا قليلا
من الليل ما
يهجعون،
وبالاسحار
هم يستغفرون)[1] 4
– (واذكر ربك
بكرة
وأصيلا، ومن
الليل فاسجد
له وسبحه
ليلا طويلا)[2] 5
– عنهم (ع):
(شرف المؤمن
صلاته
بالليل، وعز
المؤمن كفه
عن اعراض
الناس)
6
– عن ابي
عبدالله (ع)
قال: (عليكم
بصلاة الليل
فانها سنة
نبيكم ودأب
الصالحين
قبلكم،
ومطردة
الداء عن
اجسادكم).
7 – وعنهم (ع) في
مجموعة
احاديث: (ان
صلاة الليل
تذهب ذنب
النهار
وتطرد الداء
من الاجساد،
وتبيض
الوجه،
وتطيب
الريح،
وتجلب
الرزق،
وتذهب
بالهم،
وتجلو
البصر،
وتحسن
الخلق،
وتقضي
الدين، وهي
مصحة للبدن،
ورضا للرب،
وتمسك
باخلاق
النبيين (ع))،
8 – عن ابي
عبدالله (ع): (ليس
من عبد إلا
ويوقظ في كل
ليلة مرة، أو
مرتين، أو
مراراً، فان
قام كان ذلك
والا فجج
الشيطان
فبال باذنه
أو لا يرى
احدكم إذا
قام، ولم يكن
ذلك منه قام
وهو متحير (متخثر)
ثقيل كسلان)،
9 –
وعنه (ع): (يا
سليمان لا
تدع قيام
الليل فان
المغبون من
حرم قيام
الليل)،
وعنه
(ع): (ليس
منا من لم
يصل صلاة
الليل)،
10 –
وفي الحديث: (جاء
رجل إلى امير
المؤمنين (ع)
فقال: اني
حرمت الصلاة
بالليل،
فقال أمير
المؤمنين (ع):
انت رجل قد
قيدتك ذنوبك)[3]
الاثر
التربوي
لصلاة الليل: ان
هذا التأكيد
الشديد على
صلاة الليل
انما هو
باعتيار
اثرها
التربوي
الخطير في
حياة
الإنسان
الروحية..
فهي وراء
كونها عبادة
وصلاة، لها
ما للصلاة،
وللعبادة من
اثار، تحتوي
على اثرين
مهمين،
سجلتهما
الآية
المباركة: (ان
ناشئة الليل
هي اشد وطئا
واقوم قيلا)،
فقيام الليل
بما فيه من
مجاهدة
للنفس،
وتحكم في
الهوى،
ومعاناة في
سبيل الوقوف
بين يدي الله..
باعتبار
مواجهة
اتعاب
النهار،
وسلطان
النوم،
والشعور
بالوحدة في
جوف الليل،
وباعتبار
ذلك يكون
قيام الليل
اشد وطئاً،
وأكبر اثراً
على بناء
الارادة،
والصبر،
وبناء
الجهاز
الحاكم في
الشخصية
الإسلامية..
وما احوج
الإنسان
المؤمن في
الدرب
الطويل..
والمسيرة
الصعبة
وعناء
الدعوة.. إلى
بناء
الارادة،
وتكوين ملكة
الصبر..
الصبر الذي
يكون لله،
وعلى عبادة
الله.. وما
احوج
الإنسان
القائد الذي
ينتظر منه
تحرير الامة
من اسر
الشهوة،
والانحراف،
والخضوع
للدنيا
والركون
للطواغيت ان
يتحرر من
داخله.. وان
يخرج عن اسر
الكسل إلى
دائرة
النشاط..
وقيود
الشهوة إلى
دائرة
القدرة،
والارادة،
والتجاوز..
وبالتالي ما
احوجه إلى
هذه اللحظات
القصيرة – من
عمر الزمن-
في جوف الليل..
ويؤكد فيها
استعلاء على
كل شيء.. على
كل شيء غير
الله اكبر
المتعال.. هذا
من جهة..
ومن جهة
اخرى، لما
كانت عبادة
الليل..
بعيدة عن
مشتتات
الانتباه،
وتتخذ
الطابع
السري
بعيداً عن
أعين الناس
فهي لهذا (اقوم
قيلا)، واكثر
تثبيتاً على
الكلمة
الربانية،
كل
التعاملات
الشرعية
التي يراها
الناس منك،
قابلة لان
تكون موقفاً
اجتماعيا،
وتوافقاً مع
البيئة،
التي ننفتح
لها،وتتخاطب
معها.. فاكتب
ما شئت ان
تكتب
للإسلام،
وتحدث ما شئت
ان تتحدث عن
دين الله..
واسع لاخوتك..
كل هذا واجب،
وكله مطلوب..
وكله فيه نحو
من التثبيت،
والابقاء
على خط الله..
ولكن ليس هذا
مثل عبادة
البشر.. مثل
العيش
وحيداً،
بعيداً عن
اعين الناس..
وحيداً إلا
من الله..
وغريباً إلا
مع الله..
تلتقي به،
تتلقى منه
وتتضرع
اليه، هناك
فقط، واكثر
من غيره
يتجلى لك (الصدور)
عن الله..
والجهاد في
الله هي
لحظات تحاسب
موقفك بين
يدي الله..
وتصفي الله..
والجهاد في
الله هي
لحظات تحاسب
موقفك بين
يدي الله..
وتصفي
حساباتك في
اليوم
السابق،
وتؤكد له،
ولنفسك انك
فيه وبه وليس
لك من قصد
إلا هو.. وهذا
هو التثبيت،
والتمحيص،
وبناء
الاخلاص،
والصدور عن
الله. صراحة..
لا افهم من
عبادات
الإسلام
شيئين إلا
للدعاة،
الاعتكاف،
وقيام الليل..
افهم الحج
عبادة عامة
يجتمع فيها
المسلمون،
ويؤدون
شعائر الحج،
ويستفيدون
في الفكر
والروح، وفي
هذا يشترك
الدعاة مع
غيرهم من
المسلمين
وافهم
الصلاة
اليومية
للمسلمين
عموماً، كما
افهم الصوم..
وغيره.. في
هذا الاطار،
ولكن كلما
تلح على
الذهن صلاة
الليل..
والاعتكاف
يقترن ذلك
بذكر الدعاة..
وتشكل في
نفسي
إنطباعا
انهما شرعا
في الإسلام
لهم، ولهم
فقط وان كان
لهما صورة
تشريعية
عامة
تشملهم،
وتشمل غيرهم. الوحدة
مع الله..
العزلة
الموقتة،
مراجعة
الذات مع
الله.. احوج
ما يحتاج
إليها
الداعية..
ليكون داعية
لله.. ولله
ومن الله..
ليحكي لربه
شيئاً من
اتعابه في
سبيله..
ليحاسب نفسه
امامه عن
اخطائه،
ليستزيده،
ويستهديه
ليخلص له
نيته من كل
ما يشوب نيات
العاملين في
العبادة
ويداخلها من
حب الظهور،
والرغبة في
التوافق مع
الاجواء
الخاصة،
ليقول له
يارب، هذا
جهدي،
ومستطاعي،
ومنك العون
وبك
الاعتصام من
كل
المغريات،
والضغوط
والمكاره،
والاتعاب. |
|