الأصول
النفسية فالتصور
الإسلامي
للدوافع،
قائم، على
الغاء بعض
الدوافع
التي اعتاد
علم النفس
الأرضي
تسميتها
دوافع،
واقرار
البعض الآخر
منها. وهذا
يعني أن منهج
التناول (في
تنظيم
الدوافع)
سيقتصر على
ما هو مشروع
فيها فحسب:
مع ملاحظة
أننا سنحدد
أيضاً موقف
المشرع
الإسلامي من
الدوافع
الملغاة من
حسابه. فمما
اعتيد ـ على
سبيل المثال
ـ تسميته
دافعاً (عند
علماء النفس
الأرضيين)،
نزعات من نحو: العدوان،
السيطرة،
التفوق،
التقدير
الاجتماعي،
الانتماء
الاجتماعي
الخ، ... هذه
النزعات
يتجه البحث
الأرضي إلى
تسميتها بـ(دوافع)
ويرى إلىهذه
الدوافع
وكأنها
حاجات بشرية
لا مناص من
اشباعها
بنحو وبآخر:
وفقاً
لطبيعة
المناخ
الثقافي
الذي يغلف
الباحث
الأرضي
ومجتمعه. وتبعاً
لذلك، يضطلع
البحث
الأرضي
بمعالجة هذه
الدوافع،
ويخضعها
لتنظيم خاص،
بغية تحقيق
التوازن
للكائن
الآدمي. أما
الباحث
الإسلامي،
فإن وجهة
نظره عن
الدوافع
المذكورة
تختلف
أساساً عن
وجهة النظر
الأرضية،
أنه لا يرى
إليها ـ
وكأنها
حاجات لا
مناص من
اشباعها، بل
يرى إليها
مجرد "ميول"
أو "رغبات"
شاذة، لا
تعبر عن أصل
وراثي أو
اكتسابي
سليم، بقدر
ما تعبر عن
اشباع زائد
عن الحاجة. ولنضرب
مثلاً
عابراً عن
حاجتين
تعدان
أساسيتين في
بحوث الأرض ـ
على أن نفصل
الحديث
عنهما
لاحقاً.
والحاجتان
الأساسيتان
هما: التقدير
الاجتماعي.
والانتماء
الاجتماعي. وعلماء
النفس
الأرضيون،
يجمعون على
أن هاتين
الحاجتين
لابد من
اشباعهما،
لأنهما في
الصميم من
تركيبة
الإنسان
وحاجاته
الأساسية،
فالإنسان
كائن
اجتماعي
بالضرورة،
أنه لم يستطع
أن يتحرك إلا
من خلال وسط
اجتماعي
يتفاعل
افراداً
وجماعات،
بعضها مع
الآخر. وهذا
التفاعل
يفرض على
الكائن
الآدمي أن (ينتمي)
إلى (الآخرين)،
وأن يشبع
حاجته من (الانتماء)
المذكور: كان
ينشئ علاقات
(صداقة) و(جوار)
و(حرفة) و(فكر)
و(سياسة) الخ.
وهذا هو
الدافع إلى (الانتماء
الاجتماعي)
فتفرضها
طبيعة
الكائن
الآدمي
ذاته، من حيث
كونه بحاجة
إلى من يحسسه
بآدميته،
وبكيانه،
وبشخصيته.
فما لم يظفر
بتقدير (الآخرين)
حينئذ لا
يمكنه أن
يمارس نشاطه
الاعتيادي
في الحياة:
أنه يحتاج
إلى (الحب)،
إلى التشجيع)
إلى (تثمين)
انجازاته
التي يقدمها
إلى مجتمعه. هذا
التصور
الأرضي لكل
من الانتماء
الاجتماعي
والتقدير
الاجتماعي،
لا يرى
المشرع
الإسلامي
إلى
مسوغاته،
إلا في نطاق
محدد، هو:
مدى ارتباطه
بالوظيفة
العبادية
فحسب. فالمشرع
الإسلامي،
يلغي (الانتماء
الاجتماعي
أو التقدير
الاجتماعي)
من الأساس،
ويطالبه
بانتماء إلى
(السماء)
فحسب
وبتقدير
منها لا من
الآخرين. اما
(الآخرون)
فإنهم ملغون
من حساب
الفرد
تماماً إلا
من حيث كونه
هو (يحب
الآخرين)
ويخلع (تقديره)
عليهم، لا
أنه باحث عن
حبهم
وتقديرهم. والفارق
كبير بين
التصورين:
كما هو واضح. من
هنا،
فالباحث
الإسلامي لا
يفترض وجود
حاجة اسمها:
الانتماء أو
التقدير
الاجتماعي،
حتى يصوغها
عنواناً
يبحث من
خلاله طريقة
التنظيم
لهذه
الدوافع... بل
يقرر وجود
حاجة اسمها: "الانتماء
الإلهي" أو "التقدير
الإلهي". وهكذا
سائر
الحاجات
والدوافع
التي اعتاد
عالم النفس
الأرضي أن
يعالجها في
أبحاثه من
نحو دافع:
السيطرة
والمقاتلة،
والتملك
والاستطلاع،...
الخ. ومن
هنا أيضاً،
يجد الباحث
الإسلامي
نفسه، بحاجة
إلى صياغة
مفهومات
جديدة عن (الدوافع)
و(تنظيمها)،
بحيث يدرجها
في (عناوين)
تتسق مع طبية
التصور
الإسلامي
للدوافع:
وذلك بأن
يكون الدافع
(مشروعاً)
أولاً، حتى
يعالج طريقة
(تنظيمه)
ثانياً. فالدوافع
الحيوية ـ
على سبيل
المثال ـ تعد
حاجات
مشروعة
كالحاجة إلى
الطعام،
والحاجة إلى
النوم،
والحاجة إلى
الجنس ... الخ.
أما الحاجات
النفسية
التي اعتاد
البحث
الأرضي على
عدها حاجات
مشروعة من
نحو: الدوافع
التي أشرنا
إليها، هذه
الحاجات، لا
يرى المشرع
الإسلامي ـ
كما قلنا ـ
إلى أنها
حاجات
مشروعة حيث
يبحث عن
طرائق
تنظيمها. بل
سيبحث عن
الحاجات
المشروعة
فحسب، ... وهي
حاجات تكاد
تكون مضادة
تماماً
للتصور
الأرضي: من
نحو (الحاجة
إلى وأد
الذات) بدلا
من الحاجة
إلى (السيطرة)،
و(الحاجة إلى
المسالمة)
بدلا من
الحاجة إلى
العدوان،
والحاجة إلى
تقدير
السماء
بدلاً من
الحاجة إلى
التقدير
الاجتماعي،
والانتماء
إلى الله،
بدلاً من
الانتماء
الاجتماعي،
وهكذا. إذن:
الباحث
الإسلامي،
سيختار
منهجاً آخر
في معالجته
لقضية
الدوافع
وتنظيمها. هذا
المنهج: يقرر
أولاً وجود
دوافع حيوية
لا مناص من
اشباعها
بنحو ترسمه
مبادئ
السماء: وهو
أمر يأتلف مع
أبحاث
الأرض، إلا
في طرائق
تنظيمها. ويقرر
ثانياً: وجود
دوافع نفسية...
لكنها
متميزة
تماماً عن
أبحاث الأرض
بحيث لا تكاد
تلتقي بها
إلا في نطاق
محدد. وتبعاً
لذلك، فإننا
نخصص هذا
الفصل من
الدراسة
لمعالجة
حقلين:
أحدهما يتصل
بتنظيم
الدوافع
الحيوية:
طعام، جنس،
الخ. والآخر:
يتصل بتنظيم
الدوافع
النفسية:
الحب ووأد
الذات،
الانتماء
الإلهي،
التقدير
الإلهي... الخ. ونبدأ
أولاً
بدراسة: نطلق
مصطلح (الانتماء
لله)،
مقابلاً لـ(الانتماء
الاجتماعي)
الذي يشكل
لدى
الباحثين
الأرضيين
أحد الدوافع
الملحة لدى
الكائن
الآدمي. وبالرغم
من أن المشرع
الإسلامي لا
يضاد عملية
الانتماء
الاجتماعي،
بل يطالب
بتحقيقها في
مجالات شتى ـ
كما سنرى ـ
إلا أنه لا
يصوغ منها
قضية أساسية
من حيث كونها
تشكل عنصر (حماية)
للكائن
الآدمي. إن
البحث
الأرضي ـ في
أفضل حالاته
ـ يرى إلى
الانتماء
الاجتماعي
وسيلة إلى
غاية محددة
هي: اشباع
الحيوية
والنفسية،
من نحو ما
يحققه
الإنتساب
مثلاً إلى
الأندية
والمجامع
والنقابات
وسواها، من
حل لمشكلات
الفرد أو
تصريف
لطاقاته
الخبيثة ومن
نحو ما يحققه
الانتماء
إلى (الآخرين)
مطلقاً، من
توازن
للشخصية
تفتقده
تماماً
عندما تعيش
منعزلة عنهم:
إذ تلفها
الوحشة،
والفراغ،
والضجر وما
إليها من
المشاعر. ومع
أن بعض
الأبحاث
الأرضية
أثبتت ضآلة
مثل هذه
الحاجة لدى
أقوام
متخلفين،
إلا أن الحق،
يظل مع
الاتجاه
الذاهب إلى
الحاحية هذه
الحاجة،
مادام
الكائن
الأرضي
يفتقد (الحماية)
وهو منعزل عن
السماء. وهذا
على العكس من
الاتجاه
الإسلامي
الذي يوفر
قدراً من (الحماية)
للآدميين
بقدر وعيهم
بحقيقة
السماء
ومعطياتها. إن
السماء
تطالب اولاً
بأن تتمحض
الأعمال
العبادية
الخاصة (من
صلاة وصوم
وحج ونحوها)
لله وحده. وتطالب
ثانياً بأن
لا يشرك
الفرد (الآخرين)
بعمله، أي:
تطالبه بعدم
(الرياء) في
أعماله
العبادية
المذكورة. وتطالبه
ثالثاً أن
يمحض كل
نشاطه (وليس
طقوس
العبادة
فحسب) لله،
بأن يحب
ويبغض في
الله، وينشئ
علاقاته مع
الآخرين من
أجل الله،
وليس من أجل
توفر (الحماية)
من خلالهم. ومن
هنا ندرك
قيمة
المقولة
المأثورة عن
علي (ع) من أن
تجمع
الآخرين
حوله لا
يزيده (ألفة)،
وتفرقهم عنه
لا يزيده (وحشة):
انه لا يبحث
عن (إنتماء
اجتماعي)
يوفر (الحماية)
له، بل يبحث
عن انتماء
للسماء بنحو
يلغي (الآخرين)
من حسابه: لا
يزيدونه
ألفة من خلال
الانتماء
لهم، ولا
يسببون له
وحشة من خلال
الانسلاخ
عنهم. هذه
المقولة،
تحسم الموقف
الإسلامي
بوضوح حيال
ظاهرة (الانتماء
الاجتماعي،
إذ تلغيها
أساساً،
مستبدلة ذلك
بانتماء آخر
هو: الانتماء
إلى الله
بحيث يتمحض
السلوك
بأكمله، لله:
سواء أكان
السلوك
عملاً
عبادياً
خاصاً (صلاة ...
الخ) أو
عاماً
متصلاً
بأوجه
النشاط
المعروفة من:
غذاء ونوم
وتأمل
وصداقة
وتجارة
ومساعدة،
وعمل ثقافي،
وأسفار ... الخ. والحق،
ان (الانتماء
إلى الله) لا
يعني:
الانسلاخ من
الدائرة
الاجتماعية،
بل يعني:
الانسلاخ من
(الحماية)
التي يوفرها
الانتماء
إلى المجتمع. وانطلاقاً
من هذا
الفارق بين
الانتماء
الاجتماعي
وعدم
الانسلاخ
منه، نجد
المشرع
الإسلامي
يشدد
الأهمية على
ما يسميه
البحث
الأرضي بـ: ان
التوافق
الاجتماعي
يعني: التكيف
مع البيئة
التي يحياها
الفرد من
خلال
الأطراف
الاجتماعية
التي تنتظم
علاقاته
بالبيئة. وهي
ـ عادة
علاقات عامة
وعلاقات
خاصة. أما
العلاقات
العامة،
فيكفي أن
نشير إلى
الحاح
التشريع
علها من خلال
مبدأ (المؤمنون
أخوة) فيما
لا حاجة إلى
التعقيب
عليها،
مادامت تمثل
مبدأ ينفذ
إلى الصميم
من الحياة
الاجتماعية
التي يعني
المشرع
الإسلامي
بها. وأما
العلاقات
الخاصة،
فتمثل في ما
يسميه بعض
علماء
الاجتماع بـ(الجماعات
الأولية) حيث
تنتظمها
علاقات
مباشرة مثل (الأسرة،
الصداقة،
الجوار... الخ). ونحن
لو اقتصرنا
على ظاهرة (الصداقة)
مثلاً،
لوجدنا ان
هذه الظاهرة
تمثل أحد
أشكال
الانتماء
الاجتماعي:
في لغة البحث
الأرضي. بيد
أن المشرع
الإسلامي (وهو
يشدد عليها
بالحاح)،
انما يحددها
في خطوط لا
يجعل منها
مجرد (انتماء)
أراضي، بل
يفاعل بينها
وبين
الانتماء
إلى الله. ولنقرأ
هذا النص عن
الصادق (ع): "اكثروا
من الأصدقاء
في الدنيا،
فانهم
ينفعون في
الدنيا
والآخرة اما
الدنيا
فحوائج
يقومون بها.
وأما
الآخرة، فإن
أهل جهنم
قالوا: (فما
لنا من
شافعين ولا
صديق حميم)".[1] إن
اشارة النص
إلى أن ظاهرة
الصداقة
مرتبطة
بحوائج
الدنيا،
تعني نفس
الدلالة
الأرضية
الذاهبة إلى
أن (الصداقة)
مظهر من
مظاهر
الحاجة إلى (الانتماء
الاجتماعي). أما
الإمام علي (ع)
فانه يصنف
الأصدقاء
إلى نمطين،
يحدثنا عنهم
على النحو
التالي: "الاخوان
صنفان: اخوان
الثقة،
واخوان
المكاشرة. فاما
اخوان الثقة
فهم كالكف
والجناح
والأهل
والمال.... واما
اخوان
المكاشرة،
فإنك تصيب
منهم لذتك
فلا تقطعن
ذلك عنهم،
ولا تطلب ما
وراء ذلك من
ضميرهم،
وابذل لهم ما
بذلوا لك من
طلاقة الوجه
وحلاوة
اللسان".[2] هذا
النص بدوره
يحدثنا عن
الصداقة في
مظهرها
المتصل
بالحاجة إلى
(الانتماء
الاجتماعي)
وبخاصة
النمط
الثاني من
الأصدقاء،
حيث طالب
النص
بمجاملة هذا
النمط بغية
أن يستمر
تدفق اشباعه
(فإنك تصيب
منهم لذتك). إذن:
النصوص
الإسلامية
تطالبنا
بأحد مظاهر
الانتماء
الاجتماعي،
معللة ذلك
بأن أشباع
الحاجات
متوقف على
الانتماء
المذكور.
وهذا التصور
هو ذات
التصور
الأرضي
لمفهوم (الانتماء
الاجتماعي). فإذا
أضفنا إلى
ذلك كله،
نصوصاً تشير
إلى النهي عن
بعض أشكال
الانفراد: من
نحو النهي
الوارد عن
المبيت
منفرداً أو
السفر
منفردا وما
إليها،
حينئذ ندرك
بوضوح أن (الانتماء
الاجتماعي)
أمر ضروري
يوفر للكائن
الآدمي بعض
أشكال
الحماية
تماماً على
النحو الذي
قرره البحث
الأرضي.
فالمشرع
حينما يمنع
من المبيت
منفردا إنما
يضع في
الحسبان أن
الفرد بحاجة
إلى (الحماية)
من المخاوف
التي تفرزها
الوحدة،
وحينما
يطالب
بمجاملة
الآخرين
إنما يضع في
الحسبان
أيضاً توفير
(الحماية)
للفرد حتى
يحقق لذته
منهم: على حد
تعبير
الإمام علي (ع): إذن:
في الحالات
المتقدمة
جمعاء، يظل (الانتماء
الاجتماعي)
حاجة يشدد
المشرع
الإسلامي
عليها على
النحو الذي
يقرره البحث
الأرضي. بيد
أن الفارق
بين
التصورين:
الإسلامي
والأرضي،
يبدأ من
تحديد حجم (الحماية)
أو (الانتماء):
ثمّ، من
تحديد نمط (الوعي)
الذي يغلف
الفرد، ثم:
تحديد الوسط
الاجتماعي
الذي نتحدث
عن (الانتماء)
إليه. إن
تحديد نمط "الحماية"
ونمط "المجتمع"
الفردي،
يتدخل ـ عبر
التصور
الإسلامي ـ
في اضفاء
المشروعية
أو عدمها
بالنسبة
لمفهوم (الانتماء
الاجتماعي)،
وهذا ما
ينبغي أن
نتحدث
مفصلاً. من
المسلمات
الأساسية ان
السماء هي (المصدر)
الوحيد
لحماية
الكائن
الآدمي،
يستوي في ذلك
أن تكون
الحماية
نفسية أو
أمنية أو
مادية. فالنصوص
الإسلامية
متظافرة في
تأكيدها على
أن التواصل
مع الله: من
خلال الذِكر
والمناجاة
يحقق للفرد
متعة لا
يتذوق
حلاوتها إلا
من خبر ذلك:
حتى أن هذه
النصوص تشير
بوضوح إلى أن
الفرد يبدأ
بالاستيحاش
من الناس
بقدر تواصله
مع الله. وهذا
ما أومأ إليه
الإمام علي (ع)
في مقولته
التي سبق
الاستشهاد
بها من أنه
لا يزيده
تجمع الناس
حوله (ألفة)،
ولا تفرقهم
عنه (وحشة)،
بل على العكس
يبدأ (الاستيحاش)
من الآخرين
بدلاً من (الألفة)
بهم. وهذا
يعني أن
الحماية (النفسية)
التي
تطالبنا
النصوص بها
من خلال
التشديد على
الصداقة
والمجاملة
والتزاور
وما إليها من
أشكال
الانتماء
الاجتماعي،
إنما تخص
نمطاً
يتضاءل حجم
الوعي لديه
بقدر
ابتعاده عن
السماء،
واقترابه من
الأرض. وهذا
على العكس من
الفئآت
الواعية
التي لا
تُعنى
بالانتماء
إلى
الآخرين، بل
(تستوحش)
منهم. نعم:
تظل ظواهر
الصداقة
والمجاملة
والتزاور ـ
لدى هذا
النمط
الواعي ـ جزء
من وظيفة
اجتماعية
يمارسها
الواعون (لا
لأنها تحقق
لهم متعة
نفسية) بل
لأن السماء
تطالبهم
بذلك:
تحقيقاً
لحياة
اجتماعية
يستهدفها
المشرع في
هذا الصدد. ومن
هنا تجيء
النصوص
المشددة على
أن الصداقة
والتزاور،
ومطلق
النشاط
ينبغي أن
تتمحض لله
فقط من نحو:
عيادة
المريض،
وزيارة
الأخ، ...
وواضح أن
زيارة الأخ
أو عيادة
المريض لا
تحقق (حماية)
للزائر أو
العائد، بل
تحقق (حماية)
للأخ المزور
وللمريض ...
وبكلمة أخرى:
أن النصوص
الإسلامية
تطالبنا بأن
نصبح سبباً
لحماية
الآخرين، لا
لأن الآخرين
هم (الحماية)
لنا. والفرق
كبير بين
الحالتين... ويمكننا
إدراك هذه
الظاهرة
بنحو أشد
وضوحاً حين
نعود إلى
مفهوم (الحب)
أو (الصداقة)
أو بنحو عام:
علاقة الفرد
بـ(الآخرين)
عبر التصور
الإسلامي
لهذه
العلاقة.
فالمشرع
الإسلامي
يحدد علاقة
الفرد
بالآخرين من
خلال عملتين
هما: حب
الآخرين
وقضاء
حوائجهم. انه
يلغي
الانتماء
إلى
الآخرين، أي:
الحاجة
إليهم.
ويمحضها
للحاجة إلى
الله فحسب.
لكنه يحدد
حاجة
الآخرين إلى
الفرد،
ويضعه (حامياً)
لهم: بحيث
يكون
افتقاره إلى
الآخرين هو
منح (الحماية)
لهم: نفسياً
ومادياً، لا
أنه مفتقر
إلى أن يحموه. وكم
هو الفرق بين
الحالتين...؟ الحالة
الأولى (وهي
مبدأ اسلامي)
أين يكون
الفرد مصدر (حماية)
للآخرين. أما
الحالة
الثانية (وهي
مبدأ أرضي)
فتطالب بأن
يكون (الآخرون)
مصدر (حماية)
للفرد.
الحالة
الأولى: تحسس
الشخصية
باستقلالها،
وثقتها،
وكفاءتها:
وحاجتها إلى
الله فحسب.
أما الحالة
الثانية
فتحسس
الشخصية
بالضعف
والتبعية
والحاجة إلى
الآخرين (وليس
الحاجة إلى
الله) وكم هو
الفرق
بينهما: من
حيث كون
الأولى
شخصية (سوية)
محتفظة
بتوازنها
الداخلي...
وكون
الثانية
شخصية مريضة
ينتابها
الاحساس
بالضعف وما
يجره ومن
التوتر
والصراع؟ إذن:
نشدان
الحماية
النفسية (من
خلال ظاهرة
الانتماء
الاجتماعي).
ملغى من حساب
الأفراد
الواعين...
وإنما تمحض
الحماية
خالصة من
الله، وليس
من (الآخرين). ويترتب
على ذلك أن
يتم ابدال ما
يسميه البحث
الأرضي بـ(الانتماء
الاجتماعي)،
يتم ابداله
بـ(انتماء
إلى الله). وهذا
كله فيما
يتصل
بالحماية أو
الانتماء
النفسي. أما
ما يتصل
بالحماية
الأمنية
والحماية
المادية،
فإن الأمر
محكوم بنفس
الطابع.
فالنصوص
الإسلامية
تتظافر ـ
كذلك ـ في
الذهاب إلى
أن السماء
لوحدها هي
مصدر
الحماية (الأمنية)
و(المادية)
فهذه
النصوص،
تؤكد، أن
السماء توكل
من يوفر
الحماية
الأمنية
للآدميين،
تقيهم من
الأسواء
والمكاره.
كما تؤكد هذه
النصوص أن
السماء توفر
(الحماية)
المادية
للآدميين،
بحيث قدرت
أرزاقهم
وأجرتها وفق
حساب خاص:
كلما في
الأمر أن
المطالبة
بالسعي نحو
اشباع
الحاجات
المادية،
تظل مجرد
واسطة
يستهدف
المشرع من
وراءها
تحريك
الكائن
الآدمي
وتنشيطه في
ممارسة عمله
الاختياري
على الأرض،
لا أن (الآخرين)
هم الذين
يوفرون (الحماية
المادية)
للساعي نحو
الرزق. إذن:
كل أشكال
الحماية (نفسية
وأمنية
ومادية) تظل
مرتبطة
بالسماء
وليس
بالآخرين:
مما يعني أن
ما يسمى
بالحاجة أو
الدافع إلى (الانتماء
الاجتماعي)
لا مشروعية
له في التصور
الإسلامي،
بل
المشروعية
تمحض في (الانتماء
إلى الله)
وليس في
الانتماء
الاجتماعي.
نعم، ثمة
حاجات
اجتماعية لا
مناص من (الحماية)
الآدمية لها
من نحو
الحماية
التي يفتقر
الطفل إليها
والحماية
الثقافية
التي يحتاج
الفرد
إليها،
وسائر أشكال
الحماية
المادية
والمعنوية
التي تتم من
خلال عملية
التبادل
الاجتماعي
بين الحاجات. وقد
أشار الإمام
الباقر (ع)
إلى هذه
الحاجة
حينما نهى
رجلاً كان
يدعو قائلاً:
(اللهم اغنني
عن خلقك)
فقال له قل (اللهم
اغنني عن
شرار خلقك)،[3]
مشيراً إلى
أن الأفراد
يحتاج كل
منهم إلى
الآخر. وهذا
يعني بوضوح،
أن ثمة حاجات
لا مناص
للآدميين من
الارتكان
إليها من
خلال
الحماية
التي يوفرها
كل للآخر،
فيما تؤكد
دلالة (الانتماء
الاجتماعي)
وضرورته في
النطاق
المذكور. إلا
أنه خارجاً
عن ذلك، يظل (الانتماء
الاجتماعي)
عديم
الفاعلية في
التصور
الإسلامي،
على النحو
الذي فصلنا
الحديث عنه. بقي
أن نشير إلى
فاعلية
الانتماءين:
الاجتماعي
والإلهي في
حقل الصحة
النفسية
التي نستهدف
التأكيد
عليها في
دراستنا. فمن
الواضح أن
الانتماء
الاجتماعي
لا يمكن أن
يحقق للفرد
توازناً
داخلياً، أي:
الصحة
النفسية
التي يسعى
علم النفس
الأرضي إلى
اشاعتها في
الكائن
الآدمي: من
خلال
محاولاته
المتنوعة في
تنظيم (الدافع)
المذكور. والسبب
في ذلك، عائد
ـ ببساطة ـ
إلى عجز (الآخرين)
من توفير (الحماية)
النفسية أو
الأمنية أو
المادية،
مما يترك لدى
الساعي نحو (انتماء
اجتماعي ما)
رد فعل سلبي،
يساهم في
تضخيم حجم
المرض أو
العصاب لديه. انه
ـ من المتعذر
ـ ان تحقق
الحياة،
اشباعاً
كافياً
للآدميين،
وهذه حقيقة
يجمع
الباحثون
النفسيون
عليها، ...
ولذلك نجدهم
يطالبون
الأسوياء
وحتى المرضى
بممارسة
الكف حيال
الاشباع،
والتقبل
للاحباط
الذي
يواجهونه
حتى يحتفظوا
بتوازنهم
الداخلي. بيد
أن هذه
التوصية ـ
كما سبقت
الاشارة
إليها في حقل
سابق ـ تظل
حلاً
مثالياً لا
يمكن للفرد
أن يستجيب له
بنحو واقعي
إلا إذا كان
ساعياً نحو (انتماء
إلهي) يوفر
له الحماية
النفسية أو
الأمنية أو
المادية، أو
على الأقل:
يوفر له
الحماية
النفسية
التي تزهد
لديه
الحاجات
الأمنية
والمادية
مادامت تمثل
متاعاً
عابراً
موقتاً
بالقياس إلى
الاشباع
الأخروي
الذي لا حدود
له. أما
الكائن
الأرضي
المنفصل عن
السماء،
والوعي
بحمايتها،
فلا يتاح له
أن يقتنع
بمشروعية
الاحباط،
ولا قدرة
لديه على
تحمل ذلك
مادام لا
يملك إلا
متاعاً
واحداً هو:
الحياة فكيف
نطالبه
بممارسة
الكف عن
الحياة وهو
لا يمتلك
سواها؟ ثم
نطالبه بأن
يبقى
متحفظاً
بتوازنه
الداخلي؟ إنها
توصية غير
واقعية،
تفسر لنا
أسباب شيوع
العصاب في
الأرض
بالرغم من
سعة انتشار
العيادة
النفسية،
ومحاولاتها
الدائبة في
بسط
مفاهيمها
وتوصياتها
العقيمة. على
أية حال، يظل
الانتماء
إلى الله،
بدلاً من (الانتماء
الاجتماعي)
هو الصياغة
المشروعة
التي تأتلف
مع طبيعة
التركيب
الآدمي: من
حيث دوافعه
التي يتحرك
من خلالها ثم:
تنظيمها وفق
ما تحدثنا
عنه مفصلاً:
بالنحو الذي
يحقق للكائن
الآدمي
توازنه
الداخلي.
ولسوف تتضح
دلالة "الانتماء
إلى الله"
بنحو أشد
جلاء عندما
نتجه إلى
معالجة دافع
آخر وثيق
الصلة بدافع
الانتماء
الاجتماعي
ونعني به:
الدافع أو
الحاجة إلى (التقدير
الاجتماعي)
فيما يكسبه
علماء النفس
أهمية بالغة
المدى أيضاً.
لكنه يظل
بدوره ـ من
خلال التصور
الإسلامي ـ
ملغى أساساً
ـ من الحساب:
حيث يطالبنا
المشرع
ابداله (بتقدير)
آخر، هو: (التقدير
الإلهي...
والتقدير
الاجتماعي) هذا
المصطلح
نطلقه قبال
ما يسميه
البحث
الأرضي بـ(التقدير
الاجتماعي).
ويقصد (بالتقدير
الاجتماعي):
الحاجة إلى (تثمين)
يصدر من (الآخرين)
حيال
الشخصية:
سواء أكان
هذا التثمين
يتصل بمشاعر
ودية حياله،
أو تقديراً
لخدمات
أداها إلى
مجتمعه. والغريب
أن أحد
الباحثين
المحدثين (ماسلو)
شدد على
أهمية هذا
الدافع بنحو
جعله مشروعا
كل
المشروعية،
مؤكداً
أحقية الفرد
الذي قدم
انجازاً ما،
أن يصدر عن
رغبة جادة في
مكافاته على
انجازه، أو
في تحقيق
المنزلة
الاجتماعية
التي تتناسب
وانجازه
المذكور. ونحن
بعد أن
أوضحنا
انتفاء
الحاجة إلى (الانتماء
الاجتماعي)
وهو أشد
لصوقاً
بحاجات
الفرد: حسب
لغة الأرض،
من (التقدير
الاجتماعي)،
حينئذ يسهل
الأمر حيال
الحديث عن
هذا (التقدير)
الاجتماعي. أن
الحاجة إلى (التقدير
الاجتماعي)
تقترن ـ في
تصور علماء
النفس ـ
بظاهرتين
هما: الحاجة
إلى (الحب)،
والحاجة إلى
(المكافاة). اما
الحاجة إلى (الحب)
فتعنى أن
الفرد يحس
بالحاجة إلى
أن يكون موضع
حب من
الآخرين
يحسسونه
بآدميته،
بكيانه،
بشخصيته: لا
أن يكون موضع
نفور
وكراهية أو
اهمال. واما
الحاجة إلى (المكافأة)
فتعني: أن
الفرد يحس
بالحاجة إلى
أن (يثمن)
الآخرون
انجازاته
التي يحتفظ
بها لنفسه أو
يقدمها إلى (الآخرين)،
ويمنحه (المكافأة)
المعنوية
لانجازه،
متمثلة في
تحقيق
السمعة أو
المكانة
الاجتماعية
التي تتناسب
وحجم
الانجاز
الفكري أو
التقني الذي
قدمه. إن
هذين
المبدأين
الأرضيين:
الحب
والمكافأة
يقرهما
التصور
الإسلامي
ولكن في نطاق
محدد ضمن
شروط خاصة
تماثل ما سبق
أن أوضحناه
عند حديثنا
عن (الانتماء
الاجتماعي). أما
(الحب)، فإن
المشرع
الإسلامي
يشدد عليه
بحيث أكدت
النصوص
الذهاب إلى
أن سمة
المؤمن (أن
يألف ويؤلف).
أي: أن يحب
الآخرين وان
يحبه
الآخرون،
وهي مقولة
فطن إلى
حقيقها
متأخراً أحد
الباحثين
الأرضيين (فرويد)
حينما رسم
معياراً
للشخصية
السوية إنها
هي التي ... (تُحِبّ
وتُحَب). بيد
أن ما يميز
التصور
الإسلامي عن
التصور
الأرضي في
ظاهرة (الحب)
هو: تحديد
مصدر "الرغبة
في الحب". إن
عالم النفس
الأرضي يحدد
(الرغبة في
الحب) من
خلال الفرد
الباحث عن
الحب بصفته
حاجة أو
دافعاً
يتطلع إلى
اشباعه أي:
إن الفرد
يرغب في أن
يخلع (الآخرون)
الحب عليه،
حتى يتحسس
أهمية وقيمة
ذاته أو
كيانه أو
شخصيته. وهذا
على الضد
تماماً من
التصور
الإسلامي
الذي يطالب
بأن يتحقق
الحب (لا من
خلال رغبة
الفرد) بل من
خلال (الآخرين)،
فيما يخلعون
عليه (الحب)
نتيجة
لسلوكه
التوافقي مع
الآخرين، لا
لأنه (راغب)
في اشباع
حاجته
الذاتية. وبكلمة
أشد وضوحاً:
ان الشخصية
الإسلامية (تألف
وتؤلف) أو (تُحِب
وتُحَب)،
نظراً إلى
أنها تسلك
سلوكاً
قائماً على
المرونة
واللين
والبشاشة.
ولأنها،
تسلك مثل هذا
السلوك
المرن، فإن (الآخرين)
يحبونها
بالضرورة،
لا أنها (ترغب)
في أن يحبها
الآخرون لكي
تشبع حاجتها
إلى الحب،
وتحقق بذلك
تأكيداً على
الذات. ومن
البين ان
التصور
الأرضي
لظاهرة (التقدير
الاجتماعي)
ينتسب إلى
النمط
الأخير من (الحب)
أي: الرغبة
في انتزاع
الحب من
الآخرين:
تحقيقاً لـ(الذات)،
... ومن هنا
أطلق
الباحثون
النفسيون
على الرغبة
المذكورة
مصطلح (الدافع)
أو (الحاجة)
إلى التقدير
الاجتماعي. ومن
البين أيضاً
أن مجرد
الرغبة إلى
انتزاع
التقدير
يمثل سلوكاً
مرضياً وليس
سلوكاً
سوياً لأنه
حومان على (الذات
وتمركز
حولها)، بعكس
التصور
الإسلامي
للظاهرة،
لأن هذا
التصور لا
يحوم على (الذات)
وتأكيدها،
بل يحاول
ابعاد
النزعات
الذاتية
واحلال "الموضوعية
مكانها. ولذلك
لم يقر
مشروعية (الرغبة
في انتزاع
الحب أو
التقدير)، بل
جعل (الحب)
نتيجة سلوك
توافقي،
يخلعه
الآخرون على
الشخصية
المتوافقة
اجتماعياً،
لا أنه مصدر
رغبة أو حاجة
يتحسسها
الفرد
لاشباع ذاته
أو كيانه أو
شخصيته. وهذا
كله فيما
يتصل باحد
وجهي (التقدير
الاجتماعي)،
ونعني به (الحب). اما
الوجه الآخر
من (الحاجة
إلى التقدير)،
ونعني به (المكافاة).
فإن التصور
الإسلامي
يلغيه
أساساً ولا
يجد له أية
مشروعية على
الاطلاق، بل
يظل ظاهرة
مرضية صرفة. ولكي
نحدد بوضوح،
السمات
المرضية
لهذا الوجه
من الحاجة
إلى (التقدير
الاجتماعي)،
وغيابها عن
ذاكرة علماء
النفس، ثمّ:
تحديد
التصور
الإسلامي
لهذه
الظاهرة...
يتعين أن
نطرح جملة من
الحقائق،
ومنها: أولاً:
ان البحث عن (المكافاة)
ينطوي على
الاحساس بان
ما قدمه
الفرد من (انجاز)،
هو: عمل له
قيمته
وأهميته. ثانياً:
إن الفرد هو (مصدر)
الانجاز
المذكور. ثالثاً:
ان منح (المكافاة)
يظل مقترناً
بمشروعية (الريبة
في الحصول
عليها). أي:
تمثل (حاجة)
أو (دافعاً)
إلى استلام (التقدير)
من الآخرين. والحق،
ان هذه
الظواهر
الثلاث، لا
تجسد (واقعاً)
مشروعاً،
بقدر ما تجسد
سلوكاً
مرضياً
قائماً على
إدراك واهم
بحقائق
التركيب
البشري،
مقروناً
بالبحث عن
اشباع (الذات)
والتمركز
حولها. ولنبدأ
من الحقيقة
الثالثة وهي:
مشروعية
الرغبة في
الحصول على
استلام "التقدير":
لقد سبق
التوضيح،
بأن المشرع
الإسلامي،
يطالب الفرد
بأن يمحض كل
نشاطه لله:
وان يلغي (الآخرين)
من حسابه
تماماً، بأن
لا يشرك
الآخرين في
ممارساته،
والا (يرائي)
بها، بل
يصوغها
خالصة
للسماء. وهذا
يعني ان (الثواب)
أو (المكافاة)
ينبغي أن
تكون أيضاً
ملغاة من
حسابه، بأن
يكون لسان
حاله
متوافقاً مع
الآية: (لا
نريد منكم
جزاءً ولا
شكوراً). والسؤال
هو: هل ان عدم
المطالبة
بمكافاة (الآخرين)،
قائم على عدم
فاعلية
الآخرين في
تقديم
المكافاة؟
أم ان
المطالبة
تحتجز الفرد
من
الاستمرار
في انجازاته
عند غيابه
المكافاة؟
أم ان
الانجاز
ذاته لا
يستحق مثل
هذه
المطالبة
لانتفاء
أهميته
أساساً؟ مما
لا مراء فيه،
أن الحقائق
المذكورة
تظل قائمة
وراء عدم
مشروعية
المطالبة:
إذا أخذنا
بنظر
الاعتبار
حقيقة
التركيب
الآدمي
وحقيقة (الانجاز)
الذي قدمه. إن
المطالبة
بالمكافاة
تقترن مع
الافتراض
الذاهب إلى
أن الفرد
يمتلك
امكانات
داخلية لا
يمده أي مصدر
خارجي بها.
أما مع
افتراض
المصدر
الخارجي (وهو:
السماء التي
تمد الكائن
بالامكانات
المتنوعة)
حينئذ لا
قيمة حقيقة
لأي (انجاز)
تنسبه
الشخصية
لنفسها. ان
الآية
الكريمة
التي تقرر ان
الكائن
الآدمي لا
يملك لنفسه
نفعاً ولا
ضراً ولا
صرفاً، ومن
أن ما بنا من (حسنة)
فمن الله،
وما بنا من (سيئة)
فمن أنفسنا،
... هذا
التقرير
كاف، في
تحسيسنا بأن
أي (انجاز)
يصدر منّا
إنما يستمد
إيجابيته من
مصدر خارج عن
(ذاتنا هو:
السماء وليس
(الذات) التي
تبحث عن
تقدير زائف
لانجازاتها. ان
عالم النفس
الأرضي،
بحكم غيابه
عن السماء،
لا يملك
إدراكاً
حقيقياً
بواقع
الشخصية من
حيث صلتها
بالسماء،
بقدر ما يملك
إدراكاً
قاصراً يحوم
على (الأرض)
وافرازاتها
منفصلة عن
الخلفية
التي تربط
الأرض
بالسماء. أنه
ـ أي: عالم
النفس
الأرضي ـ
يتسلم
كائناً
آدمياً
يخضعه
لامكانات
فطرية أو
بيئية
تسعفانه في
تقديم (انجازاته):
ناسجاً، اما
صمتاً حيال
القوة التي
تمده
بامكاناته،
أو: اخضاعها
للداخل "ذات
الشخصية" من
هنا يواجه
البحث
الأرضي
تناقضاً بين
اقرار لبعض
أشكال
التأكيد على
الذات (المطالبة
باستلام
الثمن)، وبين
انكاره لبعض
اشكال (التأكيد)
الأخرى.
فالتأكيد
على الذات
بعامة، يشكل
سمة عصابية
في تصور
البحث
الأرضي، إلا
أنها في اطار
"إنجاز ما"
تنتفي سمة (العصاب)
وتتحول إلى
سمة سوية، مع
أن الأمر في
الحالتين
يجسد وجهين
لعملية
واحدة هي:
البحث عن
الذات. ان
الأرضيين من
الممكن أن
يستندوا في
اكسابهم
طابع السوية
لهذا البحث
عن (التقدير
الاجتماعي)،
إلى (واقعية)
"الانجاز"
وما يصاحبه
من الاحساس
المشروع.
مقابلاً
للتضخيم أو
التهويل
الذي يصاحب
احساس (المرضى)
بحجم واقعهم. بيد
إننا ينبغي
أن نتساءل هل
ان مجرد (الواقع)،
كاف في اكساب
الاحساس به،
صفة (السوية)
؟؟ إن
(الزهو)
مثلاً، يعد (لدى
كل
الاتجاهات
النفسية) سمة
عصابية. فإذا
افترضنا ان
الاحساس
بالزهو نابع
من (واقع) ما
تتميز به
الشخصية
المزهوة من
تفوق علمي أو
اجتماعي...
فهل أن هذا (الواقع)
المتميز،
يسوغ لصاحبه
أن يمارس (الزهو)،
ونعد
الممارسة
ذات طابع
سوى؟ طبيعي،
لا: باقرار
الاتجاهات
النفسية
بأكملها،
مادامت تعد (الزهو)
سمة مرضية. إذن:
مجرد اكتساب
الظاهرة سمة
(الواقع) لا
يسوغ جعلها
سمة سوية. والأمر
نفسه
بالنسبة إلى
الرغبة في
استلام (التقدير)
من الآخرين.
لأن الرغبة
المذكورة
تجسد زهواً
داخلياً
تتحسسه
الشخصية
واقعاً،
وتطالب ـ في
ضوئه ـ بتسلم
المكافاة. فما
هو الفرق بين
الحالتين،
مادام كل
منهما
مرتكناً إلى
(واقع) (وليس
إلى وهم أو
تضخيم
للواقع) واقع
هو: الاحساس
بالتفوق. كل
ما في الأمر
أن الشخصية
المزهوة أو
المتكبرة
تصطنع
مظهراً
حركياً
للتعبير عن
احساسها
الداخلي
بالزهو. أما
الباحث عن (التقدير)
فإن مطالبته
بالمكافاة،
تعد تعبيراً
عن الاحساس
الداخلي
بالزهو ذاته. نخلص
مما تقدم، ان
عالم النفس
الأرضي، يقع
في تضاد علمي
(واعياً أو
غير واع)
حينما يكسب (التمركز
حول الذات)
طابعاً
مرضياً،
وحينما يسلخ
الطابع
المذكور عنه
في بعض أشكال
(التمركز حول
الذات) ومنه:
الذاتية
القابعة
وراء
المطالبة
بتسلم (التقدير). هذا
كله مع
افتراض ان
الفرد
الباحث عن
التقدير قد
ارتكن
انجازه
الفكري أو
المادي أو
امكانات
داخلية، لم
يمدها بها
مصدر خارجي
هو: السماء. واما
مع الافتراض
الأخير، فإن
الاحساس
بالزهو أو
الاعجاب
بالانجاز،
ينتفي
أساساً، على
نحوه ما
يقرره
المشرع
الإسلامي. على
إننا بغض
النظر عما
تقدم، نجد أن
"الاعجاب"
بالعمل الذي
أنجزته
الشخصية،
وطالبت ـ في
ضوئه ـ بتسلم
التقدير،
ينطوي (ليس
على سمة
عصابية فحسب)
بل يستتلي
ضياعاً
للعمل
المنجز ذاته.
فضلاً عن أنه
يستتلي (في
حالة غياب
التقدير)
اماتة الحس
بالمسؤولية،
وترشح الفرد
للوقوع في
مرض آخر من
أمراض
الشخصية. من
هنا، طالب
المشرع
الإسلامي،
الشخصية أن
تتحرك من
خلال
الاحساس
بالقصور (مهما
كان الانجاز
خطيراً)
بدلاً من
التحرك من
خلال
الاحساس
بالعجب. ولنقرأ
هذا النص: "إن
الرجل ليذنب
الذنب فيندم
عليه. ويعمل
العمل فيسره
فيتراخى عن
حالته: فلا
يكون على
حالته تلك
خير له مما
دخل فيه".[4] إن
ما يهمنا من
هذا النص هو:
الاشارة إلى
(التراخي) في
العمل،
نتيجة
اعجابه به،
إذ يتحسس
المرء بأنه
قد أدى مهمته
على الوجه
الأكمل، مما
يحتجزه هذا
الاحساس من
متابعة
العمل. ولعل
النص التالي
للإمام علي (ع)
أشد وضوحاً: "الاعجاب
يمنع من
الازياد".[5] فهذا
النص بدوره،
يوضّح كيف أن
الاعجاب
يمنع
الشخصية من
أن تتابع
عملها،
مكتفية بقدر
محدد منه
أياً كان
حجمه في تصور
الشخصية. مضافاً
إلى ذلك، إن
مثل هذا
الاحساس
يقترن بنظرة
مريضة لدى
الشخصية عن
ذاتها، غير
منحصر في
التوقف عن
الممارسات
الايجابية
فحسب، بل
يتجاوز ذلك
إلى وقوعها
في هوة المرض
النفسي، على
هذا النحو
الذي يشير
الإمام علي (ع)
أيضاً, إليه: اعجاب
المرء
بنفسه، يدل
على ضعف عقله.[6] فهذه
السمة (ضعف
العقل)، لا
تعني مرضاً
عقلياً مثل (التخلف
العقلي) أو
انخفاض درجة
الذكاء
الفطري،
بقدر ما تعني:
التصور
الواهم
للشخصية عن (ذاتها)،
وهو تصور
تطبعه سمة (المرض)
مادام
قائمةً على
الاحساس
بالرضى،
وبالاعجاب،
وبالتفوق
وسواه من
أشكال
التورم
الذاتي. على
أن أشد أنماط
هذا الاحساس
خطورة، هو:
ما إذا صاحبه
غياب (التقدير
الاجتماعي):
حيث يترتب
عليه وقوع
الفرد في
هوّة مرض آخر
هو: اماتة
الحس
المسؤول
لديها. فلو
افترضنا أن
عالماً أو
موظفاً قد
اقترن نشاطه
بـ(التقدير)
من قبل
المؤسسة
الاجتماعية
التي ينتسب
إليها، ... فإن
نشاطه سيأخذ
حجماً بقدر
حجم (التقدير)
الذي تسلمه. وفي
حالة غياب
التقدير
تماماً ـ على
سبيل المثال
ـ فإن النشاط
يبدأ
بالضمور
تدريجياً
حتى ينعدم
الحس
بالمسؤولية
لديه، في
نهاية
المطاف:
مادام الحس
بالمسؤولية
مرتبطاً
بمشروعية
الرغبة في
تسلم الأجر
أو المكافأة
أو التقدير. من
هنا، فإن
التصور
الإسلامي
لهذه
الظاهرة،
يأخذه منحى
آخر في
معالجتها هو:
تدريب
الشخصية على
تنمية
الاحساس بـ(القصور)
بدلاً من (الاعجاب). ثم:
تدريبها على
أن تمحض
نشاطها لله،
معلقة ذلك
على تسلم
التقدير منه
تعالى وليس
من (الآخرين). ونحن
إذا دققنا
النظر في كل
من وجهتي
النظر:
الإسلامية
والأرضية
لظاهرة
التقدير،
أمكننا أن
ندرك مدى
الفارق
بينهما (في
حقل الصحة
النفسية)
فيما
تقتادنا
الأولى إلى
صياغة
شخصياتنا
متوافقة
سوية، ... بينا
تقتادنا
الثانية إلى
صياغتها
مريضة،
منشطرة،
متصارعة. والسر
في ذلك، ان
البحث عن (التقدير
الاجتماعي)
يعد ـ من حيث
المبدأ ـ سمة
مرضية مادام
حائماً على (الذات)،
كما أن درجة
المرض تأخذ
بالتضخم
حينما تقترن
بـ(الاعجاب)
بما أنجزته
الشخصية من
عمل. وفي
حالة (الاحباط)
أي غياب (التقدير)،
فإن المرض
يأخذ طابع
الخطورة:
مادمنا
نتوقع ـ في
أحد وجهي
التقدير (وهو:
الحب) ـ ان
الآخرين
ليسوا ـ في
الحالات
جميعاً ـ على
استعداد
لمنح (الحب)
مما يدع
الشخصية
نهباً
للصراع
والخيبة،
كما اننا (في
الوجه الآخر
من التقدير:
وهو
المكافاة)
نتوقع أن
الآخرين
ليسوا أيضاً
على استعداد
في الحالات
جميعاً ـ على
تقديم (المكافاة)،
مما يقتاد
الشخصية إلى
التراخي في
انجازها، ثم:
ما يستتبع
هذا التراخي
من فقدان
الحس
بالمسؤولية،
مما يضاعف من
خطورة المرض
بما يصاحبه
أولاً من
مشاعر
التوتر
والصراع عند
الاحباط،
وبما يجره
ثانياً من
خلخلة لجهاز
القيم لديه. على
العكس من
ذلك، نجد أن
الشخصية
الإسلامية
عندما تلغي
الحاجة إلى
التقدير
الاجتماعي،
فإنها تعوضه
بتقدير من
السماء.
وعندها تلغي
(الآخرين) من
حسابها،
وتقبل على
متابعة
انجازها دون
أن تعني
بالاحباط
ونتائجه.
فالاحباط
لوحده (وهذه
ما تقره
الاتجاهات
النفسية
بأكملها) هو
الذي يقتاد
الشخصية إلى
الوقوع في
هاوية المرض
النفسي
مادام يحسس
الشخصية
أولاً بخيبة
أمل في اشباع
حاجاتها،
ومادامت
خيبة الأمر
تجره إلى
التوتر
والصراع
ثانياً. أما
الشخصية
الإسلامية،
فإنها لا
تواجه (الاحباط)
أساساً،
مادامت قد
ألغت
الآخرين من
حسابها،
ومادام
اشباع
حاجاتها
موكولاً إلى
(تقدير
السماء) التي
ستسد
حاجاتها من
حيث لا تحتسب:
وتمنحها ـ في
اليوم الآخر
ـ (تقديراً)
لا حدّ له،
مما تجعلها ـ
وهي تمارس
انجازاً ما ـ
آمنة،
راضية،
متوافقة،
متوازنة: لا
تحيا
صراعاً، ولا
توتراً، ولا
خيبة أمل. في
غمار الحديث
عن الدافعين
(الانتماء
والتقدير
الاجتماعيين)
يثار أكثر من
تساؤل، من
ذلك: إن
الكائن
الآدمي
بطبيعة
تركيبه، لا
مناص له من
الانتماء
إلى
الآخرين،
حتى من خلال
ارتباطه
بالسماء (بخاصة
حاجته إلى
الحب) ومن
ذلك: إن
الكائن
الآدمي (والمشرع
يشدد على هذه
الظاهرة)
بحاجة على
تقدير
الآخرين من
خلال ظاهرة (العز)
التي تفرزها
مقولة (المؤمن
عزيز). والحق،
إن كلاً من
التساؤلين
المذكورين،
يحملا
مسوغاً
لاثارتهما
على النحو
المذكور. فالحب
والعز
يجسدان حاجة
لا مناص من
اشباعها،
مهما حاولت
الشخصية
الإسلامية
أن تنسلخ
عنهما. ففيما
يتصل بظاهرة
(الحب)، فإن
الكائن
الآدمي
مادام
مطالباً بأن
(يحب)
الآخرين،
فإن حبه
إياهم يعني:
حاجته ليس
إلى أن يحب
فحسب، بل:
حاجته إلى أن
يجسد الحب في
ممارسة
عملية هي:
التقاؤه
بالآخرين،
وعقد بعض
أنماط
العلاقة
بينه وبينهم.
ولعل الوحشة
التي
يتحسسها
الفرد عند
فقد
الأقربين (وفي
طليعتهم أهل
البيت (ع))
تجسيد حيّ
للانتماء
إلى الآخرين. إن
الإمام
علياً (ع)
نفسه حينما
شدد على أنه
لا يزيده
تجمع الناس
ألفة، ولا
تفرقهم عنه
وحشة، يقرر
بوضوح أن: "فقد
الأحبة،
غربة".[7] وهذا
يعني أن
الكائن
الآدمي
يتحسس
الوحشة
والاغتراب
حينما ينسلخ
الآخرون عنه. بيد
أننا بالرغم
من اقرارنا
بهذه
الحقيقة،
يمكننا أن
نكرر ما سبق
أن أوضحناه
من أن
الشخصية
الإسلامية
الواعية
ليست بحاجة
إلى
الآخرين،
بقدر حاجتها
إلى (السماء)
فحسب، وإلى
الاحساس
بالوحشة
والاغتراب
ناجم: ليس من
حاجتها إلى
أن يخلع
الآخرون
الحب عليها،
بل من حاجتها
إلى أن تخلع
الحب عليهم.
ولنحاول
تقديم
الأمثلة على
ذلك: عاطفة
الأمومة أو
الأبوة أو
البنوة. هذه
العاطفة (على
نحو ما
سنتحدث عنها
لاحقاً) تجسد
واحداً من
الدوافع
البشرية
التي لا مناص
من اشباعها. فالاب
يتحسس
بحاجته إلى
طفله منذ
اللحظة التي
يولد فيها.
والأم تتحسس
بالحاجة
ذاتها. بيد
أننا حين
نتأمل بدقة
مستويات هذه
العاطفة،
نلحظها ذات
دلالتين: الدلالة:
الأولى
حائمة على (الذات)
ومحاولة
اشباعها من
خلال ما
يقدمه الطفل
من استجابات
مختلفة:
بعضها (في
حالة عدم وعي
الطفل) لا
ينطوي على
أية دلالة من
(الحب)
المتبادلة.
وبعضها
الآخر،
ينطوي على
تبادل الحب
في حالة بلوغ
الطفل مرحلة
معينة من
التمييز. ومما
لاشك فيه أن
الحالة
الأولى لا
تحمل معنى (الحاجة
إلى الحب)
لأن الطفل
غير الواعي
لا يستطيع
تقديم
العاطفة
المذكورة،
حتى يشبع
حاجة الأم أو
الأم إلى
الحب،... بل
يظل الطفل في
مثل هذه
الحالة (جزء)
من (ذات) الأب
أو الأم، أي:
جزء من الذات
الكلية التي
تشمل كل
ممتلكات
الأب أو الأم:
سواء أكانت
هذه
الممتلكات
عينة مادية
مثل: الدار،
والكتب،
والنقود، أو
معنوية مثل:
أفكاره،
ومؤلفاته،
أو اجتماعية
مثل: عشيرته
وقومه وبلده
الخ. وواضح،
أن هذا النمط
من العلاقة
القائمة بين
الأب وطفله
تظل أحادية
الجانب، أي:
تجسد حب الأب
لطفله، وليس
حاجة الأب
إلى أن يحبه
طفله. وبكلمة
أخرى: إن
الأب بحاجة
إلى أن يحب (الآخرين)،
لا أنه بحاجة
إلى أن يحبه (الآخرون). ومع
نمو الطفل،
وبلوغه
مرحلة (التمييز)،
يبدأ الأب
بالتحسس إلى
عاطفة
الطفل، يبدأ
بالتحسس
بالحاجة إلى
أن يحبه طفله.
غير أن هذه
الحاجة في
واقعها (امتداد)
لحاجته إلى
أن (يحب)
الطفل، لأنه
(جزء) من
ممتلكات (ذاته)
التي تعامل
معها منذ
الولادة
فيها لا قدرة
لديها على
تقديم عاطفة
نحو الأب
عهدئذ، ...ولأن
الأب بحاجة
إلى يحقق
ذاته من خلال
الحب، يظل
بحاجة إلى
عاطفة الطفل
المتميز،
لأن هذه
العاطفة
تشبع حاجته
إلى أن يحب (ممتلكاته):
فيما يظل
الطفل جزء
منها. وهذا
يشبه تماماً
حاجة الفرد
إلى الطبيعة
الجميلة
مثلاً: من
شمس وقمر
ونجوم ونهر
وشجر وظل...
الخ.
فالطبيعة لا
تملك (عاطفةً)
نحو المرء،
لكن المرء هو
الذي يمتلك
عاطفة
نحوها، أي:
أنه يحبها.
ولأنه
يحبها، يحس
بالحاجة
إليها. وحين
ننقل هذه
الحقيقة إلى
صعيد
الشخصية
الإسلامية
الواعية
وصلتها بـ(الله)
من جانب، وبـ(الآخرين)
من جانب آخر،
نجد أن الأمر
محكوم بنفس
الطابع الذي
لحظناه عند
الشخصية
العادية في
تعاملها مع
طفلها غير
المميز، ومع
طفلها
المميز، ومع
الطبيعة
الجميلة. فالشخصية
الإسلامية
الواعية (تنتمي)
إلى (الله)
فحسب،
وتتحسس
الحاجة إلى
أن يحبها (الله)
فحسب، ...
لكنها تمتلك
(طاقة حب) نحو (الآخرين)،
دون أن تتحسس
الحاجة إلى
أن يحبها (الآخرون). إن
حاجتها إلى
أن تحب
الآخرين، هو
الذي يحسسها
بالحاجة
إليهم، بصفة
أن تجسيد
الحب لا مناص
له من (وجود
الآخرين)
وإلا لبقي
مجرد طاقة،
مجرد (قوة)
وليس
تجسيداً في (فعل). من
هنا، حين
يقرر الإمام
علي (ع) من أن (فقد
الأحبة غربة)
يعني بذلك:
إن الفرد (والحديث
عن الشخصية
الإسلامية
الواعية)
يتحسس
الوحشة أو
الاغتراب،
نتيجة لغياب
المصدر أو
المنبه الذي
يجسد (حب)
الفرد
للعزيز
المفقود...
تماماً على
نحو غياب
الطبيعة
الجميلة عن
أنظار
المشاهد
الذي
ألِفَها. بيد
أن الفارق
بين الطبيعة
الجميلة
وبين فقد
العزيز، أن
الأخير
يبادل الحي
بعاطفته،
بينما تظل
الطبيعة
صامتة عن ذلك. وهنا
يثار السؤال: إن
(تبادل
العاطفة)
يعني حاجة
الشخصية
الإسلامية
إلى عاطفة
الآخرين،
ولولاها لما
كان
للاغتراب
والوحشة أية
دلالة! الإجابة
على هذا
السؤال،
تتحدد بوضوح
حين نضع في
الاعتبار أن
عاطفة
الآخرين،
تماثل (العطاء)
الذي تقدمه
الطبيعة
الجميلة
للمشاهد،
وهو عطاء
يتمثل في (التناسق)
الجميل الذي
تنطوي
الطبيعة
عليه. وهذا (الجمال)
حين ننقله
إلى صعيد
التعامل مع
الآدميين
نجد أنه يجسد
(الحب) الذي
يقدمه
الآخرون إلى
الشخصية،
مما يعني أن (تبادل
الحب) هو
الذي يسم
تعامل
الآدميين،
ومما يعني ـ
من ثم ـ أن
كلاً من طرفي
التعامل
بحاجة إلى
الآخر. غير
أن هذه
الحقيقة تظل
محتفظة
بصوابها في
حالة
افتراضنا
عزلة
الآدميين عن
السماء، أما
مع الانتماء
إليها، فإن
الحاجة إلى (حب)
يخلعه
الآخرون على
الشخصية،
يبدأ
بالتضاؤل
بقدر حجم
الانتماء
إلى الله:
تماماً
بالنحو الذي
يحقق
الاشباع
للشخصية
عندما تظفر
بمجموعة من
الأحبة أو
المؤسسات
الاجتماعية
التي تمنح
الشخصية كل
ما تحتاج
إليه من حب
وتقدير،
فيما لا تحس
ـ من ثم ـ بأي
توتر أو صراع. أن
المنتمي إلى
السماء، لا
يحس بأي توتر
أو صراع حين
يفقد
الأحبة، ...
إنه لا يحس
بالاغتراب
حين
يفتقدهم،
بقدر ما
يتمثل
الاغتراب في
فقدانه
للمثير أو
المنبه الذي
يهيئ له فرصة
(الحب) الذي
تحمله
الشخصية
للعزيز
المفقود. وبعبارة
أشد وضوحاً:
أن الشخصية
الإسلامية
بما أنها (تحب)
الآخرين
فإنها تحس
بالاغتراب
حينما
تفقدهم لأن
طاقة الحب
الذي تحمله
الشخصية تظل
خبيئة لا تجد
من تجسدها في
التعامل معه. نعم:
تتحسس
الشخصية
بالاغتراب
الحقيقي
عندما يكون
الفقيد
منتسباً
بدوره إلى
السماء.
وعندها يظل
الاغتراب
مرتبطاً
بالسماء
وليس
بالفقيد،
بصفة أن
الفقيد يجسد
الصلة
بالسماء
التي نتحسس
الحاجة
إليها فحسب. من
هنا، فإن
الأب (نوحاً (ع))
لم يتحسس
بالاغتراب
عن ابنه
عندما جرفه
الطوفان بعد
أن نبهته
السماء إلى
أنه ليس من
أهله. كما أن (إبراهيم
(ع)) لم يتحسس
بالاغتراب
عن أبيه بل
تبرأ منه، مع
أن عاطفة
البنوة فيما
يتصل
بإبراهيم،
وعاطفة
الأبوة فيما
يتصل بنوح
تفرضان على
الأبن والأب
أن يتحسسا
بالاغتراب
أو الوحشة من
فراقهما.
لكن، بما أن
نوحاً
وإبراهيم
ينتميان إلى
السماء،
حينئذ لا
يتحسسان
بالحاجة إلى
(حب) يخلعه
الأب أو
الابن
عليهما. بل
لم يتحسسا
حتى بالحاجة
إلى أن
يخلعها (الحب)
على الابن
والأب. والسر
في ذلك: ان
السماء هي
المصدر
الوحيد
للمحب الذي
يتحسسان
بالحاجة
إليه. وبما
أن السماء
تأمرهما بأن
(يحبا)
الآخرين،
فانهما
تبعاً لذلك
يمارسون
ظاهرة (الحب)،
ويتحسسون
بالحاجة إلى
الآخرين،
حتى يجسدا حب
السماء فيهم. من
هنا أيضاً،
يمكننا أن
نفسر حتى
حالات
الاحساس
بالحاجة إلى
(الحب) الذي
يخلعه
الآخرون على
الشخصية،
لأن الحاجة
إلى حبهم
مرتبطة
بالحب الذي
يحمله
الآخرون نحو
السماء.
وتبعاً لذلك
نجد أن
المؤمنين
بحق،
يتزاورون:
يحن بعضهم
إلى الآخر،
يتحسس
بالوحشة
والاغتراب
من فقدانهم. وهذا
التبادل
القائم بين
طرفي
التعامل،
ناجم ـ في
ضوء ما تقدم
ـ من الحب (في
الله)، وليس
من الحاجة
إلى (آخرين)
يخلعون الحب
عليهم، إلا
إذا كان (الآخرون)
مرتبطين بـ(الله)
أيضاً.
وحينئذ يتم
التبادل بين
الأطراف:
أحدهما يحب
الآخر،
وكلاهما يحس
بالحاجة إلى
أن (يحبه)
الآخر،
أيضاً، لأن
الحاجة إلى (الآخر)
ـ في مثل هذه
الحالة ـ
حاجة إلى (السماء)
مادام الآخر
منتسباً
إليها:
وعندها، تظل
الأطراف
ينتظمها حب
واحد هو (الله). ولا
يغب عن
بالنا، ان
محبة
الإنسان
لأخيه
الآخر، يظل ـ
مضافاً لما
تقدم ـ
مرتبطاً
بطبيعة
التركيبة
الآدمية
التي نفخ
الله من روحه
فيها، مما
يعني أن
الروح
الآدمية تظل
بالضرورة
متواصلة مع
الآخرين،
لأنها
جميعاً من (الروح)
مما يفسر لنا
بوضوح سر
المحبة التي
يحملها
الكائن
الآدمي
للآخرين.
وحاجة كل
منهم إلى أن
يحبه الآخر
أيضاً. حينما
يشدد المشرع
الإسلامي
على ظاهرة (العز)،
فإن هذا
التشدد لا
يعني البحث
عن (التقدير
الاجتماعي)
الذي أوضحنا
أن الشخصية
الإسلامية
لا تعنى به
بقدر ما تعنى
بتقدير
السماء، بل
يعني أنها ـ
أي الشخصية
الإسلامية ـ
بحكم موقعها
من السماء،
ونفض يدها عن
الآخرين،
تتحسس
بقيمتها
بنحو لا تسمح
لنفسها بأي
تعامل (مذل)
يحط من
قيمتها أمام
الآخرين. والفارق
بمكان كبير
بين شخصية
أرضية
متورمة
الذات تبحث
عن (حب) أو (مكافأة)
اجتماعية:
كأن يحترمها
الآخرون، أو
يهبونها
سمعة أو
مكانة
اجتماعية
لاشباع دافع
السيطرة
والتفوق
لديها، أو
اشباع ذاتها
الباحثة عن
مطلق
الثناء، ...
وبين شخصية
إسلامية لا
تعنى
بالسمعة أو
المنزلة أو
الثناء وكل
أشكال
التأكيد على
الذات، بل
تعنى بصياغة
شخصيتها على
نحو يتناسب
مع خطورة
السماء، بأن
تنأى عن كل
أشكال الحطة
الاجتماعية
التي لا
تتناسب
والخطورة
المذكورة. من
هنا فإن
الإمام زين
العابدين (ع)
حينما يخاطب
الله سبحانه
وتعالى: "وأعزني
ولا تفتني
بالكبر".[8] إنما
يفصل بين
المطالبة
بالعز
والكبر،
بصفة أن (التكبر)
مفصح عن
الدافع إلى
السيطرة
والتفوق (وهو
ظاهرة مرضية)،
بينما يظل (العز)
مفصحاً عن
تقدير الذات
ليس بنحو
مرضي ـ بل
بنحوها
الصحي
المرتبط
بالله من
جانب، وبعدم
السماء
للذات بأن
تقع في مهاوي
الذل
الاجتماعي
من جانب آخر. أما
الجانب
الموضوعي
المرتبط
بالسماء،
فيتمثل في
خطورة (المذهب
الإسلامي)
واكسابه
القيمة التي
تتناسب مع
المذهب
المذكور.
وبما أن
الشخصية
الإسلامية
تجسد رسالة
السماء،
فحينئذ
تتحرك من
خلال البحث
عن (العز)
الذي يسم
السماء
ذاتها. ويمكننا
ملاحظة هذا
البعد في
موقف الإمام
الصادق (ع) مع
أحد
المتحذلقين
الذي لاحظ
الإمام
الصادق (ع) قد
ارتدى زياً
ناعماً (دون
أن يعرف أن
الإمام (ع) قد
ارتدى من
الداخل زياً
خشناً)
فابتدره
بالاعتراض،
قائلاً له
بما مؤداه:
ان جده علياً
(ع) كان يرتدي
اللباس
العادي. وقد
أجابه (ع) بأن
السياق
الاقتصادي
هو الذي يفرض
(الفارقية)
المذكورة
بعد أن فضح
المتحذلق في
نقده
المصطنع:
حينما أبان
له أن الثياب
الناعمة
التي
يرتديها
يخفي خلفها
ثياباً
خشنة، على
العكس من
المعترض
فيما كان
يرتدي
لباساً
خشناً،
بينما أخفى
تحت اللباس
الناعم. إن
هذا الحوار
بين الإمام (ع)
وبين
المتحذلق،
بغض النظر عن
كشفه لواقع
الشخصية
الأخيرة (من
حيث تأكيدها
على الذات)،
وبغض النظر
عن كشفه
للسياق
الاقتصادي
الذي يفرض
هذا التكيف
أو ذاك، ... بغض
النظر عن ذلك
كله، فإنه
ينطوي على
حقيقة متصلة
بـ(التقدير
الاجتماعي)
من خلال
ظاهرة (العز)
وعلاقتها
بقيمة
السماء:
فالإمام (ع)
بصفته يحمل
دوراً (ريادياً)
أو لنقل دور (القائد)
الممثل
لطائفة
إسلامية
كبيرة،
حينئذ فإن
التقبل أو
التقدير
الاجتماعي
لسمات
القائد تعكس
أثرها على
رسالة
السماء
نفسها،
مادام
المناخ
الثقافي (وهو
مناخ متخلف
فكرياً: حيث
يعنى
بالبهرج،
والزخرف،
والمظهر
الخارجي)
يتدخل
عاملاً
حاسماً في
تقويم
الشخصية
وتقبل
أفكارها،
مما يعني أن
الإمام (ع)
حينما تكيف
مع المناخ
المذكور،
انما استخدم
التكيف
بمثابة (جسر)
لتمرير
الأفكار
الخيرة
لديه، وليس
لتأكيد (الذات)
والبحث عن (التقدير)
لها. والأمر
نفسه حين
ننقله إلى
الإمام علي (ع)
حينما حاول
بعض
المتحذلقين
تقليل قيمته
الاجتماعية
من خلال
اظهاره
بمظهر
المعدم (مالياً)،
مما اضطر
الإمام (ع)
إلى أن ينثر
المئات من
العملات
النقدية
أمام
المتحذلقين،
حتى يحتفظ بـ(التقدير
الاجتماعي)
الذي حاول
المحذلقون
أن يسحبوه عن
شخصية
الإمام (ع).[9] ويمكننا
أن ننقل
الظاهرة
ذاتها إلى
الإمام
الرضا (ع)
عندما نجده (يتزين)
للآخرين،
ويلبس
ثياباً
فاخرة عندما
يخرج إليهم،
بينما يرتدي
اللباس
الخشن في
داره.[10] كل
أولئك يفصح
عن أن (التقدير
الاجتماعي)
الذي يبدو
وكأن قادة
التشريع
يعنون به، ..إنما
يتخذه (الرواد)
وسيلة
لتمرير
الأفكار
الخيرة
لديهم من
جانب،
ولاظهار (عز)
السماء
للآخرين: من
خلال العز
الذي
يصوغونه
لشخصياتهم،
من جانب آخر. على
أن الأمر
يتعدى حتى
نطاق
الشخصيات
الرائدة،
إلى
الشخصيات
العادية،
مادام الأمر
مرتبطاً بعز
الرسالة
الإسلامية
نفسها. فثمة
نصوص
إسلامية
تنهى الشخوص
الإسلاميين
عن مباشرة
الأعمال
الوضعية (اجتماعيا)،
وتطالبهم
بأن (يترفعوا)
عنها، حتى
يكتسبوا "تقديراً
اجتماعياً"
يتناسب مع
رسالة
الإسلام
ذاتها،
مادام
المناخ
الثقافي
للمجتمعات
الأرضية
تنسج
تقديراً
اجتماعياً (يعنى
بالمظهر
الخارجي) حول
الشخصية. طبيعي،
ينبغي أن
نفرق بين
البحث عن (تقدير
اجتماعي)
موضوعي
يفرضه سياق
محدد، وبين (مواقف)
أخرى لا يقيم
المشرع
الإسلامي
لمعارضتها
الاجتماعية،
أي وزن، بل
يعلن بصراحة
عن ضرورة
الانسلاخ من
(المجتمع)
مادام هذا
الانسلاخ
يحفظ
للشخصية
الإسلامية
كيانها،
واستقلالها،
وسمتها
المميزة
الحقة: مما
يعني أن
السياق هو
الذي يفرض
حيناً: البحث
عن التقدير
الاجتماعي،
وحيناً آخر:
الانسلاخ
عنه. لكنه في
الحالات
جميعاً يظل
التقدير
الاجتماعي
مرتبطاً بـ(أهمية
الرسالة
الإسلامية)،
وليس بالبحث
الذاتي
الصرف عن
التقدير: لأن
البحث
الذاتي
للتقدير،
يظل ـ كما
سبق التوضيح
ـ معلناً عن
سمة (المرض)
وليس عن
السمة
السوية. وانطلاقاً
من الفارقية
بين المرض
والصحة،
يشدد المشرع
الإسلامي
على ظاهرة (العز)
على نحو يكسب
بعض اشكال (التقدير
الاجتماعي)
سمة إيجابية:
حتى في نطاق
السلوك
الفردي
الصرف: غير
المرتبط
بالموقف
الاجتماعي. ويمكننا
ملاحظة هذا
الطابع
بوضوح،
حينما يقترن
البحث عن
التقدير
الاجتماعي،
بالانسلاخ
من مواقف
الذل أو
الحطة التي
تسم المرضى
والعصابيين
ممن يتحسسون
بمشاعر
الدونية
والنقص
لديهم،
وانعكاس ذلك
على التعامل
الاجتماعي
لديهم، فيما
يتعين أن نقف
عنده الآن. حينما
نقابل بين (العز)
و(الذل) نجد
أن الأول
منهما يسمه
طابع (السوية)،
بينما يسم
الثاني طابع
(المرض). بيد
أن الملاحظة
أن كلاً
منهما ـ العز
والذل ـ عبر
التصور
الإسلامي لا
صلة له
بظاهرة (التقدير
الاجتماعي)
وعدمها،
بقدر صلته
بالانتماء
والتقدير
الإلهيين. إن
النصوص
الإسلامية
تشدد على
ظاهرة (العز)
مؤكدة إن (المؤمن
عزيز) مما
تثير
تساؤلاً حول
ما إذا كان
البحث عن مثل
هذا العز
مرتبطاً
بعملية
التقدير
الاجتماعي
الذي تلغيه
الشخصية
الإسلامية
من حسابها. والحق،
ان البحث عن
العز لا صلة
له بالتقدير
الاجتماعي
بقدر ما
تنحصر صلته
بالانسلاخ
من (الآخرين)
أساساً: كما
سبق
التلميح،
وبالاتجاه
نحو السماء
لاشباع
الحاجات
بدلاً من
الاتجاه نحو
الآخرين. إننا
ينبغي أن نضع
فارقاً بين
جملة من
أنماط البحث
عن العز: 1
ـ ثمة بحث عن (العز)
مرتبط
بالحاجة إلى
(التقدير
الاجتماعي)،
بصفة أن العز
هو: تسلم
تقدير أو
ثناء أو
مكافأة من
الآخرين،
تجد الشخصية
أنها بحاجة
إليه: بغية
اشباع (الذات)
وتأكيد
هويتها،
والتمركز
حولها. وهذا
النمط من
البحث عن
العز سمة
عصابية سبق
توضيحها
مفصلاً، مما
تطبع سلوك
الشخصية
الأرضية. 2
ـ ثمة بحث عن
العز، مرتبط
بالموقف
الفكري، أي:
الاتجاه أو
المذهب الذي
تنتسب
الشخصية
إليه. غير أن
هذا
الارتباط
يحمل سمتين
من الاحساس
حياله،
السمة
الأولى: سمة
عصابية في
حالة تحرك
الشخصية من
موقف الحطة
الذاتية
التي
تتحسسها
بحيث تعوض عن
الحطة
الداخلية
المذكورة،
تعوضها
بانتماء إلى
(الآخرين):
سداً للنقص،
وليس
إشباعاً
موضوعياً
للحاجة. وهذا
متميز عن نمط
آخر من البحث
عن (العز) هو: 3
ـ البحث عن
العز من خلال
القيمة
الموضوعية
التي يحملها
المذهب أو
الاتجاه
الفكري الذي
تنتسب
الشخصية
إليه. وهذا
النمط من
البحث عن
العز لا صلة
له اطلاقاً
بالحاجة إلى
التقدير
الاجتماعي
بقدر صلته
باكساب
المذاهب أو
الاتجاه
قيمته
الحقة، فيما
لحظنا قادة
التشريع
يندبون إليه
(من خلال
عملية
التوافق أو
التكيف
الاجتماعي)
بغية تمرير (الأهداف)
التي يحملها
المذهب أو
الاتجاه. وهو
بحث سوي عن
التقدير
الاجتماعي،
على العكس من
النمطين
الأسبقين،
فيما يمثلان
سمة عصابية.
كما قلنا. 4
ـ ثمة نمط
رابع من
البحث عن
العز (وهو
موضوع
حديثنا الآن)
فيما يمثل
بدوره سمة
سوية، مادام
غير مرتبط ـ
أساساً ـ
بأية عملية
تقدير
اجتماعي،
بقدر
انسلاخه
تماماً عن (الآخرين)،
واتجاهه نحو
مصدر آخر هو (السماء)
في اشباع
حاجات
الشخصية. وهو
ما نطلق عليه
مصطلح (الاستقلال)
الذاتي). ولنتقدم
بمثال في هذا
الصدد، يتصل
ب(الحماية)
التي تنشدها
الشخصية
الإسلامية
من السماء
بدلاً من
حماية (الآخرين)
فيما أشرنا
إليه عند
حديثنا عن
الانتماء
إلى (الله)
بدلاً من (الانتماء
الاجتماعي). ثمة
فرد جائع، لا
مناص من
اشباع حاجته
إلى الطعام.
وسنفترض أن
اشباع حاجته
منحصر في:
الالتحاق
بدائرة
رسمية أو
أهلية، أو
الالتحاق
بأحد أرباب
العمل، ... إن (الآخرين)
وهم في
المثال
المذكور (رئيس
الدائرة،
ورب العمل،
والوسطاء) هم
الذين
يمتلكون
وسائل
الاشباع. غير
أن الالتحاق
بالدائرة أو
العمل لا يتم
في الحالات
كلها: وفقاً
لاستجابة
سوية من قبل
مالكي وسائل
الاشباع، بل
يتم في حالات
كثيرة عبر (تنازل)
و(ذهاب ماء
الوجه) و(خضوع)
يتعارض
أساساً مع
الدافع إلى
تقدير (الذات)،
وفي أفضل
الحالات،
فإن الاحساس
بأن (الآخرين)
ذوو (منّة) و(فضل)
عليه، كاف
بتوتير
شخصيته
وتأزيمها،
وبخاصة إذا
أخذنا بنظر
الاعتبار أن
(الآخرين) (وهم
مرضى في
الغالب)،
سيشيرون ذات
يوم إليه: من
خلال
التعالي أو
الزهو
الاجتماعي
أو الغمز أو
التعبير،
بأنهم (متفضلون)
عليه. ومما
لاشك فيه أن
رفض (الذل) في
الحالة
المذكورة،
لا يعني
بحثاً عن (تقدير
اجتماعي)، بل
يعني: إحساس
الشخصية
بكيانها
واستقلالها،
وهو إحساس
صحي صرف،
يتميز عن
الاحساس
بتورم (الذات)
فيما يعني
بدوره
تحسيساً
بكيان
الشخصية، ..
غير أن
التأكيد على
الذات يعد (مرضاً)
مادام
حائماً على
الاشباع
الذي يحسس
الآخرين
بأنه (متميز)
أو (متفوق) أو
أنه لوحده
يملك (حق)
الاشباع، ...
إما إذا كان
الأمر
حائماً على
منح (الذات)
حقها في
الاستقلال،
ونفض اليد عن
الآخرين،
فإن الأمر
حينئذ يكتسب
ـ على العكس
من الحالة
السابقة ـ
طابع الصحة
والسوية. ومن
هنا، فإن أي
تقبل لـ(الذل)
يعني: تقبلاً
للحطة
وللدونية
اللتين
تعدان
مظهراً من
مظاهر
الاحساس
بالنقص،
والاحساس
بالتبعية،
والرثاء
للذات وما
إليها من
أشكال المرض
الذي سنتحدث
عنه مفصلاً
عند حديثنا
عن الحاجة أو
الدافع الذ
يعالجه علم
النفس
الأرضي في
حقل ما يسميه
بـ(التقدير
الذاتي). إن
ما يعنينا من
معالجة
النمط
الأخير من
البحث عن (العز)،
ليس في تحديد
طابعه السوي
الذي يطالب
المشرع
الإسلامي به
فحسب، بل
يعنينا
أيضاً ـ وهذا
هو موضع
تأكيد
دراستنا ـ أن
نقارن بين
التوصيات
الإسلامية
في تنظيمها
للدافع
المذكور،
وبين توصيات
علم النفس
العيادي،
وملاحظة مدى
الفارق
بينهما، من
حيث واقعية
التوصية
الإسلامية،
ومثالية
التوصية
الأرضية. ولنعد
إلى مثال
الجائع... يقول
الإمام زيد
العابدين (ع)
في دعاء
مكارم
الأخلاق (وهو
وثيقة نفسية
بالغة
الخطورة:
سنعالجها
مفصلاً في
حقل: مبادئ
الصحة
النفسية في
الإسلام): "اللهم
اجعلني أصول
بك عند
الضرورة.
وأسألك عند
الحاجة.
وأتضرع إليك
عند
المسكنة،
ولا تفتني
بالاستعانة
بغيرك إذا
اضطررت، ولا
بالخضوع
لسؤال غيرك
إذا افتقرت".[11] هذه
هي توصية
السماء: نفض
اليد عن
الآخرين
تماماً،
والاتجاه
إلى السماء
في اشباع
الحاجة. لقد
اقرت هذه
التوصية (حقاً)
مشروعاً
للشخصية، هو:
حاجتها إلى
استقلال (الذات).
وتبعاً لذلك
طالبت بعدم
التخضع
والاستكانة
والاستعانة
بالآخرين،
لبداهة: أن
الخضوع
للآخرين
يعني أحد
أمرين: أ
ـ أن الشخصية
تحمل طابعاً
(إنحرافياً)
فاقداً
لمقومات
الشخصية
السليمة
التي تتحرك
وفق جهاز
قيمي: كأن
تتحرك بلا
قيم، بلا
حياء، بلا
صيانة لماء
الوجه. ب
ـ أن تتحمل
الشخصية
تبعات (الذل)
وما يستجره
من توتر
وتمزق وصراع. ومن
البين أن
التصور
الإسلامي
لهذه
الظاهرة،
قائم على
اشباع كل من
الحاجتين
الأساسيتين:
الحاجة إلى
استقلال (الذات)،
والحاجة إلى
(سد الجوع).
الأولى: حاجة
نفسية،
والثانية:
حاجة حيوية (بيولوجية). إن
ازالة
التضارب
القائم
بينهما، لا
يمكننا أن
نتصوره إلا
إذا افترضنا
وجود (مجتمع
فاضل) لا
يحيا أي تورم
وعصاب، بنحو
نفترض من
خلاله ان
الأفراد أو
الفئات أو
المؤسسات
الاجتماعية
يغلفها وعي
حاد بصلة
الإنسان
بأخيه، بحيث
يصبح توظيف
الجائع أو
إيجاد عمل
له، أمراً ـ
ليس مجرد
كونه ممارسة
طبيعية
مفروضة على
الآخرين
فحسب ـ بل
يقترن
بمشاعر
السرور
أيضاً. غير
أن افتراض
مثل هذه (المجتمعات)
يظل مجرد
افتراض لم
يحدثنا
التاريخ
بإمكان
تحقيقه إلا
في نطاق
نادر، لا
يمكن
انسحابه على
مجتمعاتنا
المعاصرة
التي يعي
علماء النفس
الأرضيون
قبل غيرهم
طبيعة
مفارقاته
الضخمة. وهذا
يعني أن
الأمر
منحصر، إما:
في إيجاد (توعية
عامة)
متميزة،
يهيمن عليها
أفراد أو
مؤسسات
رسمية أو شبه
رسمية تملك
وسائل
التأثير على
صياغة ثقافة
عامة
للآدميين،
أو في إيجاد (توعية
فردية)
تصوغها
الشخصية
الإسلامية
لنفسها عبر
تعاملها مع
السماء، ومع
الآخرين. وهذا
النمط
الأخير هو
الصياغة
التي أشار
الإمام (ع)
إليها، في
توصية
المتقدمة،
حينما الغى (الآخرين)
من الحساب،
لأن الآخرين
في تملكهم
لوسائل
الاشباع من
المتعذر أن
يستجيبوا
لحاجة
الجائع
استجابة دون
أن تملك
خياراً
ثالثاً لها.
فهي حين تتجه
نحو (الآخرين)
مالكي وسائل
الاشباع،
يحاصرها
نمطان ـ كما
سبق التلميح
ـ من
الاستجابة
حيالهم: أ
ـ ان تتحمل
الشخصية
تبعات (الذل)
وما يستجره
من التوتر
والتمزق
والصراع،
فتفتقد بذلك:
الصحة
النفسية
التي يسعى
علم النفس
العيادي إلى
تحقيقها عبر
توصياته (المثالية)
بعمليات (الكف)
أو (التصعيد). ب
ـ ان تكون
الشخصية
فاقدة
لجهازها
القيمي، أي
لا تعنى
بالحياء،
وماء الوجه،
وحينئذ
تفتقد
كينونتها
أساساً
وتصبح شخصية
(لا اجتماعية)
مرفوضة
تماماً عند (مجتمعها)
نفسه. إن
توصيات (الأرض)
لا تملك حيال
هذه
المشكلة،
إلا حلاً
واحداً هو:
ممارسة (الكف)
و(التصعيد). ونعني
بـ(الكف): ان (تؤجل)
الشخصية
اشباع
حاجاتها
بنحو تتحمل
من خلاله
قسطاً يكبر
أو يضؤل من (الاحباط). ونعني
بـ(التصعيد):
أن تدرس (الموقف)
بنحو تحمله (تفسيراً)
خاصاً، يخفض
من خلاله:
الاحساس
بالتوتر
الناجم من (ذلة)
الموقف. بيد
أن السؤال هو:
هل تستطيع
الشخصية
الارضية أن
تمارس (الكف)
حيال منبهات
حادة، تحيط
الجائع وهو
محروم منها؟
وهل تستطيع
من خلال
مواجهة (الذل)
أن (تتصاعد)
بالموقف
وتعتبره
أمراً
عادياً: في
حين أن (الآخرين)
يمطرونها
بوابل (المن)
و(التفضل)،
بل و(التعبير)
في أية لحظة
تتحرك
الشخصية (الممنون)
عليها من
خلال تحسسها
بالسيادة
والاستقلال،
أو النقد
السليم
لمالكي
وسائل
الاشباع؟ مما
لا مماراة
فيه، أن
وقائع
الحياة
اليومية
التي
نألفها،
تكشف لنا
بوضوح عن أن (الكف)
و(التصعيد)
لا يمكن
ممارستهما
البتة، بل
سوية
ماداموا
جزءً من
ثقافة أرضية
لا تعي صلة
الإنسان
بالسماء، بل
صلته بالأرض:
وهي صلة
محدودة
محاطة
بالإحباط،
والضغوط
الطبيعية
والاجتماعية
التي لا مناص
منها بأية
حال. وبما
أن (الآخرين)
في ضوء
ثقافاتهم
الأرضية، لا
يمتلكون
امكانية
الاشباع
بشكله
السوي،
حينئذ، فإن (الغاءهم)
من وجهة نظر
الصحة
النفسية،
سيحقق
للجائع
اشباعاً
نفسياً هو:
الحاجة إلى (استقلال
الذات). غير
أن الحاجة
الثانية،
وهي حاجة
حيوية ملحة،
ونعني بها:
الحاجة إلى
الطعام،
ستظل قائمة
تهدد
الشخصية
بالموت، أو
المرض
الجسمي ما لم
يزح التوتر
العضلي
للمعدة.
وازاحة
التوتر
المذكور
تنحصر في
إيجاد العمل
أو الوظيفة
دون
الاستعانة
بـ(الآخرين)
ـ إذا أريد
الاحتفاظ
بالحاجة إلى
(استقلال
الذات):
حينئذ، فإن
الشخصية
الإسلامية (ذات
الوعي الجاد
بالسماء) تظل
آمنة،
مطمئنة،
متوازنة (داخلياً)
مادامت تطلب
(الحماية) من (السماء)
وليس من (الآخرين)،
انها ـ كما
يقرر الإمام
(ع) ـ تصول
بالسماء عند
الضرورة،
وتسألها عند
الحاجة، ...
والسماء تظل
عند حسن ظن
الشخصية
الإسلامية
دون أدنى شك،
تتعامل معها
بقدر التزام
الشخصية
بمبادئ
السماء، ...
وعندهم يتم
اشباع
الحاجة
الحيوية،
بدون أن
يقترن
الاشباع
بالمن،
وذهاب ماء
الوجه، ...
وتحسم
المشكلة. لكننا
عندما نتجه
إلى
التوصيات
التي يقدمها
علم النفس
العيادي في
هذا الصدد،
نجد أن
التوفيق بين
الحاجتين
الرئيسيتين:
النفسية
والحيوية (استقلال
الذات،
وازاحة
الجوع) لا
يمكن أن يتم
إلا على حساب
أحدهما: فإما
أن تحيا (الجوع)
ولواحقه،
وإما تريق
ماء الوجه،
لا مناص من
الوقوع في
هاوية (التوتر)
وما يستتليه
من آثار
كبيرة على
الصحة
النفسية، لا
يزال علم
النفس
العيادي
يواجه
نماذجهاً
بأرقام
ضخمة، دون أن
يملك (علاجاً)
لها. إن
(العلاج) لا
يمكن توفره
إلا بايجاد (بديل)
عن (الآخرين)
هو: (السماء)
التي توفر
وسائل
الاشباع.
وحتى في
حالات (الاحباط)،
فإن (الكف) أو (التصعيد)
الاسلاميين،
من الممكن أن
تمارسهما
الشخصية
بنحو يختلف
تماماً عن (الكف)
و(التصعيد)
بمعناهما
الأرضيين. فالكف
أو التصعيد
عند الشخصية
الإسلامية،
لا يقترن بـ(الذل)
الذي يحاصر
الشخصية
الأرضية، بل
بـ(العز)
الذي يتواسق
والحاجة إلى
(استقلال
الذات). الشخصية
الإسلامية
لا تعنى (بالزائد)
عن الحاجة
إلى
الاشباع،
فيما يسهل (الكف)
حيال أي
اشباع يعني
به الأرضيون
عادة. كما
أنها حين (تتصاعد)
بالموقف،
إنما تملك (إشباعاً
آجلاً) وليس
مجرد (إحباط)
لا بديل له:
كما هو شأن
الأرض. من
هنا تتحسس
الشخصية
الإسلامية
بالتوازن
الداخلي
لها، في حين
تحيا
الشخصية
الأرضية (توتراً)
لا مناص منه. ومن
هنا أيضاً
ندرك بوضوح:
لماذا تطبع (المثالية)
توصيات
الأرض،
ولماذا تطبع
(الواقعية)
توصيات
السماء. من
الظواهر
التي اعتاد
علماء
النفس،
درجها ضمن
الحاجات أو
الدوافع
النفسية، هي:
الحاجة إلى
التفوق أو
السيطرة. ونعني
بهذا الدافع:
الشعور
الخفي أو
الحاد
بالحاجة إلى
أن تتفوق
الشخصية على
(الآخرين)،
أو أن تبسط
نفوذها
عليهم، أو أن
تصبح (متميزة)
عنهم بشكل أو
بآخر: سواءاً
كان هذا
التفوق أو
النفوذ أو
التميز في
نطاق العلم
أو الإدارة
أو السياسة،
أو أي نشاط
اجتماعي
تمارسه
الشخصية. بيد
أن الظاهرة
المذكورة
بالرغم من
اكتسابها
سمة (الحاجة)
أو (الدافع)
الموروث في
نظر (الاتجاه
القصدي) في
علم النفس،
إلا أن صفاً
كبيراً من
الباحثين لا
يخلع على
الظاهرة
المذكورة
صفة (الغريزة)
أو (الحاجة
الأساسية)
بقدر ما
يعدها
دافعاً (مكتسباً)
يحدد درجتها
نمط الثقافة
التي تحيا
الشخصية في
نطاقها. والدراسات
التي يقدمها
هذا الصف من
الباحثين،
تؤكد صحة
افتراضهم في
اكتسابية
الدافع
المذكور. اما
الاتجاه
الإسلامي،
فإن وجهة
نظره في هذا
الصدد واضحة
كل الوضوح:
مادام هذا
الاتجاه ـ
أساساً ـ
يلغي (الآخرين)
من الحساب،
على نحو ما
تحدثنا عنه
مفصلاً عن
إلغاء
للتقدير
الاجتماعي،
فيما يظل
البحث عن
الرئاسة
والتفوق،
جزء من البحث
عن (التقدير)
المذكور. إنه
يرى إلى ما
يسمى بدافع
السيطرة أو
التفوق،
ظاهرة مرضية
ينسبها إلى
أصول الكفر
أو المعصية،
تشدداً منه
على خطورة
المفارقة
التي ينطوي
عليها حب
السيطرة أو
التفوق. ويلاحظ:
كما سبقت
الاشارة، إن
المشرع
الإسلامي
يطلق على
جملة مما
أعتيد على
تسميتها بـ(دوافع)
أو (غرائز)،
يطلق عليها
مصطلح (حب)،
قاصداً من
المصطلح
المذكور (الرغبة
غير
المشروعة) أو
الرغبة
الزائدة عن
الحاجة، مثل
ذهابه إلى أن
أول ما عصي
به الله ستة: يقول
النبّي (ص): "أول
ما عصي به
الله ستة: حب
الدنيا، وحب
الرئاسة،
وحب الطعام...
الخ". أو
ذهابه إلى أن
أصول الكفر
ثلاثة، فيما
تشعبت منها
فروع هي: كما
يقول الإمام
علي بن
الحسين (ع): "حب
النساء، وحب
الدنيا، وحب
الرئاسة وحب
الراحة، وحب
الكلام، وحب
العلو، وحب
الثروة: فصرن
سبع خصال
فاجتمعن
كلهن في حب
الدنيا". بيد
أن السؤال
يثار: لقد
ورد مصطلحا (الرئاسة)
و(العلو) أو (السيطرة
والتفوق في
اللغة
الأرضية) ضمن
قوائم تتصل
بحاجات
أساسية
مشروعة مثل (الطعام)
و(النساء)
وسواهما،
فيما أطلق
عليها
جميعاً (في
النصين
اللذين
قدمهما
النبّي (ص)
والسجاد (ع)
مصطلح (الحب)،
مما يحتمل
أنهما (أي:
الرئاسة
والعلو)
ينتسبان من
جانب إلى
أساس (فطري)،
وإلى أنهما ـ
من جانب آخر
ـ على صلة
بما هو (مشروع)
بشكل أو بآخر:
مثل الطعام
والجنس
والنوم
والراحة.
فالإنسان ـ
بالضرورة ـ
يحس بالحاجة
إلى الطعام
والنوم
والراحة
مادامت تمثل
أصلاً (حيوياً)
لا مناص من
إشباعه، مما
يثير
تساؤلاً عن
دلالة ما
تعنيه
النصوص
الإسلامية
من مصطلح (الحب)
الذي أنكرته
النصوص
المذكورة. إن
الإجابة على
التساؤل
المذكور، لا
يطلب أدنى
تأمل، إذا
أخذنا بنظر
الاعتبار أن
(الحب) يعني: "الاشباع
زائداً عن
الحاجة"
وليس مجرد (الاشباع)
الذي لا يعد
مجرد كونه (مشروعاً)
بل يعد (ضرورة)
لا مناص منها. إن
الحاجة إلى (الطعام)
أو (النوم)
يتم اشباعها
بأية وجبة أو
فترة تزيح
التوتر
العضلي
للمعدة أو
الخلايا
العصبية. أما
(الزائد)
عنهما من نحو:
تكثير الأكل
أو النوم،
فإنهما
يعودان
بأضرار (نتحدث
عنها في
معالجتنا
لتنظيم
الدافعين
المذكورين
لاحقاً) لا
يتردد اثنان
في كونها
أضراراً
ينبغي
تجنبها
بإلحاح
مادمنا ننشد
التوازن (الحيوي)
للشخصية. والأمر
ذاته فيما
يتصل
بالتوازن
النفسي
للشخصية من
حيث صلة
التوازن
الداخلي
وعدمه
بظاهرتي (السيطرة
والتفوق). ومع
ذلك، فإن
السؤال يثار
على النحو
التالي: هل
أن الأصلين
النفسيين (السيطرة
والتفوق)
يماثلان
الأصلين (البيولوجيين:
الطعام
والنوم) من
حيث (مشروعيتهما
أو فطريتهما)
بنحو يتطلب
اشباعهما
بقدر الحاجة
(أي: تحقيق
التوازن
النفسي)
وحينئذٍ
يكون
الاشباع
الزائد عن
الحاجة لهما
محكوماً
بنفس
الأضرار
التي تترتب
على الاشباع
الزائد عن
الحاجة
للطعام أو
النوم. مما
لاشك فيه، أن
ثمة (فارقاً)
بين الأصل (الحيوي)
والأصل (النفسي)
من حيث درجة (الالحاح
الفطري) من
جانب، ومن
حيث امكانية
(التعديل) أو (التحكم)
فيهما، من
جانب آخر،
فأنت حينما
تحس بالحاجة
إلى الطعام
أو النوم لا
مناص لك من
اشباع
الحاجة
المذكورة، ...
لكنك لست
محكوماً
بالضرورة
ذاتها حينما
تحس بالحاجة
إلى أن (تتفوق)
على
الآخرين، أو
أن (تسيطر)
عليهم: فمن
الممكن أن (تعدل)
أو (تتحكم) في
هاتين
الحاجتين
النفسيتين،
بل يمكنك أن (تلغيهما)
أساساً: كما
أثبتت ذلك
دراسات (علماء
الأقوام) في
هذا الصدد. والحق،
إننا لا
نحتاج إلى
دعم
الدراسات
التجريبية
في اكساب
الحقيقة
المذكورة (يقيناً)
علمياً،
بقدر ما تفصح
الحقائق أو
التجارب
المألوفة عن
ذلك: فنحن
طالما نألف (نماذج)
تقع تحت
أبصارنا
وأسماعنا،
ممن لا يعنون
بالتفوق أو
السيطرة. بيد
أننا ـ
بالرغم من
ذلك ـ ينبغي
أن نعالج
الظاهرة في
ضوء التصور
الإسلامي
لها، وتحديد
موقعها من (الذات)
التي لا مناص
من اشباع بعض
حاجاتها
المشروعة من
جانب،
والغاء غير
المشروع
منها، من
جانب آخر، ...
ومن ثم،
محاولة (تنظيم)
الأصل
النفسي لما
هو (مشروع) من
حاجات (الذات)
في صلتها
بالتفوق أو
السيطرة في
دلالتيهما
الإسلاميتين. إن
المعيار
الإسلامي في
تحديد ما هو
مشروع أو غير
مشروع من
الرئاسة أو
التفوق يظل
مرتبطاً بما
هو (موضوعي)
وما هو (ذاتي).
وهو معيار،
لا يسم ظاهرة
السيطرة أو
التفوق
فحسب، بل يسم
كل أنماط
السلوك. وفي
صدد حديثنا
عن
الظاهرتين
المذكورتين،
فإن البعد (الذاتي)
فيهما من
الوضوح
بمكان
مادامتا
متصلتين
بنفس
الأعراض
المرضية
التي تسم
الباحث عن (التقدير
الاجتماعي). غير
ان هاتين
الظاهرتين
تكتسبان
حيناً
دلالةً (موضوعية)،
فتصبحان
حينئذٍ
حاجتين
موضوعيتين
لا صلة لهما
بـ(الذات)
إلا من حيث
ارتباطها
بالسماء. ولعل
أوضح نموذج
للحاجة
الموضوعية
إلى (الرئاسة)
يتمثل في
مطالبة يوسف
(ع) بتوليته
خازناً على
الأرض، حتى
انه زكى
شخصيته،
خالعاً
عليها سمتي (حفيظ)
و(عليم)،
تأكيداً
للحاجة (الموضوعية)
المذكورة. والأمر
ذاته فيما
يتصل
بالحاجة إلى
(التفوق)
عندما
يستدعي
السياق
الموضوعي
إبراز
الشخصية
الإسلامية
لتمرير
أهدافها
المرتبطة
بالسماء
وليس بـ(الذات)
المريضة. ومن
هنا نجد
الإمام
علياً (ع) يسم
من يتصدر
مجلساً
عملياً يسمه
بـ(الحماقة)
إذا لم يكن
مستهدفاً من
التصدر
المذكور
سلوكاً
موضوعياً
صرفاً. يقول
(ع): "لا
يجلس في صدر
المجلس إلا
رجل فيه ثلاث
خصال: يجيب
إذا سئل،
وينطق إذا
عجز القوم عن
الكلام،
ويشير
بالرأي الذي
فيه صلاح
أهله. فمن لم
يكن فيه شيء
منهم فجلس،
فهو أحمق".[12] وواضح
من هذا النص،
إن الإمام (ع)
في صدد
التحديد
الموضوعي
الصرف في
عملية (تصدر)
المجلس.
فالفقرة
الأخيرة (ويشير
بالرأي الذي
فيه صلاح
أهله)، تحدد
موضوعية
الهدف من
تصدر
المجلس، ألا
وهو ابداء
الرأي الذي
فيه (صلاح)
الناس، وليس
الرأي الذي
فيه (تأكيد
على الذات). كما
أن الفقرتين
اللتين
تحدثت عند
السؤال (يجيب
إذا سئل)
والكلام عند
عجز الآخرين
(وينطق إذا
عجز القوم عن
الكلام)، ...
هاتين
الفقرتين
تعززان
الذهاب إلى
أن (التصدر)
يرتبط بهدف (موضوعي)
وليس بهدف (ذاتي)،
وذلك: أن
الشخصية
المريضة (أي:
الباحثة عن
الذات) تتبرع
بالاجابة
دون ان
يسبقها
سؤال، أو
تتحدث لغير
ضرورة في
حالة ما إذا
لم يعجز
الآخرون عن
الكلام، وهي
على العكس
تماماً من
الشخصية
السوية التي
لم تتحدث إلا
إذا وجدت أن
الآخرين
عاجزون عن
الاجابة،
ولم تتحدث
إلا إذا وجه
إليه
السؤال،
وإذا فإنها
تظل (صامتة)
أو جالسة دون
المجلس وليس
في صدارته،
مما يكشف عن
أن شخصيتها (سوية)
لا تبحث عن (تأكيد
الذات).
[1]
الوسائل:
باب 7، حديث 5،
أحكام
العشرة. [2]
الوسائل:
باب 3 حديث 1،
احكام
العشرة. [3]
تحف
العقول،
صفحة 213. [4]
الوسائل:
باب 23 حديث 4
مقدمة
العبادات. [5]
نهج
البلاغة،
صفحة 183، جلد 2. [6]
الوسائل:
باب 23 حديث 6. [7]
نهج
البلاغة:
صفحة 156، جلد2. [8]
الصحيفة
السجادية.
دعاء مكارم
الأخلاق ـ
رقم 24. [9]
الوسائل:
باب 3، حديث 2،
أحكام
الملابس. [10]
الوسائل:
باب 29 حديث 3،
أحكام
الملابس. [11]
الصحيفة
السجادية:
دعاء رقم (24). [12]
العباد.
صفحة 141، جلد 1،
العقل
والجهل. |
|