.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

قضاء وضروريات بدن الإنسان

لم يهمل إحتياجات الروح أيضاً

حيث إنّ كل شيء في محله حسن

الغلاف الجوّي المحيط بالأرض، حارس الحياة

الموت، نعمة الله العظمى

الإختلاف في الخلق بين الرجل والمرأة

وزن مخ المرأة والرجل

نمو الشعر على ذقن الرجل

تغذية الجسم تشبه تغذية الشجرة

 

قضاء وضروريات بدن الإنسان:

عندما ننظر إلى إحتياجاتنا، نلاحظ أننا محتاجون من كل الجهات. أولاً نحن بحاجة إلى أعضاء البدن، ثم بعد ذلك نحن بحاجة إلى الطعام واللباس والمسكن. ثم إذا ما دقّقنا أكثر نرى أنه من أجل الطعام نحن بحاجة إلى الرياح والمطر، إلى الأرض والشمس، إلى البرودة والحرارة والبذور وغير ذلك.

إننا في صناعة الألبسة نحتاج إلى عدة أمور، بحيث تركب المواد الطبيعية بالشكل المطلوب، ومن البديهي أيضاً أننا بحاجة إلى أمور عديدة أخرى وإلى معادن من قبيل الحديد والنحاس والخشب وغير ذلك. إضافة إلى كل هذا يجب أنّ تلحظوا بدقة العلة الفاعلة أيضاً. إن هذه الأسباب كلها والآلات والأدوات إذا لم يكن لديها الصانع والمنظم والمستعمل لها على الوجه الصحيح، فإنه لا يصدر عنها الأثر المطلوب أي إنه مثلاً إذا لم يقدم المزارع على الزراعة، فإنه لا يترتب على هذه الأسباب كلها أي أثر، لذا فإن الهداية والمعرفة لازمتان أيضاً في العلة الفاعلة وقد زرعهما الله تعالى في أعماق الإنسان. إن التأمل المختصر في ما تقدّم عرضه يوضح بشكل جيّد كيف أنّ الله تعالى قد قضى حاجة الإنسان المادية بهذه الأسباب وكيف أنه يري جميع خلقه، لطفه، ورعايته على أفضل وجه.

لم يهمل إحتياجات الروح أيضاً:

وكما أنّ الله تعالى لم يهمل الجسم، بل هيأ له كل ما يحفظه ويبقي عليه، كذلك الأمر بالنسبة إلى الروح التي هي بمثابة القائد وسلطان مملكة الجسد، فهو لم يهملها بل هيّأ لها كل أسباب الحصول على السعادة الأبدية.

في باطن الإنسان خلق العقل الذي يُعتبر نبي الداخل بالنسبة للإنسان، عمله إيقاظ الإنسان من سكرة الهوى والهوس، وتذكيره بالوقوف بين يدي الله (يوم القيامة والوقوف أمام الله بهدف استجوابه عن أعماله وأفعاله وأقواله) وحمله على التزود للسفر والإستعداد لهكذا سفر مريع، حتى يقدر على تحصيل المعرفة والأعمال اللائقة أكثر فأكثر.

حيث إنّ كل شيء في محله حسن:

إذاً في ما يتعلّق بنظام العالم لو أنّ العقلاء كلّهم أعملوا عقولهم مجتمعين ليقولوا مثلاً: إنّ بنية الجسم البشري لو كانت على نحو آخر لكانت أفضل. إنه من المحال أن تكون له بنية غير هذه التي له الآن أو أجزاء غير هذه الأجزاء فإن كلّ شيء قد جعل محله. جسم العالم الكبير هو أيضاً بتمامه كذلك.

يقول الشاعر ما مضمونه: إن العالم من حيث الإتساق بين جميع أجزائه يشبه العين والخط والخال والحاجب، فكل شيء في محله حسن وجميل.

إنّ كلّ شيء تراه هو في محلّة وذو هدف. نظام العالم من فوقنا... مليارات الكواكب العظيمة هي في حالة دوران وحركة. في هذا الفضاء اللامتناهي لا يصطدم حتى إثنان ببعضهما البعض. لو أنّ إثنين منها إصطدما ببعضهما البعض، وبهذه السرعة التي لكرتنا الأرضية حيث حركتها الدورانية والإنتقالية هي بسرعة أربعة فراسخ في الدقيقة الواحدة، وحركتها الوضعية بسرعة أربعة فراسخ في الثانية الواحدة، فلو أنها إصطدمت وهي في طريقها وبهذه السرعة بواحدةٍ من هذه الكواكب فماذا سيحدث؟

لنتحدث أكثر من ذلك في ما يتعلق بالنظام.

الغلاف الجوّي المحيط بالأرض، حارس الحياة:

من بين الإكتشافات الحديثة: إنه في كل يومٍ وليلة ينفصل ما يقرب من عشرين مليون شهابٍ من الكواكب الأخرى وتتجه مباشرة نحو كوكب الأرض بسرعة تعادل مئة ألف كيلومتر في الساعة لكلٍّ منها، أي أنه في الساعة الواحدة يقطع مسافة مئة ألف كيلومتر، هذا الشهاب إذا اصطدم بكوكب الأرض بهذه السرعة ماذا سيحل بالأرض؟ إن أي قنبلة ذرية ليست لها هذه القدرة التي لمثل هذه الشهب. إن قدرته تعادل قدرة عدة قنابل ذرية. فلو تعرضت الأرض لمثل هذه الشهب على مدى ساعة واحدة فقط هل يبقى حينئذٍ أثر لبيت؟ وهل يسلم من شرّها آنذاك إنسان أو حيوان؟ كل ما على الأرض يدمّر؛ بل إن كوكب الأرض يتلاشى من الأساس يا له من نظامٍ!

إن إله هذا العالم هو المنظم والمسيّر والمدبّر لهذا الفضاء، وهو الذي أحاط كوكب الأرض بغلافٍ جوّي يبلغ قطره مضافاً إلى سماكته مئة كيلو متر، فهو ذو تأثير مذهل على الحياة فوق هذا الكوكب. إنّ واحداً من تأثيرات هذا الغلاف تلطيفه لحرارة الشمس، فهي تتجمّع في هذا الجزء من الجوّ ولا تتجه مباشرة نحو الأرض لأنها لو توجّهت مباشرة نحو الأرض ولم تتجمّع في الجوّ لما أمكن تخفيفها. هل تعلم ماذا كان حلّ بالأرض؟... كانت ستغلي البحار برُمّتها، ولكانت إرتفعت حرارة الأرض إلى ما فوق المئة درجة، ولغلى حتى الدّم داخل جسمك والحليب في أثداء الأمهات، ثم إنه لو بلغت هذه الحرارة كوكب الأرض، لما وجد فوقها قطرة ماء واحدة بل لكان تبخّر جميعه وإفتقد.

ثم إنه لو إفتقد ذلك الجزء من الكون، وكانت الحرارة تبلغ مباشرة كوكب الأرض، لكانت هبطت درجة الحرارة أثناء الليل إلى مئة وستين تحت الصفر، ولكانت إبتليت الأرض بتجمد يحيل كلّ ما عليها إلى جليد. في النهار حرارة كتلك، وفي الليل برودة كهذه. في هذه الحالة هل يبقى للحياة أثر على وجه الأرض؟

لذا فإن هذا الجزء من الكون مهمّته أنّ يختزن في داخله حرارة الشمس ويعمل على تلطيفها وإيصالها إلى الأرض على مدى أربعٍ وعشرين ساعة حتى لا تحدُث تلك الحرارة في النهار، وفي نفس الوقت تتم الإفادة من الحرارة التي تم تخزينها داخل الغلاف الجوِّي أثناء النهار، وذلك حتى لا تحدث تلك البرودة.

مضافاً إلى ذلك فإن الحرارة المرتفعة تلك التي تمّ تخزينها داخل الغلاف الجوي للأرض، تعمل على تحليل وإذابة الشهب المتوجهة نحو الأرض.

إن هدفي من كل هذا هو تبيان النظام القائم في الكون. أما الآن فلنترك الإنسان متحيراً بأيِّ جزءٍ منه يتفكّر. إذاً فكل أفعال الله تصدر عن حكمة.

إذا أدركت هذا القدر من النظام أفلا تستيقن أنّ أفعال الله كلها قائمة على النظام وعلى الحكمة. إذاً فإذا كانت أفعال الله كلها قائمة على الحكمة فلا يجب حينئذٍ الظن بالله فتقول مثلاً على سبيل الإعتراض: واحدٌ تعطيه العديد من النعم وآخر تعطيه قرص شعير معجون بالدم. أو تقول:

إن الله ـ روحي لحكمته الفداء ـ يرمي بالزعفران أمام الحمار أي أنه ـ والعياذ بالله ـ لا يدري ما يفعل فليأت وليسألني أنا، فيا ربي إن كنت تريد أنّ تعطي المال فأعطه لي أنا ولا تعطِ فلاناً. إن هذه الإعتراضات كلّها هي سوء ظن به تعالى بمعنى أنّ أفعاله تعالى لا تتصف بالحكمة. إذا مات له عزيز يسوء ظنه بنظام الخلقة بل ويصرح علناً في بعض الأحيان بأنه لو كان السيد عزرائيل يرى بالعين وكان بالإمكان الوصول إليه فأنهم لن يتركوه يخرج سالماً من البيت الذي يدخله لقبض الروح بل كانوا سيقطعونه إرباً.

إن عزرائيل في إعتقاد اليهود أعور.

من خرافات اليهود قصة قبض روح موسى بن عمران. فهم يدعون أنه عندما أتى عزرائيل ليقبض روح سيدنا موسى بن عمران(ع)، ضربه موسى كفّاً قوية على أذنه مما أدّى إلى أنّ تفقد إحدى عينية بصرها ولهذا فهم يعتقدون بأن عزرائيل أعور ولا بدّ أنهم يتمنون أنّ تفقد عينه الأخرى بصرها حتى ينجو الجميع. إنّ هذا كله منشأه الجهل فالملك ليس ذو جسم كالإنسان. إن الكف والضرب هما من شأن البدن المكوّن من اللحم بينما الملك ليس بذي لحم وجلد. الملك من جنس النور وهو ليس بمادّة أو جسم يمكن ليد الأنسان أنّ تصل إليهما. الجسم الترابي هو ميزة لحم وجلد الجسد الحيواني. إن قصدي هو تبيان قضية الإعتراض والحنق على نظام الخلقة.

الموت، نعمة الله العظمى:

مثلاً الموت، إنه بحق من النعم الإلهية العظمى التي لها حكمٌ عديدة بينما الإنسان لا يستحسنه عادةً. الموت هذا إذا ما رفع مثلاً لمدة مئة سنة سوف يرون بأي حال يصبح الإنسان. ماذا يفعل الرجال والنساء الكبار في السن الذين فقدوا القدرة على العمل؟ إن أبناءهم لا يكادون ينتهون من تأمين الطعام واللباس والنظافة والسكن لهم. ولأكُنْ أكثر صراحة فهم لا يكادون يقومون بواجبهم إتجاههم لناحية وتنظيفهم من أوساخهم فمتى حينئذٍ يهتمون بكسبهم وأعمالهم وفي أيّ وقتٍ يخلدون للراحة إضافةً إلى أنهم أنفسهم سوف يبتلون بنفس وضع أولئك ثم لا يستمر ذلك طويلاً حتى يصبح أكثر أفراد سكّان الأرض من الأشخاص فاقدي القدرة على العمل والمقعدين والهرمين فيختلّ بذلك وضع الحياة على وجه الأرض عندئذٍ يتمنى الجميع من شاب وشيخ أنّ يا رب إفعل ما تراه مناسباً، فالموت مع أننا لم نكن لنستحسنه إلاّ أنه حسن بالفعل وسعادتنا هي في الموت.

الإختلاف في الخلق بين الرجل والمرأة:

إنّ الرجل والمرأة مختلفان من جميع الجهات فبصرف النظر عن الأعضاء التناسلية التي للجنسين فإن الإنسان إذا ما تفكّر في تنظيم هذا الجهاز سوف يصاب بالدهشة.

يقول الإمام الصادق(ع) للمفضل بن عمر في مجلس جمعهما وكان الحديث فيه يدور حول عجائب الخلقة (مختصر مضمون الراوية) تفكّر جيداً في العضو التناسلي الذي للرجل فهو ليس دائم الإنتصاب ولو كان عظماً لكان دائم الإنتصاب ولو كان كذلك فكيف كانت النطفة ستصل إلى رحم المرأة؟ لقد جعل سبحانه عضو الرجل على نحوٍ ينتصب في الوقت المناسب، فلماذا هذا؟ حتى تعلم ما الغرض من هذا العضو فليس الغرض منه قضاء الشهوة. إنما اللذة هي من أجل أنّ تحصل لديك الرغبة في إنجاب الأطفال فتذهب وتكدح ثم تتزوج بعد ذلك ويبقى بذلك نسل الإنسان. إذاً الهدف هو بقاء النوع.

لهذا قال: المرأة العاقر كالبساط الرّث في المنزل. وقال أيضاً أفضل النساء. المرأة الولود. إذاً فالتلذّذ ليس مطلوباً لذاته بل هو لإيجاد النسل. إنّ الإنسان يدرك أنّ ليس الهدف من ذلك إشباع الجانب الحيواني فيه. إن الله تعالى قد زرع في الإنسان قوة التفكّر حتى يتفكر بواسطتها ويدرك هذا الأمر. ومن الإختلافات الأخرى بين المرأة والرّجل هو أنّ الله تعالى قد منح جسم المرأة رطوبة أكثر وذلك لأن خلق المرأة هو من أجل المحافظة على بقاء النوع البشري ولأنه على عاتقها القيام بعمل شاق جداً وفي نفس الوقت مهم. العمل هو على عاتق الرجل، أما المرأة فحملها وتربيتها للأطفال وتدبيرها لأمور المنزل هي أعمال تشغل جانباً رئيساً من حياة الإنسان. إنّ على الرجال أنّ يعظموا هذه النعمة، عليهم أنّ يلتفتوا إلى أنّ نساءهم هنّ أسباب سريان رحمة الله تعالى. إن المرأة هي ذات قدرٍ سامٍ عند الله تعالى فهي عند ما تضع حملها تكون كيوم ولدتها أمها وهي تتحمّل هذا العبء الثقيل. أما اللذة فقد جعلها الله رجاء إنجاب الأطفال فيكدح لذلك وأجره أيضاً محفوظ عند الله. إن على الرجال مساعدة النساء في أعمالهن.

كان رسول الله(ص) يكنس المنزل وكان في بعض الأحيان يحلب الشّاة بنفسه وأمير المؤمنين علي(ع) أيضاً كان كذلك. بشكل عام، الهدف من خلق المرأة هو الحمل والجنين في بطن أمّه مالم يصل حدّ الرشد لا يمكن أنّ يخرج إلى هذا العالم، يجب أنّ يبقى في بطن أمه حتى يكتمل خلقه ثم عندئذٍ يولد ولو أتى قبل أوانه لما أمكنه أنّ يتنشّق نسيم هذا العالم لا بد أنْ يبقى في بطن أمه تسعة أشهر ينمو خلالها تدريجياً ويكبر. في هذه البطن التي فيها الأمعاء والقلب والكبد وغير ذلك يريد هذا الجنين أنّ ينمو. لو كان جسم المرأة كجسم الرجل لكان قضى على أجهزتها الداخلية لهذا فقد جعل الله تعالى عضلات جسم المرأة على نحو تكون فيه قابلة للتّمدد وجعل الرطوبة فيه أضعاف ما هي عليه في جسم الرجل حتى مهما كبر الجنين في بطنها تبقى لديها القدرة على التحمل. هناك بعض الأمور التي لا يمكن الحديث عنها، تصوروا طريقة الوضع عند المرأة، أيّ قدرةٍ هذه وأي حكمة، (العظمة لله)، كل ذلك مرجعه إلى قدرة وعظمة الحق جلّ وعلا، فقد جعل أعضاء المرأة التناسلية على نحو تتمدد فيه أثناء خروج الوليد ثم بعد ذلك تنقبض. آهٍ من العمى والصّمم، هذا العدد الهائل من آيات الله أمام أعيننا ومع ذلك لا نرى، إن هذا لمخجل حقّاً فمتى نصبح بشراً؟ ما دامت قلوبنا لا تستشعر عظمة الله فلسنا إلاّ كحيوانات تمشي على اثنتين. إنّ الإنسان لا يكون إنساناً إلاّ عندما يستدل مما هو مادي إلى ما هو روحاني ويلتفت إلى العلاقة التي تربط هذا العالم بالعوالم الأخرى. حسناً... لقد إتضح معنى (خلق الزوجين الذكر والأنثى) ولم يعد الأمر بحاجة إلى تأكيد أكثر، ومن الواضح أيضاً أنّ الإنسان العاقل يدرك هذا المعنى على الفور إلاّ أنْ يكون قد مات قلبه، ففي هذه الحالة ماذا بالإمكان إفهام الميّت؟ إذا كانت الرائحة النتنة لعالم الطبيعة والمادة قد عطّلت حاسة الشّم عنده أو كانت قد أعمت بصيرته فكيف يمكن التصرُّف معه؟ إنّ الاعمى مهما بلغت قوة نور الشمس فلن يراها وإلاّ فإن هذا يكفي للإذعان والإعتراف بعظمة الله.. الله الذي يستحق الحمد والثناء.. الله الذي هو دون غيره، العالم والعالم والقادر المطلق.

وزن مخ المرأة والرجل:

من الأمور الأخرى التي هي محل إختلاف بين الرجل والمرأة والتي تدعو إلى الدهشة وقد إكتشفها الطب الحديث أثناء قيامه بتشريح الجسدين، هي أجزاء المخ الذي هو مركز جميع الإدراكات البشرية، تتألّف أجزاء المخ من عدة ملايين من الذرّات. لقد وزنوا مخ الرجل والمرأة فوجدوا أنّ مخ الرجل أثقل من مخ المرأة بمقدار معتنى به السّر في ذلك واضح وهو أنّ إدراكات الرجل أكثر منها عند المرأة وهو يحتاج إلى التفكير وإعمال العقل أكثر من المرأة وذلك للقيام بواجبه في إدارة الشؤون المعاشية والإجتماعية. ولأن عقل الرجل أكبر منه عند المرأة لذا فإن تكليفه أيضاً أكبر واللّوم الإلهي له أكثر منه بالنسبة للمرأة، إن المرأة هي في أكثر الأحيان موضع رحمة الله تعالى هذا إذا لم تتساهل في طاعتها لزوجها ولم ترتكب محرّماً ولم يفتها واجب. المسكين هو الرجل في ما يتعلق بشدة التكليف. الرجل الذي هو في مقام العلم والمعرفة أرفع من المرأة، عليه أنّ يجهد كي يخلص نفسه ويخلص زوجته التي لم يفرض عليها علمٌ ومعرفة وعبادة كالذي فرض على الرجل بل جعل الرجل قيماً على المرأة (الرجال قوّامون على النساء) فإذا ما صدر عن المرأة ذنب فالرجل هو المسؤول عنه[1].

إذا خرجت المرأة سافرة من البيت، ثم ألقى عليها، من هو ليس بمحرمٍ عليها نظرة يشتهيها فيها، فالذنب في هذه الحالة يقع على عاتق الرجل لأنه رضي بهذا العمل. إن على الرجل أنّ يتعاهد زوجته حتى لا تصبح من أهل العذاب. إذا كان يعلم أنّ خروج زوجته من البيت يوجب إرتكابها لمعصية، فعليه أن لا يدعها ترتكب ذنباً. إن رعايا أيّ رجل كان هم في الدرجة الأولى: زوجته وأبناؤه ثم بعد ذلك خادمه[2] فهل هناك من قام بواجبه في هذا المضمار. ربما تتعلق هذه الزوجة وهؤلاء الأبناء بأذيالك يوم القيامة أنْ لماذا لم تتعاهدنا في الدنيا؟ أين ذهبت الغيرة حتى رضي الرجال وأضاعوا بناتهم الطاهرات وألقوا بهن في معرض الفساد بأنواعه وعندما يواجهون بإعتراض أصحاب الغيرة يقولون: يجب أنّ تجد خبزها، يجب ـ عندما تكبر ـ أنّ تصطاد سمكة يبلغ ثمنها المئات من الدراهم. لأنه يطمح بسمكة يبلغ ثمنها عدة مئات من الدراهم، يُسلم عفتها وبراءتها لرياح الفناء فهل هذا بأب؟ هل هذا بقيّم؟ هل هذا برجل؟ كلا، بل هو مجرم.

قال أمير المؤمنين(ع) وهو فوق المنبر يخطب: (يا أشباه الرجال ولا رجال) أنتم لستم برجال أنتم لكم شكل الرجال فقط وإلاّ فعلى الرجل أنّ يبرز رجولته. إنّ الطمع بالمال هو طمع الناس البسطاء فمن أين لنا أنّ تصبح هذه المرأة ذات منصب فيما بعد، ولو فرضنا أنها أصبحت، فأي نفعٍ يعود لك، أو لها من هذا المال.

نمو الشعر على ذقن الرجل:

من موارد الإختلاف الأخرى بين الرجل والمرأة والتي هي من الآيات الإلهية العظيمة والمدهشة، قضية نمو الشعر على ذقن الرجل وعدم نموه على ذقن المرأة. يحدث ذلك عند الرجل بعد بلوغه سن التكليف وفقط في القسم السفلي للوجه وعلى الخدين. وما فوقهما إضافة إلى الجبهة يبقى دون شعر. والأعجب من ذلك العلاقة الموجودة بين نمو الشعر والجهاز التناسلي بحيث إذا خصي أحدهم لم ينبت الشعر على ذقنه. إن هذا لمدهش حقاً وهذا ما يجعل الرجل مميزاً عن المرأة في الظاهر لأنه قد يحدث في بعض الأحيان أنّ تدّعي إمرأةٌ ما بالرجولة، أو رجل ما بالأنوثة.. قد يستغل ذلك للخداع فيدخل الرجل مثلاً حمام النساء. لا تقولوا: إن المرأة تتزين فتلبس الـ (تشادور) ـ العباءة النسائية[3]ـ وتقلّد العقود في أعناقها والحليّ في أيديها وبإمكان الرجل أنّ يفعل هذا. إنّ إختلاف الظاهر بين الرجل والمرأة ليس بهذه الأمور. إذاً فالهدف من نمو الشعر على الذقن.

أولاً: الإختلاف بين الرجل والمرأة. ثانياً: ليعلم أنّ المرأة غير الرجل فخلق المرأة هو لإستيناس الرجل[4] لهذا فهي كلّما كانت أجمل كلما كانت أفضل فالمرأة يجب أنّ تكون جذابة ولو كان لها في وجهها شعر لفقدت جمالها وجاذبيتها ولو لم يكن للرجال شعر في وجوههم لتصوّروا أنهم هم أيضاً كذلك.

قال الرسول(ص): (يأتي زمان يكتفي فيه الرجال بالرجال والنساء بالنساء) كقوم لوط وقد مهدت الأرضية لذلك فعندما ما يحلق الرجل لحيته ويتزيّن، يتصور نفسه أنه هو الآخر بإمكانه أنّ يقوم بما تقوم به النساء حينئذٍ يحدث ـ لا قدّر الله ما كان يقوم به قوم لوط.

(وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تمنى) الجانب الثاني للقضية هو مبدأ تكوين الإنسان سواء المرأة والرجل، فقد أتى الله تعالى على ذكر هذا الموضوع في القرآن الكريم في أكثر من سبعين موضعاً حتى يدركوا أهميته ويزدادوا بصيرةً وعلماً وكلما إزداد تعمق الإنسان في علم التشريح كلّما أدرك عظمة الخالق أكثر فأكثر[5] فمع أنّ علم التشريح هو علم واسع جداً وقد مضى على نشوئه ما يزيد على الألف عام والإنسان ما زال يبحث في هذا العلم وقد ألّفت فيه المؤلفات الكثيرة ولكنهم مع ذلك يعترفون بأنهم لم يبلغوا النهاية حتى الآن فربما يأتي فيما بعد أفراد آخرون يقومون باكتشافاتٍ جديدة.

تغذية الجسم تشبه تغذية الشجرة:

للمجلسي عليه الرحمة إيضاحات في المجلد الرابع عشر وما يمكن ذكره هو أنه أولاً: فلنعلم من أي شيء تتكون النطفة؟ بعد أنّ يتم إنتاج المادة الغذائية في الجسم، يصل الغذاء بواسطة العروق المتحركة إلى كل جزء من أجزاء البدن... إلى العظام واللحم والجلد والعروق والشرايين.. إلى كلّ ذرةٍ من ذرات الجسم، من أُمِّ الرأس وحتى أخمص القدمين لا يبقى عضو من الأعضاء إلاّ ويجب أنّ تصله المادة الغذائية تماماً كما إذا أُهرق دلو ماءٍ بالقرب من الأعضاء إلاّ ويجب أن تصله هذه الشجرة بعد أنّ تمتص هذا الماء تقوده إلى أعلى وحينئذٍ لا تبقى ورقة في شجرة عليها فرضاً مئة ألف ورقة، إلاّ ويصلها الماء ولا يمكن أنّ يصل إلى الورقة الأقرب كمية من الماء أكثر مما يصل إلى الورقة الأبعد. كذلك جميع المخلوقات فهم من ناحية الرزق على السواء، لا فرق بينهم فيعطي هذا غذاءه ولا يعطي ذاك، يصل الماء إلى عضوٍ ولا يصل آخر. ما ان يراق الماء بالقرب من جذع الشجرة حتى تمتصه قوتها الماصّة وتوصله إلى كل الأوراق والأغصان بل وحتى الثمار والثمرة مع أنّ قشراً سميكاً يحيط بها، مع ذلك، فهي توصل الماء إلى وسطها ليستفيد من هذا الماء لب الثمر ونواتها. كل ورقة تتألف من مئات بل ألوف الأجزاء.. لا يبقى جزء واحدٌ منها إلاّ ويصله الماء[6]. جسمي أنا وجسمك أنت أيضاً هما كذلك فالغذاء الذي نأكله يمر ـ في إصطلاح الطب القديم ـ في أربع مراحل حتى يتم هضمه وذكر هذه المراحل الأربع خارج عن بحثنا. المرحلة الرابعة هي جريانه في العروق، لا يبلغ عضواً إلاّ ويترك له من المادة الغذائية بمقدار كفايته ثم يتجاوزه إلى غيره وما إن يأخذ كل عضو حاجته المحدّدة من المادة الغذائية حتى يحيلها إلى جزءٍ منه مع أنها ليست إلاّ مادة غذائية ليس أكثر. ولكنها ما إن تبلغ العظم حتى تتحول إلى عظم، وما إن تبلغ اللحم حتى تتحول إلى لحم، وما إن تبلغ العصب حتى تتحول إلى عصب. هكذا ما إن تصل إلى عضو حتى تصطبغ بصبغة ذلك العضو.. إذا ما بلغت بشرة أبيض البشرة صارت بيضاء وكذلك الأمر إذا ما بلغت أحمر البشرة صارت حمراء وإذا ما بلغت أسودها صارت سوداء[7] فأين هو يا ترى جهاز الصباغة في بدني وبدنك؟

في بعض الأحيان يتم سلب النّعمة من وقت لآخر عن أصحابها وذلك حتى يتضح لهم قدرها، لقد شاهدتم أولئك الذين يبتلون بمرض البرص. سلب النعمة هذا حتى نشكر ونتذكر أنا وأنت. حتى نعرف قدر النعمة فلا نكفر بها.



[1] دون أنّ ينقص من عذاب المرأة شيء.

[2] (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) (الأنعام/6).

[3] إضافة من المترجم.

[4] (ومن آياته أنّ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون) (آل عمران/20).

[5] هذا القول منسوب إلى ابن سيناالحكيم والطبيب المشهور: من لم يعرف الهيئة والتشريح فهو عتيق في معرفة الله.

[6] الشبه التام والوحدة الموجودة بين هذه الأمور تدل على وحدة الخالق وهذا أما يستدل عليه في علم الكلام حيث إنه يستدل من وحدة الفعل على وحدة الفاعل.

[7] (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) (البقرة/132).

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست