.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

 

ذم الظلم بالمعنى الأخص

العدل بالمعنى الأخص

آفة المؤمن

ادخال السرور في قلب المؤمن

ترك اعانة المسلمين

قضاء حوائج المسلمين

التهاون والمداهنة

 

 

تنبيه

ذم الظلم بالمعنى الأخص

اعلم أن الظلم قد يراد به ما هو ضد العدالة، وهو التعدى عن الوسط في أي شيء كان، وهو جامع للرذائل باسرها ـ كما أشير إليه ـ وهذا هو الظلم بالمعنى الأعم، وقد يطلق عليه الجور أيضاً، وقد يراد به ما يرادف الاضرار والإيذاء بالغير، وهو يتناول قتله وضربه وشتمه وقذفه وغيبته وأخذ ماله قهراً ونهباً وغصباً وسرقة وغير ذلك من الأقوال والأفعال المؤذية. وهذا هو الظلم بالمعنى الأخص، وهو المراد إذا اطلق في الآيات والأخبار وفي عرف الناس. وباعثه إن كانت العداوة والحسد، يكون من رذائل قوة الغضب، وإن كان الحرص والطمع في المال، يكون من رذائل قوة الشهوة. وهو أعظم المعاصي وأشدها عذاباً باتفاق جميع الطوائف، ويدل على ذمه ـ بعد ما ورد في ذم كل واحد من الأمور المندرجة تحته كما يأتي بعضها ـ ما تكرر في القرآن من اللعن على الظالمين، وكفاه ذماً أنه تعالى قال في مقام ذم الشرك:

" إن الشرك لظلم عظيم "[1]. وقال: " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم "[2]. وقال " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون "[3]. وقال: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون "[4].

وقال رسول الله (ص): " إن أهون الخلق على الله، من ولي أمر المسلمين فلم يعدل لهم ". وقال (ص): " جور ساعة في حكم، أشد واعظم عند الله من معاصي تسعين سنة ". وقال (ص): " اتقوا الظلم، فانه ظلمات يوم القيامة " وقال (ص): " من خاف القصاص، كف عن ظلم الناس " وروى: " أنه تعالى أوحى إلى داود: قل للظالمين لا تذكروني، فان حقاً علي أن اذكر من ذكرني، وإن ذكري إياهم أن العنهم ". وقال علي ابن الحسين ـ عليهما السلام ـ لابنه أبي جعفر (ع) حين حضرته الوفاة: " يا بني، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله ". وقال أبو جعفر (ع): " ما من أحد يظلم بمظلمة إلا أخذه الله تعالى بها في نفسه أو ماله ". وقال رجل له (ع): " إني كنت من الولاة، فهل لي من توبة؟ فقال: لا! حتى تؤدي إلى كل ذي حق حقه ". وقال (ع): " الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله تعالى، وظلم لا يغفره الله تعالى، وظلم لا يدعه الله. فاما الظلم الذي لا يغفره الله عز وجل فالشرك، وأما الظلم الذي يغفره الله عز وجل فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عز وجل، وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد " وقال الصادق (ع) في قوله تعالى:

" إن ربك لبالمرصاد "[5].

" قنطرة على الصراط، لا يجوزا عبد بمظلمة ". وقال (ع) " ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلا الله تعالى " وقال: " من أكل مال أخيه ظلماً، ولم يرده إليه، أكل جذوة من النار يوم القيامة ". وقال (ع): " إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين: أن ائت هذا الجبار، فقل له: إني لم استعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين، فاني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً " وقال (ع): " أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم اكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم... ثم قال: " من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه يحصد ابن آدم ما يزرع. وليس يحصد أحد من المر حلواً، ولا من الحلو مراً ". وقال (ع): " من ظلم، سلط الله عليه من يظلمه، أو على عقبه أو على عقب عقبه " قال الراوي: " قلت هو يظلم، فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه؟! قال: فان الله تعالى يقول:

" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً "[6].

والظاهر أن مؤاخذة الأولاد بظلم آبائهم انما هو في الأولاد الذين كانوا راضين بفعل آبائهم، أو وصل إليهم اثر ظلمهم، أي انتقل إليهم منهم بعض أموال المظلومين. وقال بعض العلماء: الوجه في ذلك: أن الدنيا دار مكافأة وانتقام، وان كان بعض ذلك مما يؤخر إلى الآخرة، وفائدة ذلك اما بالنسبة إلى الظالم فانه يردعه عن الظلم إذا سمع، وأما بالنسبة إلى المظلوم فانه يستبشر بنيل الانتقام في الدنيا مع نيله ثواب الظلم الواقع عليه في الآخرة، فانه ما ظفر أحد بخير مما ظفر به المظلوم، لأنه يأخذ من دين الظالم اكثر مما أخذ الظالم من ماله، كما تقدم. وهذا مما يصحح الانتقام من عقب الظلم أو عقب عقبه، فانه وإن كان في صورة الظلم، لأنه انتقام من غير اهله، مع أنه لا تزر وازرة وزر اخرى، إلا أنه نعمة من الله عليه في المعنى من جهة ثوابه في الدارين، فان ثواب المظلوم في الآخرة اكثر مما جرى عليه من الظلم في الدنيا.

ثم إن معين الظالم، والراضي بفعله، والساعي له في قضاء حوائجه وحصول مقاصده، كالظالم بعينه في الاثم والعقوبة. قال الصادق (ع): " العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم ". وقال (ع): " من عذر ظالماً بظلمه، سلط الله عليه من يظلمه، فان دعا لم يستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته ". وقال رسول الله (ص): " شر الناس المثلث؟ "، قيل: وما المثلث قال: " الذي يسعى باخيه إلى السلطان، فيهلك نفسه، ويهلك أخاه، ويهلك السلطان ". وقال (ص): " من مشى مع ظالم فقد أجرم ". وقال (ص): " إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة ومن لاق لهم دواة أو ربط لهم كيسا أو مدهم بمدة قلم؟ فاحشروهم معهم ".

 

فصل

 العدل بالمعنى الأخص

ضد الظلم بالمعنى الأخص هو العدل بالمعنى الأخص، وهو الكف عنه، ورفعه، والاستقامة، وإقامة كل أحد على حقه. والعدل بهذا المعنى هو المراد عند إطلاقه في الآيات والأخبار، وفضيلته اكثر من أن تحصى. قال الله سبحانه:

" إن الله يأمر بالعدل والإحسان..."[7]. وقال: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "[8].

وقال رسول الله (ص): " عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة قيام ليلها وصيام نهارها " وقال الصادق (ع): " من أصبح ولا يهم بظلم أحد، غفر له ما اجترم ". وقال الصادق (ع): " من أصبح لا ينوى ظلم أحد، غفر الله تعالى له ذنب ذلك اليوم، مالم يسفك دماً أو يأكل مال يتيم حراماً " وقال (ع): " العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن. ما أو سع العدل إذا عدل فيه، وإن قل ". وقال (ع): " العدل أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحاً من المسك ". وقال (ع): " اتقوا الله واعدلوا، فانكم تعيبون على قوم لا يعدلون "[9].

ومما يدل على فضيلة العدل بهذا المعنى ما ورد في ثواب رد المظالم. قال رسول الله (ص): " درهم يرده العبد إلى الخصماء خير له من عبادة ألف سنة، وخير له من عتق ألف رقبة، وخير له من ألف حجة وعمرة ". وقال (ص): " من رد درهماً إلى الخصماء، اعتق الله رقبته من النار، واعطاه بكل دانق ثواب نبي، وبكل درهم ثواب مدينة في الجنة من درة حمراء ". وقال (ص) " من رد ادنى شئ إلى الخصماء، جعل الله بينه وبين النار ستراً كما بين السماء والأرض، ويكون في عداد الشهداء ". وقال (ص): " من أرضى الخصماء من نفسه، وجبت له الجنة بغير حساب، ويكون في الجنة رفيق إسماعيل بن إبراهيم ". وقال (ص): " إن في الجنة مدائن من نور، وعلى المدائن أبواب من ذهب مكللة بالدر والياقوت، وفي جوف المدائن قباب من مسك وزعفران، من نظر إلى تلك المدائن يتمنى أن تكون له مدينة منها ". قالوا: يا نبي الله، لمن هذه المدائن؟ قال: " للتائبين النادمين، المرضين الخصماء من أنفسهم، فان العبد إذا رد درهما إلى الخصماء، أكرمه الله كرامة سبعين شهيداً. فان درهماً يرده العبد إلى الخصماء خير له من صيام النهار وقيام الليل. ومن رد درهماً ناداه ملك من تحت العرش، استأنف العمل، فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ". وقال (ص): " من مات غير تائب، زفرت جهنم في وجهه ثلاث زفرات، فاولاها لا تبقى دمعة إلا جرت من عينيه، والزفرة الثانية لا يبقى دم إلا خرج من منخريه، والزفرة الثالثة لا يبقى قيح إلا خرج من فمه. فرحم الله من تاب، ثم أرضى الخصماء، فمن فعل فأنا كفيله بالجنة ". وقال (ص) " لرد دانق من حرام يعدل عند الله سبعين ألف حجة مبرورة "[10]

ومنها:

 

إخافة المؤمن

وإدخال الكرب في قلبه. وهما شعبتان من الإيذاء والإضرار، فيترتبان غالباً على العداوة والحسد، وقد يترتبان على مجرد الغضب أو سوء الخلق أو الطمع، وهما من رذائل الافعال، والأخبار الواردة في ذمهما كثيرة، كقول النبي (ص): " من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها، أخافه الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله ". وقول الصادق (ع): " من روع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار، ومن روع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فاصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار ". وقوله (ع): " من ادخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله (ص)، ومن أدخله على رسول الله (ص) فقد وصل ذلك إلى الله، وكذلك من أدخل عليه كربا "[11]. والأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة.

 

فصل

إدخال السرور في قلب المؤمن

وضد ذلك إزالة الخوف عنه، وتفريج كربه. وادخال السرور في قلبه. وهي من أعظم شعب النصيحة، ولا حد للثواب المترتب عليها، كما نطقت به الأخبار. قال رسول الله (ص): " من حمى مؤمناً من ظالم، بعث الله له ملكا يوم القيامة يحمي لحمه من نار جهنم ". وقال (ص): " من فرج عن مغموم أو أعان مظلوماً، غفر الله له ثلاثاُ وسبعين مغفرة ". وقال (ص): انصر اخاك ظالماً أو مظلوماً "، فقيل: كيف ينصره ظالماً؟ قال: " تمنعه من الظلم ". وقال الإمام أبو عبدالله الصادق (ع): " من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده، فنفس كربته واعانه على نجاح حاجته، كتب الله تعالى له بذلك اثنتين وسبعين رحمة من الله، يعجل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته، ويدخر له احدى وسبعين رحمة لافزاع يوم القيامة وأهواله ". وقال (ع): " من نفس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه كرب الآخرة، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد " وقال الرضا (ع): " من فرج عن مؤمن، فرج الله قلبه يوم القيامة ". وقال رسول الله (ص): " من سر مؤمناً فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله ". وعن أبي عبدالله (ع) قال: " قال رسول الله (ص): إن أحب الاعمال إلى الله عز وجل ادخال السرور على المؤمنين ". وقال الباقر (ع): " تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرفه القذى عنه حسنة، وما عبد الله بشيء أحب إلى الله من ادخال السرور على المؤمن ". وقال (ع) " إن فيما ناجى الله عز وجل به عبده موسى (ع): قال: إن لي عباداً أبيحهم جنتي واحكمهم فيها، قال: يا رب، ومن هؤلاء الذين تبيحهم جنتك وتحكمهم فيها؟ قال: من ادخل على مؤمن سروراً... ثم قال: إن مؤمناً كان في مملكة جبار، فولع به، فهرب منه إلى دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك فاظله وارفقه وأضافه، فلما حضره الموت، اوحى الله إليه: وعزتي وجلالي! لو كان لك في جنتي مسكن لأسكنتك فيها، ولكنها محرمة على من مات مشركا بي، ولكن يا نار هيديه ولا تؤذيه، ويؤتى يرزقه طرفي النهار "، قلت[12]: من الجنة؟ قال: " من حيثما شاء الله ". وقال (ع): " لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً انه عليه أدخله فقط، بل والله علينا، بل والله على رسول الله (ص)!. عن أبان بن تغلب، قال: " سألت أبا عبدالله (ع) عن حق المؤمن على المؤمن. فقال: حق المؤمن على المؤمن أعظم من ذلك، لو حدثتكم لكفرتم. إن المؤمن إذا خرج من قبره خرج معه مثال من قبره يقول له: ابشر بالكرامة من الله والسرور فيقول له: بشرك الله بخير. قال: ثم يمضي معه يبشره بمثل ما قال، وإذا مر بهول قال: ليس هذا لك، وإذا مر بخير قال: هذا لك. فلا يزال معه، يؤمنه مما يخاف ويبشره بما يحب، حتى يقف معه بين يدى الله عز وجل. فإذا أمر به إلى الجنة، قال له المثال: ابشر فان الله عز وجل قد أمر بك إلى الجنة. قال: فيقول: من أنت رحمك الله؟ تبشرني من حين خرجت من قبري، وآنستني في طريقي، وخبرتني عن ربي! قال فيقول: انا السرور الذي كنت تدخله على اخوانك في الدنيا، خلقت منه لا بشرك واونس وحشتك ". وروى ابن سنان، قال: " كان رجل عند أبي عبدالله (ع)، فقرأ هذه الآية:

" والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً "[13].

فقال أبو عبدالله (ع): فما ثواب من أدخل عليه السرور فقلت: جعلت فداك! عشر حسنات. قال: أي والله ألف ألف حسنة! "[14].

ومنها:

 

ترك إعانة المسلمين

وعدم الاهتمام بأمورهم. فان من يعادي غيره أو يحاسده يترك إعانته ولا يهتم باموره، وربما كان ذلك من نتائج الكسالة بها، أو ضعف النفس أو البخل. وبالجملة: لا ريب في كونه من رذائل الصفات، ودليلا على ضعف الإيمان. وما ورد في ذمه من الأخبار كثير، قال الباقر (ع): " من بخل بمعونة اخيه المسلم والقيام له في حاجة، إلا ابتلى بالقيام بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر ". وقال الصادق (ع): " أيما رجل من شيعتنا أتاه رجل من اخوانه، فاستعان به في حاجة فلم يعنه، وهو يقدر، إلا ابتلاه الله تعالى بأن يقضي حوائج عدة من أعدائنا، يعذبه الله عليها يوم القيامة ". وقال (ع): " أيما مؤمن منع مؤمنا شيئاً مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره، أقامه الله عز وجل يوم القيامة مسوداً وجهه، ومزرقة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه فيقال: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله، ثم يؤمر به إلى النار " وقال (ع): " من كانت له دار، فاحتاج مؤمن إلى سكناها، فمنعه إياها، قال الله تعالى: يا ملائكتي، أبخل عبدي على عبدي بسكنى الدنيا؟ وعزتي وجلالي! لا يسكن جناتي أبداً ". وقال (ع) لنفر عنده: " مالكم تستخفون بنا؟ "، فقام إليه رجل من أهل خراسان، فقال: معاذ لوجه الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك! فقال: " إنك أحد من استخف بي "، فقال: معاذ لوجه الله أن استخف بك فقال له: " ويحك! ألم تسمع فلاناً، ونحن بقرب الجحفة، وهو يقول لك: إحملني قدر ميل، فقد والله أعييت. والله ما رفعت به رأساً، لقد استخففت به. ومن استخف بمؤمن فبنا استخف، وضيع حرمة الله عز وجل[15]. وقال (ع): " من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له، سلط الله عليه شجاعاً ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له أو معذبا ". وقال أبو الحسن (ع): " من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله، فلم يجره بعد أن يقدر عليه، فقد قطع ولاية الله عز وجل ". وقال رسول الله (ص): " من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ". وقال (ص): " من اصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم "[16].

 

فصل

قضاء حوائج المسلمين

ضد هذه الرذيلة: قضاء حوائج المسلمين والسعي في إنجاح مقاصدهم وهو من أعظم أفراد النصيحة، ولا حد لمثوبته عند الله، قال رسول الله (ص): " من قضى لأخيه المؤمن حاجة، فكأنما عبدالله دهره "[17] وقال (ص): " من مشى في حاجة أخيه ساعة من ليل أو نهار، قضاها أو لم يقضها، كان خيراً له من اعتكاف شهرين ". وقال أبو جعفر (ع): " أوحى الله عز وجل إلى موسى (ع): إن من عبادي من يتقرب الي بالحسنة فاحكمه في الجنة فقال موسى: يا رب، وما تلك الحسنة؟ قال يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته، قضيت أم لم تقض ". وقال (ع): " من مشى في حاجة أخيه المسلم، أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك، ولم يرفع قدماً إلا كتب الله له حسنة، وحط عنه بها سيئة، ويرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله عز وجل له بها أجر حاج ومعتمر " وقال (ع): " إن المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده فيهتم بها قلبه، فيدخله الله تبارك وتعالى بهمه الجنة ". وقال الصادق (ع): " من قضى لأخيه المؤمن حاجة، قضى الله تعالى له يوم القيامة مائة ألف حاجة، من ذلك أولها الجنة، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه واخوانه الجنة، بعد ان لا يكونوا نصاباً ". وقال (ع): " إن الله تعالى خلق خلقاً من خلقه، انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا، ليثيبهم على ذلك الجنة. فان استطعت أن تكون منهم فكن " وقال (ع): " قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة، وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله ". وقال (ع): " لقضاء حاجة امرئ مؤمن احب إلى الله تعالى من عشرين حجة، كل حجة ينفق فيها صاحبها مائة ألف ". وقال (ع): " من طاف بالبيت طوافاً واحداً كتب الله له ستة آلاف حسنة، ومحى عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة ـ وفي رواية: وقضى له ستة آلاف حاجة ـ حتى إذا كان عند الملتزم، فتح له سبعة أبواب من الجنة "، قلت له: جعلت فداك! هذا الفضل كله في الطواف؟ قال: " نعم! واخبرك بأفضل من ذلك: قضاء حاجة المؤمن المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف...حتى بلغ عشراً ". وقال (ع): " تنافسوا في المعروف لاخوانكم وكونوا من أهله، فان للجنة باباً يقال له المعروف، لا يدخله إلا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، فان العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكل الله عز وجل به ملكين، واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربه، ويدعوان بقضاء حاجته "... ثم قال: " والله لرسول الله (ص) اسر بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة ". وقال (ع): " ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله تعالى: علي ثوابك، ولا ارضى لك بدون الجنة ". وقال (ع): " أيما مؤمن أتى أخاه في حاجة فانما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسببها له، فان قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها فانما رد عن نفسه رحمة من الله عز وجل، ساقها إليه وسببها له، وذخر الله تلك الرحمة إلى يوم القيامة، حتى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إن شاء صرفها إلى نفسه، وإن شاء صرفها إلى غيره "... ثم قال (ع) للراوي: " فإذا كان يوم القيامة، وهو الحاكم في رحمة من الله تعالى قد شرعت له، فإلى من ترى يصرفها؟ "، لا أظن يصرفها عن نفسه، قال: لا تظن! ولكن استيقن، فانه لن يردها عن نفسه " وقال (ع): " من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى تقضى له، كتب الله عز وجل له بذلك مثل أجر حجة وعمرة مبرورتين، وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام، ومن مشى فيها بنية ولم تقض، كتب الله له بذلك مثل حجة مبرورة. فارغبوا في الخير ". وقال (ع): لئن أمشي في حاجة أخ لي مسلم، أحب إلي من أن أعتق ألف نسمة، وأحمل في سبيل الله على ألف فرس مسرجة ملجمة " وقال (ع): " من سعى في حاجة أخيه المسلم، وطلب وجه الله، كتب الله عز وجل له ألف ألف حسنة، يغفر فيها لأقاربه وجيرانه وإخوانه ومعارفه، ومن صنع إليه معروفاً في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل له: ادخل النار، فمن وجدته فيها صنع إليك معروفاً في الدنيا فأخرجه باذن الله عز وجل، إلا أن يكون ناصبياً ". وقال أبو الحسن (ع): " إن لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة.ومن أدخل على مؤمن سروراً، فرح الله قلبه يوم القيامة "[18]. والأخبار الواردة بهذه المضامين كثيرة، وما ذكرناه كاف لتحريك الطالبين على قضاء حوائج المؤمنين. ومما يدل على مدحه وشرافته، ما ورد في ثواب اطعام المؤمن وسقيه وكسوته، كما يأتي.

ومنها:

 

التهاون والمداهنة

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهو ناش إما من ضعف النفس وصغرها، أو من الطمع المالي ممن يسامحه، فيكون من رذائل القوة الغضبية من جانب التفريط، أو من رذائل القوة الشهوية من جانب الإفراط وهو من المهلكات التي يعم فسادها وضرها، ويسري إلى معظم الناس اثرها وشرها. كيف ولو طوي بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اضمحلت الديانة، وتعطلت النبوة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وضاعت أحكام الدين، واندرست آثار شريعة رب العالمين، وهلك العباد، وخربت البلاد. ولذا ترى وتسمع أن في كل عصر نهض باقامة هذه السنة بعض المؤيدين، من غير أن تأخذهم في الله لومة لائمين، من أقوياء العلماء المتكفلين لعلمها وإبقائها، ومن سعداء الأمراء الساعين في اجرائها وإمضائها، رغب الناس إلى ضروب الطاعات والخيرات، وفتحت عليهم بركات الأرض والسماوات، وفي كل قرن لم يقم باحيائها عالم عامل ولا سلطان عادل، واستشرى الفساد، واتسع الخرق وخربت البلاد، واسترسل الناس في اتباع الشهوات والهوى، وانمحت أعلام الهداية والتقوى.

ولذا ترى في عصرنا ـ لما اندرس من هذا القطب الأعظم عمله وعلمه وانمحت بالكلية حقيقته واسمه، وعز على بسيط الأرض دين يحرس الشريعة ـ واستولت على القلوب مداهنة الخليقة ـ أن الناس في بيداء الضلالة حيارى وفي أيدي جنود الأبالسة اسارى، ولم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن الشرع إلا رسمه.

ولأجل ذلك ورد الذم الشديد في الآيات والأخبار على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمداهنة فيهما، قال الله سبحانه:

" لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون "[19].

وقال رسول الله (ص): " ما من قوم عملوا بالمعاصي، وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل، إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده ". وقال (ص): " إن الله تعالى ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له "، فقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال: " الذي لا ينهى عن المنكر ". وقيل له (ص): " أتهلك القرية وفيها الصالحون؟ قال: نعم! قيل: بم يا رسول الله؟ قال: بتهاونهم وسكوتهم عن معاصي الله ". وقال (ص): " لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم "[20]. وقال (ص): " إن الله تعالى ليسأل العبد: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكر؟ ". وقال (ص): " ان الله لا يعذب الخاصة بذنوب العامة، حتى يظهر المنكر بين اظهرهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه ".

وقال أمير المؤمنين (ع) في بعض خطبه: " انما هلك من كان قبلكم، حيث عملوا بالمعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك، وانهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينهم الربانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر... ". وقال (ع): " من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه، فهو ميت بين الأحياء ". وقال (ع) " أمرنا رسول الله (ص) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة ". وقال (ع): " إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ولم ينكر منكراً قلب فجعل أعلاه أسفله " وقال الباقر (ع): " أوحى الله عز وجل إلى شعيب النبي (ع): إني معذب من قومك مائة ألف: أربعين ألفا من شرارهم، وستين الفاً من خيارهم. فقال (ع): يا رب، هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي ". وقال الصادق (ع): " ما قدست أمة لم يؤخذ لضعيفها من قويها بحقه غير متعتع ". وقال (ع): " ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " وقال (ع): " إن الله تعالى بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلبها على أهلها، فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو الله ويتضرع إليه، فقال أحد الملكين لصاحبه: أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته، ولكن أمضي ما أمر به ربي. فقال: لا، ولكن لا احدث شيئاً حتى أراجع ربي. فعاد إلى الله تبارك وتعالى، فقال: يا رب إني انتهيت إلى المدينة، فوجدت عبدك فلاناً يدعرك ويتضرع إليك. فقال: امض ما امرتك به، فان ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظاً لي قط ". وقال (ع) لقوم من أصحابه: حق لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم وكيف لا يحق لي ذلك وانتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يتركه ". وقال (ع): " لا حملن ذنوب سفهائكم على علمائكم... إلى أن قال: ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون وما يدخل علينا به الأذى، أن تأتوه فتؤنبوه وتعذلوه، وتقولوا له قولا بليغاً! "، قيل له: اذن لا يقبلون منا، قال: " اهجروهم واجتنبوا مجالستهم ". وفي بعض الأخبار النبوية: " إن امتي إذا تهاونوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بحرب من الله ". وقد وردت أخبار بالمنع عن حضور مجالس المنكر إذا لم يمكنه دفعه والنهي عنه، ولو حضر نزلت عليه اللعنة. وعلى هذا لا يجوز دخول بيت الظلمة والفسقة، ولا حضور المشاهد التي يشاهد فيها المنكر ولا يقدر على تغييره، إذ لا يجوز مشاهدة المنكر من غير حاجة، اعتذاراً بأنه عاجز. ولهذا اختار جماعة من السلف العزلة، حذراً من مشاهدة المنكر في الأسواق والمجامع والأعياد، مع عجزهم عن التغيير.

ثم إذا كان الأمر في المداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذه المثابة، فيعلم أن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف كيف حاله. قال رسول الله (ص): " كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ " فقيل له (ص): ويكون ذلك يا رسول الله؟! قال: " نعم! كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟! "، فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟! قال: " نعم! وشر من ذلك! كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟! "، وفي رواية: " وعند ذلك يبتلى الناس بفتنة، يصير الحليم فيها حيران "[21].

ومن تأمل في الأخبار والآثار، واطلع على التواريخ والسير وقصص الأمم السالفة والقرون الماضية، وما حدثت لهم من العقوبات، وضم ذلك إلى التجربة والمشاهدة في عصره، من ابتلاء الناس ببعض البلايا السماوية والأرضية، يعلم أن كل عقوبة سماوية وارضية، من الطاعون والوباء، والقحط والغلاء، وحبس المياه والأمطار، وتسلط الظالمين والأشرار، ووقوع القتل والغارات، وحدوث الصواعق والزلازل، وأمثال ذلك، تكون مسبوقة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس.

 


[1] لقمان، الآية: 13.

[2] الشورى، الآية: 42.

[3] إبراهيم، الآية: 42.

[4] الشعراء، الآية: 227.

[5] الفجر، الآية: 14.

[6] صححنا أحاديث الباب على (أصول الكافي): باب الظلم. والآية من الحديث الأخير: سورة النساء، الآية: 8.

[7] النحل، الآية: 90.

[8] النساء، الآية: 58.

[9] صححنا الأحاديث هنا على (أصول الكافي): باب الظلم وباب الأنصاف والعدل.

[10] صححنا الأحاديث النبوية هذه كلها على (جامع الأخبار): الباب 7 الفصل7 ولم نعثر لها على أثر في الكتب المعتبرة.

[11] صححنا الأحاديث هنا على (أصول الكافي) باب إدخال السرور على المؤمن، وباب من أخاف مؤمناً.

[12] القائل الراوي، والمجيب أبو جعفر (ع).

[13] الأحزاب، الآية: 58.

[14] صححنا الأحاديث كلها هنا على (أصول الكافي): باب إدخال السرور على المؤمن، باب تفريج كرب المؤمن.

[15] صححنا هذا الحديث بالخصوص على (الوسائل): كتاب الحج، باب تحريم الاستخفاف وهو يرويه عن (الكافي).

[16] صححنا الأحاديث هنا على (أصول الكافي): باب من استعان أخوه به فلم يعنه، وباب قضاء حاجة المؤمن، وباب من منع مؤمناً شيئاً من عنده، وباب الاهتمام بأمور المسلمين.

[17] صححناه على (الوسائل). كتاب الأمر بالمعروف، باب استحباب قضاء حاجة المؤمن، رواه عن (مجالس الطوسي). ولم نعثر على مصدر للنبوي الثاني.

[18] صححنا الأحاديث ـ ابتداء من الحديث عن أبى جعفر (ع) على (أصول الكافي): باب قضاء حاجة المؤمن، وباب السعي في حاجة المؤمن.

[19] المائدة، الآية: 63.

[20] روى في (فروع الكافي) ـ باب الأمر بالمعروف ـ هذا الحديث عن أبى الحسن الرضا (ع) وصححنا الحديث الذي قبل الأخير على (فروع الكافي) في الموضع المذكور أيضاً.

[21] صححنا الأحاديث هنا على (فروع الكافي): باب الأمر بالمعروف وعلى (الوسائل): كتاب الأمر بالمعروف وعلى (المستدرك): 2/360 ـ 361 كتاب الأمر بالمعروف.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست