.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

 

ما ينبغي للمعطى

ما ينبغي للفقراء في أخذ الصدقة

زكاة الأبدان

الخمس

الانفاق على الأهل والعيال

ما ينبغي في الانفاق على العيال

صدقة التطوع

 

 

فصل

(ما ينبغي للمعطى)

ومما ينبغي للمعطي أن يستصغر العطية ليعظم عند الله، وان استعظمها صغرت عند الله، قال الصادق (ع): " رأيت المعروف لا يصلح إلا بثلاث خصال: تصغيره، وتستيره، وتعجيله. فأنت إذا صغرته عظمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تممته، وإذا عجلته هنأته وإن كان غير ذلك محقته ونكدته "[1]؟ واستعظام العطاء غير المن والأذى، إذ الصرف إلى عمارة المسجد ومثله يتأتى فيه الاستعطاء، ولا يتأتى فيه المن والأذى، وأن يعطي الأجود والأحب والأبعد عن الشبهة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإخراج غير الجيد سوء أدب بالنسبة إلى الله، إذ إمساك الجيد لنفسه وأهله، وانفاق الردىء في سبيل الله يوجب إيثار غير الله وترجيحه عليه، ولو فعل هذا لضيف وقدم إليه أردأ طعام في البيت لا نكسر قلبه ووغر به صدره.

هذا إذا كان نظره إلى الله بأن يتصدق لوجه الله، من غير ملاحظة عوض لنفسه في دار الآخرة، وان كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة فلا ريب في أن العاقل لا يؤثر غيره على نفسه، وليس له من ماله إلا ما تصدق فأبقى، وأكل فأفنى. ولعظم فائدة انفاق الأجود الأحب، وقبح انفاق الردىء الأخس، قال الله تعالى:

" أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "[2]:

أي لا تأخذونه إلا مع كراهية وحياء، وهو معنى الاغماض، وما هذا شأنه عندكم فلا تؤثروا به ربكم. وقال سبحانه:

" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون! "[3]. وقال: " ويجعلون لله ما يكرهون "[4]

وفي الخبر: " سبق درهم مائة ألف درهم ". وذلك بأن يخرجه الإنسان وهو من أحل ماله وأجوده، فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل، وقد يخرج مائة ألف درهم مما يكره من ماله، فيذل على أنه ليس يؤثر الله بشىء مما يحبه.

ومما ينبغي له أن يغنى الفقير إذا قدر، ففي الخبر إذا أعطيته فأغنه وأن يقبّل يده بعد الإعطاء، لأنه يقع في يد الله تعالى أولا. قال أمير المؤمنين (ع): " إذا ناولتم السائل فليرد الذي ناوله يده إلى فيه فيقبلها، فان الله عز وجل يأخذ الصدقات ". وقال النبي (ص): " ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد الله، ثم تلا هذه الآية.

" ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات؟ "[5] .

وقال الصادق (ع): " إن الله تعالى يقول: ما من شئ إلا وقد وكلت به من يقبضه غيري، إلا الصدقة، فاني أتلقفها بيدي تلقفاً، حتى أن الرجل ليتصدق بالتمر أو بشق تمرة، فاربيها له كما يربي الرجل فلوه وفصيله، فتأتى يوم القيامة وهي مثل أحد وأعظم من أحد "[6]. وأن يلتمس الدعاء من الفقير، لأن دعاءه يستجاب فيه كما روي: " أن علي بن الحسين (ع) كان يقول للخادم: امسك قليلا حتى يدعو، فان دعوة السائل الفقير لا ترد ". وأنه (ع) كان يأمر الخادم إذا أعطى السائل، أن يأمره أن يدعو بالخير. وعن أحدهما ـ عليهما السلام ـ: " إذا أعطيتموهم فلقنوهم الدعاء، فانه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم". وما قيل من أن أرباب القلوب لا يتوقعون الدعاء من القابض، لانه شبيه المكافاة، وكانوا يقابلون الدعاء بمثله، ولو أرسلوا معروفاً إلى فقير، قالوا للرسول أحفظ ما يدعو به ليردوا عليه مثل قوله، خلاف طريقة أئمتنا الراشدين عليهم السلام فلا اعتبار به عندنا.

ومما ينبغي له أيضاً أن يصرف الصدقات إلى من يكثر باعطائه الأجر كأهل الورع والعلم، وأرباب التقوى والصدق، والكاملين في الإيمان والتشيع. قال رسول الله (ص): لا يأكل طعامك إلا تقي"، وقال (ص): " اطعموا طعامك الأتقياء " وقال (ص): " أضف بطعامكم من تحبه في الله ". ولكن يرفعهم من الزكاة الواجبة والصدقات، لأنها أوساخ الأموال، ويوسع عليهم بالهدايا والصلاة، ففي الخبر: " مستحقوا الزكاة المستضعفون من شيعة محمد وآله: الذين لم تقو بصائرهم، وأما من قويت بصيرته وحسنت بالولاية لأوليائهم والبراءة من أعدائهم معرفته، فذاك أخوكم في الدين، أمس بكم رحماً من الآباء والأمهات المخالفين، فلا تعطوه زكاة ولا صدقة فان موالينا وشيعتنا منا كالجسد الواحد، تحرم على جماعتنا الزكاة والصدقة وليكن ما تعطونه إخوانكم المستبصرين البر، وارفعوهم عن الزكاة والصدقات وتزهوهم عن أن تصبوا عليهم أوساخكم. أيحب أحدكم أن يغسل وسخ بدنه ثم يصبه على أخيه المؤمن؟ إن وسخ الذنوب أعظم من وسخ البدن فلا توسخوا إخوانكم..." الحديث.

ولا ينبغي أن يصرف إلى من نظره إلى الوسائط، بل ينبغي الصرف إلى من بلغ مقام التوحيد، ويرى النعمة من الله، ولا ينظر إلى الوسائط إذ من لم يصف باطنه عن رؤية الوسائط إلا من حيث أنهم وسائط، فغير خال من نوع من الشرك الخفي. قال الصادق (ع) في قول الله تعالى:

" وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون "[7].

" وهو قول الرجل، لولا فلان لهلكت أو لولا فلان لما أصبت كذا ولولا فلان لضاع عيالي! ألا ترى أنه قد جعل لله شريكاً في ملكه، يرزقه أو يدفع عنه؟ ". فقال الراوي يجوز أن يقال: لولا أن الله منّ علي بقلان لهلكت؟ قال " نعم! لا بأس بهذا ". ومن أهل المزية والاختصاص بالبذل إليه، من كان مستتراً ساتراً للحاجة، كائناً من أهل المروة، متغشياً في جلباب التجمل، محصوراً في سبيل الله، محبوساً في طريق الآخرة بعيلة أو مرض أو ضيق معيشة أو إصلاح قلب أو سبب آخر من الأسباب، والأولى من الكل الأقارب وأولو الأرحام من أهل الاحتياج، فان الأنفاق عليهم صدقة وصلة. وفي صلة الرحم من الثواب مالا يخفى، قال أمير المؤمنين (ع): " لأن أصل أخاً من اخواني بدرهم، أحب إلي من أتصدق بعشرين درهماً، ولان أصله بعشرين درهماً أحب إلي من أن أتصدق بمائة درهم، ولان أصله بمائة درهم، ولأن أصله بمائة درهم أحب إلي من أن أعتق رقبة ". وفي خبر آخر: " لا صدقة وذو رحم محتاج، الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر، وصلة الاخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربعة وعشرين ". وفي الخبر: " إن أفضل الصدقات والصلاة الأنفاق على ذي الرحم الكاشح ": يعني المبغض، وكأنه لمخالفة الهوى وصدوره عن الخلوص والتقوى.

 

فصل

ما ينبغي للفقراء في أخذ الصدقة

ينبغي للفقير الآخذ أن يعلم أن الله تعالى أوجب صرف المال إليه ليكفي مهمته، فيتجرد للعبادة والاستعداد للموت، فينبغي أن يتأهب لذلك ولا يصرفه عنه فضول الدنيا، ويشكر الله على ذلك، ويشكر المعطي، فيدعو له ويثني عليه مع رؤية النعمة من الله سبحانه، قال رسول الله (ص): " من لم يشكر الناس لم يشكر الله ". وقال الصادق (ع): " لعن الله قاطعي سبيل المعروف قيل: وما قاطعوا سبل المعروف؟ قال: الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره "[8] وقال أمير المؤمنين (ع): " من صنع بمثل ما صنع إليه فانما كافاه، ومن ضعفه كان شكوراً، ومن شكر كان كريما ".

وينبغي له أيضاً أن يستر عيوب صاحب العطاء، ولا يذمه ولا يحقره ولا يعيره بالمنع إذا منع، ويفخم عند نفسه وعند الناس اعطاءه، بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة، لئلا يكون مشركا، وأن يتوقى مواقع الحرمة والريبة والشبهة في أصله ومقداره، فلا يأخذ ممن لا يحل ماله أو يشتبه، كعمال السلاطين والجنود ومن أكثر كسبه من الحرام، ولا الزيادة على قدر الحاجة، ولا يسأل على رؤس الملأ ممن يستحي الرد، وأن يتورع العالم والمتقى من أخذ الزكاة والصدقات ما لم يضطر إليها، تنزيهاً لنفسه عن الأوساخ، وأن يستر الاخذ بنية أنه أبقى لستر المروة والتعفف، وأصون لنفسه عن الاهانة والاذلال، واعون للمعطي على الاخفاء والأسرار، واسلم لقلوب الناس من الحسد وسوء الظن، أو يظهره بنية الإخلاص والصدق وإظهار المسكنة والعبودية، والتبرى عن الكبر، وتلبيس الحال وإقامة سيئة الشكر أو غير ذلك. فانه يختلف باختلاف النيات والأشخاص والأحوال، ولكل امرئ ما نوى، وكل مراقب للأحوال عارف بالفوائد والمفاسد، يمكنه الأخذ بالأنفع الأرجح.

 

تميم

زكاة الأبدان

اعلم أنه كما في المال زكاة فكذلك للبدن زكاة، وهو نقصه ليزيد الخير والبركة لصاحبه. وهذا النقص إما أن يكون اختياراً، بأن يصرف في الطاعة ويمنع عن المعصية، أو اضطراراً، بأن يصاب بمرض وآفة. قال رسول الله (ص) يوماً لأصحابه: " ملعون كل مال لا يزكى، ملعون كل جسد لا يزكى، ولو في كل أربعين يوماً مرة. قيل له: يا رسول الله، أما زكاة المال فقد عرفناها، فما زكاة الأجساد؟ قال (ص): أن يصاب بآفة ". فتغيرت وجوه الذين سمعوا منه ذلك، فلما رآهم قد تغيرت الوانهم، قال: " هل تدرون ما عنيت بقولي؟ فقالوا: لا يا رسول الله! قال: إن الرجل يخدش الخدشة، وينكب النكبة، ويعثر العثرة ويمرض المرضة، ويشاك الشوكة، وما اشبه هذا..."، حتى ذكر في حديث اختلاج العين. وقال (ص): " لكل شيء زكاة، وزكاة الأبدان الصيام ". وقال الصادق (ع): " على كل جزء من اجزائك زكاة واجبة لله عز وجل بل على كل منبت شعر من شعرك، بل على كل لحظة من لحاظك زكاة. فزكاة العين: النظرة بالعبرة[9] والغض عن الشهوات وما يضاهيها. وزكاة الاذن: استماع العلم والحكمة والقرآن، وفوائد الدين من الموعظة والنصيحة، وما فيه نجاتك، وبالإعراض عما هو ضده من الكذب والغيبة واشباههما. وزكاة اللسان: النصح للمسلمين، والتيقظ للغافلين، وكثرة التسبيح والذكر وغيرها. وزكاة اليد: البذل والعطاء والسخاء بما أنعم الله عليك به، وتحريكها بكتابة العلم ومنافع ينتفع بها المسلمون في طاعة الله تعالى، والقبض عن الشر. وزكاة الرجل: السعى في حقوق الله، من زيارة الصالحين، ومجالس الذكر، واصلاح الناس، وصلة الأرحام، والجهاد وما فيه صلاح قلبك وسلامة دينك "[10].

وثانيها:

 

الخمس

وقد فرضه الله تعالى على عباده صوناً لذرية نبيه (ص) عن الافتقار، وتنزيهاً لهم عن الصدقات التي هي أوساخ الناس، فقال سبحانه:

" واعلموا إنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وإن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، والله على كل شيء قدير "[11].

والمستفاد من الآية: أن مانع الخمس لا إيمان له. وقال أمير المؤمنين (ع): " هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لأنهم لا يؤدون إلينا حقنا ". ولا ريب في عظم الثواب والأجر في أدائه وإيصاله إلى أهله، وكيف لا وهو إعانة ذرية الرسول (ص) وقضاء حوائجهم، وقد قال رسول الله (ص): " حقت شفاعتي لمن أعان ذريتي بيده ولسانه وماله "[12]. وقال (ص): " أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه " وقال (ص): " من اصطنع إلى أحد من أهل بيتي يداً، كافيته يوم القيامة ". وعن الصادق (ع) قال: " إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: آيها الخلائق، أنصتوا، فإن محمداً يكلمكم. فتنصت الخلائق، فيقوم النبي (ص) فيقول: ما يعشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه. فيقولون: بآبائنا وأمهاتنا! وأي يد وأي منة وأي معروف لنا؟! بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق. فيقول لهم: بلى! من آوى أحداً من أهل بيتي، أو برهم، أو كساهم من عرى، أو اشبع جائعهم، فليقم حتى اكافيه. فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله: يا محمد، يا حبيبي، قد جعلت مكافاتهم إليك، فأسكنهم من الجنة حيث شئت. قال: فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم "[13]. وقد ظهر مما تقدم بعض ما تعلق به من الأسرار والآداب والشرائط الباطنة.

وينبغي أن يكون معطيه في غاية الحذر عن استعظامه وعن المن والأذى وأن يكون في غاية التخضع والتواضع للذريه العلوية عند اعطائه إياهم، ويعلم أنه عبد من عباد الله، أعطاه مولاه نبذاً من امواله، ثم امره بأن يوصل قليلا منها إلى ذرية نبيه (ص)، وجعل له أيضاً في مقابلة هذا الإيصال زيادة المال في الدنيا وعظيم الأجر والثواب في العقبى فما أقبح بالعاقل ـ مع ذلك ـ أن يستعظم ما يعطيه، ويمن على أولاد نبيه (ص).

ثالثها:

 

الأنفاق على الأهل والعيال

 والتوسع عليهم. وهو أيضاً من الواجبات، على النحو المقرر في كتب الفقه. وما ورد في مدحه وعظم أجره أكثر من أن يحصى، قال رسول الله (ص): " الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله "[14] وقال (ص): " خيركم خيركم لأهله ". وقال (ص): " المؤمن يأكل بشهوة أهله، والمنافق يأكل أهله بشهوته "[15] وقال: " أفضل الصدقة صدقة عن ظهر غنى، وأبدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى، ولا يلوم الله على الكفاف "[16] وقال (ص): " دينار أنفقته على أهلك، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، واعظمها أجراً الدينار الذي أنفقته على أهلك ". وقال (ص): " ما أنفق الرجل على أهله فهو صدقة، وأن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى فم امرأته ". وقال (ص): " من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة ". قال (ص): " من كانت له ثلاث بنات، فانفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه أوجب الله تعالى له الجنة، إلا أن يعمل عملا لا يغفر الله له ". وقال (ص) يوما لاصحابه: " تصدقوا. فقال رجل: إن عندي ديناراً. قال: أنفقه على نفسك. فقال: إن عندي آخر قال أنفقه على زوجتك. قال: إن عندي آخر. قال: أنفقه على ولدك. وقال: إن عندي آخر. قال: أنفقه على خادمك. قال: إن عندي آخر. قال (ص): أنت أبصر به "[17]. وقال (ص): " ملعون ملعون من ألقى كله على الناس ملعون ملعون من ضيع من يعوله! "، وقال (ص) لأمير المؤمنين (ع) بعد ما رآه في البيت ينقي العدس، وفاطمة (ع) جالسة عند القدر: " اسمع يا أبا الحسن، وما أقول إلا من أمر ربي: ما من رجل يعين امرأته في بيتها، إلا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه الله من الثواب مثل ما أعطاه الصابرين وداود النبي ويعقوب وعيسى (ع). يا علي، من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف، كتب الله اسمه في ديوان الشهداء، وكتب له بكل يوم وليله ثواب ألف شهيد، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة وأعطاه الله بكل عرق في جسده مدينة في الجنة. يا علي، ساعة في خدمة البيت خير من عبادة ألف سنة، والف حجة، والف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة، والف غزوة، والف مريض عاده، والف جمعة، والف جنازة، والف جائع يشبعهم، والف عار يكسوهم، والف فرس يوجهه في سبيل الله، وخير له من ألف دينار يتصدق على المساكين، وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ومن الف أسيرة اشتراها فأعتقها، وخير له من الف بدنة يعطى للمساكين، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه في الجنه. يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنه بغير حساب. يا علي، خدمة العيال كفارة للكبائر، وتطفئ غضب الرب، ومهور حور العين، وتزيد في الحسنات والدرجات. يا علي، لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد، أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة "[18].

وقال السجاد (ع): " أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله " وقال (ع): " لئن ادخل السوق، ومعي دراهم ابتاع لعيالى لحما، وقد قرموا[19] إليه، أحب إلي من أن أعتق نسمة ". وقال الصادق (ع): " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعوله ". وقال (ع): " من سعادة الرجل أن يكون القيم على عياله ". وقال الكاظم (ع): " إن عيال الرجل اسراؤه، فمن انعم الله عليه نعمة فليوسع على اسرائه، فان لم يفعل أوشك أن تزول النعمة ". وقال أبو الحسن الرضا (ع): " ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته ". وقال (ع): " صاحب النعمة يجب عليه التوسعة على عياله "[20]. والأخبار الواردة في ثواب الإنفاق على العيال وخدمتهم والتوسع عليهم مما لا تعد كثرة. وما ذكرناه كاف لإيقاظ أهل الاستبصار.

 

فصل

ما ينبغي في الإنفاق على العيال

ينبغي لطالب الأجر والثواب في إنفاق العيال: أن يقصد في كده وسعيه في تحصيل النفقة وفي إنفاقه وجه الله وثواب الآخرة، إذ لا ثواب بدون القربة، وأن يجتنب عن تحصيل الحرام والشبهة، ولا يدخل على عياله إلا الحلال، إذ أخذ الحرام وإنفاقه أعظم الذنوب وأشد المعاصي، وان يقصد في التحصيل والإنفاق، فليحترز عن الإقتار لئلا يضيع عياله وعن الإسراف لئلا يضيع عمره في طلب المال، فيكون من الخاسرين الهالكين. قال سبحانه:

" وكلوا واشربوا ولا تسرفوا "[21]. وقال: " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط "[22]. وقال: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً "[23].

وعن الصادق (ع): " أنه تلا هذه الآية: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً "، فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده، فقال: هذا الإقتار الذي ذكره الله في كتابه. ثم أخذ قبضة أخرى، فأرخى كفه كلها، ثم قال: هذا الإسراف. ثم أخذ قبضة أخرى، فأرخى بعضها وامسك بعضها، وقال: هذا القوام "[24] وينبغي ألا يستأثر نفسه أو بعض عياله بمأكول طيب، ولا يطعم سائرهم منه، فان ذلك يوغر الصدر ويبعد عن المعاشرة بالمعروف، إلا أن يضطر إليه، لمرض أو ضعف أو غير ذلك. وينبغي ألا يصف عندهم طعاماً ليس يريد إطعامهم إياه، وأن يقعد عياله كلهم على مائدة عند الأكل فقد روى: " ان الله وملائكته يصلون على أهل بيت يأكلون في جماعة ".

وأما الامور المستحبة من الأنفاق، الداخلة تحت السخاء، فأولها:

 

صدقة التطوع

وفضلها عظيم، وفوائدها الدنيوية والأخروية كثيرة. قال رسول الله (ص): " تصدقوا ولو بتمرة، فإنها تسد من الجائع وتطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار ". وقال (ص): " اتقوا النار ولو بشق تمرة، فان لم تجدوا فبكلمة طيبة " وقال (ص): " ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيبا، إلا كان الله آخذها بيمينه، فيربيها له كما يربى أحدكم فصيله، حتى تبلغ التمرة مثل أحد ". وقال (ص): " ما احسن عبد الصدقة إلا أحسن الله عز وجل الخلافة على تركته ". وقال (ص): " كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضي بين الناس " وقال (ص): " أرض القيامة نار، ماخلا ظل المؤمن، فان صدقته تظله ". وقال (ص): " إن الله لا أله إلا هو، ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة، والحرق والغرق، والهدم والجنون... " وعد سبعين باباً من الشر. وقال (ص): " صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل "[25]. وقال (ص): " إذا أطرقكم سائل ذكر بالليل فلا تردوه ".

وفائدة التخصيص بالذكر والليل: أن من يسألك ليلا في صورة الإنسان، يحتمل أن يكون ملكاً أتاك للامتحان، كما روى: " أنه سبحانه أوحى إلى موسى بن عمران (ع)، وقال: يا موسى، أكرم السائل ببذل يسير أو برد جميل، إنه يأتيك من ليس بانس ولا جان، بل ملائكة من ملائكة الرحمن، يبلونك فيما خولتك، ويسألونك فيما نولتك، فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران ". ولذلك حث رسول الله (ص) على عدم رد السائل، وقال: " اعط السائل ولو على ظهر فرس ". وقال (ص): " لا تقطعوا على السائل مسألته فلولا أن المساكين يكذبون ما افلح من ردهم " وقال الباقر (ع): " البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء، وقال الصادق (ع): " داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء، واستنزلوا الرزق بالصدقة، فإنها تفك من بين لحى سبعمائة شيطان، وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن وهي تقع في يد الرب تعالى قبل أن تقع في يد العبد " وقال (ع): " الصدقة باليد تقي ميتة السوء، وتدفع سبعين نوعاً من البلاء، وتفك عن لحى سبعين شيطاناً كلهم يأمره ألا يفعل ". وقال (ع): " يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده، ويأمره أن يدعو له ". وقال (ع): " باكروا بالصدقة، فان البلاء لا يتخطاها، ومن تصدق بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فان تصدق اول الليل دفع الله شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة ". وكان (ع) إذا أعتم ـ أي صلى العتمة ـ وذهب من الليل شطره، أخذ جراباً فيه خبز ولحم ودراهم، فحمله على عنقه، ثم ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة، فقسمه فيهم ولا يعرفونه، فلما مضى أبو عبد الله (ع)، فقدوا ذلك فعلموا أنه كان أبا عبد الله ـ (ع) وسئل (ع) عن السائل يسأل ولا يدرى ما هو، فقال: " اعط من اوقع في قلبك الرحمة ". وقال (ع) في السؤال: " اطعموا ثلاثه، وان شئتم أن تزدادوا فازدادوا، وإلا فقد أديتم حق يومكم " وقال (ع) في الرجل يعطى غيره الدراهم يقسمها، قال: " يجرى له من الأجر مثل ما يجرى للمعطي، ولا ينقص من أجره شيئاً. ولو أن المعروف جرى على سبعين يد، لأوجروا كلهم من غير أن ينقص من أجر صاحبه شيء". وقد وردت أخبار كثيرة في فضل تصدق الماء وثوابه، قال أمير المؤمنين (ع): " أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء يعنى في الأجر ". وقال أبو جعفر (ع): " إن الله تعالى يحب إبراد الكبد الحراء، ومن سقى الماء كبداً حراء، من بهيمة وغيرها أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ". وقال الصادق (ع): " من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء، كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء، كان كمن احيى نفساً، ومن أحيى نفساً فكأنما احيى الناس جميعاً ".

(تنبيه): سئل رسول الله (ص): " أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تتصدق وأنت صحيح، تأمل البقاء وتخشى الفاقة، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا ".


[1] صححنا الحديث على (الوافي): 6/290، كتاب الزكاة باب 57 المعروف وفضله.

[2] البقرة، الآية: 267.

[3] آل عمران، الآية: 92.

[4] النحل، الآية: 62.

[5] التوبة، الآية: 105.

[6] صححنا الحديث على (الوافي): 6/262، باب فضل الصدقة.

[7] يوسف، الآية: 106.

[8] صححنا الحديث على (الكافي): 4/33، كتاب الزكاة، باب من كفر المعروف. ط طهران 1377هـ.

[9] في نسخ (جامع السعادات): " النظر بالعبر"، ولعله الأولى.

[10] صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 22، وفيه اختلاف كثير عن نسخ (جامع السعادات) بما لم يخرج عن المعنى.

[11] الأنفال، الآية: 41.

[12] صححنا هذا الحديث على (جامع الأخبار): الباب2، الفصل6.

[13] صححنا الأحاديث الثلاثة الأخيرة على (الوسائل): كتاب الأمر بالمعروف أبواب الأمر بالمعروف، الباب17.

[14] صححنا الحديث على (الوسائل): كتاب التجارة، أبواب مقدماتها، الباب22. وروى الحديث في (المستدرك) عن (غوالى اللئالى).

[15] صححنا الحديث على (الوسائل): كتاب النكاح، أبواب النفقات، الباب21. وكذا الحديث الآتي: " ملعون ملعون... ".

[16] صححنا الحديث على (الوافي): 6/289، وهو بمضمونه من المشهورات التي يرويها العامة والخاصة.

[17] صححنا الحديث على (أحياء العلوم): 1/203.

[18] صححنا الحديث على (جامع الأخبار): الباب8، الفصل3، طبع بمبنى سنة 1338، ولم نعثر على الحديث في الكتب المعتبرة. إلا انه في (مستدرك الوسائل) نقله عن (جامع الأخبار) نفسه في أبواب مقدمات التجارة: الباب17.

[19] قال في (الوافي): 6/288، باب التوسع على العيال، في شرح هذا الحديث: " القرم: شدة شهوة اللحم ".

[20] صححنا الأحاديث، ابتداء من الرواية عن السجاد، على (الوسائل): كتاب النكاح، أبواب النفقات، الباب 20و 21.

[21] الأعراف، الآية: 31.

[22] الإسراء، الآية: 29.

[23] الفرقان، الآية: 67.

[24] صححنا الحديث على (الوافي): 6/296. باب فضل القصد بين الإسراف والتقتير.

[25] الأخبار النبوية المذكورة في هذا الفصل اغلبها عامية صححناها على (إحياء العلوم): ج1 بيان فصيلة الصدقة.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست