:الموضوع |
الدرس
الثامن عشر كان
البحث حول الفضائل والرذائل الأخلاقية.
وبحث اليوم حول فضيلة عالية جداً بحيث
يجب أن تكون جميع الأعمال والأقوال
والأفكار مصبوغة بلون هذه الفضيلة. وتلك
الفضيلة هي الإخلاص في العمل. وكلمة
"الاخلاص" و"الخلوص" كلمة
مقدسة. وعندما يفكر الإنسان بهذه الكلمة
يجد الفرح والنشاط في نفسه. وكأن هذه
الكلمة ممتلئة نوراً وتشع بالنور. والرياء
والتظاهر ضد هذه الكلمة، سنتحدث عنها في
المستقبل بمشيئة الله تعالى ولطف بقية
الله عجل الله تعالى فرجه الشريف. وكلمة
"الرياء" و"التظاهر" كلمة
مظلمة جداً وكلمة شؤم، وبمجرد أن يتصورها
الإنسان يجدها مظلمة من رأسها إلى مقدمها. وأما
كلمة "الاخلاص" و"الخلوص" فهي
مقدسة. ويقبل هذا حتى غير المسلمين أو من
لا دين له. الخلوص
حالة للإنسان تكون أعماله واقواله
مظهراً لها. وإذا كانت صفحة الخلوص حاكمة
على قلب إنسان فستكون أقواله مخلصة،
أعماله مخلصة، ولا شيء في نظره غير الله.
وإذا استطاع الإنسان أن يصبغ جميع أقواله
وأفعاله بصبغة الإخلاص فانه أمر جيد،
يقول القرآن: (صبغة
الله ومن أحسن من الله صبغة)(1). أي
أن أحسن صبغة هي صبغة الله، وكذلك يقول
القرآن الشريف: ان الدين جاء أصلاً من أجل
العبادة، لا صرف العبادة، بل العبادة
التي فيها لون الخلوص. (وما
أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
حنفاء)(2). لم
يؤمروا بغير العبادة، ولكن العبادة
المصبوغة بلون الخلوص، والذي يريد أن
يكون عمله نورانياً ومملوءاً بركة، وفيه
خير الدنيا والآخرة، يجب أن يكون ساعياً
لا في صلاته وصيامه فقط بل لتكون جميع
أعماله مصبوغة بهذه الصبغة؛ لتكون جميع
أعماله مخلصة، فمثلاً المرأة التي تقوم
بأعمال المنزل وترعى زوجها وأطفالها إذا
أرادت سعادة الدنيا والآخرة، إذا أرادت
لبيتها أن يزدهر ويمتلئ فرحاً؛ إذا أرادت
أن يكون لها أولاد صالحون، وإذا أرادت
محبة زوجها، فيجب عليها أن ترعى زوجها
وأولادها في سبيل الله، أن يكون في عملها
صبغة الله، وصبغة الله هذه تجعل أعمالها
مباركة وتعطي لها ثواب المجاهدين في
الخطوط الأمامية للجبهة. وكلما كان
الخلوص أكبر كان ثوابه أكثر، حتى يصل
درجة تعطي هذه المرأة ثواب الشهيد. وكذلك
الرجل فبالإضافة إلى أن عليه الإخلاص في
صلاته وصيامه يجب عليه الإخلاص في أعماله
الدنيوية. أي ينبغي أن يكون الاخلاص
أيضاً في المشقة التي يتحملها في سبيل
رفاه زوجته وأطفاله ليحفظ ماء وجهه، أي
يكون عمله قربة إلى الله تعالى،
فبالإضافة إلى البركة والنورانية يعطى
ثواب الشهادة أيضاً، وكلما كانت درجات
الخلوص أكثر كان ثواب هذا الرجل أكثر،
ويمكن أن يرفع الإخلاص قيمة عمل ما إلى حد
يكون أفضل من الدنيا والآخرة. يقول
الرسول الأكرم (ص): "ضربة
علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين"(3). ذلك
السيف الذي ضرب فيه أمير المؤمنين (ع) رأس
عمرو بن عبد ود وتلك الضربة ثوابها أفضل
من عبادة الجن والإنس، أي لو جعلنا عبادة
جميع الإنس والجن في جهة وثواب تلك
الضربة في جهة أخرى لكان ثواب تلك الضربة
أفضل، لأن فيها صبغة الإخلاص، إخلاص أمير
المؤمنين (ع). وهناك قضية ينقلها مولوي
وآخرون، وهي أنه عندما أسقط علي (ع) عمراً
على الأرض ليحز رأسه صدر منه فعل بقصد
إهانة علي، فقام علي (ع)، وفي ذلك الظرف
العجيب الذي كان يضطرب فيه المسلمون، وفي
ذلك الظرف الذي قال فيه النبي (ص) لما برز
علي (ع) إلى الميدان: "برز
الإيمان كله إلى الشرك كله"(4). أي
أن الإيمان والشرك صار وجهاً لوجه. أي أنه
إذا خسر علي خسر المسلمون جميعاً، وإذا
خسر عمرو خسر المشركون جميعاً. في ذلك
الظرف العجيب والاستثنائي ترك أمير
المؤمنين (ع) عمراً. سار عدة أقدام ثم جثا
على صدره وقطع رأسه. فسأل النبي (ص) علياً (ع)
عن سبب تأخير قطع رأس عمرو. فقال علي: يا
رسول الله لقد أهانني فغضبت منه فلو قطعت
رأسه حينئذٍ لم يكن جميع عملي خالصاً لله
تعالى بل كان جزء منه انتقاماً لنفسي،
فأردت أن يكون جميع عملي خالصاً له
سبحانه، ولهذا قمت عنه وتمشيت قليلاً حتى
ذهب عني الغضب وحينئذٍ رجعت إليه وقطعت
رأسه ليكون عملي مائة بالمائة لله تعالى.
لم تكن أكثر من ضربة بالسيف ولكنها "أفضل
من عبادة الثقلين" لأنها قد صبغت
بالإخلاص، وذلك أيضاً إخلاص أمير
المؤمنين (ع). وبالإضافة
إلى ذلك فان ثلاثمائة آية في القرآن نزلت
في شأن علي (ع)، وقد أجمع على ذلك الشيعة
والسنة. وبين تلك الآيات آية تسمى آية
الولاية ليس في القرآن أفضل منها، وهي
مفتخر للشيعة. وهذه
الآية الشريفة دليل جيد على ولاية أمير
المؤمنين (ع) وعلى كونه الخليفة بلا فاصلة
بعد رسول الله (ص) من وجهة نظر الشيعة
وكثير من علماء أهل السنة. وتلك الآية
الشريفة هي: (إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(5). مديركم
ووليكم الله ورسوله الذين آمنوا، الذين
وبالإضافة إلى الإيمان يهتمون بشأن
الفقراء والضعفاء ويؤتون الزكاة وهم في
أثناء الركوع. وقد وضعت هذه الآية
الشريفة ولاية أمير المؤمنين (ع) إلى جانب
ولاية النبي (ص) وولاية الله تعالى. وقد
نزلت هذه الآية في شأن أمير المؤمنين (ع)،
عندما كان (ع) في صلاة مستحبة فدخل فقير
إلى المسجد ولم يعطه أحد شيئاً واراد أن
يخرج يائساً من المسجد، وكان علي في حال
الركوع فمد يده، ففهم ذلك الفقير وأخذ
الخاتم من اصبع علي، فنزلت هذه الآية
الشريفة في هذه الأثناء. وأنا
أظن بأن هذا الخاتم كان رخيص الثمن لأن
المسلمين كانوا في ذلك الوقت في ضائقة
عجيبة، ومن المعلوم أن أمير المؤمنين (ع)
لا يتختم بخاتم غالي الثمن، إذ لم يكن من
عادته (ع) أن يلبس شيئاً ثميناً، فقد كان
لباسه من الكرباس، بسيطاً جداً، وكان
حذاءه بسيطاً جداً، والشيء الوحيد الذي
لم يكن بسيطاً هو سيفه ذو الفقار الذي جاء
به جبرائيل من عالم الغيب، وإلا فان جميع
وسائل أمير المؤمنين (ع) كانت بسيطة جداً،
ومن جملتها خاتمه، ولكن قد طلي بصبغة
الإخلاص، ولقد أعطى هذا الخاتم قيمة بحيث
أن عمر قال: أنا مستعد أن أعطي الدنيا إن
كنت أملكها وقوافل الإبل إن كنت أملكها،
وتكون هذه الآية نازلة في شأني. وبعد
هذه القضية تخيلوا بأن كل من يتصدق في
الركوع تنزل في حقه آية! ولهذا كانوا
يتصدقون أثناء الركوع ولم يعلموا بأن
الحساب حساب آخر، ليس حساب التصدق
بالخاتم في ركوع الصلاة بل حساب إخلاص
أمير المؤمنين (ع). وانصافاً
إذا قيل بأن قيمة آية الولاية تعادل قيمة
عالم الدنيا والآخرة لم يكن جزافاً. وإذا
قيل بأن قيمة آية الولاية تساوي قيمة
الجنة لم يكن خطأ. وقد أعطى الله سبحانه
هذه الآية لعلي (ع) ثواباً لأن علياً لم
يعمل من أجل الثواب. من
يعمل لله فقط لا للثواب فان ثوابه سيكون
عظيماً. العمل للثواب أمر جيد. وإذا
استطاع أحد أن تكون عباداته وأعماله
المنزلية وأعماله الاجتماعية مخلصة ومن
أجل رضا الله سبحانه فهو أمر مهم جداً. وفي
الحديث: "تفكر
ساعة خير من عبادة سنة". أو
على ما نقله استاذنا الكبير الإمام قدس
سره: "تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة"
أو "سبعين سنة". أي أن هناك رواية
تقول ان تفكير لحظة في تحصيل العلم
واكتشافه وفي تحصيل الحقيقة واكتشافها
تعادل عبادة سنة، ورواية أخرى تقول تعادل
ستين سنة، ورواية ثالثة تقول تعادل سبعين
سنة. لماذا هذا الاختلاف؟ لأن ميزان
الإخلاص كان مختلفاً، فكلما كان الإخلاص
أكثر كلما ازدادت قيمته أكثر حتى يعادل
عبادة ستين سنة أو سبعين سنة، إلى أن يصل
إلى درجة يكون "أفضل من عبادة الثقلين". ويقول
استاذنا الكبير العلامة الطباطبائي (ره):
هذا الإخلاص صبغة عجيبة. فإذا صادف شيئاً
صغيراً، شيئاً بحسب الظاهر لا قيمة له
أصلا، صار كالكبريت الأحمر، وإذا لم
تصادف هذه الصبغة شيئاً، فمهما كان ذلك
الشيء ذا قيمة عالية ظاهراً فانه لا
يساوي في الحقيقة جناح ذبابة. ولكلام
العلامة الطباطبائي أصل روائي وقرآني. ـ
رواية من منية المريد حول الإخلاص: نقل
المرحوم الشهيد في كتاب منية المريد
رواية تقول: جيء بشخص إلى صف المحشر وسئل
ماذا كان عملك؟ فقال: قضيت سبعين سنة من
عمري في ترويج أحكام الدين، وكان كلامي
قال الباقر وقال الصادق، وأخيراً فقد
طالعت في العلوم الدينية كثيراً حتى صرت
عالماً. تحملت المشقة سبعين عاماً في
سبيل دين الله، وصار شعري أبيض في سبيل
الدين. فيأتي
الخطاب: نعم ولكن كان هذا منك لأجل أن
يقال لك ما أكثر علمك! قضى سبعين عاماً من
عمره ولكن بدون إخلاص. ويأتي الخطاب:
ألقوه في جهنم. ويقول:
ثم يؤتى بشخص آخر إلى صف المحشر فيقال له:
ما كان عملك؟ فيقول: لقد جمعت خلال عمري
مالاً كثيراً، ولكن كل ما جمعته أعطيته
للفقراء والضعفاء. سبعون عاماً من عمري
قضيتها في خدمة خلق الله. فيأتي الخطاب:
نعم لقد كنت إنساناً خيراً ورأى الناس من
يدك خيراً كثيراً ولكن لماذا كان منك هذا
العمل؟ كان من أجل أن يقال لك: بارك الله
فيك إنك إنسان خير ومحب للخير. كان عملك
تظاهراً ورياءً ولم يكن قربة لله. وهذا
يجب أن يذهب أيضاً إلى جهنم. ثم
يؤتى بشخص ثالث إلى صف المحشر ويقال له:
ماذا كان عملك؟ فيقول: كنت مجاهداً في
الخطوط الأمامية من جبهات القتال، ضربت
وقتلت حتى استشهدت. فيأتي الخطاب: نعم
ذهبت إلى الجبهة وقتلت الأعداء حتى قُتلت
ولكن من أجل ماذا؟ من أجل أن يقال ما أكثر
شجاعته. نعم هذا الشخص الذي كان في الجبهة
نراه هنا لم يكن عمله في سبيل الله وليس
لعمله تلك الصبغة. ويأتي الخطاب: ألقوه
أيضاً في نار جهنم. لكن يأتون بمذنب إلى
صف المحشر، وعندما ينظر إلى حسابه وكتابه
يرى بأن مصيره إلى جهنم لأن أعماله خفيفة
وذنوبه ثقيلة، ولكنه قد ذرفت عيناه قطرة
من الدمع في إحدى الليالي في سبيل الله،
فبكى لذنوبه، وذرفت عيناه قطرة من الدمع
في عزاء الإمام الحسين (ع)، ومن أجل
الإمام الحسين فقط لا من أجل نفسه، لأن
بكاءنا نحن من أجل أنفسنا لا من أجل
الإمام الحسين (ع)، فيغفر لهذا ويدخل
الجنة. عندما
نقيم عادة مجالس العزاء والمساجد وليالي
الإحياء نرى أنّ كل شخص قد جاء لأجل
مشاكله الخاصة. والذين جاؤوا قربة لله
قليل جداً. وفي
الرواية أن من صلى ركعتين قربة إلى الله
حقيقة فإن الجنة واجبة له. وإذا استطاع
أحد أن يقدم عمله إلى يوم القيامة قائلاً
إلهي هذا العمل قربة لك، فان دنياه تكون
عامرة وآخرته أيضاً. يقول
أحد أهل الكشف والشهود: كنت عند رأس
الإمام الحسين (ع) أبث إليه همّ قلبي،
فجاء شاب دخل وسلّم، فرد عليه الإمام (ع)
وعظم هذا الشاب، ولكن ذلك الشاب لم يرَ
الإمام، فتعجبت من جواب الإمام على سلامه
وتعظيمه له. فقلت في نفسي: يجب أن أعلم
ماذا فعل هذا الشاب حتى وصل إلى هذا
المقام. وعندما
أتمّ زيارته، ذهب الشاب خارجاً، فذهبت
أيضاً على أثره، وقلت له: يا شاب ماذا
عملت جديداً حتى وصلت إلى هنا؟ وحكيت له
القضية. فقال الشاب: الحقيقة كانت لي ابنة
عم وقد أمرني أبي أن أتزوج منها، ولم أكن
أرغب فيها ولكن من أجل إطاعة والدي قربة
إلى الله تعالى تزوجتها. وفي ليلة الزفاف
التفت إلى وجود نقص في بدنها، ولكني صبرت
قربة إلى الله تعالى وحتى لا يذهب ماء
وجهها وحذراً من إزعاج والدي أيضاً، ولم
أخبر أحداً بالموضوع. وكذلك فقد حملت
والدي على كتفي وأتيت به من قريتنا إلى
كربلاء، وقد جئت به عدة أيام إلى الحرم
وتوفي البارحة فدفنته وأتيت تواً لوداع
الإمام الحسين (ع). يقول
هذا الرجل الذي هو من أهل الكشف: فعلمت أن
اللقاء مع الإمام الحسين (ع) والأئمة
الآخرين (ع) هو في القرب من الله سبحانه،
وليس هو في كثرة الذهاب إلى كربلاء ومشهد.
بل المسألة شيء آخر. (شعر): لو
كنت في اليمن وقلبك معي فأنت عندي
وإن
كنت عندي وقلبك ليس معي فكأنك في اليمن لم
يشاهد أويس القرني النبي الأكرم (ص) ولكن
عشق النبي كان راسخاً في قلبه إلى درجة
أنه عندما كسرت رباعية النبي فان رباعيته
كسرت أيضاً وهو في اليمن مع ما بينهما من
فاصلة بعيدة. لقد كانت العلاقة عجيبة بين
أويس والنبي. وينقل المولوي أنه عندما
جاء أويس إلى المدينة كان النبي (ص) قد ذهب
في غزوة له. فرجع أويس لأن أمه أوصته أن
يرجع سريعاً. وحينما وصل النبي المدينة
قال: أرى هنا نور الله واشم رائحة الله. أي
أن أويساً القرني نور الله ورائحة الله.
وهذا لا أفهمه أنا ولا من هو أعلى مني ولا
أنتم أيضاً تفهمونه. ولكن توجد أشياء في
هذا العالم لا نفهمها. يوجد غوغائية في
هذا العالم. (شعر): نحن
نسمع ونبصر ونفهم لكننا معكم أيها
الأجانب (غير المحارم) خرس. ولكننا
نعلم أن أويساً القرني وصل إلى هذه
الدرجة بإخلاصه بحيث يقول النبي (ص): ارى
نور الله في المدينة، لأن أويساً القرني
على حد تعبير الإمام قدس سره: سحق بقدمه
على شهوة عقله؛ فلم يترجل عن بعيره ورجع
ولم يرَ النبي. فهل
يمكننا أن نجد الدرجة الأولى للإخلاص؟
فيكون عملنا حقاً في سبيل الله، وحينئذٍ
يقل ما نتوقعه من الآخرين. (لا ننتظر
أحداً يقول لنا أحسنتم وبارك الله فيكم.
ولكن ذلك الذي لا يكون عمله خالصاً لله
تعالى يتضجر إذا لم يُقل له بارك الله
فيكم، وتراه يزعق كم قد عملت من أجلكم
ولكن لم تقولوا "أحسنت" ولو لمرة
واحدة، وأما إذا كان العمل لله تعالى
فالله تعالى هو الذي يقول لكم أحسنتم. وكل
من قال له الله "أحسنتم" فليعلم بأن
جميع العالم يقول له "أحسنتم". (إن
الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم
الرحمن وداً)(6). يقول:
ان من يعمل لله تعالى بصدق وعلى ضوء
إيمانه فان رب العالمين سيجعل محبته في
القلوب حتى يحبهم الجميع. ويقول
الإمام الصادق (ع): "من
أراد عزاً بلا عشيرة، وغنىً بلا مال،
وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذل معصية
الله إلى عز طاعته"(7). إذا
كنت تريد أن تكون عزيزاً بين أصدقائك،
وإذا كنت تريد الهيبة في قلوب أعدائك،
فاخلع لباس ذل المعصية والبس لباس عز
الطاعة، واتصل بنور الله. ـ
نموذج الإخلاص في القول الأخير: لقد
رأيتم نموذجاً بأم أعينكم ولا يحتاج إلى
الإتيان بمثال من التاريخ. لقد رأيتم
حياة الإمام قدس سره ووفاته، وترون الآن
قبره. وسبب كل هذه العظمة هو شيء واحد فقط
وذلك هو "الإخلاص". مع
أنه لم يكن قبل الثورة صاحب قدرة بحسب
الظاهر. جاء أحد المقربين للشاه إلى قم
والتقى بأحد مراجع التقليد الكبار وقال
له: إننا لا نستطيع أن نأتي باسم آية الله
الخميني، أمام الشاه لأنه يضطرب ويتغير
لونه بمجرد أن يسمع اسمه. ويقول
الإمام قدس سره: في المرة الأولى التي
ألقي فيها القبض عليَّ كانوا يخافون من
أن أصلي إلى أن وصلنا إلى خارج قم، وهناك
خارج قم فقط كانوا على استعداد لايقاف
السيارة لكي أتيمم ثم يكملون المسير.
وعندما تيممت قمت إلى الصلاة في نفس
الوقت. فرأيتم يرتعدون، فسألتهم لماذا
أنتم مضطربون؟ من أي شيء تخافون؟ (مع أنهم
من ذوي الرتب العالية). ثم
رأيتم ان العالم يرتعد منه، والآن تخاف
أمريكا من اسمه أيضاً. ولم نسمع ومنذ وفاة
الرسول الأكرم (ص) وإلى الآن بتشييع
كالتشييع الذي حصل لجنازة الإمام قدس سره.
وليس هناك قبر بُني بهذه السرعة وبمثل
هذه الجلالة. وجميع ذلك من أجل إخلاص
الإمام. بعد
وفاة آية الله العظمى البروجردي لم يكن
مستعداً لقبول المرجعية. ولكن عندما
استجدت بعض الضرورات السياسية تقدم على
الجميع، ووزع المنشورات وأطلق صرخته
المدوية وأخيراً كان يخفق قلبه من أجل
الإسلام، ولم يكن له أي صبغة سوى الإسلام.
وكل هذه العظمة كانت له في الدنيا فضلاً
عن الآخرة. يقول
الله تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به فأنا
جزاؤه إلى الجنة أو شيء آخر الصوم من
العبادات التي يقل تلوثها إذ يقل فيها
التظاهر والرياء. اللهم إلا إذا أفسده
نفس الصائم يروى أنه كان هناك شخص واقف في
الشمس يصلي فقال أحدهم: ما أحسن صلاته!
فقطع هذا الرجل صلاته وقال: وأنا مع ذلك
صائم. فأحياناً
يكون الأمر كذلك، وإذا كان كذلك فدنياه
خربة وآخرته في نار جهنم. الهوامش: (1)
البقرة،
الآية: 138. (2)
البينة،
الآية: 5. (3)
الأنوار:
ج39 ص2. (4)
الأنوار:
ج39 ص3. (5)
المائدة،
الآية: 55. (6)
مريم،
الآية: 96. (7)
الأنوار:
ج75 ص192.
|