النهاية

:الموضوع

ـ ما هي التوبة؟

ـ توبة العوام

ـ توبة الخواص

ـ توبة خواص الخواص

ـ لنكن تائبين دائماً

ـ أنواع الذنوب وكيفية التوبة منها

الدرس الثالث عشر

فضيلة التوبة

ما هي التوبة؟

حالة التوبة من الذنب إحدى الفضائل المطلوبة عند الله بشكل استثنائي أي ينبغي أن يكون للإنسان حالة خضوع وحالة تواضع وحالة إنكسار القلب أمام الله سبحانه والرجوع من النفس الأمارة إلى ذلك البعد الملكوتي هو رجوع من جهة الشيطان إلى جهة الرحمن، ورجوع من هذه الدنيا الفانية والتوجه إلى الآخرة، وأخيراً حالة خضوع وحالة خشوع وتواضع في مقابل الله سبحانه. وهذه حالة. وإذا كان هناك من قول في العمل فيجب أن يصدر عن هذه الحالة لتكون توبة. ومجرد قول "استغفر الله ربي وأتوب إليه" فيه ثواب، وهو ذكر من الأذكار المطلوبة بشكل ملح أيضاً، ولكن إذا كان هذا الذكر نابعاً من القلب يقال له "توبة". وأما إذا كان مجرد لقلقة لسان فهو ليس بتوبة على حد تعبير أمير المؤمنين (ع)، بل ذكر فقط وفيه ثواب. وذلك الذي سبب أن يرد في القرآن الشريف أكثر من مائة آية هو تلك الحالة التي تحصل للقلب إنها شيء يحبه الله جداً. إلى درجة أننا نقرأ في الروايات: "إن الله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها. فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها"(1) وأخيراً يقول القرآن:

(إن الله يحب التوابين)(2).

إن الله يحب الإنسان التائب، والمذنب الذي يعود عن عمله القبيح ويصلح نفسه.

وهو يحب ذلك القلب الذي يطهر بماء التوبة.

وضع القرآن على الرؤوس في هذه الليالي فيه ثواب عظيم، لأنه ثواب ودعاء أيضاً، وكلاهما مطلوبان بشكل أكيد من وجهة نظر القرآن الكريم وأهل البيت ولكن أحياناً يكون مجرد الدعاء وقول "استغفر الله" فقط وقول "العفو" فقط وأمثال ذلك من الذكر والدعاء، وان كان مطلوباً ولكنه لا يكون منتجاً. ليس توبة واقعية، ليس توبة حقيقية. التوبة الواقعية توبة القلب لا توبة اللسان والدعاء الحقيقي دعاء القلب لا دعاء اللسان.

إذا كان القلب خاضعاً ومتواضعاً أمام رب العالمين، ووجدت حالة الخشوع فيه فستجري دموعه شاء أم أبى ويكون لسانه ناطقاً أيضاً بـ"العفو العفو"، وتجد حالة من الخضوع في العين والوجه والبدن وترتفع منه بين الفينة والأخرى "استغفر الله". هذه توبة القلب وإذا أراد أحد التوبة وأن يكون دعاءه نافعاً له فيجب عليه تصفية قلبه؛ يجب إيجاد حالة الخضوع أمام الله سبحانه، وهذا يستمد من ينبوع المعرفة. فكلما كانت معرفة الإنسان بالله أكثر كلما وجدت فيه هذه الحالة أكثر. ويقسم أهل القلوب التوبة إلى ثلاثة أقسام:

توبة العوام:

لدينا توبة لعموم الناس؛ وتلك التوبة هي ان يكون القلب خاضعاً لأنه ارتكب ذنباً. يذكر ذنوبه ومعاصيه أمام الله سبحانه؛ يضطرب قلبه؛ يندم على ماضيه؛ ولا يسير ثانية في ذلك الطريق ويصلح نفسه. ويقال لهذا توبة العوام أو العموم.

توبة الخواص:

التوبة الثانية توبة الخواص. بعض معرفته أكثر. أي يكون خجلاً أمام المكروهات. يكون قلبه خاضعاً وخاشعاً، بكى آدم (ع) مائتي عام على ترك الأولى. وكانت ليونس (ع) في بطن الحوت حالة من التذلل وكان يرى نفسه ظالماً ويقول:

(لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين)(3).

قال ذلك من أجل تركه الأولى حينما خرج عن قومه بدون إذن من الله سبحانه وأخيراً فان بعض الأنبياء وبعض الأفراد الذين يقتدون بالمعصومين يتألمون وتضطرب قلوبهم من المكروهات، ومن الشبهات، وأخيراً من ترك الأولى لأن معرفتهم أكثر من معرفة الآخرين، وبنفس هذا المقدار تتألم قلوبهم وتكون قلوبهم أمام الله ذليلة أكثر؛ وبكاؤهم أكثر.

ونقرأ حول آدم (ع) أنه عندما أخرج من الجنة وجاء إلى هذه الدنيا، لم يرفع رأسه مائتي عام. كان يطأطئ رأسه دائماً حياءً لم يكن قد فعل شيئاً، لم يرتبك ذنباً، كان معصوماً. قيل له فقط لا تأكل من هذه الحنطة، وإذا أكلت منها فيجب أن تخرج من الجنّة. أي أنّه فهم أنّ الله سبحانه يريد منه أن لا يأكل من هذه الحنطة. أكله منها عمل غير جيد؛ مكروه، ومستحب له أن لا يأكل منها. ومن أجل هذا العمل الذي لم يكن في محله ولم يكن ذنباً أيضاً بكى مائتي عام. كان يطأطئ رأسه مائتي عام حتى جاءه جبرئيل وقال: يا آدم إن الله تعالى يقول لك: توسل بأهل البيت وارفع رأسك فإني قد غفرت لك. ونطلق على هذه التوبة توبة الخواص.

 توبة أخص الخواص:

والأعلى رتبة مما سبق هي توبة أخص الخواص، توبة النبي الأكرم (ص) حين يقول: انه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة(4). أي لأجل تطهير قلبي من الالتفات لغير الله. فيستغفر ذلك الاستغفار الذي يخرج من القلب لا من اللسان. وأمير المؤمنين (ع) كان له اتصال مع الناس في النهار، يأكل ويشرب وينام. وهذا الالتفات إلى غير الحق في نظره (ع) ذنب. وهذا ليس من ترك الأولى، ولا إتيان للمكروه، بل وعلى حد تعبير الحاج السبزواري (ره): هو مجرد ذلك الالتفات إلى غير الحق؛ ومعرفة أمير الؤمنين (ع) ومعرفة الزهراء (ع) ومعرفة النبي الأكرم (ص) والأئمة الطاهرين (ع) تقتضي أن يتوجهوا إلى الحق دائماً. ولهذا فإنّ دعاء كميل وذلك البكاء والدموع من أمير المؤمنين (ع)، ودعاء أبي حمزة الثمالي وذلك التضرع والأنين من الإمام السجاد (ع)، وأخيراً تلك الأدعية في مفاتيح الجنان وتلك التضرعات من الأئمة الطاهرين (ع) جميعها تستقي من هذا النبع. فهم تضطرب قلوبهم حقيقة وتخشع أمام الله سبحانه، وخضوعها أمام الله سبحانه أكثر بكثير من خضوع الإنسان المذنب، لأن من كانت معرفته أكثر فان استغفاره وخضوعه أكثر أيضاً. كان النبي يستغفر سبعين مرة في اليوم. وكانت هذه عادته (ع). ولم يكن للزهراء (ع) ذنب أو ترك الأولى، ولكن أحياناً يكون لها التفات لغير الحق، ولهذا كانت تبكي في الأسحار بحيث تملأ دموعها قنينة. ولم يكن أمير المؤمنين (ع) يرتكب ذنباً. ولا يترك الأولى، ولكن قد يلتفت إلى غير الحق أحياناً، وبهذا المقدار من الالتفات لغير الحق كان يضطرب قلبه، ويخضع قلبه ويخشع بحيث يغشى عليه في البستان ويصير كالميت. يقول ضرار بن ضمرة لمعاوية: "فاشهد لقد رأيته في بعض مواقفه؛ وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين"(5) لماذا؟ لأن معرفته بالله أكثر.

 لنكن تائبين دائماً:

والموضوع الآخر الذي يجب أن ينتبه إليه الجميع في ليالي القدر هذه وكذلك بعد هذه الليالي وهو انه يجب ان تبقى التوبة والإنابة حيّة في قلوبنا إلى حين الموت، يجب أن يبقى القلب مضطرباً دائماً مقابل عظمة الخالق تبارك وتعالى. ويجب الالتفات إلى أن الذنب مهما كان نوعه، ومهما كان كبيراً، ومهما كانت الذنوب كثيرة، إذا كانت هذه الحالة موجودة عند الإنسان فان الله تعالى يغفر له. "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"(6).

فإذا تاب أحد من الذنب توبة صادقة فكأنه لا ذنب له أصلاً والإنسان بعد التوبة من الذنب مثل الطفل الذي ولدته أمه تواً.

يتلف ملفه الأسود. وإذا ارتكب أحد معاصي كثيرة ويقول ان الله لا يغفر لي، فنفس هذا الكلام ذنب كبير على شفا حدود الكفر.

وكل من ييأس من روح الله فقد ارتكب معصية كبيرة على شفا حد الكفر. إذ يستطيع الإنسان التوبة مادام قبل الموت، وبناءً على هذا لا ينبغي اليأس من رحمة الله تعالى. ولا ييأس أحد من رحمة الله تعالى إلا إذا لم يكن يعتقد بالله.

ولهذا مهما كان الذنب كبيراً إذا رجع عنه العبد حقيقة وأصلح نفسه، واختلج قلبه، واستشعر الندم على ماضيه، فمن المسلَّم أن الله تعالى يغفر له.

(شعر):

عد إلي عد مهما كنت عُد، لو كنت كافراً أو عابداً للصنم عد.

فعتبتنا هذه ليست عتبة يأس حتى لو كسرت توبتك مائة مرة أيضاً عُدّ.

(إن الله يحب التوابين) أي أن الله تعالى يحب الإنسان التائب ولو أنه نقض توبته سابقاً.

 

اقسام الذنوب وكيفية التوبة منها:

والموضوع الثالث هو أن الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام: وتختلف توبة هذه الأقسام.

الأول: حق الله، مثل قول الكذب الذي هو أحد الذنوب الكبيرة وشرب الخمر الذي هو ذنب كبير جداً، ومثل ذاك الذي قد امتلأت خلايا بدنه من النغمات والموسيقى المبتذلة.

وأفلام الفيديو، ومن هذه الأشرطة المبتذلة التي يُتعامل بها يكون الذنب أحياناً من هذا النوع، ويسمى "حق الله". ما هي توبة هذا النوع من الذنوب؟ يجب إحراق هذه الأشرطة وإتلاف هذه الأفلام، والتنزه عن قول الكذب وشرب الخمور، والندم على ما مضى وإصلاح نفسه وأن لا يرتكب هذه الذنوب ثانية، فإذا أصلح نفسه حقيقة فان الله يغفر له. أو مثل تلك المرأة الرديئة الحجاب إذ هي قد ارتكبت ذنباً عظيماً بعدم ارتدائها الحجاب الكامل. وهذا الذنب كبير إلى درجة انا نقرأ في الروايات ان المرأة إذا تعطرت وشم عطرها رجل ليس من محارمها. فان السماوات والأرض والملائكة والحائط والباب تلعنها، إذا أثارت المرأة شهوة شاب بإظهار جمال وجهها فقد ارتكبت ظلماً، وذنباً كبيراً. ولكن إذا وضعت عباءتها على رأسها وأصلحت حجابها بصورة صحيحة وتركت ما كان منها من عدم الاهتمام بحجابها فان الله تعالى يغفر لها. هذا هو القسم الأول.

القسم الثاني: وهو حق الله أيضاً. ولكن حق الله الذي يجب تداركه. مثل ترك الصلاة. فالإنسان الذي يترك الصلاة فان عمله خطير جداً "من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر" ان مَن ترك الصلاة ليس بمسلم حقيقي، بل هو كافر واقعي ولو كان مسلماً ظاهراً، هو كافر وفي صف الكفار يوم القيامة، وفي صف اليهود والنصارى. وحتى أن القرآن ليقول أكثر من ذلك يقول: إن الإنسان الذي يتهاون في صلاته ويستخف بها فهو ليس بمسلم واقعي وفي وصف الكفار.

(فويل للمصلين * الذي هم عن صلاتهم ساهون)(7).

الويل لمن يتساهل في صلاته، ولا تكون الصلاة في صلب حياته، فأحياناً يصلي وأحياناً أخرى لا يصلي. وإذا صلى صلّى سريعاً سريعاً. إنه ذنب كبير. أو أنه لا يصوم. والإنسان الذي يترك الصيام ذو ذنب عظيم، وحكم تارك الصوم أن يعزر بالسياط في المرة الأولى والثانية ويقتل في المرة الثالثة. انه ذنب كبير بحيث إذا ترك أحد صوم يوم واحد عمداً فيجب عليه صيام ستين يوماً كفارة عن ذلك بالإضافة إلى قضاء ذلك اليوم الذي أفطر فيه عمداً، أو إطعام ستين مسكيناً.

واما إذا لم يعطِ الخمس أو الزكاة فهو في الحقيقة يأكل ناراً.

أكل مال اليتيم. أكل مال صاحب الزمان (ع). وهو ذنب كبير جداً. وعندما ينظر إليه أصحاب القلوب الحية فهم يرون ناراً تخرج من فمه، مثل خروج النار من التنور، هذه الذنوب كبيرة جداً. وأما إذا تاب المذنب، أي ندم على ما ضيه، وصمم من هذه اللحظة فما بعدها على الصلاة وقضاء الصوم الذي في ذمته وإعطاء الخمس الذي عليه الآن وفيما مضى وتدارك كل ذلك، فإن الله سبحانه يغفر له مهما كانت ذنوبه كبيرة.

وهذا هو القسم الثاني، وكلاهما ـ أي القسمين الأول والثاني ـ كانا حق الله. أحدهما له جبران، والآخر لا يتدارك.

القسم الثالث: حق الناس الذي لا يحتاج إلى تدارك، مثل الغيبة والغيبة معصية كبيرة، بحيث أن ألسنة صنفين من الناس في يوم القيامة تكبر أولاً ثم تسقط على الأرض فيطأها الناس بأقدامهم، الصنف الأول النساء اللائي يتطاولن على أزواجهن بألسنتهن. والصنف الثاني أولئك الذين يفتشون عن عيوب الناس ويغتابونهم. يقول القرآن: (ويل لكل همزة لمزة)(8) ويل لصاحب اللسان الجارح، الذي يفتش عن العيوب، ويتهم الناس. ويحبس المغتابون والمتهمون يوم القيامة فوق تل من الدماء والصديد مدة خمسين ألف عام حتى يفرغ الناس من الحساب، ثم ينقلون إلى جهنم. ولكن إذا تابوا ولم يعودوا إلى الغيبة ثانية، وندموا على أعمالهم القبيحة، وأصلحوا أنفسهم فان الله تعالى يغفر لهم حتى كأنهم الآن مثل ما ولدتهم أمهاتهم. وإذا استطاع ان يزيل التهمة التي ألصقها بالآخرين ويحفظ ماء وجوههم، ويذهب إلى كل من اغتابه ويطلب رضاه، فان هذه الأعمال جيدة قطعاً. ولكن تداركها هو في الندم عليها. وهذا هو القسم الثالث.

 

القسم الرابع: حقّ الناس الذي يجب رده إلى الناس، مثل أكل أموال الناس ولو بمقدار قيراط واحد، ولو حبة حنطة، وحق الناس أمر مشكل إلى حد أن القرآن يقول:

(ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة)(9).

وكل من أكل أموال الناس بالباطل يأتي يوم القيامة وفي ذمته ذلك المال. ويؤتى به يوم القيامة إلى صف المحشر مفضوحاً بهذه السرقة.

وقد نزلت هذه الآية الشريفة في جبهة القتال حين جاء جندي إلى مسؤول بيت المال وقال: لقد خطت هذه الرقعة بخيط من بيت المال وهو غصب، والآن ماذا أفعل، فهل أرفع هذه الرقعة من ملابسي أم أبقيها؟ فقال المسؤول: لا أعلم. فمزق الجندي الرقعة وسلّم الخيط إلى بيت المال. حق الناس أمر مشكل.

ولكن نفس حق الناس هذا له توبة. يجب الندم على ما مضى منه وأن لا يأكل مالاً حراماً مرة أخرى. وأن لا يكون مثل الدودة التي تمتص دماء الناس. وبالإضافة إلى ذلك يجب أن يرد أموال الناس فإذا كان لديه مال فيجب عليه رده إليهم. وإذا لم يكن يمتلك المال فيجب عليه أن يصمم على رد أموال الناس متى ما استطاع ذلك. وعند ذلك تُقبل توبته.

 

الهوامش:

(1) الكافي: ح2 ص235 باب التوبة 8.

(2) البقرة، الآية 222.

(3) الأنبياء، الآية: 87.

(4) الوسائل: ج5 ص220.

(5) الأنوار: ج41 ص15، نهج البلاغة، فيض الإسلام: الحكمة 74. وسدوله: أي حجب ظلامه، والسليم: الملدوغ من حية ونحوها.

(6) الأنوار: ج4 ص41 (الحديث مروي عن الباقر (ع)).

(7) الماعون، الآيتان: 4 و5.

(8) الهمزة، الآية: 1.

(9) آل عمران، الآية: 161.