النهاية

:الموضوع

فضيلة اليقين

ـ درجات اليقين

ـ فضيلة صلاة الليل

ـ إيثار أبي أيوب الأنصاري

ـ قصة من (احياء العلوم) للغزالي

ـ ضرورة الاختبار

ـ طريق تحصيل الإيمان القلبي (اليقين)

ـ قصة زوجة الحاكم

 الدرس الخامس

فضيلة اليقين

ذكرنا في المحاضرة السابقة ان الإيمان بأصول الدين ينقسم إلى ثلاثة أنواع:

1 ـ ايمان اللقلقة أو التقليد.

2 ـ ايمان الاستدلال أو العقل.

3 ـ ايمان العاطفة أو القلب.

وذكرنا ان الإيمان القلبي هو القوة التي تسيطر على سلوك الإنسان وليس الإيمان العقلي ولا الايمان القولي، وان كان الإيمان الاستدلالي على درجة رفيعة وهو اللائق والمناسب للجميع وخاصة الشباب.

ورد في الرواية ان النبي (ص) اجتاز مع أصحابه على امرأة عجوز كانت منهمكة بتدوير مغزلها، فسألها النبي الاكرم (ص) بأي دليل عرفت الله! مما يدل على أن النبي يريد الدليل من تلك المرأة الأمية يريد الإيمان الاستدلالي.

وقد أجابت المرأة العجوز جواباً حسناً فقالت ان مغزلي هذا يحتاج إلى يدي حتى يدور، وإذا لم تكن يدي فسوف يقف عن الدوران، ترى أفعالي بهذه السعة لا يحتاج إلى محرك.

فقال النبي الأكرم (ص) (عليكم بدين العجائز).

وهذا القول يدل على معنيين:

الأول: يجب أن يكون إيمانكم استدلالياً.

الثاني: إشارة إلى برهان ودليل الحركة، ولعله يعد أفضل دليل بعد دليل النظام ودليل الصديقين.

ونحن نفهم على كل حال ان أي شخص يجب أن يستدل على أصول الدين بما يناسب حاله.

وأن كان وكما أوضحنا سابقاً انه ذو مجال محدود لا يمكن الإنسان من اجتياز الصعاب، أو اشتداد الغرائز، أو النجاة عند الامتحان.

كما قال الشاعر (الفارسي):

وقدم الخشب ليس فيها استحكام

قدم المستدلين من خشب

لذا فإن الإيمان ينحصر بالايمان العاطفي، الإيمان القلبي ويفهم من القرآن انه هو الذي يريده الله منا.

نقرأ في سورة الحجرات أن أشخاصاً جاؤوا لزيارة النبي (ص) وقالوا يا رسول الله لقد آمنا بك.

فقال: لم تؤمنوا، ولكن بلغتم الإسلام، لأن إيمانكم إيمان لسان، وإيمان دليل، ولم يترسخ الإيمان في قلوبكم بعد.

المؤمن من رسخ الإيمان في قلبه ولا تعتريه الشبهة والشك.

(قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)(1).

قالوا: آمنا. قل: لم تؤمنوا، فقد اسلمتم ودخلتم حمى الإسلام لأن الإيمان لم يدخل إلى قلوبكم بعد.

ثم قال: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا)(2) المؤمن من آمن قلبه وتيقن. وطالما لم يبلغ اليقين فان نقطة الجهل والشك قائمة. ولذا لم ينج أصحاب الإيمان العقلي الاستدلالي من الشبهات والجهل والأوهام والوسوسة.

الايمان الذي ينفعنا والذي يريده الله منا ويريده القرآن منا هو الإيمان القلبي والإيمان اليقيني ولعل كلمة الحصر (إنّما) تشير لذلك.

 مراتب اليقين:

اليقين على مراتب، اليقين يشبه النور، فكما النور على درجات، مصباح ذو عشرين شمعة ومصباح ذو آلف شمعة ومصباح أكثر، فكذلك اليقين.

فعندما يشع في القلب ينير القلب لكن تارة كما يضيء المصباح ذو المئة شمعة غرفة واحدة، وأحياناً قد يصل مرتبة ينير فضاء القلب بشدة ـ كما يضيء المصباح ذو الألف شمعة غرفة واحدة.

لذا يعرف الفلاسفة اليقين بأنه ذو تشكيك، يعني انه ذو درجات وكل مراتبه حسنة، والمرتبة التي نتحدث عنها هي المرتبة الأولى ومن المعلوم ان كلما علت المراتب كان أفضل.

وعلماء الأخلاق يذكرون ثلاث مراتب لليقين:

علم اليقين، عين اليقين، حق اليقين.

وواضح أن كل مرتبة من هذه المراتب درجات، وهي خارج مجال بحثنا في الوقت الحاضر.

المرتبة الأولى من اليقين، تدفع الإنسان إلى أن يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات صلاته في أول الوقت، وصيامه في محله، واجتناب الإثم بموقعه، وخلاصته أنه يهتم بفعل الواجبات وترك الذنوب بشكل تقائي.

هذه هي المرتبة الأولى من اليقين، والتي هي المرتبة الأولى من الإيمان القلبي.

أما في المرتبة اللاحقة فانه يهتم بالمستحبات وأدائها والمكروهات واجتنابها. ولا ينجر إلى مواطن الشك والشبهات وأمثالها.

ومن المسلم به ان الشائعات لا تتردد على لسانه ولا يتكلم بلا دليل فإذا تحدث فمع البرهان وإذا استمع فمع البرهان، ولا يجري على لسانه ما انطوى على الشبهة.

أما المرتبة الثالثة فيصل الإنسان فيها وبالتدريج إلى مقام يمكنه الادعاء فيه ان الدنيا لو كانت في طرف والذنب في طرف آخر لما قارف الذنب ولركل الدنيا بقدمه.

وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة، وما ذكره الإمام (ع) لا يختص به فقط بل إذا بلغ إيمان الشيعة مرتبة عالية وبلغ مرتبة عين اليقين فيمكنهم إدعاء ذلك.

يقول أمير المؤمنين (ع):

(والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته)(3).

يقول (ع):

أفسم بالله، لو اعطيت العالم وقيل لي أعص الله لما فعلت، حتى لو كانت تلك المعصية من الصغر إلى درجة ان أسلب حبة شعير من فم نملة وهذا القول ليس دليلاً على عصمة الإمام ولا على إمامته ولا يختص به ولا يختص بسائر المعصومين (ع) ولا يختص بالنبي (ع) وإنما هو قدوة لنا.

يعني يجب أن يرتفع إيمانكم إلى مقام عالٍ، يجب أن تسعوا حتى ينور الإيمان قلوبكم وتبلغوا مرتبة رفيعة بحيث لو اعطيتم الدنيا قبال الذنب، فان يقينكم يحول دون ذلك، ويمكن ان تكون إرادتكم بذلك المستوى من القوة.

والتاريخ والتجربة تسعفنا بالدليل على ذلك، كثيراً ما قرأنا في التاريخ وكثيراً ما شاهدنا من عظام وكبار استعدادهم للتضحية بالدنيا على أن لا يفوتهم صلاة ركعتين.

 

ـ فضيلة صلاة الليل:

هذه الرواية التي ينقلها المرحوم صاحب الوسائل في كتابه الشريف في فضيلة صلاة الليل عن النبي الأكرم (ص): (الركعتان في جوف الليل أحب إلي من الدنيا وما فيها)(4).

قول النبي الأكرم (ص) يعني أنه لو أعطي الدنيا بتمامها على ان تفوته صلاة الليل ليلة ما لما فعل ذلك.

هذه العبارة لا ترتبط بشخص النبي الأكرم (ص) وإنما ترتبط بدرجة اليقين الراسخ في قلبه، وبإمكان الشيعة الوصول إلى هذه الدرجة من اليقين بل يجب عليهم بلوغ ذلك.

نحن نعرف أشخاصاً يضجون بالبكاء إذا ما فاتتهم صلاة الليل ليلة ما.

ولا أنسى ذاك الشخص من أهل القلوب الذي ترك صلاة الليل في إحدى الليالي فأخذ في البكاء من الصباح حتى المساء لأنه لم يصلِ صلاة الليل البارحة، وقال لم أترك صلاة الليل منذ كنت في السادسة عشرة من العمر إلى الآن. نور الإيمان العاطفي، نور الإيمان العقلي، الذي أضاء قلوب هؤلاء هو الذي يحول دون الذنوب، ذلك النور يلجؤهم إلى أداء المستحبات، بل لعلهم يستمتعون بأداء المستحبات بما لا يعلم مداه أحد.

يقول القرآن الكريم: أولئك الذين يقومون الليل، ويهجرون المضاجع أولئك الذين يبرون الفقراء ويصلون الضعفاء سيجزون بصلاتهم وانفاقهم جزاءً لا يدرك لذته أحد.

(تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)(5).

ظاهر الآية انهم ينالون جزاء في الحياة الدنيا، يتلذذون في هذه الدنيا فعندما "يكبر" لصلاة الليل يشعرون بالسعادة كمن أعطاه الله خير الدنيا والآخرة.

وهم على استعداد للتضحية بدنياهم من أجل راحة الآخرين ويشعرون بالمتعة بذلك الايثار.

(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)(6).

ومعنى الآية انهم يؤثرون الآخرين فيقدمون لهم الطعام والشراب رغم حاجتهم الماسة له.

ويقال في سبب نزول هذه الآية انها نزلت بحق أمير المؤمنين (ع) أو انها نزلت بحق المقداد، أو أنها نزلت بحق أبي أيوب الأنصاري وربما تكون جميع هذه الأسباب صحيحة، والقصة كما يلي:

 

ـ ايثار أبي أيوب الأنصاري:

ان النبي الأكرم (ص) اجتاز طريقاً فشاهد أبا أيوب الأنصاري وقد بسط فراشه على الطريق وجلس مع زوجته وابنه وكان وجهه إلى الحائط وظهره إلى المارة، فسأله النبي (ص) يا ابا أيوب لماذا جلست هنا؟

فقال يا رسول الله إن أحد المهاجرين قدم إلى هنا وليس له دار فرأيت أنه سيقيم في الطريق وفي ذلك ذل له ولنا، ويبعث ذلك على الخجل له ولنا، فإذا اسكنته بيتي واقمت أنا هنا فلا أخجل من ذلك لأني قد أعنته وفي ذلك افتخار لي.

هذا هو: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).

فانظروا كيف وصل المسلمون إلى حالة من الايثار يعطي أحدهم فيها بيته للآخر ويسكن على قارعة الطريق، كيف حصل ذلك؟ انه من أثر اليقين.

عندما يترسخ اليقين في القلب، ويترسخ الإيمان في القلب فمن المعلوم أن المرء يشعر باللذة والمتعة عند الوقوف إلى الصلاة وعند الانفاق لحاجة الآخرين.

عندما يعشق المال أحد فلو استفاد في أحد الأيام مليوناً وإذا كان بلا دين وقام بالاحتيال مليون مرة فكم سيفرح.

وقد لا ينام من شدة الفرح والارتياح، وذلك لأن يقينه تعلق بالدنيا، وترسخ ظلامها في قلبه، ووصل به حب الدنيا إلى ذلك الحال.

أما ذلك الذي تعلق حبه بالله وبالإسلام وتعلق حبه بأولياء الله، وقد رسخ الإيمان العاطفي في قلبه.

فانه سوف يكون سعيداً عندما يعطي بيته لغيره رغم حاجته الماسة له من أجل أن يكون الآخر في راحة واطمئنان.

 

قصة من (احياء العلوم) للغزالي:

يذكر الغزالي في كتابه (احياء العلوم) ان شخصاً كتب إلى تاجر يتعامل معه يخبره ان البرد قد أصاب قصب السكر، مما يجعل الطلب على السكر شديداً هذا العام ويطمئنه أن سعر السكر سيكون مرتفعاً، وعندما وصلت الرسالة إلى التاجر نزل في سوق الكوفة يشتري السكر ويكدسه في مخزن له، وكان فرحاً لما سيجنيه من ربح هذا العام.

وعندما عاد من السوق ليلاً وفرغ من ضجيج الدنيا تحرك إيمانه القلبي، وتحركت عاطفته ووجدانه بسبب يقينه وإسلامه فأخذ يلوم نفسه قائلاً، أرأيت ما فعلت لقد غششت الناس. هو لم يكن قد غش إذ قد ابتاع السكر بقيمته على أمل ان يرتفع سعره في العام القادم، لكنها كانت خطة للايقاع بالناس.

يقول الغزالي: أصبح التاجر ولم يتمكن البارحة من النوم وعند أذان الصبح وأثناء أداء صلاة الجماعة، أخبر الأشخاص الذين اشترى منهم السكر بتفاصيل الأمر، ولم تكد تطلع الشمس حتى كان قد أكمل الذهاب إلى بيوتهم جميعاً، وأخبروه برضاهم وعدم رغبتهم في فسخ المعاملة، فشعر بالارتياح قليلاً.

يقول الغزالي: الليلة الثانية وتحت وطأة الضمير لم يتمكن من النوم أيضاً، يوجد رواية عن النبي الأكرم (ص) "ليس من المسلمين من غشهم"(7) حيث كان النبي (ص) ماراً في سوق المدينة فشاهد بائعاً للفاكهة أو شيء آخر، وكان أعلاه بنوعية جيدة، فمدّ يده تحت الطعام فكان ردئياً وتالفاً فقال هذا العمل خيانة هذا غش للمسلمين(8).

وأخيراً فان ذلك التاجر وعند الصباح التمس أصحاب السوق وأعاد السكر إليهم، ونام ليلته الثالثة هانئاً وقال الحمد لله رب العالمين حيث استطعت أن أحفظ ديني ولو ذهب الربح الوفير من يدي.

لمثل هذا يقال ايمان عاطفي وقلبي.

يجب ان يكون إيمان الجميع إيماناً عاطفياً وخاصة الشباب الراغبين بحل مشاكل الثورة والوطن.

ذلك لأن الإيمان القلبي هو المنقذ ساعة الامتحان وعند الأمور المستعصية.

 

ـ ضرورة الاختبار:

الامتحان يطال الجميع، ولا يمكن ان يستثن منه أحد أبداً. شباباً كانوا أو مسنين، رجالاً كانوا أو نساء، علماء دين كانوا أو غيرهم، الامتحان سوف يعترضهم جميعاً.

(بسم الله الرحمن الرحيم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)(9).

أفهل نترك هؤلاء يتظاهرون بالإيمان، كلا سوف يمتحنون حتماً، وسوف يواجهون المصاعب، فان كان إيمانهم من القسم الأول أو الثاني فهذا يعني انهم لن يكونوا موفقين في الامتحان، والايمان القلبي فقط هو الذي يستطيع نيل الدرجة العالية أحياناً.

من أين يأتي التقليد حتماً من كون الأم والأب من الشيعة ومن نمو الشخص في ذلك البيت الشيعي.

ومن أين يأتي الإيمان الاستدلالي، حتماً من مطالعة الكتب والتعلق بالمنبر والمحراب.

أوصي الشباب بصورة خاصة ان يكثروا من المطالعة حتى تكون أصول الدين حاضرة في أذهانكم مع الدليل والبرهان، في رؤوسكم في فكركم، إذ ان اكتساب الإيمان الاستدلالي والإيمان العقلي يحصل من مطالعة كتب الكلام ومساءلة العلماء ومجالستهم.

 

ـ طريق اكتساب الإيمان القلبي (اليقين):

أما اكتساب الإيمان القلبي فان طريقه فقط وفقط هو الارتباط بالله، انه يتطلب العبادة (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)(10) يقول إذا أردت اليقين فاعبد ربك وأحكم علاقتك معه.

يكتسب الإيمان القلبي من الصلاة في أول وقتها ومن حضور الجماعة.

المسجد ملجأ من شياطين الجن والإنس، هذه المجالس شوكة في عين شيطان الجن والإنس، علاوة على كونها شوكة في عين الأعداء، فهي نور للقلوب.

أدِّ الصلاة أول وقتها بخضوع وخشوع، إنك تخاطب الله عند الصلاة، فعندما تقول (إياك نعبد وإياك نستعين) فكلم الله بذلك، واعلم أنك في ساحة حضور الله وأن هذه الصلاة معراج لك.

تماماً كما أن النبي الأكرم (ص) عرج إلى السماوات وكلم الله فليكن كلامك مع الله أيضاً.

صيام شهر رمضان المبارك بمنزلة الإيمان القلبي. وصلاة الليل تضفي عليك النور، وأهم من هذا فان الإنسان قد يمتلك قلباً طوى مشقة خمسين عاماً من الجهد والطاعة بمدة قصيرة عن طريق خدمة خلق الله ومساعدتهم.

فلينفق في هذا الشهر الشريف من وسعه ما استطاع في إعانة الفقراء والمحتاجين.

وليكن هذا الشعار الإسلامي نصب أعيننا في شهر رمضان المبارك (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلى ما آتاها)(11).

يعني فليبذل المساعدة كل من يستطيع لإعانة الفقراء والضعفاء والمحتاجين ليسد ثغرة الفقر الفردي والاجتماعي ما استطاع لذلك سبيلاً.

والآية التي قرأتها من آيات الأمر والطلب الواجب، ولا يمكننا تجاهل هذا الأمر ونقول انه مستحب، لوجود روايات كثيرة وردت في الموضوع وأكدت على أن يهتم ويفكر البعض بالبعض الآخر.

"من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"(12).

لقد سمعتم هذا الحديث جميعاً ولكن ومع الاسف لا نعمل جميعنا طبقه لا استطيع التزام الصمت، تستطيع ان تساعد بدل العشر لقم بتسع بل حتى بلقمة واحدة، تستطيع ان تدفع ألف تومان أو أقل لتعين في مشروع زواج.

إذا كان باستطاعة الدولة فيجب عليها ملء النقص ومعالجة الخلل الاجتماعي والفردي، وإذا لم تستطع فذلك واجب الجميع.

الخلاصة، إذا كنت تريد الإيمان القلبي، إذا كنت تريد القلب المشرق بالنور، فساعد خلق الله ما استطعت.

لذا فان اليوم الذي يمر على العارفين وعلماء الأخلاق دون ان يساعدوا أحداً، يكون يوم حسرة وألم، ويوم تراجع وانتكاسة.

وإذا عجزوا عن مساعدة الناس فانهم يلجأون لمساعدة الحيوان.

إذا نزل الوفر من السماء وملئت الأرض صقيعاً فمن يقدم الحب إلى الطيور غير الإنسان الملتفت، لذا كانوا يذهبون وينثرون الحب فوق الجليد حتى تلتقطه الطيور.

ورد في الرواية ان أمير المؤمنين (ع) اقترض لمصرف يومه مقداراً من النقود، فشاهد المقداد متحيراً في الطريق فقال: لماذا أنت حائر يا مقداد؟ قال: لم استطع ومنذ أمس من تهيئة طعام لامرأتي وأطفالي فقال أمير المؤمنين (ع) هذه النقود تلزمك أكثر مني ذلك لأني لم استطع تهيئة الطعام هذا اليوم فقط، فخذ النقود لك.

لا تقولوا ذلك علي: إنه قدوة للشيعة، وقدوة للبشرية البشرية يجب أن تفتخر بعلي (ع) والمؤسف أن بعض الشيعة لا يتأسون به.

القرآن حث كثيراً وشدد على التقوى لكي تتنور القلوب بالإيمان واعتبر التقوى أهم شيء في هذا المجال.

(ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)(13).

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به)(14).

(ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)(15).

يقول القرآن الكريم: ان الله هو الذي يهب الإيمان، وهو الذي يهب النور، الإيمان القلبي بيد الله، مقدماته بأيدينا لكن النور يضيئه الله في القلب.

ويشير بعد هاتين الآيتين أن النور يستقر في قلوب المتقين.

ومن هو المتقي؟ انه تلك المرأة المحتشمة التي ترعى حجابها تلك المرأة التي إذا مسها جسد أجنبي تضطرب حتى الافطار. وتتوب إلى الله من هذا الذنب رغم كونها غير مقصرة.

إنها مصداق الإنسان المتقي:

 

ـ قصة زوجة أحد الحكام:

إحدى النساء المسلمات كانت زوجة لحاكم مازندران، وفي إحدى السنين تلف محصول الرز في مازندران ولم يتمكن الناس من دفع الضريبة ـ (الضريبة كانت مفروضة على كل منطقة يدفعها حاكم المنطقة إلى السلطة المركزية). فعرض الحاكم ذلك الموضوع أمام زوجته خلال الحديث، حيث قال: انه لا يدري ماذا يفعل فليس لديه مال يكفي لدفع الضريبة ولا يستطيع جمع المال من الناس المتضررين لأن ذلك ظلم.

فقالت له زوجته عندي قميص مرصع بالجواهر ورثته عن أبي فادفعه عوضاً عن الضريبة.

فبعث حاكم مازندران ذلك القميص المزين بالجواهر، وفي الاجتماع المركزي أعجب به سلطان ذلك الوقت ولكن السلطان تقديراً منه لطاعة الحاكم وإيثار وتضحية زوجته أعاد القميص، وقال عفوت هذا العام عن ضريبة مازندران.

ففرح بذلك الحاكم وجميع المازندرانيين.

أما زوجة الحاكم فقالت أنا لا البس هذا القميص مرة أخرى، لأن نظر شخص أجنبي قد وقع عليه.

أيتها السيدة: لا اقول كوني كذلك، ولكن حاولي ألا يرى الشاب الأعزب ثيابك الجديدة في أيام العيد هذه، انتبهي لكي لا يرى وجهك! أقول أيها الشاب إذا أردت الإيمان القلبي فاجتنب ما استطعت عن النظر إلى الأجنبية، واجتنب نظرات السوء. قلل الارتياد إلى المناطق التي يحصل فيها الاختلاط كالسوق والشوارع.

وأخيراً إذا أردت الإيمان القلبي فاتق الذنب.

(ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً).

تدل هذه الآية على أنه بالإضافة إلى اكتساب اليقين والوصول إلى مقام عين اليقين وحق اليقين (الذي) عرفه علماء الأخلاق فانك تصل إلى مقام (الفقرقان)، فلا تذنب وانظر إلى أي مقام سوف تصل.

(شعر):

لقد رأيت طيران الطيور فتحرر     من قيود الشهود لترى تحليق الإنسانية

 

الهوامش:

(1)  سورة الحجرات: الآية: 14.

(2)  سورة الحجرات: الآية: 15.

(3)  نهج البلاغة (فيض الإسلام). الخطبة 215.

(4)  وسائل الشيعة، ج5 ص276 وبحار الأنوار، ج87 ص148.

(5)  سورة السجدة، الآيتان: 16 و17.

(6)  سورة الحشر، الآية: 9.

(7)  وسائل الشيعة: ج12 ص208 ح2.

(8)  وسائل الشيعة: ج12 ص209 ح8 نقلاً بالمعنى.

(9)  سورة العنكبوت، الآيتان: 2 ـ 3.

(10)   سورة الحجر، الآية: 99.

(11)    سورة الطلاق، الآية: 7.

(12)   أصول الكافي ج2 ص251.

(13)   سورة الأنفال، الآية: 29.

(14) سورة الحديد، الآية: 28.

(15) سورة النور، الآية: 40.