النهاية

:الموضوع

رذيلة الجهل

أقسام الجهل

1 ـ الجهل البسيط

    ـ ضرورة الاحاطة بالمسائل الدينية

     ـ افضلية أهل العلم على غيرهم

2 ـ الشك

     ـ ثبات القدم في الإيمان

الدرس السادس

رذيلة الجهل 1

من الرذائل المعاكسة لفضيلة اليقين رذيلة الجهل والوهم والوسوسة لقد تحدثنا عن فضيلة اليقين وفهمنا أنها فضيلة كبيرة ومهمة للإنسان وبنفس الدرجة التي تعد فيها فضيلة اليقين عالية، بعكسها يعد الجهل رذيلة منحطة، ويكفي في انحطاط الجهل وحقارته أن الإنسان يتأذى إذا قيل له جاهل.

 

ـ أقسام الجهل:

يقسم الجهل إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ الجهل البسيط:

أول الأقسام هو الجهل البسيط ومعناه عدم العلم، مثلاً الأمية وعدم العلم بالقراءة والكتابة، وكذلك الذي يقرأ ويكتب ولكنه لا يعرف أحكام دينه، وهذا يسمى بالجهل البسيط، وهو نقص وعيب بالنسبة للمسلم.

الذي لا يقرأ ولا يكتب يعني ليس لديه معلومات عامة، وهذا نقص في الرجل، وكذلك نقص في المرأة.

 

ـ ضرورة الاحاطة بالمسائل الدينية:

يجب على المسلم أن يتعلم القراءة والكتابة على الأقل وكذلك على المسلم أن يكون عارفاً ومطلعاً فيما يتعلق بدينة من معلومات عامة، فعليه تعلم المسائل التي يحتاج إليها بصورة مستمرة، يجب على الرجل والمرأة الاطلاع الكامل على مسائل الرسالة العملية. يجب على الرجل والمرأة الاطلاع الكامل على ما في القرآن الكريم، وخاصة قراءة القرآن بصورة صحيحة.

إذا كان الشخص يعمل في إدارة ما فعليه معرفة أمور الإدارة والمسائل المرتبطة بها، وكذلك المسائل المتعلقة باكتسابه إذا كان تاجراً.

إذا أراد رجل أن يتزوج فيجب عليه أن يتعلم كيف يكون التعامل في البيت كما يريده الإسلام.

المرأة يجب أن تعرف رأي الإسلام في كيفية رعاية البيت وحقوق الزوجية ورعاية الأطفال.

المسلم يجب أن يكون مطلعاً على معارف الإسلام وعارفاً بأخلاق الإسلام.

المسلم يجب أن يعرف أصول الدين وكيف يستدل عليها بحسب حاله. يبرهن على التوحيد بحسب حاله، وكذلك أصل إثبات وجود الله والمعاد والنبوة والإمامة، وهذه من وظائف المسلم.

إذا افتقر المسلم إلى تلك المعلومات الدينية العامة فذلك نقص كبير في شخصيته، ويعد ذلك تركاً لأداء الواجب حسب الرواية الواردة عن النبي (ص) ولعلها طرقت أسماعكم جميعاً:

(طلب العلم فريضة على كل مسلم)(1).

يجب أن يكون المسلم في حالة تعلم دائم بحسب قول النبي الأكرم (ص) من المهد إلى اللحد "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد". إذا كان هناك هذا لأجل التأكيد فهو يعني أن أي إنسان أعم من الصغير والشاب والشيخ. الرجل والمرأة. يجب عليه التعلم دائماً. وان يشتغل بالعلم دائماً. يكون معلماً ومتعلماً باستمرار.

وإذا لم يكن لأجل تأكيد، يمكن أن تستفيد من الحديث نكتة أخرى ولعل هذا المعنى الثاني هو المقصود، وهو ان الطفل عندما يأتي إلى الدنيا فان غريزة التعلم عنده تكون حية وفعالة، ولعلها لا تختلف عن غريزة الأكل والشرب من حيث كونها بالفعل، فهو كما يستطيع الأكل ويستطيع الشرب، فغريزة التعلم موجودة فيه بالفعل أيضاً، ولعل استحباب الآذان في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى، دليل على امتلاكه التوجه لنيل العلم وتحصيله، ويريد الإسلام من رفع الآذان والإقامة عند أذن الطفل أن يتشرب جلده ولحمه وعظمه بقول (أشهد أن لا إله إلا الله) (واشهد أن محمداً رسول الله).

وربما لهذا الأمر تشير الرواية: إذا كان في الغرفة طفل صغير مستيقظ فلا يجامع الزوج زوجته، وان لم يمتنعا عن ذلك وساءت أخلاق الطفل فالمسؤول أمه وأبوه.

هذه الرواية تدل على أن غريزة التعلم موجودة بالفعل لدى الطفل من أول يوم وإذا لم يكن الطفل في تلك السن المبكرة قادراً على التعلم بالفعل، فسوف لن يمضي وقت تطويل حتى تبرز هذه القدرة عنده، فالطفل الصغير وقبل النطق والكلام تراه يطرح الأسئلة الكثيرة على أمه وأبيه وهذا دليل على وجود غريزة التعلم لديه.

ولا يستبعد ان نحمل قول النبي الأكرم (ص) على هذه الحقيقة أكثر من كونه تأكيداً، ونقول ان قول النبي الأكرم (ص) (أطلب العلم من المهد إلى اللحد) هو شعار الإسلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم) هو شعار الإسلام.

وأخيراً شعار الإسلام والقرآن:

(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)(2).

(كل ما كان في الجاهلية من الخرافات والفخر فهو تحت قدمي) ولكن النبي وقرآنه يستثني من ذلك امتيازين، أحدهما التقوى والآخر العلم.

 

ـ فضل أهل العلم على الآخرين:

أوضحت الآية السابقة أن هناك فروقاً بين الجاهل والعالم، وليس الفرق درجة واحدة بل درجات.

فالفارق كبير بين من يقرأ ويكتب ومن لا يقرأ ولا يكتب والفارق كبير بين من تعلم أمور دينه وبين من يجهل أمور الدين.

دخل هشام بن الحكم وهو غلام أول ما اختط عارضاه في مجلس الإمام الصادق (ع) وقد ازدحم بشيوخ الشيعة والأشراف من بني هاشم وقريش فقام الإمام الصادق (ع) وأجلسه إلى جانبه، فثقل ذلك على أهل المجلس، فقال الإمام الصادق (ع): "هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده"(3).

يعني ان هذا الشاب يؤيدنا بقلبه، ولسانه ويده، هذا عالم وحامل راية الإسلام.

ثم قرأ الإمام الصادق (ع) بعد ذلك الآية (يرفع الله).

أولئك الذين جمعوا العلم والإيمان، أولئك الذين آمنوا عن علم، وهم مقدمون على غيرهم.

يعني ان الإمام (ع) يقول: على الرغم من كونه شاباً لكنه لأجل علمه مقدم عليكم، هذا هو شعار الإسلام.

وعندما يكون هذا هو شعار الإسلام فجهل أحكام الإسلام من المرأة المسلمة يعد نقصاً فيها.

إذا عجز الرجل عن قراءة القرآن فذلك يعد نقصاً وعيباً.

جهل القراءة والكتابة كذلك، لذا فان لي رجاءً منكم، ان تتعلموا الأمور العامة، وتتعلموا المعارف الإسلامية العامة لكي تعدوا من علماء الإسلام، فمن أحاط بالرسالة العملية ومن أحاط بعلوم القرآن الشريف، وروايات أهل البيت، ومعارف الإسلام، وأصول الدين والأخلاق، إحاطة كاملة يقال له عالم دين.

وعلاوة على كون ذلك واجباً إسلامياً فانه يعدُّ امتيازاً، بل انه يعد امتيازات عديدة للمسلم.

وكل المعارف الإسلامية مهمة ويجب تعلمها، ولكن الاشتغال بالقرآن أكثر أهمية من غيره.

ولكن ومع الأسف فان شبابنا قلما يهتمون بالقرآن.

تجد الكثير من شبابنا وقد تخرجوا من المدارس الثانوية ومن الكليات وحصلوا على شهادة الليسانس ولكنهم لا يستطيعون قراءة القرآن هذا نقص وعار.

إذا تخرجت الفتاة من المدرسة الثانوية، وكانت ترغب بالاستمرار في طلب العلم وإدامة الدراسة وكانت مشغوفة بطلب العلم ولكنها لا تستطيع قراءة القرآن، فإن الإسلام يرى ان ذلك العلم ناقصاً نقصاً كبيراً.

يقول القرآن الكريم:

(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)(4).

إذا أعرض أحد عن ذكري ـ عبارة (ذكري) لها مصاديق كثيرة، والقرآن أحد تلك المصاديق.

أي أن أولئك الذين ان ينبذون القرآن خلف ظهورهم، أو لا يقرأونه بخشوع، أو لا يعملون به مصداق لها ومن مصاديقها الأخرى بنظر الإمام الصادق (ع) من يترك الصلاة، أو لا يؤديها بشكل جيد يقول القرآن الكريم: ان الذي يهجرون القرآن يصابون بمصيبتين أحدها في الدنيا وهي مرارة العيش يحرق أفئدتهم القلق. يكون أحدهم شاباً لكن قد قفل الغم قلبه، يتزوجون لكن يظل الغم يقفل قلوبهم يهرمون فيزداد غمهم غماً، وأخيراً يموتون بالغم والحسرة، وتكون دنياهم قاحلة.

القرآن الكريم يصف المنافقين:

(لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم)(5).

أي أن الشك والقلق والشبهة من الشدة بدرجة تقطع قلوبهم فلا يستطيعون اتخاذ قرار وما يزال الشك والشبهة في قلوبهم حتى يموتوا. وكذلك موقفهم من الدين فتارة عاديون وأخرى في شك وتارة في شبهة، وقد يشكون بالله، وقد يشكون بالقرآن والنبي (ص).

وقد يشكون بالمنبر والمحراب، يوماً تراهم ثوريين يوماً آخر أعداء للثورة، فإذا رأوا مكاسب الثورة أيدوها، وإذا تعرضوا إلى فتنة أو ابتلاء أو رأوا تصرفاً سيئاً من متظاهر بالثورة فانهم يتراجعون عن تأييدها، هذه حالة الشك والتردد بحسب تعبير القرآن الكريم يوماً مسلم وآخر كافر:

(إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً)(6).

ذلك وضع سيّئ، إذا ابتلى ذلك الشخص برفيق سوء خسر إيمانه، وإذا منّ الله عليه ورحمه وأعانه على حفظ إيمانه حتى لحظة الموت. فلا يستطيع الذهاب من الدنيا بالإيمان الصادق.

الشخص الذي لم يترسخ الإيمان في قلبه يصعب عليه حمل الإيمان إلى قبره، خاصة إذا تحكمت به رذيلة (حب الدنيا).

لحظة الموت يأتي ملك الله المقرب عزرائيل وكذلك أمير المؤمنين (ع) حيث يراه الكافر والمنافق والشيعي أو غير الشيعي.

من مؤمن أو منافق قبلا(7)

يا حار همدان من يمت يرني

حضرة أمير المؤمنين (ع) يقول لحارث الهمداني:

يا حارث الكل يراني لحظة الموت:

ولا تقبض أرواحنا إلا بعد سماح أمير المؤمنين (ع) بذلك فإذا لم يكن إيمان الشخص مستقراً وكاملاً، ولم يبلغ مرتبة اليقين، وكان ذلك الإيمان مظهراً فقط، ففي تلك اللحظات يشتد فعل الشيطان يتقاسمه الشيطان من جهة وحب الدنيا من جهة أخرى، وقد استحكمت مخالب قلبه بهذه الدنيا، ومن معاني مشقة خروج الروح من البدن هو تلك الحالة.

ورد في بعض الروايات أن بعض الأرواح تقبض كما يسحب العرق خارج البدن، يعني أنها لا تريد الخروج ولكنها تؤخذ بالقوة.

فعندما يريد ملك الله المقرب قبض الروح إذ بعد سماح أمير المؤمنين (ع) بذلك يأتي ملك الله المقرب لقبض روحه ولكنه لا يكون راضياً فيعطي روحه مع حالة بغض لعزرائيل وبغض لأمير المؤمنين (ع) والعياذ بالله، وبغض لله، ويترك الدنيا وهو على تلك الحال.

لا يترك الدنيا بلا إيمان فقط، وإنما يتركها وقد مُلئ قلبه عداء لله ولأمير المؤمنين (ع) ولعزرائيل والملائكة المحيطين به.

أنا أرجو من الشباب أن يكثروا من دعاء (اللهم اجعل عاقبة أمرنا خيراً) ولا تجعل لنا تلك العاقبة سيئة كأن نخرج من هذه الدنيا وفي قلبنا غِل لأمير المؤمنين بسبب الشك والجهل لحظة الموت ورغم عمر سبعين عاماً أو ثمانين عاماً نقضيه ونحن نردد يا علي يا علي.

2 ـ الشك:

أما القسم الثاني من الجهل فهو الشك، حالة التردد، هل الثورة سليمة أم لا؟ هل نهج علماء الدين سليم أم لا؟ هل الإسلام صحيح أم لا؟ هل التشيع صحيح أم لا؟ هذه حالة الشك والتردد. وكما تدمر هذه الحالة دنيا الإنسان فانها تقضي على دينه أيضاً، وهي حالة تؤذي النفس لأنها اشبه بالشوكة التي تسبب وخز الروح بين الحين والآخر فلو أن شوكة كانت في العين على الدوام فكم تسبب من الأذى.

أذى النفس والروح بسبب الشك والتردد يشبه ذلك لكي تتجنب هذه الحالة وخاصة من أمور الدين والاعتقاد يجب أن يكون اعتقادك راسخاً ثابت القدم، وكذلك الاعتقاد بأي شيء آخر.

إذا كنت ثورياً، فكن ثابتاً، لكي لا تتزعزع بما فعل ذاك وبما جرى هناك وماذا كان وما يكون.

ورد في المؤمن عن الإمام الصادق (ع) روايتين.

ـ ثبات القدم في الإيمان:

الرواية الأولى: "المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف". أي أن المؤمن ثابت في إيمانه ثبات الجبل إذ لا يتزحزح عن مكانه مهما اشتدت العواصف والسيول.

المؤمن ليس شكاكاً، المؤمن في اعتقاده ثابت كالجبل لا تؤثر به أي حادثة أو مصيبة (لا تحركه العواصف).

الرواية الثانية: "المؤمن كالسنبلة" يعني المؤمن مثل ساق نبتة الحنطة، ينحني للريح ولكنها لا تستطيع اقتلاعه من الأرض، يعني إذا كنتم كالسنبلة تميلون يميناً ويساراً فكونوا ثابتين في الأرض ثبات الجبل.

أيها الشباب؛ كونوا في اعتقادكم كالجبل، وليسكن اعتقادكم استدلالياً ومع البرهان واثبتوا على ذلك.

ومن الخطأ التقلب يوماً هذا ويوماً ذاك، نرى البعض وهم أنصار فلان هذا اليوم وغداً أعداءه وأنصار شخص آخر.

وهذا البعض كانت تبعيته خاطئة من البدء الجهلاء عادة يكونون كذلك بشكل إذا سمع أحدهم خطاباً جيداً من شخص يصير مريداً له، وإذا اصطدم معه بكلام انقلب إلى عدو له.

بعض النساء في البيت بهذا النحو أيضاً يعيش معها الزوج بطيب سنة وسنتين وعشر سنين، ولكن إذا كان في يوم ما مجهداً متوتراً وقد يقول قولاً غير موزون فيذهب بطيب كل تلك السنين، ذلك يعني أن الحب مفقود منذ الأول.

أو أن امرأة تعتني براحة زوجها ليل نهار، ولكنها قد تتصرف تصرفاً في غير موقعه أو تتأخر عنه أو يكون الطعام مثلاً مالحاً، فيذهب ذلك مودة السنين الماضية، وهذا يعني أن العلاقة لم تكن راسخة كالجبل منذ أولها.

لذا أرجو أن تكونوا في محبتكم كالجبل، وكذلك في العقيدة وأخيراً يجب أن تكون إرادتكم قوية لكي تتمكنوا من اتخاذ القرار الثابت لاتخاذ أعمالكم.

ليكن اعتقادكم عالياً ثابتاً كالجبل لا يقلعكم شيء ولا يزعزعكم شيء.

حتى تكونوا إن شاء الله ثابتين لحظة الموت ولو تعاضد الشيطان والدنيا معاً لما استطاعوا تحريككم.

 الهوامش:

(1) أصول الكافي ج1 ص54.

(2)   سورة المجادلة، الآية: 11.

(3)   سفينة البحار: ج2 ص719.

(4) سورة طه، الآية: 124.

(5) سورة التوبة، الآية: 110.

(6) سورة النساء، الآية: 137.

(7) سفينة البحار ج1 ص238.