الفصل
الخامس
في
بيان الحفاظ
على العبادة
من تصرف
الشيطان
من
الآداب
المهمة
القلبية
للصلاة
وغيرها من
العبادات
الحفاظ
عليها من
التصرفات
الشيطانية،
وهو في الوقت
نفسه من
أمهات
الآداب
القلبية
والقيام به
من عظائم
الأمور
ومشكلات
الدقائق،
ولعل الآية
الشريفة في
وصف
المؤمنين
الذين هم على
صلواتهم
يحافظون
إشارة إلى
جميع مراتب
الحفظ التي
تكون أحداها
بل أهمها
الحفاظ
عليها من
تصرفات
الشيطان.
وتفصيل
هذا الإجمال
إن من الواضح
عند أصحاب
المعرفة
وأرباب
القلوب أنه
كما أن
للابدان
غذاء
جسمانيا
تتغذى به،
ولا بد أن
يكون الغذاء
مناسبا
لحالها
وموافقا
لشأنها حتى
تتيسر لها
التربية
الجمسانية
والنمو
النباتي،
كذلك فإن
للقلوب
والأرواح
غذاء لا بد
أن يكون
مناسبا لحال
كل منها
وموافقا
لنشأتها كي
تتربى به
وتتغذى منه
وتنمو نموا
معنويا
وتترقى
ترقيا
باطنيا.
والغذاء
المناسب
لنشأة
الأرواح هو
المعارف
الإلهية
اعتبارا من
مبدأ
المبادئ
للوجود إلى
منتهى
النهاية
للنظام
الوجودي كما
قال أعاظم
أرباب
الصناعة
الفلسفية في
تعريف
الفلسفة " هي
صيرورة
الإنسان
عالما عقليا
مضاهيا
للعالم
العيني في
صورته
وكماله ".
وهذا القول
إشارة إلى
هذا التغذي
من المعارف
الإلهية في
حين أن تغذي
القلوب
يستمد من
الفضائل
والمناسك
الإلهية.
وليعلم
أن كلا من
هذه الأغذية
إذا خلص من
تصرف
الشيطان
وأوعدّ على
يد الولاية
للرسول
الخاتم وولي
الله الأعظم
صلوات الله
عليهما
وآلهما
يتغذى الروح
والقلب منه
وينالا
الكمال
اللائق
بالإنسانية،
ويعرجان
معراج
القلوب إلى
الله، ولا
يحصل الخلاص
من تصرف
الشيطان
الذي هو
مقدمة
للإخلاص
بحقيقته إلا
أن يكون
السالك في
سلوكه
طالباً لله.
ويضع حب
النفس
وعبادتها
الذي هو
المنشأ
للمفاسد
كلها وأمُّ
الأمراض
الباطنية
تحت قدميه،
وهذا لا
يتيسر بتمام
معناه في غير
الإنسان
الكامل
وبتبعية في
خُلَّص
أوليائه،
وأما سائر
الناس فغير
ميسّر لهم
هذا الخلاص،
ولكن على
السالك إلاّ
ييأس من
الألطاف
الباطنية
لله سبحانه
فإن اليأس من
روح الله رأس
كل برودة
وفتور ومن
أعظم
الكبائر.
والذي يمكن
من الإخلاص
لصنف
الرعايا هو
أيضاً قرّة
العين لأهل
المعرفة،
فعلى سالك
طريق الآخرة
لزوما حتما
أن يخلص
معارفه
ومناسكه من
تصرف
الشيطان
والنفس
الأمارة
مهما بلغ من
الجهد وان
يغوص في
حركاته
الباطنية،
وتغذياته
الروحية،
ولا يغفل عن
حيل النفس
والشيطان
وحبائل
النفس
الأمارة
وإبليس وان
يسوء ظنه سوء
الظن الكامل
في جميع
حركاته
وأفعاله،
ولا يخلي
نفسه على
رسلها آنا
ما، فربما
تتغلب على
الإنسان
وتصرعه إذا
تسامح معها
وتوسقه إلى
الهلاك
والفناء،
لأن الأغذية
الروحانية
إذا لم تكن
خالصة من
تصرف
الشيطان
وتدخلت يده
في أعدادها
فمضافا إلى
أنه لا تتربى
بها الأرواح
والقلوب ولا
تصل إلى
الكمال
اللائق بها،
يحصل لها
النقصان
الفاحش
أيضاً،
ولعلها تجعل
صاحبها
منسلكا في
سلك
الشياطين
والبهائم
والسباع. وما
هو السبب
للسعادة
ورأس المال
لكمال
الإنسانية
والوصول إلى
المدارج
العالية
ليعطي
النتيجة
المعكوسة
ويسوق
الإنسان إلى
الهاوية
المظلمة
للشقاوة كما
رأينا في بعض
أهل العرفان
الاصطلاحي
أشخاصا
انتهت بهم
هذه
الاصطلاحات
والغور فيها
إلى الضلالة
وجعلت
قلوبهم
منكوسة
وبواطنهم
مظلمة وصارت
الممارسة في
المعارف
موجبة لقوة
أنانيتهم
وإنيتهم
وصدرت منهم
الدعاوى غير
اللائقة
والشطحات
غير
المناسبة.
وكذلك رأينا
في أرباب
الرياضات
والسلوك
أفرادا
أوجبت
رياضتهم
واشتغالهم
بتصفية
النفس جعل
قلوبهم أكدر
وباطنهم
أظلم وما
جاءهم ذلك
كله إلا من
قبل أنهم لم
يتحفظوا على
سلوكهم
المعنوي
الإلهي
ومهاجرتهم
إلى الله
وكان سلوكهم
العلمي
وارتياضهم
بتصرف
الشيطان
والنفس وإلى
الشيطان
والنفس.
و
كذلك رأينا
في طلاب
العلوم
النقلية
الشرعية
أفراد أثّر
فيهم العلم
الأثر السيئ
وزاد في
المفاسد
الأخلاقية
لهم، والعلم
الذي لابد أن
يكون موجبا
للفلاح
والنجاة لهم
صار سببا
لهلاكهم
ودعاهم إلى
الجهل
والمماراة
والاستطالة.
وكذلك
في أهل
العبادة
والمناسك،
والمواطنين
على الآداب
والسنن ربما
يكون أشخاص
جعلت
العبادة
والنسك التي
هي رأس مال
إصلاح
الأحوال
والنفوس
قلوبهم كدرة
و مظلمة
وحملتهم على
العجب ورؤية
النفس
والكبر
والتغمزّ
وسوء الظن في
عباد الله،
وهذا كله
أيضاً من عدم
المواظبة
على هذه
المعاجين
الإلهية،
ومن المعلوم
أن معجونا
هُيئ وأعدّ
بيد العفريت
الخبيث
وبتصرف
النفس
الطاغية لا
يتولد منه
إلا الخلق
الشيطاني،
وحيث أن
القلب يتغذى
من تلك
الأغذية على
أي حال وتصير
الأغذية
صورة باطنية
للنفس، فبعد
أن يداوم
عليها مدة
يصير
الإنسان
وليدا من
مواليد
الشيطان قد
تربى بيد
تربيته،
ونشأ ونما
تحت تصرفه،
فإذا أغمضت
عينه
الملكية
وانفتحت
عينه
الملكوتية
يرى نفسه
واحدا من
الشياطين،
فلا نتيجة في
تلك الحال
سوى الخسران
ولا تغني عنه
الحسرات
والندامات
شيئا.
فسالك
طريق الآخرة
في كل مسلك
من المسالك
الدينية،
وفي كل طريق
من الطرق
الاهية عليه:
أولاً
- أن يواظب
بكمال
المواظبة
والدقة على
حالة كطبيب
رفيق ورقيب
شفيق، ويفتش
بالدقة عن
عيوب سيره
وسلوكه.
ثانياً
- ألا يغفل في
خلال هذه
المراقبة
والتفتيش عن
التعوذ
بالذات
المقدسة
الحق جلّ
وعلا في
خلواته
والتضرع
والاستكانة
إلى جنابه
الأقدس ذي
الجلال.
اللهم
انك تعلم
ضعفنا
ومسكنتنا،
وتعلم أنا لا
نستطيع
الهرب من هذا
العدو القوي
القدير الذي
قد طمع في
السلطة على
الأنبياء
العظام
والكمّل من
الأولياء
الرفيعي
المقام، فإن
فقدنا بارقة
لطفك ورحمتك
أوقعنا هذا
العدو القوي
في مصارعتنا
إيّاه إلى
أرض الهلاك
والدمار
وكنّا
تائهين في
الظلمة
والشقاوة،
فأسألك
بالخاصة في
جنابك
والمحارم في
حضرتك أن
تأخذ بيدنا
نحن
المتحيرين
في وادي
الضلالة،
والحائرين
في صحراء
الغواية وان
تطهّر
قلوبنا من
الغلّ والغش
والشرك
والشك، انك
وليّ
الهداية.
الفصل
السادس
في
بيان النشاط
والبهجة في
العبادة
ومن
الآداب
القلبية
للصلاة
وسائر
العبادات
وله نتائج
حسنة بل هو
موجب لفتح
بعض الأبواب
وكشف بعض
أسرار
العبادات،
أن يجتهد
السالك في أن
تكون عبادته
عن نشاط
وبهجة في
قلبه وفرح
وانبساط في
خاطره
ويحترز
احترازا
شديداً أن
يأتي
بالعبادة مع
الكسل
وأدبار
النفس، فلا
يكون لها تعب
وفتور لأنه
إذا حمل على
النفس
العبادة في
حين الكسل
والتعب،
يمكن أن
تترتب عليه
الآثار
السيئة
ومنها:
أن
ينضجر
الإنسان من
العبادة
ويزيد تكلفة
وتعسفه،
ويوجب ذلك
وبالتدريج
تنفر طباع
النفوس
منها، وهذا
مضافاً إلى
أنه من
الممكن أن
يصرف
الإنسان
بالكلية عن
ذكر الحق،
ويؤذي الروح
بالنسبة إلى
مقام
العبودية
التي هي منشأ
لجميع
السعادات
ينتج عنه إلا
يحصل
للعبادة
بهذه الصفة
نور في
القلب، ولا
ينفعل باطن
النفس منها
ولا تصير
صورة
العبودية
صورة باطنية
للقلب، وقد
ذكرنا من قبل
أن المطلوب
في العبادات
هو صيرورة
باطن النفس
صورة عبودية.
والآن
نقول:
إن
من أسرار
العبادات
والرياضيات
ونتائجهما
أن تكون
إرادة النفس
في ملك البدن
نافذة وتكون
دولة النفس
منقهرة
ومضمحلة في
كبريائها
وتتملك
الإرادة
القوى
المنبثّة
والجنود
المنتشرة في
ملك البدن
وتمنعها عن
العصيان
والتمرد
والأنانية
والاستقلال
وتكون القوى
مسلمة
لملكوت
القلب
وباطنه، بل
تصير القوى
بالتدريج
فانية في
الملكوت.
ويجرى أمر
الملكوت في
الملك وينفذ
فيه وتقوى
إرادة النفس
وتخلع اليد
عن الشيطان
والنفس
الأمارة في
المملكة
وتساق جنود
النفس من
الإيمان إلى
التسليم ومن
التسليم إلى
الرضا ومن
الرضا إلى
الفناء. وفي
هذه الحالة
تجد النفس
رائحة من
أسرار
العبادة،
ويحصل لها
شيء من
التجليات
الفعلية وما
ذكرنا لا
يتحقق إلا
بأن تكون
العبادة عن
نشاط وبهجة
ويحترز فيها
من التكلف
والتعسف
والكسل
احترازا
تامّا كي
تحصل للعابد
حالة المحبة
والعشق لذكر
الحق ولمقام
العبودية
ويحصل له
الأنس
والتمكن.
وان
الأنس بالحق
وبذكره من
أعظم
المهمات
ولأهل
المعرفة بها
عناية شديدة
وفيها
المتنافسون
من أصحاب
السير
والسلوك،
وكما أن
الأطباء
يعتقدون بأن
الطعام إذا
أكل بالسرور
والبهجة
يكون أسرع في
الهضم، كذلك
يقتضي الطب
الروحاني
بأن الإنسان
إذا تغذى
بالأغذية
الروحانية
بالبهجة
والاشتياق
محترزا من
الكسل
والتكلف
يكون ظهور
آثارها في
القلب
وتصفية باطن
القلب بها
أسرع.
وقد
أشير إلى
الأدب في
الكتاب
الكريم
الإلهي
والصحيفة
القويمة
الربوبية
حيث يقول في
مقام تكذيب
الكفار
والمنافقين: "
ولا يأتون
الصلاة إلا
وهم كسالى،
ولا ينفقون
إلا وهم
كارهون"
(التوبة
45.).
وقد فسرت آية
"
لا تقربوا
الصلاة
وأنتم سكارى
"
(النساء
43)
في
حديث بأن
المراد من
سكارى
كسالى،
وأشير في
الروايات
إلى هذا
الأدب ونحن
نذكر بعضا
منها كي تفخر
هذه الأوراق
به.
محمد
بن يعقوب (هو
الشيخ الأجل
قدوة الأنام
وملاذ
المحدثين
العظام
ومروّج
المذهب في
غيبة الإمام
عليه السلام
أبو جعفر
محمد بن
يعقوب بن
اسحاق
الكليني
الرازي
الملقب ثقة
الإسلام
ألّف الكافي
الذي هو من
أجلّ الكتب
الإسلامية
وأعظم
المصنفات
الإمامة
والذي لم
يعمل
للإمامة
مثله. ألّفه
في العشرين
سنة ومات قدس
الله سره
ببغداد سنة 329 (شكط)
وصلّى عليه
محمد بن جعفر
الحسني ابو
قيراط ودفن
بباب الكوفة.)
باسناده
عن أبي
عبدالله
عليه السلام
قال: "
لا تكرهوا
إلى أنفسكم
العبادة ".
وعن
أبي عبد الله
عليه السلام
قال: قال
رسول الله
صلى الله
عليه وآله: "
يا عليّ انّ
هذا الدين
متين فأوغل
برفق ولا
تبغّض إلى
نفسك عبادة
ربّك ".
وفي
الحديث عن
العسكري (1 هو
الإمام
الحادي عشر
وسبط سيد
البشر ووالد
الخلف
المنتظر
السيد
الرضيّ
الزكي أبو
محمد الحسن
علي العسكري
صلوات الله
عليه وعلى
آبائه
الكرام
وخلفه خاتم
الأئمة
الأعلام. ولد
عليه السلام
بالمدينة
الطيبة يوم
العاشر أو
الثامن من
شهر ربيع
الآخر وقيل
في رابعه سنة
اثنتين
وثلاثين
ومئتين،
أمّه عليه
السلام
حُدَيق (مصغّرا)
أو سليل
ويقال لها
الجدّة
وكانت من
العارفات
الصالحات
قال القطب
الراوندي
وأمّا الحسن
بن علي
العسكري
عليه السلام
فقد كانت
أخلاقه
كأخلاق رسول
الله صلى
الله عليه
وآله وكان
رجلا أسمر
حسن القامة
جميل الوجه
جيّد البدن
حدث السّن له
جلالة وهيبة
وهيئة حسنة
يُعظَّمه
العامة
والخاصة
اضطرارا
ويعظّمونه
لفضله
ويقدّمونه
لعفافه
وصيانة
وزهده
وعبادته
وصلاحه
واصلاحه
وكان جليلا
نبيلا فاضلا
كريما يحمل
الأثقال ولا
يتضعضع
للنوائب
أخلاقه
خارقة
العادة على
طريقة واحدة.
(انتهى).
ومناقبه
أكثر من أن
تحصى وقبض
عليه السلام
بِسُرّ من
رأى يوم
الجمعة ثامن
شهر ربيع
الأول سنة
ستين ومئتين
(رس) في خلافة
المعتمد وهو
ابن ثمان
وعشرين سنة
ودفن في داره
في البيت
الذي دفن فيه
أبوه عليه
السلام
بِسُرّ من
رأى.)
عليه
السلام: إذا
نشطت القلوب
فأودعوها
وإذا نفرت
فودّعوها.
وهذا
دستور جامع
منه عليه
السلام بأن
أودعوا في
القلوب في
وقت نشاطها
وأما في وقت
نفارها
فخلّوها
تستريح، فلا
بد في كسب
المعارف
والعلوم
أيضاً من
رعاية هذا
الأدب وألا
يحمل على
القلوب
اكتسابها مع
الكراهة
والنفور. (ومن
الروايات
التي تشير
إلى هذا
الأدب ما
رواه الصدوق
عن الصادق
عليه السلام
قال: قال
رسول الله
صلى الله
عليه وآله: "
أفضل الناس
من عشق
العبادة
فعانقها
وأحبّها
بقلبه
وباشرها
بجسده
وتفرّغ لها
فهو لا يبالي
على ما أصبح
من الدنيا
على عسر أم
على يسر ".
وقال
الباقر ((* -
الإمام
الخامس ابو
جعفر محمد بن
علي بن
الحسين بن
علي بن أبي
طالب باقر
علم
النبيين،
ولد
بالمدينة
يوم الاثنين
ثالث صفر سنة
سبع وخمسين
من الهجرة
وقيل غرّة
رجب، أمّه أم
عبدالله
فاطمة بنت
الحسن بن علي
بن أبي طالب
وهو هاشمي من
هاشميين
وعلوي من
علويّين،
سُمي أبو
جعفر عليه
السلام
باقرا لأنه
بَقَرَ
العلم
بقْراً أي
شقّه شقا
وأظهره
إظهارا وقال
السبط ابن
جوزي سمي
الباقر من
كثرة سجوده
بَقَرَ
السجود
جبهته أي
فتحها
ووسعها. وقال
لغزارة
علمه، وقال
الشيخ
المفيد ولم
يظهر عن أحد
من ولد الحسن
والحسين
عليهما
السلام من
علم الدين
والآثار
والسنة وعلم
القرآن
والسيرة
وفنون الأدب
ما ظهر عن
أبي جعفر
عليه السلام
وقال ابن حجر
في صواعقه في
حقه عليه
السلام: هو
باقر العلم
وجامعه
وشاهر علمه
ورافعه صفا
قلبه وذكا
علمه وعمله
وطهرت نفسه
وشرف خلقه
وعمرت
أوقاته
بطاعة الله
وله من
الرسوخ في
مقامات
العارفين ما
تكلّ عنه
السنة
الواصفين
وله كلمات
كثيرة في
السلوك
والمعارف لا
تحملها هذه
العجالة. (انتهى
كلام ابن حجر).
توفي ابو
جعفر محمد بن
علي بن
الحسين
عليهم
السلام
بالمدينة
يوم الاثنين
سابع ذي
الحجة سنة
أربع عشرة
ومئة (قيد)
وله سبع
وخمسون سنة
ودفن في
البقيع.))
عليه
السلام: "
ألا إنّ لكلّ
عبادة شرة ثم
تصير إلى
فترة، فمن
صارت شرة
عبادته إلى
سُنَّتي فقد
اهتدى ومن
خالف سنّتي
فقد ضلّ وكان
عمله في
النار، أما
إني أصلّي
وأصوم وأفطر
وأضحك وأبكي
فمن رغب عن
منهاجي
وسُنَّتي
فليس مني ".)
ويستفاد
من هذه
الأحاديث
وأحاديث
أُخَر أدب
آخر وهو
أيضاً من
المهمات في
باب الرياضة
وهو أدب
الرعاية.
وكيفيته
أن يراعي
السالك في أي
مرتبة هو
فيها في
الأعم من
الرياضات
والمجاهدات
العلمية أو
النفسانية
أو العمليّة
حاله
ويتعامل مع
نفسه بالرفق
والمداراة
ولا يحمّلها
أزيد من
طاقته
وحاله،
ورعاية هذا
الأدب
بالنسبة إلى
الشباب
وحديثي
العهد من
المهمات
فإنه إذا لم
يعامل
الشباب
أنفسهم
بالرفق
والمداراة
ولم يؤدّوا
الحظوظ
الطبيعية
إلى أنفسهم
بمقدار
حاجتها من
الطرق
المحللة
يوشك أن
يوقعوا في
خطر عظيم لا
يتيسر لهم
جبره، وهو أن
النفس ربما
تصير بسبب
الضغط عليها
وكفها عن
مشتهياتها
بأكثر من
العادة
مطلقة
للعنان في
شهواتها
ويخرج زمام
الاختيار من
يد صاحبها،
واقتضاءات
الطبيعة إذا
تراكمت ونار
الشهوة
الحارّة إذا
وقعت تحت ضغط
الرياضة
خارجة عن
الحد
لاشتعلت لا
محالة
واحرقت جميع
المملكة،
وإذا صار
سالك مطلق
العنان أو
زاهد بلا
اختيار فإنه
يقع في مهلكة
لا يرى وجه
النجاة
أبداً ولا
يعود إلى
طريق
السعادة
والفلاح
وقتا ما،
فعلى السالك
أن يتملك
نفسه في أيام
سلوكه كطبيب
حاذق
ويعاملها
على حسب
اقتضاءات
الأحوال
وأيام
السلوك ولا
يمنع نفسه
الطبيعة في
أيام اشتعال
نار الشهوة
وغرور
الشباب من
حظوظها
بالكلية.
وعليه أن
يخمد نار
الشهوة
بالطرق
المشروعة
فإن في إطفاء
الشهوة
بطريق الأمر
الإلهي
إعانة كاملة
على سلوك
طريق الحق
فلينكح
وليتزوج
فإنه من
السنن
الكبيرة
الإلهية
ومضافا إلى
أنه مبدأ
البقاء
للنوع
الإنساني
فإنه له
دوراً واسعا
أيضاً في
سلوك طريق
الآخرة.
ولهذا قال
رسول الله
صلى الله
عليه وآله "
من تزوّج فقد
أحرز نصف
دينه " وفي
حديث آخر: "
من أحب أن
يلقى الله
مطهَّراً
فليلقه
بزوجة ".
وروي
أن رسول الله
صلى الله
عليه وآله
قال "
وأكثر أهل
النار
العزّاب ".
وعن
عليّ عليه
السلام قال "
إن جماعة من
الصحابة
كانوا
حرّموا على
أنفسهم
النساء
والإفطار
بالنهار
والنوم
بالليل
فأخبرت أم
سلمة رسول
الله فخرج
إلى أصحابه
فقال:
(أترغبون
عن النساء؟
إني آتي
النساء،
وآكل
بالنهار،
وأنام
بالليل، فمن
رغب عن سنّتي
فليس مني.
وأنزل الله "
لا تحرِّموا
طيّبات ما
أحلّ الله
لكم ولا
تعتدوا إن
الله لا يحب
المعتدين
وكلوا مما
رزقكم الله
حلالا طيّبا
واتقوا الله
الذي أنتم به
مؤمنون ").
وبالجملة
يلزم لسالك
طريق الآخرة
رعاية أحوال
إدبار النفس
وإقبالها،
فكما أنه لا
يجوز له الكف
عن الحظوظ
مطلقا فإنه
منشأ لمفاسد
عظيمة لا
ينبغي له أن
يزعج نفسه في
العبادات
والرياضات
العملية
وألا يجعلها
تحت الضغط
خصوصاً في
أيام الشباب
وابتداء
السلوك فإنه
أيضاً يكون
منشأ
لانزعاج
النفس
ونفورها
وربما ينصرف
الإنسان به
عن ذكر الحق.
والإشارة
إلى هذا
المعنى في
أحاديث
كثيرة، ففي
الكافي
الشريف:
عن
أبي عبدالله
عليه السلام
قال: "
اجتهدت في
العبادة
وأنا شابّ
فقال لي أبي
يا بنيّ دون
ما أراك تصنع
فإن الله عزّ
وجلّ إذا
أحبّ عبدا
رضي منه
باليسير ".
وعن
أبي جعفر قال:
قال رسول
الله "
إن هذا الدين
متين
فأوغلوا فيه
برفق ولا
تكرهوا
عبادة الله
إلى عباد
الله
فتكونوا
كالراكب
المنبتّ
الذي لا سفرا
قطع ولا ظهرا
أبقى ".
وفي
حديث آخر "
ولا تبغّض
إلى نفسك
عبادة الله ".
وبالجملة
الميزان في
باب
المراعاة أن
يكون
الإنسان
ملتفتا إلى
أحوال النفس
ويسلك معها
بنسبة قوتها
وضعفها فإذا
كانت النفس
قوية في
العبادات
والرياضات
وتقدر على
المقاومة،
فليجدّ
ويسعى في
العبادة.
وأما الذين
طووا أيام
عنفوان
الشباب،
وانطفأت
نائرة
الشهوات
شيئا ما
لديهم
فالمناسب
لهم أن
يجدّوا في
الرياضات
النفسانية
أكثر
ويدخلوا في
السلوك
والرياضة
بخطوة
رجولية
فكلما
عوّدوا
النفس على
الرياضات
فتح لهم باب
آخر إلى أن
تغلب النفس
القوى
الطبيعية
وتصير القوى
الطبيعية
مسخّرة تحت
كبرياء
النفس.
وما
ورد في
الأحاديث
الشريفة: من
الأمر
بالجدّ
والسعي في
العبادة،
وما ورد فيها
من المدح
للذين
يجتهدون في
العبادة
والرياضة،
وما ورد في
عبادات أئمة
الهدى عليهم
السلام، من
جهة وما ورد
من هذه
الأحاديث
الشريفة
المادحة
للاقتصاد في
العبادة من
جهة أخرى
مبنيّ على
اختلاف أهل
السلوك
ودرجات
النفوس
وأحوالها،
والميزان
الكلّي هو
نشاط النفس
وقوَّتها أو
نفور النفس
وضعفها.
الفصل
السابع
في
بيان
التفهيم
ومن
الآداب
القلبية في
العبادات -
وخصوصا
العبادات
الذكرية -
التفهيم،
وكيفيته:
إن
الإنسان
يعدّ قلبه في
أول الأمر
كطفل ما
انفتح لسانه
وهو يريد أن
يعلّمه كلاّ
من الأذكار
والأوراد
والحقائق
وأسرار
العبادات
بكمال الدقة
والسعي و
يفهّم القلب
الحقيقة
التي أدركها
في أيّ مرتبة
هو فيها فإذا
لم يكن من
أهل فهم
معاني
القرآن
والأذكار
وليس له نصيب
من أسرار
العبادات
فيفهّم
القلب
المعنى
الإجمالي
وهو أن
القرآن كلام
إلهي
والأذكار
مذكرات
بالحق تعالى
والعبادات
والطاعة
إطاعة لأمر
الربّ ويفهم
القلب هذه
المعاني
الإجمالية.
وإن كان أهلا
لفهم
المعاني
الصورية
للقرآن
والأذكار
فيفهّم
القلب
المعاني
الصورية من
الوعد
والوعيد
والأمر
والنهي ومن
علم المبدأ
والمعاد
بالمقدار
الذي أدركه.
وان
كشفت له
حقيقة من
حقائق
المعارف أو
كشف له سرّ
من أسرار
العبادات
فيعلّم
القلب ذاك
المكشوف
بجدّ
واجتهاد (الظاهر
أن مراد
الإمام دام
ظله من
الكشف، هو
الكشف
العلمي،
وإلا،
فالكشف
الحقيقي لا
يكون إلا
للقلب، ولا
يبقى بعده
مجال
للتفهيم.
فتدبر.)،
ونتيجة هذا
التفهيم هو
أنه بعد
المواظبة
بمدة ينفتح
لسان القلب
ويكون القلب
ذاكراً
ومتذكرا. ففي
أول الأمر
كان القلب
متعلما
واللسان كان
معلّما
والقلب كان
ذاكرا بذكر
السان
وتابعا له في
الذكر، وأما
بعدما انفتح
لسان القلب
فيكون الأمر
معكوسا
فيكون القلب
ذاكرا أوّلا
ويتبعه
اللسان في
الذكر
والحركة.
بل
ربما يتفق أن
الإنسان في
حالة النوم
يكون لسانه
ذاكرا تبعا
للذكر
القلبي لأنّ
الذكر
القلبي لا
يختصّ بحال
اليقظة فإذا
كان القلب
متذكرا يكون
اللسان
التابع له
أيضاً ذاكرا
ويسري الذكر
من ملكوت
القلب إلى
الظاهر "
قل كلّ يعمل
على شاكلته "
(الاسراء
84).
وبالجملة
ففي أول
الأمر لابد
أن يلاحظ
الإنسان هذا
الأدب: أي
التفهيم حتى
ينفتح لسان
القلب الذي
هو المطلوب
الحقيقي
وعلامة
انفتاح لسان
القلب أن
يرتفع تعب
الذكر
ومشقته
ويحصل
النشاط
والفرح
ويرتفع
الملل
والألم كشأن
الإنسان إذا
أراد أن
يعلّم الطفل
الذي لم يشرع
في التكلّم،
فما دام
الطفل لم
يتعلم
التكلّم فإن
المعلم يكون
في تعب
وملالة فإذا
انفتح لسان
الطفل وأدّى
الكلمة التي
علّمها له
ارتفعت
ملالة
المعلم.
ويؤدي
المعلم
الكلمة تبعا
لأداء الطفل
من دون ألم
وتعب.
فالقلب
أيضاً في أول
الأمر طفل ما
انفتح لسانه
بالكلام
ولابدّ له من
التعليم وأن
تلقّن له
الأذكار
والأوراد
فإذا انفتح
لسان القلب
يكون تابعا
له وترتفع
مشقة الذكر
وتعب
التعليم
وملالة
الذكر، وهذا
الأدب
بالنسبة إلى
المبتدئين
ضروري.
وليعلم
أن من أسرار
تكرار
الأذكار
والأدعية
ودوام الذكر
والعبادة
انفتاح لسان
القلب فيكون
ذاكراً
وداعياً
وعابداً وما
دام لم يلاحظ
الأدب
المذكور لا
ينفتح لسان
القلب، وقد
أشير إلى هذا
المعنى في
الأحاديث
الشريفة كما
في الكافي
الشريف عن
الصادق عليه
السلام أن
عليّاً عليه
السلام قال
في ضمن بيان
بعض آداب
القراءة: "
ولكن اقرعوا
به قلوبكم
القاسية ولا
يكن همّ
أحدكم لآخر
السورة ".
وفيه أيضاً
أن أبا عبد
الله الصادق
عليه السلام
قال لأبي
أسامة: "
يا أبا أسامة
أوعوا
قلوبكم ذكر
الله
واحذروا
النكت ".
وقد
كان أولياء
الله
يلاحظون هذا
الأدب حتى
الكمّل منهم
كما في
الحديث أن
مولانا جعفر
بن محمد
الصادق عليه
السلام كان
في صلاته
فغشي عليه
فلمّا أفاق
سئل عن سببه
فقال: مازلت
أردد هذه
الآية على
قلبي حتى
سمعتها من
المتكلم بها
فلم يثبت
جسمي
لمعاينة
قدرته. (والرواية
على ما ذكرها
العارف
الفقيه جمال
العارفين
السيد بن
طاووس ((*- ابن
طاووس يطلق
غالباً على
رضي الدين
ابي القاسم
على بن موسى
بن جعفر بن
طاووس
الحسني
الحسيني
السيد الأجل
الاورع
الازهد قدوة
العرفين
الذي ما
اتفقت كلمة
الأصحاب على
اختلاف
مشاربهم
وطريقتهم
على صدور
الكرامات عن
أحد ممّن
تقدمه أو
تأخّر عنه
غيره. قال
العلامة في
إجازته
الكبيرة:
وكان رضي
الدين علي
صاحب كرامات
حكى لي بعضها
وروى لي
والدي رحمة
الله عليه
البعض الآخر
(انتهى).
قال
المحدث
النوري في
المستدرك،
ويظهر في
مواضع من
كتبه خصوصا (كشف
المحجة): " ان
باب لقائه
الإمام
الحجة عليه
السلام كان
مفتوحا ".
وقال رحمه
الله: " وكان
رحمة الله من
عضماء
المعظِّمين
لشعائر الله
تعالى لا
يذكر في أحد
تصانيفه
الاسم
المبارك "
الله " الاّ
يعقبه بقوله
جلّ جلاله ".
توفي رحمه
الله يوم
الاثنين
خامس ذي
العقدة سنة 664 (خسد)))
- في كتابه (فلاح
السائل): فقد
روي " إن
مولانا جعفر
بن محمد
الصادق
عليهما
السلام كان
يتلو القرآن
في صلاة فغشي
عليه فلما
أفاق سئل ما
الذي أوجب ما
انتهت حالتك
إليه؟ فقال
عليه السلام
(ما معناه): ما
زلت أكرر
آيات القرآن
حتى بلغت إلى
حال كأنني
سمعتها
مشافهة ممّن
أنزلها على
المكاشفة
والعيان فلم
تقم القوة
البشرية
بمكاشفة
الجلالة
الإلهية ". ثم
يقول العرف
المذكور:
وإياك يا من
لا تعرف
حقيقة ذلك أن
تستبعده أو
يجعل لك
الشيطان في
تجويز الذي
رويناه عندك
شكا بل كن
مصدقا، أما
سمعت الله
يقول "
فلمّا تجلى
ربّه للجبل
جعله دكّاً
وخرّ موسى
صعقاً " (الاعراف
143)
(انتهى))
وروي
عن أبي ذرّ
رضي الله عنه
قال: قام
رسول الله
صلى الله
عليه وآله
ليلة يردّد
قوله تعالى: "
إن تعذبهم
فإنهم عبادك
وان تغفر لهم
فإنك أنت
العزيز
الحكيم ".
(المائدة 118).
وبالجملة
فحقيقة
الذكر
والتذكر هي
الذكر
القلبي. أما
الذكر
اللساني فهو
بدونه ذكر
بلا لبّ
وساقط عن
درجة
الاعتبار
بالمرة، كما
أشير إلى ذلك
في الأحاديث
الشريفة غير
مرة فعن
الرسول
الأكرم صلى
الله عليه
وآله أنه قال
لأبي ذرّ: "
يا أبا ذرّ
ركعتان
مقتصدتان في
تفكر، خير من
قيام ليلة
والقلب لاه (ساه)
".
وروي
عنه صلى الله
علية وآله
أيضاً "
أن الله
سبحانه لا
ينظر إلى
صوركم بل
ينظر إلى
قلوبكم ".
وسيأتي في
أحاديث حضور
القلب أنه
يقبل من
الصلاة بقدر
ما أقبل،
وكلما كان
القلب غافلا
فبمقدار
الغفلة كانت
الصلاة غير
مقبولة، وما
لم يلاحظ
الأدب
المذكور لا
يحصل الذكر
القلبي ولا
يخرج القلب
من السهو
والغفلة،
وفي الحديث
أن الصادق
عليه السلام
قال:
فاجعل
قلبك للسانك
لا تحركه إلا
بإشارة
القلب. ولا
يتحقق كون
القلب قبلة
ولا يتحقق
تبعية
اللسان
وسائر
الأعضاء له
إلا بملاحظة
هذا الأدب،
وان اتفق في
مورد حصول
الأمور
المذكورة
بدون هذا
الأدب فهو من
النوادر ولا
يجوز
للإنسان أن
يغترّ به.
|