المتدين
عندما يصوم لا
يخفى على
العاقل أن
الإنسان فيه
جنبتان، بدن
وروح ويطرأ
على كل واحد
منهما ما
يفسده،
فربما يفسد
البدن
والروح معاً
وربما يفسد
أحدهما
ويصلح
الآخر، بل إن
الروح في
أصلها ضعيفة
ميالة إلى
الانحراف،
كما يشهد
بذلك قوله
تعالى (إن
النفس
لأمارة
بالسوء إلا
ما رحم ربي)
ولذا تحتاج
إلى ما
يصلحها، على
الإنسان
يميل بطبعه
إلى إصلاح
البدن أكثر
منه من إصلاح
الروح إذا
فسدت. ومن
هنا تجد
الإنسان
يذهب إلى
المصحة
لإصلاح بدنه
بينما لا
تجده يشد
العزم
لإصلاح روحه
ونفسه، ومن
هذا المنطلق
تجد خالق هذه
الروح جعل
النظم
والتشريع
لأجل
إصلاحها كما
أنه جعل
القوانين
لأجل إصلاح
البدن، فقام
بوضع أعمال
يقوم بها
الإنسان
وبها تكون
سعادته
البدنية
والروحية. ومن
ضمن
القوانين
التي جعلها
لعلاج البدن
والروح معاً
قانون وجوب
الصوم في كل
سنة مرة
وبالخصوص في
شهر رمضان
المبارك. ولو
أردنا أن
نذكر
الفوائد
الروحية
والبدنية
للصيام
بالتفصيل
لخرج الكتاب
عن كونه
موجزاً في
بيان أفضلية
حياة
المتدينين
عن حياة
غيرهم، لكن
نشير إلى شيء
يسير جداً. أما
الفوائد
الروحية،
فإن الإنسان
يعمل في
العادة وفق
إرادته سواء
كان العمل
الذي يقوم به
خيراً أم
شراً، ومن
هنا تجد
الناس
مختلفين في
إرادتهم
فمنهم من هو
قوي الإرادة
ويقوم
بإنجاز
أعماله
ومنهم من هو
ضعيف في
إرادته بحيث
تراه كسولاً
جداً. ولما
وجد الخالق
ذلك قام
بتشريع
الصيام
تقوية
للإرادة،
لأن من قويت
إرادته وصل
إلى مقصوده،
وما ضعف بدن
على ما قويت
عليه النية
كما في
الحديث،
فأمر عباده ـ لتحقيق
ذلك ـ البالغين
العاقلين
السالمين من
الأمراض
الحاضرين
غير
المسافرين
بالإمساك عن
الأمور
التالية:
الطعام
والشراب
والجماع
والاستمناء
والحقنة
بالمائع
والارتماس
بالماء
والكذب على
الله وعلى
رسوله
والأئمة (عليهم
جميعاً
صلوات
المصلين)
وإيصال
الغبار
الغليظ إلى
الحلق
والتقيؤ
والبقاء على
الجنابة إلى
الصباح، على
تفصيل في
بعضها. وإنما
شرع ذلك
باعتبار أن
من يمنع نفسه
عن الأكل
والشرب
اللذين
يهمان
الإنسان
بالدرجة
الأولى
ويتدرب على
ذلك يكون
قادراً على
ترك ما هو
دونهما في
الأهمية،
كما أن الغني
يتحسس آلام
الفقراء
والمساكين،
لأن الغني لا
يشعر بما
يحصل للفقير
من ألم
الجوع،
فيقوم
الخالق
بإشعاره عن
طريق إيجاب
الصوم عليه،
لكن هذا لا
يعني أن يوجب
الصوم عليه
فقط دون
الفقير،
وإنما أوجب
ذلك على
الفقير
أيضاً
حفاظاً على
النفسية
العامة
للمجتمع
وحتى يحسسه
بألم من هو
أفقر منه
ولكي لا يبطر
الفقير على
الغني، بل
لتحصل
المساواة
بين الغني
والفقير،
ويدرك
الفقير ان
هناك من
يتحسس
آلامه، وهذا
بدوره يجعله
مدركاً
لفلسفة
تشريع وجوب
دفع الخمس
والزكاة
وزكاة
الفطرة
والصدقات
وغير ذلك. وإذا
امتنع
الإنسان عن
مواقعة
زوجته في
نهار شهر
رمضان امتنع
عن القيام
بالعمل
الإجرامي
أعني الزنى،
لأنه مادام
أنه قد ترك
الحلال طاعة
لله تبارك
وتعالى فإن
إرادته تشتد
في الابتعاد
عن العمل
المحرم،
وهذا بدوره
يقوي روح
الأمانة
والفضيلة
لدى الإنسان
الصائم. وكذا
إذا امتنع عن
الاستمناء،
فإنه وإن كان
محرماً
مطلقاً في
شهر رمضان
وغيره، لكن
تشتد الحرمة
في هذا الشهر
الكريم فيكن
الفعل فيه
أشد خطراً من
الناحية
الأخروية،
وإذا كان
الأمر كذلك
أدرك الفاعل
له ذنبه بنحو
أشد في هذا
الشهر
الشريف مما
يوجب تركه
حتى في غير
هذا الشهر
المبارك،
وهذا بدوره
يعطي طاقة
أكبر في
تقوية
الإرادة على
طاعة الخالق
والابتعاد
عن المحرمات. وأما
جعل شهر
الصيام في
شهر رمضان
بالخصوص
فلأجل أنه
الذي نزل فيه
القرآن
الكريم،
وهذا يستدعي
تشجيع غير
المسلمين
للبحث عن
القرآن
ومنزله
والنازل
عنده وعن دقة
التشريع
الذي
يتضمنه،
وأما
بالنسبة إلى
المسلمين،
يكون وقوع
الصيام في
هذا الشهر
بالخصوص
لتعليم
القرآن
الكريم
قراءة
وتجويداً
وأحكاماً. كما
أن الإنسان
إذا لاحظ
تشريع
الصيام في كل
سنة مرة وجد
أن تغير
النفس عما هي
عليه شيء
لابد منه،
بمعنى أن
الإنسان
يحتاج إلى
تغير وتبديل
ما هو معتاد
عليه طول
السنة، لأن
العمل على
وتيرة واحدة
طيلة سنين
يجلب التعب
والإرهاق
النفسي، فلا
بد أن يقف
عند محطة
ليرتاح فيها
بتغير ما
اعتادت عليه
النفس طول
السنة، ولذا
تجد الإنسان
يبقى ممسكاً
عن المفطرات
المتقدمة من
أول طلوع
الفجر
الصادق حتى
تذهب الحمرة
المشرقية،
فإذا جاء وقت
الإفطار ذهب
مسرعاً إلى
طعامه برغبة
شديدة، وهذا
يعني تجديد
الفرح وتغير
الحالة
النفسية إلى
حالة نفسية
جديدة
وجميلة،
لأنها مفعمة
بطاعة الله
تبارك
وتعالى، وقد
ورد: (للصائم
فرحتان فرحة
عند الإفطار
وفرحة عند
لقاء ربه). وبهذا
وذاك تجد
المتدين
متكاملاً في
فكره وعمله.
1. أن يكون
الفرد
بالغاً
عاقلاً، فلا
يجب الصيام
على الصغير
والمجنون
وإن بلغ
الصغير
وأفاق
المجنون.
2. أن يكون
قادراً،
فالمريض
الذي يضره
الصوم
كالعطاش فلا
يجب عليه
الصيام وإن
وجب عليه بعد
شهر رمضان إن
استطاع،
والشيخ
الهرم الذي
لا يتحمل
الصيام يسقط
عنه الصيام
ولا يجب عليه
القضاء
خارجه، وكذا
لا يجب الصوم
على الحامل
التي تخشى
على نفسها أو
على ولدها من
الصوم وكذا
المضطر الذي
يوجر في
حلقه، على
تفصيل في بعض
الفروع. وكذا
لا يجب على
المسافر
والمرأة
الحائض
والنفساء.
وإنما لا
يوجب
الإسلام
الصيام على
هؤلاء رأفة
ورحمة بهم. لا
يقال: ولماذا
يمنع
المسافر
والمرأة
الحائض أو
النفساء عن
الصيام. لأن
الشارع
المقدس يقول:
أن الصيام
يحتاج إلى
راحة وفطور
وسحور،
والمسافر
غير محصل
لهذه
الأمور،
وأما
النفساء فهي
مريضة حقيقة
فهي تحتاج
إلى دواء
وغذاء
حفاظاً
عليها وعلى
مولودها،
وأما الحائض
فهي بمنزلة
المريضة حتى
من الناحية
البدنية
فضلاً عن
الناحية
النفسية،
وقد صرح
القرآن بهذا
بقوله:
(قل
هو أذى)،
فمن رحمة
الإسلام
وعطفه أنه لم
يصحح الصوم
من هؤلاء،
وهذا بدوره
يجعل
المتدين
عطوفاً
رحيماً على
الآخرين
خصوصاً
الذين
يشتكون من
الأمراض
وغيرهم. كما
أن الصيام
فيه إشارة
إلى رحمة
الله تبارك
وتعالى
بالنسبة
للناسي، حيث
لا يعاقب بل
ولا يعاتب،
وهذا بخلافه
في الأنظمة
الوضعية
المعاصرة
التي لا
تعتبر
النسيان
عذراً
مطلقاً،
بحيث لو عمل
ما يخالف
قانونهم
نسياناً
اعتبروه
كالعامد بلا
فرق وهذا إن
دل إنما يدل
على ضيق
الأفق في
الأنظمة
الوضعية
المعاصرة،
وبهذا يتولد
عند المتدين
غض الطرف عن
الناسي وأن
الناسي ليس
كالعامد. وأما
الفوائد
البدنية فقد
تناقلتها
الأمم غير
الإسلامية
حتى صار
رمزاً صحياً
خاصاً
بالمسلمين،
وكيف لا يكون
كذلك، وهو
يريح المعدة
والكبد
والبنكرياس
وجميع
الآلات
العاملة في
الجهاز
الهضمي وكذا
الرئتين، بل
جميع الجسم
يكون بعيداً
عن الأمراض. وفي
الحقيقة أن
الصيام صار
وسيلة في
الدول
الأوروبية
لعلاج كثير
من الأمراض،
وبعض
المصحات في
الولايات
المتحدة
الأمريكية
تعالج المرض
عن طريق
الصيام
بالنسبة
لكثير من
الأمراض،
وفي البعض
الآخر يكون
مخففاً
لأعراضه،
وقد ورد عن
النبي (ص): (صوموا
تصحوا). وهذا
الارتياح
ينعكس على
النفس،
فالذي يفكر
في جوعه فقط
ويدع عنه
التفكير في
جميع الأمور
النفسية إذن
حري بأن
يعالج عن
الأمراض
التي توجب
القلق
والاضطراب
النفسي الذي
استفحل في
شباب الزمان
المعاصر. وليس
الحج بأقل
مصلحة من
الصوم، بل هو
مشتمل على ما
لم يشتمل
عليه عبادة
أخرى، حيث
تقوى
الإرادة
وتشتد عندما
يمنع الحاج
نفسه عن أكثر
من عشرين
شيئاً وهي:
الصيد وقطع
شجر الحرم
وحشيشه،
والجماع،
والعقد،
والطيب،
والاستمناء
ولبس
المخيط،
والاكتحال
بسواد،
والنظر في
المرآة،
ولبس الخف
والجورب،
والكذب،
والسباب،
والمفاخرة،
والجدال
وقتل هوام
الجسد،
والتختم
للزينة،
ولبس المرأة
الحلي
للزينة
والأدهان،
وإزالة
الشعر، وستر
الرجل رأسه
والمرأة
وجهها
والتضليل
للرجل،
وإخراج
الدم،
وتقليم
الأضافر،
ولبس السلاح
وقلع الضرس. والمتدين
إنما يمتنع
من هذه
الأمور كلها
لأن
الامتناع
عنها أمر
فطري يحتاجه
كل إنسان ولو
في العمر
مرة، ولذا
الإنسان
يتعلم في
العمر مرة
الفائدة
المترتبة
على ذلك. فإن
من يكبح
النفس عن
شهوة المأكل
والمشرب
والملبس
والقول غير
اللائق
والشهوة
الجنسية
بالإضافة
إلى تعريض
نفسه للحر
والبر لمنع
التضليل
عليه، وكذا
الحفاظ على
حرمة الحرم
بالابتعاد
عن صيد الحرم
بل
بالابتعاد
عن إيذائه،
وكذا مع
ملاحظة حرمة
إخراج الدم
وحرمة لبس
السلاح لحري
أن تخلق
الثقة
وتترسخ جذور
أشجار
الإرادة في
الإنسان،
وأيضاً
ليدرك الغني
مدى آلام
وحرمان
الفقير عن
بعضها، وهذا
بدوره يبذر
الإحساس لدى
المتزوجين
تجاه العزاب
الذين لا
يجدون مالاً
للزواج
حينما يمنع
الإسلام من
مجامعة
نسائهم أو
إجراء صيغة
النكاح. لا
يقال: لماذا
منع الفقير
أيضاً، لأنا
نقول: إن عدم
منعه يسبب
التفرقة بين
الحجاج، لذا
يمنع الفقير
منه إحساساً
بما هو أضعف
منه، مضافاً
إلى ما
يشتمله
المنع من
فوائد. ومن
الفوائد
للحج، إذا
لاحظنا عقد
الإحرام من
الميقات
استلهمنا
دروساً
اجتماعية
وفلسفية
وعرفانية
كثيرة،
فبالإضافة
إلى أن
اللباس
الأبيض (أعني
ثوبي
الإحرام)
شعار السلام
والاتحاد
وصفاء
النفوس،
كذلك
التلبية (لبيك
اللهم لبيك،
لبيك لا شريك
لك لبيك)
إشارة إلى
الرابطة
الوثيقة
للمخلوق
بالخالق،
وهذا عبارة
عن تجديد
العهد به
تبارك
تعالى، وأن
العبودية
ليست إلا له. كما
أن الطواف
بالبيت
العتيق يشير
إلى أن
الطواف
ينبغي بل يجب
أن يكون في
ساحة رحمة
الله تبارك
وتعالى، وأن
الله تبارك
وتعالى بيده
ملك وملكوت
كل شيء،
فالانقطاع
لا يكون إلا
له والاتصال
لا يكون إلا
به،
بالإضافة
إلى أن
الطواف حول
البيت
العتيق هو
عبارة عن أخذ
دروس من
أخلاق
الأنبياء (ع)
الذين
ينطقون
بمنطق العقل
والفطرة،
حيث أنهم هم
الحفاظ على
الشرائع
السماوية
وهم
المبلغون
لها على أحسن
وجه وهم
المنقطعون
إلى الله وهم
الذين رفضوا
الانصياع
للشرك
وأتباعه
والكفر
وخزعبلاته،
فهم رواد
الكرامة
الإنسانية
والحرية
المهذبة من
لدنه تبارك
وتعالى. فالطواف
بالكعبة
المشرفة
تجسيد
لأهداف تلك
الرسالات ،
بل تجسيد
الأهداف
السامية لمن
ولد فيها
أعني أمير
المؤمنين (ع)
الذي تشرفت
الكعبة
بولادته،
وشرب ماء
زمزم هو شرب
النفس
لمبادئ
إسماعيل
وأبيه
إبراهيم
عليهما وعلى
نبينا وآله
أفضل الصلاة
والسلام،
وهو شُرْب
لماء الرحمة
الإلهية،
وقد روي أن (ماء
زمزم لما شرب
له)،
وحجر
إسماعيل رمز
رفض الظلم
والكفر
والجبت
والطاغوت،
حيث دفن في
حجر إسماعيل
سبعون نبياً. وكذا
يشير إلى بعض
ما تقدم مقام
إبراهيم (ع). وأما
السعي بين
الصفا
والمروة فهو
إشارة إلى ما
جسدته
المرأة
العظيمة ام
إسماعيل من
معنى عظيم
ألا وهو
السعي إلى
الله وطلب
المعونة منه
وعدم اليأس
بطول تأخير
الإجابة، بل
لابد من
الإكثار من
التضرع إلى
الله
والإنابة
إليه، فإن من
أكثر طرق
الباب يوشك
أن يفتح له. والمتدين
يعيش هذه
الحالة
الإيمانية
بنفس مفعمة
بالأجواء
الملكوتية
والتحقيقات
العرفانية. وكذا
المتدين
الحاج عندما
يقف أيضاً في
يوم العيد،
فهو إن كان
يرمي عمودا
أو أعمدة من
حجر بسبع
حصيات فهو
يرفض
الشيطان
حقيقة،
بمعنى أنه
يرفض الغيبة
والبهتان
والزنى وشرب
الخمر
والنميمة
والسفر
للمعصية
وظلم
الأولاد
والزوجة
والوالدين
والناس،
وعدم أكل
الربا وجميع
أنواع
السحت، وكذا
يرفض التسلط
على الآخرين
إلا بالحق
وجميع
المحرمات
التي توجبها
غواية إبليس
لعنه الله. ولأن
كان المتدين
الحاج يذبح
أو ينحر فهو
ينحر ويذبح
مبدأ الكبر
على الآخرين
والاستحقار
بهم، ويلبس
رداء
التواضع
والتذلل
لهم، كما أنه
يتعلم كيف
يعطي
الفقراء،
فإن من تعلم
إعطاء
الفقير ثلث
هَدْيِهِ لا
يحبب لنفسه
ان يعطيه أقل
من ذلك. كما
أنه يتعلم فن
المعاملة مع
الصديق
وفائدة
الإهداء
عندما يعطي
ثلث
هَدْيِهِ
للمؤمن
هديةً، فإنه
بذلك يبعد
نفسه عن
مساءة البخل. فمناسك
الحج دروس
عظيمة
يتعلمها
المتدين
عندما يقف في
عرصات
المسجد
الحرام وكذا
عندما يقف
بعرفات في
اليوم
التاسع من ذي
الحجة
والمشعر
الحرام (المزدلفة)
في يوم عيد
الأضحى
متأهباً
لتعلم
الدروس
الخاصة بمنى
بجميع
أعمالها في
اليوم
الحادي عشر
والثاني عشر. فمناسك
الحج عبارة
عن دروس
روحية
يتخذها
المتدين
بهذا الدين
العظيم
المشرع من
لدن عليم
حكيم ليرتقي
في سلوكه
النظري
والعملي. المتدين
بالدين
الإسلامي
بنحو حقيقي
يكون
متديناً
بعقائده
الحقة
والالتزام
بالأحكام
الفرعية
التي منها
الأخلاق،
فالإسلام قد
حث وأكد على
أن يكون
الإنسان
حليماً
كريماً
صادقاً (قولاً
وعملاً)
متواضعاً
ليناً
صابراً
غيوراً
تقياً
شاكراً
متوكلاً على
الله تعالى
راجياً منه...
الخ، وقد مدح
الرسول (ص)
حاتم الطائي
المشهور
بالكرم عند
العرب
وغيرهم
لأنها كان
كريما وكان
يحب مكارم
الأخلاق،
وقد قال
الشاعر:
وإنما
الأمم
الأخلاق ما
بقيت
فإن هُمُ
ذهب أخلاقهم
ذهبوا فالإنسان
المتدين
عندما يأمره
الشرع
باللين
والسماحة
فإنه لا
يتعامل مع
بني جنسه
ـ الأقارب
والأجانب ـ
بالقسوة
لأن الإسلام
رفض العنف
بجميع
أشكاله
وألوانه،
حتى في
العبادة أمر
الإسلام
بالرفق وترك
العنف، فقد
روي عن علي (ع) (خادع
نفسك في
العبادة
وارفق بها
ولا تقهرها)
وروي
عنه (الرفق
لقاح الصلاح
وعنوان
النجاح)
وروي (أفضل
الناس
أعملهم
بالرفق،
وأكيسهم
أصبرهم على
الحق). والأصل
في الإسلام
الرفق
واللين
والسماحة،
والعنف في
الإسلام
حالة
استثنائية
واضطرارية،
كالبلد التي
دعاها النبي
صلى الله
عليه وآله
إلى الإسلام
ـ مثلاً ـ
ولا تدخل
فيه عناداً
ولا تدفع
الجزية،
فلربما يأمر
النبي صلى
الله عليه
وآله
بمحاربتهم
بعد تأكيد
الوعظ
والإرشاد
لهم. وعن
الرضا عن
آبائه عليهم
السلام قال:
قال رسول
الله (ص): (عليكم
بمكارم
الأخلاق،
فإن ربي
بعثني بها،
وإن من مكارم
الأخلاق أن
يعفو الرجل
عمن ظلمه،
ويعطي من
حرمه، ويصل
من قطعه، وأن
يعود من لا
يعود إليه). وعن
عبد الله بن
سنان عن أبي
عبد الله (ع)
قال: قال
رسول الله (ص)
في خطبة: ألا
أخبركم بخير
خلائق
الدنيا
والآخرة:
العفو عمن
ظلمك، وصلة
من قطعك
والإحسان
إلى من أساء
إليك،
وإعطاء من
حرمك). بل
حتى في
الحروب لا
تجد الإسلام
إلا آمراً
بالرفق
واللين
والإخاء
والمساواة
كمقاسمة
المسلمين في
زادهم
للكفار
اللذين
أسرهم
المسلمون. فلا
تجد لدم
الإنسان
قيمة كما
تجده في
الإسلام،
وهو يعطي كل
الحق لآدمية
الإنسان، بل
يعطي
الإسلام
الإنسان
حريته في
العقيدة
أيضاً ولكن
بشروط حتى لا
يختل النظام
في البلاد
الإسلامية. ولقد
جاء في عهده
صلى الله
عليه وآله
لليهود حين
قدم المدينة:
(وأن
يهود بني عوف
أمة مع
المؤمنين،
لليهود
دينهم
وللمسلمين
دينهم،
وأموالهم،
وأنفسهم،
إلا من ظلم
أو أثم فإنه
لا يرتغ إلا
نفسه وأهل
بيته). فهذه
هي حرية
العقيدة في
الإسلام
طبقاً لقوله
تعالى: (لا
إكراه في
الدين قد
تبين الرشد
من الغي) والإنسان
الذي يستخدم
العنف إنما
يستخدمه
لأنه ضعيف في
نفسه، مطيع
لهواه، ولا
يتخذ مكارم
الأخلاق
ثوباً له،
ولذا لا تجد
العنيف
ـ أثناء
عنفه ـ
عاقلاً. وكما
أن الإسلام
أمر بالرفق
واللين
والسماحة
كذلك أمر وحث
وأكد على
الكرم، فإن
البخيل لا
يشم ريح
الجنة كما
روي عنهم
عليهم
السلام. والبخل
سمة وعلامة
تشعر بوساخة
النفس، لأن
النفس التي
تحرص على جمع
المال لها
فقط ولا تكرم
الفقراء ولا
تعطي
المحتاجين
تكون مريضة
عقلاً
وشرعاً
وعرفاً
وتحتاج إلى
علاج حتماً
وقد روي عن
النبي (ص) (إن
الله كريم
يحب الكرم)
وروي عن علي (ع)
(الكريم من
بذل إحسانه)
وروي عنه
أيضاً (الكريم
من سبق). كما
حث الدين
الإسلامي
على كف الأذى
فقد روي عن
علي (ع) (من إمارات
الخير كف
الأذى)
وروي عنه
أيضاً (لا
تسيء إلى من
أحسن إليك،
فمن أساء إلى
من أحسن إليه
منع الإحسان). وأكد
على ترك
اللجاجة في
الكلام فقد
روي عن أمير
المؤمنين (ع) (اللجاجة
تسل الرأي)
وروي عنه (ع) (ليس
للجوج تدبير). وحرم
الخيانة فقد
روي عنه (ع) (أقبح
الأخلاق
الخيانة)
بل روي عنه (رأس
الكفر
الخيانة). وحرم
الكِبْر فقد
روي عن علي (ع) (عجبت
للمتكبر
الذي كان
بالأمس نطفة
ويكون غداً
جيفة)
وروي عنه
أيضاً (إياك
والكبر فإنه
أعظم الذنوب
وأَلأَم
العيوب وهو
حلية إبليس)،
وفي مقابل
ذلك روي عنه
أيضاً (بالتواضع
تكون الرفعة)
وعنه أيضاً (كفى
بالتواضع
شرفاً). وأكد
على
المشاورة
فعن علي (ع) (الاستشارة
عين الهداية)
و عنه أيضاً (المستشير
متحصن من
السقط) وعنه
أيضاً (أفضل
الناس رأياً
من لا يستغني
عن رأي مشير)
وعنه أيضاً (من
استغنى
بعقله ضل) وعنه
أيضاً (من
قنع برأيه
فقد هلك). فالإسلام
لم يترك
مجالاً لم
يبين فيه
طريقة
المعاملة في
الحياة ولم
يبق إلا
التطبيق من
قبل
المنتمين
إليه، لأن
المنتمين
إليه إذا لم
يأخذوا
بتعاليمه
ويطبقوها
على أنفسهم
وذويهم اتخذ
الكافر ذلك
وسيلة للنيل
منه. والمتدين
هو ذلك الذي
يتعامل
بتعاليم
دينه
السامية،
فيوقر
الكبير
ويعطف على
الصغير
ويكرم الضيف
ويعطي
السائل بنفس
طيبة
ويتواضع
للآخرين،
ويعمل،
ويبتعد عن
مجالس
البطالين
إلا أن يكون
للأمر
بالمعروف
والنهي عن
المنكر، كما
أنه يتسم
بالشجاعة
على نفسه
الأمارة
بالسوء
والغيرة على
أهله وماله
وغيرها من
الفضائل. كلمة
الختام قد عرفت بصورة عامة بعض ملامح الدين الإسلامي وكيف أنه دين متكامل في الفكر والعقيدة والسلوك والعمل وأنه مطابق وموافق تماماً لمنطق الفطرة والعقل، فإذا عملت الإنسانية به وطبقته تطبيقاً كاملاً فلا شك أنها تكون سعيدة، وقد رأينا في مطاوي هذا الكتاب المتواضع أن مخالفته مخالفة للفطرة والعقل وأثبتنا ذلك بالدليل القطعي فإذا لم يطبق بشكل كامل كان السائر على غير هديه على خلاف السير التكاملي المستقيم وبسبب ذلك تكون نتيجة ذلك السير المنحرف السقوط بكل ما تحمله كلمة السقوط من معنى.
|