|
||||||||
الضمير
الفضائل
الفرعية
الحكمة
|
||||||||
الضمير "
ان للقلب
أذنين، فإذا
هم العبد
بذنب قال له" "
روح الإيمان
لا تفعل،
وقال له
الشيطان
أفعل " الإمام
صادق(ع) (5) الضمير
يتألف
الإنسان من
جزئين
متباينين،
بهما يتم
تركيبه
ومنهما
تتكون قواه
وعناصره،
وعنهما تصدر
أفعاله
وأفكاره
وبمجموعها
يدرك قسطه من
الحياة
وينال حظه من
الرقي
والكمال
وهذان الجزء
ان هما النفس
والجسد. جزء
ان متباعدان
ائتلفا
فكانا
مزيجاً
عجيباً يحمل
خواص
الطبيعة
وآثار ما
وراء
الطبيعة،
وأصبحا بعد
إئتلافهما
شيئاً
واحداً يدرك
بادراك واحد. والذي
يهمنا ان نجد
الاتصال قد
أفاد هذين
الجزئين
قدرة كاملة
لا يتمتعان
بنظيرها لو
كانا
منفردين. للنفس
أهداف لا تصل
إليها إذا لم
تتصل
بالجسد،
وللجسد
غايات لا
يبلغها إِلا
بمعونة
النفس،
ويقول علماء
أخلاق: ان
الأهداف
التي يتوجه
إليها في
سلوكه
ومعاملاته
قد تكون من
مختصات
الجسد،
ويمثلون
لذلك
باللذات
الزائفة
التي تحصل من
الشهوات
ألبهيمية،
وقد تكون من
مختصات
النفس
ويمثلون لها
بالكمالات
النفسية
التي تحصل
للإنسان من
اكتساب
العلوم
واللذات
العقلية
التي تنشأ من
اكتشاف
الخفيات من
الأشياء وقد
تكون مما
يشترك فيه كل
واحد من
النفس
والجسد على
السواء أو
على التفاضل
ولكل واحد من
هذه الأقسام
أمثلة
يذكرونها في
كتبهم،
وقياس الألم
في ذلك قياس
اللذة. والإنسان
إنسان بنفسه
لا بجسده لأن
جميع أفراد
الحيوان
تشاركه في
هذه
الناحية،
ومحافظته
على
إنسانيته
بمقدار
محافظته على
معنويات
نفسه، وسموه
في إنسانيته
بمقدار حرصه
على إنما
مداركه
واستثمار
مواهبه. خلق
الجسد ليكون
آلة مسلوبة
الإرادة بيد
النفس،
توجهه حيث
تشاء وتصرفه
كيف تريد،
واستقامة
الإنسان في
شيمه
وأخلاقه،
ورقيه في
درجات
الإنسانية
لا يحصل إلا
بذلك فإن
عدالة العقل
الحاكم على
النفس
والمدبر
لسلوكها
تمتع النفس
عن
الاستئثار
بحقوق الجسد
أو إعطائه
أكثر مما
يستحق. أما
إذا انعكس
الأمر
وأصبحت
النفس آلة
مسخرة للجسد
يستعبدها
لتحقيق
ميوله ونيل
أوطاره،
فهنالك
الشقاء
الدائم
والخسران
العظيم لأن
العقل أصبح
معزول
الحكومة
مردود الرأي. والفلاسفة
المتقدمون
يقولون في
صفة النفس
حين يريدون
تعريفها: " هي
جوهر ملكوتي
يستخدم
البدن في
حاجاته "
ويقولون: ان
هذا الجوهر
الملكوتى
الواحد يظهر
بمجالي
متعدد
متفاوتة،
وبالنظر إلى
كل واحد من
هذه المجالي
يطلقون عليه
اسماً خاصاً
فيسمونه
عقلاً من حيث
أنه يدرك
الأمور
الكلية
المعقولة،
ويسمونه
روحاً لأن به
حياة الجسد
ونموه،
ويسمونه
قلباً لأنه
يتقلب بما
يخطر فيه من
الخواطر.
والإمام
الصادق عليه
السلام قد
يجري مع هذا
الإصلاح إلى
حد قريب
فيقول: "اجعل
قلبك قرينا
برا أو ولدا
واصلا"[1]
فيسمي
النفس قلباً
لما فيه من
الخواطر ثم
يجعله قرينا
برا يجب
اتباع نصحه
في الخواطر
الحسنة
وولدا باراً
يجب إرشاده.
عند الخواطر
السيئة. وقد
يجري مع
الإصطلاح
إلى حد أبعد
من ذلك فيقول:
"من لم يكن له
واعظ من قلبه
وزاجر من
نفسه ولم يكن
له قرين مرشد
استمكن عدوه
من عنقه"[2]. أما
هذه
الخاطرات
التي تحدث في
النفس والتي
باعتبارها
سماها
الخلقيون
قلباً فهي
أفكار تعترض
النفس إذا
توجهت إلى
عمل من
الأعمال
تحثها على
إيجاده أو
تحذرها من
فعله فإذا
كانت هذه
الخاطرة
تدعو إلى
الخير أو
تحذر عن الشر
سميت "إلهاماً"
وان كانت على
العكس من ذلك
سميت "وسوسة". ومصدر
هذه الإلهام
قوة خفية في
النفس يشعر
بها الإنسان
جليا عند
مباشرة عمل
يرضي به
عاطفته أو
عقله أو عمل
يغضبهما،
والمتأخرون
من علماء
الأخلاق
يسمون هذه
القوة "
بالوجدان " و"
الضمير"
ويصفها بعض
أرباب
الفلسفة
الحديثة "
بصوت الله في
الإنسان "
ويسميها
الإمام
الصادق عليه
السلام روح
الإيمان
بقوله: " ان
القلب أذنين
روح الإيمان
يساره
بالخير،
والشيطان
يساره
بالشر،
فأيهما ظهر
على صاحبه
غلبه "[3]
وسأله بعض
أصحابه عن
روح الأيمان
هذا فقال: "
أما رأيت
الإنسان يهم
بالشيء
فيعرض بنفسه
الشيء يزجره
عن ذلك
وينهاه قال
نعم، قال: هو
ذاك "[4]
. الضمير
واعظ القلب
كما سماه في
حديثه
السابق،
وروح
الإيمان كما
يسميه في
قوله هذا وهو
إحدى
الغرائز
التي نشأت مع
الإنسان منذ
يومه الأول
وتدرجت معه
في عصوره،
وتطورت معه
في تطور
أحواله
وغرائزه. ويدلنا
على هذا أنا
نجد الضمير
لا يختص بأمة
دون أمة
أخرى،
فالضمير
يوجد عند
الأمم
المتوحشة
التي لم تخضع
لقانون ولم
تعترف بنظام
كما يوجد بين
الأمم
الراقية
التي تشرع
القوانين
وتعترف
بالأنظمة،
وبذرة
الضمير توجد
عند الصبي
الناشئ وعند
الطفل
الدارج ولعل
جرثومة
الضمير توجد
في قسم من
الحيوانات
العجماء على
ما يقوله بعض
علماء
الحيوان. وللضمير
قوتان
متقابلتان
يشعر
الإنسان
بوجود هما
قبل العمل
وبعده. قد
يتوجه
الإنسان إلى
عمل يرضى به
عاطفته
مثلاً ولكنه
يغضب عقله
فيرى نفسه
حينذاك بين
قوتين
متقابلتين
تحثه
إحداهما على
العمل
وتحذره
الأخرى منه،
وتنفاضل
هاتان
القوتان بمقدار
ما في
الإنسان من
ميل إلى
الخير أو إلى
الشر،
وبمقدار
ماله من
التمسك
بالصفات
الحسنة أو
القبيحة،
وقد تكون
القوتان
متكافئتين
إذا تساوت
ميوله. فإذا
ابتدأ في
إنجاز العمل
استمرت
القوة
الموافقة
على الحث
والتشجيع،
وخفت صوت
القوة
المعارضة
ولكن سكوتها
يكون إلى
حين، وإذا
أتم العمل
شعر بتأنيب
شديد من
الناحية
المكبوتة
وخفت صوت
الناحية
المنتصرة. وأما
إذا ترك ذلك
العمل إرضاء
لعقله
وإجابة
لوجدانه
فأنه يشعر
بتأنيب قليل
من ناحية
العاطفة
المكبوتة
وبارتياح
عظيم من
الناحية
الثانية
ولذلك فلا
يمكننا ان
نصدق ان
الضمير هو
العقل
العملي كما
يراه
الفيلسوف
الالماني
كانت لان
العقل
العملي خاضع
لحكومة
العقل
النظري،
وظيفته
ترتيب
الأعمال على
درجاتها،
وإعطاء كل
عمل منها
مكانه الذي
يليق به وإذن
فالعقل
العملي
يدعوا إلى
الخير فقط،
فلا يسعنا ان
نجعله
تفسيراً
للضمير. والنظرات
المتقدمة
توضح لنا ان (للضمير)
شؤوننا
وآثارا.
فأثره قبل
العمل حث أو
تحذير، وبعد
حصول العمل
ارتياح أو
تأنيب ومعنى
هذا ان صوت
هذه القوة لا
يختص في حال
حصول الرغبة
أو في حالة
انقماعها،
ويقول بعضهم:
الوجدان
والوسواس
صوت رغبات
مقموعة[5]
، ولم يظهر
لنا سر هذه
الصفة التي
يذكرها، على
أنا تعترف
بأن صوت
الوجدان
يكون أشد
ظهوراً عند
انقماع
الرغبة التي
يدعو إليها. وأنكر
جماعة من
الخلقيين
كون الضمير
غريزة من
الغرائز،
وقالوا هو
قوة يكتسبها
الإنسان
اكتسابا،
وللتجربة
والاختبار
والتقاليد
والعادات
أثر كبير في
تكونه،
ويدلون على
مذهبهم هذا
بوجوه أهمها
ما يأتي: 1ـ
إن القوانين
والأنظمة
الوضعية هي
الحافظة
للضمير من
التداعي
والإنهيار،
ودليل هذا
أنا لو رفعنا
سلطان
القوانين
الخلقية
والإجتماعية
والدينية عن
آية أمة من
الأمم
لوجدنا اُن
الحال فيها
ينقلب رأساً
على عقب وأن
أُسس
الضمائر
الخلقية
فيها تتداعى
وتنهار،
وهذا يدلنا
على أن
الضمير تابع
لهذه
الأنظمة
يوجد
بوجودها
ويفنى
بفنائها. وجوابه
أن الضمير
قوة بسيطة
تتقوى
بالتمرين،
والمحافظة
على
الواجبات
وأتباع
الأنظمة،
حتى تسيطر
على جميع
القوى: وتحكم
على
الغرائز،
وتضعف
بالمخالفة
والإهمال
حتى يخفت
الصوت ويموت
الضمير،
ونعني بموت
الضمير
إنعدام أثر
هذه القوة لا
إنعدام
وجودها فإن
الضمير إذا
تتابعت عليه
الصدمات
والمخالفات
يخفت صوته،
فلا يبعث إلى
فعل خير, ولا
يحذر من عمل
شر، وهذا ما
نسميه بموت
الضمير أما
جرثومة هذه
القوة فلا
تزال باقية
في الإنسان
مادام
باقياً في
الحياة،
ويمكن أن
تعود إلى حين
العمل يوماً
ما إذا ما
تعاهدها
صاحبها
بالتمرين
والتقوية
مرة أخرى. 2ـ
نجد الناس
مختلفين في
ضمائرهم،
فالشيء
الواحد يكون
حسناً عند
أمة من الأمم
وهو بنفسه
يعد قبيحاً
عند أمة أخرى.
وهذا يدلنا
على ان السبب
هو الاختلاف
في العادات
والتقاليد
والأزمنة
وما أشبهها. وجوابه
ان الضمير
قوة تحث على
الخير وتحذر
عن الشر، أما
تمييز الخير
من الشر،
والمقياس
الذي يقاس به
العمل ليعلم
أنه خير أو
شر فهو شيء
آخر وراء
الضمير،
وليس الضمير
معصوماً في
حكمه فهو يحث
الإنسان على
ما يعتقد أنه
خير ويحذره
عما يعتقد
أنه شر، ثم
لا يحاسبه عن
مصدر هذا
الاعتقاد
فقد يكون
مصدره مادة
سخيفة أو
تقليداً
باطلاً. وحكم
الوجدان
يتعدى أعمال
الشخص نفسه
إلى أعمال
الغير فهو
يكبر كل عمل
يعتقد أنه
خير، ويحتقر
كل عمل يعتقد
أنه شر، وان
كان من أعمال
الغير.
وترحيب
الضمير بذلك
العمل أو
تحذيره عنه
يتفاوت بحسب
ما يعتقد فيه
من جهات
الخير أو
الشر، وبحسب
شدة ذلك
الاعتقاد
وضعفه
وبمقدار
تمسك الشخص
بالمثل
الأعلى في
أخلاقه،
ولذلك نرى
التفاوت
العظيم بين
الناس في
ضمائرهم. وإذا
كان الإنسان
الكامل هو
الذي يستمد
رشده من
العقل، وإذا
كانت قوة
الوجدان
بمقدار
محافظة
الإنسان على
عمل الخير في
سلوكه
ومعاملاته
كانت نتيجة
هذا ان
الوجدان
الكامل
والضمير عند
هذه الطبقة
من الناس قوة
واحدة وليس
لها إلا صوت
واحد فهو لا
يعرف إلا
الحق وهو لا
يأمر إلا
بالخير فإن
الصوت الآخر
من هذه
الغريزة قد
أماته كبت
الميول
وتحديد
الشهوات. والوجدان
هو المبدأ
الأول
للتوبة
والتكفير عن
الخطايا لأن
الضمير إذا
شعر
بالخطيئة،
وتبين عظم
الذنب وجّه
إلى النفس
لوازع من
التأنيب
وقوارص من
العتاب
والتوبيخ،
وقد يتأثر
الإنسان من
ذلك فيندم
وهذا الندم
هو التوبة في
مرحلتها
الأولى. وكم
للضمير
الفاضل من يد
بيضاء على
الإنسان في
تهذيب نفسه،
والأخذ بيده
إلى سبيل
النجاح
وتسديده في
ما يعمل وما
يقول، ويعلق
الخلقيون
المتأخرون
على الضمير
أشياء كثيرة
يترامى بها
العد، ويطول
فيها الكلام. والضمير
محترم عند
الإنسان فقد
يرتكب الرجل
أخطاء
وجدانية
ومصدرها
قصور في
التفكير، أو
تسرع في
الحكم إلا
أنه لا يقبل
من الناصح ان
يتهم ضميره
بالخيانة
وقد لا يصغي
إلى إرشاده
بعد هذه
التهمة، لأن
الضمير
محترم عند
الإنسان ومن
الحزم
للمرشد في
أمثال ذلك أن
يدله على وجه
الخير فقط من
غير ان يعترض
لكرامة
الضمير. (6)
"
من ملك نفسه
إذا رغب وإذا
اشتهى "
"
وإذا غضب.
حرم الله
جسده على
النار"
الإمام
الصادق(ع) الفضائل
الفرعية
علمنا
ان الخلق
الكريم من كل
قوة هو
التوسط
فيها، وان
الإفراط في
تلك القوة
والتفريط
فيها
رذيلتان
خلقيتان
تعملان على
هدم تلك
الفضيلة،
وعاملان
نفسيان
يحاولان سد
تلك الباب
الموصل إلى
الخير
والمشير إلى
طريق
السعادة،
ولا يستطيع
الإنسان ان
يستمر في
خلقه الكريم
إلا بمحاربة
هذين
العدوين
اللدودين
وأشد هما
تأثيراً
عليه هو أقر
بهما إلى
نزعاته
وأكثرهما
موافقة
لميوله،
والإنسان في
الكثير من
أفراده
ميّال في
نزعاته إلى
أحد
الجانبين،
وهو في
الأكثر من
هذا الكثير
يميل إلى
جانب
الإفراط
والزيادة. أما
المعتدلون
بغرائزهم،
المتوازن في
نزعاتهم،
فهم قليل
وأقل من
القليل. ولعل
هذا وأمثاله
يكشف لنا
حكمة مستورة
في بعض
الأحاديث
الواردة عن
الأئمة من
أهل البيت(ع)
في الحث على
الفضائل
التي تقرب
بظاهرها
التفريط،
فهي تحث على
الزهد
والقناعة
لتقابل
الإفراط في
بهيمية
الشهوة،
وتدعو إلى
الحلم
والرفق لتحد
من وحشية
الغضب، وكم
لأمناء
الشرع في هذا
وأمثاله من
كلمة جامعة. وقد
عرفنا ان
الاعتدال
الخلقي يقوم
بملكات أربع
يعدها علماء
الأخلاق
أصولاً
للأخلاق
الفاضلة
ورؤوساً
للملكات
الصحيحة
الفرعية،
فمن الجدير
ان نشير إلى
بعض خواص هذه
الأصول،
ونستعرض
جانباً من
فروعها لنلم
بعض الإلمام
بآراء
الإمام
الصادق(ع) في
ذلك. الحكمة
التوازن
العادل في
القوة
الفكرية هو
الحكمة،
والرذيلة
التي تقابل
الحكمة من
جانب
التفريط هي
الحمق
والبلادة
ويعنون بها
تعطيل القوة
الفكرية عن
العمل، وكبت
مالها من
مواهب
واستعداد،
والخسيسة
التي تضادها
من جانب
الإفراط هي
المكر
والدهاء
ويريدون منه
التجاوز
بالفكر عن
حدود
البرهان
الصحيح،
واستخدام
قوة العقل في
ماوراء الحق
فقد تثبت
نتائج
ينكرها الحس
وقد تنفي
أشياء
تثبتها
البداهة. ولست
أرى ان لفظ
المكر
والدهاء
يدلان على
هذا المعنى
لأنهما
بمعنى
الاحتيال
والخداع،
وهو شيء آخر
وراء الحكمة
الباطلة
التي يقصدها
هؤلاء
المفسرون،
أما الدهاء
بمعنى جودة
الرأي فهو
يقرب من معنى
الحكمة،
وإذن فلنسم
هذه النقيصة
الخلقية(بالحكمة
الباطلة) كما
يسميها
علماء
الأخلاق. ونحن
إذا فحصنا
الفضيلة
العقلية(الحكمة)
وجدناها
تتألف من
عنصرين
أساسيين لا
غِنَّي لهما
عن أحدهما: قوة
فكرية في
طريقها إلى
التوازن وعلم
يرشد هذه
القوة إلى
طريق
الاعتدال. ليس
التوازن في
القوة
الفكرية من
الأشياء
التي تمنحها
المصادفة،
ويكونها
الاتفاق،
وليس بالأمر
السهل الذي
تكفي في
حصوله
للإنسان
خبرة قليلة
وتجربة
نادرة، لأنه
توازن في كل
ما يعتقد،
وتوازن في كل
ما يقول،
وتوازن في كل
ما يعمل،
وأنى للقوة
الفكرية
بهذه
الاستقامة
التامة إذا
هي لم تستعن
بإرشاد
العلم
الصحيح،
وأنّى للعقل
بمفرده ان
يبصر هداه في
الطريق
الشائك
والمسلك
الملتوي. كلنا
نتمنى
التوازن
العادل في
طبائعنا
والاستقامة
التامة في
سلوكنا، وأي
أفراد البشر
لا يتمنى
الكمال
لنفسه ولكن
الجهل يقف
بنادون
الحد، وميول
النفس
تبعدنا عن
الغاية،
والعقل هو
القوة
الوحيدة
التي يشيع
فيها جانب
التفريط بين
أفراد
الإنسان،
وذلك من
تأثير
الجهل،
فالجهل أول
شيء يحاربه
علم
الأخلاق،
لأنه أول خطر
يصطدم به
الكمال
الإنساني،
وأول انحطاط
تقع فيه
النفس
البشرية،
وأول مجرّئ
لها على
ارتكاب
الرذيلة، بل
هو أول خطيئة
وآخر جريمة. يرتكب
الجاهل
إخطاء خلقية
تعود بالضرر
على نفسه وقد
يعود ضررها
على أمة
وشعبة
أيضاً،
وعذره في ذلك
أنه جاهل،
وإذا كان
الفقيه لا
يعد الجهل
عذراً في
مخالفة
النظام
الشرعي، فإن
الخلقي أجدر
ان لا يقبل
ذلك العذر
لأن الفقه
اسلس قياداً
والفقيه
أكثر
تسامحاً أما
العالم
الخلقي فإنه
يطبق نظامه
بعنف، ويقرر
نتائجه
بدقة، ولا
يجد في
المخالفة
عذراً
لمعتذر، ولا
سيما إذا كان
ذلك العذر
أحد
المحظورات
الخلقية
كالجهل. وإذن
فمن الرشد أن
يكون العلم
أول شيء
يفرضه علم
الأخلاق،
ومن الحكمة
ان يقول
النبي
العربي(ص) (طلب
العلم فريضة
على كل مسلم)
وأن يقول
وصيه الإمام
الصادق(ع): (إِني
لست أحب ان
أرى الشاب
منكم إِلا
غادياً في
حالين: أما
عالماً أو
متعلما، فإن
لم يفعل
فرًط، فإن
فرَّط
ضيّع،فإن
ضيّع أثم،
فإن أثم سكن
النار والذي
بعث محمداً
بالحق). الشباب
دور القوة
والعزيمة،
وعهد الطموح
والرغبة،
وزمان الجد
والعمل
والشباب دور
تكامل
القوى،
وتوثب
النزعات،
وبعد ذلك كله
فالشباب هو
الدور الأول
الذي يتسلم
فيه الإنسان
قيادة نفسه،
ويختص به
تهذيب خلقه
وتثقيف
ملكاته،
ولعل المربي
قد أساء
الصنع
بتربيته
فأنجد في
الطريق
وأتهمت
الغاية،
ولعل البيئة
أعدت غرائزه
لما لا يحمد
فأضافت إلى
النقص نقصا،
وجمعت النار
حطباً،
وللنفس في ظل
الشباب
أماني
وأحلام،
وللشاب دافع
من الشهوة
ومحفز من
الطموح
وقائد من
العزيمة،
والقوة كما
قيل مبدأ
شرور أو مصدر
خيرات. القوة
أداة عاملة
تثمر الخير
وتنتج
السعادة إذا
دبرتها
الحكمة،
وقادتها
المعرفة،
وهي على الضد
من ذلك إذا
قادها
الجهل،
وحركتها
العاطفة
واستخدمتها
الميول، أما
العقل الذي
عهد إليه
باتباعه فهو
لا يزال في
عهد فتوة
جديدة، وفي
ابتداء
سياسة
مستحدثة،
وهو في هذه
الحكومة
الفتية قليل
الأنصار
والجند،
قليل
التجربة
والحنكة،
وضعف الحاكم
عامل قوي
يتخذ منه
الطائش
مبرراً
لعلمه،
وينتهزه
القوي فرصة
لتحكماته،
فكيف تكون
نتيجة هذا
الشاب
المسكين،
وما الذي
ينتهي إليه
أمره. سيقسط
في أخلاقه ثم
يسقط،
وسيخسر أعز
شيء عليه في
الحياة من
حيث لا يشعر
بألم هذه
الخسارة
لأنه يجهل
وبالأخرى
لأنه لا يحس. والحل
الوحيد لهذه
المشكلة أن
يجعل لعقل
ذلك الشاب من
العلم
الصحيح
مسعداً؛ ومن
الحكمة
الصالحة
معيناً
ليصبح قوياً
بعد ضعف،
وكثيراً بعد
قلة،
وعاملاً بعد
خمود، على ان
التجربة
والوجدان
ومقررات علم
النفس تشهد
بأن التعلم
في السن
الباكر أبلغ
في التأثير
وأعظم في
الاستفادة. ويقول
الإمام
الصادق(ع)
أيضاً: ( لا
يفلح من لا
يعقل ولا
يعقل من لا
يعلم وبين
المرء
والحكمة
نعمة العالم
والجاهل شقي
بينهما)[6]
وهذه الكلمة
على قصرها
تتضمن نتيجة
البحث وصفوة
القول في
المورد،
ويقول أيضاً:
(لوددت ان
أصحابنا
ضربت رؤوسهم
بالسياط حتى
يتفقهوا) [7]
أرأيت كيف
يفرض العلم
على أصحابه
فرضاً، ثم
يتمنى ان
يستعمل
القوة في
تطبيق ذلك
الفرض، ولكن
العلم الذي
يفرضه على
أصحابه هو
العلم الذي
يأخذ بيد
الإنسان إلى
السعادة،
ويرقى به إلى
الكمال
النفساني،
ويقول في
حديث آخر: (
كثرة النظر
في الحكمة
تلقح العقل)[8]
. شجرة
كريمة
المنبت؛
طيبة
الإنتاج،
نمت جذورها
وزكت تربتها,
ولكنها لا
تأتي بالثمر
الطيب إذا لم
تسعف
باللقاح
المناسب؛
تلك الشجرة
هي العقل؛
وثمارها هي
الأخلاق
الفاضلة
والسلوك
الحسن، أما
لقاحها فهو
كثرة النظر
في الحكمة؛
هكذا يقول
الإمام
الصادق(ع) في
هذا الحديث،
وهكذا يكون
العلم هو
اليد الأولى
في تأسيس
الفضيلة
الأولى
والساعد
القوي الذي
يمهد قاعدة
الخلق
الكامل. ومن
الجهل ما
يسمونه
بالجهل
المركب وهو
جهل يشبه
العلم في
الصورة
وشؤمه على
الإنسان أشد
من الجهل
البسيط،
لأنه مؤلف من
جهلين
والجهل
رذيلة كبرى
إذا كان
مفرداً فكيف
إذا كان
مكرراً
والجاهل
المركب عالم
في اعتقاده
وعمله صحيح
في رأيه
ولذلك فهو
يرتكب
الأخطاء
ويعمل
القبائح ولا
يسمع نصح
ناصح ولا
يصده عذل
عاذل. ليقل
القائلون ما
شاؤوا
وليخطئوه في
عمله إذا
أرادوا،
وماذا عليه
من نصح
الناصحين
وعذل
العاذلين
إذا هو أرضى
عقيدته،
وأقنع
ضميره، أنهم
هم المخطئون
فيما يقولون. بهذا
يعلل الجاهل
المركب
أعماله
وأخطاءه من
حيث لا يعلم
ان على عينيه
منظاراً
يلون له
الحقائق
وعدسة تقلب
له الصورة
،من أين له
بالمرشد
الخبير الذي
يعرفه ان هذا
اللون الذي
يراه هو
للمنظار لا
للحقيقة،
وان
الانقلاب
إنما هو في
العدسة لا في
الصورة،
لينكشف له
الحق على
صورته أوـ
على الأقل ـ
ليعلم أنه لا
يعلم. ويحدثون
عن أحد
الخبثاء أنه
أشترى
حماراً
متأنقاً لا
يأكل غير
النبات
الطري وان
يبلغ به
الجهد وأمض
به الجوع،
فأعيى صاحبه
منه ذلك لأنه
لا يجد
النبات
الطري في كل
وقت فاحتال
على الحمار
وألبسه
منظاراً
كبيراً أخضر
ثم قدم له
مقداراً من
التبن
المبلول،
فشرع الحمار
يأكل واخذ
صاحبه يضحك. ليأكل
الحمار من
النبات
الأخضر
الطري في
عقيدته
وماذا عليه
إذا رآه
الآخرون
تبناً أصفر
مادام هولا
يرى ذلك.
أنهم واهمون
وأنهم
مخطئون. لا
يلام
الإنسان إذا
ارتكب عملاً
فاسداً وهو
يعتقد بأنه
عمل صالح إذا
هو لم يقصر
في البحث،
ولكن هذا لا
يكفي لتثقيف
نفسه وتهذيب
ملكاته،
وإذن فالعلم
الذي يكون
مصدراً
للأخلاق
الفاضلة هو
الذي يوافق
الواقع
المعلوم، هو
اليقين
واليقين فقط. نعم
هو اليقين (الذي
يوصل العبد
إلى كل حال
سني ومقام
عجيب) كما
يقول الإمام
الصادق(ع)
وهو النور
الذي قال فيه:
(فإن كان
تأييد عقله
من النور كان
عالماً
وحافظاً) وهو
الحكمة التي
يقول فيها: (كثرة
النظر في
الحكمة تلقح
العقل)[9]
. ومن
آثار هذا
اليقين
اطمئنان نفس
الإنسان
وخلوده إلى
السكون،
والرضا في كل
ما يعطى وفي
كل ما يمنع،
فإن: (من صحة
يقين المرء
المسلم أن لا
يرضي الناس
بسخط الله
ولا يلومهم
بما لم يؤته
الله)[10]
. العدل قوة
العمل مبدأ
كل سلوك
ومصدر كل خلق
وقد تكرر في
الفصول
السابقة ان
العدل هو
مشايعة قوة
العمل لقوة
العقل وان
العادل هو
الذي يتبع
إرشاد العقل
في كل ما
يقول وفي كل
ما يعمل. وقد
علمنا ان قوة
العمل هذه لا
تختص بها
ملكة معينة
من الأخلاق
ولكنها تكون
جميع
الملكات
التي تنسب
إلى القوى
الأخرى حتى
سلوك العقل
نفسه، وان
التوازن في
قوة العمل
توازن في
جميع
الملكات
والانحراف
فيها انحراف
في سائر
الأخلاق،
والإمام
الصادق(ع)
يقدر هذه
النتيجة
بعينها حين
يسأل عن صفة
العدل في
الإنسان
فيقول: (إذا
غض طرفه عن
المحارم
ولسانه عن
المآثم وكفه
عن المظالم)[11]
.لا يكون
الإنسان
عادلاً حتى
يخضع الشهوة
لحكم العقل
فيغض طرفه عن
المحارم،
ويلجم الغضب
بلجام
الحكمة
فتترفع نفسه
عن المظالم،
وصفة العدل
هذه هي
التعفف
بمعناه
العام، وضبط
النفس الذي
يقول فيه: (من
ملك نفسه إذا
رغب وإذا رهب
وإذا اشتهى
وإذا غضب حرم
الله جسده
على النار)[12]
وأكثر
أخلاقيات
الإمام
الصادق(ع)
تشير إلى هذا
المعنى ولو
من ناحية
خفية. لكل
واحدة من قوى
النفس
وغرائزها
حقوق يجب أن
توفى إليها
كاملة غير
منقوصة،
ولكل منها
ميول شاذة
يجب أن يضرب
من دونها ألف
حجاب، وضبط
النفس هو
تعادل هذه
القوى في
السلوك
وتساويها في
الحقوق
فتأخذ كل قوة
ما يجب لها
وتمنع عما
يحظر عليها. وأكثر
الملكات
المعتدلة ـ
إِن لم نقل
جميعاً ـ
إِنما تكون
بتعاون جميع
القوى
النفسانية.
فالتوازن في
قوة الشهوة
مثلاً يفتقر
إلى قوة
العمل في
تكونه،
ويحتاج إِلى
قوة الفكر في
تحديده
وتمييز
غايته، وإلى
الشجاعة في
الثبات عليه
وتحمل
الآلام في
سبيل الحصول
عليه، العفة
كبنت الميول
المتطرفة من
قوة الشهوة،
وقمع
الرغبات
الشاذة منها
إلا أنها لا
تحصل للشخص إ
ذا لم يكن
له من
الشجاعة ما
يتحمل به ألم
ذلك الكبت،
ومن الثبات
وقوة
الإرادة ما
يستمر به على
تلك
الاستقامة،
فضبط النفس
في الأكثر
مزيج من قوى
متعادلة في
الحقوق،
متفاضلة في
التأثير،
وبعض هذه
القوى
إيجابي
وبعضها سلبي
وإنما قلنا
في الأكثر
لأن بعض
الملكات
العقلية لا
يحتاج إلى
قوة الشهوة
مثلاً. بقي
علينا أن
نعرف معنى
هذا
الاختصاص
الذي يذكره
علماء
الأخلاق،
ويصرون عليه
كثيراً، فإن
الاستقامة
في الخلق إذا
كانت لا تحصل
إلا بمساعدة
أكثر من قوة
واحدة
فلماذا يختص
بعض الفروع
ببعض القوى؟
ولماذا تعد
العفة من
ملكات قوة
الشهوة فقط؟
ويكون الحلم
من فروع قوة
الغضب خاصة؟ والسر
في ذلك أن
الملكة
الخلقية هي
تلك القوة
التي تنسب
إليها بعد أن
يدخل عليها
التهذيب،
فالعفة شهوة
مهذبة,
والشجاعة
غضب متوازن،
والحكمة فكر
مستقيم. ومن
هذا التعاون
النفساني
المتقدم
يظهر لنا
معنى قول
الإمام
الصادق(ع) في
بعض وصاياه
لأصحابه: (عليكم
بالورع وصدق
الحديث
وأداء
الأمانة
وعفة البطن
والفرج
تكونوا معنا
في الرفيق
الأعلى)[13].
ملكات خمس
يوصي الإمام
أصحابه
بالمحافظة
عليها
ليكونوا معه
في الرفيق
الاعلى من
الجنة، وإذا
نظرنا إلى
هذه الملكات
رأيناها
تنتهي إلى
قوة واحدة،
أو إلى قوتين
لا غير، فإن
الورع ينتهي
إلى الشجاعة
إذا كان
ورعاً عن
نزغات
الغضب، وإلى
العفة إذا
كان ورعاً عن
ميول
الشهوة،
وصدق الحديث
أيضاً قد
ينتهي إلى
هذه وقد
ينتهي إلى
تلك؛ أما
الملكات
الثلاث
الباقية فهي
من فروع
العفة لا
غير، ولكن
الإمام يضمن
لأصحابه أن
يكونوا معه
في الرفيق
الأعلى إذا
اعتدلوا في
هذه الملكات
الخمس. هو
توازن في قوة
الشهوة
ولكنه يلازم
اعتدالاً في
قوة الغضب،
واستقامة في
قوة الفكر،
يستحيل على
المتهور ان
يكون ورعاً،
وعلى الجبان
ان يلتزم صدق
الحديث. أما
العقل ـ وهو
المرشد إلى
ذلك التوازن
ـ فلا بد وان
يكون
معتدلاً
أيضاً. على
ان الورع
الذي يبتدئ
به هذه
الكلمة قريب
المعنى من
التعفف وضبط
النفس
والأخلاق
التي يعددها
ملكات عامة
تظهر آثارها
في جميع
الأعمال
والأقوال
فإذا
استقامت هي
كان الإنسان
مستقيماً في
أقواله
وأعماله،
ومن أولى من
الإنسان
المستقيم
بالرفيق
الأعلى. العدل
وضع جميع
القوى تحت
نفوذ العقل
فيعطي كل
واحدة من هذه
القوى
حقوقها
كاملة فإذا
عمل الإنسان
ذلك مع الناس
الآخرين
سميت هذه
الصفة منه
إنصافاً
وعدلاً
بمعناه
الخاص. وهذا
العدل هو
أساس الملك
العادل
ومحور
المدينة
الفاضلة
والمجتمع
المثالي،
وهو قد ينتهي
إلى العفة
وقد يكون من
الشجاعة
ويقابله من
جانب
الإفراط
الجور على
الغير
والتعدي على
حقوقه، ومن
جانب
التفريط
إهمال
الحقوق
المحترمة
للنفس
وكلاهما
جرثومة
لكثير من
الأخلاق
الفاسدة. والعدل
يكون صفة
للفرد ويكون
صفة للمجتمع. [1]
الكافي
الحديث
الأول باب
نوادر
الاستدراج. [2]
أمالي
الصدوق: ص65. [3]
الجزء
الخامس عشر
من البحار
باب روح
الإيمان. [4]
االمصدر
المقدم. [5]
قول
ينقله
الأستاذ
أحمد أمين
في هامش
أخلاقه. [6]
الكافي
الحديث29
كتاب العقل
والجهل. [7]
الكافي
الحديث8 باب
وجوب طلب
العلم. [8]
تخف
العقول ص89. [9]
أشرنا
إلي مصادر
هذه
الأحاديث
في الأبحاث
السابقة. [10]
الكافي
الحديث
الثاني باب
فضل اليقين. [11]
تحف
العقول ص89. [12]
أمالي
الصدوق ص198. [13]
الجزء
الخامس عشر
من البحار
باب الورع
واجتناب
الشبهة.
|
||||||||
|