.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست
 

حقوق الاساتذة والطلاب

حقوق الوالدين والاولاد

الحقوق الزوجية

 
 

3 - الاهتداء بهم:

لا يستغني كل واع مستنير، عن الرجوع الى الاخصائيين في مختلف العلوم والفنون، للإفادة من معارفهم وتجاربهم، كالأطباء والكيمياويين والمهندسين ونحوهم من ذوي الاختصاص.

وحيث كان العلماء الروحانيون متخصصين بالعلوم الدينية، والمعارف الاسلامية، قد أوقفوا انفسهم على خدمة الشريعة الاسلامية، ونشر مبادئها وأحكامها، وهداية الناس وتوجيههم وجهة

الخير والصلاح.. فجدير

{ 341 }

بالمسلمين أن يستهدوا بهم ويجتنوا ثمرات علومهم، ليكونوا على بصيرة من عقيدتهم وشريعتهم، ويتفادوا دعايات الغاوين والمضللين من أعداء الاسلام.

فاذا ما تنكروا للعلماء المخلصين، واستهانوا بتوجيههم وإرشادهم... جهلوا واقع دينهم ومبادئه وأحكامه، وغدوا عرضة للزيغ والانحراف.

أنظروا كيف يحرض أهل البيت عليهم السلام على مجالسة العلماء، والتزود من علومهم وآدابهم، في نصوص عديدة:

فعن الصادق، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة»(1) والمراد بأهل الدين، علماء الدين العارفون بمبادئه، العاملون بأحكامه.

وجاء في حديث الرضا عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «مجالسة العلماء عبادة»(2).

وقال لقمان لابنه: يابني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فان اللّه عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض بوابل السماء (3).

وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: العلم خزائن، ومفتاحه (مفتاحها خ ل) السؤال، فاسألوا

_____________________

(1) البحار م 1 ص 62، عن ثواب الأعمال، وامالي الصدوق.

(2) البحار م 1 ص 64، عن كشف الغمة.

(3) البحار م 1 ص 64، عن روضة الواعظين.

{ 342 }

يرحمكم اللّه، فانه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم(1).

وقال الصادق عليه السلام: إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون(2).

_____________________

(1) البحار م 1 ص 62، عن صحيفة الرضا عليه السلام وعيون اخبار الرضا.

(2) الوافي ج 1 ص 46، عن الكافي.

{ 343 }

حقوق الأساتذة والطلاب

الأساتذة المخلصون، المتحلون بالايمان والخلق الكريم، لهم مكانة سامية، وفضل كبير على المجتمع، بما يسدون اليه من جهود مشكورة في تربية أبنائهم، وتثقيفهم بالعلوم والآداب. فهم رواد الثقافة، ودعاة العلم، وبناة الحضارة، وموجهو الجيل الجديد.

لذلك كان للأساتذة على طلابهم حقوق جديرة بالرعاية والاهتمام. وأول حقوقهم على الطلاب، أن يوقروهم ويحترموهم احترام الآباء، مكافأة لهم على تأديبهم، وتنويرهم بالعلم، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. كما قيل للاسكندر: انك تعظّم معلمك اكثر من تعظيمك لأبيك!!! فقال: لأن أبي سبب حياتي الفانية، ومؤدبي سبب الحياة الباقية.

قم للمعلم وفّه التبجيلا*** كاد المعلم أن يكون رسولا

أرأيت أكرم أو أجل من الذي*** يبني وينشئ أنفساً وعقولا

وحسبك في فضل المعلم المخلص وأجره الجزيل، ما أعربت عنه نصوص أهل البيت عليهم السلام:

فعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: يجيء الرجل يوم القيامة، وله من الحسنات كالسحاب الركام،

{ 344 }

أو الجبال الراوسي. فيقول: يارب أنى لي هذا ولم أعملها؟ فيقول: هذا علمك الذي علمته الناس، يعمل به من بعدك(1).

وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولاينقص أولئك من اجورهم شيئاً، ومن علّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ولا ينقص من أوزارهم شيئاً(2).

ومن حقوق الأساتذة على الطلاب: تقدير جهودهم ومكافأتهم عليها بالشكر الجزيل، وجميل الحفاوة والتكريم، واتباع نصائحهم العلمية، كاستيعاب الدروس وإنجاز الواجبات المدرسية.

ومن حقوقهم كذلك: التسامح والإغضاء عما يبدر منهم من صرامة أو غلظة تأديبية، تهدف الى تثقيف الطالب وتهذيب أخلاقه.

وأبلغ وأجمع ما أثر في حقوق الأساتذة المربين، قول الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: «وحق سايسك بالعلم: التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع اليه، والاقبال عليه، وان لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب. ولا تحدّث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وان تستر عيوبه، وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدواً، ولا تعاد له وليّاً. فاذا فعلت ذلك، شهد لك ملائكة اللّه بأنك قصدته، وتعلّمت علمه للّه جل اسمه، لا للناس»(1).

_____________________

(1) البحار م 1 ص 75، عن بصائر الدرجات للشيخ محمد بن الحسن الصفار.

(2) الوافي ج 1 ص 42، عن الكافي.

(3) سالة الحقوق للامام السجاد عليه السلام.

{ 345 }

حقوق الطلاب

لطلاب العلم فضلهم وكرامتهم، باجتهادهم في تحصيل العلم، وحفظ تراثه، ونقله للأجيال الصاعدة، ليبقى الرصيد العلمي زاخراً نامياً مدى القرون والأجيال.

من أجل ذلك، نوهت أحاديث أهل البيت عليهم السلام بفضل طلاب العلم، وشرف أقدارهم وجزيل أجرهم.

فعن أبي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات»(1).

وعن ابي عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك اللّه به طريقاً الى الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وانه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر»(2).

وعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله:

_____________________

(1) البحار م 1 ص 58، عن أمالي الشيخ ابي علي ابن الشيخ الطوسي.

(2) الوافي ج 1 ص 42، عن الكافي.

{ 346 }

«طلب العلم فريضة على كل مسلم، ألا إن اللّه يحب بغاة العلم»(1).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله «العالم والمتعلم شريكان في الأجر، للعالم أجران وللمتعلم أجر، ولا خير في سوى ذلك»(2).

ومن الواضح أن تلك الخصائص الرفيعة، والمزايا المشرفة، لا ينالها الا طلاب العلم المخلصون، المتذرعون بطلبه الى تزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم، وكسب معرفة اللّه عز وجل وشرف طاعته ورضاه، فاذا ما تجردوا من تلك الخصائص والغايات، حرموا تلك المآثر الخالدة، ولم يجنوا إلا المآرب المادية الزائلة.

واليك مجملاً من حقوق الطلاب:

1 - يجدر بأولياء الطلاب والمعنيون بتربيتهم وتعليمهم، أن يختاروا لهم أساتذة أكفاء، متحلين بالايمان وحسن الخلق، ليكونوا قدوة صالحة ونموذجاً حسناً لتلامذتهم.

فالطالب شديد التأثر والمحاكاة لأساتذته ومربيه، سرعان ما تنعكس في نفسه صفاتهم وأخلاقهم، ومن هنا وجب اختيار المدرسين المتصفين بالاستقامة والصلاح.

2 - ومن حقوق الطلاب: أن يستشعروا من أساتذتهم اللطف والاشفاق، فيعاملون معاملة الأبناء، ويتفادون جهدهم عن احتقارهم واضطهادهم، لأن ذلك يحدث ردّ فعل سيّئ فيهم، يوشك أن ينفرهم من

_____________________

(1) الوافي ج 1 ص 36، عن الكافي.

(2) البحار م 1 ص 56، عن بصائر الدرجات.

{ 347 }

تحصيل العلم. لذلك كان من الحكمة في تهذيب الطلاب وتشجيعهم على الدرس، مكافأة المحسن بالمدح والثناء، وزجر المقصر منهم بالتأنيب والتقريع، الذي لا يجرح العاطفة ويهدر الكرامة ويحدث ردّ فعل في الطالب.

انظر كيف يوصي الامام زين العابدين بالمتعلمين، في رسالته الحقوقية، فيقول عليه السلام: «وأما حق رعيتك بالعلم، فان تعلم ان اللّه عز وجل إنما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم، وفتح لك من خزائنه، فان أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم، ولم تضجر عليهم، زادك اللّه من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقاً على اللّه عز وجل أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك».

3 - وهكذا يجدر بالأساتذة أن يراعوا استعداد الطالب ومستواه الفكري، فيتدرجوا به في مراقي العلم حسب طاقته ومؤهلاته الفكرية، فلا يطلعونهم على ما يسمو على أفهامهم، وتقصر عنه مداركهم. مراعين الى ذلك اتجاه الطالب ورغبته فيما يختار من العلوم، حيث لا يحسن قسره على علم لا يرغب فيه، ولا يميل اليه.

4 - ويحق للطلاب على اساتذتهم أن يتعاهدوهم بالتوجيه والارشاد، في المجالات العلمية وغيرها من آداب السيرة والسلوك، لينشأ الطلاب نشأة مثالية، ويكونوا نموذجاً رائعاً في الاستقامة والصلاح.

وألزم النصائح وأجدرها بالاتباع، أن يعلم الطالب اللبيب أنه يجب أن تكون الغاية من طلب العلم هي - كما أشرنا اليه - تزكية النفس،

{ 348 }

وتهذيب الضمير، والتوصل الى شرف طاعة اللّه تعالى ورضاه. وكسب السعادة الأبدية الخالدة.

فان لم يستهدف الطالب تلك الغايات السامية، كان مادياً هزيل الغاية والمأرب، لم يستثمر العلم استثماراً واعياً.

وأصدق شاهد على ذلك، الأمم المتحضرة اليوم، فانها رغم سبقها وتفوقها في ميادين العلم والاكتشاف، تعيش حياة مزرية من تفسخ الأخلاق، وتسيب القيم الروحية، وطغيان الشرور فيها لنزعتها المادية، وتجردها من الدين والأخلاق، وغدت من جراء ذلك تتبارى بأفتك الأسلحة للقضاء على خصومها ومنافسيها، مما صيّر العالم بركاناً ينذر البشرية بالدمار والهلاك.

هذه لمحات خاطفة من حقوق الأساتذة والطلاب. ومن شاء التوسع فيها فليرجع الى ما كتبه علماء الأخلاق في آداب المعلمين والمتعلمين، وحقوق كل منهما على الآخر.

{ 349 }

حقوق الوالدين والأولاد

حقوق الوالدين

كيف يستطيع هذا القلم أن يصور جلالة الأبوين، وفضلهما على الأولاد، فهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم، وقوام فضلهم، ونجاحهم في الحياة.

وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما مادياً ومعنوياً، وتحملا في سبيلهم أشد المتاعب والمشاق. فاضطلعت الأم بأعباء الحمل، وعناء الوضع، ومشقة الارضاع، وجهد التربية والمداراة.

واضطلع الأب بأعباء الجهاد، والسعي في توفير وسائل العيش لأبنائه، وتثقيفهم وتأديبهم، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة.

تحمل الأبوان تلك الجهود الضخمة، فرحين مغتبطين، لا يريدان من أولادهما ثناءاً ولا أجراً.

وناهيك في رأفة الوالدين وحنانهما الجم، أنهما يؤثران تفوق أولادهم عليهم في مجالات الفضل والكمال، ليكونوا مثاراً للاعجاب ومدعاة للفخر والاعتزاز، خلافاً لما طبع عليه الانسان من حب الظهور والتفوق على غيره.

من أجل ذلك كان فضل الوالدين على الولد عظيماً وحقهما جسيماً، سما على كل فضل وحق بعد فضل اللّه عز وجل وحقه.

{ 350 }

برّ الوالدين:

وهذا ما يحتم على الأبناء النبلاء أن يقدروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم، فيجازونهم بما يستحقونه من حسن الوفاء، وجميل التوقير والاجلال، ولطف البر والاحسان، وسمو الرعاية والتكريم، أدبياً ومادياً.

أنظر كيف يعظم القرآن الكريم شأن الأبوين، ويحض على إجلالها ومصاحبتهما بالبر والمعروف، حيث قال: «ووصينا الانسان بوالديه، حملته أمه وهناً على وهن، وفصاله في عامين، أن اشكر لي ولوالديك. اليّ المصير، وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم، فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفاً» (لقمان: 14 - 15).

وقال تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لها أفٍ، ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا» (الاسراء: 23 - 24).

فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين ومقامهما الرفيع، وضرورة مكافأتهما بالشكر الجزيل، والبر والاحسان اللائقين بهما، فأمرت الآية الأولى بشكرهما بعد شكر اللّه تعالى، وقرنت الثانية الاحسان اليهما بعبادته عز وجل، وهذا غاية التعزيز والتكريم.

وعلى هدي القرآن وضوئه تواترت أحاديث أهل البيت عليهم السلام:

{ 351 }

قال الباقر عليه السلام: «ثلاث لم يجعل اللّه تعالى فيهن رخصة: أداء الامانة الى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبرّ الوالدين بريّن كانا أو فاجرين»(1).

وقال الصادق عليه السلام: «ان رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه أوصني. فقال: لا تشرك باللّه شيئاً، وان حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك، فأطعهما وبرّهما حيين كانا أو ميتين، وان أمراك ان تخرج من أهلك ومالك فافعل، فان ذلك من الايمان»(2).

وعن أبي الحسن عليه السلام قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «كن باراً، واقتصر على الجنة، وان كنت عاقاً فاقتصر على النار»(3).

وعنه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «نظر الولد الى والديه حباً لهما عبادة»(4).

وقال الصادق عليه السلام: «من أحب أن يخفف اللّه عز وجل عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه باراً. فاذا كان كذلك هوّن اللّه عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقر أبداً»(5).

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 93، عن الكافي.

(2) الوافي ج 3 ص 91 - 92، عن الكافي.

(3) الوافي ج 3 ص 155، عن الكافي.

(4) البحار م 16 ج 4 ص 24، عن كشف الغمة الأربلي.

(5) البحار م 16 ج 4 ص 21، عن أمالي الشيخ الصدوق، وأمالي ابن الشيخ الطوسي.

{ 352 }

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أتته أخت له من الرضاعة، فلما نظر اليها سرّ بها وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها. ثم قامت فذهبت، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها. فقيل له: يا رسول اللّه صنعت بأخته ما لم تصنع به، وهو رجل! فقال: لأنها كانت أبرّ بوالديها منه»(1).

* * *

وفي الوقت الذي أوصت الشريعة الاسلامية بر الوالدين والاحسان اليهما، فقد آثرت الأم بالقسط الأوفر من الرعاية والبر، نظراً لما انفردت به من جهود جبّارة واتعاب مضنية في سبيل ابنائها، كالحمل والرضاع، ونحوهما من وظائف الامومة وواجباتها المرهقة.

فعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: يا رسول اللّه، من أبرّ؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: امك. قال ثم من؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: أباك(2).

وعن ابراهيم بن مهزم قال: خرجت من عند أبي عبد اللّه عليه السلام ليلة ممسياً، فأتيت منزلي في المدينة، وكانت أمي معي. فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها. فلما كان من الغد، صليت الغداة، وأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام، فلما دخلت عليه، قال لي مبتدئاً: يا أبا مهزم، مالك ولخالدة؟ أغلظت في كلامها البارحة، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته،

______________________________

(1) الوافي ج3 ص92 ، عن الكافي.

(2) الوافي ج3 ص92 ، عن الكافي.

{ 353 }

وأنّ حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته؟ قال قلت: بلى. قال: فلا تغلظ لها(1).

واستمع الى الامام السجاد عليه السلام، وهو يوصي بالأم، معدداً جهودها وفضلها على الأبناء، بأسلوب عاطفي أخّاذ، فيقول عليه السلام:

«وأما حق أمك: أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال ان تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعري وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنك لا تطيق شكرها الا بعون اللّه وتوفيقه»(2).

* * *

وبرّ الوالدين، وان كان له طيبته ووقعه الجميل في نفس الوالدين، بيد انه يزداد طيبة ووقعاً حسناً عند عجزهما وشدة احتياجهما الى الرعاية والبر، كحالات المرض والشيخوخة، والى هذا أشار القرآن الكريم «إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما اُفٍّ ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً».

وقد ورد أن رجلاً جاء الى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال:

_____________________

(1) البحار م 16 ج 4ص 23، عن بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار.

(2) رسالة الحقوق للامام السجاد عليه السلام.

{ 354 }

يا رسول اللّه، ان أبويّ بلغا من الكبر أني ألي منهما ما ولياني في الصغر، فهل قضيتهما حقهما؟ قال: لا، فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبّان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما(1).

وعن ابراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن أبي قد كبر جداً وضعف، فنحن نحمله اذا اراد الحاجة. فقال: «ان استطعت ان تلي ذلك منه فافعل، ولقّمه بيدك، فانه جنّة لك غداً» (2).

* * *

وليس البر مقصوراً على حياة الوالدين فحسب، بل هو ضروري في حياتهما وبعد وفاتهما، لانقطاعهما عن الدنيا وشدة احتياجهما الى البر والاحسان.

فعن الصادق عليه السلام قال: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له»(3).

من أجل ذلك فقد حرضت وصايا أهل البيت عليهم السلام على برّ الوالدين بعد وفاتهما، وأكدت عليه وذلك بقضاء ديونهما المالية أو العبادية، وإسداء الخيرات والمبرات اليهما، والاستغفار لهما، والترحم عليهما. واعتبرت إهمال ذلك ضرباً من العقوق.

_____________________

(1) عن شرح الصحيفة السجادية للسيد علي خان.

(2) الوافي ج 3 ص 92، عن الكافي.

(3) الوافي ج 13 ص 90 عن الكافي والتهذيب.

{ 355 }

قال الباقر عليه السلام: «إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما، ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه اللّه عاقاً. وانه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار بهما، فاذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه اللّه تعالى باراً»(1).

وعن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «سيد الأبرار يوم القيامة، رجل برّ والديه بعد موتهما»(2).

عقوق الوالدين

من الواضح ان نكران الجميل ومكافأة الإحسان بالإساءة، أمران يستنكرهما العقل والشرع، ويستهجنهما الضمير والوجدان. وكلما عظم الجميل والاحسان كان جحودها أشد نكراً وأفظع جريرة واثماً.

وبهذا المقياس ندرك بشاعة عقوق الوالدين وفظاعة جرمه، حتى عدّ من الكبائر الموجبة لدخول النار. ولا غرابة فالعقوق - فضلاً عن مخالفته المبادئ الانسانية، وقوانين العقل والشرع - دال على موت الضمير، وضعف الايمان، وتلاشي القيم الانسانية في العاق.

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 93، عن الكافي.

(2) البحار م 16 ج 4 ص 26، عن كتاب الامامة والتبصرة لعلي بن بابويه.

{ 356 }

فقد بذل الأبوان طاقات ضخمة وجهوداً جبّارة، في تربية الأبناء وتوفير ما يبعث على إسعادهم وازدهار حياتهم مادّيا وأدبياً، ما يعجز الأولاد عن تثمينه وتقديره.

فكيف يسوغ للأبناء تناسي تلك العواطف والألطاف ومكافأتها بالاساءة والعقوق؟

من أجل ذلك حذّرت الشريعة الاسلامية من عقوق الوالدين أشدّ التحذير، وأوعدت عليه بالعقاب العاجل والآجل.

فعن ابي الحسن عليه السلام قال، «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: كن باراً، واقتصر على الجنة. وان كنت عاقاً، فاقتصر على النار»(1)

وقال الصادق عليه السلام: «لو علم اللّه شيئاً هو ادنى من أف، لنهى عنه، وهو من أدنى العقوق، ومن العقوق ان ينظر الرجل الى والديه، فيحدّ النظر اليهما»(2).

وقال الباقر عليه السلام: «ان أبي نظر الى رجل ومعه ابنه يمشي، والابن متكئ على ذراع الأب، قال: فما كلّمه أبي عليه السلام مقتاً له حتى فارق الدنيا»(3).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «ثلاثة من الذنوب، تعجل عقوبتها ولا تؤخر الى الآخرة: عقوق

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 155، عن الكافي.

(2) الوافي ج 3 ص 155، عن الكافي.

(3) الوافي ج 3 ص 155، عن الكافي.

 

{ 357 }

الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الاحسان»(1).

مساويء العقوق:

وللعقوق مساوئ خطيرة، وآثار سيئة تنذر العاق وتتوعده بالشقاء الدنيوي والأخروي.

فمن آثاره أن العاقّ يعقّه ابنه... جزاءاً وفاقاً على عقوقه لأبيه. وقد شهد الناس صوراً وأدواراً من هذه المكافأة على مسرح الحياة.

من ذلك ما حكاه الأصمعي قال: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحي أطلب أعق الناس وأبرّ الناس. فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت الى شيخ في عنقه حبل، يستقي بدلو لا تطيقه الابل في الهاجر والحرّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء من قدّ ملوي، يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل.

فقلت له: أما تتقي اللّه في هذا الشيخ الضعيف، أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟

قال: انه مع هذا أبي.

قلت: فلا جزاك اللّه خيراً.

قال: اسكت، فهكذا كان يصنع هو بأبيه، وكذا كان يصنع أبوه بجده.

_____________________

(1) البحار م 16 ج 4 ص 23، عن أمالي أبي علي ابن الشيخ الطوسي.

{ 358 }

فقلت: هذا أعق الناس.

ثم جلت أيضاً حتى انتهيت الى شاب في عنقه زبيل، فيه شيخ كأنه فرخ، فيضعه بين يديه في كل ساعة، فيزقه كما يزق الفرخ.

فقلت له: ما هذا؟

فقال: أبي، وقد خرف، فأنا أكفله.

قلت: فهذا أبرّ العرب. فرجعت وقد رأيت أعقّهم وأبرهم(1).

ومن آثار العقوق:

أنه موجب لشقاء العاق، وعدم ارتياحه في الحياة، لسخط الوالدين ودعائهما عليه.

وقد جاء في الحديث النبوي: «إياكم ودعوة الوالد، فانها أحدّ من السيف».

ومن آثار العقوق:

ان العاق يشاهد أهوالاً مريعة عند الوفاة، ويعاني شدائد النزع وسكرات الموت.

فعن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حضر شاباً عند وفاته، فقال له: قل لا إله الا اللّه. قال: فاعتقل لسانه مراراً.

فقال لامرأة عند رأسه: هل لهذا أم؟

قالت: نعم، انا أمه.

_____________________

(1) المحاسن والمساوئ، للبيهقي ج 2 ص 193.

{ 359 }

قال: أفساخطة أنت عليه؟

قالت: نعم، ما كلمته منذ ست حجج.

قال لها: ارض عنه. قالت: رضي اللّه عنه برضاك يا رسول اللّه.

فقال له رسول اللّه: قل لا إله الا اللّه. قال: فقالها.

فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: ما ترى؟

فقال أرى رجلاً أسوداً قبيح المنظر، وسخ الثياب، منتن الريح، قد وليني الساعة فأخذ بكظمي.

فقال له النبي: قل «يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، إقبل مني السير واعف عن الكثير، انك انت الغفور الرحيم». فقالها الشاب.

فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: أنظر، ماذا ترى؟

قال: أرى رجلاً أبيض اللون، حسن الوجه، طيّب الريح، حسن الثياب قد وليني، وأرى الأسود قد تولى عني.

قال: أعد. فأعاد.

قال: ما ترى؟ قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليني ثم طغى على تلك الحال»(1).

ومن آثار العقوق:

انه من الذنوب الكبائر التي توعد اللّه عليها بالنار، كما صرحت بذلك الأخبار.

والجدير بالذكر، أنه كما يجب على الأبناء طاعة آبائهم وبرهم والاحسان

_____________________

(1) البحار م16 ج4 ص 23، عن امالي ابي علي ابن الشيخ الطوسي.

{ 360 }

اليهم، كذلك يجدر بالآباء أن يسوسوا أبناءهم بالحكمة، ولطف المداراة، ولا يخرقوا بهم ويضطروهم الى العقوق والعصيان.

فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «يلزم الوالدين من العقوق لولدهما اذا كان الولد صالحاً ما يلزم الولد لهما»(1).

وقال صلى اللّه عليه وآله: «لعن اللّه والدين حملا ولدهما على عقوقهما، ورحم اللّه والدين حملا ولدهما على برهما»(2).

حقوق الأولاد:

الأولاد الصلحاء هم زينة الحياة، وربيع البيت، وأقمار الأسرة، وأعز آمالها وأمانيها، وأجل الذخائر وأنفسها. لذلك أثنى عليهم أهل البيت وغيرهم من الحكماء والأدباء.

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة»(3).

وفي حديث آخر، قال صلى اللّه عليه وآله: «من سعادة الرجل الولد الصالح»(4).

_____________________

(1) البحار م 16 ج 4 ص 22، عن خصال الصدوق.

(2) الوافي ج 14 ص 50، عن الفقيه.

(3) الوافي ج 12 ص 196، عن الكافي.

(4) الوافي ج 12 ص 196، عن الفقيه.

{ 361 }

وقال أبو الحسن عليه السلام: «إن اللّه تعالى اذا أراد بعبد خيراً لم يمته حتى يريه الخلف»(1).

وقال حكيم في ميت: «إن كان له ولد فهو حي، وإن لم يكن له ولد فهو ميت».

وفضل الولد الصالح ونفعه لوالديه لا يقتصر على حياتهما فحسب، بل يسري حتى بعد وفاتهما وانقطاع أملهما من الحياة.

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر الا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنّة هدي سنّها فهي يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له»(2).

وعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: مرّ عيسى بن مريم بقبر يعذّب صاحبه، ثم مرّ به من قابل فاذا هو لا يعذّب. فقال: يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أول وكان يعذب!. فأوحى اللّه اليه. انه ادرك له ولد صالح فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فلهذا غفرت له بما فعل ابنه. ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: ميراث اللّه من عبده المومن ولد يعبده من بعده. ثم تلا أبو عبد اللّه عليه السلام آية زكريا على نبينا وآله وعليه السلام: «فهب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب، واجعله ربيّ رضيا» (مريم: 5 - 6)(3).

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 197، عن الفقيه.

(2) الوافي ج 13 ص 90، عن الكافي.

(3) الوافي ج 12 ص 197، عن الكافي.

{ 362 }

ومن الواضح أن صلاح الأبناء واستقامتهم لا يتسنيان عفواً وجزافاً، وانما يستلزمان رعاية فائقة واهتماماً بالغاً في إعدادهم وتوجيههم وجهة الخير والصلاح.

من أجل ذلك وجب على الآباء تأديب أولادهم وتنشئتهم على الاستقامة والصلاح، ليجدوا ما يأملون فيهم من قرة عين، وحسن هدى وسلوك.

قال الامام السجاد عليه السلام: «وأما حق ولدك: فان تعلم انه منك، ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وانك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة له على ربه عز وجل، والمعونة له على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان اليه، معاقب على الاساءة اليه»(1).

فالآباء مسؤولون عن تهذيب أبنائهم وإعدادهم إعداداً صالحاً، فان أغفلوا ذلك أساؤا الى اولادهم، وعرضوهم لأخطار التخلف والتسيب الديني والاجتماعي.

ويحسن بالآباء أن يبادروا ابناءهم بالتهذيب والتوجيه، منذ حداثتهم ونعومة أظفارهم، لسرعة استجابتهم الى ذلك قبل تقدمهم في السن، وروسوخ العادات السيئة والاخلاق الذميمه فيهم، فيغدون آن ذاك اشد استعصاءاً على التأديب والاصلاح.

_____________________

(1) رسالة الحقوق، للامام علي بن الحسين عليه السلام.

{ 363 }

حكمة التأديب:

وهكذا يجدر بالآباء ان يتحروا القصد، والاعتدال في سلطتهم، وأساليب تأديب أبنائهم، فلا يسوسونهم بالقسوة والعنف مما يعقّدهم نفسياً، ويبعثهم على النفرة والعقوق. ولا يتهاونوا في مؤاخذتهم على الاساءة والتقصير، فيستخفون بهم ويتمردون عليهم، فان «من أمن العقوبة أساء الأدب».

وخير الأساليب في ذلك هو التدرج في تأديب الأبناء وتقويمهم، وذلك بتشجيعهم على الاحسان، بالمدح والثناء وحسن المكافأة، وبنصحهم على الاساءة. فان لم يجدهم ذلك، فبالتقريع والتأنيب، والا فبالعقوبة الرادعة، والتأنيب الزاجر.

المدرسة الأولى للطفل:

والبيت هو المدرسة الأولى للطفل، يترعرع في ظلاله، وتتكامل فيه شخصيته، وتنمو فيه سجاياه، متأثراً بأخلاق أبويه وسلوكهما. فعليهما أن يكونا قدوة حسنة، ومثلاً رفيعاً، لتنعكس في نفسه مزاياهم وفضائلهم.

{ 364 }

منهاج التأديب:

1 - وأول ما يبدأ به في تهذيب الطفل، تعليمه آداب الأكل والشرب: كغسل اليدين قبل الطعام وبعده، والأكل بيمينه، وإجادة المضغ، وترك النظر في وجوه الآكلين، والرضا والقنوع بالمقسوم من الرزق. ونحو ذلك من الآداب.

2 - ويراض الطفل على أدب الحديث، والكلام المهذب، والقول الحسن. ومنعه عن الفحش، والبذاء، والاغتياب، والثرثرة. وما الى ذلك من مساوئ اللسان وأن يحسن الاصغاء، كما يحسن الحديث، فلا يقاطع متحدثاً حتى ينتهي من حديثه.

3 - وأهم ما يعني به في توجيه الأولاد، غرس المفاهيم الدينية فيهم، وتنشئتهم على العقيدة والايمان، بتعليمهم أصول الدين وفروعه بأسلوب يلائم مستواهم الفكري، ليكونوا على بصيرة من عقيدتهم وشريعتهم، محصنين ضدّ الشبه المضللة من أعداء الاسلام «يا أيها الذين امنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون» (التحريم: 6).

4 - وعلى الآباء ان يروّضوا أبناءهم على التخلق بالأخلاق الكريمة والسجايا النبيلة: كالصدق، والأمانة، والصبر، والاعتماد على النفس.

وتحريضهم على حسن معاشرة الناس: كتوقير الكبير، والعطف على

{ 365 }

االصغير، وشكر المحسن، والتجاوز ما وسعهم عن المسيء، والتحنّن على البؤساء والمعوزين.

5 - ومن المهم جداً منع الأبناء من معاشرة القرناء المنحرفين الأشرار، وتحبيذ مصاحبة الأخدان الصلحاء لهم، لسرعة تأثرهم بالأصدقاء، واكتسابهم من أخلاقهم وطباعهم، كما قال النبي صلى اللّه عليه وآله: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».

وقد شهد الناس كثيراً من مآسي الشباب الذين انحرفوا عن النهج السوي، وتدهوروا في مهاوي الرذيلة والفساد، لتأثرهم بقرناء السوء، وأخدان الشر.

6 - وهكذا يحسن بالآباء أن يستطلعوا مواهب أبنائهم وكفاءاتهم، ليوجهوهم، في ميادين الحياة وطرائق المعاش، حسب استعدادهم ومؤهلاتهم الفكرية والجسمية: من طلب العلم، أو ممارسة الصناعة، أو التجارة. ليستطيعوا الاضطلاع بأعباء الحياة، ويعيشوا عيشاً كريماً.

 

 

الحقوق الزوجية

فضل الزواج

الزواج: هو الرابطة الشرعية المقدسة، وشركة الحياة بين الزوجين. شرعّه اللّه عز وجل لحفظ النوع البشري وتكاثره، وعمران الأرض وازدهار الحياة فيها.

وقد رغبت فيه الشريعة الاسلامية وحرّضت عليه كتاباً وسنةً:

قال تعالى: «وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم، ان يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله، واللّه واسع عليم» (النور: 32).

وقال سبحانه: «ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً، لتسكنوا اليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (الروم:21).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «ما بني بناء في الاسلام أحب الى اللّه من التزويج»(1).

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «من تزوج أحرز نصف دينه، فليتق اللّه في النصف الآخر»(2).

وقال صلى اللّه عليه وآله: «النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي، فليس مني»(3).

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه.

(2) الوافي ج 12 ص 11، عن الكافي.

(3) البحار م 23 ص 51، عن مكارم الأخلاق للطبرسي.

{ 367 }

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «تزوجوا فاني مكاثر بكم الأمم غداً يوم القيامة، حتى أنّ السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنة، فيقال له أدخل، فيقول: لا حتى يدخل أبواي قبلي»(1).

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب»(2).

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «لركعتان يصليهما متزوج، أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره»(3).

وقال صلى اللّه عليه وآله: « رذاّل موتاكم العزاب»(4).

1 - فوائد الزواج:

ولا عجب أن تؤكد هذه النصوص على الزواج تأكيدها الملحّ، وتحرض عليه بالترغيب تارة والترهيب أخرى، لما ينطوي عليه من صنوف الخصائص والمنافع:

1 - فمن خصائصه: أنه الوسيلة الوحيدة لكسب الذرية الطيبة،

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه، (المحبنطئ: المغتاظ).

(2) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه والكافي.

(3) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه.

(4) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه.

{ 368 }

والأبناء الصلحاء، وهم زينة الحياة الدنيا، وأعز ذخائرها، وألذ متعها وأشواقها، بهم يستشعر الآباء العزة والمتعة، وامتداد الحياة، وطيب الذكر، وحسن المكافأة، وجزيل الأجر عند اللّه عز وجل، كما أوضحته النصوص السالفة في فضل الولد الصالح.

2 - ومن منافع الزواج:

انه باعث على عفة المتزوج وحصانته ضدّ الفجور والآثام الجنسية، وهذا ما عناه النبي صلى اللّه عليه وآله بقوله: «من تزوج أحرز نصف دينه، فليتق الّله في النصف الآخر».

من أجل ذلك كان عقاب الزاني المحصن رجماً بالحجارة حتى الموت، لتحصّنه بالزواج، واستهتاره بقدسية الأعراض وكرامتها المصونة.

3 - ومن آثار الزواج:

أنه من دواعي رغد العيش، وسكينة النفس، وراحة الضمير والوجدان. ذلك أن الرجل كثيراً ما يعاني أزمات الحياة، ومتاعب الكفاح في سبيل العيش، فيجد في ظلاله زوجته الحبيبة المخلصة من حسن الرعاية ولطف المؤانسة، ورقة الحنان، ما يخفف عناءه ويسري عنه الكثير من المتاعب والهموم، «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها،

{ 369 }

وجعل بينكم مودة ورحمة».

وعن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه اذا نظر اليها، وتطيعه اذا أمرها، وتحفظه اذا غاب عنها في نفسها وماله»(1).

السعادة الزوجية:

ومن الثابت أن العسادة الزوجية لا تتحقق، ولا ينال الزوجان ما يصبوان اليه من رغد وهناء، الا اذا أحسن كل منهما اختيار صاحبه، وشريك حياته، واصطفاه على ضوء القيم الأصيلة والمقاييس الثابتة، التي من شأنها أن توثق الروابط الزوجية، وتنشر السعادة والسلام في ربوع الحياة الزوجية. كما أن سوء الاختيار كثيراً ما يعرضها للفشل والاخفاق.

وقد عالج أهل البيت عليهم السلام هذا الجانب الموضوعي من حياة الناس، فأوضحوا محاسن ومساوئ كلٍّ من الرجل والمرأة، ليكون كل منهما على بصيرة من اختيار زوجه وشريك حياته.

الزوج المثالي:

والزوج المثالي: هو الرجل الكفوء الذي تسعد المرأة في ظلاله،

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 16، عن الكافي والفقيه.

{ 370 }

وتنعم بحياة زوجية هانئة.

فليست الكفاءة كما يتوهمها غالب الناس - منوطة بالزخارف المادية فحسب، كالقصر الفخم، أو السيارة الفارهة، أو الرصيد المالي الضخم.

وليست هي كذلك منوطة بالشهادة العالية، او الوظيفة المرموقة، أو الحسب الرفيع.

وفقد تتوفر هذه الخلال في الرجل، وهي رغم ذلك لا تحقق سعادة الزوجة وأمانيها في الحياة، كما أعربت عن ذلك زوجة معاوية، وقد سئمت في كنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء، وحنّت الى فتى أحلامها، وان كان خلواً من كل ذلك:

لبيت تخفق الأرواح فيه*** أحبّ اليّ من قصر منيف

ولبس عباءة وتقر عيني*** أحبّ إليّ من لبس الشفوف

وخرق من بني عمي نجيب*** أحب إلي من علج عنيف

فالكفاءة الحقة، هي مزيج من عناصر ثلاث: التمسك بالدين، والتحلي بحسن الخلق، والقدرة على اعالة الزوجة ورعايتها مادياً وأدبياً. وبذلك يغدو الرجل كفئاً وزوجاً مثالياً في عرف الاسلام.

فعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه، فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(1).

وقال الصادق عليه السلام: «الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار»(2).

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 17، عن الكافي.

(2) الوافي ج 12 ص 18 عن الكافي والفقيه والتهذيب.

{ 371 }

لذلك كان مكروهاً في الشريعة الاسلامية تزويج الفاسق، وشارب الخمر، والمخنث، وسيئ الخلق. ونحوهم ممن لا يوثق بدينه وأخلاقه.

الزوجة المثالية:

والزوجة المثالية: هي المتحلية بالايمان، والعفاف، وكرم الأصل، وجمال الخَلق والخُلق، وحسن العشرة مع زوجها.

وقد صورت نصوص أهل البيت عليهم السلام خصائص النساء، وصفاتهن الكريمة والذميمة، لتكون علامة فارقة بين الزوجة المثالية وغيرها.

عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا عند النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: «ان خير نسائكم الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره، واذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل كتبذل الرجل».

ثم قال: «ألا أخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تورع من قبيح، المتبرجة اذا غاب عنها بعلها، الحصان معه اذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، واذا خلا بها بعلها تمنعت منه، كما تمنع الصعبة من ركوبها، ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً»(1).

وعن ابي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 14، عن الكافي والتهذيب.

{ 372 }

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً»(1).

وعن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «من تزوج امرأة لا يتزوجها الا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها الا له وكله اللّه اليه، فعليكن بذات الدين»(2).

وقام النبي صلى اللّه عليه وآله خطيباً فقال: أيها الناس، إياكم وخضراء الدمن. قيل يا رسول اللّه: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء(3).

وقد نهى الحديث عن تزوّج المرأة الوضيئة الحسناء اذا كانت من أسرة مغموزة في عفتها ونجابتها.

رعاية الحقوق:

والزوجان بعد هذا لا يكسبان السعادة الزوجية والهناء العائلي، الا برعاية كل منهما حقوق الآخر واداء واجباته، جرياً على قانون الأخذ والعطاء. وبذلك ينعمان بحياة سعيدة، آمنة من مثيرات النكد والتنغيص.

وقد أولت الشريعة الاسلامية الحياة الزوجية عناية بالغةً، بصفتها

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 15، عن الكافي والفقيه.

(2) الوافي ج 12 ص 13، عن التهذيب.

(3) الوافي ج 12 ص 12، عن الكافي والفقيه.

{ 373 }

الخلية الأولى من خلايا المجتمع الكبير، ورعتها بالتنظيم والتوجيه، وقررت الحقوق المشتركة بين الزوجين، والحقوق الخاصة بكل منهما على انفراد.

فالحقوق المشتركة التي يجدر تبادلها بين الزوجين، هي: الاخلاص، الثقة، الأمانة، التعاطف، والتآزر. وهذه هي عناصر الحياة الزوجية الناجحة، ومقوماتها الأصيلة.

وأما الحقوق الخاصة فسنعرضها في مطاوي هذا البحث:

 

حقوق الزوج

للزوج حقوق على زوجه بحكم رعايته لها وقوامته عليها، وهي:

1 - الطاعة:

وهي أول متطلبات الزوج وحقوقه المفروضة على زوجه. فهي مسؤولة عن طاعته وتلبية رغباته المشروعة، ومفاداة كل ما يسيئه ويغيظه، كالخروج من الدار بغير رضاه، والتبذير في ماله، وإهمال وظائفها المنزلية، ونحو ذلك مما يعرض الحياة الزوجية لأخطار التباغض والفرقة.

فعن أبي جعفر عليه السلام قال: جاءت امرأة الى النبي صلى اللّه عليه وآله فقالت: يا رسول اللّه، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولاتعصيه، ولا تصدق من بيته الا باذنه، ولا تصوم طوعاً

{ 374 }

الا باذنه، ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها الا باذنه، وإن خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الارض، وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع الى بيتها.

فقالت: يا رسول اللّه من أعظم الناس حقاً على الرجل؟

قال: والده.

قالت: فمن أعظم الناس حقاً على المرأة؟

قال: زوجها...»(1).

وعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: إن رجلاً من الأنصار على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، خرج في بعض حوائجه. فعهد الى امرأته عهداً ان لاتخرج من بيتها حتى يقدم.

قال: وان أباها مرض، فبعثت المرأة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت: ان زوجي خرج وعهد اليّ أن لا أخرج من بيتي حتى يقدم، وان ابي قد مرض، فتأمرني ان أعوده؟

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: لا، اجلسي في بيتك واطيعي زوجك.

قال: فثقل، فأرسلت اليه ثانياً بذلك، فقالت: فتأمرني أن أعوده؟

فقال: اجلسي في بيتك واطيعي زوجك.

قال: فمات ابوها، فبعثت اليه إن أبي قد مات، فتأمرني أن أصلي عليه؟

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 114، عن الكافي والفقيه.

{ 375 }

فقال: لا، اجلسي في بيتك واطيعي زوجك.

قال: فدفن الرجل، فبعث اليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: ان اللّه تعالى قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك(1).

وقال ابو عبد اللّه عليه السلام: أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها(2).

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست