ذكر الله في كل حال

ذكر الله في كل حال

يعتبر الذكر من أعظم الأمور التي تكشف عن تعلق العبد بخالقه، أو بالمذكور. وكلما كان اللسان لهجا بالذكر كلما تحكم المذكور في قلب الذاكر سواء من الناحية الروحية، أو الجسدية والصحية فقد أثبتت بعض الدراسات العلمية في علم الأصوات، أن كل صوت له تأثير على واقع الإنسان من حيث التحرك والتجدد في الحيوية، وأن لكل حرف وقع خاص على مسار البدن وبالتالي ينعكس على الروح، من هنا ندرك أن الطمأنينة وغيرها من من الآثار آتية من تأثير ذكر الله وأسمائه وهي خصوصية مترتبة على الذكر إذن هناك تأثيرات للذكر:

أولاً : جعل القلوب مطمئنة.

قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد: 28

وثانياً : يقوي القلوب ويعطيها الثبات من خلال الاطمئنان.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} الأنفال: 45

ثالثاً : يزيد في الإيمان ويقوى التعلق بالله أكثر.

قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} الأنفال: 2

وهناك أمور كثيرة تتعلق آثارها بذكر الله سبحانه وتعالى. ولا ينحصر الذكر الإلهي في مواطن الحرب فقط، بل في كل آن يجب أن يكون الإنسان ذاكراً لله سبحانه وتعالى وفي كل آناته وحركاته بحيث يصدر منه الذكر من غير تأمل، وبدون روية فيكون الذكر سجية لدى الذاكر.

قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} آل عمران: 191

ومتى كان الإنسان ذكرا لله، وتعلق قلبه به سبحانه وتعالى فأن الله يجعل للذاكر هيبة، ومحبة في قلوب المؤمنين من غير أرادة منهم، فهيبته ووقاره الذي أكتسبه من خلال الذكر الإلهي يجعل الناس يلتفون حوله. ولذلك نلاحظ ما يلاقيه السيد محمد علي العلي من علماء منطقتنا الاحساء بصفة الذكر الدائم الذي يجري على لسانه بحيث أني لم أره أنا إلا ذاكرا لله سبحانه وتعالى وهذا يدل على صفاء النفس وحسن السريرة واتباع منهج أهل البيت عليهم السلام الذين يوصون شيعتهم بمداومة الذكر على كل حال.

فلذلك تجد الإمام زين العابدين عليه السلام يقول في الصحيفة السجادية : «إلهي بك هامة القلوب الوالهة وعلى معرفتك جمعت العقول المتباينة فلا تطمئن القلوب إلاّ بذكراك ولا تسكن النفوس إلاّ عند رؤياك» مناجاة الذاكرين: 419 رؤياك هذا إشارة إلى مرتبة اليقين التي يبينها قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} الحجر: 99

فلا تسكن النفوس إلاّ عند رؤياك، الرؤية تبيان لحقيقة اليقين التي يصل إليها الإنسان بعْد إدمان الذكر، وأيضًا ورد عنه في الصحيفة السجادية: «إلهي فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم واطمأنت بالرجوع إلى رب الأرباب أنفسهم وتيقنت بالفوز والفلاح أرواحهم».

ومن عجائب ذكر الله، أن الله جعل لكل شيء حداً إلا الذكر فقد جعله مطلقا لم يحدد له وقتاً، ولا مكانا ولا عددا بل أمر بأن يذكر الله على كل حال. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} الأحزاب: 41

ومتى كان القلب ذاكراً كان من أهل لا إله إلا الله، ومتى كان كذلك جرت على يديه الكرامات، والنتائج السريعة بفضل ذكر الله، ففي إيران في منطقة أردبيل حيث يقطن فيها المسلمون والنصارى، فانه من الطبيعي أن تحدث بعض الأحاديث الجانبية في أحقيّة أي دين ونحوه.

ومن الطريف ما ينقل : أن أحد العلماء هناك جرت له مناظرة، أدت إلى مباهلة مع أحد القساوسة من النصارى.فقد

زار رجل من القساوسة أحد علماء المسلمين في حضور جمع من المسلمين محاولاً إضعاف شأن الإسلام في نفوس معتقديه في تلك المنطقة من خلال توجيه بعض الأسئلة التي يعتقد أن طرحها يؤدي إلى هزيمة الدين الحق وبذلك تسقط هيبة الإسلام في نفوس معتنقيه. فابتدأ بقوله :

أريد أن أبين لك حقانية الديانة المسيحية وعظمة هذه الديانة عند الله، وأريد منك أن تظهر لي حقانية الدين الإسلامي بمثل ما أبينه لك.؟

قال: أيهما أكرم على الله من يحفظ له الأمور والأمانة التي تتعلق به أو الذي لا يوفق للحفاظ عليها؟ ومن الأمور التي لا يختلف فيها اثنان أننا عندما نبني الكنائس يدوم بناؤها عشرات السنين ، وأنتم تبنون المساجد فلا تدوم حيث تتهدم وتتلاشى في خلال فترة محدودة وتنتهي؟ أليس هذه كرامة وتأييداً إلهياً وإبانة لحقانية الديانة المسيحية على الدين الإسلامي؟

قال بعض المغفلين الحاضرين والذين لا يملكون رؤية علمية أنه دليل قوي على صحة ديانتهم.

فأجاب العالم : هذا دليل باطل.

قالوا : له كيف يا سيد يكون هذا الدليل باطلاً؟

قال : أبين لك الأمر، قال أنتبيد أن المسألة تتعلق بالذكر فأنتم تذكرون الله لكن ذكركم ليس له تأثير في الموجودات لأنكم لا تذكرون الله بالذكر الذي يريده الله بالقرآن الكريم باعتباره ناسخ للديانات السماوية السابقة والقرآن أشار إلى ذلك في قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} الحشر: 21

فأنتم الآن تبنون كنائسكم من صخور الجبال، نحن لو نذكر الله في كنائسكم لتهدمت الكنائس وهدت لكن نحن نذكر الله في أماكن بنيت من طين، فذكر الله يؤثر في هذا الطين بشكل أكبر وأقوى وتنهدم، ولا تستقر وما لها قرار.

فرد القسيس قائلاً : أريد أن أجربك، أليس أنت عالم المسلمين وتذكر الله تعالى كما أراد؟ فاذكر الله في الكنيسة كما تدعي ونرى هل تتهدم أم لا؟

فأجاب العالم: إن كنائسكم لا تتحمل ذكر الله.

قال: تعال لنرى وأثبت لنا ذلك بالدليل.

فأجاب العالم: إذن سآتي إلى الكنيسة وحدي وأذكر الله وسترى هل تريد الآن، أم تريد أن تحدد وقتاً معيناً؟

قال: أريد أن تأتي في يوم أنا أحدده.

إتفقا على يوم محدد، وعندما حان الموعد جاء السيد وقال: سأخرج من في الكنيسة واذكر الله وعندما أخرج فلا يدخل أحد بعدي، ومن يخالف سيعرض نفسه للموت..

تعجب الحاضرون من قول العالم الإسلامي.. وبقوا ينتظرون العالم حتى يدخل ويذكر الله.. فدخل في وسطها فقال «الله أكبر» ثم خرج بعدها انهارت الكنيسة كلها، فانبهر القسيس ووقف متعجباً لا يحرك ساكناً.

فانظر أخي كيف يكون لذكر الله ذلك التأثير العظيم في الموجودات الجماد إذا صدر من القلب، فيا ترى كيف يكون في الأحياء، وكيف يكون إذا كان لإظهار حقانية هذا الدين الإسلامي القويم.

وعلى إثر هذا الحدث العظيم دخل كثير من الناس الدين الإسلامي واعتنقوه، وازداد إيمان المسلمين بالإسلام وتمسكهم به ثقة ورفعة وعزاً.

ومن خلال هذه الحادثة نعرف أنه متى ما كان الدعاء، والذكر من قلب لا سهو فيه ولا لهو فأنه يحقق آثاره المنشودة، لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تذكر الله سبحانه ساهياً ولا تنسه لاهياً واذكره كاملاً يوافق فيه قلبك لسانك ويطبق إضمارك إعلانك» عيون الحكم والمواعظ: 525

ومتى ما يذكر الإنسان الله بتوجه وخشوع لا تلهيه تجارة ولا بيع، ولا تغريه الدنيا بملذاتها يصبح عند الله ممدوحا في السماء ومعروفا في الأرض قال تعالى : {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} النور: 37

ومن أهم الأمور التي يجب أن يذكر الله فيها وقت المعصية حتى يردعه ذكر الله عن المعصية فيكون ذكر الله رادعا له عن فعل المحرم والكف عن المحرمات وبذلك يكون مقدمة للقرب من الله سبحانه وتعالى، لذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الأعراف: 201

Loading