كظم الغيظ
كظم الغيظ
الكمال الإنساني يتوقف على سلسلة من العوامل التي يجب أن تتخلق بها الذات ليصل صاحبها إلى الكمال ومن أهم الأمور التي يصل بها الإنسان إلى كماله كظم الغيظ، وسرعان ما ينحدر الإنسان من كماله من خلال أنه لم يستطع أن يسيطر على الغضب، وبالتالي يهدم كل عمل يقوم به الإنسان، ولذلك نلاحظ أن العظماء لم يصلوا إلى الكمال إلا من خلال السيطرة على الغضب.ومن هؤلاء العظماء الشيخ جعفر كاشف الغطاء. فقد حلق في مراتب الكمال ويعبر عن نفسه في بعض الكلمات: كنت جعيفر ثم أصبحت جعفر ثم الشيخ جعفر ثم شيخ العراقين.
فيذكر للشيخ حادثة تبين فضله ومقدار تحليه بالأخلاق الحسنة وكظم الغيظ. فقد كان الشيخ في إحدى المدن الإيرانية وهي يزد وكان يؤم الجماعة. ولشهرته العظيمة فمتى أم الجماعة بمقامه العلمي ومكانته القدسية والروحانية يأتيه آلاف من المصلين للإتمام به (رضوان الله عليه) وفي يوم من الأيام جاء أحد الفقراء من السادة وكان ضعيف الحال طلب من الشيخ المساعدة.
وقال للشيخ: يا شيخنا أريد مساعدة.
الشيخ لم يكن لديه مالاً ليعطيه, فاعتذر منه وغضب ذلك السيد في وجه الشيخ أمام المصلين فبصق في وجه الشيخ، مما أثار حمية وغضب بعض المصلين الذين أرادوا ضرب السيد الفقير إلا أن الشيخ رفض ذلك. فالتفت إليه الناس فقال وقد أشار بيده إلى الرجل الفقير: هذا ابن رسول الله. كل من يحب الشيخ جعفر فليساعد هذا السيد.
ولم يكتفي الشيخ بذلك بل رفع ثوبه وأخذ يجمع بنفسه لهذا الفقير المال من الناس..فجمعها وأعطاها إياه وأعتذر منه أيضاً.
ونحن حينما نتأمل ذلك لا نجد إلا أن نقف إجلالاً وإكباراً لهذا الشيخ الجليل ولا سيما أن كثيراً من الناس ينطلقون من خلال ردود الفعل أما الإنسان الكامل فهو ذلك الشخص الذي يتحكم بأعصابه وبنفسه ومن خلال هذه السيطرة يحلق في مراتب الكمال.
النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل» الكافي 2: 302 وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : «من كف غضبه كف الله عنه غضبه يوم القيامة» مكارم الأخلاق: 350 وفي رواية: «كف عنه عذابه» عيون أخبار الرضا 1: 76.
وعن الباقر ( عليه السلام ) : «أي شيء أشد من الغضب إن العبد ليغضب فيقتل النفس التي حرم الله، ويقذف المحصنة» الكافي 2: 303، «من كف غضبه ستر الله عورته» الكافي 2: 303.
فالإنسان يحيط به الضعف والنقص من جميع جوانبه فإذا استطاع أن يسيطر على غضبه فإن الله يبدي محاسنه للآخرين، ويظهره بصفات الكمال. وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): «في التوراة مكتوب يا بن ادم اذكرني حين تغضب أذكرك حين غضبي» الكافي 2: 304.
وقد قال تعالى في كتابه الشريف مدحاً لمن يتصف بكظم الغيظ {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران: 134.
قال السجاد ( عليه السلام ) : «الغضب مفتاح كل شر» الكافي 2: 303.
كثير منا وللأسف يطلق لنفسه العنان أن تتحكم فيها القوى الغضبية بحيث تخرجها عن حد الاعتدال، فما تشعر إلا وقد ارتكبت أكبر حماقاتها على أقرب الناس لها، سواء كان في نطاق الأسرة، أو نطاق المجتمع وبعدها لا ينفع الندم ولا يمكن تعويض تلك الخسارة. من هنا يجب أن ينطلق الإنسان من صفة كظم الغيظ في كل مراحل حياته ويحكِّم العقل وسيرى فضل الله. ولا يكفي أن يكظم الإنسان غضبه بل لابد أن يعفو عمن أخطأ في حقه، ويسعى في إصلاحه، عندها يكون قد سيطر على نفسه وصيرها وفقاً لحكم العقل، جعلنا الله وإياكم من السائرين على هذه النهج المحمدي الأصيل.