حسن الظن
حسن الظن
يعتبر العالم بما له من المنزلة العظيمة كباب من أبواب الله يأتيه الناس لقضاء حوائجهم، فهو من ورثة الأنبياء (عليهم السلام)، والامتداد الطبيعي لهذا المنهاج المقدس. ولان المحتاج قد لا يفكر عادة إلا في قضاء حاجته قد يسيء الظن بالعلماء، ويتهمهم بسوء التصرف بالحقوق الشرعية، أو عدم اللامبالاة متناسياً أن لهؤلاء العلماء أموراً قد تخفى عن المحتاج. ولذلك إن لم يكن من أهل الوعي فقد يصدر منه ما لا يجب، بخلاف ما لو كان من المتقين المتأملين في حقائق الأمور.
حدثني الشيخ جعفر الهلالي عن أبيه الشيخ عبد الحميد أن أباه في بداية حياته العلمية مرت عليه مع بعض زملائه ظروف قاسية، وأيام عجاف جعلتهم يلجأون إلى آيه الله السيد ناصر السلمان (المقدس) من أجل أن يمدهم بما يعيد أمرهم إلى طبيعته ويسد حاجتهم. يقول الشيخ عبد الحميد:
اجتمعت أنا مع بعض طلاب العلم وذهبنا سوياً إلى منزل السيد ناصر وعرضنا عليه حاجتنا، وصعوبة الأوضاع التي نعيشها. فاعتذر لنا بأنه لا توجد لديه حقوق لكي يعطيهم. فبينما نحن كذلك. فإذا برجل جاء بحمار وعنده حقوق كثيرة. فلما رأينا ذلك اشرأبت أعناقنا، وحمدنا الله فالأمور ستفرج وإن الله لطف بنا سريعاً. ولكن سرعان ما بدد هذا الفرح لما تناهى إلى مسامعنا كلام السيد ناصر لذلك الرجل بأن يذهب بهذا المال للشيخ موسى بو خمسين وأصبنا بخيبة أمل… خرج الرجل فخرجنا بعده. ولكن كانت خطواتنا أسرع من خطواته، باتجاه منزل الشيخ موسى. فعرضنا حاجتنا إليه فرد علينا: لدي مسئول مالي، والأموال التي تصل تذهب إليه، والشيخ يقسم الأموال حسب الأولويات من الأسماء والفقراء وطلبة العلم، والأيتام، فان زاد المال الموجود عن الأشخاص المقرر لهم فإنه سيكون لكم منه نصيبا. فذهبنا إلى الشيخ عبد الله الدويل وكان هو المسئول المالي عند الشيخ، فأخبرناه بما قال الشيخ. فجرد الأموال وقسمها كل بحسبه فتبقى منه ما كان فيه خير لنا فخرجنا ونحن بحمد الله شاكرين.
ومن خلال هذه الحادثة قد نخرج بعدة نقاط مهمة وهي:
أولاً: إن اختلاف العلماء في الظاهر لا يعني أنهم يختلفون حقيقة وواقعاً بل يوجد بينهم اتفاق في مقام خدمة الدين وإن اختلفوا في بعض مصاديق العمل.
ثانياً: عدم حصول الشخص على حاجته من العالم أو المرجع أو الوكيل لا ينبغي أن يؤدي الى اسأة الظن بهم، أو التكلم عليهم بل يجب علينا التحلي بالصبر وحسن الظن.
ثالثاً: إن العلماء لديهم مصاريف وأولويات يديرون بها مشاريعهم والموارد التي تأتيهم من الحقوق تصرف وفق هذه الأولويات، ولا يعني أن ما نراه نحن لابد أن يراه العالم.
رابعاً: قد تمر على العالم بعض الحالات أو الأوقات لا توجد لديه موارد مالية فلذلك لا يبذل، ولا يعطي، ليس بخلاً فيه أو إجحافاً بأحد بل راجع ذلك للظروف والحالات التي يقدرها للصرف.