الحسد آفة الدين وهلاك الناس فيه

الحسد آفة الدين وهلاك الناس فيه

الشيخ سعد الغري

من الأمور الملازمة للإنسان ولا ينفك عنها إلا من عصم الله تعالى مسألة ” الحسد ” فما هو الحسد وما بواعثه وما هي مساوئه وكيف نتجنب عنه :

تعريف الحسد :
الحسد : هو تمني زوال ما يتصوره نعمة عن الآخرين سواء كانت هذه النعمة موجودة عنده أم لا وسواء أرادها لنفسه أم لا(1) .
وهي من مساوئ الأخلاق ورذائلها حيث ان الحاسد يعارض المشيئة الإلهية بتمني زوال النعمة التي انعم الله بها على عباده ،،، أما إذا لم يتمنى زوالها فهو الغبطة وهو امر غير مذموم .
وتعبير ما يتصوره نعمة دليل فتارة يتصور ان الكمالات المادية هي نعمة فيتمنى زوالها او يتصور سلاطة اللسان وبذاءته نعمة فيتمنى زوالها او يتصور شيء لا يملكه نعمة فيتمنى زوالها .

مناشيء الحسد :
اما مناشيء الحسد فكثيرة وقد حصرها العلامة المجلسي رحمه الله صاحب البحار(2) بسبعة أمور :
الأول : العداوة.
الثاني : التعزز : أن يكون من حيث يعلم أن يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزّة نفسه.
الثالث : الكبر : أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته وهو المراد بالتكبر.
الرابع : التعجب : أن تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيراً فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما أخبر الله تعالى عن الأمم الماضية إذ قالوا : (قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا)(3). (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا)(4).
وأمثال ذلك كثيرة فتعجبوا من أن يفوزوا برتبة الرسالة والوحي والقرب مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو المراد بالتعجب.
الخامس : الخوف : أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه.
السادس : حب الرئاسة: أن يكون يحّب الرياسة التي تنبني على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها.
السابع : خبث الطينة : أن لا يكون بس بب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحّها بالخير لعباد الله”.
ولكن السيد الإمام الخميني رحمه الله يعتقد ان كل هذه الأسباب تعود إلى ان الحاسد يرى ذل نفسه لانه توهم كون الآخرين في نعمة فيتمنى زوالها حتى يصبحوا مثله اي انه يرى المحسود افضل منه فنفسه اذل من الآخرين فلذلك يتمنى زوالها حيث يقول : ولكنني أعتقد كما أشرت إليه سابقا، أن معظم هذه الأسباب بل كلها تعود إلى رؤية ذل النفس، وإن السبب المباشر للحسد حسب التعريف المشهور له ما ذكرناه ـ انبعاث الحسد من رؤية ذل النفس فلا مجال لذكر هذه الأقسام ـ . وأما بناءًا على ما ذكرناه في معنى الحسد من أن نفس هذه الحال تكون حسداً فلا اعتراض على صحة ذكر هذه الأقسام.

مفاسد الحسد:
اما مفاسده فيمكن ان نستخلصها من الآيات والروايات فقد وردت في ذمه آيات وروايات كثيرة مما يدل على تأثيره العظيم على الحياة البشرية لأن الله يسن القانون ليعم الصلاح والفائدة على الجميع فإذا كانت مسألة ما رذيلة ينذر بها العبد كي يحذر من عواقبها مثل مسألة النفاق والحسد والعجب وغيرها من المساوئ المؤثرة على الاخلاقيات في المجتمع ومنها يكون التأثير على مسيرة الحياة فتعم الفوضى وعدم النظام .

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم :
( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ *وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (5) فهنا الله تبارك وتعالى يجعل المحسود يستعيذ به من الحاسد فجعل منزلته كمنزلة الشيطان من قوة فتكه بحيث ان البشر بقواهم الضعيفة لا يستطيعون أن يصدونه .

فهو يأكل الإيمان أو الحسنات:
كما ورد في هذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وآله :قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب “(6)
وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: “إِن الرَّجُلَ لَيَأْتى بِأي بادِرَةٍ فَيُكَفَّرُ، وَإنَّ الحَسَدَ لَيَأْكُلُ الإيمان كَمـا تَأْكُلُ النّار الحَطَبَ”(7)
ففي الواقع ان الحاسد تذهب حسناته إلى غيره فهو بهذا يكون قد ظلم نفسه كما يخبرنا الحديث الثاني .

الحاسد يظلم لنفسه :
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ” ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد، نَفَس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم “(8)

الحسد آفة الدين :
وفي صحيحة معاوية بن وهب قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: آفَةُ الدّينِ الحَسَد والعُجْبُ وَالفَخْرُ”(9) .

في الحسد هلاك الناس :
وقال الحسن بن علي عليهما السلام:
” هلاك الناس في ثلاث: الكبر. والحرص. والحسد.
فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس..
والحرص عدو النفس، وبه أُخرج آدم من الجنة.
والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل “.

الحاسد ساخط لنعمة الله وصاد لقسمته :
عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قالَ رَسُولُ اللّه صَلى اللّه عَليهِ وآلِهِ وسَلَّم: قالَ اللّه عَزَّ وَجلّ لِمَوسَى بنِ عُـمْراِن: “يا ابْنَ عُمْـرانِ لا تًـحْسُدَنَّ النّاسَ عَلى ما آتَـيْتُهُمْ مِـنْ فَضْلي ولا تَمُدَّنَّ عَيْنيكَ إِلى ذلِكَ وَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ فَإنَّ الحاسِدَ ساخِطٌ لِنِعَمي صادٌ لِقِسْمِيَ الَّذي قَسَمْتُ بَيْنَ عِبادي وَمَنْ يَكُ ذلِكَ فَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنّي” (10) .
ومن مفاسد هذا الخلق الذميم، كما يقول العلماء، ضيق القبر وظلمته. إذ أنهم يقولون إن صورة هذا الخلق الفاسد الرديء، التي فيها ضيق نفساني وكدر قلبي، تشبه ضيق القبر وظلمته، إذ أن ضيق القبر أو اتساعه منوط بضيق الصدر أو انشراحه.
إلى غير ذلك من المفاسد فالحاسد يحرق نفسه بظلام روحه الأمارة ففي ذلك يقول الإمام الخميني (رحمه الله) في الأربعون (11) :
إن هذه الصفة القبيحة تضغط على القلب وتضيقه فتبدو آثارها في كل كيان الإنسان، باطنه وظاهره. إنها تصيب القلب بالحزن والكدر، والصدر بالاختناق والضيق، والوجه بالعبوس والغضب.
وهذه الحال تطفئ نور الإيمان، وتميت قلب الإنسان، وكلما اشتدت ازداد ضعف الإيمان.
إن جميع الصفات المعنوية والظاهرية للمؤمن، تتنافى والآثار التي يوجدها الحسد في ظاهر الإنسان وباطنه. إن المؤمن يحسن الظن باللّه تعالى، وهو راض بقسمه الذي يقسمه بين عباده. أما الحسود فساخط على اللّه تعالى، يشيح بوجهه عن تقديراته. لقد جاء في الحديث الشريف: إن المؤمن لا يتمنى السوء للمؤمنين، بل هم أعزاء عنده، والحسود بعكس ذلك.
المؤمن لا يغلبه حب الدنيا، والحسود بل إنما و مُبْـتَلى بشدة حبه للدنيا. والمؤمن لا يداخله خوف ولا حزن إلا من بارئ الخلق تعالى، أما الحسود فخوفه وحزنه يدوران حول المحسود.
والمؤمن طلق المحيا، وبشراه في وجهه، والحسود مقطب الجبين عبوس الوجه.
والمؤمن متواضع، والحسود متكبر في معظم الحالات. فالحسد، آفة الإيمان التي تأكله، كما تأكل النار الحطب.

طرق المعالجة :

لاننا بشر لا نستطيع ان نصل إلى ما المخلص من الشرور إلا بواسطة إلهية تهدينا إلى سبيل الهدى فإذا عرفنا هذه العواقب الوخيمة لهذا الامر وهذا الخلق الذي ليس له نفع في الدنيا ولا في الآخرة فيستطيع الانسان ان يغير خلقه ما دام الباب مفتوحا لتغيير الاخلاق فإنها مهما تكن هذه الاخلاق سيئة وذميمة يستطيع الانسان ان يغيرها ما دام حياً يرزق مستعينا بالله تبارك وتعالى على نفسه التي هي سبب سعده وهي سبب شقائه فبالترويض وبالجهد اليسير تصل إلى شاطيء القناعة ومحبة الله ورضوانه وإلا فلا يمكن الخلاص من هذه الرذيلة الخلقية لانها سوف تسري إلى القلب والعياذ بالله وتصبح عادة ويصاب به حتى الاقربون .

يقول الشيخ الجليل والعارف الكبير الشاه آبادي ( رحمه الله ): إن الإنسان في عز شبابه وقوة فتوته يكون أقدر على الوقوف بوجه المفاسد الأخلاقية، وأفضل في أداء واجبه الإنساني. فلا تتركوا هذه القوى تضيع من أيديكم، ويستولي عليكم ضعف الشيخوخة، وعندئذٍ يصعب عليكم التوفيق في مساعيكم، وحتى لو أنكم وفقتم، فإن ذلك الإصلاح سوف يتطلب منكم الكثير من المشقة والتعب.
فإذا تأملت بهذا الكلام وهضمته وعاينته تصل نفسك إلى قناعة كاملة برذيلة هذا العمل وضرورة الإبتعاد عنه وإلا فالعياذ بالله من سوء العاقبة حسب ما يذكره هذا الحديث :روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن أحمد بن علي القمي نزيل الري في كتابه المنبئ عن زهد النبي صلى الله عليه وآله ، عن عبد الواحد عمّن حدثه عن معاذ بن جبل قال: “قلت: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظته من دقة ما حدثك به. قال: نعم، وبكى معاذ ثم قال: بأبي وأمي حدثني وأنا رديفه فقال: بينا نسير إذ رفع بصره إلى السماء فقال: الحمد لله الذي يقضي في خلقه ما أحب، ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله وسيّد المؤمنين. قال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله إمام الخير ونبي الرحمة، فقال: احدّثك شيئا ما حدّث به نبي أمته إن حفظته نفعك عيشك، وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند الله، ثم قال: إنّ الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السماوات فجعل في كل سماء ملكا قد جلها بعظمه، وجعل على كل باب من أبواب السماوات ملكا بوابا، فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي، ثم ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتى إذا بلغ سماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الغيبة، فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري .
قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها، فتمر به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلاة [والصدقة] ما بين الصلاتين، ولذلك العمل رنين كرنين الإبل وعليه ضوء كضوء الشمس، فيقول الملك: قفوا أنا ملك الحسد واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واحملوه على عاتقه؛ إنه كان يحسد من يتعلم أو يعمل لله بطاعته، وإذا رأى لأحد فضلا في العمل والعبادة حسده ووقع فيه، فيحمله على عاتقه ويلعنه عمله.

و روي عنه صلى الله عليه وآله :
ثلاث لا ينجو منهن أحد : الظن والطيرة والحسد ، وسأحدثكم بالمخرج من ذلك إذا ظننت فلا تحقق ، وإذا تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ . (12)
فهنا يعطينا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علاج الحسد وإن كان علاجاً ليس جذرياً ولكن بالتدريج يصبح الإنسان قادر على التغلب على هذه الرذيلة .

اللهم حسن خلقنا كما حسنت خلقنا .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

الهوامش

(1) – (الإمام الخميني رحمه الله في كتاب ” الاربعون حديثاً ” ).
(2) – (بحار الأنوار، المجلد الثالث والسبعون، ص 240) .
(3) – (يس: 15).
(4) – (المؤمنون: 47).
(5) – ( سورة الفلق).
(6) – البحار م 15 ج 3 عن المجازات النبوية، وجاء في الكافي عن الصادق عليه السلام ” يأكل الإيمان ” بدل الحسنات.
(7) – ( أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح 1).
(8) – البحار م 15 ج 3 ص 131 عن مجالس الشيخ المفيد وأمالي ابن الشيخ الطوسي.
(9) – ( أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح 5).
(10) – أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح 6.
(11) – ( الامام الخميني الاربعون حديثاً ).
(12) – ( المحجة البيضاء ج5 ص325) .

المصدر : مجلة الفرات العدد (55)

Loading