الإيثار
الإيثار
وهو : أسمى درجات الكرم ، وأرفع مفاهيمه ، ولا يتحلى بهذه الصفة المثالية النادرة ، إلا الذين جلوا بالأريحية ، وبلغوا قمة السخاء ، فجادوا بالعطاء ، وهم بأمسّ الحاجة إليه ، وآثروا بالنوال ، وهم في ضنك من الحياة . وقد أشاد القرآن بفضلهم قائلاً : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر: 9 .
وسئُل الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أي الصدقة أفضل ، قال ( عليه السلام ) : ( جُهد المُقِل ، أما سمعت الله تعالى يقول : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن رسول الله أقبل الى الجِعِرانة ، فقسم فيها الأموال ، وجعل الناس يسألونه فيعطيهم ، حتى ألجأوا الى شجرة فأخذت برده ، وخدشت ظهره ، حتى جلوه عنها ، وهم يسألونه . فقال : أيها الناس ردوا عليّ بردي ، والله لو كان عندي عدد شَجَرِ تهامة نعماً لقسمته بينكم ، ثم ما ألفيتموني جباناً ولا بخيلاً… ) .
وقد كان ( صلى الله عليه وآله ) يؤثر على نفسه البؤساء والمعوزين ، فيجود عليهم بماله وقوته ، ويظل طاوياً ، وربما شد حجر المجاعة على بطنه مواساة لهم .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( ما شبع النبي من خبز بُر ثلاثة أيام متوالية ، منذ بعثه الله إلى أن قبضه ) .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( كان علي أشبه الناس برسول الله ، كان يأكل الخبز والزيت ، ويطعم الناس الخبز واللحم ) .
وفي حق الإمام علي وأهل بيته الطاهرين ، نزلت الآية الكريمة : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) الدهر : 8 ـ 9 .
فقد أجمع أولياء أهل البيت على نزولها في علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وقد أخرجه جماعة من أعلام غيرهم .
وإليك ما ذكره الزمخشري في تفسير السورة من الكشاف : قال : ( وعن ابن عباس أنّ الحسن والحسين مرضا ، فعادهما رسول الله في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ، إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا ، وما معهم شيء ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً ، واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنة، فآثروه ، وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ، وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك .
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا الى رسول الله ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال : ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها ، قد التصق بطنها بظهرها ، وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرائيل وقال : خذها يا محمد هنّاك الله في أهل بيتك ، فأقرأه السورة».
وقد زخرت أسفار السير بإيثارهم ، وأريحيتهم ، بما يطول ذكره في هذا البحث المجمل .
المصدر
http://www.al-shia.org