الجود والبخل

الجود والبخل

الجواد محبوب ، والبخيل مكروه …

والبخيل مطوية أحشائه على الفقر ، وإلا فلم يبخل ؟ والجواد مطوي ضميره على الغنى ، وإلا فلم يعطِ ؟ وهما سجيتان ، فلا يلازم الجود الثروة ، ولا البخل الفقر ، فرب بخيل غني ، ورب جواد فقير .

وهناك منزلة بين السرف والبخل ، هو الجود ، وهو الممدوح عقلاً وشرعاً .

يحكي الله تعالى في القرآن الحكيم وصية لقمان لولده التي هي ملاك الإعطاء والقبض : ( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) الاسراء : 29 .

والبخيل إنما يضيع على نفسه المدح والارتياح في الدنيا والثواب والأجر في الآخرة .

يقول الله تعالى : ( إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) محمد : 36 ـ 38 .

إن المال وديعة ( ولابد يوماً ان ترد الودائع ) فَلِمَ يبخل الإنسان بما إن أعطاه كان له أجراً ، وإن منعه كان عليه وبالاً ؟ والخلف من الله ، فلماذا لا يثق بخلفه ؟

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن كان الخلف من الله عز وجل حقاً ، فالبخل لماذا ) ؟ .

إن الشح رذيلة تافهة ، ينبغي أن يستعيذ الشخص منها ، وان يهيئ ما عنده من حول وطول لطرده .

قال فضل بن أبي قرة : رأيت أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام ) يطوف من أول الليل إلى الصباح ، وهو يقول : اللهم قني شح نفسي ! فقلت : جعلت فداك ، ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء ؟! قال : وأي شيء أشد من شح النفس ؟ إن الله يقول : ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

هذا إمام معصوم مقرب يدعو بهذا الدعاء ، في خير بقعة ، في ليل بأكمله ، انه يستحق التأمل ، والإعتبار ..

إن الدنيا قد تقبل على أقوام وقد تدبر عن أقوام فالمقبلة لا ينقصها العطاء ، والمدبرة لا يبقيها البخل ، ويتحسر البخيل على أي حال ..

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( عجبت لمن يبخل بالدنيا ، وهي مقبلة عليه ! أو يبخل بها ، وهي مدبرة عنه ! فلا الإنفاق مع الإقبال يضره ، ولا الإمساك مع الإدبار ينفعه ) .

والبخيل بعيد عن الجنة ، قريب إلى النار ، أو فيها لا محالة .

يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( حرمت الجنة على المنان ، والبخيل ، والقتات ) .

إنه لا يدخل الجنة ، وليس بمؤمن ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ، ولا يكون المؤمن جباناً ولا حريصاً ، ولا شحيحاً ) .

إنه ليس بمؤمن كامل ، ولا يدخل الجنة ، إلا إذا تداركته رحمة من الله الكريم .

والظالم بنظر الإسلام أقل جرماً من الشحيح ، وقد بين سبب ذلك الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فيما يرويه الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر ( عليهما السلام ) قال : ( إن علياً سمع رجلاً يقول : الشحيح أعذر من الظالم ، فقال : كذبت ان الظالم يتوب ويستغفر الله ، ويرد الظلامة على أهلها ، والشحيح إذا شح منع الزكاة والصدقة ، وصلة الرحم ، وإقراء الضيف والنفقة في سبيل الله ، وأبواب البر ، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح ) .

والمثال الرائع المثال الذي ضربه حاتم الطائي حين سئل منه : ممن تعلمت الجود ؟ قال : ( من البناء رأيت ما لم يجعل على البناء آجراً ، لم يعط آخر ) .

إنه كذلك فالدنيا في الدوران ، كل شيء منها دائر ، الفلك ، والأرض ، والحيوان ، والنبات .. وكذلك فلتكن الأموال يرثها الأبناء من الآباء ، والأحفاد من الأجداد .

فلم البخل ؟ لا سبب له إلا جشع البخيل وسوء نظره ، ولذا قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( الشح المطاع سوء الظن بالله تعالى ) .

إن البخيل بمعزل حتى عن المشورة ، فإنه لضيق نظره يقرب الفقر ، ويبعد الغنى .

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا علي ، لا تشاورن جباناً ، فإنه يضيق عليك المخرج ، ولا تشاورن البخيل ، فإنه يقصر بك عن غايتك ، ولا تشاورن حريصاً ، فإنه يزين لك شرها ، واعلم يا علي : ان الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة : يجمعها سوء الظن ) .

وأخيراً : ( السخي قريب من الله ، قريب من الجنة ، قريب من الناس ، بعيد من النار ، والبخيل بعيد من الله ، بعيد من الناس ، بعيد من الجنة ، قريب من النار ) .

المصدر

www.al-shia.org

Loading