مكارم الأخلاق
مكارم الأخلاق
تمهيد
إنَّ من أهمّ الطرق لتربية النفس والسير والسلوك ونيل مقام القرب، تربية الفضائل ومكارم الأخلاق في نفوسنا، وللفضائل الأخلاقيّة آثار جليلة في الدنيا والآخرة، ولذا أكَّدت عليها الآيات والروايات، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما يوضع في ميزان امرىءٍ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق”1.
وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “إنَّ أحبَّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً، أحسنُكم خُلُقاً وأشدُّكم تواضعاً”2.
وقد فصَّل المعصومون عليهم السلام الحديث عن حسن الخلق، فقد سُئل الصادق عليه السلام: ما هو حدّ حسن الخلق؟ قال عليه السلام: “تلين جانبك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببِشْرٍ حَسَنٍ”3.
من الأخلاق الاجتماعية
إنَّ الأخلاق الحسنة كثيرة وعديدة، وينبغي للسالك أن يهتمّ بها كلها، لأنَّ لكلّ منها أثره وثماره، وعدم الاهتمام بها سيؤدّي إلى الحرمان من فوائدها، وسنبيّن بعض تلك الأمور الأخلاقيّة التي تعدّ ضروريّة في حياتنا الاجتماعيّة، لأنَّ العبادة لا تقتصر في الإسلام على الصلاة، والصيام، والحجّ، والزيارة، والذكر، والدعاء، ولا تنحصر بالمساجد والمعابد والمزارات، بل يعتبر القيام بالمسؤوليّات الاجتماعيّة والإحسان وخدمة عباد الله إذا كان مع قصد القربة من أفضل العبادات، حيث يمكن أن يكون وسيلة لبناء وإكمال النفس والتقرّب من الله. فالسير والسلوك في الإسلام لا يستلزم الانزواء، بل يمكن أن يكون من خلال قبول المسؤوليّات الاجتماعيّة وفي وسط المجتمع، والتعاون في الخير والإحسان، والسعيّ في حوائج المؤمنين، وإدخال السرّور إلى قلوبهم، والدفاع عن المحرومين والمستضعفين، والاهتمام بأمور المسلمين. وقضاء حاجاتهم، وحل مشاكلهم، ومساعدّة عباد الله؛ وكلّ هذه الأمور تعتبر في الإسلام من العبادات الكبيرة، وثوابها أكبر من عشرات الحجج المقبولة المبرورة.
1- لين الجانب
إنَّ هذه الصفة عظيمة، وهي تعبّر عن وصول الرحمة إلى قلب الإنسان، وقد وصف الله تعالى بها رسوله الكريم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك﴾4.
2- الكلام الطيِّب
إنَّ الكلام اللطيف مع الآخرين هو من مكارم الأخلاق، حتى أنَّ الروايات قد فسّرت حسن الخلق به كما مرَّ معنا في حديث الصادق عليه السلام.
3- إدخال السرّور على المؤمن
وهو من الأهميَّة بحيث أنَّ أهل البيت عليهم السلام قرنوا بين إدخال السرّور على قلب المؤمن وبين سرورهم، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنَّه أدخله عليه فقط بل والله علينا، بل والله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”5.ومن أروع ما نجده في هذا المجال، وصيّة الإمام الصادق عليه السلام للنجاشي حيث يقول فيها: “يا عبد الله إيّاك أن تخيف مؤمناً، فإنَّ أبي حدَّثني عن أبيه عن جده، من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله، يا عبد الله وحدّثني أبي عن آبائه عن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال:”نزل جبرئيل عليه السلام، فقال: من أدخل على أخيه المؤمن سروراً فقد أدخل على أهل بيت نبيه عليهم السلام سروراً، ومن أدخل على أهل بيته سروراً فقد أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سروراً، ومن أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سروراً فقد سرّ الله، ومن سرَّ الله فحقيق على الله أن يدخله مدخله…”6.
4 – الرفق والمداراة
وقد وردت الروايات في الحثّ عليها، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش”7.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ التحبّب إلى الناس”.وعن الصادق عليه السلام: “جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “يا محمّد ربُّك يقرئك السلام ويقول لك: دارِ خلقي”8.عن أمير المؤمنين عليه السلام: “إنَّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء”9.وعنه عليه السلام: “دار الناس تستمتع بإخائهم، وألقهم بالبشر تمت أضغانهم”10.
5- الصفح عن الآخرين
وهو من أعظم المكارم، فقد خاطب الإمام الصادق عليه السلام أحد أصحابه بقوله: “ألا أحدّثك بمكارم الأخلاق؟: الصفح عن الناس، ومواساة الرجل أخاه في ماله، وذكر الله كثيراً”11.
6- قضاء حاجة المؤمن
وقد وصفتها الروايات بالرحمة وأنَّها تفرّج الهمّ يوم القيامة، وتيسّر الحوائج في الدنيا، وعن الصادق عليه السلام: “إنَّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكِّل الله عزَّ وجل به ملكين، واحداً عن يمينه وآخر عن شماله يستغفران له ربَّه ويدعوان بقضاء حاجته..”12.وعنه عليه السلام: “أيُّما مؤمن قصده أخوه في حاجة، أو مستجيراً به في بعض أحواله، فلم يعنه ولم يجره، وهو يقدر على ذلك، فقد قطع ولاية الله، وأيُّما مؤمن منع مؤمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه، وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسودّاً وجهه، مزرقّة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه، ويقال له: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله، ثمَّ يؤمر به إلى النار”13. وقد وردت في هذا الخصوص مئات الأحاديث عن الرسولصلى الله عليه وآله وسلم والأئمَّة الأطهار عليهم السلام :
قال الإمام الصادق عليه السلام: “قال الله عزّ وجلّ: الخلق عيالي فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم”14.وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الخلق عيال الله فأحبّ الخلق إلى الله مَن نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً”15.عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: “تبسُّم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرف الأذى عنه حسنة، وما عبد الله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرّور علىالمؤمن”16. وقال الصادق عليه السلام: “مَن سرّ مؤمناً فقد سرَّني، ومَن سرَّني فقد سرَّ رسول الله، ومَن سرَّ رسول الله فقد سرَّ الله، ومَن سرَّ الله أدخله جنّته”17.
وعنه عليه السلام: “لَقَضاء حاجة امرىء مؤمن أحبّ إلى الله من عشرين حجّة، كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف”18.وعنه عليه السلام: “مشي المسلم في حاجة المسلم خير من سبعين طوافاً بالبيت الحرام”19.وعنه عليه السلام: “إنَّ لله عباداً من خلقه يفزع العباد إليهم من حوائجهم، أوّلئك هم الآمنون يوم القيامة”20.
وعن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام كيف ينبغي أن نصنع فيما بينا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟ قال عليه السلام: “تنظرون إلى أئمّتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنَّهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم”21.
الإمام الخميني قدس سره وخدمة الناس
يعتبر الإمام الخميني قدس سره: “أنَّ خدمة الناس والسعيّ في قضاء حاجاتهم، والعمل على رفع الحرمان عنهم، أحد أهمّ الوظائف التي ينبغي للمؤمنين أن يقوموا بها، بل إنَّه يعتبر خدمتهم خدمة للحق المطلق سبحانه وتعالى”.وحيث إنَّ النفس الإنسانيّة تنزع إلى الشعور بالفضل والامتياز حينما تقوم بالإحسان وخدمة الناس، أو قد تنطلق في هذا العمل بهدف الحصول على مكاسب ذاتيَّة، كالشهرة، والسمعة، وكسب ودّ الناس، فإنَّه رحمه الله يحذّر بشدّة من هذا وذاك ويعتبر أنَّ الناس هم الذين ينبغي أن يكونوا في موقع المنَّة، لأنَّهم وفَّروا للآخرين وسيلة للتقرُّب إلى الله ونيل رضاه سبحانه.
يقول قدس سره في رسالته لابنه
“ما دمنا عاجزين عن شكره تعالى ونعمائه التي لا نهاية لها، فحبذا أن لا نغفل عن خدمة عباده، فخدمتهم خدمة للحقِّ تعالى، ولو أنَّ الجميع منه. لا ترى لنفسك أبداً فضلاً على خلق الله حين تخدمهم، فهم الذين يمنُّون علينا حقَّاً بفضل كونهم وسيلة إلى الله جلّ وعلا، ولا تسعى لكسب الشهرة والمحبوبيَّة عن طريق الخدمة، فهذا بحدِّ ذاته حيلة من حبائل الشيطان الذي يوقعنا في شباكه.واختر في خدمة عباد الله ما هو أكثر نفعاً لهم لا لك، ولا لأصدقائك، فهذا الاختيار علامة الصدق في الحضرة المقدَّسة لله جلَ وعلا”.ويقول في موضع آخر: “أيُّها المستضعفون، نحن مرتهنون لإحسانكم وإذا كنا نليق فنحن خدَّامكم”.
المصدر : تزكية النفس,سلسلة المعارف الاسلامية,نشر جمعية المعارف,ط 2009م,ص:135-141.
الهوامش
1- الحر العاملي – وسائل الشيعة – مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث- الطبعة الثانية – ج 8 – ص 506
2- المجلسي – بحار الانوار – مؤسسة الوفاد – بيروت لبنان – الطبعة الثانية المصححة – ج 68 – ص 385
3- م.ن.ج 68 – ص 389
4- آل عمران : 159
5- المشكيني , مسلكنا , ص 372
6- الشيخ الأنصاري , المكاسب المحرمة , ج 1 , ص 181- 183
7- مسلكنا ص 392
8- مسلكنا ص 394
9- المجلسي- بحار الانوار- مؤسسة الوفاء- بيروت لبنان- الطبعة الثانية المصححة- ج 68 -ص 383
10- الريشهري محمد- ميزان الحكمة- دار الحديث الطبعة الاولى – ج 2- ص 865
11- الحر العاملي- وسائل الشيعة- مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث- الطبعة الثانية – ج 15- ص 200
12- الريشهري- محمّد- ميزان الحكمة- دار الحديث , الطبعة الأولى- ج3 ص 148
13- الكليني – الكافي-دار الكتب الاسلامية- الطبعة الثانية- ج 2-ص 194
14- الكليني – الكافي-دار الكتب الاسلامية- الطبعة الثالثة- ج 2-ص 367
15- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلاميِّة ,آخوندي-الطبعة الثالثة / ابن بابويه- علي- فقه الرضا – مؤسسة أهل البيت ج2 ص 199
16- ن. م ج2 ص 164
17- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلاميِّة ,آخوندي-الطبعة الثالثة، ج2 ص 188
18- المجلسيّ-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة -ج74 ص 413
19- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلاميِّة ,آخوندي-الطبعة الثالثة، ج2 ص 193
20- المجلسيّ-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة -ج74 ص 311
21- ن.م. ج74 ص 318
المصدر : www.almaaref.org