أخلاق أهل البيت عليهم السلام (2)
أخلاق أهل البيت عليهم السلام (2)
٢ ـ ما في وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد النخعي رضوان الله عليه : ـ (يا كميل لا تأخذ إلّا عنّا تكن منّا …
يا كميل أحسِن خُلقك ، وابسط جليسك ـ أي سُرّه ـ ، ولا تنهرَنَّ خادمك.
يا كميل البركة في المال من إيتاء الزكاة ، ومواساة المؤمنين ، وصلة الأقربين وهم الأقربون لنا …
يا كميل لا تردّ سائلاً ، ولو بشقِّ تمرة ، أو من شطر عنب …
يا كميل حُسن خلق المؤمن من التواضع ، وجماله التعفّف ، وشرفه الشفقة ،
__________________
(١) بحار الأنوار / ج ٧٧ / ص ٧٤.
٣٠
وعزّه ترك القيل والقال.
يا كميل إيّاك والمراء ، فإنّك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت ، وتُفسد الإخاء …
يا كميل جانب المنافقين ، ولا تصاحب الخائنين …
يا كميل لا تُريَنَّ الناس افتقارك واضطرارك ، واصطبر عليه احتساباً بعزٍّ وتستّر …
يا كميل ومن أخوك؟
أخوك الذي لا يخذلك عند الشدّة ، ولا يغفل عنك عند الجريرة ، ولا يخدعك حين تسأله ، ولا يتركك وأمرك حتّى تُعلمه فإن كان مميلاً ـ أي صاحب مال ـ أصلحه …
يا كميل إنّما المؤمن من قال بقولنا ، فمن تخلّف عنّا قصّر عنّا ، ومن قصّر عنّا لم يلحق بنا ، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار …
يا كميل قُل عند كلّ شدّةٍ : (لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم) تكفها.
وقُل عند كلّ نفحةٍ الحمدُ لله تُزد منها ، وإذا أبطأت عليك الأرزاق فاستغفر الله يُوسّع عليك فيها.
يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك فقُل : ـ
(أعوذ بالله القويّ من الشيطان الغويّ ، وأعوذ بمحمّد الرضيّ من شرّ ما قُدّر وقُضي ، وأعوذ بإله الناس من شرّ الجِنّة والناس أجمعين) ، وسلّم ، تُكفى مؤونة إبليس والشياطين معه ، ولو أنّهم كلّهم أبالسة مثله …
يا كميل إنّ الأرض مملوّةٌ من فخاخهم ، فلن ينجو منها إلّا مِن تشبّث بنا ..
يا كميل ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق ، إنّما الشأن أن تكون الصلاة فُعلَت بقلبٍ نقيّ ، وعملٍ عند الله مرضيّ ، وخشوعٍ سويّ ، وإبقاءٍ للجدّ فيها …
يا كميل اُنظر فيمَ تصلّي ، وعلى ما تصلّي ، إن لم تكن من وجهه فلا حِلَّ ولا قبول …
يا كميل إنّما يتقبّل الله من المتّقين …
يا كميل قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي قولاً ، والمهاجرون والأنصار متوافرون يوماً بعد
٣١
العصر ، يوم النصف من شهر رمضان ، قائماً على قدميه ، فوق منبره : ـ
عليٌّ منّي ، وإبناي منه ، والطيّبون منّي وأنا منهم ، وهم الطيّبون بعد اُمّهم ، وهم سفينةٌ من ركبها نجى ، ومَن تخلّف عنها هوى ، الناجي في الجنّة ، والهاوي في لظى …) (١).
٣ ـ ما في تعليم فاطمة الزهراء عليها السلام لبعض النساء : ـ
(أرضِ أبوَي دينِك محمّداً صلى الله عليه وآله وعليّاً عليه السلام ، بسخطِ أبوي نسبكِ.
ولا تُرضِ أبوي نسبكِ بسخط أبوَي دينك.
فإنَ أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمّد صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام بثواب جزءٍ من ألف ألف جزءٍ من ساعةٍ من طاعاتهما.
وإنَ أبوَي دينك إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما ، لأنّ ثواب طاعات أهل الدُّنيا كلّهم لا تفي بسخطهما …) (٢).
٤ ـ ما في كلام لمولانا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام : ـ
(يا ابن آدم عُفّ عن محارم الله تكُن عابداً ، وارضِ بما قسم الله سبحانه تكن غنيّاً ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ، وصاحِب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عدلاً.
إنّهم كان بين أيديكم أقوامٌ يجمعون كثيراً ، ويبنون مشيداً ، ويأملون بعيداً.
أصبح جمعهم بواراً ، وعملهم غروراً ، ومساكنهم قبوراً.
يا ابن آدم لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمّك ، فخُذ ممّا في يديك لما بين يديك ، فإنّ المؤمن يتزوّد ، والكافر يتمتّع.
__________________
(١) بحار الأنوار / ج ٧٧ / ص ٢٧٠.
(٢) الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام / ج ٢١ / ١٦٤.
٣٢
وكان عليه السلام يتلو بعد هذه الموعظة : ـ
(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ) (١).
٥ ـ ما في توصية مولانا الإمام الحسين عليه السلام لابن عبّاس : ـ
(لا تتكلّمنَّ فيما لا يعنيك فإنّي أخاف عليك الوزر.
ولا تتكلّمنّ فيما يعنيك حتّى ترى للكلام موضعاً ، فرُبّ متكلّمٍ قد تكلّم بالحقّ فعيب.
ولا تمارينَّ حليماً ولا سفيهاً ، فإنّ الحليم يقليك ، والسفيه يؤذيك.
ولا تقولنّ في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلّا ما تحبّ أن يقول فيك إذا تواريت عنه.
واعمل عمل رجلٍ يعلم أنّه مأخوذٌ بالإجرام ، مجزى بالإحسان ، والسلام) (٢).
٦ ـ ما في وصيّة مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام لبعض بنيه : ـ
(يا بُني اُنظر خمسةٌ فلا تصاحبهم ، ولا تحادثهم ، ولا ترافقهم في طريق.
فقال : يا أبه مَن هم؟
قال عليه السلام : ـ إيّاك ومصاحبة الكذّاب فإنّه بمنزلة السراب يقرِّب لك البعيد ، ويبعّد لك القريب.
وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنّه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك.
وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.
وإيّاك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك.
وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله) (٣).
__________________
(١) بحار الأنوار / ج ٧٨ / ص ١١٢.
(٢) بحار الأنوار / ج ٧٨ / ص ١٢٧.
(٣) بحار الأنوار / ج ٧٨ / ص ١٣٧.
٣٣
٧ ـ ما في وصيّة مولانا الإمام الباقر عليه السلام لجابر الجعفي وجماعة الشيعة : ـ
(قال جابر : دخلنا على أبي جعفر عليه السلام ، ونحن جماعة ، بعدما قضينا نسكنا ، فودّعناه وقلنا له أوصنا يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال :
ليُعن قويّكم ضعيفكم ، وليعطف غنيّكم على فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه ، واكتموا أسرارنا ، ولا تحملوا الناس على أعناقنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتًى نشرح لكم من ذلك ما شُرح لنا.
فإن كنتم كما أوصيناكم ، لم تعدْوا إلى غيره فمات منكم ميّت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً ، وإن أدرك قائمنا فقُتل معه كان له أجر شهيدين ، ومَن قَتَلَ بين يديه عدوّاً لنا كان له أجر عشرين شهيداً) (١).
٨ ـ ما في وصيّة مولانا الإمام الصادق عليه السلام لعبد الله بن جُندَب : ـ
(… يا ابن جُندب إنّما المؤمنون الذين يخافون الله ، ويشفقون أن يُسلبوا ما أُعطوا من الهدى ، فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا وأشفقوا ، وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ممّا أظهره من نفاذ قدرته ، وعلى ربّهم يتوكّلون …
يا ابن جندب لا تقُل في المذنبين من أهل دعوتكم إلّا خيراً ، واستكينوا إلى الله في توفيقهم ، وسلوا التوبة لهم.
فكلّ من قصدنا ، وتولّانا ، ولم يوال عدوّنا ، وقال ما يعلم ، وسكت عمّا لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنّة …
يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحّط بدمه في سبيل الله يوم بدرٍ واُحد ، وما عذّب الله اُمّةً إلّا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم …
__________________
(١) بحار الأنوار / ج ٧٨ / ص ١٨٢.
٣٤
يا ابن جندب إنّما شيعتنا يُعرفون بخصالٍ شتّى :
بالسخاء ، والبذل للإخوان ، وبأن يصلّوا الخمسين ليلاً نهاراً.
شيعتنا لا يهرّون هرير الكلب ، ولا يطعمون طمع الغراب ، ولا يجاورون لنا عدوّاً ، ولا يسألون لنا مبغضاً ولو ماتوا جوعاً.
شيعتنا لا يأكلون الجرَي ، ولا يمسحون على الخفّين ، ويحافظون على الزوال ، ولا يشربون مسكراً …
يا ابن جندب صِل من قطعك ، واعط من حرمك ، وأحسن إلى من أساء إليك ، وسلِّم على من سبّك ، وأنصف مَن خاصمك ، واعف عمّن ظلمك كما تحبّ أن يُعفى عنك.
فاعتبر بعفو الله عن ، ألا ترى أنّ شمسه أشرقت على الأبرار والفجّار ، وأنّ مطره ينزل على الصالحين والخاطئين …
يا ابن جندب … الواجب على من وهب الله له الهدى ، وأكرمه بالإيمان ، وألهمه رُشده ، وركّب فيه عقلاً يتعرّف به نعمه ، وآتاه علماً وحكماً يدبّر به أمر دينه ودُنياه أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا يكفره ، وأن يذكر الله ولا ينساه ، وأن يطيع الله ولا يعصيه …
أما إنّه لو وقعت الواقعة ، وقامت القيامة ، وجاءت الطامّة ، ونصب الجبّار الموازين لفصل القضاء ، وبرز الخلائق ليوم الحساب ، أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة ، وبمن تحلّ الحسرة والندامة.
فاعمل اليوم بما ترجو به الفوز في الآخرة) (١).
٩ ـ ما أوصى به الإمام الكاظم عليه السلام هشام بن الحكم ، جاء فيه : ـ
(يا هشام إنّ العاقل رضى بالدون من الدُّنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدون
__________________
(١) بحار الأنوار / ج ٧٨ / ص ٢٧٩.
٣٥
من الحكمة مع الدُّنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم …
يا هشام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول :
ما من شيء عُبدَ الله به أفضل من العقل ، وما تمَّ عقل امرءٍ حتّى يكون فيه خصالٌ شتّى :
الكفر والشرّ منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، نصيبه من الدُّنيا القوت ، لايشبع من العلم دهره ، الذلّ أحبُّ إليه مع الله من العزّ مع غيره ، والتواضع أحبّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقلّ كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلّهم خيراً منه وأنّه شرّهم في نفسه ، وهو تمام الأمر.
يا هشام من صدق ليانه زكى عمله ، ومن حسنت نيّته زيدَ في رزقه ، ومن حسُن برّه بإخوانه وأهله مُدَّ في عمره …
يا هشام رحم الله من استحيا من الله حقّ الحياء ، فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعَلِممَ أنّ الجنّة محفوفة بالمكاره ، والنار محفوفة بالشهوات.
يا هشام من كفّ نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة ، ومن كفّ غضبه عن الناس كفّ الله عنه غضبه يوم القيامة …
يا هشام أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله بعد المعرفة به : الصلاة ، وبرّ الوالدين ، وترك الحسد والعجب والفخر.
يا هشام أصلح أيّامك الذي هو أمامك ، فانظر أيّ يومٍ هو ، وأعدّ له الجواب ، فإنّك موقوفٌ ومسؤول …
يا هشام قال الله جلّ وعزّ : وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوّي في مكاني ، لا يُؤثِر عبدٌ هواي على هواه إلّا جعلت الغِنى في نفسه ، وهمّه في
٣٦
آخرته ، وكففتُ عليه ضيعته ، وضمّنتُ السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر.
يا هشام الغضب مفتاح الشرّ ، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً …
يا هشام إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا ، فكذلك تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار ..
يا هشام أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : قُل لعبادي : ـ
لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّهم عن ذكري ، وعن طريق محبّتي ومناجاتي ، اُولئك قطّاع الطريق من عبادي ، إنّ أدنى ما أنا صانعٌ أن أنزع حلاوى محبّتي ومناجاتي من قلوبهم …
يا هشام إيّاك والكِبر على أوليائي ، والاستطالة بعلمك ، فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك ، وكُن في الدُّنيا كساكن دارٍ ليست له ، إنّما ينتظر الرحيل …
يا هشام لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.
يا هشام إيّاك والطمع ، وعليك باليأس ممّا في أيدي الناس ، وأمت الطمع من المخلوقين.
فإنّ الطمع مفتاح للذلّ ، واختلاس العقل ، واختلاف المروّات ، وتدنيس العرض ، والذهاب بالعلم.
وعليك بالاعتصام بربّك ، والتوكّل عليه.
وجاهد نفسك لتردّها عن هواها ، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك …) (١).
يتبع ..
المصدر : كتاب أخلاق أهل البيت عليهم السلام
السيّد علي الحسيني الميلاني
المصدر
http://books.rafed.net