ميزان الخلق الصحيح

ميزان الخلق الصحيح

“من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ” الإمام الصادق (ع)

ميزان الخلق الصحيح

غاية علم الأخلاق أن يوصل الإنسان إلى الكمال الأعلى الذي يطلبه بأعماله وصفاته، ولهذا فإن بعض الخلقيين يسرف فيقول: ” علم الأخلاق أشرف العلوم جميعاً لأنه يوصل إلى أشرف مخلوق إلى أشرف غاية “.

والحكم الذي لا يقبل الشك فيه أن علم الأخلاق من أشرف العلوم ومن أرقاها.

علم الأخلاق رائد الإنسان إلى سعادة ودليله على الخير الأعلى، وهو مرشد النفوس إلى الفاضل من الصفات والفاضل من الأعمال. ومن الجور الذميم ان تترقب منه أكثر من هذا. لعلم الأخلاق أسوة بأخواته من العلوم التي تطلب لغاياتها. عليه ان يمهد السبيل إلى الغاية ويوضح الطريق إلى المقصد. وعلى العالم الخلقي ان يكون طبيباً ماهراً يعين الداء بدقة ويصف الدواء بمهارة وليس عليه بعد هذا ان يضل الضال أو يصل الواصل. فإن لحصول النتيجة شروطاً أخرى وراء معرفة المقدمات، قد يخطئ الإنسان الهدف الذي يريده لأنه أساء التطبيق، أو لم يحسن استعمال العلاج، والمحاسب عن هذا التقصير هو الإنسان نفسه، لا علم الأخلاق، وقد أوضح الإمام هذه الناحية بقوله: ” ان نفسك رهينة بعملك”[1]، وقوله: ” قد جعلت طبيب نفسك، وبيّن لك الداء وعرفت آية الصحة ودللت على الدواء فأنظر كيف قيامك على نفسك “[2] علم الأخلاق هو الوسيلة التي تكشف للإنسان الداء، وهو الذريعة التي يعرف بها آية الصحة، والمرشد الذي يدله على الدواء، ثم يوكل استعماله إليه فلينظر كيف قيامه على نفسه. أما قول الإمام في هذا الحديث: ” جعلت طبيب نفسك “فأنه يجري على استعارة جميلة وكثيراً ما كررها الخلقيون في كلماتهم. وبين الطب وعلم الأخلاق نواحٍ كثيرة من وجوه الشبه.

للإنسان صورة ظاهرة يفحصها الطبيب من حيث الصحة والمرض، وله صورة باطنة يبحث عنها الخلقي من حيث التوازن والانحراف، ولكل من هاتين الصورتين طوارئ تخرجها عن الاستواء. والتوازن في صفات الجسم الذي يطلبه الطبيب لأنه صحة؛ له نظير في النفس يطلبه الخلقي لأنه كمال. والانحراف الذي يدافعه الطبيب عن البدن لأنه مرض جسمي. يحارب الخلقي مثله في النفس لأنه مرض روحي، وإذا كان حصول الكمال النفسي سعادة للإنسان كما يقول الخلقيون، فإن حصول الصحة سعادة للبدن كما يقول الأطباء، وكثيراً ما سرت أمراض البدن إلى النفس وتعدت أمراض النفس إلى البدن والمتأخرون من الخلقيين والنفسيين يقولون: ” العقل الصحيح في الجسم الصحيح “.

الإنسان هو طبيب نفسه وهو المسؤول عن تزكيتها وتهذيب أخلاقها ولكن على علم الأخلاق ان يدله على آية (الصحة ) وأن ينصب له ميزاناً عادلاً يميز به بين صحيح الملكات وفاسدها، وخير الأعمال وشرها؛

ليألف الحسن منها ويجتنب القبيح، وقد علمنا في الفصول السابقة ما يتكفل لنا بذلك، فقد عرفنا أن فضائل الملكات أوساط ورذائلها انحرافات وأطراف، وعرفنا أن المقياس الذي تعلم به هذه الأوساط هو الشريعة الإلهية المعصومة، وبهذا الميزان نستطيع أن نعرف الخلق الصحيح فنتوجه إليه في سلوكنا، وأن نحكم على العمل بأنه خير وأنه صواب إذا وافق الخلق الكريم.

ولكننا قد نخطئ الهدف المقصود وان كما قد علمنا جميع ذلك، وطبقناه على أعمالنا وعاداتنا.

قد نعين الأوساط التي حكمنا بأنها فضائل، ونميز الأعمال التي تختص بها هذه الأوساط ثم يسعى إلى تحقيقها حتى يصبح الخلق صفة من صفاتنا، ونحن مع هذا الجهد كله لم نتصف بالفضيلة لأننا قد أضعنا الغاية التي من أجلها حببت هذه الفضيلة. ليست الأوساط بمطلقها فضائل، فقد تطلب هذه الأوساط لغير غاياتها، والخلق الصحيح ما طلبت به الغاية الصحيحة. والقاعدة التي يذكرها الخلقيون لذلك: أن يتصف الإنسان بالفضيلة لأنها فضيلة. ويجتنب القبيح لأنه قبيح. أما الإمام الصادق (ع) فيقول في ذلك: ” من سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن “[3] الحسنة هي العمل الخير إذا قصد به الوجه الصحيح، والسيئة عمل الشر، وعمل الخير أيضاً حين يقصد به غاية غير صحيحة. فإذا سر الإنسان بحسنته وأستاء من سيئته كان هذا دليلاً على تركز الخلق الصحيح في نفسه لأن السرور هو التذاذ الإنسان حين يرضي رغبة من رغباته. والمساءة هي التألم الذي يحصل عند انقماع الرغبة.

وهذا الذي يذكره الخلقيون هنا لا ينافي ما تقدم في تحديد معنى الفضيلة وإنما هو شرح وإيضاح.

الفضيلة أن تعتدل الملكة النفسية فلا تشذ ولا تنحرف. وإذا مالت بها الأهواء واستخدمتها الغايات فقد شذت وانحرفت. والفضيلة أن تسير النفس في عملها وفي صفاتها على هدى العقل وإرشاده، فإذا قصدت بالعمل أو بالصفة غاية وضعية فقد بعدت عن حكمة العقل وتعامت عن إرشاده. والفضيلة أن يتوسط الإنسان في ملكاته، وأن يتسامى في غاياته، أما هذا الذي تحدثنا عنه فهو باطل يشبه الحق، وظلال يشبه الهدى، وسيئة تلبس ثوب الحسنة.

الهوامش

[1] الكافي الحديث8 من نوادر باب الاستدراج.

[2] الحديث6 من المصدر المتقدم.

[3] أصول الكافي الحديث6 باب المؤمن وعلاماته.

المصدر

http://www.anwar5.net

Loading