محاسبة النفس ومراقبتها
وجود الرغبات والميول الشهوانية في النفس امر لا خيار للانسان فيه ، حيث اقتضت ذلك حكمة الرب سبحانه ، لكن توجيه تلك الميول وترشيد تلك الرغبات هي مسؤولية الانسان التي خلق من اجل ان يؤديها في هذه الحياة.
وعلى الانسان ان يمارس بعقله ووجدانه دور الاشراف على نزعات النفس ، وملاحزة رغباتها ، ليمنع من نمو وترعرع الاتجاهات الفاسدة ، وليعالج ما قد يعتور النفس من امراض وعاهات ، وليضع حداً لما قد يحصل من اخطاء واغلاط. كما يحتاج الجسم الى الغسل والتنظيف ، واجراء الفحوص الطبية ، ومعالجة الامراض الطارئة ، كذلك تحتاج النفس الى صيانة مستمرة ، ورقابة دائمة ، للحفاظ عليه من التلوث ، ولحمايتها من الشوائب.
وتأتي النصوص الدينية بشكل مكثف داعية الى ضرورة اعتماد برنامج ثابت ، وخطة دائمة لمحاسبة النفس ومراقبتها.
1 ـ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « على العاقل ان يكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر
(56)
فيما صنع الله عزوجل اليه » (1).
(2) وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لا يكون العبد مؤمناً حتى يحاسب نفسه اشد من محاسبة الشريك شريكه والسيد عبده » (2).
3 ـ وعن الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : « الا فحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ، فان في القيامة خمسين موقفاً كل موقف مقام الف سنة » ثم تلا هذه الاية ( في يوم كان مقداره الف سنة » (3).
4 ـ وعن الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) : « ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل خيراً استزاد الله منه ، وحمد الله عليه ، وان عمل شراً استغفر الله منه وتاب اليه » (4).
5 ـ ويحذر الامام علي ( عليه السلام ) من غياب دور المحاسبة والمراقبة على النفس قائلاً : « من اهمل نفسه ضيع امره » (5).
6 ـ وعلى الانسان ان يكون دقيقاً وصارماً في محاسبة نفسه ومراقبتها والا فسيدفع ثمن التساهل والتسيب غالياً. يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « من سامح نفسه فيما يحب اتعبته فيما يكره » (6).
7 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر » (7).
8 ـ وقال ايضاً ( عليه السلام : « عباد الله : زنوا انفسكم من قبل ان توزنوا ، وحاسبوها من قبل ان تحاسبوا » (8)
1 و 2 و 3 و 4 ـ المجلسي : بحار الانوار : ج 70 ص 64.
5 و 6 ـ الري شهري : ميزان الحكمة : ج 10 ص 146.
7 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 208.
8 ـ المصدر السابق خطبة : 90.
(57)
هكذا تتكرر المقارنة والملازمة في النصوص الدينية بين محاسبة الانسان نفسه في الدنيا ومحاسبة الله تعلى له في الاخرة ، فكلما واظب الانسان على الاشراف والتوجيه والملاحظة لنفسه في الدنيا ، وفر على نفسه عناء حساب الاخرة ، اما تفريطه وتماهله وتساهله في محاسبة نفسه في الدنيا ، فسيكلفه مشقة وعذاب طول الحساب امام الله تعالى في الاخرة.
9 ـ والعجيب من الانسان انه يتشاغل عن محاسبة نفسه ومراقبتها بملاحظة اخطاء الاخرين وثغراتهم ، والتحدث عن عيوبهم ومساؤئهم يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « فحاسب نفسك فان غيرها من الانفس لها حسيب غيرك » (1).
1 ـ المصدر السابق خطبة : 122.
المصدر : كتاب : معرفة النفس