آثار الغناء

آثار الغناء (*)

عُرف الغناء منذ سالف الزمان، وكان له دوره وتأثيره في الحياة الاجتماعية وغيرها، فالباحث يرى تأثيره ولوازمه الغالبة، كالموسيقى والرقص ليس فقط على عامة النَّاس، بل على الحكام والملوك.

لذا إهتمَّ الإسلام اهتماماً عظيماً بهذه الظاهرة وتداعياتها، فتناولته عشرات النصوص الشريفة، وكان الموقف منه حاسماً، واعتبر المخالف فاسقاً، أي خارجاً عن جادة الاستقامة.‏

أمّا مَنْ يعتقد أنَّ الغناء والموسيقى وغيرهما هي عادات حديثة مبتدعة، أو نتاج الحضارة الحالية، فهذا ليس له أدنى إطلاع على حضارات الصين والهند واليابان، وما تعاقب منها على بلاد الشام وما بين النهرين.‏

حكم الغناء في الإسلام:‏

قد يُفاجأ البعض إذا سمع عن حرمة الغناء في الإسلام، لأنَّ الكثير من الموبقات والمفاسد ونتيجة لتكرارها ووفرتها، جعلت النفس لا تنفر منها ولا تستنكرها، بل تتعطل في مواجهتها حاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.‏

ذكر المحدِّث الكبير العلامة المجلسي قُدِّس سرُّه الشريف:: (أنَّه لا خلاف في حرمة الغناء عند علماء الشيعة، ونقل الشيخ الطوسي والعلامة وابن إدريس رحمهم اللَّه تعالى الإجماع على حرمته، وهذا دأب علماء الشيعة).‏

آثار الغناء على المجتمعات:‏

لو نظرنا إلى المجتمعات البائدة لرأينا أنَّ أحد أسباب انهيارها: الغناء وأبناء عمه، (الموسيقى والرقص).‏

فعندما يتعلَّق النَّاس بالغناء، خاصةً الفئة الشابة منهم، فهذا يعني انصرافهم عن شؤون الأمّة، والمستقبل، والبناء، والجديَّة، والتضحية، والفداء، والشجاعة، والعلم… والدليل الحاسم، ما نعيشه اليوم في مجتمعاتنا، بعد انتشار الفضائيات وقبلها الإذاعات، والتي تستأثر الفترة الأطول لبثِّها بالأغاني، التي تُؤدِّي إلى المياعة والانحلال والمجون، وإنْ حاول البعضُ في السنوات الأخيرة تسمية ذلك (فناً) أو إبداعاً!!!‏

فجلسات الغناء، وعلى الأعمِّ الأغلب، يشيع فيها الانحلال والفساد والرقص والمجون وشرب الخمور… وإغراء الشباب بأساليب خسيسة، وهذا لا يحتاج إلى برهان ولا دليل، ما دامت وسائل الإعلام، خاصة الفضائية منها تبث ذلك علناً يومياً ولساعات، وهي أكبر دليل على ما نحن فيه.‏

حتى وصلت الحال في المدّة الأخيرة، ومن خلال تتبُّعنا لما يُنشر وينتشر، أنَّ أهل (الفن) أنفسهم، والمغنِّين والمطربين، يتهجَّمون على بعضهم البعض، ويتَّهمون كُلّ واحد الآخر، بأنَّ غناءه هابط، ولا قيمة (فنيَّة) له، وهو سُخْفٌ ومهزلة!!!‏

والشهادات المُطْنبة لا تخلو منها نشرة يومية أو أسبوعية.‏

فالصلاة والسلام على رسول اللَّه وآله، وهو القائل: (إيَّاكم واستماع المعازف والغناء، فإنَّهما يُنْبِتان النِّفاق في القلب، كما يُنبت الماءُ البقل).‏

وليس بالضرورة أن نُحلِّل ونُبرهن مادام النُّقاد في الصحف اليومية، ينتقدون بعض البرامج وكلّ (الكليبات) التي تعتمد على الغناء، والتي تكثر فيها مظاهر الابتذال والحركات الرخيصة، والكلمات الساقطة، والأجواء الموبوءة، والتهاون بأعراض النَّاس وجسد المرأة…‏

آثار الغناء على الأفراد:‏

فالغناء يُفقد الروحيَّة ويصرف عن الطاعة، والعبادة، وطلب العلم، حتى الواجب منه.‏ لأنَّ المرء إذا تعلَّق بالغناء جعله شغله ومعبوده…‏

ألا ترى كيف أنَّ بعض مَنْ استحوذ الغناء عليهم فأنساهم ذكر اللَّه تعالى، يستمعون إليه في المنزل، والحمام، والسيارة، والمقهى، والسهرة، والعرس والحفلات العامة، وعند لقاء الحبيب!!!‏

ألا ترى أنَّ البعض، نعوذ باللَّه تعالى، قال عن المطرب الفلاني: معبود الجماهير!!!‏

فكيف يُمكن لهذا أن يعبد اللَّه حقاً، تعبُّداً ورقاً؟‏

ورد في النصِّ الشريف عن مولانا رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم): (الغناء يُنْبت النِّفاق في القلب).‏

وفي النصِّ عن مولانا الصادق (عليه السّلام) قال: (الغناء مما أوعد اللَّه عزَّ وجلّ عليه النار، وهو قوله عزَّ وجلّ: ومن النَّاس مَنْ يشتري لهو الحديث ليُضلَّ عن سبيل اللَّه بغير علم ويتَّخذها هزواً أولئك لهم عذابٌ مهين).‏

ومعلومٌ، أنَّه لا جهاد أكبر ولا تهذيب نفس ولا فلاح في تزكيتها… من دون عزم وإرادة، كما هو معروف عند أهل السلوك.‏

إذاً، الغناء يُؤثِّر على الإيمان تأثيراً مباشراً، نعوذ باللَّه تعالى، فكيف يُحافظ على إيمانه مَنْ حرص على إحياء سُنن الجاهلية، وخالف السُّنَّة النبويَّة الشريفة؟!‏

وفي النص عن مولانا رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم): (إنَّ اللَّه بعثني رحمةً للعالمين، ولأُمْحِقَ المعازف والمزامير، وأمور الجاهلية).‏

وهناك آثارٌ سلبيَّةٌ عديدة، تترتَّب على فعل الغناء والاستماع إليه والتشجيع عليه… فإضافة إلى ضعف الإيمان، كذلك يُؤثِّر على الرزق والعبادة، وفي مضمون بعض النصوص، أنَّ الغناء رقيَّة الزنا والعياذ باللَّه تعالى، وأنَّه صوتٌ ملعونٌ في الدنيا والآخرة، وأنَّه يُقسِّي القلب، وقد يُفسدُ الإيمان من أساسه، وأجرُ الغناء سُحْتٌ، والسحتُ في النار، وأنَّ الاستماع إلى الغناء نفاق.‏

ورد عن مولانا الصادق (عليه السّلام) في السَّند الصحيح: (بيت الغناء لا تُؤمن فيه الفجيعة، ولا تُجاب فيه الدعوة، ولا يدخُلُه الملك).‏

البلاء في هذا الزمان:‏

وممَّا ابتُلينا به في هذا الزمان، أنَّ بعض الأناشيد تحوَّل إلى غناء، أمّا لجهلٍ؛ بحكم الغناء في الشرع المقدَّس، وإمَّا لقلة الخبرة، وإمَّا رضوخاً للأجواء السائدة، وإمَّا تقليداً لِما يفعله الآخرون، وإمَّا طمعاً بالمال، وإمَّا لقلة الرادع أو ضعف الوازع، وإمَّا لحداثة الالتزام بالإسلام.‏

المهم أنَّ آثار ذلك لن تلبث أن تظهر وسيُدفع ثمنها غالياً من رصيد الآخرة.‏

والطريق المؤلم: أنَّ البعض يعتقد أنَّه بمجرَّد كوّن الكلمات إسلامية، أو دخول أسماء الأولياء (عليهم السلام) تُصبح الأغنية أو الأنشودة حلالاً على كُلّ حال، كيفما أُدِّيت!!!‏

وهذا جهلٌ بالحكم الشرعي الذي ينصُّ على حرمة الغناء ولو كان بآيات اللَّه سبحانه…

رُوي عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أخاف عليكم استخفافاً بالدين… وأن تتخذوا القرآن مزامير).‏

ومن البلاء أيضاً في هذا الزمان، التشجيع على الغناء، فقد رُوي أنَّه من قول الزور أن يقول للمغني: (أحسنت).‏

وفي قصة للعبرة، أنَّ مولانا الصادق (عليه السّلام)، نهى رجلاً كان يستمع للغناء وضرب العود عند جيرانه… وقال له: (قُمْ فاغتسِلْ وسَلْ ما بدا لك، فإنَّك كنتَ مقيماً على أمرٍ عظيم، ما كان أسوء حالك لو مُتَّ على ذلك، أُحمدْ اللَّه وسَلْهُ التوبة من كُلّ ما يكره، فإنَّه لا يكره إلاَّ كُلّ قبيح، والقبيح دَعْهُ لأهله، فإنَّ لكلٍّ أهلاً).‏


السيد سامي الخضرا

(*) ثبّت الكاتب عنوان هذه المقالة (آثار الغناء المحرَّم‏) ، وهذا عنوان خاطىء، لأن القارىء يفهم من خلال قراءته له، بأن الغناء ينقسم إلى قسمين : غناء محرم، وغناء جائز، لذلك تم حذف كلمة (المحرم). مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام للتراث والفكر الإسلامي (بتصرف).

المصدر: http://www.alhassanain.com/

Loading