التقوى
التقوى
التقوى، من أهم المفاهيم الأخلاقية والدينية في الإسلام. ومعناه: وقاية النفس من عصيان أوامر الله ونواهيه وما يمنع رضاه.
وقد سئل الإمام الصادق عن تفسير التقوى فقال: أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك.
وقد وردت في القرآن الكريم بصيغ ومواضع مختلفة، ولها آثار ومراتب بنص آيات القرآن، وكذلك في الروايات المرويّة عن النبي الأكرم والأئمة المعصومين، و هناك خطبة مشهورة حول التقوى و معناها في نهج البلاغة المشهورة بخطبة الهمام أو خطبة المتقين.
وقد صرّح القرآن بأنّ التقوى هي معيار التفاضل عند الله: إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وبها يتقبل أعمال عباده: إنما يتقبل الله من المتقين.
معنى التقوى
المعنى اللغوي
التقوى: جذرها اللغوي وَقَيَ ،وهي كلمة تدلُّ على دفع شيء عن شيء بغيره، واتَّقِ الله: توقّهُ، أي اجعل بينك وبينه كالوقاية.[١] ويقال أيضا وقى الشيء وَقْياً ووقايةً وواقِية: صانه عن الأذى وحماه.[٢]
المعنى الاصطلاحي
جاء في كتاب مفردات ألفاظ القرآن أنّ التقوى: جعل النفس في وقاية مما يُخاف، هذا تحقيقه. وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عمّا يُؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات، لما رُوي: الحلال بيّن والحرام بيّن، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه.[٣]
و عرفت ب”وقاية النفس من عصيان أوامر الله ونواهيه وما يمنع رضاه” أو “حفظ النفس حفظاً تاماً عن الوقوع في المحظورات بترك الشبهات” فقد قيل: “وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبهاتِ وَقَعَ فِي المُحَرَّماتِ وَهَلَكَ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُ”2، “فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الحِمى أوشكَ أَنْ يَقَعَ فيهِ”.[٤]
وقيل فيها أنَّها مجانبة كل ما يبعدك عن الله وعن طاعته وطاعة محمد وآل محمد.
وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن تفسير التقوى فقال: أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك.
التقوى في القرآن
وردت مفردة التقوى 17 مرة في القرآن الكريم، ومشتقاتها أكثر من 200 مرة، وقد بيّن القرآن الكريم في قصة ابني نبيّ الله آدم(ع)أنّ المولى تعالى يتقبّل فقط أعمال المتقين:
- ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.[٥]
وأنّها المعيار الأساس للتفاضل بين الناس:
- ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.[٦]
وكذلك أنّ التقوى هي السبيل للوصول إلى بركات السماء والارض:
- ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.[٧]
وأن التقوى موجبة لمحبة الله تعالى للعبد:
- ﴿بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾،[٨]
وكذلك بيّن ووضح الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم صفات المتقين، حيث قال:
- ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾[٩]
- ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.[١٠]
- ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.[١١]
وقد ورد في القرآن أيضا أنّ أنبياء الله جميعهم حثّوا أممهم على التقوى:
- ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾.[١٢]
- ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾.[١٣]
- ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾.[١٤]
- ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾.[١٥]
- ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ﴾.[١٦]
آثار التقوى في القرآن
مما ورد حول آثار التقوى في القرآن مايلي:
- أنّ التقوى تمكّن الإنسان من معرفة الحق والباطل وتغطّي على ذنوبه وتمحو آثارها من وجوده وستشمله مغفرة المولى تعالى[١٧]: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾[١٨]
- أنّ التقوى هي السبيل للخلاص من كل الطرق المسدودة والحصول على الرزق الوفير[١٩]﴿وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾[٢٠]
مراتب التقوى
يمكن أن تُجمل مراتب التقوى التي في وردت في القرآن الكريم ، إلى مرتبتين هما:
- مرتبة التقوى: وهي مرتبة تنال عندما يطاع الله سبحانه ولا يعصى ويخضع له فيما أعطى أو منع بقدر استطاعة كل فرد[٢١]وهو المستفاد من قوله تعالى «﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.[٢٢]
- مرتبة حق التقوى: وهي اجتناب مشاهدة وجود الخلق مع وجود الخالق[٢٣] وهي العبودية التي لا تشوبها إنية ولا غفلة، وهي الطاعة من غير معصية والشكر من غير كفر، والذكر من غير نسيان[٢٤] قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[٢٥]
التقوى في الرويات
أوصى الإمام الصادق عليه السلام عبد الله النجاشي، فقال: “إني أوصيك بتقوى الله وإيثار طاعته والاعتصام بحبله، فإنَّه من اعتصم بحبل الله فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيمٍ، فاتَّق الله ولا تؤثر أحداً على رضاه وهواه، فإنَّه وصية الله عزّ وجل إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها، ولا يعظم سواها. واعلم أن الخلائق لم يوكلوا بشيء أعظم من التقوى فإنَّه وصيتنا أهل البيت، فان استطعت أن لا تنال من الدّنيا شيئاً تسأل عنه غداً فافعل” |
- عن الإمام الصادق: لمّا سُئل عن تفسير التقوى: «أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك»[٢٦]
- عن الرسول الأكرم: «شرف الدنيا الغنى، وشرف الآخرة التقوى».[٢٧]
- عن الإمام علي: «صِفَتانِ لا يَقبَلُ اللهُ سبحانه الأعمالَ إلّا بِهِما: التُّقى والإخلاص».[٢٨]
- وعنه عليه السلام: «أوصيكم بتقوى الله، فإنها حقّ الله عليكم، والموجبة على الله حقكم، وأن تستعينوا عليها بالله، وتستعينوا بها على الله…ألا فصونوها وتصوّنوا بها».[٢٩]
- وعنه أيضا: «إنّ تقوى الله عمارة الدين وعماد اليقين، وإنّها لمفتاح صلاح ومصباح نجاح».[٣٠]
- وعن الإمام علي: «حرام على كلّ قلب متوّله بالدنيا أن تسكنه التقوى».[٣١]
خطبة المتقين
خطبة المتقين؛ هي إحدى خطب الإمام أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة. خطبها (ع) حين طلب منه همام وهو من خُلّص شيعته وعُبّادهم أن يصف المتقين فأجابه الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى ذلك، وبدأ يصف المتقين من حيث سلوكهم الفردي والاجتماعي والعبادي. وما أن أتم الإمام خطبته حتى خرّ الرجل صريعا لشدّة تأثره بالخطبة.
درجات التقوى
جاء في حديث عن الإمام الصادق :«التقوى على ثلاثة أوجه تقوى بالله في الله وهو ترك الحلال فضلا عن الشبهة وهو تقوى خاص الخاص وتقوى من الله وهو ترك الشبهات فضلا عن حرام وهو تقوى الخاص وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام وهو تقوى العام»[٣٢]
وعليه فالتقوى تنقسم إلى ثلاثة مراتب:
- تقوى العوام وهو ترك المحرمات خوفا من العقاب.
- تقوى الخواص وهو ترك الشبهات (أي التي قد تكون محرمة) إضافة إلى ترك المحرمات.
- تقوى خواص الخواص وهو ترك المباحات والشبهات .
مواضيع ذات صلة
الهوامش
- ↑ ابن فارس، مقاييس اللغة، ج 6، ص 131.
- ↑ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، باب الواو ص 1052.
- ↑ الراغب الأصفهاني، مفردات الراغب، ص 881.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18، ص 122؛ كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى، ح 39.
- ↑ المائدة: 27.
- ↑ الحجرات: 13.
- ↑ الأعراف: 96.
- ↑ آل عمران: 76.
- ↑ آل عمران: 133-136.
- ↑ القصص: 83.
- ↑ الذاريات: 15-19.
- ↑ الشعراء: 124.
- ↑ الشعراء: 142.
- ↑ الشعراء: 161.
- ↑ الشعراء: 177.
- ↑ الصافات: 123-124.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 5 ص 53 – 54.
- ↑ الأنفال: 29.
- ↑ قرآئتي، تفسير النور، ج 10 ص 89 – 90.
- ↑ الطلاق: 2-3
- ↑ الطباطبائي، تفسیر الميزان، ج 3 ص 420.
- ↑ التغابن: 16
- ↑ الآملي، تفسير المحيط الأعظم، ج 1 ص، 283 – 284.
- ↑ الميزان ج3ص420
- ↑ آل عمران: 102.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 11 ح 22470، ص 4831.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 11 ح 22403، ص 4818.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 11، ص 4821 ح 22422.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 11 ح 22358، ص 4831.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 11، ص 4815، ح 22385.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 11، ص 4829.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 70، ص 296.